Skip to main content

Full text of "قصص وروايات 4"

See other formats


Converted by Tiff Combine - (no stamps are applied by registered version 





Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 








Converted by Tiff Combine - 





ayy peer 


GAL? Oo‏ الطشبيع ص موز 


© داو الشرو هقف 
القامرة 15 شارع حراد سی هاتف ۳۹۳۵۷۸ ۳۹۳٤۸۱4‏ 


برقا شسروق- SHROK UN ot‏ 09091 
ورت ص ب RANE‏ ساس . ۳۱0۸0۹ = فلم AYY‏ 


ریا داشروق - للكسس ٠‏ هرا 20175 SHOROK‏ 


Combine - (no stamps are d by registered version 








ied by registered version 





الفلاف للفنان حامى الشونى 


Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine - (no stamps are applied by registered version 





Vv 





Converted by Tiff Combine 








بيت ot‏ لحم 


الخاتم بجوار المصباح. الصمت يحل فتعمى الآذان. في 
الصمت يتسلل الأصبع . يضع الخاتم . 

في صمت أيضاً يطفأ المصباح . 

والظلام يعم . 

في الظلام أيضاً تعمى العيون. الأرملة وبناتها الثلاث. والبيت 
حجرة. والبداية صمت . 


HN 
الأرفلة طويلة بيضاء ممشوقة » في الخامسة والثلاثين.‎ 


بناتها Lat‏ طويلات فائرات؛ لا يخلعن الثوب الكاسي الأسود 
بحداد أو بغير حداد. صغراهن في السادسة عشرة وكبراهن في 
العشرين. . قبيحات ورثن جسد الأب الأسمر المليء بالكتل غير 
المتناسقة والفجوات» وبالكاد أخذن من الأم العود. 


: بيت من لحم 





الحجرة» رغم ضيقها تسعهن في النهار. . رغم فقرها الشديد 
مرتبة أنيقة» يشيع فيها جو البيت وتحفل بلمسات الإناث الأربع. في 
الليل تتناثر أجسادهن كأكوام من لحم دافىء حي» بعضها فوق 
الفراش» وبعضها حولهء تتصاعد منها الأنفاس حارة مؤرقة» أحياناً 
عميقة الشهيق. 

الصمت خيم مذ مات الرجل» والرجل مات من عامين بعد 
مرض طويل. انتهى الحزن وبقيت عادات الحزانى وأبرزها 
الصمت. . صمت طويل لا يفرغ اذ كان في الحقيقة صمت انتظارء 
فالبنات كبرن والترقب طال والعرسان لا يجيئون. ومن المجنون الذي 
يدق باب الفقيرات القبيحات» وبالذات إذا كن يتامى؟. ولكن الأمل 
بالطبع موجودء فلكل فولة كيال ولكل بنت عدلها. فإذا كان الفقر 
هناك فهناك دائماً من هو أفقرء وإذا كان القبح هناك فهناك دائما 
الأقبح. والأماني تنال. . أحياناً تنال بطول البال. 

Mee se 

صمت لم يكن يقطعه إلا صوت التلاوة. . يتصاعد في روتين لا 
جدة فيه ولا انفعال. والتلاوة cog pital‏ والمقرىء كفيف. والقراءة 
على روح المرحوم وميعادها لا يتغير.. عصر الجمعة يجيء بعصاه 
ينقر الباب» Lally‏ الممدودة يستسلم» وعلى الحصير يتربع. وحين 
ينتهي يتحسس الصندل» ويلقي بتحية لا يحفل أحد بردهاء 
ويمضي . بالتعود يجي ء . . بالتعود يقرأ. . بالعادة يمضي » حتى لم 
يعد يشعر به أو acy‏ اليه أحد. . 





\\ 


دائم هو الصمت» حتى وتلاوة عصر الجمعة تقطعه أصببحت 
وكأنها قطع الصمت بصمت. دائم هو كالانتظارء كالأمل. . أمل قليل 
ولكنه دائم» فهو أمل في الأقل. دائماً هناك لكل قليل oil‏ وهن لا 
يتطلعن لأي أكثر. Vial.‏ يتطلعن . 

يدوم الصمث حتى يحدث شيء. . يجيء عصر الجمعة ولا 
يجيء المقرىء. فلأي اتفاق مهما طال نهاية وقد انتهى الاتفاق. 


وتدرك الأرملة وبناتها الآن فقط كنه ما تقدم» ليس فقط 
الصوت الوحيد الذي كان يقطع الصمت» ولكن أيضاً الرجل الوحيد 
الذي كان ولو في الأسبوع مرة يدق الباب. بل أشياء أخرى 
يدركن. . فقير مثلهن هذا صحيح » ولكن ملابسه أبداً كانت نظيفة, 
وصندله Lathe‏ مطلى » وعمامته ملفوفة بدقة يعجز عنها المبصرون» 
وصوته قوي عميق رنان. 

والاقتراح يبدأ: LS‏ لا يجدد الاتفاق ومنذ الآن؟ ولماذا لا 
يرسل في طلبه هذه اللحظة؟. مشغول» فليكن! MEY‏ ليس 
بالجديد. وقرب المغرب يأتي» ويقرأ وكأنه أول مرة يقرأء . والاقتراح 
ينشأ. . لماذا لا تتزوج احداهن رجلا يملأ علينا بصوته الدار؟. هو 
أعزب لم يدخل دنياء وله شارب أخضرء ولكنه شاب . وبالكلام يجر 
الكلامء ها هو الآخر يبحث عن بنث الحلال. 


البنات يقترحن والأم تنظر في وجوههن لتحدد من تكون صاحبة 
النصيب والاقتراح . ولكن الوجوه تزور مقترحة ‏ فقط مقترحة ‏ قائلة 


۷ بيت من لخم 





بغير الكلام: أنصوم ونفطر على أعمى؟. هن ما زلن يحلمن 
پالعرسان › والعرسان عادة مبصرون. مسكينات لم يعرفن بعد عالم 
الرجال» ومحال أن يفهمن أن الرجل ليس بعينيه . 

- تزوجيه أنت يا أماه. . تزوجيه . 


أنا؟ . يا عيب الشوم! . والناس؟ 


يقولون ما يقولون. . قولهم أهون من بيت خال من رنين 


- أتزوج قبلكن؟ . مستحيل . 


- أليس الأفضل أن تتزوجي قبلناء ليعرف بيتنا قدم الرجال 
فنتروج بعدك؟ تزوجيه يا أماه. 


وتزوجته. . زاد عدد الأنفس واحدةء وزاد الرزق قليلا 
ونشأت مشكلة أكبر. 

الليلة الأولى انقضت وهما في فراشهماء هذا صحيح . 
ولكنهما حتى لم يجسرا على الاقتراب. . ولو صدفة! فالبنات الثلاث 
نائمات» ولكن من كل منهن ينصب زوج من الكشافات المصوبة 
بدقة إلى المسافة الكائئة بينهما. . كشافات عيون»ء وكشافات COLT‏ 
وكشافات احساس . البنات كبيرات» عارفات ومدركات؛ والحجرة 
كأنما تحولت بوجودهن الصاحي إلى ضوء نهار. ولكن بالنهار لم تعد 
ثمة حجة» وواحدة وراء الأخرى تسللن ولم يعدن إلا قرب الغروب. 





١ 


مترددات حجلات يقدمن رجا ويؤخرن رجا حتى يزددن قربا 
وحينذاك يدهشهن.. يربكهن. . يجعلهن يسرعن ضحكات. . 
قهقهات رجل تتخللها سخسخات امرأة. . أمهن لابد تضحك» 
والرجل الذي ما سمعنه إلا مؤهباً Lette‏ ها هو يضحك! بالأحضان 
قابلتهن ولا تزال تضحك» رأسها عار وشعرها مبلل ممشط ولا تزال 
تضصحك» وجهها. . ذلك الذي أدركن للتو أنه كان مجرد فانوس مطفاً 
عشعش فيه إالعنكبوت والتجعيدات» led‏ أنار» ها هو أمامهن كلمبة 
الكهرباء مضيء. ها هي عيونها تلمع وقد ظهرت وبانت وتلألات 
بالدمع الضاحك. . تلك التي كانت مستكنة في قاع المحجر. 

الصمت تلاشى واختفى تماماًء على العشاء وقبل العشاء وبعد 
العشاء نكت تترى وأحاديث وغناء! صوته حلو وهو يغني ويقلد أم 
كلثوم وعبد الوهاب» صوته عال أجش بالسعادة يلعلع . 

Le‏ فعلت يا أماه! وغداً تجذب الضحكات الرجال؛ فالرجال 
gab‏ الرجال . 

نعم يا بنات» غداً يجيء الرجال ويهل العرسان. ولكن الحق 
أن ما أصبح يشغلها ليس الرجال أو العرسان ولكنه ذلك الشاب. 
كفيف فليكن» فما أكثر ما نعمى عن رؤية الناس لمجرد أنهم عميان. 
هذا الشاب القوي المتدفق قوة وصحة وحياة» ذلك الذي عوضها عن 
سنين المرض والعجز والكبر بغير أوان. 

الصمت تلاشى وكأن إلى غير رجعة» ضجيج الحياة دب. 


4 بيت من لحم 





1 


الزوج زوجها وحلالها وعلى سنة الله ورسوله» فماذا.يعيب؟ وكل ما 
تفعله جائزء حتى وهي لم تعد تحفل بالمواربة أو بكتمان الأسرار. 
حتى والليسل يجيء وهم جميعاً معاً» فيطلق العقال للأرواح 
والأجسادء حتى والبنات مبعثرات متباعدات يفهمن ويدركن وتنهدج 
منهن الأنفاس والأصوات» مسمرات في مراقدهن يحبسن الحركة 
والسعال. . تظهر Ob‏ فجأة فتكتمها الآهات . 

كان نهارها «غسیل» في بيوت الأغنياءء ونهاره قراءة في بيوت 
الفقراء» ولم يكن من عادته أولالأمر أن يؤوب إلى الحجرة ظهراً» 
ولكن لما الليل عليه طال والسهر أصبح يمتد» بدأ يؤوب ساعة الظهسر 
يريح جسده ساعة من عناء ليل ولى واستعدادا لليل قادم. وذات مرة 
بعدما شبعا من الليل وشبع الليل منهماء سألها فجأة عما كان بها 
ساعة الظهر» ولماذا هي منطلقة تتكلم الآن ومعتصمة بالصمت التام 
ساعتها؟ ولماذا تضع الخاتم العزيز عليه ON‏ إذ هو كل ما كلفه 
الزواج من دبلة ومهر وشبكة وهدايا ‏ ولماذا لم تكن تضعه ساعتها؟ 

كان ممكناً of‏ تنتفض هالعة واقفة صارخة. كان ممكناً أن 
تجن. كان ممكناً أن يقتله أحد. فليس لما يقوله إلا معلى واحد. ما 
أغربه وأبشعه من معنى ! 

ولكن غصة خائقة حبست كل هذا وحبست معه أنفاسها. . 
سكتت. بأذانها التي حولتها إلى أنوف وحواس وعيون راحت تتسمع 
وهمها الأول ان تعرف الفاعلة. إنها متأكدة لأمر ما أنها السطئ . إن 





في عينيها جرأة لا يقتلها الرصاص إذا أطلق. . ولكنها تتسمع | 
الأنفاس الثلاثة تتعالى عميقة حارة كأنها محمومة. . ساخنة بالصبا 
soles‏ تتردد» تنقطع. أحلام حرام تقطعها. . أنفاس باضطرابها 
تتحول إلى فحيح. . فحيح كالصهد الذي ates‏ أراض عطشى» 
والغصة تزداد bine‏ واحتباساً. إنها أنفاس جائعات ما تسمع» بكل 
شحذها لحواسها لا تستطيع أن تفرق بين كومة لحم حي ساخحدة 
مكتومة وكومة أخرى. كلها جائعة! كلها تصرخ وتئن» وأنينها يتنفس 
ليس أنفاساً» ربما استغائات . bay‏ رجوات . 3 ربما ما هو أكثر. 

غرقت في حلالها الثاني ونسيت حلالها الأول. . بئاتها! 
والصبر أصبح Ladle‏ وحتى سراب العرسان لم يعد يظهر. فجأة 
ملسوعة ها هي كمن استيقظ مرعوباً على نداء خفي . . البنات 
جائعات! الطعام حرام صحيح ولكن الجوع أحرم. . أبدا ليس مثل 
الجوع حرام! انها تعرفه.. عرفها ويبس روحها ومص عظامهاء 
وتعرفه ‏ وشبعت ما شبعت ‏ مستحيل أن ننسى مذاقه . 

جائعات وهي التي كانت تخرج اللقمة من فمها لتطعمهن. . 
هي التي كان همها حتى لوجاعت أن تطعمهن, هي ce‏ أنسيت؟ 

وألح مهما ألح تحولت الغصة إلى صمث. الأم صمتت ومن 
لحظتها لم يغادرها الصمت. 

وعلى الإفطار كانت كما قدرت تماما الوسطى صامتة. 

وعلى الدوام ظلت صامتة . 


١١‏ بيت من لحم 





5 


والعشاء يجى ء › والشاب ‏ سعيداً وكفيفاً ومستمتعاً ‏ ينكت لا 
dhe‏ ويغني ويضحك ولا يشاركه الضحك إلا الصغرى والكبرى 
فقط . 

ويطول الصبر ويتحول علقمه إلى مرض» ولا أحد يطل . 

وتدأمل الكبرى ذات يوم حاتم أمها في أصبعها وتبدي 
الاعجاب به ويدق قلب evi‏ وتزداد دقاته وهي تطلب منها أن تضعه 
ليوم » لمجرد يوم واحد لا غير. وفي صمت تسحبه من أصبعها. وفي 
صمت تضعه الكبرى في أصبعها المقابل. 

وعلى العشاء التالي تصمت الكبرى وتأبى النطق , 

والكفيف الشاب يصخب ويغني ويضحك,. والصغرى تشاركه. 

ولكن الصغرى تصبح — بالصبر والهم وقلة البخت - أكبر» وتبدأ 
تسأل عن دورها في لعبة الخاتم» وفي صمت SUS‏ الدور. 

والخاتم بجوار المصباح . . الصمت يحل فتعمى الآذان. وفي 
الصمت يتسلل الأصبع صاحب الدور ويضع الخاتم في صمت أيضاً. 
ويطفىء المصباح والظلام يعم › وفي الظلام تعمى العيون. 


ولا يبقى صاخباً مدكتاً مغنياً. إلا الكفيف الشاب . 


فوراء صخبه وضجته تكمن رغبة تكاد تجعله يثور على الصمت 
وينهال عليه تكسيراً. إنه هو الآخر يريد أن يعرف.. عن يقين 





1۷ 


يعرف . كان أول الأمر يقول لنفسه إنها طبيعة المرأة التي Ls‏ البقاء 
على حال وأحد» فهي طازجة صابحة كقطر الندى مرة» Aguas‏ 
مستهلكة كماء البرك مرة أخرى. ناعمة كملمس ورف الورد صرة» 
خشئة OLS‏ الصبار مرة أخرى. الخاتم دائم وموجود صحيح» ولكن 
وكانما الأصبع الذي يطبق عليه كل مرة أصبع . إنه IK‏ يعرف» وهن 
بالتأكيد كلهن يعرفن› فلماذا لا يتكلم الصمت؟ لماذا لا ينطق؟ 

ولكن السؤال يباغته ذات عشاءء ماذا لو نطق الصمت؟ ماذا لو 
تكلم؟ 

مجرد التساؤل أوقف اللقمة في حلقه. 

ومن لحظتها SY‏ بالصمت تماماً وأبى أن يغادره. 

بل هو الذي أصبح GLE‏ أن يحدث المكروه مرة ويخدش 
الصمت. ربما كلمة واحدة تفلت فينهار لها بناء الصمت كله, والويل 
له لو انهار بئاء الصمت. 

الصمت المختلف الغريب الذي أصبح يلوذ به الكل . 

الصمت الارادي هذه المرة. لا الفق» لا القبح ء لا الصبر ولا 
اليأس سببه . 1 

إنما هو أعمق أنواع الصمت» فهو الصمت المتفق عليه أقوى 
أنواع الاتفاق» ذلك الذي يتم بلا أي اتفاق . 


eae 


۱۳ بيت من لحم 





\A 


الأرملة وبناتها الثلاث . 
والبيث حجرة . 


والصمت الجديد. 


والمقرىء الكفيف الذي جاء معه بذلك الصمت» وبالصمت 
راح يؤكد لنفسه أن شريكته في الفراش على الدوام هي زوجه وحلاله 
وزلاله وحاملة خاتمهء تتصابى مرة أو تشیخ › تنعم أو تخشن» ترفع 
أو تسمن» هذا شأنها وحدهاء بل هذا شأن المبصرين ومسئوليتهم 
وحدهم! هم الذين يملكون نعمة اليقين» إذ هم القادرون على 
التمبيز. وأقصى ما يستطيعه هو أن يشك» شك لا يمكن أن يصبح 
يقيناً إلا بنعمة البصرء وما دام محروماً منه فسيظل محروماً من 
اليقين» إذ هو الأعمى » وليس على الأعمى حرج . 


أم على الأعمى حرج؟ 





في البدء كانت النكتة . 

وفي النهاية ربما أيضاً تكون! 

والنكتة في النكتة أنها لست (aU‏ ولكنها واقعة حدثت لأهل 
النكتة » صناعها المهرةء ورواتها العتاة. 

الدكتة لم تكن أن يستيقظ هذا العدد الكبير من الناس لأول مرة 
في تاريخ حي الباطنية) وكر الحشيش والأفيون والسيكونال ليؤدوا 
صلاة الفجر. هو الذين يبدأ نومهم بأذان الفجر. 

وليست النكتة أيضاً أنهم أدوا الصلاة أنصاف مساطيل» أنصاف 
يقظى » ينسى الواحد منهم أنه قرأ الفاتحة فيقرؤها ثانية ويعود 
ينساها» أو يعود يتذكر فيعود ينوي للصلاة في منتصف الصلاة . 

اللكتة في الحقيقة حدثت قرب نهاية الصلاةء نكتة لا تزال 
تتفجر بها صدور «الحشاشين» في الحي . . أولئك الذين تعايشوا مع 
النكت المروية حتى ألفوهاء فما کادوا يعشرون على نكتة حقيقية 


١6‏ بيت من لحم 





صارخحة دارت وقائعها أمام أعينهم حتى تلقفوها كما يتلقفون 
«الشيشات» الجديدة» وعربات الكارو؛ والموتوسيكلات والأطفال 
الجددء فيظلون يدندشونهاء وبمزاج يزخرفونها ويتقئون روايتها 
ويتفننون في اختراع التفاصيل التي لم تحدث حتى أصبحت أهم 
وأعز جزء من فولكلور الحي وتاريخه وقصصه»ء توارت بجانبها في 
الحقيقة ملاحم بطولة ليس أقلها ملحمة «حنتيتة» ونسائه الأربع أمام 
الضابط والمخبرين في واقعة زقاق التعبان. 

النكتة أنهم صلوا الركعة الأولى في أمان الله وكذلك الشانيةء 
ولم يعد Lat‏ على انتهاء ركعتي الفجر إلا السجدة الأخيرة. . ثم 
قراءة التحيات والتشهد والتسليم. أما السجود فقد سجدوا. . قال 
الامام الشيخ : الله أكبر. ثم كد ووا جا ورا طف 
صفوف طويلة ملأت الجامع الصغير. أناس ساجدون في خشوع Oly‏ 
OLS‏ سجوداً غير مريح» فمعظمهم كان لم يقرب الصلاة من مدةء 
ومفاصلهم وعضلاتهم تصلبت ج لم تعد تقوى على أوضاع 
الصلاة. ورددوا «سبحان الله ثلاثاء ولكنهم حين لم يسمعوا «الله 
أكبر» من الامام ايذاناً بنهاية السجدة بدأ الوسواس يوسوس للكثيرين 
أنهم أخطئوا العدد ومن جديدء وعلى مهل قالوهاء وأيضاً لم تأت 
التكبيرة المنتظرة» وأقلية هذه المرة هو التي عاودها الوسواس! وأقلية 
أيضاً هي التي بدأت تستنيم للوضع وتريح رءوسها المتعبة الدائرة لا 
تزال بما فيها من ارهاق وكيوف. . أما الأغلبية فقد بدأ شىء من 
الاستغراب القليل يخالجها. . استغراب كان ينهيه احساسهم أن Je‏ 


5 





۲١ 


سينطق الامام التكبيرة ويعتدل وينتهي الوضع . وكلما أمعنت اللحظة 
في مضبها دون أن تأتي التكبيرة بدأت نقطة الاستغراب القليسل 
يخالجها. . استغراب كان ينهيه احساسهم حقيقة ثم ذهول» حين 
تأكد للجميع حتى للأقلية الموسوسة والمستنيمة أن السجدة طالت 
حقيقة» وأنها ليست بطباً من الامام أو thea‏ خاصاً اختار لقوله وضع 
السجود» كما تأكد للجميم أنهم ليسوا أمام شيء عابر إنما هم 
بالتأكيد يواجهون حدثاً. لا بد أن شيئاً قد حدث ومنع الشيخ من 
اتمام السجدة. هنا تحركت الدهشة الحقيقية وتوزعت آلف احتمال 
واحتمال راحت تجوب الأدمغة المنحنية لا تجرؤ على الاعتدال. . 
رائحة غادية» متمائلة متناقضة.. أمرض؟ أمات؟ أأغمي عليه؟. 
أتكون حشيشة أغراه بها شيطان منهم وبدأت «تكبس» على يافوخه؟ 


وأيضاًء ورغم هذا كانوا متوقعين في كل لحظة تالية أن يرتفع 
صوته بالتكبيرة طارداً الهواجس» معيداً الثقة ‏ بأن كل شيء طبيعي 
ولا غبار عليه إلى عقولهم التي بدأت تسرح وتمرح وتنطلق إلى ما 
شاءت من خيال. 


ولكن وقتاً مضى» بالضبط لم يستطع أحد تحديده وإنما حسب 
رواياتهم بين الدقيقتين ونصف الساعة. . إذا تجاوزنا عن مغالاة 
البعض وقولهم إنه استمر حتى سمعوا أذان الظهر من الجامع 
الأزهر. . ناهيك عن المهولاتية الذين يصرون على أنهم للآن لا 
يزالون ساجدين. 





YY 


ولكن المؤكد أن bay‏ مضى بحيث أصبح مؤكداً حتى لأكشرهم 
غياباً عن الوعي أن الشيخ ليس Laat‏ على ما يرام» وأن التكبيرة 
بالتأكيد لم تصدر عنه وتنهي سجودهم الذي جعل الشخير يتصاعد 
من حلقين على الأقل من الحلوق التي تراخت وبدأ لعابها يسبل . 


وهنا فقط بدأ يتجسد أمامهم إشكال حقيقي يواجهه كل منهم 
منفرداً ولأول مرة في حياته. . ماذا بالضبط عليه أن يفعل؟ وما هو 
حكم الدين في موقف كهذا؟ وهل إذا رفع أحدهم رأسه تفسد 
صلاته ‏ وريما صلاة الجماعة بأسرها - ويحمل هو وحده ذلك الوزر 
كله؟ وهل يحتمل أحدهم أن يكون هودوتاً عن الساجذين جميعاً 
المتسبب في افساد للصلاة؟ العودة الحديثة لله وبيته وحظيرة الدين 
جعلتهم مرة أخرى يرون الله le‏ بجناته وجحيمه ووعده ووعيده أمام 
عيونهم . . هم كالتلاميذ يعودون ومن تلقاء أنفسهم إلى المدرسة بعد 
| طول «بلطجة» و «تزويغ». . الرهبة من الخطأ أو من الإقدام عليه 
ما لآ يمكن إن اها تالت Lag al yh‏ متلهم: Sig gh.‏ 


ولكن الوقت يمتدء الوقت الحقيقي يمتد» ووقت كل منهم 
الخاص الممدود بطبيعته يمتد ويتضاعف وتصبح الدقيقة فيه بعام. : 
يمتد الوقت حتى لتبدأ أفكار شيطانية خبيئة تخطر لبعضهم أكثرها شراً 
بالتأكيد فكرة أن يضحك» ليس فقط على الوضع الذي هم فيه وإنما 
على ما يمكن أن يحدث لو أن الشيخ الامام قد وافته سنة من النوم 





۲۳ 


مئلاء أو الأدهى . . لو كان مات! وأنهم سيبقون هكذا ساجدين. 
ربما إلى اليوم التالي وربما إلى يوم الدين» دون أن يكتشف أحد من 
pal‏ الحي ما حدث» فالجامع عندهم مكان غير مطروق» مجرد 
المرور عليه يوفظ الضمير. 


ولكن كل الأفكار الشيطانية هزمت فلم يضحك أحد» وحتى 
لم يطل تفكيره في الوضع كوضع مضحك كي لا يخونه صدره العائم 
بطبعه ويفلت منه الضحك . 


ولم يعد هناك شك لدى آخر المتفائلين فيهم أنهم أصبحوا في 
مأزق حقيقي » حين بدأ ضوء الشروق يتسلل وينافس ضوء الكهرباء 
القليل» وهم قد بدأوا الصلاة والظلام كامل . الآن بالاستطاعة القسم 
أن السجدة طالت طولاً غير طبيعي» وأن السعلاث التي PUSS oly‏ 
وتتحشرج بها الصدور المحنية لم تكن كلها سعالاًء أكثرها كان 
علامة تململ.. وتململ لا حل له» فمعرفة ما حدث تستلزم رفع 
الرأس والاستطلاع» ورفعها نقض للصلاة. فليتظر إلى أن يفعلها 
غيره لیکون البادىءء ويكون ذنبه هو ذنب التابع . . وفرق كبير بين 
ذنب الفاعل الأول وذنب التابع . 


استمر السجود إذن حتى انتصر حقيقة على كل ما اجتاح 
الرءوس من احتمالات أو مخاوف أو ضحكات . 


ولأن لا نكتة هنا والضحك الحقيقي لم يبدأ بعد. . فلنتركهم 


14 بيث من لهم 





vs 


هكذا ساجدين كل منهم لا يريد أن يكون البادىء بالمعصية . 

لنتركهم ساجدين ! 

إذ هكذا بالضبط تركتهم UT‏ 
Uf‏ الشيخ عبد العال إمام مسجد الشبوكشي في الباطئية . 

أكان لا بد يا دلي لي» أن تضيئي النور؟ ! 

eH 

أنا قطعاً سبحان فالق الإصباح. النوم في صوتي. فعيوني لا 
تتفتح إلا حين الوصول إلى «استغاثات» الفجر. أنا. . أنا صاعد سلم 
المشذنة الأفعواني المظلم. أنا. . مشفقاً على صدري وصوتي من 
الندى, أنا. . عيناي تقتحمهما البرودة وتغلقهما العادة والاحساس 
بأداء الواجب وإني إنما أؤذن في مالطة, وإن الأتقياء في الحي 
قليلون. والأتقياء تماما يفضلون جامع الأزهر القريب. وإجهاد 
الصوت لا فائدة منه فماذا يفعل صوتي وسط غابة المأذن المحيطة 
المزودة بحناجر ميكروفونية يغرق بينها صوتي مهما ارتفع . أنا أنا. . 
كما أمر ويغفر لسكان الحي النائم منهن واليقظان. . فنائمهم 
بمحصيسة » ويقظانهم لمعصية» والحظ وحده أو لعلها الحكمة هي 
التي دبرت تعييني في جامع أقامه صاحيه وقفاً من قديم الأزل» تركي 
كان هو. . بالسياط سلب وضرب. واعتقد أنه بالجامع وبضريحه 


Ys 





Xo 


المقام بجوار القبلة يجني ثمار الدعوات. 5 ستحمله صلوات الناس 
Se‏ بعد جيل لتقربه من الجئة. حتى رحلة الجنة تقطعها على 
أكتاف الآخرين يا. . تركي؟ 


أنا الخريج الحديث من الأزهرء من صغري أحببت الله 
وبإرادتي ربطت وجودي بديئه. أكاد أبسم اشفاقاً ممن يتصورون أني 
دخلته لأصبح فقيهاً ومقرئاً ما دام قد وهبني الله هذا الصوت. أعرف 
أن صوتي جميل وأني كي أداريه لا أكشف للناس كل جماله. . 
ولكن ما لهذا اخترت الأزهر» وما لهذا حفظت القرآن صغيراء ومن 
ابتدائي مدارس حولت إلى ابتدائي أزهر السبب أعمق. . السبب 
إلهي . . السبب موقفي من كون ليس فيه ما يستحق الحياة سواه. 

أكان LAY‏ «لي لي» أن تضيئي النور؟ 

أكان لابد؟ 

كم بدا النور Lab‏ وسط تمام الظلام! مصباح واحد في حجرة 
السطوح الواحدة هذا صحيح» ولكنه يكاد يضيء الباطنية كلها. . 
قابعة كمعسكر مزدحم نفق قاطنوه أو رحلوا. البيوت مريضة تتساند» 
أحشاؤها صغيرة بارزة محشوة كرحم القطط بأدميين. . رعيتي 
ومسئوليتي - بالأدق فشلي - بالرغبة المستعرة في ايقاظ الله في نفوس 
تريد أن تنسى فكرة وجوده. 


Y\‏ بيت من لحم 





15 


استمت. تخلوا عن الوعود الكاذبة والصهيئة وبدأ الضيق. . إلحاح 
آخر.. حمر العيون وبالوعيد جاءوا. . أسمع! خميرة عكئنة مش 
عايزين» وحسابنا في الآخرة نحن عارفين. . والحساب يجمع. 
بأدبك Stal‏ وسهلا. تدوشنا cal GU‏ واللي يصح لك. وبالسليقة 
عرفت أنهم صادقون. في أعماقهم أيضاً صادقون. . يرغبون في الله 
le‏ وفي أعماقهم مؤمنون. . ولكن الحياة. . حياتهم لا تحتمل الله 
الكامل. إما أن يقبلهم هكذا. . وهكذا يعبدونه وإما فلا. لهم دينهم 
حقاء الصلاة فيه ركعتا جمعة كل أسبوع» والنهار صيام في رمضان 
هذا صحيح . ولكن المهم أن من الفطار إلى السحور حشيش» 
وأيمان بالله ما هو الحشيش - حرام : اديني آية نزلت تحرمه. الزكاة 
معظم أغنيائهم يخرجونها فعلاء بل إن أحدهم كان عينياً كما أمر 
الدين» ومن «بضاعته» OLS‏ يزكي. والحج تاج على رءوس كبار 
المعلمين وعلى الأقل يتيح القسم ساعة الصفقات بشباك الرسول. 
كسبت منهم بالكاد خمسة وخسرت الثقة بأني خير مبشر ومبين. . ثم 
أدركت أن الخطا the‏ .وأني قبل أن أهديهم لابد أن أعرفهم أحياناً 
bre‏ أصبح منهم ليصبحوا مني . . إن لهم ل اعرف وفيا 
أخرى ومفاتيح نخاصة بغيرها تبقى دائماً حارج السور والصدور. ومن 
العزلة هبسطت. . إلى القهاوي أجلس. إلى الداعين coast‏ لأدير 
الوجه لما يحملون أو يدخنون. .أو يفعلون» بقلبي معهم أرى 


اکان لا بد يا ولي لي» کان لا بد؟ 


YY 





۷ 


أم أنه لابد هي أو غيرها لابد! لم أكن قد عرفت أن العفة 
معراة إلى هذا الحد» ولا طرأ بعقلي أني رغم حب الله شاب في 
الخامسة والعشرين. أنا متبتل» سعيد حتى بالحي الذي كان قاطنوه 
القدامى من طوائف «الباطنية» قد اعتزلوا بالحي دنياهم . . ربما نفس 
عزلة سكانه الحاليين. في «قعداتهم» نفس التأمل. الفرق أنهم 
يتأملون ما يضحك» بينما الباطنيون الأول كانوا يتأملون ما يحب» وما 
يقود إلى ينبوع الحب. . الله . 

لم أفطن إلا بعد أن تعددت المظاهرء وإلا بعد أنلاحت 
علامات رغم كل حسن النية. . لا تقبل الشك. قرأت لهم مرة 
فأعجبهم صوتي واستعادوني » وأحسست فجأة أني دخلت قلوبهم, 
وأن المغلقين يفتحون الأبواب» ولم يعودوا يريدون مني إلا الصوت 
والتلاوة. رفضوا الواعظ والمبشر والامام ولم يعد أمامي إلا صوت 
يجذبهم لما أريد. الله المجرد صعب» ولتكن البداية على هدى آية 
من Lal‏ 


السميعة بقربي دائماً رجال» ولم أكن أعرف أن أعداد النساء 
خلفهم أكبر! وأني ما أن أبدأ أقرأ حتى يشيع الخبر في الحي 
كالموضة» وكالموضة يتزاحمن» ومن صدورهن تنصاعد مع وقفاتي 
الآهات. متاعب بدأت. . في كل أوبة للمسجد لا بدمن حرمة 
مننظرة» ولابد من سؤال أو حجة سؤال. عيني أبداً ما ارتفعت. . 
أسعد باقتناعهن وأستبشر. الصلاة بين النساءبدأت» وهن اللاتي 


۲۳ بيت من لحم 





YA 


يحببن للرجال الصلاة. سؤال زلزل كياني مرة. من شابة OLS‏ 
الاقدام التي تسمرت عيني عليها كانت بالقطع شابة. المشكلة تبوح 
بها في ترددء ثم بلا خجل تنطق. . الزوج كف من شهور عن 
معاشرتها! ولا فائدة فإدمانه السبب» وإدمانه موئس» ومحاولاتها 
فشلت وتخاف الفتنة . . ماذا تفعل؟ 

بل الأكثر لم تعد هناك أسئلة. . كلها أصبحت اعترافات . . 


ماذا أفعل وقد راودني الصبي عن نفسي حين أرسله المعلم 
بالخضار وغلبني الشيطان؟ 


ماذا أفعل وقد حلمت بك يا مولانا؟ 


ماذا ail‏ وأخي باتي عميان من سهراته» ومهما فعلت لا 
يسكت حتى أذعن» وكل ليلة أذعن. وأريد أن أتوب ؟ أتقبل من مثلي 
التوبة؟ على يديك أتوب. . 

وتمسك بيدي امساكة لا توبة فيها ولا رادع . 

الشيطان . 


هؤلاء أناس انفرد بهم الشيطان طوياد وكثيراً. 


ولم بعودوا يعرفون طريقاً آخر إلا طريق الضلال. 


الشيطان . 


۲٤ 





۲۹ 


حولي وفي كل مكان. : في همسة الحرمة› في النظرة تصوب 
إلى من خلفي لاسعة كسيخ الحديد قادمة لتوها من جهنم .فلأرى 
الشيطان وها لوجه! ولا أعود أغض البصر» أصبحت بعينين 
واسعتين أحدق» وبما أصبه من خلالهما أنفي من نفسي الخجل 
والعفة» وبهما قد أصبحت مركز اغراء. . بعيني til‏ ومن خلالهما 
أصعق السائلة بنظرة تتفجر بإيمان كثيف يضيق به القلب. 

أكان wy‏ يا «لي لي» أن تضيئي النور؟ 

. اسمي «لي لي» ما سمعتش عني؟‎ UE 

صوبت عيني . . ارتدت نظرتي بصدام مع نظرة أقوى. 


بالطبع سمعت عنها. انها نصف اشاعات وأحاديث 
واستنكارات واستحسانات واتهامات وبراءات أهل الحي .«لي لي» 
أعجوبتهم بنصفها الانجليزي ونصفها المصري. بشعرها الأحمر 
الطويل الكثيف وعيونها العسلية المصرية .«لي لي» ثمرة الزواج الذي 
دام أسبوعاً بين أمها وبين عسكري انجليزي اسمه «جوني» قضى مع 
«بديعة» الأم ليلة» ولم يفعل كشبابنا «الحدقين» ويكتفي بما أصاب 
من متعة ويفر. العبيط طلب منها في الصباح الزواج. . وتم. . وبعد 
أسبوع سافرء وبعدها لم يعد! مات في الحرب! وتكفل هذا الأسبوع 
الواحد بضمان معاش شهري لم تكن تحلم به «بديعة» ظلت تصرفه 
من السفارة البريطانية بشيك يأني من لندن Lak‏ لمدى خمسة 
وعشرين عاماً. . معاش هو الذي أجرى في يدها النقود وأغراها أن 


Yo‏ بيت من لحم 





ve 


تكون «بنكأ» يمول صغار تجار المخدرات في حيها. وفي الحي 
obs‏ ليلى كما سمتها أمهاءو هلي لي» كما نادتها جدتها لأبيها وجدها 
حين حضرا من انجلترا بعد الحرب خصيصاً ليريا حفيدتهما. وكم 
من مبالغ عرضوها لتتنازل آم «لي لي» عن «لي لي»» وكم استعبطوها 
وشتموهاء وكم رفضت وبابنتها كروحها تمسكت. وعلمتهاء ورغم 
الرجال الطالعين النازلين من عند أمها الجالسين معظم الوقت على 
ize‏ الشقة ‏ وأحياناً على عتبة باب الشارع ‏ كاشفة كل ما خفي من 
جسدها لا يهمها من حي هي فيه صاحبة مال» وصبيانها رجال» 
وعلاقاتها علناً وعلى رءوس المارة والجيران. . و «لي لي» ستعلمها 
ولآخر المدى. . وستجعل منها ست الستات . 

والخواجاية مغرية» فإذا كانت الخواجاية مصرية كان الاغراء 
أكبر. تعلمت ولي لي» أو لم تتعلم» وتعلمت ولم plat‏ طموحة 
کانت» من صغرها وهي تحس أنها أرقى» ولا بد أن تكون الأرقى . . 
وحتى وهي تعب المشروبات الرخيصة في الكباريهات منضمة إلى 
الفرق الأجنبية» وتقضي الوقت تتردد على مكاتب ريجسيري الدرجة 
الشانية» كانت تؤمن تماماً أنها يوماً ما ستصبح ست الستاتء 
وسيسجد لها العالم وتكون أشهر وأمتع امرأة فيه. 


- ربنا يفتح عليكي وبنور لك طريقك. 


- طب ما تنور هولي أنت ينوبك ثواب! 


4 





۳١ 


النور لا بد من الداخل . . من القلب. نورك في ايدك . 
اکان لا بد يا «لي لي» أن تضيئي النور؟ 


أكان لا بد؟ ! 
عايزاك تعلمني الصلاة . 
. عندي كتاب Apdo‏ 


أنا عايزة درس خصوصي ! 
- أستغفر الله العظيم . . روحي الله يغفر لك ويسهل لك. 


انقطع المعاش وجفت النقود. . وكبرت المعلمة ومرضت ولم 
يعد هناك إلا ما تكسبه «لي لي» من قروش . 


أكثر من مرة حاولت تفاديها فكانت تقتحمني . عيونها شرارة 
كهرباء تخترق الهواء قافزة من قطبها المصري إلى قطبها السكسوني . 
جمالها طاغ على الحي محرم . بالقوة حاولوا. . بالنقود. . بالزحف 
على البطون. gh‏ لي» لا تقرب إلا الأجانب. . لم تكن تقول 
ولكنه السر. . سرها الدفين. في النهاية كعهدهم أمام كل مستعص 
قبلوها كما هي! احترموا أنها ليست لأحد» وما دامت كذلك فهي 
للكل يحمونها ويوصلونهاء أخت الجميع المحرمة المرغوبة . 


He 





ry 


النور. 

نافلة من نور ساطع . 

عيني لا تحتمل . 

النور قريب. 

بيني وبيئه bt‏ الشارع . 

مجرد عرض الشارع غير العريض. 

دائرة المثذنة في مستوى النافذة. . فركت عيني أتطلع . 

نظرة واحدة جذبتني كالعاصفة العاتية من قاع الغفوة إلى قمة 


اليقظة . لا شيء كان ينبهني إلا استغائني الأولى . انتباهي هله المرة 
انتباه آخر. . ol cil‏ مرعوب . 3 آنا أمام شيء مروع . 

الغرفة بها سرير خشبي مرتفع. . ماذا غيره هناك؟ لا أعرف. 

على السرير ترفد امرأة بيضاء. شاهقة البياض» ممدودة بطولها 
وقد Lite cof‏ ولا شيء عليها سوى قميص نوم لا يكاد يكفي 
لإخحفاء نصفها الأعلى . 

أول مرة في gle‏ أرى ‏ فجأة ‏ هذا الكم الهائل من جسد 
امرأة. أفقت لأجد نفسي في منتصف السلم هارباً. . هابطاً ألهث. . 


YA 





rr 


أنا في شرك! 

أنا الذي جاء يطرد من هنا الشيطان» وتضاءلت طموحاته حتى 
أصبحت مجسرد أن يبعد فقط عن نفسه الشيطان. . وعن أوكاره 
وتنكراته؟ أجد نفسي هذا الفجر في الشرك. . تماماً في الشرك؟ أنا 
الذي أردت هزيمته في الناس أجري خوفاً من أن يهزمني في نفسي؟ 

ولكن عذري يا شيطان أنك كنت تعرف أين كنث أنا؟ ولم أكن 
أعلم أنا من أنت» ولا أين أنت؟ ٠‏ وكم نقشوا على قلوبنا الأخطاء 
عنك حتى ارتسمت في أذهاننا دائماً رجلاً. . بشع ولم يفكروا أن 
يقرنوك بالجمال مرة» مع أنك لا يحلو لك التربص إلا محاطاً 
بالجمال» وإلا على هيئة ست» وإلا في أكثر الأماكن نعومة وإمتاعاً, 
وفي أحلى البسمات» بل أحياناً في النكتة. . في أروعها تنصب 
الشباك . 

عدت . 

ما رأيته محوته من ذاكرتي کان لم يكن. في عقلي أطفات نور 

النافذة» وألغيت الحجرة ة والشارع Cols‏ . بل الحي كله ألغيته. 
فلتكن حرباً اذن ولتندحر. 


يا رب! 


استنكرت أن أكون قائلها. . ما هكذا تعودتها وتعودتلي . بعد 
التسابيح الخاشعة فجأة أطلقها حادة مدببة لا نهاية لطولهاء تقطع في 


¥4 بيت من لحم 





vt 


ومضة كل ما بين الأرض والسماء لتصل اليه في الملا الأعلى . من 
أعماقي تخرج وإلى السماء تصعد. مستحيلة من شيء أرضي إلى 
كائن سماوي . أطلقها قوبة لتحمل كل ضعف البشر» كل عجزهم 
ومحدوديتهم تستغيث بالقادر اللامحدود. 

هذه المرة حرجت همساً, لهاثاء مكبلة بالعجزء لا لتصل إلى 
السماء وإنما لتتهاوى من فوق المئذنة وعلى الأرض تموث . 

خحائف أنا. . أنا حائف! لا من الشيطان خائف. . من نفسي 
أخاف؟ من نفسي أجل . كم مرة ضبطتها من شكوى المحرومات أو 
الفاسقات تصغي بانتياه واندماج أكشر مما يجب . كم مرة ضبطت 
داحل نظرتي شعاعاً من حب استطلاع مرة» ومن تلمظ الجائع 
الصائم الراغب في الطعام مرة. 

يارب! 

pol‏ . نعم UT‏ أعرف. . أحببتك نقياً كالماء الصافي» 
وحيداً. . كأنك خلقتني وحدي. أعرف أني كان LY‏ أن أمتحن. 
أعرف أني لو نجحت فسأعرف أني Let‏ بالقبول جدير. . وسأجعله 
يا ربي امتحاناً صعباً. 

لن أهرب . 

سأضاعف الاغراء . 

سالط 


Ye 





وسأعاود النظر. 

نظرت . 

هي «لي لي» بالتمام. هي الشيطان كاملا غير منقوص. 
فالاغراء فيها كامل غير منقوص . نائمة هي تتقلب. . جسدها (tld‏ 
يغلي . وعلى الفراش وفي دفعات يتدفق. هذا صدرها. هذا شعرها 
يسبح وعلى موجات يغطي الصدر. والبطن. . وينحسر»› وتتقلب! 

يا رب. 

مستغيثاً صرحت . ليست استغائة أرض لملا «tel‏ ولا ناطقة 
بلسان ضعف البشر. هي استغائتي أنا. كنت قد بدأت أغرق. 
أواصل النظر لا عن رغبة في المجابهة وتصعيب الامتحإن. وإنما عن 
عجز أن أكف عن النظر. قتل الانسان ما أكفره! 

ما أكفرني حين تصورت أني وحدي أقهر الشيطان. وحدك 
أنت لا شيء. وحدك Gal‏ أضعف من ls‏ وبالناس lay dibs‏ فيك 
مله أنت الأقوى . 


يارب! 
راجية مستسلمة دامعة أطلقتها. 


الشيطان استولى على بصري وعلى جسد «لي لي» سمره. 


۳۱ بيت من لحم 





Ama 


وبکل قواه يجذب ومن بصري يريد أن يخلع روحي من جذورهاء 
لم أكن أعرف أني بهذا الضعف. 
يارب! 


يا سميعي ولا مجيب سواك. يا مدرك عجزي وأنت القوة. يا 
مانح العبد الارادة. يا أنت الذي تعلم ما بي . رحماك. . يا رب. 


يا رب! 

إن كان بصري قد ضاع فلازلت أمتلك الصوت والحنجرة. . 
بغير أن أسمع نفسي استغيث وأترجى . أنا انتهيت. . فقط ألهج بكل 
قواي أعتصر العمر كله وأطلقه مخلصاً صادقاً. أرعبتني المفاجأة» 
وأذهلني ما اكتشفته في اللحظة الحاسمة من تفاهة ما كنت أسميه 
قوتي . بإيمان أصبح وجهاً لوجه في قبضة الشيطان» بإدراك أن هذه 
معركة العمر بها أوجد أو بها أمحى . انطلقت بصوتي أقاتل . . الصوت 
سلاحي» والصوت olf‏ والصوت كل ما تبقى فيّ من ذاتي» والصوت 
أملي الذي لا أمل سواه. . أن أعود أنا. 


ولم يعد أذاناً ما أقوله. لم يعد الكلام المنغم المحفوظ. كنت 
استغيث حقيقة وأعرف أن لا مغيث لي سواه» ومنه وحده Lady‏ أعانيه 


يارب! 


۳۴۲ 





۷ 


هل يرضيك أن نسقط؟ هل يرضيك of‏ نأثم؟. هل يرضيك أن 
يتلبسنا الشيطان ويسود؟ أغثني يا إلهي ! أدركني ! ساعدني! آنا في 
الهاوية . . من ينتشلني سواك؟ 

أكان لا بد يا «لي لي» أن تظلي تتقلبين حتى ينحسر القميص 
إلى opel‏ ويتبدى جسدك تحت وهج الضوء الساطع أبيض يكاد من 
بياضه يضيء» عارياً تماماًء ملتوياً في الفراش» ناشراً أطرافه 
قابضها؟ أي حجيم كان في داخلك! لا يطفئه عري ولا فجر ولا 
برودة الدنيا كلها! 


وكل هذا في النور الساطع . 
کان لا بد يا «لي لي» أن تضيثي النور؟! 


He 


لم يبدأ الناس يستيقظون OF‏ صوته العالي GUT‏ منامهم . . فلا 

أنه تنبه من نومه المخدر ضجراً من الأذان المرتفع الذي 

من أحلى منامة. الحقيقة كان الواحد منهم يستيقظ على شعور 
SRC Tae‏ 
كان الصوت قد استحال إلى عطر نفاذ أليفامتلاً به جو الحجرة وراح 

يتسرب إلى أنفه النائم» وبرقة زائدة يتسلل إلى خياشيمه تسللا 

ممتعاء يستيقظ من شدة متعته دافثا ملتاعا عميقا حلونا. . يسري 

كالموسيقى الهفهافة المعطرة. يبدأ النائم يعتقد أنه حلم» ولكنه بعد 


۳ بيت من الحم 





۳A 


حين يدرك أنه لا يحلم وأنه استيقظ ومع ذلك لا يزال ينتشي بالصوت 
الذي يأتيه حقيقة. . لا شك فيها. 

یا رب! 

كم مرة قيلت» كم مرة تلونت وتنوعت وطالت. . ورقت! كم 
من المعاني قيلت فيها وبهاء كم استعطفت» كم استنجدت» كم 
غضبت» كم امتعضت» كم تدللت. كم دمعت وابتسممث. . كم 
جاءت وكأنها آخر الأنفاس» وكم جاءت وكأنها أول علامة حياة» كم 
صدرت عن طفل وعن رجل وعن خاطىء وعن مستغفر. . وعن تائب 
وعن مؤمل وعن يائس وعن معلق بين اليأس والأمل . 

كلمة.. ولكنها أيقظت الحي كله. حتى من لم تفلح في 
إيقاظه أيقظه من استيقظ . في أسرتهم وفي أماكن نومهم راحوا 
يستمعون. ثم وكأنما أصبح للكلمة قوة جذب استخرجتهم من 
رقدتهم وغادروا بيوتهم بشعور غريب, يشيع في صدورهم لأول مرة 
شعور طازج محير لم يألفوه clit‏ شعور وكأنهم أصبحوا قرباء جداً 
من الله وأن الله غير غاضب وأنه رحيم أليف» شعور يملؤهم على 
الفور بالسعادة» إذ في أعقابه يحسون أنهم وكأنما اكتشفوها للتو 
يحبون الله » وأن الله يحبهم وأنه جد قريب لم يبق بينهم وبينه سوى 
خطوة . 

وفي الجامع تلاقت الوجوه. . غارقة لا تزال بماء الإفاقة 
والوضوء. ولأنهم لم يعتادوا التلاقي في زمن كهذا ومكان كهذا فقد 


۳٤ 





۳۹ 


أحسوا أنهم وكأنما يتعارفون حالاً» واليوم فقط يبدؤون. صامتين 
مذهولين بالنشوة جلسوا يمتصون بأذانهم رحيق الأذان. . يستعذبونه. 
يختزنونه في أنفسهم كما يختزن غذاء الروح ليوم تجوع فيه الروح. 

وتحول الجامع إلى مظاهرة. وغادروا مبنى الجامع إلى الخارج 
ليصيروا إلى المئذنة والشيخ عبد العال أقرب. . الكلمة تنطلق منه 
فتكاد ہما نحتويه تئير حجب الظلام . يتطلعون» يتأكدون أن من يؤذن 
حقيقة من البشر وأنه بالتأكيد نفس الشيخ عبد العال» فالحق أن ما 
يسمعونه كان صوتاً لا يمت إلى البشر ولا إلى الأرض وإنما هو قادم 
مباشرة من السماء. 

بل ومن فرط ما سكروا نشوة لم يفطنوا أن الشيخ عبد العال 
هبط من المئذنة دون أن يؤدي الأذان الشرعي» شاحباً ممصوصاً كمن 
نزف الحياة. . صوتاً ومقاومة هبط. اندفعوا يحيطونه, بإشارة أوقف 
الاندفاع . من فوره اتجه إلى القبلة ونوى الصلاة. 

أجل . نويت الصلاة. 

أنا الآن أهل لها؟ 


Hk 


أهل لها فقد انتصرت. . بشائر النصر بدأت حين عدت أمتلك 
بصري . حين استيقظت «لي لي» من نومها على صوتي المدوي 
المجلجل» وفي الفراش جلست. . مبعثرة جلست نفس جلسة أمها 


وم بيت من لحم 





2 


على العتبة. نحوي سددت البصر مدهوشة. . مذهولة. . ثم مستمتعة 
بدأت ترنو. أعتصر نفسي أنا. . أهرب منها وأتلوى. . وهي أيضا 
تتلوى. أتلوى أنا احتراقاً وتمزقا وألما. . ونتلوى هي جذلا. حتى 
قامت تنظر من النافذة» وحينذاك تحولت ببصري وأصبح ملكي وعاد 
لي الوعي . وجدت نفسي حطام بشر. . ble‏ حياة . 

رفعت عيني إلى السماء ولم أنطق. فقط ملأت بصري بنظرة 
شكر. أحسست أن شيئاً لي قد حدث. . لم أعد أنا. كان في خزين 
ايمان قوي ذهب. . قذفت به كله في أتون المعركة. 

منتصراً هبطت. مجرحاً. قلت الصلاة بلسم الجراح . 

استقبلت القبلة ونويت . 

اد 

ظل السجود قائماً ومستمراً حتى ملأت الشمس الحديئة صحن 
الجامع . نام البعض » وشخر أخرون» وسرح كل منهم في ملكوته 
وعالمه» والحجة قائمة وموجودة. . هم في انتظار تكبيرة الشيخ . 
فوجئوا مرة بضحك file‏ غريب. . خشن. . عرفوه للتو. هو معزة 
الأنيونجي الذي كثيرا ما تطرده af yal‏ ويتخل المسجد منزلا ومقاما. 
ضحك استمر حتى نفذ كل ما لدی صاحبه من مخزونه لسنوات طوال 
مقبلة» وجاء بعده كلام.. کلام فارغ صحيح ولكنه جاء. . شوفوا 
الناس المساطيل اللي ساجدة وبتصلي من غير إمام . 


sete 


۳٦ 





١ 


استقبلت القبلة ونويت. . فتحت عيني . . كانت «لي لي »في منتصف 
القبلة odes‏ عارية» مبعشرة» مفتحة » tre‏ شعرها على جسدها 
وينحسر. عفوك يا الهي! فلقد أخفيت عنك الحقيقة. . الشيطان 
انتصر! 
تسللت عبر النافذة الملاصقة للقبلةء وفي لمح البصر كنت أدق غرفة 
الدور الثاني السطوح في البيت المقابل . «لي لي » وقد لفت نفسها 
بملاءة السرير تفتح. بابتسامة مرعوبة قلت لها وأنا أفك أزرار 
الكاكولة الأعلى : 

جئت أعلمك الصلاة . 

انزلقت الملاءة عنهاء فضمتها بقوة وهي تستدير توليني الظهر 
وتقول: 

أنا اشتريت الأسطوانة الانجليزي اللي بتعلم الصلاة. لقيتني 
أفهمها أكتر. متأسفة . 

وأطفأت النور. 


HNN 


أكان لا بد يا دلي لي» أن تضيئي النور؟! 


¥V‏ بيت من لحم 





۲ 


على ورق سيلوفان 


من العربة هبطت. فائئة هبطث. نعنش روحها الغزل الصادر 
من عابر سیل مسرع . دخلت الحديقة , بنؤدة عبرتها. ; السلالم 
aly‏ تصعدهاء سلمة» وسكتة» وسلمسة, في آخر سلمة» 
اضطربت. خائفة اضطربث. 

ماذا لو عرف؟ ماذا لو كان طول الوقث يعرف؟, 

ولكن كيف يعرف؟ مستحيل أن يعرف. الهرم بعيد» 'و «الركن» 
الذي LIS‏ فيه لا يقصده أحد في الصباح. سائحتان فقط كانتا هناك 
كيف يعرف؟ 


أمام كشك الاستعلامات الزجاجي وقفت. الموظف العجور 
مشغول بمحادثة تليفونية. حدق ناحيتها مرة ولم يرفع عينه. كانت 
تزيح عدسة النظارة السميكة وتتحسسسها مربعا مربعا. كل مساهمته 
في الحديث أصبحت: أيوه. . آه. . أيوه.. آه.. فرغ صبرها 
وسألت. . وضع السماعة في الحال وانثبه. موجود؟ أيوه موجود. . 
دقيقة واحدة SL‏ دقيقة» سرحت . 


۳۸ 





é۳ 


الأبيض مستشر وكأنه وباء يبيض له كل شيء. الوجوه معظمها 
أيضاً شاحب أبيض . المرة الأولى التي جاءته هنا لا تكاد تذكرهاء 
من سنين طويلة» عشر سنوات ربما. . 

هذه ثاني مرةء ولولا ميعاد اليوم ماجاءت. المضحك أن 
الاقتراح كان اقتراحه سهل لها المهمة تماماً. مساكين هؤلاء الرجال 
يستحق» حتى المحبون منهم زائفو العيون كذابون حتى وهم 
يحبون . 
جف حتى سعلت وهويمسك بيدها ويضغط عليها بين يديه؟ 

انفعالها لحظتها لم يكن Gt‏ خالصاً. لا. كان هناك شيء 
آخر لا تعرف كنهه. وأتتها فكرة أن تجري. تسحب يدها وتظل 
تجري حتى تجد عربتها وتنطلق عائدة إلى البيت. البيت؟ يا لها من 


الدكتور موجود في حجرة العمليات يا أفندم. مشغول. ولكنه 
ينتظرني . بلغوه أني جيت. مش ممكن. قولوا له المدام. المدام؟ 
سعادتك المدام؟ لماذا سعادتك؟ وماذايدهش في كونهاالمدام؟ لماذا 
الضجة والوقوف والترحيب المبالغ فيه وبصوت عال؟ لماذا تريد 
الانفراد بنفسها الآن؟ حلمها مكان قصي ليس فيه أحد. تنكفىء على 
نفسها فيه وتلقي على داخلها كله نظرة» لتدرك ‏ فقط تدرك LS‏ 


۳۹ بيت من لحم 





3 


حدث . وما يحدث . ما هذا الذي يحدث؟ 

يا افندم» هويقوم بإجراء عملية الآن فعلاء ويلغناه الخبرء 
وطلب أن تتفضلي وتنتظريه في استراحة العمليات. يووه. تلتظر. . 
تنتظر. . لقد عاشت طول عمرها تنتظر. ولا ثانية ستنتظر بعد OV‏ 
ولكن كيف تتصرف واستصحابه والعودة به إلى البيت هو سبب 
خروجها الوحيد اليوم؟ كيف إذن تعود بمفردها؟ فلتكن آخر مرة تنتظر 
فيهاء آخحر مرة» هو أو غيره» آخر مرة. 

تفضلي . . تفضلي من هنا. هذا الأرجواز! لماذا لم يكف عن 
الانحناء والحتلاس النظر من تحت النظار 5؟ إذن هي من جديد 
ستنتظره. بحق بحق. هل تكرهيئه؟ هل تحبين هذا الآخر؟ حين 
كنت تحبينه ماذا كنت تفعلين؟ هل تحسين بنفس المشاعر OW‏ تجاه 
الآخر؟ لطيف شكله.. رياضي.. طويل. . شعر صدره كثيف 
كالفروة. عن عمد وله حق ‏ يفتح قميصه. أكبر منك بعام فقط بيئما 
هو أكبر بسبعة أعوام. لماذا يطرأ هذا الخاطر السخيف؟ إذا فعا 
خيرت أن يموت أحدهماء فمن تختارين؟ هو؟ الآخر؟ يموت. هكذا 
بسهولة. ابتسامته العذبة تموت. ذقنه الغزيز؟ غمازتاه؟ يداه 
الضخمتان الحمراوان من باطنهماء الغامقتان من الظهر بالشعر؟ يداه 
الضخمتان جدا إذا قورنتا بيديه هوء القويتان. . أصابعهماغليظة 
سميكةء من الصعب ثنيها؟ أين هذا من يديه هو؟ يديه الصغيرتين إذا 
انطبقتا حتى لتبدوان كزوج من الفيران الصغيرة» وأصابعه النحيفة 
التي توشك أن تنكسر. من اليدين تتبدى شخصية الرجل. شبه كبير 


ge 





£0 


بين شخصية الرجل وشخصية سبابته» سبابته هو في طول أصبعه 
الأوسط» طويلة رفيقة كأنها من عظم كسي بالجلد. سبابة الآخر 
كماسورة المسدس» قوية دائما تريد الشيء وتحدده ولا تعود إلا به. 
لماذا إذن تختاره ليموت؟ . ألأن الزوج هو الذي ينفق ويتيح الفساتين 
والمتعة والماس» أم لأن العشرة لا تهون؟ أم لأنك لا زلت تحبينه؟ 
هل لا زلت تحبينه؟ لا تخجلي! اعترفي إن كنت لا زلت. لولم يكن 
هناك فمه الواسم المتشاثب في الصباح» الجريدة التي يغرز بصره 
فيهاء منظره ببنطلون البيجامة والبيجامة مفتوحة والسروال ظاهرء هذا 
التجشؤ منه بصوت عال بعد الماء الكثير الذي يشربه! عشر سنوات 
ومنظره وهو داخخل الحمام وهو خارج منه نفس المنظر» نفس 
الطريقة» نفس الغياب الطويل. عشر سنوات تسمع منه نفس 
التعليقات عن نفس الأشياء وبنفس النبرات. عشر سنوات تعرف عنه 
كل شيء» كيف كان ally,‏ أبوه. كيف acs‏ أمه. كيف أحب اول 
مرة» تعرف حتى ماذا يقوله في الساعة الخامسة غداً وبعد غد. لو دق 
الجرس من طريقته في الدق تعرف ما يريد وتطلب من السفرجي أن 
يحضره. البيت! لكم تكره كل ركن فيه» فهي قد SV at,‏ 
المرات . . موبيليته لم تعد تراها من BAS‏ ما تعودت رؤيتهاء مطبخه 
يخنقهاء صوت أزيز الثلاجة من طول ما سمعته يلسعها ويؤرقها ويملا 
جسدها بالشياطين. في التاسعة عشرة حين تزوجت كان الجنة. كان 
هو أعظم وأجمل وأكرم وأرق رجل في العالم. الخمس السنوات 
الأولى قضتها لا ترى رجلا غيره. . الرجال بالنسبة لها لم يكونوا 


\£ بيت من لخم 





£4 


افراداًء لم تلحظ أيهم ذات مرة كواحد وحدهء كانوا كتلةء أهم 
شيء فيها أنه هو منها . 
Hk‏ 


اتفضلي حضرتك . دقائق. حاجة ساقعة؟ قهوة؟ أنا ماشي . 
حاضر. متشكر. استراحة هذه أم قبر؟ حاولت فتح زجاج النافذة 
الوحيدةء لا يفتح . جلست» تطلعت» ملابس» بدل رجال. أين 
بدلته هو؟ 

هي المطلة من الدولاب. . معلقة بعناية شديدة كالعادة. 
الأحذية الطويلة الرقبة هذه. هذه الآثار. دماء؟ دم! cate‏ جزارين! 
قامت. دارت. أمسكت بقميص عمليات أبيض دمور رخيص. 
البنطلون دمور أيضاً. أقذر دمور. الأبيض . لماذا كل شيء أبيض؟ 
حتى الأحذية الطويلة كاوتش أبيض. ألا يملون هؤلاء الأطباء؟ هي 
ملت. الملل. أبشع أنواع الملل. الملل من شيء لا تستطيع 
الاستخناء عله كأنما تمل من نفسك. عشر سنوات ملل. لن تبالغ. . 
ساعات وأيام صحيح كانت خالية من الملل ولكن يوم ملل واحد 
يجعلك تمل من العام كله. إنه كالسم» أقل القليل منة يقتل. أيكون 
هو الذي جعلها بدلا من التجاهل تبتسم للآخر؟ كان قد سبقها إلى 
العربة بعد جلسة استمرت ثلاث ساعات في النادي لم ينطق خلالها 
إلا بثلاث كلمات . أين ذهب الكلام من فمه؟ ثاني أو ثالث مرة ترى 
هذا الشاب يتابعها. هذه المرة تجرأ. . حياها. كان ممكداً أن تزجره 
ولر بالاهمال. . لماذا ابتسمت؟ لماذا أحس أنها ابتسمت؟ حتى قبل 


۲ 





&v 


أن ينطق في التليفون عرفت أنه هو الآخرء وأنه اختار الصباح 
ليحدثها حيث البيت خال. مغامرة؟ ولم لا؟ كل صديقاتها يغامرن. 
لماذا لا تجرب هي؟ المهم ألا يعرف أحد. تصنع الدهشة لم يعد 
يجدي» ولا كذلك تصنع الغضب. انتهت المكالمة مفتوحة. 

ثاني يوم» ثالث cay‏ رابع coy‏ كان صوته هناك . كان الخوف 
أقل. التطلع لشيء مثير جديد أكنر. بماذا تجيبه لو طلب للمرة الماثة 
أن يقابلها؟ 

ردت ا دقت عليه. لم يحدث شيء. دقت أكشر. 
سمعت أقداماً. ظهرت على الباب ممرضة سمينة جداً وصغيرة في 
السن ربما لا تتجاوز السابعة عشرة. لا تعرف ما قالته . فقط قالته 
بصوت عال جداً شحب له وجنه الممرضة الملظلظ وانسحبت 
بسرعة. هدأت. . صفر خاطر مروع كالصرخة الأولى إلتي تنطلق في 
سكون الليل ونعرف بها أن ساكناً في الشارع مات لتوهء كيف فعلت 
ما فعلت؟ كيف انساقت؟ كيف سقطت الملكة أيضاًء ولم يعد أحد 
أحسن من أحد؟ خيانة؟ لاء لم يحدث. كلام مجرد كلام. لقاءء 
كأنه كلام. والموعد القادم؟ لن أذهب. لاء ليست خيانة. كل 
الخائنات لا يعترفن. يفعلن أي شي ء ويسمونه أي اسم إلا الاسم 
الحقيقي . كرهتيه؟ اتركيه. أليس هذا ما كانت تردده. الاشمثئزاز 
الذي كان يعتريه جسدها حين تتأكد أن صديقتها أو فلانة هي الأخرى 
قد سقطت. إن اشمئزازها الآن من نفسها. لماذا هي باردة هكذا؟ 
أين تأنيب الضمير؟ لكأن شيئاً قط لم يحدث. فقدت حتى الاحساس 


۳ بيت من الحم 





4۸ 


بالذنب. أنا لم أجرم. . لوتركته.. ولم أعد أحبه. النتيجة أني 
فقدت العقل! جنون. أنا مضطرة لإخفاء كل شيء OY‏ ضميري يأبى 
علي تركه. يموت ما فعلته. اعترفي أنه ادعاء Opin‏ فأنت استاذة 
في تعليق كل شيء تفعلينه على شماعة من خط الآخرينء أو 
خطئك . الجنون. الكره. الضيق» حتى حب الاستطلاع» شماعة» 
مجرد شماعة . 

عادت الممرضة السمينة . هبت واقفة. . ماذا يقول؟ مرة ثانية 
يرجوني . . أمامه نصف ساعة؟ وماذا أيضاً؟ مسكين والله. في قمة 
مشغوليته يفكر فيّء يقترح أن أذهب لحجرة العمليات لأتفرج على 
العملية وأتسلى . يريد تسليتي ولو بحجرة العمليات. هل ممكن أن 
أذهب إلى هناك؟ ارتدي هذه المريلة وهذا الحذاء وقناع؟ فقط. 
لا.. أشكرك وأشكره. أنا لا أضمن نفسي . الجراحة تثيرني . 
صحيح هو جراح أطفال مشهور ولكني أنا أخاف من نقطة الدم. 
أحسن أنتظر. طبعاً تنتظرين . . وحبذا لو تألمت وأنت تنتظرين. فانت 
في الواقع تريدين أن تتألمي: ويكون هو بالذات مبعث ألمك حتى 
تشعري ببعض من راحة الضمير. هذا الذي طول الوقت رايض 
داخلك يراقب ولا يتكلم تريدين رأيه وتخافينه. ولهذا تريدين أن 
تتحركي وتشغلي نفسك عن السؤال باستمرار. السكون مؤلم. 
الضمير يتكلم حين نسكت. الممرضة لم تبتعد كثيراً. ربما قريباً من 
ساب الحجرة تجلس . لابد أنه هو الذي طلب منها أن تسهر على 
رعايتها. يدللني كثيراً. لو يكف عن تدليلي . لو يفعل ad‏ يجرحني 


٤ 





£4 


ويغضبني ويجني , حتى لا أحبه لأنه لا يفعل شيئاً أبداً. يالهذا 
الاحتكاك الأليف الدائم! الرجل حين شيئاً فشيئاً تتساقط عنه مظاهر 
الرجولة واحدة بعد الأخرى. الهيبة التي تمضي وتذهب» الأسد وهو 
يتحول إلى جرو يؤثر السلامة ويقنع بوضع ذيله بين رجليه. بشع هذا 
الاحتكاك الدائم الأليف! المرأة المطلوبة المشتهاة التي لا يلقاها أحد 
إلا بميعاد واستعداد» حين تصبح بضاعة حاضرة في متناول كل ليلة 
وكل لحظة. بطاقة تموين عائلية تصرف في كل أسبوع مرة! 
الحب. . من رغبة متأججة إلى واجب كزيارات رد الزيارة» كالتعازي 
في المآتم والتهاني في الأفراح. لابد أن طول الاحتكاك هذا يجعل 
الرجل أقل رجولة» تعديه أنوثةالمرأة وتظل تؤنثه ast‏ وأكثر؛ ولابد أنه 
هو الآخر يعديها برجولته فتسترجل أكثر وأكثرء ويكادان في النهاية أن 
يتقاربا ويصبحا بطول الزمن وكأنهما من نفس جنس آخر ثالث . 

هل تترك نفسها تموت؟ هي تموت. هو يموت . كل شيء 
يبهث. . يموت ويبهت. حتى الألوان نفسها تتلاشى وتموت وتبهت 
ولا يبقى سوى ذلك اللون المستشري الواحد. . الأبيض. الأبيض. 
الأسودء هناك شيء أسودء حذاء أسود. حقيقة حذاء أسود» بين 
الدولاب والحائط محشورء طويل الرقبة ومحشور. قامت.. بيد 
ممتعضة أحرجته. لا دماء عليه. صغير هذا «البوت»)» فلتجربه. 
خلعت حذاءهاء أدخلت قدميهاء ارتدته. أما من مرأة ترى نفسها 
فيها؟ فتحة الضلفة المواربة. وهنا مرآة أيضاً. لم يبد الحذاء بشعاً. 
طويلاً يصل إلى ما دون الركبة بقليل ولكنه جميل وغريب. تمشت» 


go‏ بيت من لحم 





استدارت . ادارت عنقها بقوة لترى كيف يبدو من الخلف. انتقل 
بصرها فجأة إلى المريلة البيضاء المعلقة ومنها إلى الحذاء. إلى 
المريلة! ومدت يدهاء ارتدتها وفتحتها إلى الأمام كالبالطو. فطنت 
للخطاء قلبتهاء أمسكت بالفتحة من الخلف وضمتها Lady‏ بشدةء 
ظهر وسطهاء نفر صدرها رغم صدر المريلة الواسع. إلى اليمين 
واليسار خطت. أصبح منظرها في المريلة والبوت أهم ما يشغلها. 
حزام. . تريد حزاماً. . اسمعي يا! جاءت اليا. الحزام رباط شاش . 
عقدت لها الحزام. الرباط عريض» منظره كحزام راشع . ثبتت 
المريلة بزرار من أسفل الرقبة. برز صدرها أكثر. أجيب «الماسك»؟ 
نعم» هاتي القناع» والله فكرة. غابت ثانية» عادت» حاولت ارتداءه 
بمفردهاء لم تعرف. . تركث البنت تفعل. نظرت في المرآة فجأة. يا 
للروعمة! عيناها مدهشتان من خلال فتحة القناع كأنها لأول مرة 
تراهما. شكلها طبيبة» طبيبة رائعة الجمال. لا فرق! حلمت يوماً أن 
تكون طبيبة» فشل الحلم» ربما لهذا الشبب فضلته. يجنن هذا 
الزي» يجنئن. حضرتك ح تروحي أوضة العمليات؟ أنا؟ توقفت. 
تذهب؟ أنا بخاف م الدم. مفيش دم أبدأأ دي حاجة نضيفة خالص. 
تذهب؟ ترى ماذا يقول وهو يراها هكذا؟ لم يتمالك نفسه» سيجن. 
كلما ارتدت شيئاً جديداً رغم ثقتها من امتعاضه الباطن. ففي الظاهر 
يجن ويطري ذوقهاء وأحياناً لا يتمالك نفسه نفاقاً ويقبلها. حتى 
النفاق uf‏ في حاجة اليه. أذهب. بجوارها تمضي السمينة» يدها 
اليمنى مدلاةء فيها دبلة. حتى هذه الأحرى مخطوبة! الزواج لا 


٦ 





يصلح إلا للحمقى والمفلسين فهو قلة حيلة. لمثل هذه Cod!‏ نعمة 
فهي بغيره حتماً الخاسرة. لمثلي أنا جنون. الرجال تحت أقدامي» 
في متناول أصبعي وحسبما أريد. هو أيضاً جراح مشهور» ورغم 
جسدهة القصير النحيل وسيم . وألف مريضة وألف حكيمة وقريبة 
وزائرة وبنت عائلة يتمنينه. ليته في موقفي. على الأقل أستمتع 
بكوني المظلومة. أجد مبررا كي أبكي وأشكو وأخون أنا الأخرى. 
ولكنه دائماً يفعل الصواب› حتى اطراء الساء له يعيده أمامي 
ليغيظني أو يبتعث غيرتي . . ليته! إنما بدافع من ارضاء ضميره. ربما 
لو كان صوته مختلفاً لو كان أكثر خشونة» لو كان أطول أو أضخمء 
أخبث حتى » لو يضحك Ge‏ مرة. لو يشككني فيه لحظة. لو كان 
«مدردحا» مثل أيام زمان.. الأيام التي ذهبت ولم يعد لي من عمل 
إلا التحسر عليهاء بينما الحاضر ينزلق. . بسرعة مخيفة ينزلق. في 
العام القادم ستكون أكبر بعام جديد! ستنتقص أنوثتي بمقدار عام 
pls‏ . الزمن يتسرب ويحول الحاضر إلى ماض ء ويلتهم المستقبل. 
وأنا لم أعش . ما كدت haf‏ أرى وأتلفت حولي وأعي أني فتاة حتى 
قابلته . بهرني » خلب لبي » الأحلام ازدحمت في عقلي› على الفور 
استجبث. . المقاومة كانت Lie‏ 

كانت الاستجابة حلمي . الآن أحلم بأشياء أخرى» أحلم أن 
أقابل الآخحرء أحبه » وليكن الخطأ خطئي أو خطأه أو the‏ الاحتكاك 
الممل المستمر أو العمر الذي يجري . غير مهم » المهم أن أعيش 
اوک أو أعيش » يعود قلبي yee‏ أعود أهيم وأسرح! أحس أن لي 


۷ بيت من لحم 





oY 


شيئاً fe Lele‏ حبيباً» أكتمه» أخاف of‏ يعرفه أحد. opel‏ أكذب» 
أختلق الحجج والمناسبات» أنتظرء أستمتع أني على الجمر أنقظر. 
لأعش yf‏ وليحرقوني بعد هذا ساعة الحساب فأنا لا أعيش. . لا 
أعيش . 
hem‏ 

تفضلي | مؤدبون جداً هؤلاء الناس . أدب القرود AY‏ 
ستنتظرني هناء فالدخول بالنسبة اليها محرم . ادحل وحدي؟ وماذا 
فيها؟ الدكتور هو اللي أمرء وما دام أمر مين يقول لأ. أتنافقها 
بالنتضخيم في منزلته؟ دخلت . 

للحظة ضاعت. أين تنظر؟ كان مفروضاً أن يكون على الباب 
ينتظرها. فتشت» الغرفة واسعة جداً تصلح صالوناً لسراي» أو صالة 
معيشة كبيرة مدهشة. في الركن الأقصى هناك كمية أبيض كثير لا 
تخطثه العين» متجسدة على هيئة أشباح بيضاء كثيرة. داخخل الأشباح 
منضدة ملحق بها أجهزة كثيرة خضراء وبنية» ومن طرفها يطل رأس 
أسود صغير مغطى بالشعر. . رأس طفل لابد. يا للبشاعة! أكل هذا 
التجمع ينهش في لحم ذلك الطفل؟ الجو قابض قاتل» الراثحة 
خانقة لا تحتمل» رائحة ماذا؟ فينيك؟ يوسول؟ أحماض لا تعرف لها 
أسماء؟ أم صبغة of fay‏ هذا كله معاً؟ أم هي بالذات رائحة اللون 
الأبيض؟ يا لبشاعته حين يتحول إلى رائحة! لماذا لم ينتبه أحد 
لدخولها؟ لماذا هم متزاحمون حول الصبي المسكين» صامتون ذلك 
الصمت المستمر المريب» وكأن مؤامرة تدور؟ 


£A 





oy 


بدوار قليل بسدأت تحس. أتخرج؟ أتصرف النظر عن 
المفاجأة. . مفاجأته؟ ولكن مفاجأته مهمة» ستستغرقه تماماً وتستغرق 
أسئلته ولن يلتفت faut‏ إلى مغادرتها البيت من ساعتين مضتاء فلو 
حتى عن طريق الخطأ سألها لانهارت وقالت كل شيء. إنها لم تتعود 
أن تكذب . لا عودة إذن» فلتستمر. 

انتظرت . . نط عقرب الدقائق في الساعة المثبتة في الحائط 
عدة مرات. كل مرة بدقة لها دوي وسط بحر السكون الشامل , لابد 
أن هناك fh‏ ما. المجموعة واقفة كما كانت وكأنهم صورة 
فوتوغرافية لم يتغير فيها وضع ولا يتحرك داخلها أحد. لم يلتفت 
واحد إلى الباب وهو يفتح » ولا ناحيتهاء ولها زمن تنتظر وما ألقى 
أحدهم بنظرة. ماذا تفعل الآن؟ إنها تريده أن يراها عن بعد فمنظرها 
بالمريلة و «البوت» عن بعد أفضل» وشيء فيها صغير لا يزال يحاول 
أن يأسره. رغم كل شيء لا يزال فيها شيء يحاول أن يأسره. كيف 
تلفت بصره والصمت لا يجرؤ شيء ولا مخلوق على خدشه؟ صمت 
يبدو كصمت الصلاة خدشه حرام. تسير؟ خطواتها حتماً ستجذب 
الانتباه. سارت. . بلا صوت سارت رغم محاولاتها أن تحدث 
بسيرها صوتاً. قطعت أكثر من نصف المسافة. . لا صوت. البوت 
اللعين من المطاط والأرض مطاطية لعيئة هي الأخرى. مهما دقت 
وخبطت فلا صوت . 

قطعاً حين تصل سيفسحون لها LIK‏ لتختر حينذاك المكان 
المواجه له مباشرة. وصلت. حتى التومرجي الذي يروح ويحمل 


۹° بيت من لخدم 





og 


أشياء وينقلها ويعود بأحرى لم يلق ناحيتها نظرة. لا بد حسبوها 
طبيبسة لا تستدعي التحقق أو تلفت الانتباه. قريساً من طرف 
المنضدة وقفت. عيونها تتفحص الراقفين من خلال فتحات 
أقنعتهم . لا عين من عيونهم أخطات ورنت بنظرة. تنحنحت أيضاً. 
obs‏ شيئاً لم يحدث. اين هو فيهم؟ لا أحد من الموجودين جميعا 
يشبهه» فأين هو؟ أيكون هذا الواقف في الوسط منهمكاً في شيء 
أمامه؟ بالضبط هو. رغم الطاقية ذات الحافة والقناع» فقد عرفته من 
أذنيه. هو ذا إذن» والباقون حوله لا حراك. مدت يدها تعدل المريلة 
وتضبط فتحة القناع» استعداداً للحظة التي يرفع رأسه المنحني فيها 
ويقع عليها بصره. قطعاً سيهلل للمفاجأة حتى لو كان هناء فهو يلقاها 
دائماً بترحاب من لم يرها من عام . . حتى لو كان غادرها من ساعة. 
الدفائق تمضي ولا ينظرء لا يحرك Lye‏ عن البقعة المثبتة عليها 
عيناه. cord‏ مرة ألحرى. غمغمة. . سمعت غمغمة لا مجاملة 
فبها: اللي عايز يكح يمشي يطلع بره يكح . صوت من هذ!؟ أيكون 
صوته؟ ألم تعرفه لأنه منحن ويتحدث من خلف قناع؟ أم of‏ هناك 
شيئاً آخر. . بالتأكيد ثمة شيء آخمر. يا. . وجدت نفسها تهتف. 
كانت تظن أنه ما أن تفتح فمها حتى تستدير الأعين كلها لتراها. حين 
لم يتحرك أحد. . حين ظل الصمت ثقيلاً رابضاً لزجاً حتى لتكاد إذا 
مددت يدك تلمسه» خانتها شجاعتها. لم تكمل النداء» سكتت» 
تبلدت ملامحها وسكتت. أتراه عرف؟ أيكون التجاهل عن عمد؟ لو 
فقط يكف هذا الصوت المنتظم. لو تكف الحشرجة. . حشرجة لها 
وقع كأنها حنجرة ذات جسد يزحف على أربع» وبين كل نقلة لساق 


3 





نان 


من سيقانها ونقلة وقفة» وتعود تزحف. الرائحة القابضة تجثم على 
الصدر توقف حركته» تمسك الهواء أن يدخله» وتمنعه أن يخرج. 
ماذا أتى بها؟ مالي ولحجرة العمليات التي يدوشوننا بها في سهراتهم 
هؤلاء الأطباء والجراحون؟ هذا هو العالم الذي يقضون فيه ساعة إذن 
ويجعجعون بما حدث فيه ألف ساعة. لها حق إذا كانت تكره العمل 
وحديث العملء هي وكل صديقاتها. ما يكاد الرجال يبدؤون فيه 
حتى تكون البداية اشارة البدء لهن. الحلقة تتكون وبسرعة مذهلة 
تتفاهم . من يراهن لأول مرة يحسبهن شقيقات معا نشأن» وبعضهن 
لم يعرف الآخر إلا من لحظة. قبيلة الإناث تتجمع» شفرة النوع 
الواحد بينهم كالسحر تسري» متراثيات متحاسدات متذاكيات 
متغابيات» أبداً لا يختلفن» ولا صوت لهن يرتفع . بالعكس كل دقيقة 
أخرى ينخفض الصوت ويصبح التفاهم أشمل» وبالأزياء كموضوع 
لجس النبض يبدأ الحديث» وينخفض وهو ينتقل إلى فلانة وكيف 
تلبس وفلان وكيف يلبس فلانة؟ وينخفض الحديث أكشر اذ لابد قد 
وصل GY‏ حد النميمة وتبادل آخر أخبار الفضائح. وينتهين 
بحديث لابد يخدش الحياء ولهذا يقلنه همسا. ويظل الهمس 
المتوافق المنسجم يخفت ويخفت حنى يستحيل الحديث إلى 
اشارات وغمزات وقد أصبح التفاهم تاماً وكاملاء بيئما الرجال العبط 
قد أخذتهم الحماسة» ودب بينهم في الحال مهما كانوا أصدقاء أو 
أقارب الخلاف» وبالاختلاف والزعيق ينتقلون من العمل إلى مشاكل 
fal‏ إلى السياسة بالطبع »إلى الخناق. فلابد أن لأحدهم aise, Lf,‏ 
فيه الآخر بشدة» ويأبى تماتماً الانتقال إلى موضوع آخرء ولا بد أن 


اه بيت من لهم 





ة٦‎ 


تضيع الليلة وكل منهم يحاول افهام الثاني أنه الأذكى والأصح . 
العمل! زمان كانت تغار منهء تعتبره كالزوجة الأولى صاحبة النصيب 
الأكبر. تحول مجرى الحديث إذا حاول هو جرها اليه. وكيف لا 
تحوله ومعلی اشتراكها فيه اعتراف بشرعية «الضضصرة» وحقها في 
ساعاتها هي؟ الساعات التي يقضيها معها في البيت والمفروض أن 
تكون خالصة لها. كثيراً ما سمعت الثناء عليه حتى من حساده. . عن 
شطارته» عن نسوغه. تبتسم مجاملة وقد تعلق بكلمة. إنها في 
أعماقها كانت تتمنى لو لم يكن له بالمرة عمل» لتصبح هي عمله 
الوحيد الأوحد. ولكن هذا كان أيام الحب زمان. في السنين الأخيرة 
لم تعد تغار, بل أصبحت تشجعه على العمل أكثر. العمل أكثر يعني 
دخلا أكثر. النقود أهم وليس مهماً كيف يأتي بها. 

فجأة شعرت بغربة. هنالا مكان لها. شيء في صدرها 
كالروح المختئقة يرفرف. شتان بينها OV‏ وبينها من ساعة مضت 
حين كانت حواسها تتدغدغ تحت وقع حديث الآخر الرخيم المتعمد 
البطء. عما فعلت به» عن عيونها حدثهاء عن جلدها ونعومته طال 
حديثه؛ عن رقبتهاء عن . . عن شفتيهاء عن شعرها المنساب انسابت 
كلماته» عن قوامها وجسدها وعذوبة روحها والرجل السعيد الحظ 
اللي يملك هذا كله مضى يتكلم» وهي تقشعر لوقع كلماته. وربما 
لهذا بدأ يتصاعد بحدیثه خطوات أخرى. . ألفاظه بدأت gad‏ 
لمساته طالت» الجرأة في ane‏ بدأت . . بدأت تشع وقاحة. خدودها 
هي أيضاً بدأت تلتهب ونبضها يسرع . الخوف» الخوف بلا سبب» 


oY 





oy 


راح كالشهب يتسافط ويغور في صدرها ويصنع حفرة بالغة العمق لا 
قاع لها. مرعوبة صارت ولم تعد تحتمل . الآن تذهب» في الحقيقة 


32 


تهرب . 

جسدها يسخن لمجرد أنها تنذكر . هو لايزال لم يلتفت» يتركها 
هكذا صامتة ساكتة. الشيطان يتحرك حين نسكت. لو ظلت هكذا 
ساكنة ساكتة فلن يكون لتفكيرها حد. ستسبح كما يهوى الشيطان 
ويريد. ستندم على المقاومة التي ظل جسدها يبديها لكلمات PW‏ 
ولمساته» ستضيق بهذا الصوت الذي يهتف لها. . لاءلاء لايمكن. 
مستحيل» الموت أهون. لماذا لم تستسلم كاملة للحظة المتعة؟ 
لماذا حتى بكلماته بدأت تضيق؟ للمساته تقشعر انكماشاً ورفضا؟ 
بالموضوع كله تستسخفه وتلفر منه؟ 

تحركت. . اقتربت من الرأس الأسود المسجى وعلى فمه وأنفه 
قناع التبخدير المتصل بالجهاز. B)‏ الجهاز صغيرة BS‏ الصبي . الولد 
قمحى. شعره غامق السواد لامعه. ملامحه ائمة. صعب عليها! هو 
ذا الصبي إذن الذي استمر حديثه عنه وعن ad)‏ ساعة وهي تتشاءعب 
ولا تفقه من حديثه lie‏ غير مهتمة أبداً أن تعرف. كلمات تطن في 
أذنها عائدة. . أخطر عملية, الأولى في الشرق. لا مناص» لولم 
أقم بهامات. هوالآن يفعلها. ماذا بالضبط يفعل لا تجرؤ على 
النظر. . إلى مستوى عينيها فقط نظرت. . سيدة هي لا تشك» 
الواقفة بجواره تناوله الآلات قبل أن يطلبهاء سيدة.. صغيرة في 
السن ولكن يا لذكائها! تتابع ما يفعله وقبل أن ينطق تكون قد 


oy"‏ بيت من لحم 





oA 


استعدت بالآلة التالية. غريبة هذه الآلات» معقدة! يبدو Of‏ الجراحة 
ليست مجرد مشرط وملقط . . شيئاً فشيثاً تخفض رأسها إلى أسفل . 
لا دم! إلى أكثر. . لادم! مرة أخرى. لاشيء! قطعة قماش مبللة 
بسائل باهت كماء البطيخ . . ولا شيء! لاء Logi]‏ قطعتان بينهما 
فاصل كالخندق المحمر» أيكون هو الجرح؟ أجرح بلا دم؟ نظيف 
كانه مبطن بجلد داخلي؟ كم تخدعنا الكلمات! على أية حال لم 
يخرج عن حدود الأدب. . احترمني وقدر شعوري » وربما إذا لم أره 
pub‏ في ظهري! كسبه أحسن. أروضه حتى يذهب بريق الرغبة في 
عينينه. . ويحل بريق الهيام. قادرة clit‏ وليكن اختباراً لمقدرتي . . 
وعلى أسوأ فرض لو حدث شيء رغماً عنا. . أو رغماً علي ! فسيكون 
فرساً أول fel‏ لا أطمئن بعدة poles Lace. he‏ وجهه 
صريح يظهر رغباته» وبمجرد أن يفكر سأعرف» وفي الوقت 
المناسب. . أهرب. وإلى أن يحدث UP‏ أتسلى» أقطع الوقت» أحبي 
قلباً لم يعد ينبض. . فلأتسل. لماذ ببطء ببطء يعمل؟ له ساعة وهو 
يدخل أصبعين في الخندق ويرفع الرأس إلى أعلى ويتحسس شيئاً 
في الداخل. يا لطول باله! يمرضني طول باله! وهو يخلع ملابسهء 
قطعة قطعة يساويها ويعلقها ويظل دهراً يجيء ويروح» CISL‏ 
ويجيء حتى من الغيظ أنام» وما أكاد أفعل حتى أشعر به يسحب 
الغطاء ويمد يدا ناحيتي أبادر بدفعها. . من لحظات وبلكاعته ذهبت 
رغبتي . أنا OV‏ جئة . أصرخ . جثة. . يرضى بالجثة. ما إن أصير 
bel‏ وينتفض في دم طال عليه الركود حتى يكون هو قد أفلس. لم 


6 





24 


يكن haf‏ كذلك. معاً كنا دائماً. الآن افترقنا. أنا افترقت. هو باق لا 

عرق.. 

دوى الصوت,. انتفضت» لم تفهم. : في آخر لمحة أدركت أنه 
صوته. . لابد صوته. . ما هذا العرق؟ آلة جديدة؟ تعبير طبي؟ بدأت 
تفهم . «السستر» بجواره تختار شاشاً مطبقاً بعناية من مجموعات 
الشاش بجوارها. دون أن يحرك وجهه أو يستدير تتخلع هي «السستر» 
وبكل دقة وحرص حتى لا تلمس بأصابعها جبهته تجفف عرقه. عيناه 
لا تريان أو تشعران Ly‏ تفعله» كأنه لأول مرة يعرق.. في البيت لم 
شره أبداً يعرق. دائماً هو مستريسح دا مثقل الجفون ous‏ لا 
يتحرك من مكان لآخر إلا بدافع حياة أو موت. كيف تطيع هذه المرأة 
بجواره أمراً يصدر بهذه الطريقة الحادة الباترة؛ كالسبة» وحتى من 
غير «من فضلك»؟ لو كانت هي اصدر لها أمراً يهذه اللهجة لصفعته. 
إنه اهانة وليس Lal‏ الغريب هو صوته» رفيع كما تعرفه» لا يرن 
كصوت الرجال ولكن فيه أشياء أبداً لم تكن فيه . 

- امسك كويس. . إذا فلتت ح أحط المشرط في عينك. 

قال هذا وصوب عينيه أمامه مباشرة إلى حيث المساعد. عينان 
رأتهما بزاوية ولكن حتى نظرته من الجانب تبدو مختلفة. مائة في 
المائة ليست نظرته. هذه تملكها شخصية طاغية أسرة لا تملك إلا 
طاعتها. نظرة كأنها لرسول مؤمن برسالته إلى حد الجنون والبطشء 


66 بيت من لدم 





مليئة بالثقة وكأنها تصدر عن فيض من امتلاء النفس بالثقة. . إن لها 
شهراً وأكثر لم تر عينيه ولم تحس أن له نظرة. نظراته دائماً كقطة أليفة 
تتبعهاء توجهها حيث تشاء. . من خلال عينيها يرى. عيناه حين 
تواجهها دائماً ما تكون البادئة بالانسحاب وقصر الشر. نظرة 
تشفق على ما تحفل به من مسكنة دائمة» وكأنه الطفل يذوب 
باستمرار» وباستمرار يطلب الغفران , 


لابد أنه يمثل أمامهاء يريد اغاظتها. هنا مملكته وعبيده وهنا لا 
بأس من مزاولة سلطان مؤقت أمامها. ولكن كيف عرف أنها أصبحت 
بالحجرة» ومذ دخلت لم يرفع عينه عن مكان العملية ولا همس في 
aif‏ أحد أو أخبره؟ 


لا هوء ولا الموجودون نينا لا أحد شعر أو يشعر بها. هم 
أنفسهم وعن الزمان والمكان. . وأيضا عن الآخرين. ما هذا الذي 
بدور؟ هي لا ترى Lat‏ لا ترى إلا أصابعه وهي غادية رائحة من 
صغيرة تعرفها أيضاً. ما هذا المعجز فيها الذي يمتص وعي هؤلاء 
الناس وانتباههم» كما لو كان أعظم عازف كمان في العالم يعرف 
والأنفاس معلقة بأنامله؟ 

لا. . قلنا إبرة أرفع . 


ه٦‎ 





"١ 


وطار ملقط مركبة فيه ابرة فوق الرؤوس» وسقط على الأرض 
غير بعيد عنها. دق قلبها في عنف. . من الشخطة قبل أن يدق من 
السقطة . 


ماذا حدث له؟ لم تره هكذا أبداً. إن شخطه مرعب. . على 
الأقل يرعبها. إنها لا تخاف من الرجال إلا شخطاتهم فقد عاشت 
طول عمرها Wir‏ ملفوفة بورق سيلوفان, يتناولونها بحرص» 
وبحرص بالغ يربونها ويعلمونها. . ويعاملونها. وما عليها إلا أن 
ترغب وليس أمامهم سوى اجابة الرغبة.. لم يقل لها أحد في 
حياتها. . لا. . لم يشخط فيها أحد. . حتى هوء كانت الرقة تذوب 
من صوته إذا تحدث اليها. لماذا يشخط الآن هذا الشخط 
المرعب. . الشخط الذي يجعلها تحس بالذعر» وبأنه رجل آخر 
غريب تهابه» تحس أمامه أنها فعلاً امرأة ضعيفة خائفة؟ ما هذا 
الاهتمام الصارم المركز على وجهه؟ لم تشهده حتى وهي تناقش معه 
أخطر ما دار في حياتهما أو يدور؟ وما هذا الاهتمام العظيم الذي 
يبديه الآخرون بأصابعه. . أصابعه الدقيقة ويده الصغيرة التي تشبه 
الفأر؟ لا يمكن faut‏ أن تكون هذه أصابعه. إنها يد وأصابع مختلفة 
bls‏ هذه كائنات رفيعة طويلة أخرى بالغة الحذق والنشاط تلتف 
على بعضها البعض» تستدير» تنحني» تلتقط» تلضم» تخيط. 
تمسك» تجفف» تتفرق» تتجمع› تتحسس» تتداخل» Gp‏ 
الآلات في قبضتها تتحول كائنات حية» وكأن أصابعه تتشكل على 
هيشة الآت. لا يمكن أن تكون هي نفس الأصابع التي ما رأتها إلا 


ov‏ بيت من لحم 





1۲ 


مرتخية» أو مغطية فمه المتثائب» أو حتى إذا نشطت فإنما تنشط 
لتعبث - في أحيان نادرة ‏ بشعرها هي » وكائما تؤدي eae Lely‏ 
أو لتضغط على أذنها وكأنما لتقرصها حيث لا تدري ماذا غير هذا 
بوسعها أن تعمل. بالتاكيد ليست هي أبداً الأصابع التي تعرفها ويثير 
مرأها بعض اشمثزازها. . هذه أصابع تتعلق بها الأنفاس ولابد أنها 
تقوم بأخطر عمل . . فالصمت المخيم ليس صمت مؤامرة أو ضجر. 
إنه صمت الترقب الأعظم وكأن في الحجرة تدور مغامرة كبرى» 
الخطأ الصغير فيها قد يكلف حياة. من المحتم أن الصمت المقدس 
هذا يخيم على معجزة تحدث» وهو الذي يقوم أمامهم وأمامها 
بالمعجزة» وهو «بتاعها» . gal‏ «بتاعها» لا يزال؟ هذه النظرة المحددة 
GLI‏ التي Lis‏ في أعماق مساعديه ومن حوله من الرجال فتهز 
أعماقهم» هذا العرق الغريب الذي يبدو لفرط نظافته معقماً طاهرأ 
هذا الوجه الذي لم يستطع حتى القناع الشامل أن يخفي الشخصية 
الطاغية التي تملكهء هذه الملامح التي يسيطر عليها تماماًء المحددة 
متی وكيف تتحرك» هذا زهو لم تره أبداًء Gea‏ آحر لا يمت 
اليها. . هو مخیف» مرعب» ذكر. رجل يمثل ما لم تحس به كرجل 
وهو في قمة مزاولته للرجولة معها. أمامه وعن عمد تضع الآخر في 
مواجهته» بشعر صدره» بيديه الكبيرتين» بذقنه الغزيرء بقامته. غير 
معقول هذا أبداً غير معقول! إنه يتضاءل» إنه يصبح أقل شباباً 
وأهمية. كل ما فيه من زايا وحصال تذوب وتتلاشى كفقاعات من 
صابون أمام هذه الارادة الحديدية التى لا تقهرء والتي تنبعث منه هو 


oA 





1۳ 


ply‏ الحياة في أعماق الطفل المريض أن بستيقظ› أن تنشط؛ أن 
تبداً وتستمر وتظل حية مستمرة. كادت تبكي . : لم يتضاءل الآخر 
وحده» هي نفسها بدأت بكل رغباتها وغيظهاء بكل أحلامها 
وضيقهاء JS‏ دلالها وأنوثتها تتضاءل. . تتضاءل» وهو يكبر ويكبر 
وتحيطه هالة مقدسة لا تجرؤ على خدشها حتى بالنظرء هالة الرجل 
وهو يعمل» هالة لم ترها chal‏ وما كان مقدراً أن تراها لولا الحجة. 
والمضحك أنها حجة لخداعه. . الدموع تجمعت فعلاً في عينيها. 
إن كل ما تتمناه الآن أن يحادثها هذا الرجل المقدس أن يعترف أمام 
الناس أنها له زوجته» وأنه لمروع أن يعترف بها فع كحبيبته. 
غفرانك وعفوك! لو تسمح لي بتقبيل يديك الصغيرتين وكل أصابع 
من أصابعك! لو تسمح لي بتقبيل أقدامك! يا الهي وأنت الاله الآن. 
انحنت فعلا ونظرت أسفل المنضدة تريد أن ترى قدميه» تريد أن 
تسرى كل شيء فيه من جديد. عرفتهما. . رغم «البوت» والرقبة 
الطويلة فهذة العزيزة أقدامه. اعتدلت. أحست بالقناع مبتلا حول 
أنفها وفمهاء كانت الدموع تتكون بسرعة وتنهمر» وكان بصرها مضبباً 
ولم تعد ترى وكأنها في حلم من ضباب» رأت الباب وأسرعت وكأنما 
تنقذ نفسها. وعند الباب وقفت» ومن خلال فتحته الزجاجية راحث 
تجفف دموعها وتكمل النظر. . يا لصوته وهو حتى يأنيها غير آمر» 
وهو يشرح لزملائه ما يفعله. كل كلمة منه تستثيرها وكأنها لمسة 
حبيب راغب. . حتى سكوته مثير وهائل. في حنجرته زئیر رجال» 
في حنجرته أسد هي أمامه غزال لا حول old‏ والحجرة غابة» ولو 


04 بيت من لحم 





٤ 


بحاجبه . . بمجرد حاجبه أشارء لطاوعته في الحال هنا وأمام الملا . 

انتهت العملية وبدأت اجراءات حمل الطفل. أزاح قناعه 
إلى أسفل وخلع قفازيه» WIS‏ فعل مساعدوه وزملاؤه وهم يحضرون 
اليه يصافحونه ويهنئونه. وجهه حافل بابتسامة لا حدود لسحرها. ثم 
من أين جاء هذا الاكتفاء» هذه السعادة كلها.. كيف طفرت من 
ملامحه؟ سعادة أكثر بكثير من أيه ليلة حب قضياها معاً. حتى وهما 
في شهر العسل؟ 


وأحسث» piled‏ أن قلبها بدأ يغوص . 


ع5 





56 


ASN أكبر‎ 


لا يخيفنكم الاسم فالقصة* نفسها تميت من الضحك» ولو أن 
محمد حسين حين يرويها لا يضحك أبداً» ولا یری فيها ما يبعث 
حتی على الابتسام. بالعکس» يتهدج صوته كثيراً حتى يكاد ييكي 
وفي أحيان يسأل السامع » إن كان السامع من العارفين أو المتنورين» 
سؤال المستغیٹ» أن كل ما فعله وما يزال يفعله حراما» وهل ممكن 
أن يدخل النار بسببه؟ وحقيقة كان محمد Lely‏ حين يجد السامعين 
يضحکون» ويغرقون في الضحك» ولا يكفون إلى الآن عنه. . 
محمد من هؤلاء الفلاحين الذين يطلق عليهم نساء القرية «الجدعان» 
لا من الجدعنة» ولكن من حداثة السن والعزوبية وخلو البال. 


25 «لهذه القصة قصة» لقد كتبتها ونشرت بجريدة الجمهورية في أغسطس VAY‏ 
ولكني نسيت أني كتبتها فلم تضمها مجموعة آخر الدنيا أو لغة الآي إي أو النداهة, 
ولولا الصديق الناقد صبري حافظ وسؤاله مؤخراً عنها وعن سبب اهمالي LL‏ 
تذكرتهاء ولولا الصديق الناقد عبد الرحمن أبو عوف وأرشيفه الكامل لوجدت 
صعوبة شديدة في العشور عليها إذ حتى كلت قد نسيت العام الذي كتبتها فييه. 
فإليهما وبكل العرفان أهديها. 


51 بيت من حم 





ولكنه جدع ولا يلبس جلباباً من السكروتة» وعمره ما جلس 
على قهوة» ولا ذهب أبداً إلى البندر. . فلاح من هؤلاء الفلاحين 
الذين حملوا عبء اخضرار بلادنا لسبعة GY‏ عام أو تزيد. فهو 
مهما اشتغل في الغيط لا يتعب» ومهما نام لا يستريح» ومهما أكل لا 
cent‏ وأبداً لم يرتد في حياته جاباباًء فهو Lathe‏ بلباسه وفانلته وفوق 
الفانلة صديرى لم يحل لونه فقط» ولكن انمحى «وجهه» اللامع 
Lbs‏ وبقى على البطائة الدمور» والفائلة متاكلة مثقوبة في أكشر من 
موضع» واللباس به رقعة غير جيدة الصنع فقد صنعتها له أمه» وأمه 
نظرها ضعيف وتزهق من لضم الابرة. 

ولكن محمد على أية حال شاب في الثامنة عشرة وإن كان يبدو 
في الشامنة والشلاثين» وله Lad‏ كل نزوات الشباب» بل ويعرف 
البصبصةء ويغني أحياناًء ويلقح بالكلام على البنات إذا عملن معه 
في الحقل أو ضمته واياهن ماكينة الطحين. ولكن تجاربه في الحقيقة 
بدأت مع الحيوانات» كل الحيوانات من الماعز إلى الأبقار 
والجواميس» وانتهت إلى المشهورات جداً من النساءء أولئك اللائي 
يقعن بمجرد وقوع النظرء بل أحياناً بالسمع.. ولم يكن أبدأ في 
حياته يحلم بما حدث» بله أن يحدث في يوم صيف حار كافر كهذا 
اليوم » قضى كل صبحه يجري خلف حمار «القنادلة» الذين يعمل 
عندهم» حاملا نقلات السباخ إلى الغيط البعيد» وقد أتم الثلاثين 
نقلة أي ما يوازي بلغتنا نحن الستين كيلو متراً قطع نصفها جربا وراء 
الحمارء ونصفها الآخر راكباً اياه تكاد سلسلته الظهرية العجفاء 


1۲ 





VW 


البارزة تقسمه إلى نصفين» ركوبة أسهل منها بكثير الجري أو 
السحل. . في ذلك اليوم عطش واستبد به العطش إلى درجة أصبح 
يحلم فيها بالغاءة ومن شدة ظمقه تفى من خاطره أن يشرب من بيت 
القنادلة» فالماء لديهم يحتفظون به في البلاليص وهو دائما ساحن 
ودائما فيه عكار. الشربة الحقيقية لا تكون إلا من بيت الشيخ 
صديق» ومن زير أم جاد المولى النظيف ومائها البارد المقطر الذي 
تضع فوق فتحة زلعته شاشة بيضاء تمشع الواغش والغبار» ويرد 
منظرها الروح. هكذا صمم محمد وهو يلكز الحمار الكسول وينخره 
ليسرع به إلى أول البيوت حيث بيت أم جاد المولى . 


وما يكاد يطل من الباب وتتعود عيناه رؤية ما يغلفه شبه الظلام 
في الداخل حتى تسمر محمد في وقفته خجلاً واحتراماً وأدباً. . فقد 
وجد pf‏ جاد المولى تصلي وبالذات تركع» وقد أعرض جسدها 
بطريقة لم يملك معها محمد إلا أن يقف خجلا واحتراماً وأدباً. ولم 
تطل الصلاة فسرعان ما جاءت التحيات» وحين التفتث بوجهها لتسلم 
زادت من التفاتتها لترى من الواقف. وعافى عليها محمد وسألها إن 
كانت تسمح له بشربة ماء؟ وهزت أم جاد المولى رأسها صوافقة دون 
أن تنطق بحرف واحد فقد كانت تتمتم بختام الصلاة. وأشارت إلى 
الزير الذي كان محمد من فوره قد توجه اليه وأمال الزلعة Shey‏ الكوز 
وشرب. . شرب کوزین» وارتوى. أحس بجسده يلهث من فرط 
Srl‏ والاكتفاء» وأحس أنه مدين ey‏ جاد المولى أو كما تعودوا 
تسميتها الشيخة «صابحة» لا لأنها زوجة الشيخ صديق ولا لأنها 


1۳ بيت من لدم 





1A 


تصلي وتداوم على الصلاة ولا تسلم عليك مرة إلا وقد أحاطت يدها 
بثوبها حتى لا تنقض الوضوء» ولكن لأنهادوناً عن النساء جميعاً كانت 
تفضل أن تلف رأسها بطرحة بيضاء. أحس أنه مدين للشيخة صابحة 
بدين كبير حاول أن يرد بعضهء فسألها وهو في طريقه إلى الباب إن 
كان باستطاعته أن يؤدي لها خدمة؟ وقالت الشيخة أم جاد: pS‏ حيرك 
يا خويا. . كتر ألف خيرك. 

وكاد يدلف مسرعاً إلى الخارج ليلحق بالحمار الذي تركه 
ومضى » حين سمع كلمة: بس! والتفت خلفه ليلمح ابتسامة أم جاد 
المولى المعوجة قليلا والتي لا تظهر من خلالها سوى أسنان قصيرة» 
ويجدها تطلب منه في تردد إن كان باستطاعته أن يصنع لها معروفاً 
ويرفع بلاص الماء الاحتياطي ويدلقه في الزير الذي انخفض ماؤه. 
بس كده؟ وبجذبة واحدة رفع البلاص» ودون حتى OF‏ يسنده على 
حافة الزير أمامه ومضى الماء يخرج من فتحته على دفعات ضخمة 
هادرة . 


في ذلك الوقت لم يلحظ محمد أن الشيخة صابحة ترمقه للمرة 
الأولى مند أن دحل البيت» وفي الحقيقة لم تكن ترمقه كله كان 
بصرها مستقرا على ساقيه السوداوين المجرحتين بالشقاء والملبدتين 
بالشعر» وليس على ساقيه بالذات بالدقة على ذلك الشيء الذي 
انتفخ فجأة في سمانة كل من ساقيه وهو يشب ليسيطر على البلاص ٠‏ 
ويصبه. شيء بدا صلباً وكأنه كتلة حديد قد تكونت من تلقاء نفسها 
تحت الجلد» شيء لا يمكن أن يحدث أبداً إلا من جسد رجل» وهو 


ay: 





14 


شيء ليس غريباً على آم جاد المولى فلزوجها الشيخ صديق شيء 
مثله. ولكن سيقان زوجها هزيلة رفيعة كالبوصة. إذا شب أو سار 
تصلبت سمانتاه أيضاً ولكنه تصلب لا ينتج إلا كتلة صغيرة مفرطحة لا 
تكاد تظهر من الجلد. ولم تكن تلك المرة الأولى التي تعقد فيها أم 
جاد المولى مقارنة بين زوجها وبين أي رجل تراه أو تلقاه. فلها 
سئين وهي تعقد تلك المقارانات. . بالضبط أربع سنوات منذ هذه 
الطوفة التي جاءته وجعلته يبدأ يغالي في التدين وصلاة الضحى 
والتراويح ويسهر الليالي في الموالد يذكر ويجعل من نفسه إماماً 
للذاكرين» ويؤمن بتلك الطريقة الدمرداشية ويتروحن ويحدثها عن 
الوصول» والسادة والأولياء والامام الغزالي وكبار الواصلين ويفرض 
عليها الطرحة البيضاء والسبحة. 

في الحقيقة لم تدهش أم جاد المولى لهذا التحول» فالشيخ 
صديق طول عمره نحيف ضعيف خفيف الصوت شاحب اللون قليل 
الطعام كثير نوبات حرقان القلب والمغخص» لا يقطع فرضاًء ولا يؤذي 
نملة. حتى في صباه كان الشبان جميعاً يكتفون بارتداء طواقيهم وهو 
وحده الذي ينفرد بالتعمم عليها. ولكنه كان فلاحا خبيرا بالفلاحة 
يحب الأرض والزرع ويجن شغفاً بالمواشي ويفرح بولادتها ربما أكثر 
من فرحه بولادة الابن» والقراريط التي يزرعها دائماً فيها حضرة أو 
شيء لا يزرعه الناس. ولكن تلك الروحنة لم تأته إلا من أربع سئين 
لكأنما كانت و «بلوغ) ابنهم اسماعيل على ميعاد. وكأنما جاءت 
ليصب هو نقمته عليها لأنها لا تصلي» فإذا صلت Jb‏ يواصل نقاره 
حتى تصوم «الستة» ولم يتركها إلا وقد ألبسها الطرحة البيضاءء وهي 


6" بيت من لحم 





قابلة على مضض الضيق أول الأمر بكل الهلوسة التي اجتاحته وعلى 
ا ae‏ وعلى إهماله لها 
وللدار ولكل شيء» وتفرغه تماماً لنوبات العبادة التي تبدأ مع العشاء 
ولا تنتهي | إلا بعد الفجر حيث يصلي وينام للضحى» ويروح منهم 
«دور» الماء في الساقية» ويعطش القمح وتفضى callin‏ ولا يصح 
لهم من الفدان إلا أردبان. . 


قابلة على مضض الضيق أول الأمرء ثم على مضض الصابر» 
ثم على يأس المستسلم» ثم على محاولة للتروض وللوصول إلى 
عزاء لا أكثر وطلبا للسلوى. ولكن نوبات النقاش والمناكفة ومحاولة 
تذكيره بشرك المسبحة جانباً وامساك الفأس كثيراً ما كانت تراودها 
وتجعلهاتعقد dy‏ وبين غيره من الرجال المقارنات أمامه وخلفه» ولكنها 
المرة الأولى التي تعقد مقارنة بين سمانة رجله وسمانة إي رجل آخر. 

كل هذا لم يلاحظه محمد» وحتى لو كان قد لاحظه لما 
فهمه. كل الذي لاحظه حقيقة أنه وجد أم جاد تقوم فجأة وتأتي لتقف 
بجواره أمام الزير وتمد يدها تريد انتزاع البلاص منه وهي تقول: 
عنك انت يا خويا بقى . . كفاية عليك. . زمانك تعبت . 

وهو يجذب البلاص ناحيتنه ويتشبث به: والله أكبر كلمة لا 
يمكن. . تعبت ايه هو ده اسمه كلام؟ 

- والنبي يا محمد الهي يخليك لشبابك. هاود بس! 

- واللي نبي النبي لا يمکن . 

وجذبة إلى هنا وجذبة إلى هناك احتك كوعه بطرحتها البيضاء 


55 





۷١ 


فأزاحها UU‏ واحتك ذراعه بذراعها وفائلته بثوبها وبالذات سمانة 
ساقة Agile Caley‏ 

وفجأة دق قلب محمد وكأن أحدهم ساهاه وقذفه فجأة في 
الترعة» فقد أحس ‏ هكذا أن الشيخة أم جاد المولى امرأة. لم تكن 
جميلة ولا صغيرة ولا تعوج القمطة؛ بل لونها كزوجها يميل إلى 
الصفرة» وعيناها صغيرتان» وصوتها ناعم مسلوخ وكأنما يخرج من 
فتحة في ظهرهاء ورائحتها كلون رائحة طرحتها clay‏ ذلك الأبيض 
الشاحب الرمادي . ولكنه أحس بها كامرأة. 

كيف أحس بهذا رغم طرحتهاء والفرض الذي كانت من هنيهة 
تؤديه؟ رغم ابنها الأفطس الأنف الذي يحوم حوله ذباب خاص دائم 
والذي لا يمكن أن تصدق أن أمه امرأة؟ 

كيف أحس بام جاد كامرأة» ومن المسئول عنه؟ لا يعرف. 
وحين وجد شاش الطرحة من الشد والجذب ينزلق من فوق رأسهاء 
ثم يراها ويرى رأسها ووجهها بشعر وبلا طرحة. . حين رأى هذا 
أحس أن كل شيء قد انتهى» وبدلاً من أن يمسك بأذن البلاص 
مباشرة لف ذراعه ‏ بلا خبث أو تدبر» بالغريزة ‏ وراء رقبتها» وقبض 
على البلاص بقوة» فأصبحت هي بقوة أيضاً في حضنه . 

وحاولت أن تتملص قائلة: أوعى بقى نقضت وضوي يا 

ولكنه لم يفعل إلا أن شدد من التفاف ذراعيه ليجبرها على 
السكوت التام» ولحظتها لم يكن يريد لها أو لنفسه أكثر من مجرد 


WwW‏ بیت من لحم 





بف 


السكوت التام والثبات» مجرد الثبات على هذا الموقف. . 

وكانت كلمتها التالية: لا لاء أنا في عرضك. . الشيخ صديق 
زمانه جاي . 

وقال لها بصوت مبحوح متحشرج وكأنما مصدره صراخ داخلي 
ينبع منذ الأزل: هو فين؟ 

فقالت: زمانه بيصلي الضهر وجاي . 

فقال: آمال وقتيه؟ 

فقالت : بعد العشاء. 

وارتجفت ركب محمد وكأنما غشاها زلزال لم يلبث of‏ اجتاح 
صوته فقال بشفة عليا ترتعش : هو مش حا يكون هنا؟ 

فقال: لاء حداه الليلادي مولد. 

وفي نوبة جنون حاد ضمها محمد حتى كاد يحطم ضلوعهاء 
ورفعها ودار بها هي والبلاص bey‏ أكبر وأعظم وأروع فرحة مرث 
thew‏ 


eee 


وعلى السطح» سطح كبيث الشيخ صديق نفسه» كمعظم 
البيوت» كله فتحات ومساقط وصوامع وقش وأرز وحطب وغرابيل 
قديمة وأسلحة محاريث صدئة وسحالى . . على هذا السطح كان 
الميعاد. . وبرغم خوفها الشديد ورعبهاء ورغم سبها لنفسها وتفكيرها 
ألف مرة في الاحجام» إلا أن of‏ جاد وضعت لمحمد سلمها الناقص 


VA 





vr 


بضع سلالم المصلوب بحبل» وجلست تنتظرء وألف هاتف تطالبها 
بالقيام وسلاسل من حديد تربطها إلى المكان. قوة قاهرة كالزمن 
والأقدار تجعلها تصم آذانها وعيونها عن كل شيء وهاتف» وتمضي 
تضع السلم أو تحبك الطرحة البيضاء وتدلك وجهها بقسطرات 
اقترضتها من ماء الورد وتفعل هذا كالمنومة كالمسوقة إلى قدر 
محتوم . 

والغريب أن محمد لم يستعمل السلم أبداً في صعوده إلى 
السطح» فالسطح لم يكن Lille‏ وبقفزة واحدة كقفزة جن كان قد 
صعد الحائط الواطي . ولم ير جيداء فهو لا يجيد الرؤية بالليل ولا 
حتى lL‏ وعيونه لا رى إلا إذا دعكهاء. وإذا دعكها احمرت» 
وإذا احمرت رأى الصومعة صومعتين» وفي الحقيقة لم تكونا 
صومعتين» احداهما فقط كانت HAS‏ والأخرى كانت أم جاد. وقد 
رأته ورأت حيرته ولكنها قبعت في مكانها ساكنة لا تتحرك ولا 
تفتح فماً. وبدلاً من أن يبدأ محمد بحثه عنها قبع هو الآخر بجوار 
الصومعة من ناحيتها الشانية» ولو ترك العنان لنفسه لدخلها واختبأ 
فيهاء فقد كان خائفاً جداً. خائفاً من الشيخ صديق أن يود فجأة» 
ومن الله أن يغضب» ومن الجيران أن تحس أو تعرف. ولكنه رغم 
ذلك الخوف كان الدق الذي في قلبه دق فرح» فرح غامر دافق حينما 
زهق من معرفة سببه قال لنفسه لابد أنه الحب الذي يتكلمون CAE‏ 
فهو لأول مرة في حياته يواعد امرأة في بيتها وتواعده لا عن طمع أو 
من أجل بضعة كيزان أذرة تشويهاء ولكن من أجله هو فقط ومن أجل 


5 بيت من الحم 





Yé 


سواد عیونه» رغم أن سوادها أبيض بما فوقهما من سحابات تمنع 
الرؤية» وحنى لو كان أعمى كلية وكانت أم abe‏ مشلولة تماما لالتقيا 
في تلك الليلة» فكل ما فيه كان مرهفاً إلى كل ما فيها مشدوداً اليه 
بقوة لا يمكن أن يوقفها ظلام أو تحول بينه وبينها صوامع أو حطب. . 


وكان لقاء! هو بنفس الفائلة واللباس وبوجه حشن حافل بالبقع 
والثقوب. وهي بجسدها القصير الأصفر صفرة لا سبب لها ولا 
تفسير» وبابتسامتها المتدلية إلى ناحية تدلياً لم يلحظه محمد ولم يره 
فقد كان مشغولاً عنه تمامء عقله مع الخوف من عودة الشيخ صديق 
والله والجيران» وجسده مشغول Liles‏ بجسدهاء وكلاهما واقف» 
وكلاهما يرتعش» والدنيا مظلمة ظلاماً ليس فيه بارقة أمل . 

ومن بعيد جداً» وكانما من بين النجوم جاءهما صوت الشيخ 
صديق وقد بدأ يمسك بحلقة الذكر ويلعلع » وعلى وقع لعلعته 
المتقطعة التي لا يمكن التميبز بين كلماتها كانت أجساد الذاكرين 
تتمايل» وتتهدج الأصوات الخارجة من صدور تخفق بالخوف 
والأمل» بالمعصية والحاجة» بالارادة والاستحالةء بالصبر الشديد 
وطول ضيق OL‏ 

وتقريباً» وعلى نفس الوقع بدأ سقف البيت المعرش بأشجار 
وسدد يهتز» ويخفق خفقات كنبض القلب» كلهث المحموم» بلا 
معنى وبلا هدف إلا أن تظل تخفقء وتظل الأفرع تزيق وعيدان 
الحطب وقش الأرز توشوش وتتغامز وتسري بينها الاشاعات الصوتية 





والهمسات الآثمة. صوت الشيخ صديق المنغم نفس نغمة صوت 
محمد وتمايل الأجساد وتمايل الأعواد» وتهدج أصوات الذاكرين 
ces‏ أصوات الملتفين. لغمة واحدة تكاد تشمل الكون كله وعلى 
وقعها Gar‏ وعلى وقعها مستمر يخفق › أما السحالى فقد توقفت ذلك 
التوقف الغريب الذي يحدث لها أحياناً» توقف تام وكأنما ترد به على 
الحركة الكونية الهائلة من حولهاء وتشاهده وتشهد إذا لزم الأمر 
عليه. لم تتحرك إلا هناك حين بدأت أصوات الذاكسرين تضطرب». 
وبدأ بعضها يرطن بالسريانية ويصل ويغيب عن الوجود, والحركة 
أيضاً تغيب عن السقف» وتموت الهمسات والاشاعات في مهدها 
على أطراف عيدان الحطب. 


HNN 


وفقط كانت تلك هي المرة CUM‏ ولم تكن أبدأً الأخيرة. 
فقد عرف محمد الطريق إلى بيت الشيخ صديق» وبالذات إلى سطح 
البيت وكان مستحيلاً أن يكف عن التردد عليه . كان كلما سمع الشيخ 
صديق يؤذن أو بحبي مولدأ أو ليلة يترك ما في يده ويتجه إلى البيت 
وبقفزة واحدة كان يصبح على سطحه. ودائماً وهذا هو الأغرب كان 
يجد الشيخة صابحة هناك بنفس طرحتها البيضاء وكأنها وصوت 
زوجها على ميعاد. 

وفي تلك الأيام بالذات كان الشيخ صديق في أسعد حالاته» 
فقد كفت زوجته تماماً عن مناقشته الحساب وتذكيره بالفأس والأرض 


۷1 بيت من لحم 





v4 


واكتفت بإلقاء نصائحها لابنها جاد الذي بدأ هو يخرج الفأس من 
مكمنها ويسرح بها الغيط» بل الأكثر من هذا أنه بدأ يلاحظ أن زوجته 
قد أصبحت شيخة بحق وحقيق كما يناديها الناس» ففي صلاتها 
إخلاص حقيقي» وفي دعواتها إلى الله أن يغفر لها ما تقدم من ذنوبها 
وما tt‏ تبتهل بصوت خارج من أعماق نفسهاء ولم تعد أبدأ في 
حاجة إلى أن يذكرها بالنوافل أو توزيع الحسنات . 

وهكذا ترك لنفسه العنان وارتفع آخر حاجز كان يحول بينه وبين 
التفرغ كلية للتبتل والوصول» واستبدل السبحة الماثة التي كان يسبح 
بها بسبحة ذات ألف حبة» وعدية يس كان يقرؤها كل ليلة وفي كل 
مساء أيضاً لابد من ذكر. وكلما تطور الشيخ صديق في وصوله 
وانغماسه واندماجه وتفرغه» كان محمد هو الآخر يتطور ويتهسور حتى 
إنه كان يذهب إلى سطح البيت مرتين في الليلة أحياناً أو حتى في 
النهار. بل تطور الأمر بمحمد إلى الحد الذي جاء عليه وقت أصبح 
مجرد سماعه لصوت الشيخ صديق وهو يؤذن أو وهو يضرع مستغيثا 
في مولد يجعله يحس بذلك الشيء في جسده يدق وينتشر الدم الفائر 


ولكن التعود كالزمن يقتل الأشياءء وبالتعود لم يعد محمد 
شديد الحماس لترك ما في يده كلما سمع صوت الشيخ مناجياً أو 
مستغيثا بعيدأ عن الدار ويقفز إلى سطح أم جادء بل ربما نوبات قلة 
الحماس تلك التي أصبحت كثيراً ما تنتابه» هي التي بدأت تحل 


YY 





vv 


عقدة لسانه وجعلته مستعداً لفتح مكنون قلبه ومكنون سره - ريما سره 
الأوحد ‏ لأصدقائه؛ ثم لمعارفه» ثم بناء على طلب السامعين حتى 
أصبحت القصة كلها كمصير أي سر معروفة مشهورة لا تضر أحداً أو 
تجرح أحداًء مثلها مثل أي كلام» كل الفرق أن محمد في نهاية 
حكايته كان صوته يتهدج ويمتلىء بالتأثر إلى حد يوشك أن يستحيل 
معه إلى بكاء وهو يتساءل: ترى. . هل حقيقة سيدخل النار جزاء ما 
فعل؟ 


Hek 


ومن ناحيتنا كثيراً ما تداولنا نحن الصغار القصةء وكنا حين . 
نأتي إلى النقطة التي تهم الصغار كثيرأًء نقطة الجنة والنار ومن 
سيدخل ماذا؟ كنا نؤكد لبعضنا البعض ونجمع بكلمات عالية باترة أن 
اللذين سيدخلان النار حتماً هما محمد وأم جاد. . ولكن. . ربما 
هذا الاجماع الغريب هو الذي كان يجعلني أفكر في الأمر بيني وبين 
نفسي أكثرء وأكاد أضحك على هاتف ساخر عربيد كالبلياتشو ينتصب 
أمامي فجأة ويؤكد لي ويقسم أن الشيخ صديق هو داخل النار حتماً. 
ومن أوسع الأبواب . 





VA 


العصفور والسّلك 


jbo!‏ أعلى بقعة وحط#. كانت سلكا. ULE,‏ بين مودي 
من سلك تليفون. مخالبه تشبثت برفق. هبت الريح وصفر 
السلك. . تمايل» تشبث أكثر. هو لا يكف عن الحركة» والحركة 
عنده مفاجئة ¢ فجأة eT‏ فجأة تحدث. فح ة تبلغ أقصى المدى. 
فجأة شقشق» فجأة تلفت. فجأة رفرف. فجأة صوصو. انتشى فجأة 
طار» حام» حوم» حط تشبٹ» تلفت. على مقربة لمح الأليفة› 
رفرف» رفرفت. اقترب» اقتربت. صوصوء شقشقت. حك المنقار 
بالمنقار» حكت. أمال رأسه»ء أرقدت رأسها فوق رأسه. انتشى» 
نط . بالقفزة أحب بالقفزة هبط . بالنشوة تبرز» بصقة براز أبيض لونت 
السلك, 

السلك صدىء قديم غير سميك. يحمل في هذه اللحظة 
بالذات ‏ وفي نفس الوفت - سبع مكالماتمعاً. لا شيء في الظاهر 
بحدث» في الداخل تدور عوالم وأكوان. . سلامات» احتجاجات» 


(#) كتبت في ple‏ ۱۹۷۰ ولم تنشر. 


vg 





v4 


(lite «olin‏ وداعات استغائثات» sels vel‏ بلاد تباع. 
أصوات غلاظ» صوصوات رقيقات» تختلط الكلمات» تتمازج» 
تتوحدء كلها في النهاية تصير- ماديا . الكترونات. شحنات 
انات اواك LIS‏ الدب Lg)‏ تفي فة العو 
كهارب الصدق هي كهارب الكذب» الصراحة كالنفاق» اللوعة 
كاللعنة» الليل كالصبح كالنهار» الحرام كالحلال» النضال كالخيانة 
كالكفاح» البطولات كالنذالات. كلمات! شحنات! الكشرونات 
متحفزات متحركات! في ومضة بحركتها تتغير مصائر» تجهز 
مشاريع. تنتهي وتبدأ حيوات واتجاهات . ومضات وتتم موافقات» 
وتبرم صفقات» وتدبر مؤمسرات» بالكلمات. بنفس الكلمات 
الطيبات. 

والسلك قديم صدىء صامت داکن» لا ينم مظهره عن شيء 
مما في داخله يعتمل ويدور, ولا يبدو منه أو عليه أقل تغيير» مستمر 
في وجوده الظاهر الطويل الممتد. 

والعصفور متشبث بالسلك» بمخالبه البريئة يمسك بهذا كله 
ويحتوبه» في ملكوته الخاص يحياء لا يدري حتى بأن السلك 
سلك» بله بأن ما يسري فيه يسري فيه. إن هو إلا مكان عال 
للوقوف. . وقوف كلما فرغ صبره منه فجأة يتقافز» يرفرف» يشقشق› 
يطير» بحوم» بالقفزة يزاول مع وليفته الحب» وبنفس القفزة يهبطء 
وبالنشوة يصوصوء وبالنشوة خالي البال يتبرزء بصفة براز صغيرة بيضاء 
على السلك» نفس السلك» كالزمن» كالصدأ تتراكم . 


Vo 





aL! 


cal‏ وأنا ومن بعدنا طوفان* لا تخف! سنرحل Se‏ سنرحل 
إلى بعيد بعيد. إلى حيث لا ينالك أو ينالني أحد. إلى حيث نكون 
أحراراً تماماً نحيا بمطلق قوتنا وارادتنا وبلا حوف. لا تخف! لقد 
اتخذت الاحتياطات كلها. لا تخف! كل شيء سيتم على ما يرام. 
أعرف أنك تفضل اللون الكحلي . ها هو البنطلون إذن. ها هي 
السترة. ASL,‏ ربطة العئق المحمرة فأنا أعرف طبعك. . لست بالغ 
الأناقة نعم ولكنك ترتدي دائماً ما يجب. ما يليق. سأساعدك في 
تصفيف شعرك. أنت لا تعرف أني أحب شعرك. خفيف هو متنائر 
وكأنما صنع خصيصاً ليخفي صلعتك ولکنه أبيض كله سهل 
التمشيط. بيدي سأمشطه. بعدها وبالفرشاة نفسها أسوي شاربك. 
حتى هذا النوع من الشوارب أحبه. هكذا رأيتك مئات المرات 
تفعل» وهكذا أحببت كل ما تفعل. كل ما أصبح لك عادة: حتى كل 
ما يصدره كنزوة. أتعرف أني فرحان فرحة لا حد لها. فرحة الإقدام 


(#) هذه القصة بالذات كتبت في يونيو ۱۹۷۰ . 


۷٦ 





A\ 


على أمر لن يعرفه سوانا. لست مريضاً هذه المرة وأستصحبك كالعادة 
إلى طبيب» ولسنا في طريقنا لزيارة أقارب مملين . فليظل الأمر إذن 
سراً بيني وبينك . 

باب المصعد يغلق. . من أسفل يسحب. لابد أن أحداً في 
القاع ينتظر. لا يهمك أرح جسدك. . اتكىء علي ولا يهمك. ما 
أكثر ما اتكأت عليك UT‏ ما أكثر ما حملتني وأنا صاح ومدعي النوم› 
فقط كي تحملني» كي أحس أني على كتفك أنت أستقر وأن ذراعك 
هي التي تحوطني وأني أشعر بالأمان. . أحلى وأعذب وأمتع أمان. 
اتكىء ولا تخف. ولينظر لنا الداخلون إلى المصعد ody ys‏ وليظنوا 
بي أو بك الظنون. إنها أول مرة نراهم فيها ely‏ مرة. البواب سهل 
أمره» بيدي وبالنصف ريال يا عم عبد الله افتح العربة. ها هو يجري 
ويسبقنا. ها هو يسباعدني في اراحتك على المقعد. الآن استرح 
واجلس. ضع ساقاً فوق ساق كما يريحك دائماً أن تفعل. أشكو من 
ضيق عربتي الصغيرة ومن طول ساقيك» فلكم أحب دائماً أن أبتسم 
لك وأسمع . المارش والفيتس والأول. . العربة تنطلق. الثاني. . 
غادرنا الشارع . الثالث. . نلف حول الميدان. وحدناأنت وأنا والعربة 
تستقيم وتنطلق. لقد نجحنا! بضربة حظ جبارة نجحنا! والعربة ها 
هي بنا أخيرأء ووحدناء تنطلق . 

تعرف أنها ليست المرة الأولى التي أجلستك في عربتي وأسوق 
أناء ليست الأولى التي ننفرد فيها chee‏ ولكنك لا تعرف أني هذه 
المرة أحس بحق أني لأول مرة ربما أكون معك. . بكل كياني معك. 


۷۷ بيت من م 





AY 


ولك» بكل كيانك لي ومعي . الآن لا شريك لك فيّ ولا شريك لي 
فيك. أنت لي تماماً كما أنا لك. والأجمل أننا - تصور ‏ سنظل هكذا 
إلى الأبد. 

الشوارع مزدحمة, الناس محيطء العربة جزيرتناء العيون 
تنصب كزواحف ديناصورية رهيبة تقتحم الجزيرة» تملؤهاء تغرقناء 
تلتهمنا. يا سيدة» يا عانس» انظري أمامك. ألم تري أبداً شابا 
يسوق بجواره رجل يرتدي بدلة كحلية ورباط علق محمر. أأعجوبة 
هي . أظاهرة؟ 

يا حسارة! الاشارة أغلقت. النور أحمرء الحمرة طالت» 
امتدت» أصبحت زمناً. الزمن يحمر ويتوهج» الزمن يحترق» اشم 
رائحته. . رائحة جلد آدمي يحترق. . جلدي UE‏ الأصفر يومض» 
الحريق يلتئم. الأخضرء السهم المنطلق الأخضرء النور المخضر 
يمتد يصبح مساحات. . زرعاً ونباتاً وأشجاراً. النور يحياء يتجسدء 
يزهر. الأصفرء اللا أحمرء الأصفر قمح» القمح يتماوج» الموج 
يعلو» قمم الأشجار تتمايل» رأسك أيضاً يتمايل. أنت موافق اذن؟ 
أنا سعيد. أحسب أنك تهؤرت الآن مثلى أو أنا تعقلت مثلك. 
صغرت أنت أم كبرت أنا لا أعرف» ما أعرفه أن كل ما أردته فيك 
وأردت أن ast‏ هأنذا OW‏ فيه. كل ما كرهته لم أعد أكرهه. كل 
ما كان يعجبك فيّ قد أصبح بمعجزة يعجبكءتريد أن أكون أنت» 
وأريد أن تكون أناء تطابقنا وها نحن نطير» وبالعربة وبك أطيرء 
ألامس الأرض وأطيرء أتلوى We‏ وأسوق. أنث لا تعرف كيف 


VA 





AY 


تسوق» أنت من جيل القطار. . القطار الذي لا خيار فيهء لا تختار 
إلا عبوديتك» UT‏ من جيل العربة» الحرية عربة» الرأي عربة» وحدك 
تحدد متى وأين» وحدك تعدل» opted‏ تلف, تدورء النهاية في 
يدك لحظة تريد. 


- قف . « 


لابد أن نقف؟ نحن في طريقنا إلى خخارج المدينة» وهنا 
تفتيش. نعم يا سيدي» البطاقات. هذه بطاقتي» وهذه رخصة 
قيادتي . من هذا؟ أين بطاقته؟ أنا بطاقته. ألا ترى أنفي من أنفه؟ 
حواجبي لها استدارة حواجبه؟ عرقي حتى له طعم عرقه؟ شكراً يا 
سيدي العسكري » شكراً! جميل شاربك والله العظيم جميل. 

لننطلق! وقب أصبحت بطاقتك. أحبك وأنا مسئول عنك» نفس 
حبي لك وأنت في طريقك إلى ارم وأنت في طريقك إلى اليقظة» 
أحبك عائداً من العمل» متعباًء نخلع عنك الحذاء والجورب» 
ونضمخ أنوفنا الصغيرة برائحة أقدامك» ونفصل أصابعك الملتصقة 
تعباً ووقوفاً عن بعضها البعض» وأتولى أنا توزيعها على اخوتي 
وأختص نفسي بالأصبع الأكبر. 

ولكن ألذ من الذكرى poled!‏ وألذ من الحاضر Lil‏ كالسهم 
نسطلق. طبعاً أنت لا تريد أن تعرف إلى col‏ متعتك الكبرى مثل 
متعتي أن تفاجأ. انك لا تعرف. . المعرفة قيدء طبعاً في رأيك 
المعرفة قيدء المعرفة وصول» وأنت VL,‏ نريد أن نصل. آنا 


v4‏ سم 





Ag 


شخصياً باستمرار أريد أن أبدأء حتى نهايتي أريدها aly‏ فأنا لا 
أحب النهاية. . النهاية سخف وضيق أفق. ما أروع أن نبدأ دائماً» 
وأن ob Mas‏ نبدأ» وأن تكون البداية بداية لبداية أجد وأمتع . 

رجل بوليس آخمر يقترب. كشك. آنا لا أخماف شيئاً ما دمت 
معي . أنت الوحيد في الدنيا الذي كنت أخافه. . كنت دائماً هناك 
في بيتنا تربطني 6 تشدني Jl‏ أذهب» ألف وأعود ols,‏ لي في بيتنا 
جذر. . الآن جذري معي . أنا النبات الذي تحرر وانطلق. رجل 
البوليس يشير: بيده كالسيمافور الأبيض والأسود تشير. لم أضق قبلا 
برجال البوليس مثل أن أضيق بهم الآن. لماذا هم كثيرون؟ لماذا 
دائماً يقطعون الطريق؟ أفندم! الرقم والرحصة والبطاقة . أفندم! لماذل 
تمد أنفك في العربة وتتشمم؟ وتبلغ سك الجرأة أن تسأل؟ لماذا يا 
سيدي لا أشم رائحة» لا رائحة هناك. أين هي الرائحة؟ 

[olay‏ يا سيدي يا ذي الأنف الطويل وداعاً. 

بالطبع هو لا يفهم. . كيف يسمي رائحتك رائحة. . Ys‏ 
يعرفهاء لا يدرك انتماءها اليه مثلما أدرك وأحس أنا. تطابقنا تماماً 
أيها العزيز حتى أصبحت رائحتك نفسها هي رائحتي . 


الآن أنا فى حاجة إلى سيجارة. ألا تلاحظ أننا لا نختلف 
وأنك لأول مرة توافق of‏ أدخن أمامك؟ لماذا كنا نختلف؟ لماذا كنت 
تصر وتلح أن أتنازل عن رأبي وأقبل رأيك؟ BLS‏ كنت دائماً أنمرد؟ 
لماذا كرهتك في أحيان؟ لماذا تمنيت في لحظات أن تموت لأتحرر؟ 





مستحيل أن أكون نفس شخصي الآن الذي يدرك أنه حر الحرية 
الكاملة بوجودك معه» إلى جواره» موافقاً على كل ما يفعل . 


HN 


املأ يا فتى Oe‏ البئزين إلى آخره» وضع زيتاً أيضاً وافحص 
الاطارات. أجلء نحن على سفر. . سفر طويل لو علمت كم 
يطول. هذه هي النقود. . خذ. رائحة؟ رائحة البنزين على ما أعتقد؟ 
ماذا تقول؟ ميت؟ فلتمت أنت! اخخل الطريق يا وغد ولا أراني الله 
وجهك . 

تصور: السافل يظن أن معنا ميتاً في حين ليس معي سواك› 
أمؤامرة هي بين رجل البوليس وعامل البنزين» مؤامرة طولها مائة 
كيلومتر؟ 


eee 


لقد خدعناهم جميعاً. . أليس كذلك؟ ما أجمل أحياناً أن 
ينخدع بكلامنا الآخرون! 

هذه المدينة فقدت العقل. أنْى نذهب يفتح الناس أفواههم 
خلفنا دهشةء ويمدون عيونهم إلى آخر المدى يبصرون. قبل أن 
نصلهم أنوفهم تستنشق الهواء البعيد وتتشمم. بعد أن نغادرهم 
يسرعون خلفنا يصرخون. . الجثة! تصور! يريدونك أنت الحي جثة 


۸۱ بیت من لدم 





A۸٦ 


يدفنونها. مستحيل» يقتلونني قبل أن يأخذوك» ففي أخذك موتي؛ 
في اختفائك نهايتي» وأنا أكره النهاية كما تعلم. . أكرهها أكرهها. 
ee‏ 
المديئة التالية هجرها سكانها قبل أن نصلء لابد أن الرائحة 
كما يزعمون وصلتهم قبل أن نصل. جميل هذا جميل. يكفي أن 
تكون معي ليكون العالم كله معي» يكفي هذا وليهجر المدن 
سكانهاء ولتحترق القرى والنجوع» يكفي أنك معي . أنت أنا. . 
أنت تاريخي وأنا مجرد حاضرك. . والمستقبل كله لنا. مستحيل أن 
أدعهم يأخذونك, يميتونك, يقتلونك . 
Het‏ 
يبدو أن هناك خطأ cle‏ فأنا في الحقيقة oly‏ أشم الرائحة. 
لاء ليست رائحة حذائك وجوربك فلقد خلعتهما وألقيت بهما من 
النافلة. إنها أفوى من رائحة الربيع والزهر ومساء الصيف. أقوى 
منك» ومني » ربما أقوى من أي کائن حي . 
عفوك! ولكني لم أعد أستطيع. . الرائحة تخترق خياشيمي» 
وتتلوى مع تلافيف أنفي وعقلي وتكتم أنفاسي . والمرعب أنك أيها 
العزيز الغالي مصدرها. الناس من حولنا يهربون» كل الكائنات 
الحية» حتى الذباب» تهرب» من حولنا تهرب. أنا نفسي لم أعد 
es‏ 


Wee tk 


AY 





AY 


لابد - حتى لو كنت أكرهها وتكرهها أنت ‏ من النهاية. ولابد 
من أن أختارها أنا. صحیح لا قلب لي لاعقل. لا ارادة» ولكن 
الرائحة أبشع من الموت. أموت ولا أشمها. وإذا شممتها أموت» 


He 


ولقد تركتك . . عامداً في الطريق تركتك. . في العربة نفسها 
تركتك وتركتها لك قبراً ولحداً. وهأنذا أكملها وحدي» وعلى قدمي 
أسير» حزين للفراق تماماً. ولكن» وهذا هو المؤلم سعيد بالخلاص 
منك سعيد أني تركتك وتركت العربة لك. سعيد أني حتى على 
أقدامي أسير» وأستنشق الهواءء الهواء النقي الذي ليس فيه أبداً تلك 
الرائحة الملعونة الغالية. . رائحتك . 


Ay‏ بیت من حم 





AA 


حلاوة الر Oey‏ 


في لحظة واحدة كثر الماءء أصبح أكثر وأكثر. الشاطىء 
قريب.. أمتار. الشماسي ملونة مبعلرة» منارات مبعشرة تحتها 
الأجساد مرصوصة بلا نظام . 

Li‏ في طريقي إلى الشاطىء بعد حمام منعش. . الشاطىء 
والاسترخاء والأمان. السيجارة بعد الحمام . : الأحلام . الماء يكشر 
أكثرء فلآخذ إلى الشاطىء الطريق الأقصرء ولكن الماء يظل يكشر. 
صدري يختفي رويداً رويداً ورئتاي بدآتا تحسان بضغط الماء. التيار 
السلفي أشعر به الآن أوضح . . الماء الجاري بخبث تحت الماء. . 
الماء بريء الهدوء من فرق والتيار يجذب من أسفل . اللعبة مسلية أنا 
أجذب shelly‏ يجذب» وأنا مطمثن فأنا قاب قوسين من الشاطىء 
والمنطقة بالتاكيد ضحلة. يجذب وأجذب؛ يسحب فأشد» يشد 
فأسحب» أقدامي تتعشرء التيار يقاوم وإلى الخلف يجذب» أقاوم 
وأتقدم. كل شيء هادىء على سطح الماءء والجذب لايرى 





(#) كتبت في شتاء ۱۹۷۰ , 


Ag 





۸۹ 


فالمعركة اللعبة تدور من أسفل. قبلت اللعبة يا بحر. اجذب من 
أسفل وسابقى صامداً من أعلى . «شنكل» فأنت تعبث وسوف أرد 
عبشك بعبث. . عبثاً بعبث يا بحر اعبث» العب! الدنيا أمان 
والشاطىء قريب» العب! أنت تغالي في اللعبة يا بحر فماؤك يكثر 
ويضغط وصدري رغم استماتتي يغوص AST‏ وأكثر» والماء يقوى على 
الدوام أكثر. حذارآن تقلبها جداً فانا أعبث» أو أقلبها إن كنت قادراً 
ub‏ أقدر» وحتماً سأقدر. لا تغرقني يا بحر أرجوك UG‏ الغريق وما عاد 
يخيفني بللك. . الدنيا غريقة يا بحر فهل أنت أغرق؟ أنا اعرد 
أنا الانسان يا بحرء أنا البحر الأكبر» أنا بحرك . 


التيار يجذبء الماء يكثرء اللعبة تسخن. الموج يقبل» يهدرء 
بعلو» يكتسحء ثم يرق ويتبدد. أنا أتأرجح. هات أمواجك نفسها يا 
بحر واجذب» وادفع» هاتها وادفع» فشاطئي ها هنا قريب Lily‏ 
أشطر. ادو يا بحر وغن! ارغ وازبد! العب لعبتك العجوز اليتيمة 
وقلص مياهك وتمدد! انتشر وتجمع! ارض واغضب! تقدم حتى 
تتقهقر. والآن كفى ! اتركني فأنا أريد الشاطىء. . أريد أن أرجع . 

ولكن الماء لا يريد.. ضغطه يتزايد ويشتد. السحب من 
أسفل يتعاظم حتى يشل خحطوي » الماء الشفاف الواهن المتناهي 
الضعف. . الماء الذي استأنسناه طوياا وغلیناه وشربناه وبصقئاه ومن 
فرط إلفتنا له نسيناهء الآن وهو ملايين ملايين من البصقات والقبصات 
والأكواب ها هو يحاول أن يرينا aye‏ الحمراء. على الصدر يضغط, 
بقوة يسحب. الماء وصل إلى رقبتي» لم أعد أتقدم تجاه الشاطىء 


Ao‏ پيٽ من خم 





4. 


خطوة؛ بل هو التراجسع بدأ والجذب السفلي يشتد ويقوى . اللعبة 
سخفت قليلا. . العبث طال عليه صبري . 


فلتتوقف اللعبة! 

واستدعيت إلى الوجود قوتي الأقوى» بدأت تغوص رقبتي . 

واستدعيت القوة الأكبر» الشماسي صغرت . 

فلأستدع القوة الأعظمء الشاطىء أصبح مجرد خط . 

إني أشم رائحة الغدرء أفينا الخيانة يا بحر! أتغدر؟ 

أرجوك! ليس منك. . أنت يا بطلي العنيف العربيد الرقيق 
الشاعر الصاحب الأحمق الأهوج المغتر المقطر عذوبة الجالس على 
عرش الجلال. وليس لي . . فليس في نفسي موضع لغدر جديد. UE‏ 
معك ها هنا وحدي» نحن وحيدان (Le‏ أنث بلا نهائيتك Lt,‏ 
بمحدودیتي + لا تخن لا تغدر! 


HH 


رفعت ذراعي . 
الرابعة Lalas‏ 
تشاءمث . 


من النادر أن ترى ساعتك فجأة فتجد أنها. أمامك» حتى لو 
كانت الرابعة . 


ىم 





4\ 


وصل الماء إلى ذقني . 

أنافي بثر مائي لا شك . 

الشاطىء يبتعد أفقياً ورأسياً إلى أعلى وإلى أبعدء لم يعد ثمة 
Bae‏ 

ماء. . فقط ماء! كم هائل الحجم والضخامة من الماء الذي لا 
شاطىء له ولا حافة ولا حد. النمل حين يصنع بمجموعه جبالا 
هائلات من النمل. الصرخحة الواحدة حين ترددها ols‏ الاف 
الملايين من الحناجر فيهتز الكون. 


التيار السفلي نما حتى وصل إلى السطح ولم يعد للماء من 
فوق براءة. 
کشر عن abil‏ تماماً. 
الجذب. Lis‏ وكاملا . 
إذا قاومته غصت أكثر. 


إذا سكت ابتلعني أسرع . 


الشاطىء أصبح أبعد من السماء. . مجرد سراب سماوي غير 
كائن. وبكف في حجم الصخرة لطمت رأسي موجة» رأسي البارز 
في حجم عقلة أصبع» وعلى أثرها لطمة. 


ثم دفعة . 
ثم جذب لا يقاوم . 


AV‏ بیت من م 





4y 


وانسحقت. 

الماء طغى وتجبر» الماء أصبح له صوت» الماء رعد» الرعد 
أصم» الرعد أخرس. أعمى . 

هذا ماء غریب من کون آخر» بحر لا أعرفه أبداً. 

هذا عدو. 

دوامة العدو تبدأ. 

الدوامة كفم حوت فاغر الفم» أنا في قلبها حشرة . 

الدوامة تدور. 

كل الدوائر إلى أعلى » دائرتها إلى أسفل . أعلاك يا بحر 
أسفل» قمتك قاعك. . أنا في الطريق اذن لقاعك القمة. 

يا لثئيم! لقد غدرت وانتهى الأمر. 


HER 


البرق يخيفنا وهو في سماه بعيد وبيننا وبينه ما بين الأرض 
والسماء. القيامة تررعنا حنى في الأساطير. 


أنا في قلب الظاهرة الكونية نفسها. البحر استحال إلى تمرد 
كوني » تمرد موجه لي وحدي» أنا وحدي أواجه يوم القيامة . 


Hip 


AA 





ay 


ولكني لم أفقد الأمل بعد. 


أنا وحيد ولكني أقوى. . أعتى . أستطيع أنا الآخر أن أتجبر 
جسدي هذا فيه ماردي أناء فيه القوة الأقرى, فيه مدخمر الحياة كلها 
من الطاقة . 


والحياة أقوى . 
ان الحياة لأقوى . 


Heee 


المستحمون حولي كثيرون» حتى وأنا مخضوض ألمحهم. 
أقربهم BIL‏ سيدة» ترمق بإعجاب ما تخيلته من جرأتي على خوض 
المياه الأعمق . 


“Healt te 


مھا ما esl‏ ار فزق راي دن کروی اک انا 
فوق أنفي . صحرة sel‏ تنهار الجبل كله بدأ ينهار. العالم المائي 
حولي كله ينهار ويتفجر. والمرعب في براكينه وانفجاراته وجباله أنها 
مائية ish‏ لكنها أعتى من الصخر. : الصخر أرحم , 

إني أغطس . 

رأسي أصبح ثحت الماء. 





۹٤ 


بجنوني كله أقاوم لأعلو كي أتنفس . 

يصعد رأسي ليواجه بجبل موجي قادم . 

أريد أن أتنفس . 

suit 

ماء. . ماء أتنفس. أحس بطعمه القابض يملأ جوفي وينفخ 
بطني» الجذب يشتد إلى أعمق وأعمق» إلى أعمق وأعمق وأعمق . 

أنا حقيقة أغرق . 

ضربت الماء بأقوى ذراعين كانتا لي . بأقوى ساقين وفخذين 
حشدت القوة كلها. 

طفوت . 

السيدة القريبة ترمقني بإعجاب, ابتسامتها بلهاء. يا سيدتي 
إني أغرق» إني أموت وأغرق» إن كل مافيّ يستنجد بأي شيء 
فيك. أمددي يدك وسأمدد يدي وفي لقاء اليدين نجاتي . إني أغرق» 
إني فقط خجل أن أصرخ. سأموت شهيد حجلي يا سيدتي فامددي 


يدك لأنجو. 
مستحيل! بإرادتي uf‏ لابد أن أنجو. 


مائية مصنوعة من cole‏ الرعب منها يجمد القلب. وحوش تزأرء 





4e 


وحوش تنهش» وحوش خرافية هائلة الضخامة بأقدامها الأسطورية تطأ 
وتضغط. ضاق الخناق» جذبت نفساً عميقاً لأتفس. . حتى وأنا 
أعلم أنه ماء جذبت نفساً لأتنفس. امتلأ رأسي بالهديرء اختفت 
الألوان والكتل والأحجام» صار كل شيء هلاماً ضبابياً رمادياً متغامقاً 
مؤدي Lee‏ إلى السواد الكامل. أنا مرعوب bey‏ يحدث لي لأول 
مرة» رعب من نوع أخرء رعب لا يحدث في العمر إلا مرة» ولا 
يحدث إلا وفي أعقابه موت . . عزرائيل هو ذلك الرعب . 

طفوتث . 

من فرحتي لم أتنفس . 

من رعبي تنفست ماء. . ماء أكثر. الوحش البحري يريد أن 
يحولني cole‏ يهضمني» يتمثلني › يقتلني حياًء ويحييني ماء. بلورة 
ذاتي المركزة تتخفف . آنا أذوب في الماءء والماء يخترق مسامي 
ويذوب جسدي . . بإجرام وإصرار سادر في yds‏ ارادتي تتميع» 
تتراحى » طعم البحر يتغير» يمسخ» حماسي لها يفتر ويصبح ما له 
طعم ماء البحر المالح. 


Hake 


تخدر الزمن وتوقف. . سألت نفسي : لماذا التحدي؟ لماذا لا 


۹۱ نون ا 





145 


ليس الموت هو التجربة التي ندخرها لتكون آخحر تجاربنا. 
لماذا لا تكون الآن؟ 

لقد عشت کثیراً» ودهشت كثييراً. وأحببت Apt‏ وضحكت 
Sl‏ وبكيت Las‏ وکثیراً» وما تبقى من حياتي لن يكون سوى تكرار 
ممل» وما لم أفعله قط أني لم أمت فلماذا لا أموت؟ 

انطلق من جوفي الرعب الأعظم . 

العقل توقف» طار شعاعاً. 

الارادة غير الواعية قفزت» تفجرت» تعاظمتث. أصبحت 
وحشأ. من داحلي غابة بدائية انطلقت» مليئة بوحوش شديدة الفتك . 

العناد البدائي ألغاني تماماً. 

وحدي أنتصرء بقوتي أعيش . . سأعيش . 

معركة الوحوش مع الوحوش» الغابات مع الغابات. يوم قيامة 
البحر مع يوم قيامتي أناء الانسان مع القوة الغاشمة. 

رغم إرادتي طفوت لثاني مرة. 

السيدة قريبة لا تزال ولكني لن أستنجد. أبداً لن أصرخ» حتى 
ولولم يبق على الموت إلا طفوة أخيرة واحدة. 

He 


۹۲ 





۹۷ 


الماء الماء! الماء يمور ويدور وأدور به وفيه. . لا شيء ثابث! 
القبضة تستميت على اللاشيء. الرمادي يزرق» والزرقة تعغمق. ومن 
الأفق يطل الرهيب الأسود. 

الفقاقيع حولي تتكائر! غربان المأساة» ضياع الجثث الغرقى . 
جسدي تفتحت بواباته » الماء يدخحل» الحياة تخرج› الطعم يتقارس » 
اللون يتمائل» المعالم أفقدهاء أتكور. قطرة ماء كبيرة أصبح » ماء 
ملون بالحياة» معلق في کون ماڻي . أرضي ماع سمائي cele‏ هوائي 
ماء. ماء ألمس» ماء أرى. ماء أسمع» حواسي كلها cele‏ عيوني 
بالذات ماء, أستنجد daly Vb‏ إرادتي el‏ أستغيث بالوعي » الوعي 
ماء. لا مستيقظ أنا ولا أنا نائم وأحلم» الزمن كله ale‏ أصبح . 

ذبالة وعي أخير قبل الظلام التام . 5 هذه ol‏ مرة إذن أعي فيها 
بالموت القادم . 


HHH 


حين كنت أغادر المياه بأسرع ما أستطيعه» والبحر ينحسر تماما 
حتى يسلمني إلى الرمالء لم أنتبه إلا وقدماي بعد أول خطوة تتوقفان 
أمام الاحساس المروع الجديد. . إنهما ثابتتان فوق أرض ثابتة. 
الاحساس الحبيب بالثبات! إنها الأرض من جديد. . إنها الثبات 
الأم . 

لا أذكر شيعاً. 


ay‏ بيت من م 





4A 


ats,‏ أول ما فعله العقل حين عاد أن محا الحادث تماماً من 
الذاكرة . 

ولكن رغم الضباب فهناك ثبات آخر أكاد أذكره. 

إنه يبرق في الذاكرة الواهنة الملغاة. 


He 


ثبات بالقطع أحسته الأصابع. . أصابعي» وهي تنقبض في 
تشنج قاتل أخير حول أصبعين طريتين نحيلتين مترددتين. . أصبعي 
سيدة . 

ثبات من نوع آحر. . قبله أو بعده أو على أثره أو لم تحدث 
إطلاقاً أصداء صرخة . . صرخة أعرفها تماماً. . صرختى أنا وإن لم 
تعد تصدر عني أبداً. بالتأكيد لم أصرخ. أم أكون رغم أعتى 
الارادات صرحت؟ 


ie 


وقفت إلى بعيد داحل الرمل لا أجسر أن أرمق البحر. 
أوليه ظهري . 
أبقايا رعب؟ 


4% 





44 


وأن نصري جاء باستماتة الأصابع على الأصابع 5 


Hek 


نظرت في الساعة . 


كانت الرابعة ودقيقة . 





الخدعة(*) 


لابد لكل مرة من أول مرة. وأول مرة كانت ليلا وهناك قمر 
ينشر سلاماً فضياً, والنبع صاف يتدفق ماؤه على مهل وبخرير حنون» 
ولا تملك حين ترى الماء وقد ذاب فيه القمر ذوبانا طازجا يحدث 
أمامك» وفي الحال» إلا أن تظما وتحاول أن تشرب أو على الأقل 
تتذوق؛ وملت بجسدي كله. ومددث يدي وما كادث القطرات 
المتلألثة الباردة تصل إلى فمي» ما كدت أستمتع بلذة التذوق الأول 
حتى رأيت. بجوار صورتي المهتزة اهتزاز درجات الأبيض والأسود 
فيها واهتزاز القمر» صورة رأس اخر. . رأس طويل ممتد إلى الأمام 
وكأنما امتدت يد جذبت ملامحه كلها بعنف إلى خارج وجهه. رأس 
طويل ينتهي بشق عرضي واسع سعة لا حد لهاء وكأنما لا يكفي هذا 
Lab‏ شق بالطول. . رأس جمل لابدء بلا صوت» بلا ضجة؛ بلا 
حركة.. فجأة كان الرأس. لم أذعر ولا صرخحث» فقط التفت لا 
لشيء إلا لأتأكد. كان قد ذهب القمر واختفى النبع والخرير ولا 


(#) كتبت في إبريل 14755 وكانت أول قصة نشرت بعد التحاق الكاتب بالأهرام . 


٩٦ 





فضة. كنت وحدي وأمامي غير بعيد عني ذلك الرأس يطل علي من 
فوق» لا أرى له جسداً وإنما فقط رقبة غليظة طويلة مقوسة» حادة apt‏ 
أسفل كأنها مخرطة. . رقبة تنتهي من أمام برأس. . ذلك الرأس؛ ولا 
جسد والأغرب أني لا أعجب ولاأتساءلكيف يمكن لرقبة أن تنبع من 
لا جسد» فهمي كله كان ذلك الرأس المطل le‏ من أعلى » فهو حتى 
لم يكن يطل Ge‏ وكأنه لا ير بي أو.لست هناك بالمرة» وخوفي كان 
أن يراني فجأة فينقض ويعض. ولكن أبداً! لا غضب في عینيه» لا 
انفعال» لا شيء» إنما عينان كبيرتان مستقرتان على الأمام» ولا شيء 
أمام . 

وكانما ردا على تساؤلاتي وظنوني التي تنشأ وتدور بلا 
حماس» في ركن المنظر الأيمن وفي برواز صغير مربع وكما يحدث 
في برامج التليفزيون وعلى شاشته» حدث بدأ يدور» غامضا 
كتمثيليات الكهنة في حجرات المعابد الخلفية» كالتشخيص الصامت 
الذي يعيد به القسس العشاء الأخير وصلب المسيحء رأيت ذلك 
الجمل مسحوباً وساحبه صاحبه. وعلى وقع متئد وكأنما كل خطوة 
حدث وتاريخ يمضيان. ثم بلا مقدمات» بلا معركة» بلا فاعل أو 
طلقة أو سلاح» بلا شيء على الاطلاق يسقط الرجل ذو الجلباب 
الأبيض والعمامة . سقط الصاحب» سقط قتيلا فحول رأسه المطروح 
فوق الأرض ورغم ظلام المشهد كانت بركة دم. وأيضاً لا انطلق 
الجمل هارباً ولا جعجع ولا ثار أو «ضرب بالقلة». ظل واقفاأ وقد 
تدلى مقوده في الهواء ينظر من عل أيضاً إلى الأمام » نظرة مليئة بكل 


۹۷ بيت من للحم 





۲ 


شيء .إلى درجة اللاشيء» ثابتة مستمرة وكائما کانت أبداً وستظل 
تكون. 

ورغم تأكدي أني لا أحلم وأن ما حدث رآيته» قلت: حلم 
يقظة» رؤياء تخريف . 8 أبدأً لن تعود. 

رفي الصباح ‏ أي صباح ‏ فلا ‘ord‏ كنت أستحم تحت الدش 
حولي ستارة تمنع تسرب الرذاذ» مستمتعاً إلى أقصى حد بأني داخمل 
الحمام الخالي؛ وداخل الستارة النيلونية المزركشة مع نفسي تماماً. 
وإذا بشي ء يداعب الستارة النيلونية المزركشة لم يزيحهاء وتظهر 
الشفتان الضخمتان أو بالأحرى الثلاث شفاه: منفرجة ومفتوحة وكأنما 
تنوي ابتلاع کل شيء» بينها تبدو الأسنان كبيرة مطبقة محكمة وكأنما 
تخاف إذا فتحت أن تفلت شيئاً أي شيء. 

ثم أصبح الرأس كله معي داخمل الستارة» تحت الدش. 
دهشت قليلا ولكني واصلت الاستحمام ¢ ورحت من خلال أسلاك 
الماء الرفيعة أتطلع ملياً إلى العينين لعلي ألمح شيئاًء لعلي أعرف 
لماذا أطل وماذا يريد لعلي أدرك للحظة أنه يراني حتى 2 ولكن 
Hurl‏ كان يطل من عل» وأيضاً إلى أمام . 


فتحت الجريدة أقرؤهاء ولم أدهش حين شعرت بحركة, ولا 
حين اهتزت السطور ثم تباعدت» وبلا صوت تمزيق اخترق الرأس 
الجريدة» وأصبحت لا أرى سوى شفاهه الثلاث. بشع منظرها قريبة 
جداً من وجهي . فتحات أنفه الواسعة أراها بكل شعرة داخلهاء 


4A 





والأسنان كبيرة منظمة منطبقة ليس بينها فرجة. . 

ركبت الأتوبيس والازدحام واصل حد الاختناق» ولا هم لكل 
منا إلا المحافظة على كيانه. وفجأة وجدت الرأس الصامت الصائم 
عن الحركة يطل» كان مشهده Sis‏ بإثارة الذعر أو على الأقل 
التطلع . ولكن الغريب أن النادر من الركاب هو الذي انتبه» وحتى لم 
يطل انتباهه» إنما هي نظرة ألقاها Lails‏ تعود أن يلقيها ثم عاد إلى 
معركة المحافظة على ذاته. . الأغلب الأعم لم يحفل حتى بمجرد 
الانتباه. 


وفي المساء داخل غرفة النوم المغلقة» ولا شيء هناك سوى 
الحب والرغبة» إذا بي أكتشف أن شيئاً يتسلل بغلظة بينناء بلا عنف 
وبلا حياء وربما بلا وعي بما يدور ولكنه أصبح في النهاية بيننا. ولم 
تحتمل هي » JS‏ عنف وغضب واستنکار أزاحته جانباً فانزاح» ولكنه 
بتؤدة وبصبر وبإصرار عاد يتسلل بين صدرينا وبطريقة بدا معها أن لا 
فائدة من إزاحته . 


ورغم أني لم أكن مندهشاً أو غاضباً بشدة أو مستنكرأًء إلا أن 
شعوراً ما بدأت أحسه» شعوراً لا أجد له وصفأء فالقدماء ريما لم 
يعرفوه ولم يكتشفوا له اسماً» لكنه أصبح موجوداً وملحاً. وهكذا 
أخبرت زملائي في المكتب وأصدقائي» وواحداً منهم فقط هو الذي 
أبى أن يصدق Lf‏ الباقون جميعاً فقد ضحكوا وظلوا يشيرون حيالي 
ويضحكون وكأني ‏ أخيراً -رويت BS‏ قديمة. كان واضحاً أنهم من 


44 يونم 





4 


زمن يعانون نفس الشعورء وأن رأس الجمل يظهر لهم في كل مكان 
وفي أي ساعة. ولكن السؤال أهو نفس الرأس يظهر للجميع؟ أم أن 
لكل Le‏ رأس جمله الخاص» كما يقولون في الأساطير أن لكل منا 
أحتمه تحت الأرض أو فوقهاء أو ككتابه يوم القيامة الذي يعلق في 


Fane 


تشعبت المناقشات aly‏ والغريب أن الجزء الأكبر منها 
كان في حضوره وقد أطل علينا من الباب المؤدي لمكتب المديرء 
أطل بنفس طريقته. . من فوق, أمامنا يحدق» صامت لا Spot‏ 
عيناه حافلتان JS‏ شيء إلى درجة اللاشيء» والمناقشات حامية 
صارخة أحياناً قد تؤوب إلى هدوء حين يتخذ أحدهم وضع العالم 
العارف» وبصوت خافت يتكلم ويحلل» بيئما رأس الجمل يطل عليه ' 
من فوق. مناقشات كالزوابع الصغيرة أو الكبيرة لا تلبث أن تذوب في 
بحر ساكن تماماً كأن سطحه من زجاج. . بحر واسع لا حد له ولا 
شاطىء . 

أنا شخصياً رغم أنه يظهر لي أحياناً أكثر من مرة» وفي آخر 
الأماكن bags‏ أن أراه» أحياناً أكاد أشك في عقلي وفي حواسي 
وأرفض أن أصدق ما أرى. . بل حتى ما يراه الآخرون معي . هناك 
حطأ ما لابد! أثور وأرفض ما تشاء لى الثورة والرفضء ولكنها 
نوبات . . ليست سوى نوبات لا تلبث بهدوء أن تذوب بنفس التؤدة 
التي يظهر بها رأس الجمل. كل ما يحدث أنه لدى كل نوبة ‏ خاصة 
إذا أدت بي إلى غيظ أو انفعال ۔ تزداد بشدة مرات ظهوره بحيث أراه 





كلما تلفث؛ Lau! cope Lag‏ ذهبت» من أمامى وورائی ويمينى 
ويساري» بل وهذا هو المسرعب ‏ أحياناً أراه co wl mer‏ 
بتحديقته الأمامية التي لا تطرف داخل ذاتي الخاصة تماماً وأسراري» 
بل أحياناً أراه في طفولتي يطل على أمي وهي تضعني» أو ربما على 
أبي وهو يخلفنى . أحياناً وأنا أرنو إلى المستقبل» ومن خلال أكوام 
المشاريع والخططء بأذنيه الصغيرتين الغريبتين تزيحان الأكوام جانباً 
ليظهر الرأس ويعلوء ويبدأ يأخذ وضعه التقليدي . 

ماذا أفعل؟ 

كلما سألت الناس قالوا افعل مثلما يفعل الناس.وأسأل ماذا 
يفعلون؟ فاجدهم لا يفعلون bb‏ بالمرة. أحياناً يحاول البعض لمسه 
والتمليس عليه وهدهدتهء أحياناً يشور البعض ويغضب ويسبه» بعض 
آخر يركله وينطحه. ولكن رأس الجمل يبقى دائماً كما هو» ويبقى 
الناس كما هم. يبدو لهم بطريقة يعجبون لها أول الآمر» ثم 
يتحدثون فيها » ثم يملون الحديث» ولا يعود ذلك الوجود الغريب 
لرأس الجمل ظاهرة قابلة للتوقف أو حتى النظر. بل تتحول على يد 
الناس ‏ وهم في هذا عباقرة ‏ إلى ظاهرة مفيدة» مرة في الاعتذار عن 
Goh‏ في تبرير اشتداد الحرارة في الصيف» في التبشير بحلول 
النعمة إذا حلت أو العثور على علامة للنقمة . 

ويتم هذا كله دون أن يثير دهشة أحد أو استغرابهء أو حتى 
يفكر لحظة ويتأمل. وربما لهذا فرأس الجمل لا يكف عن الظهور! 
ربما لو اندهشناء فقط اندهشناء كلنا اندهشنا كلما ظهرء لما ظهر. 


ل بيت من للدم 





ربما نحن مرضى . . كلنا مرضى قد أصبنا by‏ بمس في خيالنا ترك 
أثاره على هيئة رأس جمل» أو ريما الاصابة قضت فينا على مراكز 
الدهشة والعجب» أو ربماشيء آحر» ربما التطور. . أجل التطور قد 
وصل بنا إلى مرحلة الانسان الذي لابد أن يظهر له رأس الجمل» 
بحيث تكون الكارئة لا أن يظهرء وإنما أن نستيقظ ذات صباح odes‏ 
لا يظهر. أي مصيبة ساعتئلٍ وأي ضياع! وماذا نفعل ونحن قند 
أصبحنا لا نحيا الحياة أو نزاولها لأننا لا نريدها وإنما لأنه يطل علينا 
كلما شرعنا في عمل الشيء أو مزاولة الانفعال؟ لولا إدراكنا أنه سيطل 
لما أقدمنا أبداً على شيء» ولولا إدراكي لوجوده ما كنت أبداً قد 
أقدمت على ما أقدم عليه الآن. فالآن وبلا ذرة دهشة أو غرابة ودون 
أن أرفع رأسي» متأكد أن رأس الجمل يطل عليّ» ذلك الرأس 
العالي الطويل» وكأنما مطث ملامحه كثيراً إلى أمام والشفاه الثلاث 
الكبيرة إلى حد الورم» والأسنان المتراصة» سنة كبيرة بجوار سنة 
كبيرة» منطبقة تماماً ولا فرجة بينهاء إلى أمامه يتطلع ولا يتحرك لا 
يغضب ولا يرضىء لا يحفز ولا ينبطء لا يفعل شيئاً أبداً إلا أن 
يطل مجرد طل . . 





حكاية الدكتور عويس حكاية. الأغرب أنه لم يحكها ولا 
يحكيها. ولا تزال لا تحتل من اهتمامه أي مكان بالمرة. حكايةهايفة 
في رأيه. فالموضوع المهم هو اللائحة. واللائحة هي «جنونة») 
الدكتور عويس هذا الموسم. فهو له في كل موسم أو كل شهر أحياناً 
«جنونة) . 

صدفة رأيته يعبر ميدان التحرير بأقصى سرعة. كدت أضحك 
لمجرد أنه يجري» فهو ليس وقوراً فقط ولكنه من النوع الذي يراعي 
الوقار حتى في غير حضرة الناس . وقار زائد مبالغ فيه وجدية خطيرة 
تكسو ملامحه» حتى إني كلما رأيته تساءلت كيف يستطيع التخلص 
من هذا کله وهو مع زوجته في الفراش» أو الأدهى » كيف يتصرف 
معها بكل هذا الوقار؟ 

لم يرني . . أنا رأيته وصحت به. توقف» تلفت» تحرج» مسح 
العرق» tf‏ ذهلت. كان لأول مرة بلا نظارة - نظارته التاريخية التي لا 


(*) كتبت في أوائل سبتمبر ۱۹۷۰ . 





٩۸ 


يغيرها ‏ بدأ وجهه كالعورة حين يخلع عنها السروال. سلامات وأنت 
فين وكيف حالك ولا مؤاخذة وعامل ايه Lily‏ أتطلع وأكتم شيئاً 
كبركان الضحك يدمدم في صدري . . لا لملامحه بغير نظارة فقط. 
وإنما لعينه اليسرى وقد أزيلت تماماً ومعها جزء من الوجنة 
والحاجب . لم تزل وإنما ارتطمت بها كرة من «البلا» الأزرق سدت 
عينه ومحجرها واستقرت بارزة زرقاء ناتئة كفانوس عربة نقل مطلى 
باللون الأزرق. كدمة! كدمة لابد سببتها «بونية» صوبت بمهارة ومن 
بطل ملاكمة محترف من الوزن الثقيل على الأقل. المسألة فيها علقة 
إذن . انفجر البركان وضحكت بأعلى وأبشع ما ضحكت في حياتي . 
كان لا يزال يتحدث ولا أسمع. سادر في الضحك أكاد أسقطفوق 
الرصيف. أخيراً لمحت فمه يغلق. ويتلفت. ثم يواجهني بعينه 
السليمة مليئة بحيرة طفولية حقيقية ربما يتساءل بها عما يضحكني » 
أو ربما يحاول تشخيص حالة عقلية حادة أصابتني وجعلتني أضحك 
بلا سبب معقول. وفقدت السيطرة على نفسي وانثنيت واعتدلت 
أضحك وأضحك وأضحك. وربما تخلصاً من حيرته لما اعتراني بدأ 
يشاركني في الضحك بطريقة واضحة الافتعال. ثم لما لاحظ أني 
كلما نظرت إلى وجهه الأيسر ضحكت فطن أخيراً فابتسم لشدة 
بلاهتي ربما وقال: أه. . عشان دي يعني؟ 

وأشاح بيده كمن يطرد ذبابة غير مهمة» وقال: يا أخي خلينا 
في المهم. عارف حصل ايه الأسبوع اللي فات؟ اكتشفت أن تلاتة 
على الأفل من أعضاء Lea‏ التدريس يدبرون مؤامرة صغيرة ضد 


eg 





مشروع اللائحة. 

وبالقوة كتمت الضحك بيد وأشرت متسائلا عن سبب تورم 
عينه وفقده نظارته بهذه الصورة. أشاح أيضاً بلا اهتمام قائلاً: أبداً. . 
حادثة بسيطة من الأسبوع اللي فات. المهم أن المؤامرة ضد اللائحة 
هذه بدأت من عشرة أشهر. تصورا عشرة أشهر. 

أخيراً نطقت آنا : 

الأسبوع اللي فات امتى وازاي؟ 

- بقول لك من عشرة أشهرء اللائحة . 

أنا أقصد the‏ 

لادي حكاية بسيطة لا تذكر. حادثة 46045 ناس أوباش» 
سنوبز. . 

المسألة إذن فيها علقة أخذها الدكتور عويس. . وفكرة ضربه 
علقة ليست غريبة» كثيراً ما خطرت لزملائه في الجامعة أو لبعض 
تلاميذه أو لي حتى شخصياً. ترى من سبقنا جميعاً ونفذها؟ 

أستاذ. . أي نعم أستاذ. رئيس قسم «الأنثربولوجي» على عيننا 
ورأسنا. التفكير في الضرب سببه الاحساس المبالغ فيه بهذا كلهء 
والمبالغ فيه كلمة متواضعة لا مبالغة فيها. البارانويا أو جنون العظمة 
ربما أصلح . . الاحساس بأنه مبعوث العناية الالهية ليس لإإصلاح 
الكون الفاسد وإنما ليعين وبواسطة حق سماوي مطلق ومن جهة 


بيت من الحم 





11۰ 


كونية عليا مصلحاً للكون الفاسد. الحرية تؤمن بها صحيح » ولكن 
ويلك إن استعملتها في مناقشة رأي له. الحرية هي حريته أن يقول 
الرأي» وحريتك أن تقتنع به. فإذا لم تفعل» إذا كان لديك رأي آخر 
فأنت من الأوباش الذين يسميهم ال «سنوبز». 

- تصور عشرة أشهر وأنا أكافح من أجل اللائحة. 

- إذن هي السبب في الخناقة؟ 

ببراءة سألت وأنا أشير لعينه اليسرى البارزة كعين ضفدعة 
وحيدة العين . 

أحس لتساؤلي بنوع من التقزز. وفي عز الحرء وعلى رصيف 
مزدحم بالمارة يتخبطون بنا مضى يحكي لي في تدفق قصة كفاحه 
من أجل وضع لائحة تنظم سلوك الطلبة وهيئة التدريس في كليته. 
ريما تمهيداً لتطبيقها في الجامعة كلها ثم بواسطة هيئة الأمم في 
العالم أجمع . ولساعة ونصف ظللت أستمع» لكي أنتهز فرصة يلتقط 
فيها نفسه أو يحاول تذكر اسم وأسرع بتوجيه سؤال صغير أستفهم به 
كنه « العلقة» التي نالها الدكتور عويس» وعن هذا المجهول الذي 
استطاع أن يقتحم الهالة العلمية التي يحيط بها نفسه. وحصانة 
الأنبياء التي تبدو بها وسط الئاس ويصل إلى عين ذاته المصونة تلك 
ويبهدلها على هذا النحو. 

وقصة اللائحة مسلية تماماً أنبنت في ذهني أكثر من فكرة 
مسرحية» فقد جسدها لي بنفس الأهمية والدقة التي جسد بها 


شكسبيسر مس رحيده المشهورة يوليوس قيصر» والمؤامرة التي حيكت 


65 





۱۱۱ 


ضده» وکل التيارات الخفية والظاهرة» وحتى بروتس كان هناكء ولا 
تنس خطبة مارك أنطوني» وسذاجة الجماهير» والخنجرء والخنجر 
هنا كان آدمياًء بل شخص العميد بذاته. 

ولكن العلقة ظلت ربما على رأيه لتفاهتي - هي محور 
اهتمامي» ومن الأسئلة المختلسة والاجابات السريعة المشمشزة التي 
يلقيها لي كالفتات حتى أستطيع أن أواصل الاستماع لقصة اللائحة» 
من هذا كله أدركت ما حدث» ويا له من حدث. 


الدكتور عويس لا يملك عربة» ومع أنه مساعد أستاذ ورئيس 
قسم إلا أن ماهيته لا نكفي كي يستعمل التاكسي في مشواره الطويل 
بين بيته وبين الجامعة. . وفي أوتوبيس 444 وقعت الواقعة. 


من أسبوع مضى كانت الكتلة البشرية المعدادة ىء ء بها 
الأوتوبيس» وكان الدكتور عويس ومحفظة أوراقه الرهيبة ot, ly Lil‏ 
كالراية السوداء» فقد كانت تحوي أهم الأشياء في tle‏ . محاضر 
وتقارير ومذكرات ومسودات موضوع اللائحة. كان بلا هيلمان» بلا 
قدسيةء بلا نفخة صدرء قد تضاءل حتى احتل مكاناً لا يكفي 
«للبشة» قصب تحوي عشرة عيدان وسط هذا الحشد من أجساد فقد 
كل منها كيانه الخاص» وتداخلت انبعاجات أحدها في التواءات 
الآخر لتصنع خليطاً من الأجساد البشرية المدكوكة «(Nol‏ كما يدك 
الشاري الطماع «الكيلة» بالقمح ليجعلها تحوي - جوراً وجراف فوق 
طاقتها بكثير. 


ene Vey 





1۱۲ 


يبدو أن السؤال التاليى السريع استفزه» فعقد ملامحه لأول 
مرة» ونسي اللائحة لبرهة وانفجر مجيباً: اسمع! على لساني قل 
ولك حق أن تقول» وانشرها في الصحف التي لك بها صلة» قل 
لركاب أوتوبيس 944 الذي غادر ميدان التحرير الساعة التاسعة يوم 
تسعة في الشهر الحالي أنهم أبداً لن يفلتوا من العقاب. . عقاب 
التاربخ أقصد وضمير البشرية العام . فالفرد حين يرتكب جريمة مسألة 
تدخل في نطاق العقل» Lil‏ الجماعة حين تجرم هكذاء وبالتلقائية 
وبدون اتفاق سابق وبالاجماع الذي لا يشذ عنه أحد عن عمد وبلا 
تردد وفي وضح النهار تجرم» حين تفعل هذا فنحن أمام أنثروبولوجية 
لم تعرفها البشرية من قبل. . ظاهرة قد أعهد ببحثها إلى أحد تلاميذ 
الدكتوراه عندي. ولكن قل لهم - وهنا ولصوته المرتفع كان قد تجمع 
حولنا بعض المارة فبدا كما لو كان يخاطبهم؛ ومبهورين مشدهوين 
غير فاهمين وقفوا يستمعون ‏ قل لهم Leal‏ وعلى لساني أنهم لن 
يفلتوا من العقاب. . ليس عقاب القانون ولا الدولة» ولكن عقاب 
UY‏ الكبرى . 


واستجابة للكزاتي وغمزاتي فطن إلى المجتمعين» فالتفت إلى 
الناحية الأحرى ونطق كلمة واحدة «سنوبز». والتفاتته جعلت كرة 
«البلا» الأزرق تواجهني» وجعلته يبدو كما لو كان يحدق Cp‏ بها. 
وشعرت وكأنما بإلهام أن هذه ليست ربما المرة الأولى التي أشعر أنه 
ينظر إليّ أو إلى الآخرين ‏ أو أحياناً لبعض الحوادث ‏ من خلال هذه 
العين الوارمة الزرقاء البارزة إلى أمام. أدركت وكأنه كثيراً ما كان 


١8 





1۳ 


يستعملها ليعطي أو ليستقبل وجهة نظر. كل ما في الأمر أنها كانت 
وارمة إلى الداحل» ولم تفعل «البونية» التي تلقاها أكثر من أنها 
«نطرتها» وجعلتها بادية للعيان. 

-«سنوبز»! ولكن هذا كله ليس مهماً. . هذه حكاية هايفة 
جداً. المشكلة أن المشروع الأول للائحة كنت قد قدمته بديمقراطية 
شديدة. . 

ولكن . . فلنعد نحن إلى موقف الدكتور عويس 4998 
وقفته بالضبط جاءت بجوار العمود الفاصل بين الدرجة الأولى 
والثانية. وكان كعادته قد قرر أن يهرب بأفكاره من مضايقات البيئة 
الموقوتة إلى خططه ومشاريعه لتفويت اللائحة» إلى أن حدث وأجبرته 
هزة قيام الأونوبيس أو وقوفه لإدراك أن من يقف أمامه سيدة. و 
«يقف» أيضاً ليست الكلمة الدقيقة لوصف ما اكتشفه»ء فقد اكتشف 
أن جسديهما في حالة تقارب لا تسمح به الحرمة البشرية. فلكل 
جسد بشري في رأيه حرمة وحد أدنى من المسافة الواجب توافرها 
لكي تحفظ كيانه كوحدة انسانية مستقلة. ولم تكن هذه أول مرة في 
ركوبه للأوتوبيس يحدث شيء من هذاء وكانت طريقته لحل هذا 
الاعتداء على حرمة جسده واعتداء جسده على حرمة غيره أن يتحرك 
حتى يولي السيدة ظهره. 


ولقد حاول هذه المرة فوجد أن تحريك رقبته نفسها أو ادارة 
agers‏ فقط عملية تبدو مستحيلة. ولم يكن ثمة بد مما ليس مله بد 





١١8 


وأستطيع أن أتصور الكفاح الرهيب النفسي والعصبي والجسماني 
الذي بذله الدكتور عويس ليستعمل حقيبته التي تعادل قدس الأقداس 
في نظره» وليهبط بها من مكان الراية السوداء التي يرفعها كالغريق 
ليفرضها بالقوة القاهرة حائلا بين جسده وجسد السيدة» التي لابد 
وأنها شكت فى نواياه وتحركاته أول الأمر» ولكنها حين أدركت في 
النهاية ee‏ بدأت تبذل المستحيل لمساعدته ‏ مشكورة لا 
شك فجسدها كان سميناً كثير الانبعاجات صعب AS pod‏ 
وحين ‏ بعد جهد جهيد ‏ تمت العملية بنجاح وأصبحت كل وثائق 
اللائحة وأسرارها مضغوطة بشدة وقائمة ‏ ليس بمعناها كلائحة لتنظيم 
السلوك وإنما بمادتها كورق ودوسيهات ‏ قائمة لتصنع سوراً يحافظ 
على الحد الأدنى لحرمة جسده» بصعوبة لفت السيدة رقبتها 
الممتلئة » وبالكاد لف هو احدى عينيهء ومن خلال التقاء البصرين 
قالت له كلمة امتنان صامت أرضت كبرياءه التي نادرأ ما ترضى . ومن 
خلالها أيضاً أدرك أنه كان على صواب» فالسيدة بدت وقورة من 
النوع الذي لا يعجبه سواه» وجهها أبدألم يتعود الابتسام وإنما 
يطفح بشيء pol‏ كالايمان. حدث نفسه بأنها ربما متدينة» ريبما 
زوجة محترمة لرجل دين» ربما هي من عائلة أجادت تربيتها حتى 
أشرفت على الثلاثين كما بدت له سنها. 

حاولت سبق الأحداث وأنا أستمع طوال ربع الساعة المستمر 
التالي لأعرف كيف نشأت المشكلة» فواضح الآن أن كل شيء على 
ما يرام . وبلهفة متزايدة كنت أسأل وأنتظر وقصة اللائحة دائرة بأقصى 


١٠ 





\\e 


سرعتها» وأعود أسأل لأعرف في النهاية أنه الكمساري. المشكة 
ويمكنه أن يتحول إلى كائن أثيري يخترق الأجساد؟ لا أحد يعرف. 
المشكلة أنه مر ولكي يمر أحدث في الأجساد المدكوكة في فراع 
العربة بقوى قاهرة ثابتة. . أحدث Ue‏ كالخلل الذي يحدث لأوضاع 
النجوم والكواكب إذا مرق بينها نجم هوى وتغيرت به قوانين الجاذبية . 
إذفي لحظة اكتشف الدكتور عويس أن من أمامه أصبح رجلاء 
وأصبح بقامته الأقصر الحائل بين الدكتور وبين السيدة. ولابد أن 
ارتياحاً عظيماً انتاب الدكتور عويس وأعفاه من كل الضغوط وجعله 
مرة أحرى يرفع المحفظة إلى أعلى . . رايته السوداء الخفاقة. 
المحتويات اللائحية في أمان الآن. 

- أوباش مدعون! أوغاد منافقون! 

- لم أفهم . 

۔ أوباش ! 

ماذا حدث . 

- اعفني أرجوك من هذه التفاهات . . دعنا في المهم . 

والتفاهات بدأت بتحركات لهذا الراكب القصير غير مفهومة 
للدكتور عويس» ثم حين تكررت أوحت اليه بفكرة النشل. 
استبعدها. 'نقوده في جيب السترة وموضع الجيب فوق كتف الرجل 
تماماً» ومن المحال أن يستطيع لوي أي من أذرعته ليصل إلى 


۱۱۱ بيت من لهم 





VAN 


الجيب. آه. . كذه؟ إنه يعرف أن أشياء كهذه يقال إنها تحدث» لها 
عنده تفسيرات سيكولوجية وحضارية وأخلافية ‏ وبالطبع وعلى رأس 
القائمة ‏ أنثروبولوجية . هوبكنر تحدث عنهاء أدوارد. ج. أدوارد له 
فيها بحث طويل» الألماني ريخته أضافها إلى الطبعة الجديدة من 
als‏ 

ولكن هذا الرجل المتحرك القصير الواقف أمامه الآن لا شك 
حبيث» ولا شك لم يحط يهذا المكان صدفة. انتهز فرصة التخلخل 
الحادث لمرور جسد الكمساري واحتل هذا الموقع الاستراتيجي 
خلف السيدة. وحتى هذا كله ليس مهماء كل هذه السفاسف 
سيجرفها التحضر يوماً. حتى لو كان الدم قد غلا لوقت عابر في 
عروقه البحراوية» فما يجب أن يشغل به نفسه أهم . 

ولكن الدكتور عويس اضطر OF‏ يؤجل انشعال نفسه بما هو 
أهم , 

فالسيدة قد بدأت تتململء وبقوة خارقة تتحرك محاولة أن 
تستدير بجسدها وتأحذ Less‏ أفضل . وأخيراً حين بدا أنها مجبرة 
على الثبات في مكانها لا تتحرك شعرة» لوت بكل ما تملك من قوة 
عنقها وقالت: بلاش مضايقة بقى . اتاخر اتاخر شوية . . الله . 

OY,‏ وجهها بدا كما لو كان يوجه الكلام للدكتور عويس 
الأطول» ففجأة وجد عويس نفسه محط أنظار العيون كلها وكل 
تساؤلها. طارت المشاغل وحتى اللائحة من رأسه فوراً وسألها 


11۲ 





11¥ 


بحماس وسرعة : 

- حضرتك بتوجهيلي أنا البخطاب؟ 

- لا أنا بكلم الجدع اللي ورايا ده. 

وتنفس الدكتور عويس في ارتياح بعد أن كان قد فقد النفس. 
أما الرجل القابع خلفها فقد بدأ يتكلم. كلماته صف طويل من 
صفائح «الجاز» الفارغة التي تهاوت تقرقع وتتخبط وتصنع زعيقاً 
صفيحياً أجوف أكثر منها كلمات مفهومة : 

ولزومه ايه الكلام الفارغ ده؟ مانا غصب علي » أنا قادر 
أتحرك؟ ما هو لازم نستحمل بعضيناء ولكها محطة وكل واحد يروح 


ريشة! 

أوهكذا قال. 

السيدة المؤدبة المتربية سكتت. العيون انصرفت. الدكتور 
عويس قرر أن يقاطع ما يحدث أمامه فكرياً تماماً وأن ينصرف إلى ما 
سوف يقوله في الاجتماع الخطير الذي سينعقد بعد ساعة واحدة. 

كل ما في الأمر أن الرجل الدمنهوري فيه كان بين الحين 


والحين يطل برأسه ويدفعه إلى العودة لمتابعة المشهد ليطمئن إلى أن 
الرجل قد كف تماماً عن مضايقة السيدة» ولكن اطلالات الرجل 


۱1۳ بيت من لدم 





\VA 


الدمنهوري كثرت حتى طردت تماماً اهتمامات أستاذ الأنثروبولوجي 
وصاحب مشروع اللائحة. الرجل رغم كل ما حدث استأنف 
المحاولات وبجرأة أكثر» حتى والسيدة بين الحين والحين تجبر 
عنقها المكتئز على الالتواء وتصويب نظرات صاعقة هلعة مستبشعة 
راجيةء أخيراً بدأ يطفر منها دمع متحجر صامت. نظرات كان واضحاً 
منها أنها تتعذب عذاباً لم تذقه في عمرهاء إذ كانت تتألم ذلك الألم 
القاتل الذي لا يستطييع فيه المرء أن يصرخ أو ينطق أو يقول لا. 
والرجل وكأنه فقد الانسانية والحيوانية ber‏ لا يولي شيئاً من هذا كله 
أي اعتبار» مندمج بكليته في متعته الدنيئة الغارق فيها لا يرى سواها 
ولا يهمه is]‏ ألم هائل تعانيه السيدة لقاء لحظة المتعة تلك. كان 
على الدكتور عويس أن يستحضر ذاته العلمية بكل قواه وقواها حتى 
لا بددمج ويقوم من فوره بمهمة المصلح الاجتماعي الأخحلاقي 
المباشر» هذه الأعمال والتدخلات المباشرة اليومية ليست مهمة رجل 
علم مثله. رجل العلم مهمته أشمل بكثير» أن يغير البشرية كلهاء 
فإذا تناولها bod‏ فردا وحالة UE‏ غرق فيما يغرق فيه انسان الحياة 
اليومية وضاعت رسالته إلى الأبد. عالم هو وكعالم فليراقب بلا أي 
انفعال وكأنه يراقب فثران تجارب» وهمه کله أن يستخلص من 
التجربة مغزاها ليكتشف للظاهرة حلها العلمي الصحيح لا أن يتدخل 
لرفع ظلم مؤقت تعانيه فأرة من فأر. هذه مهمات الفتوة والقانون 
ورجل البوليس والجدع الشهم» وكلهم أيضاً في التجربة العلمية 
فثران. . 


۱1٤ 





1۱۹ 


وهكذا لم يبد غريباً للدکتور عويس - وإن كان قد اعتبره 
اكتشافاً جديداً حقا_أن يلحظ أنه لم يعد وحده الذي يتابع ما 
يجري وأن أكثر من عين تختلس النظرء بل وهذا مدهش Lr‏ في 
بعض النظرات متعة وترقب وحماس من حماس المتفرج أو المتابع؛ 
يكاد يقترب الأمر من المتعة. 

نظرات کثرت» والرجل قد بدأ يمد يديه, وباصابع ترتجف 
انفعالاً لا خوفاً برفع ثوب السيدة شيثاً Lett‏ مجمعاً قماش الثوب 
في قبضتيه اللتين يستعملهما في نفس الوقت لزيادة احتضانه لها. 

الأوتوبيس مشحون صامت» يخترق شوارع ضيقة تنفذ ضجتها 
اليه وتغرق كموجات البحر صمته. الركاب كل في ملكوته» حتى 
القليلين الذي يتتبعون الجاري بما فيهم عويس قد احتواهم هذا 
الملكوت الخاص المفاجىء حقاً. هو هذه الكلمة التي cope‏ 
مجرحة بالغيظ مخنوقة بالدموع مكتومة وكأنها تتصاعد من أظافر 
القدم : 

- الحقوني يا ناس. . دا بيقلعني هدومي . 

صرخة. . شبه صرخة! ذهول مؤقت. . صفارة طويلة من 
الكمساري . فرامل سريعة من السائق. تحرك اللحم في العربة 
مندفعاً بتأثر الوقفة المفاجئة اندفاعة شديدة كادت تدلقه إلى celal‏ ثم 
دلقة أشد حين تم الوقوف إلى الخلف. وهكذا تغير الحال تماماً ولم 
يعد أحد في مستقره» حتى الدكتور عويس وجد نفسه في قلب 


116 بيت من لهم 





\ve 


الدرجة الثانية وفوق رأسه تماماً سبت يتساقط من شقوقه ماء سمك 
طازج . 

مالك يا ستي؟ حصل أيه . 

في انفجار باكية مغيظة؛ أشارت السيدة إلى الرجل الذي كان 
Lal,‏ حلفها والذي كان قد أصبح في الدرجة الأولى بينه وبينها 
ركاب . 

دهه. . أبن ال . . دهه. . JOS‏ 

أنا؟ 

لا قرقعة صفائح هذه المرة» وإنما عواء ذئب صارخ» أو ربما 
زثير ضبع أو أسد. أنا؟ واندفع ناحيتها. أنا يا قليلة الأدب. وبكف 
صغيرة جافة هوى قلمء وقلم. , 


وسأل السائل الأول : 
- حرام تظلمي الناس. انتي متأكدة؟ 
وفتحت فمها لترد. 


وطويل» هائل الطول هله المرة» واحد من ذوي الأعين التي 
Lal,‏ الدكتور عويس ومتأكد أنها ترى كل شيء وتعرف» جعجع : 


= ذه كان بينه وبينك سبع ركاب. Ul,‏ كنت واقف وراكي وانتي 
اللي عمالة تتحككي . . بقى . . 


11٩ 





1۲۱ 


وصفعة أخرى. . ودفعة» وكوع لكر وركبة» بغل ضصربث» 
أصوات تداخلت: 

- تستاهل | يعملوا العملة وبعدين يعملوا شرفا. 

سيدة تعلق : 

- ويعني الشرف حبك قوي؟ كانت استحملت وبلاش 

زغدة» كتفء دفعة أشدء AST‏ من ذراع» السلم. دفعة ظهر 
إلى الأرض لا حراك بها فوق الرصيف» حزام الفستان مفكوك› 
أزراره (CAL‏ شرابها تهدل» شعرها انفكت الشريطة التي تضمه ) 
تبعثر كهشيم في كل اتجاه. وما أن استقرت في الخارج حتى whis‏ 
الأصوات الزاعقة, وبدأ كل منهم يتنفس في ارتياح . . الحمد لله . 


احتاج الأمر ارادة من حديد كي يحول rage ag Sell‏ بين نفسة 

وبين أية انفعالات ذاتية. فليرتفع ضغط دمه! فلينفجر غيظا! فليتقطع 
قلبه اشفاقاً! ولكن فليبق هو المراقب في حدود دوره کعالم» یری 

. ويلحظ ويسجل. لتبق له مساحة عقلية تكفي ليعرف أيضاً ويتساءل.‎ ٠ 
والتساؤل الذي يلح عليه قاس لا يرحم. حادثة السلوك الشاذ من‎ 
الراكب تفسيرها واضح» مريض الرجل لابد في حاجة لعيادة‎ 
وطبيب . حادثة العيون التي ضبطها تختلس المتعة تفسيرها أبسط.‎ 
المذهل المحير ليس أن تستغيث فلا تجد المغيث» السؤال الملح هو‎ 
هذه الرغبة التي لابد أنها نبتت بتلقائية وفي كل نفس على‎ 


WY‏ بيت من م 





۱۲۲ 


حدة لإثبات كذب المرأة ونفي الموضوع وكأنه لم يكن. بل والأكثر 
عقابها الجماعي على تلك الصورة لأنها فتحت الفم ونطقت» وبلغت 
بها الجرأة أن استغاثت وحددت الفاعل . 

في ثوان Gib‏ عقل الدكتور عويس بحصيلة ثلاثين عاماً من 
المعرفة والقراءة وحتى التخصص. . في ثوان وبكل قوة توهجث كل 
قدرته على الاستنتاج والجشتالت» وفي ثوان أيضا أدرك أن لا جواب 
لديه ولن يقدر بذكائه وحده أن يصل إلى جواب . 

ولأول مرة مذ وقعت الواقعة وركب الأوتوبيس يبدأ الموضوع 
يتخذ في عقله خطورة ماء فقد أدرك فجأة أنه أمام ظاهرة تحدث 
أمامه» بل وربما في صميم اختصاصه. ولا يملك لها أي تفسير. 

وإذا كانت الرغبات هي محركاتنا الأساسية للفعل» فرغبة 
الدكتور عويس للمعرفة كانت هي قوته الدافعة الأولى . . أقوى رغباته 
جميعا . يكفي أن يحس بها حتى ينلسى أي شيء وکل شيء وينتصب 
أمامه ذلك الهدفا الساحر الذي لا يقاوم . . أن يعرف. بعد ثوان 
ستكون الفثران قد اختفت والاجابة ضاعت» وهى لحظة واحدة وعليه 
أن يختار. ١‏ 

وفجأة وسط جو لا يزال مشحوناً مادا تنحنح صوت لا علاقة 
بين نبرته ومقامه وبين کل ما سمع من أصوات وضجيج . . بنفس 
طريقته وهو يرفع الكلفة مع تلاميذه ليأحذهم تحت ابطه ويحظى 
منهم بالاعتراف قال: اسمحوا لي بكلمة. أقدم لكم نفسي أولاً. . 
أنا الدكتور فلان الفلاني الأستاذ بكلية كذا بجامعة ALS‏ وعديد أخر 


\\A 





۲۳ 


من الأوصاف» وأرجوكم لا تعتقدوا أني أقصد التدخل في شئونكم 
الخاصة. (حب الاستطلاع وصل في جو العربة هنا إلى حد مخيف) 
وإنما Gf‏ أستاذ مادة الانثروبولوجيا'ولا يهمني ما حدث أبداً من الناحية 
الأخلافية أو القانونية. أنا يهمني الناحية العلمية. (تحول حب 
الاستطلاع إلى شك). لقد أتاحت لي وقفتي قريباً من هله المرأة 
التعسة ‏ كاد سائق الأوتربيس يضغط على البنزين ويمضي ولكنه 
عدل» الكمساري كف عن عملية الاطمئئان على نقوده ‏ أن أرى كل 
شيء وأن أرى أن آخرين غيري يرون نفس الشيء. . وليس هذا 
مهما hat‏ عندي . 

رمقه الرجل مفلفل الشعر بالمشيب مرتكزاً على عمود الوسط 
وبنوع من الاستغراب المشبع بالانذار سأله: انت عايز ايه يا أستاذ 
بالضبط؟ عايز تقول ايه احنا مش فاضيين؟ 

بصوت عال واضح قال: 

ple.‏ أعرف ايه اللي ضايقكم أنتم في تصرف السيدة وفي 
اتهامها للأفندي؟ زعلتوا ليه؟ حتى الستات . . اضايقت ليه؟ لأسباب 
علمية محضة أرجوكم أن تجيبوني OY‏ هذا مهم لي في مادني جداً. 

سكت الجميع ينظرون في استغراب ويقررون إن كان مهفوفاً 
أولاً أو عليهم أن يعاملوه كالعاقلين؟ وإن كان يسأل حقيقة أو أنه 
ينصب بسؤاله مصايد وفخوخاً؟ وفجأة قال مفلفل الشعر: 

أنت بتقول انك شفت واننا شفنا. هو ايه اللي شفته وشفناه؟ 


1 بيت من خم 





١14 


ببلادة قال: 

شفت اللي حصل. 

وهو حصل ايه؟انت شفت حاجة حصلت؟ إحنا ما شفناش 
انت شفت؟ 

- الله . كل ده وما حصلش حاجة؟ أمال الست. . 

كذابة! 

- والأفتدي؟ 

ما عملش حاجة . 

-وأنا. 

- وأنت نصاب باين عليك . 

قالها شاب كان ضمن الكتلة الملتصقة التي تسد الباب 
الخلفي» وما لبث أن ent‏ منها وتقدم في اتجاه الدكتور عويس 
مستمراً بصوت يتزايد علواً: 

على فكرة أنا طالب في كلية ILS‏ بجامعة كذا اللي وقول 

عليها دي. وأعرف كل الأسائذة والمعيدين ويمين بالله ما في كليتنا 
أستاذ بالاسم ده ولا شفت الخلقة دي قبل كده من أصله. ده شكل 
أستاذ جامعة ده؟ 


وفعلاً كان المتحقق في ملابس الدكتور عويس وهيئئه التي لا 
تترك له اهتماماته الأستاذية الأنثروبولوجية وجنوناته وقتاً للعناية بهاء 


\¥s 





\¥o 


يستطيع ببساطة أن يجزم أنها قد تكون لأي انسان إلا لأستاذ أو 
مدرس أو أي شيء له صلة بالجامعة . 

صرخة أخرى : 

وعلى فكرة. دا هو اللي كان واقف وراها. 

نمام تمام دا باين عليه ديوس قارح . 

الله الله ! المسألة تتطور بسرعة مخيفة . 

ياحضرات Lf‏ مابالومشي أنا بسأل سؤال علمي . 

-علمي يا ابن ال . . 

وبألفاظ الدكتور عويس نفسه : 


_أحسست بمساحة لها كثافة الكاوتشوك وصلابته وكأنما من 
ارتفاع برج الساعة» وترتطم برقبتي من الخلف. كان أول «قلم» 
أتلقاه على قفاي في حياتي . والألم الجسدي لم أشعر Sf cu‏ فجأة 
شعرت أن آدميتي كلها تبعشرت . كل شيء يكون ذاتي تشتت وسال 
تحت الأقدام. كرامتي تاريخي 6 كل ما هو Lif‏ انهار ومضت الأحذية 
تطؤه. القفا أعقبه OU‏ وثالث» وعلى الوجه والرأس وبالشلاليط» وآخر 
ما شعرت به نظارتي وهي تتدشدش وينغرز بعض زجاجها في جلدي 
ثم عيني اليسرى وقد أخذت تنتفخ بسرعة خارقة وتوشك كالبالونة 
على الانفجار. يا أحي هذا موضوع هايف كنت نسيته وخلاص. 
لماذا تلح في تذكيري به؟ 


1۲۱ ش بيت من للبم 





١15 


لم أعد أستطيع . . وبحسم أوقفته مستعملاً لهجة الأمر الذي لا 
يقبل النقاش لأول مرةء أريد أن أعرف بقية ما حدث . 

لا بقية ولا شيء! لقيت نفسي متمدد جنب الست ع الرصيف 
والأوتوبيس مشي من زمان وجه غيره» وانتهى الموضوع . 

- انتهى ازاي؟ 

- أخيراً قررنا عمل اجتماع عشان اللائحة عند العميد. 

عميد ايه؟ Los,‏ ايه؟ ماذا بعد الضرب؟ ماذا فعلت؟ هل 
أبلغت البوليس؟ هل شكوت؟ هل كتبث للجهات؟ . . هل؟ 

- ولا هل ولا شيء, أشكي مين؟ أوتوبيس؟ وأشكي ليه؟ 
المسألة سوء تفاهم لا غير. أنا كان قصدي سؤال علمي هم افتكروا 
حاجة تانية. . مجرد سوء تفاهم. شوية «سنوبز» إذ المجرمين 
الحقيقيين المتأمرين هم الئاس اللي وقفوا ضدي في الاجتماع . دول 
عارفهم كويس وعارف وقفوا ليه ووراهم مين والهدف من المؤامرة 
ايه ؟ 

لم أستطع إلا أن أفقد السيطرة وأنفجر وقد vel‏ بي الكيسل› 
وأستمع إلى كلمات اللوم والغضب وهي تتدفق بحرارة من فمي . 
استمع بلا أي لوم أو غضب. فقط ظل ينظر لي مشفقاً وكأنه أرسطو 
يتأمل قرويا يونانيا ينقذه بشدة ويشتمه على «مربعه» الفلسفي المشهور 
الذي ابتلى به البشرية . 

ظل يستمع حتى ‏ من نفسي - سكت» وطبطب على كتفي 


\vY 





Y۷ 


وكأنه يرضي Sib‏ أضاع معه وقته وقال: 

أنا متأسف لأني مضطر أسيبك عشان ألحق الاجتماع. . أنا 
دلوقتي بس أدركت أني ضيعت وقتي معاك» أنا بقالي ساعة أحاول 
أقنعك أنك ‏ بصفتك راجل مهتم بالمشاكل العامة - تقف مغ قضية 
عادلة زي قضية لائحة السلوك العام » إنما الظاهر أني ضيعت وقتدا 
نحن الاثنين. عن اذنك ألحق الأوتوبيس . 


- الله . انث لسه بترکبه؟ 
- طبعاً . 


و4489 برضه. 

هو وغيره. ليه PY‏ 

- وبتشوف برضه تجارب علمية وتسأل. . . و. . . 

ماباشوفشي اة ادا أنا صحبح Cae‏ واحدة جسديدة 
صحيح إنما عشان أستعملها بس في الحرم الجامعي . 

إنما خارج کده» أنا لا أرى زي ما أنت شايف. 


ولا بتسمع استغاثات . 

أبدا. . tal‏ الظاهر أن الست دي كانت آخر واحدة تشذ 
وتستغيث؛» وأنا كنت آخر أحمق يقول أنا شفت. . يعني كانت آخر 
علقة. دلوقتي تركب 144 أو غيره تلاقي كله تمام. . اللعبة بتتم في 
صمت ولا أحد يخرج على قواعدهاء والقاعدة إنك ما تشوفش» وإذا 


۱۲۳ بيت من لدم 





شفت كأنك ما شفتش . وإذا حصل لغيرك مالكش دعوة وحتى إذا 
حصل لك cof‏ ولا كأنه حصل لك. حل عبقري مش كده؟ 

نظرت اليه مذهولاء ليس إلى عويس «الجنونة» أو رسول 
العناية للإصلاح» أو بطل الكفاح من أجل اللائحة. كان ذهولي ربما 
أكثر بكثير من ذهوله حين وقعت له منذ أسبوع الواقعة. 

- عن إذنك. . 144 بتاعي جه. ولا يهمك بكره لما اللائحة 
تقر حتشوف. 

وعلى طريقته تخلى عن وقاره العظيم للحظة, وانطلق يجري 
ولسانه رغما عنه يفلت كلمة «سنوبز» وبقفزة هائلة وضع قدمه فوق 
السلم» وما كاد يستقر ويمسك العمود بيد وقداندش بين 
الممتشعبطين» حتى استدار ناحيتي وأشار إليّ بمحفظة أوراقه 
السوداء مودعاً وعلى فمه نفس ابتسامة أرسطو المشفقة وهو يرمق بها 
ثورة القروي الجبلي على «مربعه» المشهور. 


١15 





V¥4 


حمال الكراسي 


صدقوا أو لا تصدقوا فمعذرة* لا يهمني أبداً رأيكم يكفي أني 
رأيته وحادثته وقابلته وشاهدت الكرسي» فاعتبرت أني رأيت معجزة. 
ولكن المعجزة SM‏ الكارثة» أن لا الرجل ولا الكرسي ولا القصة 
كانت تستوقف أحداً من المارة في ميدان الأوبرا لحظتها ولا في 
شارع الجمهورية ولا في القاهرة أو ربما الدنيا كلها. كرسي هائل 
تراه فتظن أنه قادم من عالم آخر أم أقيم من أجل مهرجان. . ضخم 
كأنه مؤسسة» واسع القاعدة» ناعم» فرشه من جلد النمر» ومسانده 
من الحرير. وحلمك كله إذا رأيته أن تجلس عليه مرة أو لحظة. . 
كرسي متحرك» يتقدم بتؤدة كأنه موكب المحمل حتى لظن أنه 
يتحرك من تلقاء نفسهء وتكاد من الرعب أو الذهول تخر أمامه وتعبده 
وتقدم له القرابين. ولكن في آخر وقت ألممح بين الأرجل الأربعة 
الغليظة المنتهية بحوافر مذهبة تلمع ساقاً خامسة ضامرة غريبة على 
الفخامة والضخامة؛ ولكن لا لم تكن ساقأء كانت انساناً نحيفاً 


(#) كتبث في أواخر 1954 . 





۱۳۰ 


معروفاً قد صنع العرق على جسده ترعاً ومصارف وأنبت شعراً 
وغابات وأحراشاً. صدقوني bb‏ بالأمانة المقدسة لا أكذب ولا أبالغء 
بل أنقل في عجز ما رأيت. كيف استطاع نحيف هش كهذا الرجل 
أن يحمل كرسياً كهذا لا يقل وزنه عن الطن أو ربما أطنان؟ ذلك هو 
المذهب للعقل وكأنه شغل حواة» ولكنك تتمعن وتعود تتفحص فتجد 
أن ليس في الأمر خديعة وأن الرجل حقيقة يحمل الكرسي وحده 
ويتحرك به . 

والأعجب والأغرب والمثير للذعر أن لا أحد من المارة في 
الأوبرا أو في شارع الجمهورية أو ربما القاهرة كلها يندهش أو 
يستعجب أو يعامل الأمر إلا وكأنه مسألة عادية مفروغ منهاء وكأنه 
كرسي فراشة يحمله صبي ويمضي به. أنظر إلى الناس وإلى 
الكرسي والرجل Gle‏ ألمح ارتفاعة حاجب» مصمصة شفاف أو 
صيحة عجب . . لا شيء مطلقا. 

وبدأت أحس أن الموقف كله شيء من المرعب استمرار التفكير 
فيه. وفي تلك اللحظة كان الرجل بحمله قد أصبح على قيد خطوة 
مني وأصبحت أرى وجهه الطيب رغم كثرة ما فيه من تجاعيد» ومع 
هذا لا تستطيع أن تحدد له عمراً. ورأيت ما هو أكثرء فقد كان عاري 
الجسد لا يغطيه إلا حزام وسط متين يتدلى منه ساتر أمامي وخلفي 
من قماش قلوع المراكب» ولكنك لابد تتوقف وتحس بعقلك قد بدأ 
كالغرفة الخالية يصنع صدىء إنه يبدو في لباسه غريباً ليس على 
القاهرة وإنماعلى العصر كله. تحس أنك رأيت له شبهاً في كتب 


15 





١١ 


التاريخ أو الحفريات» وفوجئت هكذا بابتسامة فيها ذلة السؤال» 
وبصوت وبكلام . 

- الله يرحم والديك يا بني - شفتش عمك بتاح رع؟ 

أهو هيروغليفي منطوق بالعربية» أم عربية منطوقة 
بالهيروغليفية؟ أيكون الرجل من المصريين القدماء؟ 

وهجمت عليه : 

- اسمع . . أوع تقول إنك من المصريين القدماء. 

لهو فيه قدماء وجداد؟ أنا من المصريين وبس . 

- وايه الكرسي ده؟ 

- شيلتي . . مال أنا بادور على عمك بتاح رع ليه؟ 

عشان زي ما أمرني أشيله يؤمرني أني أنزله , أنا اتهد حيلي . 

أنت بقالك كتير شايله؟ 

- كتير قوي ما تعدش . 

- من سلة؟ 

- سنة إيه يا بني؟ قول من بيجي سنة وشوية الآفات. 

fal الآفات‎ - 

= سئين . . 

من أيام الهرم يعني ؟ 


۱۲۷ بيت من لهم 





۱۳۲ 


من قبل » من أيام النيل . 
- نيل Sal‏ 
- من أيام ما سموا النيل» ونقلوا العاصمة من الجبل للضفة 
جانبي عمك بتاح وقال لي يا شيال شيل! شلت. وأدور عليه في 
سلقط في سلقط بعد كده عشان يقول لي حط. من يوميها للنهارده 
مش لاقيه . 
وتماماً نوقفت كل قدرة أو رغبة في الدهشة عندي. إن من 
يحمل كرسياً بهذه الضخامة والثقل للحظة؛ ممكن أن يحمله لآلاف 
السنين . لا دهشة ولا اعتراض كل ما في الأمر سؤال: 
- أعمل ايه؟ Lf‏ شايله ودي أمانة» حدت الأمر أني أشيلها 
أحطها ازاي من غير أمر؟ 
ربما غضب. 
تحطهازهق يا أخي! تعبا. . ترمي » تكسرهاء تحرقهاء دا 
الكراسي اتعملت عشان تشيل الناس مش عشان الناس تشيلها. 
ما اقدرش . هو أنا شايله غية؟ آنا شايله JST‏ عيش . 
- ولوا ما دام هادد حيلك وقاطم وسطك يبقى ترميه» ومن زمان 
ثرميه . 


دا عندك أنت لأنك ع البر مش شايل ما يهمكش. أنا شايل 


\YA 





ir 


ودي أمانة وشايل GUY‏ مسثول Age‏ 

لغاية امتى إن شاء الله ؟ 

لما يجيني الأمر من بتاح رع . 

دا مات وشبع موت . 

من خليفته = من وكيله. من ولد ولاد coos‏ من حسد معاه 
أمارة منه , 

طيب uf‏ بأمرك أهه انك تنزله . 

أمرك مطاع وكتر خيرك. . بس انت تقرب له؟ 

للأسف لا . 

معاك أمارة منه؟ 

ا ای 

- يبقى عن اذنك . 

ولكني صرحت - وقد بدأ يتحرك ‏ أوقفه»› فقد لاحظت (tech‏ 
كالاعلان أو اللافتة مثبتة في مقدمة الكرسي . بالضبط كانت قطعة من 
جلد غزال وكان عليها كتابة قديمة وكأنها النسخ الأولى للكتب 
المنزلة» وبصعوبة طالعت: 


«لقد حملت ما فيه الكفاية . 





نان 


دوآن لك أن يحملك كرسي . . 

دهذا الكرسي العظيم . 

«الذي لم يصنع مثله. 

ولك أنت وحدك . 

واجمله 

«ووخذه إلى بيتك 

«وضعه في الصدر 

«وتربع فوقه طول عمرك . 

«وحین تموت 

ALY «ويكون‎ 

وهذا هو pal‏ بتاح رع يا سيادة شيال الكراسي . أمر صريح 
صادر في نفس اللحظة التي أمرك أن تحمل فيها الكرسي» وممهور 
بإمضائه وخطوشه . 

بفرح عظيم قلت له هذاء فرح متفجر کمن كاد Sy‏ فمنذ 
رأيت الكرسي وعرفت القصة Lily‏ أحس وكاني Lif‏ الذي أحمله 
وحملته عبر الآف السنين» وكأن الذي انقضم ظهري أناء وكأن 
الفرحة التي انتابتني هي فرحتي للخلاص يأتي أخيراً. 

برأس منكس استمع الرجل ولا اختلاجة» انعظار منكس أيضاً 


۳ 





1 


أن أنتهي» وما كدت أفعل حتى رفع رأسه. كنت أتوقع فرحة مماثلةء 
انفراجة حتى » ولكني وجدت لا شيء. 

- الأمر مكتوب فوق راسك أهه ومن زمان مكتوب . 

بس آنا ماباعرفش اقرأ. 

-مانا قريته لك . 

أنا ما باصدقش إلا بأمارة . . معاك أمارة؟ 

ولما لم أجب» غمغم غاضباً وهو يستدير: 

أهو مابينوبئيش منكم غير العطلة. . يا ناس» والشيلة تقيلة 
والنهار الواحد يدوبك لفة. 

ووقفت أرقبه وقد بدأ الكرسي يتحرك» حركته المتئدة الوقورة 
التي تظن أنها من تلقاء نفسه. eli‏ ا مرة أخرى ساقه 
النحيلة الخامسة القادرة وحدهاعلى تحريكه. 

وقفت أرقبه وهو يبتعد, BAY‏ يئن وعرقه یسیل . 

وقفت حائراً أتساءل أألحقه ably‏ لأنفس عن غيظي ؟ 

أأندفع أسقط الكرسي عن كتفه بالقوة وأريحه رغماً case‏ أم 


أكتفي بالسخط المغيظ منه؟ 


أم أصب اللوم على نفسي أنا لأني لا أعرف الأمارة؟ 


۱۳۱ بيت من خم 





wn 


سورة البقرّة 


ماكادت الفائحة تقرأ ويسترد يده من يد الرجل»› ومبروك! 
ويتامل ملياً البقرة التي حصل عليهاء ثم يتوكل ويسحبها خارجاء 
حتى بعد خطوات قليلة وضع فلاح شاب طويل مهول يده فوق اليد 
الممسكة بالحبل» وبقوة الضغط والعضلات أوقفه قائلاً: ألا قول لي 
يا شيخ . . بالذمة والأمانة والديانة . . وقعت بكام؟ ` 

وحتى لو لم يذممه فقد كان يريد قول الحقيقة» لكي يعرف من 
وقع الرقم إن كان هو الخاسر أم الكاسب في الصفقة, أجاب: 

UL -‏ والأمانة والديانة بسبعة وتمانين جنيه وربع وبريزة 
لفسال 

ولم ينح له أن يقرأ في وجه الشاب الضخم» فما كاد يقول 
الرقم حتى كان الشاب وكأنما انتهى غرضه منه Lalas‏ فسحب يده 
ومضى إلى حاله مغمغما بكلام مدغوم لا يلوي على شيء. 


وبعد باب السوق بخطوة اندفع ناحيته رجل بشارب هائش 
وصوت مزعج عال وكرش. قائلا: سلام عليكم . 


۱۳۲ 





سلام ورحمة الله . 

بالذمة والأمانة يا شيخ بكام؟ 

وبصوت واضح وحرص شديد هذه المرة على ألا تفوته بادرة» 
فالبقرة أيام جده كانت بثلاثة جنيهات 5 وكان أبوه رحمة الله عليه يقول 
له إن أول بقرة اشتراها في حياته كانت بخمسة» قال: بالذمة والأمانة 
بسبعة وتمانين وربع وبريزة للسمسار. 

قال الرجل من تحت شاربه المهوش : هم . . هيه . . فيها لبن؟ 

أجاب وأمره إلى الله : ما فيهاش . 

وراها عجل؟ 

ماوراهاش. 

- معشرة؟ 

- طالبة عشر. 

ومرة أخرى قال الرجل بغيظ مكتوم لا يعرف سببه» وبحزن لا 

-هم. .هيه. . مبروكة عليك . 

ومشى . 

وعند أول منعطف للطريق الجانبي الماضي إلى الطريق 
الزراعي العام » رفع فلاح كان يعزق الأرض المجاورة صوته سائلا : 

= بتقول بالذمة والأمانة بكام؟ 


۳۳ بيت من ٣م‏ 





۳۸ 


فقال: بسبعة وتمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار. 

فعاد الفلاح يصيح مرة أخرى: 

-بتقول بكام؟ 

ورفع صوته عالياً جداً أعلى بكثير مما يجب. لا ليسمعه 
الفلاح فقط وإنما ليصل إلى كل الرجال القريبين والبعيدين حتى 
يكفوه مئونة رد الحر: 

-بسبعة. . وتمانين. . جنيه. . وربع. . وبريزة. . للسمسار. . 

وقبل أن يسمح لنفسه أن يسمع الرد أو التعليق كان قد أغلق 
أذنيه ومشى . 

وحين وصل إلى الطريق الزراعي الموصل إلى بلده كان قد 
سثل ثلاث مرات» وأجاب ثلاث اجابات» نقص الذمة والأمانة في 
الثتها حين كسل أن ينص على بريزة السمسار. 

كانت الدنيا لا تزال ضحى والسوق منتصبة منذ الشروق هذا 
صحيح » ولكن كان هناك على الطريق قادمون كثيرون. أولئك الذين 
لا يريدون ضياع اليوم فأنهوا بسرعة أعمالهم ثم أقبلوا مهرولين 


يلحقون السوق. 
وعلى أول الطريق الزراعي سأله شيخ معمم بجبة كالحة 
وقفطان: 


-دفعت فيها كام الذمة والأمانة والديانة إن شاء الله ؟ 


۱۳4 





4 


فقط لو أنهم لايلممونه ويستحلفونه بالأمانة والدين! 

- سبعة وتمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار. 

وبعد خطوة واحدة وإذا برجل وكأنه عمدة» يمتطي ركوبة 
ويستظل بشمسية يزعق بصوت مسلوخ: بتقول بكام؟ 

غالية شوية إنما تتعوض . 

- وما كاد يخرج علبة الدخان ويبداً في لف السيجارة حتى حود؟ 
عليه رجل مسن له لحية اختلط فيها السواد بالبياض : 

- سلام عليكم . 

- سلام ورحمة الله . 

- دستورك منين؟ 

- من هرية . 

~ شاري Vy‏ بایع؟ 

- مانتاش شايفني راجع؟ شاري . 

- واصل ع الشيخ منصور؟ 

- واصل إن شاء الله . 

طب بذمتك وحياة الشيخ منصور على LE‏ بكام؟ 

بسبعة وتمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار. 

-يا راجل أنا ذممتك وحلفتك بالشيخ منصور؟ 


وم بيت من للدم 





14 


وحياة الشيخ منصور والذمة والأمانة SLU,‏ وحياة شيخ 
العرب السيد بسبعة وتمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار. 

يا راجل انت اشتريت خخلاص » برىء ذمتك وقول الحق . 

- وأنا يعني ح أكدب عليك ليه؟ ما قلت لك الحق . 

- بقى بذمتك وديانتك والأمانة عليك وبركة الشيخ منصور 
وديتها رفبتك بسبعة وتمانين جنيه وربع؟ 

- ودبي وما أعبد وحياة ربنا اللي أكبر من الشيخ منصور ومني 
ومنك ومن الدنيا كلها بسبعة وثمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار. 

- طب روح يا شيخ الهي إن كنت كذبت ما توعى تعلقها في 
المحراث . 

وتركه ومضى . ولو كان قد بقي أمامه لحظة أخرى لما كان قد 
استطاع كبح جماحه الخاطر الذي كان يلح عليه باستمرار. . أن 
ينتف ذقنه شعرة شعرة . 

وما كاد يمشي أربسع أو خمس قصبات حتى ‏ برجاء 
حار استوقفه شخص كان منتحياً جانباً» يعمل مثل الناس على حافة 
الخليج الموازي للطريق» وحتى قبل أن ينتهي وهو لا يزال القرفصاء 
لوى رقبته وسأل: 

- بالذمة والأمانة بقد ايه؟ 


- بسبعة وتمانين وربع بريزة. 


in 





١ 

- ايه اللي سبعة وتمانين وربع بريزة. هم مش يبقوا سبعة 
وتمانين وخمسة وتلاتين صاغ؟ 

- طب يا سيدي ماتزعلش سبعة وتمانين وخحمسة وتلاتين صاغ . 

أمال الأول قلت وبريزة Gad‏ 

- عشان هي بسبعة وتمانين وربع وبريزة للسمسار. 

- بقى أبقى محلفك بالذمة والأمانة وتكذب؟ 

أنا كدبت؟ 

مش قلت بريزة للسمسار. هي البريزة تخش في التمن؟ 

ما دام دفعتها تخش . 

۔ لا ما تخشش . 

stig 

۔ لاما تخشش . 

pet 

أنت كداب. 

yb أنت‎ - 

- تفوه عليك نفر. 

- تفوه عليك وعلى اللي خلفوك . 

وهو لا يزال متشبثاً باستماتة في حبل البقرة اندفع ناحية الرجل 


۱۳۷ بیت من حم 





£۲ 


يريد أن يطبق عليه وينتهي منه» وكان الرجل هر الآخر قد أوقف ما 
كان يقوم به واندفع ناحيته ويده مستميتة هي الاخرى على «دكة» 
السروال المفكوكء وبيد متشبثة والأحرى طليقة تريد أن تغور في 
زمارة رقبة الآخر. كادا أن يتماسكا لولا أن أولاد الحلال وما أكثرهم 
على الطريق حالوا بينهما في اخر لحظة» وبعد محاولات لصلح 
فاشل اندفع كل منهماء الرجل إلى حافة الخليج وهو ناحية بلدهء 
وبينهما حبل طويل غليظ من الشتائم ظل يمتد ويرق كلما ابتعدا حتى 
انقطع وصار مخنوقا. ومد يده يبحث عن العلبة ليلف السيجارة غير 
أنه اكتشف أنه فقدها في الخنافة› وبلغ به الغيظ حد أنه لم يحتمل 
مجرد فكرة العودة والبحث عنها في مكان الخناقة , 

وهو في قمة غيظه إذا برجل يرتدي في عز الحر عباءة» مؤدب 
وقصير» ما كاد يفتح فمه ويقول: بالذمة والأمانة عليك. حتى كان قد 
رفع يده إلى آخرها دون أن يدري ثم هوی بها على صدغ صاحب 
العباءة الممددة في أدب Mag‏ 

وارتاع الرجل حتى سقطت العباءة من فوق كتفهء وفكر أن 
يمسك بخناقة ولكنه في اللحظة التالية كان قد راجع نفسه» وحين 
تلفت حوله فلم يجد أحداً من المحتمل أن يكون قد رآه وهو يصفعه 
عاد للسير وكأن شيثاً لم يحدث وهو يقنع نفسه أن الرجل لابد مجنون 
هارب من مستشفى المجاذيب. 

وما كاد هذا يحدث حتى وجد صاحب البقرة نفسه يضحك 
ضحكاً عالياً متواصادٌ وكأنه قد جن Shed‏ وبلغ به الاستهتار حد أنه 


۱۴۸ 





١2 


حين سمع السؤال يلقى عليه من جانب الطريق أندفع ناحية السائل 
ورفع يده يحاول أن يهوي بها على صدغه. ولكنه فوجىء بيد 
حديدية تقيد يده في مكانهاء وبكف كأنها من بلوط تهوي على 
صدغه هو بأربعة أقلام سخنة نظيفة جعلت عينيه تقدحان شرراً» بل 
أعمته إلى درجة لم ير معها ضاربه. ولا فطن إلى أنه ضرب إلا 
بعد أن أصبح بينه وبين المعتدي مشوار ومشوار. 

وعند كشك المرور تماماً سأله تاجر قمح تخين كان يفرش على 
جانب الطريق يشتري بالاقداح والشروات من الذاهبات إلى السوق: 
إلا قولي يا شيخ العرب» بالذمة والأمانة بكام؟ 

ولم يكن عربياً أو شيخ عرب» ولكنه بمئتهى التأدب أو بهدوء 
غريب لا أثر مطلقاً AY‏ ثورة فيه أجاب: بسبعة وتمانين وربع وبريزة 
للسمسار. 

وكأنه لأول مرة.يدرك ‏ وبصفاء Lal‏ أنه باع كل شيء ليشتري 
هله البقرة بعدما ماتت جاموسته في أول شعبان» بل فطست ولم 
يلحقها الجزار بالسكين حتى» ولثلاثة أشهر وهو يدبر» وعلى 
المحصول الذي لا تزال أمامه أربعة أشهر طويلةء ومحفظته إن كانت 
لم تسرق في الخناقة فليس بها غير جنيه وربع هي آخر ما تبقى معه 
من نقود في الحياة. 

- بسبعة وتمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار. 


قالها مرة cel‏ وبصوت Bytes‏ أعلى حتى حدق فيه الاجر 


۳۹ بيت من لدم 





1. 


مذهولا لا يستطيع النطق . 

وما كاد يلتفت حتى هبط من فوق جسر السكة الحديد رجل 
كان يحمل عنزة على کتفه» وما أن فتح فمه لينطق حتى قال: 

- بسبعة وتمانين وربع وبريزة للسمسار. 

وبعد برهة قابلته امرأة تحمل مقطفاً ثقيلاً وتنوء بحمله» وقبل 
أن يصلها أو تدرك وجوده رفع صوته وقال: 

بسبعةوتمانين وربع وبريزة للسمسار. 

-وقالت المرأة: «يه؟» ثم حثت الخطو وكأنها تهرب من شبح . 

وعند التابوت كانت جماعة قادمة من طريق التوت بعضها., 
راكب وبعضها ماش » ورفع صوته إلى أقصى ما يستطيع وقال: 

بالذمة والأمانة بسبعة وتمانين وربع وبريزة للسمسار. 

وضحكوا وقال واحد: الناس انهبلت» بيئما تخلف ولدان راحا 
يشبعانه تريقة وسخرية . 
وعلى مدخل البلدة رأى جاموسة ترعى على حافة «القيد» 
فصرخ فيها: ١‏ 

- بسبعة وتمانين وربع وبريزة للسمسار. 


واستدارت الجاموسة نأحيته ورمقته في بلادة وكسل» لم ole‏ 
تعسعس بشفتيها وأسنانها على | لحشيش . 





f٥ 


وحين دخل بلده كان يصيح سواء ساله أحدهم أم لم wt,‏ 
قابل شخصاً أم لم يقابل» يقولها هكذا للزرع وللحيطان» وللحر أو 
للسما وللأوز وللجنيه وربع» وللأربعة أشهر والأربعة أولاد والولية. 
وللبهيمة التي ماتت» وللبقرة التي يسحبهاء وللشيخ منصور» ولنفسه. 


وللدنيا كلها: 
بالذمة والأمانة والديانة» وبكل AS‏ أنزل» بسبعة وتمانين 
جنيه وربع وبريزة للسمسار. 


14١‏ بيت من للم 





155 


- هوووو(*) 

مبكراً وقبل يقظتي التامة جاءني الصوت منخفضاً قوياً فيه 
همس «القانفار» 

أقشعر جسدي قلت : 

هوووة. 

عاد يقول: 

- قوم . . عندك ميعاد في العتبة. 

استيقظت تماماً. نسيت الشايء غادرت البيت» أصبحت في 
العتبة. عندك ميعاد في العتبة. أين؟ لا جواب . متی؟ لا جواب . مع 
من؟ لا أعرف. انتصف النهار» بدا اليقظء ضوء الشمس اشتد 
وكأنما شحنت بطارياتها إلى آخرها. كثر LUI‏ تزاحم الناس أكثر 
وعزلتهم وضحث. Sie‏ ميعاد في العتبةء آنا فى العتبة» القلب 
القديم لقاهرة قديمة. قاهرة واحدة كان لها قلب واحد. . اليوم بمائة 





(*) كتبت في gle‏ 1459 , 


١5" 





14۷ 


قلب» بلا قلب» الميعاد في العتبة. كيف أطيع الصوت وأنا العلمي 
الذي لا يؤمن بالدجل؟ حاولت العودة» فشلت» أصبحت لا أعسرف 
كيف. مقيداً حبيس الميدان وحولى سور خفي مكهرب لا أستطيع 
اجتيازه . الميعاد متى ومع من ولماذا؟ لا أعرف. الميعاد في العتبة . 

مر أسبوع وأنا سجين القهوة واللوكاندة والميدان., حدودي 
فتحات شوارع محمد علي والعباسية ومسرح الازبكية والمطافي . 
البنايات القديمة حراسي . الناس» النظرات» أجنحة الذباب» مقيدة 
مثلي بقوى قاهرة. كل شيء قديم تهب منه رائحة الزمن كجو مقبرة 
تفتح بعد ttle‏ عام. الميدان يضيق» خطواتي فيه تتحدد أكثرء لم يعد 
باستطاعتي إلا أن ألف حول عربة الترام الثابتة في الميدان. في نهاية 
اليوم العاشر لم أعد أستطيع التحرك شددت قدماي بطريقة حاسمة 
ومجهولة إلى جوار العربة. ظللت في مكاني يومين بلا نوم أو طعام . 
في الضحى» وفي موكب أقبلت عربة «بويك» زرقاء من آخر موديل 
حلياتها النيكل مصنوعة من ذهب» العيون والأفواه المفتوحة حولها 
وتتبعهاء قائدها كالسائقين لدى العائلات الكبيرة يرتدي معطفاً أبيض 
وقفازاً أبيض وقبعة ذات حافة . . توقف أمامي وقال: 

- اركب. 


لمحت خيبة الأمل في كل العيون المعششة حولنا وكأن كلا 


منهم كان يتوقع نفس الدعوة. 
Uf.‏ 





1٤۸ 


أيوه أنت. 

. متأكد؟ 

- أنت مش عندك ميعاد في العتبة؟ اركب . 
أأركب. 

سالت: على فين؟ 

قال: هي عايزاك. 

- هي مين؟ 

ب اركب . 

أأركب؟ 

التقت عينانا . 

لم أجسر على المعارضة . 

ركبت . 

انطلقت العربة. ‏ 

غادرنا العباسية في اتجاه ترب الخفير. بدأ طريق يصعد بناء 


كان واضحاً نهم انتهوا من رصفه من لحظات وأنه يطوى طياً بعد أن 
تمر به العربة. 


أحنا في المقطم؟ 


ل 





الخال 


سألت وقد Liab‏ أعلى نقطة . لم تستدر الرقبة الغليظة» لم 
أظفر بجواب. أعدت السؤال مجدداً وبصوت أعلى . لم يأتني إلا 
الصمت. سكت, أتكون هي؟ هي هي؟ أتكون هي؟ of‏ تراها 
أسطورية كعائشة التي قرأت عنها صغيراً. ولكنا لسنا في رواية. 
أعرف الفرق تماماً بين الاحلام والواقع وبين الاساطير والحقيقة. 
العربة حقيقية والسائق حقيقي وهضبة المقطم حقيقية » حتى «فانفار» 
هوووه لا يزال يرن في أذني رنيناً حقيقياً له وجود كوجود حركة عقرب 
الثواثي في ساعة معصمي . معصمي حقيقي ومستيقظ ويؤلمني حين 
أعضه . 

- انزل. 

كانت العربة دون أن أشعر قد وقفت» وكان عقرب الثواني لا 
يزال يتحرك ولكن الزمن توقف. . مع العربة توقف لم أنزل. 

- انزل. 


الأمر صريح . . نزلت. انطلقت العربة بسرعة (Liable‏ أخحتفى 
هيكلها قبل أن يختفي صوتها. عدت إلى ما حولي » صحراء واسعة 
ممتدة» صحراء غير مستوية» لا شيء هناك ولا في أي اتجاه. لا 
أحلم» قطعاً لا أحلم. خلعت الساعة» قربتها من أذني » التكتكة. 
مسموعة. أنا لا أحلم» أنا موجود والقاهرة مختفية في مكان ما ولكنها 
قريبة وموجودة. 

سرت خطوات. . عشر خطوات كيفما اتفق. فجأة وجدت 


14 بيت من لحم 





16 


أمامي . . بوابة بالتأكيد من زمن فعمرها لا يقل عن نصف قرن. بابها 
من حديد هائل الضخامة قد تراكمت فوقه طبقات الصدأء عليه زرع 
أخضر له سيقان غليظة عمرها أكثر بكثير من عمر الرجل» وزهورها 
حمراء طازجة نبتت من ساعات. البوابة مغلقة لم تفتح من 
أحقاب. الظل جميل بعد لفح الشمس» الخضرة تجصل من الظل 
جدةء البوابة من جماد ولكنها أشعرتني بالونس . افتح يا سمسم! 

تفتح البوابة . aly‏ ضح أنها مستحيل أن تفتح . 

جلست أنتظر. . لم يكن أمامي إلا أن أنتظر. غابت الشمس 
نمث» صحوت. أشرقت الشمس» مالت. غابت. نمت» حلمت 
أني أمثل دوراً في السينما وجني احتضن البطلة أمام مخرج عجوز. 
عيون الكاميرا كانت تضايقني . صحوت» أنا جوعان» بدأت أمضغ 
الأغصان الجافة» أحسست لها بلذعة كففت أن تكون نباتات سامة أو 
مخدرةء أخسطات وألقيت ناحية الشمس نظرة. لم أستطع سحب 
نظرتي » جذبتها الشمس تماماً وابتلعت وعبي . عميت. . عمي أبيض 
مليء بحرة كالدم. حين غربت الشمس عدت للوعي والرؤية 
ووجدت البوابة مفتوحة. دخلث, انطلقت بكل قواي أجري. 
الحديقة واسعة» مزدحمة بالاشجار. الظلام يتكائف, أنا جوعان 
والأشجار أشجار جوافة. أكلث» عاودت الجري في خط مستقيم 
ربما أصل إلى هدف. شعشع الفجر. أحسست بطريقة ما أني 
محاصر. توقفت» من خلف كل شجرة برز مارد أطول مني بکثیر» 
ربما مائة أو أكثر. أحاطوني» اكتشفت حين افتربوا أنهم عرائس 


14 





\o\ 


خشبية ضخمة وأن مفاصلها من خيوط وأسلاك. تحركناء أنا في 
الوسط وهم حولي . طال المشوارء غابت الشمس . 
لم أنم» ظل حراسي مستيقظين. في منتصف الليل سمعتهم 
يتحدثون وقد انقلبوا من عرائس رجال إلى عرائس نساء. 
سألت o,f‏ جاراتي الحارسات : 
- من تكون هي ؟ أنكون هي هي ؟ 
لم تجبني . غمغمت لجارتها: 
- هذا الجلف . . إنها أجمل من كليوبائرا. 
ast‏ أنوثة من أفروديت . 
- ساقاها أمتع من وليمة جنسية . 
- فخذاها غيبوبة أروع من الوعي . 
- هذا الجلف. 
أشرقت الشمس . 
كنت وحدي بلا حراس ولا عرائس. 
في مواجهتي تماماً باب أنيق لقصرء القصر مبني بطريقة حديثة 
als‏ ديكور فيلم من أفلام المستقبل . 


كان الباب مفتوحاً. 
دخلت. 


14۷ 





oY 


الصالة مساحتها عشرة فدادين» السجادة كيلو متر مربع؛ في 
الصالة ثلاثة كراسي في ثلاثة أركان . 

كنت متعباً» جلست على أقرب كسرسي» نمت. استيقظت 
لأجد الجدران قد حفلت Ub‏ باب . 

عرفت أن أخمن وأختار. 

اخترت أبعد الأبواب . 

دخلتث, 

lle مشيت‎ 

أين تراها؟ 

حاولت العودة. 

وجدت نفسي في منتزه وأسع مفتوح, والدنيا ربيع وفي الوسط 
«بيسين» يتسع لمديئة تستحم» وكانت فيه امرأة واحدة عارية تماماً 
وبعيدة جدا. 

كانت هي . 

وكان علي أن أنتظر. 

وانتظرت Uf‏ والشمس ء هى تشرق وتغيب وأنا لا أتحرك. وبعد 
أيام عرفت أنها غادرت الحمام وأنها في طريقها إلى التعطر والمنام . 


‘EA 





yor 


وانتظرت . 

- هوووه! 
سهوووه! 

- ادخل. 
بعد أحقاب . 


دخلت المخدع : 


السرير كرسي عرش copter‏ والجدران لوحات od Lely gil‏ 
والنور المصنوع مختلط yyy‏ القمر بلا تفرقة» وبأصبعها أشارت 
وسرت» وبأصبعها أشارت وتوقفت عند قدمي السرير وخلعت 
ملابسي » وأشارت وأقبلت جواري حملتني إلى الحمامء وأشارت 
وجيء بي وقد أعددت تماماً» وأشارت وأصبحت بجوارها LLG‏ في 
الفراش. وجيء بالطعام» وأكلت. . لي أعوام وأنا جوعان. 
وبالشراب» وشربت. لي أعوام لم أغب عن الوعي . وفعلت كل هذا 
Ul,‏ ذاهل» فقد كانت هي أجمل وأروع من كل ما حلمت وتصورت» 
لكأنما كل نساء العالم قشور وهي قلبهن جميعاًء أعماقهن. كل ما 
فيهن من By‏ وحنان وأنوثة . 


وجاءت اللحظة واسترخت فرق الفراش Cady 6 gels‏ 
النداء . وأشارت وأطفثت الأنوارء وأشارت وانطفاً القمر. وتحسست 
جسد ا وأنا ذائب معها فی قبلة» واقشعرت بدي وهي تلامس 


184 بيث من ٣م‏ 





\og 


فخذها. كانت حشلة مليئة بالشعر رفيعة طويلة GLAS‏ المعزة تنتهي 
بحافر كحافر الحمار. اكتشفت أن الأنثى التي أنا غائص فيها كانت 
مؤخرة رجل فاجر الشذوذ. غاص قلبي وانطلقت أجري أبحث عن 
باب المخدع. . أتعثر في غثياني وأبحث عن باب المخدع ولا باب. 
أجري ولا باب» وأتعثر في غثياني ولا باب . 


Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 





ied by registered version 





\ov 





Converted by Tiff Combine 








1۹ 


حالة تلبس 


حيها ضبط النظر . لم يكن عميد الكلية هو الذي غضب والعبت 
الدماء في عروقه » ولكنه الطفل الذي ولد وتربى في « سوهاج » ومئذ 
أن بدأ يعي فهم أنه قد يكون مباحاً للرجل وعيباً للشباب ومحرماً if‏ 
قاطعاً على JULY‏ ولكنه للنساء جريمة » أكثر من جرية » قد يوازي 
هتاك العرض ؛ فما بالك وهي ليست رجلاً ولا طفلاً ولا حتى سيدة 
ولكنها فتاة » بنت لا تتعدى السابعة عشرة بأي حال . 

وحين وصل الغضب قشرة العقل المكتسبة » وانفعل العميد الذي 
فيه » كان أكثر ما ضايقه Uf‏ لابد في السنة الأولى » طالبة جديدة » 
يعني بالأمس فقط كانت طفلة في ثانوي . 

ورغم كل غضبه لم يتحرك إلا حينا تحرك الوالد الذي فيه وتململ » 
وأدرك كالمدهوش » أنها تكاد تكون في سن ابنته ( لمياء ) » حينا فقط 
استدار مغادراً النافذة في طريقه إلى حيث أزرار الجرس الموضوعة في 
YS,‏ الخالد الذي يتوارثه العمداء فوق المكتب . 


وربما لو كان في الحجرة أحد .. أستاذ أو لجنة أو حتى لو كانت 
في انتظار مقابلة كائن ما لكانت الحركة قد اكتملت وكانت يده حتماً 


لغة الآى آی 





ve 


قد وصلت إلى الزر .. والساعي المرابط أمام الباب حضر والفصل 
لأسبوع 3 لأكثر من الكلية أو a‏ الزجر والضرب قد حدث , 


ولكنه كان وحده في حججرة العميد الواسعة المهولة ذات النافذة 
الجانبية الضيقة . والحجرة تغري بالتريث » والنافذة الضيقة تغري بتدقيق 
النظر . وفي حالته كان الإغراء كبير بإعادة النظر . 

وعاد إلى إستمرار النظر . 

الحجرة في دور أول لا يرتفع عن الأرض قليلاً . والفناء الخلفي الذي 
تطل عليه النافذة الجانبية خال تماماً من الطلبة فهو في العادة مكان غير 
مرغوب من الطلبة » والساعة اقتربت من الثالثة . واليوم الدراسي ol‏ 
ولولا مراجعة جدول الامتحان لما كان هو نفسه قد بقى إلى هذا الوقت 
ولا قام من النافذة rly Ke‏ ويتمطى ويأحذ فكرة عن الجو 
بالخارج . ولا شاهدها » تلك الطالبة الصغيرة التي ما أن بدأ عقله 
يتساءل عما GT‏ بها إلى هذا المكان المهجور » وبعد انتباء الدراسة . حتى 
كان الغضب قد اجتاحه . وجدها بكل بساطة وتحت أنف نافذته تخرج 
بل أخرجت فعلاً علبة سجائر من حقيبة يد مستطيلة ضخمة hey‏ 
بكراريس امحاضرات الختلطة بأدوات التجميل قليلاً وما لبشت أن 
أرجت علبة كبريت أيضاً . 

طالبة . واضح Le‏ أنها لابد في السنة الأولى . تدخن وتحمل معها 
في الحقيبة علبة سجائر وعلبة كبريت ؟! 

هكذا من النظرة الأولى تفجر الغضب . 


ولكن النظرة التالية كانت نظرة مذهولة يستبعد OF LE‏ يصدق أن 





۱۹۱ 


شيا كهذا ممكن أن يحدث » Meda‏ التصديق إلى أن يراها فعلاً وهي 
cpr‏ .. حاصة والفتاة كانت لاتزال ممسكة السيجارة في يد والكبريت 
في يد أخرى ity‏ لم تقرر بعد ماذا تفعل بشأنهما . 

وتأملها العميد » كانت طالبة عادية لا يمكن إذا راها في مجموعة أن 
تستوقف النظر » شعرها مهوش على طريقة الجيل الجديد في الأناقة 
وعيناها ذابلتان لابد من المذاكرة والسهر . متكئة تكاد تكون مستلقية 
بعد يوم متعب حافل على الأريكة المهملة التي لا يستعملها أحد » ولكن 
شبابها الفائر يكاد يقفز من وجنتما المحمرتين رغم قمحية بشرتها » ومن 
جسدها البارز في أكثر من مكان من ملابس الطالبة الرخيصة التي 
ترتديها . 


وبوغت العميد حقيقة وهو يلحظ فجأة أنها بأصابع اليد الواحدة 
.. أصابع تلون سبابتها اثار الحبر قد فتحت علبة الكبريت » وباليد 
الأخرى » بيد ثابتة لا اضطراب فيما ولا حوف وبحركات تلقائية ليس 
فيبا من مجهود الإرادة شىء ثبتت السيجارة في فمها وادارتها دائرة كاملة 
بين شفتيها وكأنما لتبلل » كالمدخنين العتاة » فمها ر الفلتر ) » وبنفس 
التؤدة والتلقائية وبضربة لا أثر للتدبير فيها أشعلت العود ولم تقربه من 
السيجارة في الحال » أهملته بين اصبعيبها قليلاً US)‏ تستمتع برؤيته 
يحترق ذا للك وس esis nara Meola Sica‏ ل عدن 
الفناء البعيد » أن قربت العود بحيث لامست شعلته طرف السيجارة دون 
أن تحيد يمينا أو يسار وكأئما يدها مدربة على الطريق لصيف الما 
واحداً اشتعلت بعده السيجارة . وبالدخان الخارج . بعد ابتلاعه » من 


ol الآى‎ rey 





1۹۲ 


فمها , أطفأت العود » ثم لم تلبث أن القته في إهمال غريب فوق عشب 
الممشى القريب . 

وجن جنون العميد » el‏ مدمنة داعرة الإدمان أيضاً » أنه هو نفسه 
gory‏ ولا يفعل شيعاً كهذا » أنه يشعل السيجارة كلشنكان وبدعنبا 
كيفما اتفق » ولكن هذه » متى وكيف by‏ أي By‏ فساد قد تعلمت 
كل هذا . أا حتى لا تشعل الكبريت كالنساء التي قرأ مرة ol‏ يشعلن 
العود من الناحية البعيدة عنبن خوفا غريزيا من ناره على ملاحهن 
وشعرهن » وفقط بعد الاطمئنان إلى شعاته بعد خفوتها مجرؤن على تقريبه 
منبن أما هذه ال .. الطالبة . طالبة أولى هذه .. لا تخاف العود ولا النار 
ويبدو أا لا تخشى شيعا في الوجود .. إنها لا يكن أن تكون في السابعة 
عشرة .. سن ابنته .. لابد أنها أكبر بكثير .. بسنتين لابد أو حتى بأيام 
.. إنها جرثومة » ان الفصل أسبوعاً واحداً لا يكفي أبداً .. الرفد She‏ 
هو ما يجب عمله لا أقل من الرفد النهالي . 

ولكنه لم يعرف كيف حدث هذا فقد وجد شيعاً أكبر بكثير من 
كل غضبه وكل حماسه للضغط على الجرس واستدعاء الساعي واتخاذ 
بقية الإجراءات » شيئاً أجبره على أن يقف في مكانه لا يتحرك وينتظر 
ويراقب ويعاود الرؤية . 

ورفعت الفتاة يدها إلى فمها مرة أخرى » ولكنها انتظرت WB‏ بفم 
السيجارة قريياً من فمها ثم بدا وكأن الوقت قد حان Se,‏ ببطء لا 
تلكو فيه أسبلت جفونہا حتى کادتا تغلقان تماما ثم ضمت شفتيها حتى 





11۳ 


ضاقت الفتحة بينهما وتكرمش غشاؤهما ومن الفتحة الضيقة أدخلت فم 
السيجارة » وجذبت نفساً » لا لم يكن جذباً » كان إمتصاصاً » ليس 
امتصاص دخان » لكأنه رشف أعظم سعادات البشر » رشفة ببطء 
وباستعذاب وبملايين الأفواه » كل خلية من خلاياها بدت وكأتما أصبح 
ها فم تجذب به وترتشف ويتموج جسدها كلها تموجاً غير منظور ؛ 
وعلى دفعات وكأنه عطشان جرع أعذب الماء ويريد أن يستمتع بكل 
قطرة من قطراته » حتى إذا ما بدا أن كل دقيقة فيها قد أحذت كفايتها 
وظفرت بسعادتها الخاصة » رفعت السيجارة عن فمها ببطء » وكبرياء 
وعينين قد فتحتا ببخل شديد iy‏ تخاف أن تبرب من فتحتيهما 
الدشوة . 

واستحال غضب العميد إلى لحظة صدمة مفاجئة تكان تتحول إلى 
ذعر .. خوف شديد أن يستمر في الرؤية » حوف الخائف على نفسه 
هو من استمرارها » والفناء بدا له كالبقعة المهجورة المقطوعة عن العام » 
يحفل بسكون ¢ وزمتة » ورائحة ربيع مقبل مخيف » وقرب Cu‏ نباية 
العام والامتحان » والفتاة Yi‏ جنية من جنيات الظهر انشقت We‏ 
خحرابة الفناء فجأة » متكفة تكاد تكون مستلقية فوق الأريكة ذات 
الحديد Tall‏ فوقه الرمن والصدأ » الناقص مقعده خشبة الوسط . 


وبرهبة المذهول هذه المرة راح يترقب ors‏ تخرج النفس .. فمها 
الضموم أبقته مضموماً هنيبة ؛ ثم فئحته نصف فتحة وبحركة فيها كسل 
أنثوي ضاقت له عيناه راحت توسع من فتحته قليلاً قليلاً في نفس الوقت 
الذي كان صدرها قد بدأ يتسمع وكانها بسبيلها إلى التنبد حرقة ولوعة » 


لغة الآى أي 





55 


رما على فراق تلك السحابة الدخانية الصغيرة التي فجرت في جسدها 
المستلقي تعبا واسترحاء حيوية وأضافت إلى صباها صبا . يتسع حتى 
ليجذب الدخان إلى أعمق أعماقها » ليلامس أقصى أرجائها وليلتقي 
بكل جزء من صمم صميمها لقاء الوداع وني نفس الوقت الذي يعود 
فيه الصدر إلى وضعه الطبيعي وحجمه » يكون الدخان هو الاخر قد 
بدأ يخرج » من الشفتين المنفرجتين أضيق أوسع إنفراج .. تخرج دفعاته 
الأولى مرسلة على سجيتها دون ضغط أو إكراه » تصنع دوائر لولبية 
وضبابات ثم تتلوها الدفعات الخارجة بالإرادة متأنية موجهة قد شحت 
دخانها وتغير لونه وكأئما امتصت منه كل النضرة والحياة . 

قطعاً لابد من فصلها . في Graze‏ السيجارة تماماً والجريمة سيدق 
الجرس ويبمس إلى الساعي ويذهب الرجل ويطبق عليها وساعتها سيعرف 
مها ويفصلها . 

ذلك كان قراره ولكن ما ضايقه في الحقيقة أنه بدا وكأنه قرار 
شخص اخر » ندا عله Wess‏ > ذلك البعد الذي أصبح بين عقله 
وإرادته » إرادة لا يدري لاذا هي رخحوة لا تستطيع of‏ تنفذ أمرأ وكأتما 
هي واقعة تحت تاثير مخدر سخيف ملعون لا يعرف كه 6 إدارة لم 
تعد تستطيع أن تفعل إلا أن تنظر وتستمر تنظر . 

وأخذت الفتاة نفساً آخر » وهذه المرة أحرجت دخانه من فمها 
cil + le ast,‏ فتحاته صغيرة دقيقة كأنها براعم فتحات يخرج منہا 
الدحان bal)‏ معتصراً ليصطدم بالدخان الخارج من الفم الضيق المضموم 
المكرهفش... 





11 


وأحس العميد بأشياء داخله تتنبه . وتلفحه سخونة ليس مبعثها ا لجو 
.. وبسرعة في دقات القلب لا علاقة لها بمرض الضغط .. 


وتوالت الأنفاس dye‏ كل مرة تجذب النفس على مهلها وبتلذذ سعيد 
تنغلق له عيناها » وكأن شفتيها المضمومتين على فم السيجارة DART‏ 
لشىء أو ترشفان شيئاً » رحيق السعادة رما أو أكسير الحياة ويسترخي 
جسدها ويتدغدغ للنفس ثم تبدأ عملية الإخراج » وتفعل هكذا كله 
بإندماج شامل تام وبلا إرادة .. وبطبيعية لا تكلف فيا ولا اصطناع › 
والأنفاس تتوالى ويستحيل ما يحسه العميد إلى تيار غريب يجوب جسده 
كله مع كل نفس » ولا يوقظه من تعب يوم أو إنباكه ولكن يوقظ 
أجزاءه وأجهزته من رقدة عمر طويل » ويمحو هكذا في ومضة آثار سنين 
وأمراض ومشاغل وحياة تصلبت وجفت واستحالت إلى درب ضيق 
محدود من ناحية منه زوجة جف ee‏ ماء الحياة ولم تعد تفعل إلا أن 
تناكف وتضايق Gy‏ الناحية الأخرى عمل وروتين لاجدة فيه ولا أمل . 
وصراع » وما بينه وبين رئيسه مدير الجامعة من حزازات » وهو 
كالبندول رائح غاد بينهما » الكلية تدفعه إلى البيت والبيت يدفعه إلى 
الكلية » بندول عجوز مصاب بأكثر من مرض ووجع وفي صدره 
أحقاد . 


ومنتصف السيجارة الذي كان قد حدده وصلته الطالبة ولكبه كان 
في حال لم يعد يعرف أن كان ما يحسه سخطأ أم إعجاباً أو أن كان 


إنفعاله إنفعال نشوة أم إشمعزاز » كل ما أصبح يفعله » حتى ولو لم ترض 
إرادته » أن يظل يرى الفتاة ويراقبها .. جسده لفسه » عيئاه » أنفاسه » 


لغة الآى sl‏ 





13٩ 


لسانه الذي بدأ يجف في cate‏ ساقاه اللتان شدت عضلاتهما 
واشرأبت » كلها تراقب » كلها مع الفتاة وسيجارتها في التحام لا يمكن 
فصله أو إنباؤه » التحام متواصل حي ينبض نفس نبضها حين تطبق 
بفهما الضيق على فم السيجارة وتجذب وتدوخ بالدشوة ثم حين تفتحه 
نصف فتحة وبه أو بأنفها أو بهما معاً تخرج اللوعة والحرقة والنفحات 
الماربة by‏ أعقابها تلك التي تدفعها لتخرج برفق وحنان وتؤدة .. نيض 
متوال متسارع » والتحام ذو حرارة مستمرة متزايدة تتصاعد إلى el‏ 
عراب ale‏ وتذيب + تذيت أكياء ts‏ > تذيب أفكاراً حجرت 
كالمومياء المصبرة وأصبحت حكما وعقائد » وتفتح مناطق حاصرتها 
التقاليد وعزلتها » وتفد الأفكار بسهولة وتنطلق بسهولة ويبدو المستحيل 
مكنأ » ولماذا الحرس والساعي والتأنيب والفصل ؟ ألأمها تدخن وسنها 
سبعة عشرة عاماً ولأنها طالبة وما الفرق بين أن تدحن وهي طالبة 
وتدخن وهي خريجة وكله تدخين في تدخين » ولاذا نحرمه على جسد 
شاب فائر » ونحلله لسيدة أو لعجوز تسعل وتكح وتبصق كلما جذبت 
نفساً » أليس هو قائل نفس البادىء وهو في العشرين والثلاثين حين 
كان في بعثته يرى أن مشكلة مجتمعه الأساسية أن أفراده يحيون في عصر 
بتقاليد قرون مظلمة مضت » وأن بلاده لا يمكن أن تصل إلى أي تقدم 
علمي أو صناعي أو حضاري إلا إذا تم التحرر وعاش الناس فيه بتقاليد 
عصرهم نفسه وقيمة وأنواع حرياته .. بإعطاء أفراده حتى حرية Wahl‏ 
Vy‏ نمنعهم بالنصح والزجر عن خوض التجارب ونورثهم صوابنا نحن 
وخطأنا بل نتركهم لكي يستخلصوا هم من تجاربهم ما يرون أنه 
الصواب وما يرون أنه الخطاً . 


\¥ 





¥۷ 


وبداً جسد الطالبة الصغيرة يتململ ويتلوى » ونهمها إلى جذب 
الأنفاس يشتد ويتلاحق وكأن في داخلها تحفر فجوات هائلة تحدث 
فراغات سريعة مذهلة تطلب الإمتلاء لا بالدحان ولكن بالمتعة الحادثة 
من حريتها في أن تنفرد بنفسها وبالسيجارة وتمتص منها ما تشاء وتبتلع 
ما تشاء » والعميد يمحس بجفاف ريقه يزداد وحنجرته تتسع وترداد قدرتها 
على الرنين وكأها تستعد لإطلاق صرخة العمر » وعرق غريب ذو 
رائحة نفاذة لم يشمها من سنين ينبت تحت ابطيه » وعرق آخر أكار 
غزارة يبلل وجهه ويضبب زجاج لاله ي ليخرج منديله بسرعة 
المحموم ويمسح زجاجها لكي لا ينقطع أبدأ إبصاره والدنيا حافلة بمؤامرة 
صمت تام » سكون غريب لا يمكن أن يكون إلا بفعل قوة خارجية 
قاهرة »> سكون مركز في تلك البقعة من الفناء الخلفي » سكون ليس 
خارجه سوى العدم » سكون عالم حال من الحياة تماماً ليس فيه حياة 
سواه وسواها » هي في أقصى درجات الاستمتاع وهو في أقصى 
درجات الإنفعال .. وبينهما » تفصلهما تماما » وتربطهما نماما » تلك 
السيجارة . والحياة تبدو حلوة جدا » كل لحظة فيها عمر باكمله 6 
وإرادته قادرة على اكتساح الجبل » ولا شىء في الوجود مستحيل ولن 
يرضى بأقل من أجمل وأغنى بنات العام زوجة له » وخمس سنوات فقط 
يصبح فيا أعظم علماء مصر بل الشرق والغرب معا وماذا تكون جائرة 
نوبل مكافأة له . وحقيقة ما هذه الحرازات بينه وبين المدير أليس هو 
أكبر منها وأقدر بكثير ولماذا الحزن والمرارة لكل ما فات والآني أروع 
منه بكثير ولاذا التعنت مع أستاذ القسم المساعد » لماذا لا يعطيه الفرصة 
أنه شاب ومن حقه أن يطمح إلى كرسي الأستاذ .. المشاكل نحن نخلقها 


لغة الآى os!‏ 





VA 


حين نفتقر إلى التفاؤل والتفاؤل هو الإرادة » وبالإرادة القوية تصبح 
القمر يأتيك .. أرده إرادة قوية حقيقية يأتيك .. وكله .. كل ما في 


الحياة ات لا ریب فيه .. 


واقتربت السيجارة من Yale‏ » وتلاحقت أنفاس الفتاة في صعود 
القمة ومضى جسدها يتبدج وقد أصبح كله صدرا يلهث وشفاها بدأت 
من الجرعات المتلاحقة ترتعش وتضطرب » اضطراب الحمى » حمى 
شملته هو كله .. والينبوع الخفي فيه يتفجر بأقصى قوته ويصل به إلى 
قمة الإنفعال تلك التي ينتفي معها الزمن › ولو للحظات يتوقف الزمن » 
يغرب إلى ما وراء الادراك » ويصبح الحاضر مجرد لون . لون أحمر مدم 
في لون الشفق . 

وأحذت الفتاة من السيجارة التي كادت تارها تحرق الأصابع نفساً » 
كآخر شهقة ثم سكنت Lu‏ وكأتما غابت عن الوجود . ومن بين 
أصبعيبا اللذين انفرجا استرحاء انفلتت بقية السيجارة واستقرت ذابلة 
Le pat‏ مغضنة على الأرض . 

وأحس العميد بعد الرعود والانفجارات والحمى بسلام مفاجىء ممتد 
كأنه سيبقى إلى الأبد » يشمله ويجعله يتمنى أن يكف الكون عن حركته 
لتبقى اللحظة في ديمومة لا تنتبي .. 

ولكن الديمومة انتهت فلأمر ما بدت الفتاة وكأن العيون المستترة التي 
تحس الخطر دون أن تراه قد أدركت شيعا AB‏ ضمت جفنيها بشدة ثم 





156 


فتحتهما على آخرهما ليلتقيا » هكذا » كالطلقة المصوبة بدقة » يعيني 
العميد في تطلعهما من خلف زجاج النظارة . 

وللأزمن القت النظرات » ولكنه لم يكن لقاء ولا وقتاً » ولا سىء 
يقاس » كان إرتطاماً » سقوطاً من حالق ey‏ » ماء بارداً كالثلج » برو دة 
الواقع الذي تر at‏ هوله المدارك › الثلج الصاعق 1 


وتكهربت النظرتان بخجل » لا قبل لأيبما به » حجل سريع مغور ) 
bese‏ 

ds‏ جزع هائل انتفضت الفتاة جالسة وقد غاص قلبها وبيد ترتجف 
بالرعب دلقت كل محتويات حقيتها لتستخرج في لمح البصر كتاباً » تعود 
معه تنكب ع كالطالبة امجتهدة على صفحاته . 


وكانت حركته ليعود عميداً أبطأ .. ممروجة جخجل أعظم sling‏ 
أشد هولاً » وتحرك خافض البصر طويلاً WA‏ عجوزاً مني الأكتاف 
حاملاً متاعب الدنيا كلها من جديد » ولیس في رأسه واضحا سوى 
الواجب » ومالابد من عمله .. والدائرة البيضاء الملساء الصغيرة فوق 
مكتبه » والعقاب . 
وبأصبع عادت bal]‏ كل عصبيتها وكأنما ak‏ من صدر ضاق بالدنيا » 
ضغط على زر الجرس . 
ولكن أصبعه كانت لا تزال بها بقية من ارتعاش » ارتعاش ليس بالكبر 
أو الضغط سببه . 
ديسمير ١957‏ 


3 لغة الآى اى 


Converted by Tiff Combine 








۱۷۱ 


السزوار 


ما كاد آلحرهم يخرج » ويفرغ العنبر محتوياته المكتظة كالقطار المزدحم 
حين يصل إلى محطة النباية » حتى التفت ١‏ مصمص ) ( وهو ليس اسم 
alo‏ ولكنه اسمها الحقيقي ) إلى سكينة التفاتة حادة » وقالت بصوت 
عال : 

ل بقى اسمعي يا .. 

واحتارت قليلاً هل تقول لها يا بت يا سكينة » أم سكينة فقط .. 
وسكينة كان اسمها سكيئة وهي سكينة فعلاً . وهو اسم قد يبدو ريفياً 
US,‏ لم تكن ريفية النشأة أو املاح . كانت من مدينة ما » واحدة 
من عشرات bn‏ أنصاف الكبيرة مؤدبة جداً حجولة جد ورفيقة 
Lal‏ . وكانت تحتل السرير ltl‏ لمصمص المرأة الضخمة الكبيرة 
الصدر والئديين التي ييل لونها إلى السمرة ؛ ودائماً ترتدي قميص نوم 
أبيض . 

والسريران كانا في عنبر واحد من العنابر الكبيرة التئ نحفل با 
مستشفياتنا العامة والمركزية والجامعية والصدرية » العدبر المعهود ذو 


ف الآى 1 
5 لغة الآى اى 





\vY 


الاثنين والعشرين سريراً .. عبر الحريم. يسمونه .. له تومرجية سليطة 
اللسان ومنفوخة الجسد مكورة كالبطة . وتومرجي أعمش مفروض أن 
لا Jew‏ العنبر وأن يقتصر عمله على المطبخ ودورة المياه » ولكن أحداً 
لم يعلن وها هذا المفروض وأحدا é‏ ينفذه . 

وكانت سكينة الضعيفة الرقيقة الحنونة تحس إذا أطلت النظر إلا أو 
عمقته أن هناك فعلاً أناساً ضعفاء محتاجين إلى الشفقة » كانت مريضة 
برض مزمن ولا في المستشفى ثلاثة أشهر وأمنيتها الكبرى أن تغادره 
وتخرج » ولكنهم لا يخرجونها ولا يصرحون ها بالخروج ولا يفعلون هذا 
بعنف أو بحزم كا قد يعتقد البعض » أنهم يفعلونه بأنصاف الابعسامات 
biel‏ وج eS‏ والطبطية one thal, oo sel thal‏ الول + 
حالاً .. إن شاء الله تخرجي .. أما سبب بقائها أو إبقائها فهو أن مرضها 
من نوع غريب يحلو للأستاذ أن يحاضر طلبته وأطباءه الصغار عليه .. 
وأن يريه لزملائه الكبار > کا لو كان يريبم قطعة نادرة ضمن مجموعة 
أصداف أو طوابع بريد يقتنيها .. 


وسكينة لم تكن مقطوعة من شجرة .. كان لما إخوة . في الحقيقة 
أخ واحد غير شقيق واختان . وكان لها خالات وعمات وقريبات كأي 
إنسان منا وكل إنسان . ولكن رغم هذا كله فلم يكن ها زوار بالمرة . 
طوال الأشهر الثلاثة التي مكثتهم بالمستشفى لم يزرها أحد .. من يوم 
أن أتى بها أخوها وأودعها العنبر لم تر وجهه . تلك حقيقة تعرفها هي 
.. ويعرفها الجميع حتى التومرجية السليطة اللسان تعرفها .. وقد تكون 
مشكلة الخروج تلح على سكينة في أحيان كشىء لابد منه AY‏ من 
حدوثه ولابد أن تكلم الطبيب الكبير بشأنه » ولكن مشكلتها ASM‏ 


\A 





\vy 


حدة في الواقع أن يزورها أحد .. أن تغمض عينيها وتفتحهما فتجد 
يدأ توقظها من النوم أو الغفوة وتقول ها : قومي يا سكيئة .. جالك 


زوار .. 


طوال أيام الجمع والاثنين » والحقيقة طوال olf‏ الأسبوع يفد 
العشرات oly‏ والآلاف على المستشفى ويوزعون على عنابره ثم على 
أسرته وقد يخص كل سرير زائر أو خمسة أو عشرة .. ماعدا سريرها 
هي لم يكن يبوب ناحيته أحد » أو BW‏ کان زوار جارتها مصمص 
فر سريرها كأريكة يبلسون غلا وهي من ele‏ رضن أو 
ot‏ بحركة تسبب حرجاً لأحد كانت تغادر الفراش نبائياً وتذهب 
تتمشى في الطرقة أو تخرج إلى شرفة العنبر القدرة هناك حيث تتخذ 
مستودعاً لأكوام الزبالة وقشر البرتقال والموز واليوسفندي AY GM‏ 
مع كل زيارة . 


وهناك .. في تمشيها هذا كانت سكينة OF‏ وتنقبض وتحس أا 
مظلومة of,‏ لابد ibs af‏ في الكون جعلها تبقى بغير زوار .. إن أخاها 
باستطاعته أن بخطىء مرة ويزورها وم زارت هي bel‏ وبنات نخالاتها 
وكان واجبهم في هذه الحالة أن يردوا الزيارة . ماذا حدث حتى جمد 
قلوبهم » وقساها ؟ ماذا حدث حتى نسما الجميع هكذا ونسوا أنها في 
مستشفى ! ماذا حدث حتى تنقطع صلتها هكذا بعائلتها وأقربائها وحتى 
بصديقاتها وبالدنيا كلها ؟ لم تكن تدري حتى مجرد إرسال خطاب . 
ما أرسل ها أحد Ube‏ أو بعث بسلام .. 


إحساس لم يكن يشاركها فيه أحد .. كانت أعمق أعماق قلبها هي 


14 لغة الآى'اى 





نحن 


التي Ss‏ وتحرن فقط .. أما كل ما على السطح من وجه وملاخ فقد 
كان يلتف دائماً بابتسامة لا فرق بينها وبين مثرر الصوف الذي تتلفع 


oe به‎ 


وطالت المدة ثلاثة أشهر .. وأربعة وخمسة » والمرضى يتغير معظمهم 
حتى لم ببق من القدامى سوى جاربها مصمص والوضع على ما هو 
عليه » وضع عجيب غريب . فهي صحيح ضيقة بالمستشفى والبقاء فيه 
تريد بشق النفس أن تخرج وتغادره . ولكها في نفس الوقت » وإذا ما 
سألت نفسها لا تعرف أبداً لمن وإلى أين تذهب وماذا بالضبط ستفعل 
.. لقد كانت قبل دخوها LA‏ مع أخيها تخدمه في انتظار أن يتزوج هو 
أو يأتمبا هي عريس » ولكنها مرضت وكانت تقضي fall‏ كله تهج 
وتكح حتى ضاق بها الأخ وانتهز أول فرصة أدخلها المستشفى رما كي 
لا تعالج بقدر ما يتخلص منها ومن حشرجات أنفاسها . بل انها معت 
أنه بعد دخوها المستشفى تزوجروعزل من البيت .. وشقيقاتها كلهن 
متزوجات » وهي ليست جميلة حتى يرحب بها زوج أي أخحت بل لقد 
ذبلت وكبرت حتى على الزواج فإلى من تذهب وإلى أين ؟ 

وضع عجيب غريب » فهي ضيقة بالمستشفى ضيقاً لا حد له 
ومستسلمة لهذا الضيق والحياة في المستشفى استسلامًا لا جد له أيضا 
كالسجين الذي يتوق إلى الخروج من السجن إلى الحياة والحرية ولكنه 
حين يجد أنه إذا حرج فلن يعرف ماذا ولا كيف يفعل بحريته تلك ؛ 
يستسلم للسجن . يضيق به ويستسلم له ويكاد يجن بين الضغطين .. 


ولم تأت المسألة فجأة .. بل وإلى OW‏ لم تفكر فيها سكينة تفكيراً 





\Vo 


جديا أو تدبرت ما فعلت » ولکنہا هكذا جاءت .. مصمص كانت 
زوجة أحد المعلمين الكبار الذين لا يقل عدد أقربائهم وأنسبائهم 
وأولادهم ونسائهم وبناهم عن اغات باي حال من الأحوال ¢ ولهذا 
كان لا يمر يوم دون أن يزور مصمص لا أقل من خمسة أو ستة زوار . 
يوم العطلاات والاعياد يرتفع الرقم حتى يصل إلى الخمسين ., ركان 
يبدو على مصمص أنها في الوقت الذي تعتب فيه على فلانة الفلانية Wed‏ 
لم تزرها ما يكاد الزوار يغادرونها حتى تلهث تعبا وحتى تغمغم ببرطمة 
لا يفهم منبا سوى الضيق الشديد بالزيارة والزوار » والمسألة بدأت بأن 
راحت سكينة تسأل مصمص عن الزوار إذا قدموا » من هم . وما هي 
درجة قرباهم لها . وماذا يشتغلون » ولم يكن الأمر مجرد سؤال . دأبت 
سكينة على ملاحظتهم بدقة ومعرفتهم بالاسم حتى لتطفح السعادة من 
وجهها حين تقول لمصمص بعد خروج زائر .. 

مش ده كان مصطفى ابن خالتك اللي بيشتغل في السكة الحديد .. 

فتهت مصمص وتقول : 

الله .. وانتي إيه اللي عرفك ؟ 

dee‏ تحس سكينة الناحلة الحادئة الساكنة بسعادة داخلية لا حد 
لها .. غير معقول بالمرة أو مقبول فقد أصبحت جرد أنها عرفت من 
الزائر وخمنته gles‏ تخمينبا بالضبط مطابقا للحقيقة . 

ولكن هذه السعادة » بالتكرار . لم تعد تحدث ووجدت سكينة 
نفسها مدفوعة إلى خطوة أخرى كي تحس بنفس سعادتها السابقة . 


١ لغة الآى‎ 
sls 5 





\v4 


فبدأت تقدم مساعدات وتسرع مثلاً وتحضر كرامي لزوار مصمص ‏ 
أو إذا أرادت الأخيرة أن تعزم عليهم بالقهوة أو الشاي أو الغازوزة 
أسرعت سكينة إلى البوفيه .. تحضر الطلبات بنفسها .. وكانت مصمص 
تأحذ الأمر في أوله باعتبار أنه نوع من الطيبة من سكينة لا أكثر » ولكنها 
بدأت تعجب فعلاً وقد راحت سكينة تقوم بأعمال غير معقولة أبداً 
تأحذ الأطفال من الأمهات الزائرات وتداديهم أو تذهب بهم إلى دورة 
الياه » وتلعب مع الأبناء الكبار وتقول لهذا الزائر .. والنبي وحياتك 
ابقى سلم على BH‏ وفلان وكأنهم أقرباؤها هي .. 

بدأت مصمص تستعجب » ومصمص لم تكن سهلة ولا طيبة ولا 
مسكينة أبداً أنها جهنم الحمراء إذا انفتحت وإذا رأت في الأمر ما 
يريب .. وكانت سيكنة قد زودتها في نظرها كثيراً وبشكل أصبح لا 
تفسير له ولا تبرير » تجلس مع الأقرباء والأصهار طوال الزيارة . ولا 
تغادرهم للحظة EIS‏ منهم وعليهم. يتحدثون عن أدق أمورهم العائلية 
الخاصة فلا تخجل ولا تبتعد . بل AST‏ من هذا تهتم بها وتناقشها مناشة 
التحمس الغيور » وتبدأ الآراء أيضاً .. وتنتظر مصمص على أحر من 
الجمر أن « تحس » سكينة مرة فتقوم أو تغادر الفراش أو على الأقل تولى 
إنتباهها إلى الناحية الأخرى بلا فائدة إذ كانت سكينة لا تفعل eed‏ من 
هذا أبداً » بل تظل طوال الجلسة بأكملها وبعد الجلسة أيضاً تتحدث 
وتعقب وتحاول أن تدخل مع مصمص في أخص الشعون وفي الغويط . 
ومصمص . تكظم وتكظم . فصحيح أن سكينة تتدخل ولكنها تفعل 
هذا وهي راقدة في نفس فراشها لا تغادره . بالعكس أن زوارها هم 


YY 





1¥ 


الذين يجلسون على فراش سكينة وبهذا يعطونها الفرصة للإندماج 
والتدخل .. 

بل تطور الأمر إلى ما هو أكثر وبدأت سكينة تقتدص زائراً أو زائرة 
من الجالسين على فراشها وتنخرط في حديث لا ينقطع معه أو معها بحيث 
تنتبي الزيارة وهم واد كلمة راخدا ازريم ميدن AS‏ 
جاءوا لزيارة سكينة أصلا .. 


ولقد تكرر الأمر مرة ومرة » ومصمص صابرة تكظم إلى أن كان 
هذا اليوم الذي قررت أن تفجر فيه » وهكذا ما كاد آخر زائر في يوم 
الزيارة يخرج ويفرغ العنبر محتوياته المكتظمة كقطار وصل إلى محطة الهاية 
حتى التفتت مصمص إلى سكيئة التفاتة حادة » وقالت بصوت بالغ 
العلو .. 

بقى awl‏ يا .. 

واحتارت قليلاً .. أتقطع العشم والعلاقة والعيش والملح مرة واحدة 
وتقول يا بت يا سكينة » أم تكتفي بنهرها وتقول يا سكينة فقط » فإذا 
قالت لها يا سكينة فيكف تستطع أن تصب علهها بهذه البداية ما يتفجر 
به صدرها الضخم العالي الأسمر من غضب وضيق » احتارت 
مصمص .. وكالبندقية صوبت عينهها إلى سكينة وكأنما لتريد برؤيتها ها 
ete‏ وعنف إنفجارها .. كانت قد قررت أن توقفها عند حدها وأن 
تنذرها el‏ إذا استمرت في اقتناص زائر أو أكثر من زوارها هكذا 
فسوف تمرمط الأرض بزوارها . زوار سكينة إذا جاءوا والعين بالعين 
والسن بالسن والبادى أظلم .. 


1 5 
اى‎ os VI لغة‎ 33 





VA 


صوبت مصمص عينيبا إلى سكينة لتجدها راقدة في سريرها نصف 
مغطاة الجسد تحملق أمامها كمن يجتر ذكرى لحظة سعيدة مرت . 
وفجأة اكتشفت مصمص الجهنمية أن مديدها الذي يكاد يفلت من 
فمها لا معنى له بالمرة . أجل هكذا . في وضمة مفاجئة اكتشفت 
مصمص أن سكينة لا يأتيها زوار ولا يننظر أن يأتيها أحد .. وهكذا 
بعد أن كانت قد استدارت واستدار السرير لاستدارتها وقالت : بقى 
اسمعي يا .. 

وحين التفتت سكينة بدهشة ونوع من الذعر تسأل : نعم يا ست 
مصمص .. لم تغير مصمص رقدتها ولا رفعت عينيها عن وجه سكينة 
.. كل ما في الأمر أن صوتها إنخفض فجأة حتى كاد لا يسمع .. 

وقالت : 

لا .. ولا حاجة .. ده كانت كلمة BIT‏ وعدت .. 


قالت هذا وهي ترمق الفتاة بعينين مشتتتين فوق وجهها . يكاد يطفر 
منهما الدمع .. وظلت مثبتة عينيها فوق وجه سكينة لا ترفعهما وكأنها 
تراها لأول by‏ .. رفعية نحيلة مقطوعة من شجرة .. 


ديسمبر سنة ۱۹7۲ 





v4 


Sie معاهدة‎ 


الأبطال هنا ثلاثة .. لا بل أربعة » إذا حسبنا « المككنة » التي كان 
لها دور لا يقل Pee‏ عن دور الإنسان.. وأول BI‏ هو 
« ماشنسكي » الروسي الذي يسميه العمال في المعسكر ١‏ ماشا ) وهو 
أحمر الوجه فاقع الحمرة » تلك التي تيز وتقف حداً فاصلاً بيننا نحن 
شعوب آسيا وأفريقيا وبين الأوربيين .. والثاني كان « بيل » أو إذ 
أحببت الدقة « ولم » الأمريكي المعضم . ذو القتب والنظارات والجسد 
الرشيق بق النحيل الذي ey‏ طال في المواء لو نفخته . أما الثالث فلم يكن 
بعد أوان الحديث عنه .. أما رابعة الأربعة » المكئة . فهي UT‏ ضخمة 
جداً في حجم البيت الصغير أو أكبر قليلاً ونمنها كذا عشرة آلاف جنيه › 
وأصلها روسي . انتجتها مصانع ليننجراد وجاءت إلينا كجزء من 
القرض . وجاء معها ماشنسكي أيذيرها.ويشزف عليبا ومن أول يوم 
له في المعسكر ألغى العمال والموظفون كلمة ماشنسكي نبائيا واستبدلوها 
بوعي أو لا وعي بكلمة « ماشا» .. eran aan‏ 
هناك ال مدد الس هذا جدأ » قرب حدودنا الشرقية 
على ساحل pall‏ الأحمر . 


ve‏ لغة الآى اى 





وذات يوم حدث للمكنة . مثلما يحدث لأي مكنة في الدنيا أن 
تعطلت ووقف ماشا أمامها يدور حوها ويفتح مفاتيح ويغلق صمامات . 
ويختبر ويجس . وأخيرا نطق وقال للمهندس المصري المشرف عل 
المعسكر ( وهو رجل في حوالي الأربعين وشعره أسود تماما وله كرش 
وکان زمان يعتبر نفسه دون حوار ) قال ماشا بو جه صارم مہتگس : 
إن UW‏ قد كسرت فيها قطعة مهمة جداً » ولا يمكن أن تعمل إلا إذا 
جىء للا بقطعة الغيار تلك .. 
وبقى هو والخمسمائة عامل والخمسون موظفاً وتكنيكيا في إنتظار رد 
القاهرة .. وهدأت الحركة في المعسكر فلا حفر ولا ضوضاء الات ولا 
أصوات مكن . ولا أغاني عمل . لا ثبىء سوى مواويل الحظ والكسل 
تنطلق خافتة من عقيرة حمدان أبو طالب صعيدي فنا القح والمغنى شبه 

هدأوا Oy dary Lager‏ . ولكنه انتظار بلا أمل . فلم يكن أحد مہم 
يتوقع أو يصدق أن الروتين في الم ركز سيحقق المعجزة وأن قطعة الغيار 
ستصل بأسرع وقت کا طلب السيد عبد الحميد في استغائتة .. 
شديد إذ أن قطع غيار هذه GSW‏ بالذات لا توجد إلا في روسيا ودون 
إحضارها من هناك مصاعب نقدية ومصرفية وإقتصادية لا تعد ولا 
تحصى بحيث لا أمل في حضورها قبل ستة أشهر أو سنة .. 


15 





\A\ 


رغم هذا » إلا أن قطعة الغيار أحضرت على وجه السرعة » وجاءت 
في وقت كان المعسكر كله قد جاءه أمر بالاستعداد للرحيل وإنباء العملية 
وقد رأى المركز أن يستغني عن الحفر في تلك المنطقة كلها . 


uf‏ كيف أحضرت تلك القطعة فلا أحد يدري OW‏ ولا أحد 
يدري كيف تسرب الخبر إلى شركة ١‏ إنترناشيونال » الأمريكية ولا 


كيف استطاعت بين يوم وليلة أن تتصل بالمركز وتخبره Yel‏ على إستعداد 
لتوريد قطعة الغيار اللازمة » وني الحال . 


وبين تبييص وطبل وأغان وفرحة وصلت قطعة الغيار إلى المعسكر 
ووصل معها المستر « ولم » أو کا أصبح هو يطالب الذين يعملون معه 
بأن يطلقوا عليه الاسم الذي تعود الناس أن ينادوا به ولم وهو « بيل » . 
ما كاد يظهر المستر بيل بالعربة وفوقها الصندوق الحشبي الضخم الذي 
يحوي قطعة الغيار حتى اعتقد الجميع أن خلاص » المشكلة انتهت » 
وليس هناك سوى بضع ساعات يتم bed‏ تركيب قطعة الغيار ويستأنف 
العمل سيرة . 


وبأنفسهم ذهب العمل وعلى رأسهم السيد عبد الحميد يزفون الخبر 
لماشا الذي لم يكن قد غادر من [abd‏ حجرته . وكانوا يتوقعون أي 
شىء إلا ما حدث » إلا أن يزجرهم ماشا وہب في وجوههم ثم ينطلق 
خارجا ذاهبا إلى حيث قد تجمع حول المكنة عدد كبير من الناس 
٠‏ يحيطونها ويحيطون بيل وصندوقه الخشبي معها . وما كاد يصل حى 
صرخ ماشا في الجميع قائلا : لا .. لا يمكن .. 

— ل اذا يا ماشا ؟ 


35 | 
35 لغة الآى اى 





\AY 


مستحيل أن تصلح قطعة غيار أخرى غير القطع الروسية للمكنة . 
— ولاذا لا نجرب ونرى ؟ 
لا .. لا يمكن . 
وقلت اننا لا نيأس » dey‏ هذا بيغا كان ماشا يرفض ويصر على 
الرفض كان العمال يفكون الأسلاك من حول الخشبة ويخرجون قطعة 
الغيار من الصندوق ويضعونها أمام ماشا قائلين : فلنجرب . 

ولكن ماشا pel‏ على الرفض WE‏ 

إن المكنة السوفيتية لا تصلح لما إلا قطع غيار سوفيتية .. 

قال هذا وهو يشد على كلمة سوفيتية الأولى والثانية . 

وانقضى يوم » وكاد يوم آخخر ينقضي والتوتر لايزال قائما على 
أشده » والعمل معطل LAE‏ » والعمال جالسون القرفصاء ورءوسهم بين 
ركبهم يسلون بعضهم البعض ويضحكون » وكلما خرج ماشا من 
حجرته أو دخل لابد يلمح هذا العدد الضخم من العمال » والظاهر 
أن les‏ قد تغير في تفكيره . إذ فوجىء الجميع به يخرج إليهم قائلاً لأجل 
خاطرهم فقط ولأجل أن يثبت هم أنه على حق وأنه على خط سيجرب 
أمام أعينهم قطعة الغيار الأمريكية .. 

وهاص المعسكر فجأة . 

وكان LY‏ لاختبار قطعة الغيار saad‏ من عقد ( كونسنتو ) 
هندسي من ماشا وبيل والمهندس المصري الختص . موؤتمر ظل ماشا في 


YA 





A۳ 


أوله ينظر شزراً وباحتقار شديد إلى بيل » وبيل يقابل نظراته بعينين 
Lage i”‏ فوهتا مسدسين من مسدسات رعاة البقر في أفلام السيها . ولكن 
الحقيقة أن تلك النظرات لم تستمر كثيراً فسرعان ما أدرك ماشا أن بيل 
يفهم حقيقة الميكانيكا وأن الئاس في الولايات المنحدة ليسوا جهلة کا 
كان يظن » واكتشف بيل هو الآخر أن ماشا الروسي ليس مجرد اسطوانة 
مسجل عليها أقوال ماركس ولينين » Lely‏ هو آدمي أيضاً يغضب أحياناً 
ويثور » وأحياناً يرضى ويبتسم »› ابتسامة صافية جدا كابتسامات 
الأطفال . 


وكان عمل المهندس المصري أول الأمر أن يمنع الاحتكاك المباشر ؛ 
ويلطف الكلمات الحادة » ويقول لبيل : طب امسحها في دقني CUE‏ 
ويقول لاشا : معلشي عشان خاطري » إلى أن بلغ مراده وبدأ الجو 
يبدأ » وبداً الاثنان يتناقشان المناقشة الندسية الخالصة . 

وثبت من المناقشة ومن الاحتكام للمقاسات » ومن التجربة العملية 
أن قطعة الغيار الأمريكية تصلح لتحل محل القطعة الروسية . 

Mes‏ وجه المهندس المصري طرباً للنئيجة » النتيجة التي كان 
مفروضاً أن يسر لها ماشا وبيل » ولا أحد يدري إن كان أمهما قد تولاه 
السرور » إنما الذي لاشك فيه أن أحدأً لم يكن ليستطيع أن يمنع الصدام 
الذي نشب Ve‏ 

فما دامت قطعة الغيار قد أثبتت صلاحيتها فلابد إذن من تركيها 
وتسيير المكنة بها » من يركبها ؟ ذلك هو الصدام المروع الذي نشأ . 


j 5 
os! os Vi لغة‎ v4 





۱۸4 


ماشا يقول : إن GSU‏ روسية وأي تغيير فبا أو تبديل يجب أن يتم 
sips‏ هو . وبيل يقول هذه المكنة كانت روسية وهي الآن وبغير قطعة 
غيار الأمريكية ية جرد كتلة من الحديد الخردة » ولابد له هو أن يتولى 
عملية التركيب والتشغيل . 

ويشور ماشا ويقول لا يمكن أن أسمح لمندوب شركة أمريكية احتكارية 
رأسالية متعفنة أن يعيث فساداً في مكنة ast‏ أيدي الطبقة العاملة 
السوفييتية . 

ويستشيط بيل غضباً ويقرل : أيها الشيوعي ال .. 

وترتفع أكثر من مائة يد صعيدية وبحراوية » أيد مشققة وأيد ناعمة 
مثقفة » تحول بين الاثنين وتطلف الموقف . 

ويعود العبوس العظبم Jat‏ وجه السيد عبد الحميد ء فخلاف ماشا 
وبيل ليس نقمة ولكنه نعمة تهبط أول ما تهبط فوق رأسه . 

وتطور الخلاف وتبودلت الكلمات الراعقة الطائشة حتى عاد 
المعسكر إلى إنقسامه فلازم ماشا غرفته » وجلس بيل جلسة المتحفز أمام 
بابه » ووقف السيد عبد الحميد ينقل بصره بين المكنة المفتوحة البطن 
وبين قطعة الغيار الراقدة بجوارها » وهو لا بحس مطلقاً بالشمس المنصبة 
فوق رأسه . thy‏ ما يستطيع من جهد حاول مرة:أخرى أن يجمع 
ماشا وبيل كي يتفقا ويركب أحدهما أو كلاهما القطعة ويستأنف 
العمل » ولكنه ما كان يجمعهما إلا ليتشادا ويتفرقا .. 


وکل منهما يقف موقفاً lige Ube‏ وكأئما قد استحضر في جسده 





\Ao 


الواحد عناد أمته بأسرها كل طافتها على القتال . أجل .. في تلك البقعة 
النائية من شبه جزيرة سيناء » وتحت لفح نيران حامية تتأجج من صفرة 
الأرض وزرقة السماء » هناك حيث لا حياة ولا جمال » ولا شىء سوى 
الرمل والصحراء والجبل والعمل » هناك حيث المعسكر مقام » كان يقف 
ماشا وبيل وجهاً لوجه » شابان متقاربان في السن » هما نفس المهئة 
وربما نفس الهوايات ولكن كلا منهما مستعد أن يقتل الآخر مثلاً لو 
ظل الآخر على صلفه وعناده .. كل منهما عنيد صلب يريد أن يذبح 
الآخر ويصفي دمه » كل منهما يعتقد أنه على حق وأنه لو تراجع قيد 
إملة US‏ كرامة بلده وشعبه هي التي تتراجع 

والحقيقة أن السيد عبد الحميد لم يكن يقف يرقب المكنة وقطعة الغيار 
وحده » كان يقف معه محيي الدين » أو کا يسميه العمال ١‏ الهس ) وهو 
رغم نهمه الشديد وحبه لالام الطعام » رغم تزويغه من الشغل كلما 
عنت له فرصة إلا أنه دائما جلاب المشاكل » عمل مع ماشا فالتقط 
منه الصنعة وعمل مع الألمان فتعلم الميكانيكا ور ها Ships‏ ان 
يفك الخط . ولكنه كان يقرا الصحف بمهارة » متحمساً gel,‏ . مبتور 
pal‏ الأيمن غزير العرق » شعره أكرت قد أصبح له لون الصحراء 
الأصفر من كثرة ما علق به من تراب وغبار . ولكن أحداً في ذلك 
الوقت م يكن يلقي بالا كثيرا إلى امس أو إلى السيد عبد الحميد » 
فالجميع » حلقات » حلقات » مشغولون بتتبع أخبار المعركة الدائرة بين 
ماشا وبيل واخر أنواع الشتائم التي كان يطلقها كل مما خلف الآخر 
وأمامه .. وعدد صفائح البيرة التي يقذفها ماشا » وعدد جرعات بيل . 


۳ لغة الآى اى 





1۸٦ 


واستمر الأمر هكذا » طيلة اليوم ) وحتى غربت الشمس . وجزءا 
لا بأس به من الليل . 
وني الصباح فوجىء الجميع بشىء لم يكن يتوقعه أحد .. فوجموا 


بالمكنة » منذ الصباح الباكر . تدور وقد ارتفع صوتها وتوالت تكتكاتها 
تشق عنان السماء . 

كان النمس » على ضوء كلوب » وبمساعدة زميل له » قد قام » من 
وراء بيل وماشا ومن وراء الباشمهندس » في الليل » بتركيب قطعة الغيار 
الأمريكية والتصرف في أجزائها وصواميلها حتى طابقت LUE‏ المكنة 
الروسية . 

وعلى صوتها هب الجميع من النوم غير مصدقين . وتجمعوا بعيون 
نصف مغمضة يرقبون المكنة الدائرة وججوراها الفس وعلى وجهه الطويل 
ترتسم إبتسامة ظفر عريضة والزيت يقطر من سواعده وجبيته ويديه . 

ومن بين الوجوه » مئات الوجوه » تطلع ماشا إلى بيل » وبدا من 
lag te‏ المتبادلة كمن سيوشكان على الإنفجار ضحكاً أو غيظاً . 

© © © 

وظلت المكنة بعد هذا تدور . وإلى الآن وهي لاتزال دائرة . نصفها 
أمريكي ونصفها رومي » والذي يديرها هو الهس بعينه وسمرته » وبنصر 
يمناه المبتور . 


ديسمبر سئة ١9517‏ 


۳۲ 





\AY 


قصة ذي S pall‏ النحيل 


في مثل هذا الأوان ( بصوت واهن كأنه الحفيف غير مبال باهت » 
محدود ) .. بدأ كل شىء وكانت المشكلة دائمة أن يبدأ كل شىء » 
مشكلتي ومشكلة زوجتي والآخرين › سأتحدث بالتفصيل عنهم . كنت 
هناك وكانت الدينا ليلاً أسود يخيف » مليئاً بالأشياء التي تخيف .. هناك 
كلام لابد أن أقوله لأي أحد » لابد أن يعرف واحد على الأقل كل 
شىء المهم كل ثىء . 


نفس العمارة » عمارتنا التي نسكها OW‏ » قلت لسايس الجاراج 
والبوابين كل شىء » ووعدوني هم أنهم ساعة ما يرونهم سيخبرونني بكل 
شىء » بالتفصيل كل شىء . السكان القاطنين فوقنا كويسين وعرفنا 
نتفاهم بسهولة » إنما السكان اللي تحت » تحتنا » ناس كتير ساكنين في 
الشقة الواحدة ييحي خمسين نفر » كتير قوي زي الل لو شفت عنيهم » 
Ope‏ غويطة إذا بصيت bad‏ تغرقك وتبلعك » وبقهم واسع قوي يبلغ 
البطيخة ييلع كل شىء » إا أصلهم عمرهم ما شافوا نفسهم أبداً » لو 
شافوها مرة واحدة كان حلاص انتہی كل شىء . 


شكسبير في روايته بيقول العين ترى كل شىء ولا ترى نفسها . ما 


i 3‏ 
vy‏ لغة الآى اى 





\AA 


عيني أنا بتشوف كل حاجة . كانت هي اللي شافتهم . أول عينين 
شافوهم . ومن ساعتها وفيه قدام عيني ضباب كتير كثيب زي ضباب 
الصيف في يوم حر » ما أعرفش ليه ما اتخنقوش من الضباب » بالعكس 
كانوا بيستخبوا مني فيه . حاولت استرضاهم بعت لهم زوجتي يعني 
.. شتموها . دول ولا كأن البلد بلدهم لوحدهم .. أصلنا أتاكلنا أونطة 
واحنا حلاص بننتبي وکل يوم عامل زي ما يكون بيقطع فينا كل يوم 
حتة لما ح بيجي اليوم اللي ما يفضلي فينا حاجة . وبيسلطهم علينا وكل 
يوم تأميم » هم سمعوا حكاية التأيم دي وخرجوا لك من الضباب 
وحاصروني . عايزين مني إيه ؟ ما تعرفش » ما عندهم البلد واسعة 
وغنية قوي لو Wyle‏ نبيعها تتباع بكام » بمليون مليون مليون مليون › 
Uf‏ دلوقت مصر دي ما تساويش عندي حاجة أبداً .. سرقوها 
ده فيه أسرار كتير قوي بس مش قادر أقول كل حاجة . أنا حاولت 
كتير معاهم بالذوق ALY‏ مافيش فايدة » عايزين كل حاجة حتى ابني 
كانوا onde lh oy ple‏ لولا وديته عند عمته في مصر الجديدة . 
ضحكوا على الخدامة وبنجوها وجت لنا مببجة إما سابتوش بالزعيق 
دور وبالمحايلة دور كانت النتيجة أنهم قالوا على اللي قالوه . ولما حصلت 
الحكاية كنت أتوقع طبعاً إن مراتي تقف جنبي » تلاتي عيلة مرائي حد 
منم مسلطها علي .. طبعاً كان لازم deh‏ موقف » أما تبقي معاهم 
وأما تبقى معايا .. للأسف ده يحصل منها .. جايز يكون حد من عندنا 
اتهمهما بأنها السبب في الحالة اللي أنا bad‏ دي وجه رده عليها خلاها 


۳٤ 





۸۹ 


تتنرفز وتأخذ الجانب التاني . وكل اللي بيحصل LS‏ ده من غلطنا إحنا 
دي ولا كانوا جابوا سيرة للملكة فريدة » أصلها ساكنة قدامنا وعمرها 
ما ظهرت لنا وشفناها فاية الداعي يشركوها في الموضوع .. وأنت 
عارف بقى .. أطلع ألاقههم مراقبين .. ادخل عينيهم ورايا .. أصل عينههم 
صعبة قوي وخصوصاً عينين السكان التي تحت دول . كل عين WES‏ 
ماسورة بندقية والنظرة مها بتيجي منشنة تمام في الصميم .. مش ام 
الحسد يعني .. حسد إيه .. كانت تبقى أهون .. ده فيه حاجة تانية 
أكثر م الحسد كتير .. حاجة زي النار لما بتولع بتفضي على كل شىء 
.. لما ظهرت الحكاية وأتاكدت أن الملكة فريدة ماماش ذنب بره 
ا موضوع حالص وإن اللي تحت هم اللي كانوا ملفقين التهمة » أحويا 
Lily‏ لازم نسلم ونعزل . 

قلت له مش ممكن ببزمونا .. أنا لا يمكن أعزل .. أنا شاب في 
الأربعين إنما خلوني شيخ في الفانيين .. نعزل ليه .. ونهزم نفسنا بأيدينا 
ليه .. مش كفاية هو علينا .. هو فاكر نفسه كل حاجة .. هو فاكر 
إن أي حاجة عايز يعملها يقدر يعملها هو فاكر إن الناس رغيف عيش 
يفضل يقطعه بالسكينة حتة حتة لغاية ما Galt‏ عليه » هو ple‏ يعمل 
مننا بني آدمين زي الحيوانات من غير إرادة ممكن يسوقها زي ما هو 
عايز » بيسلطهم علينا ve‏ السكان اللي تحت بيسلطهم علينا ويراقبونا 


ویاکلونا بعینم م أكل » عينيهم سوادها كله جوع ويياضها أسود من 


vo‏ لغة الآى أى 





4٠ 


سوادها .. أنا بأرفض tte‏ » أنا إنسان لي كيان وعيلتي ولي أرضي 
حتی لو the » La gt‏ بتاعتي 8 


أنا حاولت كتير أتجنببم وقعدت على طول في البيت عشان ما أقابلشي 
حد فيبم طالع السلم واللا في الاسانسير . أصل لا حد منهم كان ييص 
لي كنت بحس الي بغرق وغرقان لشوشتي في نار سوده جوه عينين ثابتة 
زي عينين cdl‏ أسأل بتوع الجاراج يقولوا لك . بقوا يجيبوا سلالم 
حبل علشان ينطوا علينا من الشبابيك فسمرنا الشبابيك » وبقوا ييجولنا 
من تحت عقب الباب فبقيت أحط أكياس رمل ورا الباب وأحط الكنبة 
كان عشان ما يقدروش يزقوها » لما ليقوا مفيش فايدة بقوا يسلطوا علي 
القرجي يديني الحقنة وكانوا يدوبوا مية عينههم فيها ويحقني بها في العضل 
أقوم أحس بعد كده بيهم » هنا » جوايا » وأخرتها قالوا لكل الناس اني 
عيان » والناس صدقوهم تصور المصيبة الناس تصدقهم وتكدبني UF‏ 
كل الناس تصدقهم » حتى مراي أنا تصدقهم وتنفق مع الدكتور أنهم 
يدوني حقنة بنج عشان ما أقاومش » كانوا عايزين يدولي الحقنة عشان 
ما أقدرش أعمل حاجة قدام السكان اللي CA‏ .. خطة موضوعه .. 
وللأسف زوجتي اشتركت بعبط وهبالة فيها .. يخدروني انا عشان دكهم 
يهجموا عليا ويأكلوني . أنا عندي كلام كتير عايز أقوله » كلام pee‏ » 
ده حسر كل حاجة حتى مراتي » عايز أقوله لأي حد » يعرف الحقيقة 
عشان بيجي اليوم اللي كل الدنيا تعرفها فيها لازم حد يعرف إحنا 
قاومناهم إزاي واننا رغم كل شىء ماعزلناش وأن الملكة فريدة ماماش 
ذنب في الموضوع اللي حاولوا يعملوه بينا وبينيم واسأل البوابين وبتوع 
الجاراج . 


۳٣ 





15١ 


أنا زهقت خلاص من محارتهم » بيتهيألي اني أسلم زي أخويا 
وأعزل « واللا أسلم ليه ده يبقى انتصار لهم ويفرحوا فينا » بس أنا 
حلاص بعدوني عنهم ومش قادر ولا عارف أقاوم » تفتکر كل شىء 
اہی .. تفتكر انتبى كل شىء ... صحيح كل شىء أصبح لا شیء . 
تصدقها أنت دي .. هو احنا عقب سيجارة نتشرب ونتفعص ونصبح 
لا شىء » إزاي الئاس حواليه ساكتة وكان ما فيش حاجة حصلت .. 
إزاي بياكلوا ويشربوا وهم مبسوطين .. هم مش عارفين أن كل شىء 
أصبح لا شىء » أنا لسة عندي كلام كتير وخطير ple‏ أقوله بس 
( مستمراً بصوت واهن كأنه الحفيف » غير مبال » باهت »› محدود ) 
لازم حد يعرفه » لازم حد يعرف الحقيقة التي ما حدش راضي يعرفها . 


ديمسبر سئة ١917‏ 


Converted by Tiff Combine 








۱۹۳ 


الورقة بعشرة 


كان صلاح زوجاً » وكانت له إبتسامة » ليست كالإبتسامات الحية 
تولد طفلة طازجة وتتفتح فجأة على الوجه ثم تزول » ابتسامة كانت 
لا تظهر ولا تختفي ولا تولد أو تموت » ولكنها tet‏ على وجهه 
كالمومياء . وكانت بالضبط تعبر عن حياته فهو الآخر يحيا كالمومياء 
امحدطة » أو على الأقل كان هذا رأيه في نفسه » فهو زوج » وهو كمعظم 
الأزواج ساخط على الزواج يحس أن حياته المملة الرتيبة تقعله تميت فيه 
الحياة بالتدريج . 


ولهذا كانت أمانيه , 


وهز duly‏ وحسرات كثيرة تتبعثر من فمه ومن قلبه . مستحيل . 
كيف يحتفل بعيد زواجه من روحية . وكيف بهديها Lead‏ هي التي ۾ 
تفكر في إهدائه إلا الكلمات السامة المنتقاة » والشخطات التي لا رحمة 
فيما ولا عاطفة . 


وهكذا لم تطل حسراته » فقد أعاد العشرة جنيبات إلى الخرانة › 
وأغلق أدراجه » وكان موعد الإنصراف قد حان » فأخذ طريقه إلى 
الباب » والشارع » ومن ثم إلى البيت وهو يحس بمغص حاد يتاب قلبه » 


لغة الآى ١‏ 
۳۹ ی ای 





۱44 


ومرارة Su‏ نفسه » وكأنه ذاهب لقضاء بقية اليوم في السجن المؤبد 
الذي عليه أن يقضي بقية عمره فيه . 

ولكنه طوال الطريق كان يفكر في الورقة ذات العشر جنيهبات » 
والإهداء الذي كتبه علا ويقول لنفسه : نعم .. لابد أن هناك حياة 
أخرى .. حياة dele‏ بالمدايا » والحفلات » والبسمات . 

ومع أنه كان فاقد الأمل في حباته تلك وزوجته » إلا إنه ل يمنع نفسه 
من تمني شىء : أن تكون روحية قد تذكرت الناسبة وأعدت له 
مفاجأة » أو على الأقل استعدت لتحتفل بالعيد . 

غير أن المفاجأة التي كانت تنتظره » أنه لم يفاجاً بجديد . فما أن 
فتح الباب Wb ee‏ صراخ الأولاد » وحتى طالعنه روحية نفسها واقفة 
في وسط الصالة » وشعرها واقف Lead‏ > وهي تحاول أن تضرب ابنه 
الأصغر ع والولد يصرخ » وهي تصرخ والجدران تتهاوى وتستغيث » 
والابواب تتخبط » ورائحة القلي والطبيخ يتعلقون برجليه ويتعار في 
أرجلهم » وألف مشكلة ركارثة ومطالبة لابد تنعظره . 

. وتلك الروجة‎ » ALT خائقة » تلك‎ Lal 

ألا تعرف ما هو اليوم ؟ 


أجل » اليوم » اليوم يوم عشرة واللبان ل Lek‏ نقوده » وبائع الثلج 
والأولاد جنئوني » ولا شىء آخر ؟ لا شىء ألا الهم والغم والدروس 
التي يجب أن تأخذها بنتك قبل الامتحان لتنجح . إنه يكرهها . إنها 
لم تعد امرأة يشتهيبا» ولا حتى صديقة يأنس إليها . ما الذي يربطه 


gs 





140 


بها وكل ما بينهما حرب مستعرة مستمرة وخلاف يتجدد في كل ثانية . 
كل يوم يفكر عشر مرات في طلاقها أو الانتحار » وکل يوم لا يطلقها . 
ولا ينتحر » وکل يوم يفكر في حياة جديدة وزواج جديد » وکل يوم 
لا ينفذ حرفاً واحداً من القرارات الحازمة الباترة التي إتخذها ! كل يوم 
يفكر حتی في خبانتها » وکل يوم لا يخونها . ما الذي يربطه بها » حتى 
الأولاد » إنه يكرههم من أجلها ويكرهها أكثر من أجلهم » ومع هذا 
لا يت ركهم جميعا و ١‏ يبج ) » ولا يتروكونه » ما الذي يبقى هذه العائلة 
السخيفة متاسكة » وكل ما فيها يتنافر مع كل ما فيبا . الخلاف البسيط 
يؤدي إلى نقار والنقار إلى شجار ثم يتطور الأمر ويغادر المنزل غاضباً 
وحين يصل السلالم تخرج منه الزوجة » وتقطع الشجار وتقول : 
— إياك تدسى تشتري البزازة ؟ 


ورج وهو مصمم على ألا يعود ولا أن يشتري البرازة . ولكنه ما 
أن يلمح أجزخانة حتى يتوقف » ثم يتصور خيبة أملها حين يعود بلا 
برازة فيدحل ويشتريها . 

لماذا يشتريها ؟ ولماذا وکل ما بينهما حرب يراعى شعورها » وتراعي 
أحياناً شعوره ؟ ما كنه تلك العلاقة الغريبة التي تجمعهما . 

لاذا يستسلم لتلك الحياة » لماذا لا يبدأ حياة جديدة » اذا لا يبدؤها 

ولكنه لم يبدأ شيئاً أبداً » فقد دحل كالعادة » وحل بعض المشكلات 
وعقد بعضها وتبودلت بضع زغرات وتلميحات وشتام » وتغدى » 


لغة الآى | 
4 ىاى 





van 


وكالعادة نام » وحين استيقظ بعد الظهر كان قد نسى كل شىء عن 
٠‏ مايو وعيد زواجه » والعشرة جنيبات وكلماته المكتوبة فوقها بخط 
انيق . 
© © © 
ومرت الايام » وهو لا يمس بمرورها . فمن يوم أن تزوج لم يعد 


يحس بالزمن وكأنما فقد ذاكرته حتى أنه لا يذكر ماهية نفسه قبل الزواج 
وكانما وعي فوجد نفسه زوجا. 


مرت الأيام وهو دائب الإإحساس أنه يذوب ويذوب » ويفقد ذاته 
ولفسه » حتى فوجىء ذات يوم بشىء «Ne al ba te‏ 


كان يفحص مبلغاً واراد إلى البدك » وإذا به يعار على ورقة من ذات 
العشرة مكتوب على دائرتها البيضاء : إلى زوجتي العزيزة .. بمناسبة عيد 
زواجنا الخامس . 


ولم يكن الخط خطه . 
واحتجر الورقة وظل يقرؤها ويضحك من أعماقه . 


كان أحدهم لا ريب قد ساقت إليه الصدف الورقة التي كتب Wale‏ 
الإهداء فظن أن أزواجاً صالحين يدون زوجاتهم أورقاً كتلك في shel‏ 
زواجهم › ففعل مثلهم > وكانت النتيجة هذه الورقة . 


. يضحك ويلعن الزواج المغفل الذي صدق النكتة‎ Jb 


ty 





14۷ 


وبعد أن انقشعت موجات ضحكه أحس بء كليل «ge on‏ 
فقد ail 4 af‏ بطريقة أو بأخرى قد دع ذلك الررج ‘ aly‏ قطعا 
سكول إل معدا ها Sash lb oe‏ 


غير أنه بمرور الأيام تضاعف ضحكه وتضاعف تأنيبه لنفسه » فقد. 
تبين أنه لم يضحك على زوج واحد فقط » ولكنه خدع كثيرين » فقد 
وجد إهداءات كثيرة مكتوبة على أوراق بنكنوت من ذوات العشرة 
والخمسة والخمسين » وأحيانا — ولم يعد يستطيع كان الأمر عن 
ان لديم 3 الأوراق ٠‏ وحكى 1 القصة وهو NO‏ = 
pl peel‏ نوج ل لام ل تساي قرش اع رامد ده 
بالك بعشرة أو بخمسة أو بخمسين جما . _ 

وأصبحت المسألة مصدراً لا ينضب للضحك » فما يكاد يرد إلى 
صلاح ورقة عليها إهداء حتى يشير بالورقة إلى زملائه من بعيد وكأنما 
يقول : وادي مغفل جديد . 

ولكن عدد المغفلين كار بشكل. أفقد المسألة ما كانت تثيره 
ضحكات Jp‏ کار بشكل gel‏ صلاح a‏ لقد قرأ وما مب 
وكان موجهاً من زوجة إلى زوجها .| 

ال ere‏ 
لابد من التفكير » ما هي حكاية هؤلاء الناس ؟ وهل هي مجرد محاكاة 


۳ لغة الآى اى 





\4A 


لا فعله » أم لابد أن في المسألة [ خطيراً لا يدريه ؟ 


وكان عليه لكي يكشف السر » إن كان هناك سر أن يجرب .. ny‏ 
الفكرة » وأحس لا حماس شديك ve‏ 


كان يوم ٠١‏ مايو قد اقترب » وعام جديد قد أضيف إلى عمر 
زواجه » فلماذا لا يفعلها ويجرب ؟ 


أجل » فليجربها في عشرة جنيبات . ولكن تفكيره ما أن حوم حول 
الرقم حتى هبط حماسه في التو . عشرة جنيبات !؟ إنها تكاد تبلغ ثلث 
مرتبه أو نصفه E‏ 
ولكن » أيصح أن يبدي زوجته جنيها Moly‏ في عيد زواجها . 
ea‏ 
فإنه لا يمكنه أن يبديها عشرة جنات مرة واحدة . فهو لا يبدي 
زوجته » إنه يبدي غريمه » فلتكن خمسة إذن . تكفي خمسة .. إنها كافية 
جدا . 

وهكذا جاء يوم ٠١‏ مايو » وجاءت الساعة الثامئنة منه » وصلاح 
عائد إلى البيت dy‏ جيبه الورقة والإهداء على دائرتها البيضاء حبره لم 
يجف بعد » وكل ما يحسه هو الفرحة لأنه مقبل » في حياة قاتلة الملل » 
على تجربة جديدة » رحب استطلاعه يكاد يطل من عينيه إذ ترى ماذا 
ستفعل روحية ؟ وهل يغمى عليها . 


gt 





۱44 


وكالعادة فتح الباب » وواجه سوق روض الفرج المعتاد » وبعد أن 
تم الغذاء والحساب والعتاب » نادها على حدة في غرفة النوم » ومع هذا 
أصر ابنه المتوسط على عدم مغادرة الحجرة وأمسك بروب أمه واسهات 
عليها . وظل صلاح يتعثر نصف ساعة في كلمات لا معنى لها » ثم حرج 
الورقة ذات الخخمسة جنيبات » ووضع الدائرة البيضاء أمام عينيها لترى 
الإهداء . 

وبدت الصدمة واضحة على ملامحها » وظلت واقفة في مكامما لا 
تتحرك » كان لسانها أول ما تحرك فيها » وأول ما فعله اللسان أن فتح 
له محضرأ طويلا عريضاً . وراحت تسأله وتضيق عليه الخناق لتعرف 
من أين جاء بالخمسة جنيهبات وميزانيته كلها تعرفها بالملم والصلدى 
وقال U‏ أنه استلفها لتخصم على شهرين من مرتبه . ومعنى هذا أن 
ينقص إيرادهم في الشهرين القادمين . وهكذا شبت النار » وبعد لحظات 
قصار أصبح الحديث إتهامات متبادلة » وشتاام وتبديدات » وليمانات 
مغلظة » خرج على أثرها صلاح من الحجرة غاضباً لاعنا تاركاً الجندبات 
الخمسة تنعي من أهداها . 


وجلس في الصالة يغلي وينفخ .. لا فائدة على DALY‏ . إنها حرب 
لا هوادة gb‏ . إنه عسكري في جيش وليس زوجاً في بيت إنه لا عمل 
له إلا الدفاع عن نفسه » والخحرب أدابته وهدته » وأتت عليه › حتى 
العسكري يحظى ببدنة وراحة Ul‏ هو فمعركته لا تتوقف . 

وبينا هو يغلي وينفخ ¢ كان عقله يعمل ويحلم » أجل » لابد أن هناك 
حياة غير تلك » حياة رحبة » لا قتال فيبا ولا She‏ ولا ملل » حياة 


7 لغة الآى os!‏ 





Yas 


مليئة بالبريق وبالرائع الجديد ولا ينقصها سوى الجريء الذي ينبي حياته 
وجبنه وينطلق إلا , 


وبوغت le‏ حين رأى روحية قد خرجث من حجرة النوم ووقفت 
alls‏ على بابها لا تتحرك والورقة في يدها . ورمقها وهو يدعبا . لابد 
أا الآن أطمأنت أن الجنيهات الخمسة لم تضع وأا على أية حال باقية 
في البيت . ولكيلا يلعنها » فقد أصبح يضايقه حتى أن يلعنها » حول 
وجهه عنها . 

غير أنها سألته وهي واقفة من بعيد إن كان جاداً lim‏ في كلامه 
وإهدائه . وطبعاً زفر ولم يجب . ولكنها ظلت تلاحقه بالسؤال » ولأنه 
يعرف أنبا إن صممت على شىء فلابد أن تعرفه ولو فرقعت مرارته 
وحطمت رأسه » فلكي يخلص منها قال لها : 

أيوه يا ستي هدية GA‏ وحفيق ... بمناسبة عيد الزفت الزواج . 


وفوجىء حين وجدها تنخرط فجأة !!. لا ليس فجأة .. فقد 
حدثت في وجهها تغييرات متوالية مضحكة وإنقباضات وانبساطات 
وتجعيدات » ثم إنخرطت في بكاء ضاحك . تضحك وتبكي وتبكي 
وتضحك ¢ وشعرها منكوش » وروبها مفتوح » والولد لا يغادر مكانه 
بين ساقها . 

وأخيراً قالت إنها قد أعدت له هدية هي الأخرى . إه يا ستي . 
ad sly‏ الورقة cay.‏ إهدائه. وجدعا قد eS‏ + إل :زوجي RN‏ 
الغالي المحب ممناسبة قراننا .. من الخلصة جداً زوجتك . 


£1 





وفرت الدموع في الحال من عينيه . لا لأن ما كتبته كان غريباً ولكن 
لأنه صدر منها وبخطها . ما أروع كلماتها . إلى زوجي العزيز الغالي » 
حتى أخطاءها الإملائية > حتى إمضاءها » حتى طريقتها الساذجة في 
التعبير عن نفسها ‏ ولو كانت أجمل إمرأة في العام هي التي كتبت له 
هذا لما بدا أروع من كلمات روحية » روحية ذات الخرابيش والصوت 
الحاد اللافح » إنه شىء لا يحتمل » أبداً لا يحتمل . 


وأخذها على كتفه وقبلها . وأحمر وجهها جداً وهي تقبله » وريا 
كانت هذه أولى قبلاتها له . وربت على كتفها » وربتت على ظهره › 
وبكيا » وتعانقا وکا يضىء البرق فجأة تراحمت الخواطر في عقله . إن 
حياته معها كره في كره وحلاف في حلاف ومواقع أثر مواقع هذا 
صحيح .. ليلة أن صفعها Ste‏ وخربشته بأظافرها وتدشدش طقم 
الشاي » ليلة أن أختلفا حول اسم تامر » ليلة أن إصطدمت بالمرحومة 
أمه » ألف ليلة وليلة من الألم القاسي الممض » . 

العجيب أنه لا يحس شيعا من هذا OW LY‏ » وكأن الأمل في حينه 
يصبح ذكرى بعد حينه فكل ما يحسه OW‏ أنه كان شاباً وأا كانت 
صغيرة وأمبما كانا طائشين » وما أعذب الطيش حين تمضي أيامه ويصبح 
جرد الحظات تستعاد . إن الخلاف ينفر ولكن العجيب أن خلافاتهما 
كانت تقرببما أكثر . والخلاف يقولون أنه يخرب البيوت والخلاف عمر 
بيته فقد كان Ld‏ حجرة واحدة والآن Laue‏ ثلاث » ولم يكن هناك 
أولاد Oy‏ هما أربعة وحين تزوجها لم يكن معه إلا التوجيبية والآن 
معه بكالوريوس » وهي تزوجته وهي مدللة لا تعرف سوى قلي البيض 


٤۷‏ لغة الآى اى 





۲ 


و تخطيط الحواجب والآن بشهادته أمهر خياطة وطباخة » وكانت بالكاد 
لا تقرأ إلا و حواء » لتعرف الموضة وهي OW‏ تناقشه في السياسة وتبزه 

al‏ خاطر عن له » لو كان قد تروج مطيعة لا ترفض له رغبة أو 
طلبا لما تحرك من مكانه وموضعه ولا تحركت هي الأخرى . إنه مغفل . 
أيكون ما يعيش bed‏ هو سعادة الواقع وهو لا يدري . إنه كان يفكر 
دائماً wis‏ طرفي الخلاف ولکنه أبداً لم Sa‏ كزوج لابد له زوجة 
ولا تتم سعادتبما إلا معا » ولا يسعد الشخصان معاً إلا إذا اقتربا احتكا 
وامحتلفا ونتج عن احتكاكهما موجات من الرضا والغضب والسخط 
والألفة والحب والكره . 

أتكون هذه الموجات هي نفسها السعادة التي طال سمعه عنها . 

أتكون كالشرر لا يحدث إلا إذا طرق الحديد بالحديد والحجر 
بالحجر . 

تلك المرأة التي يضمها بين يديه OM‏ » رفيقة العمر » التي صاحبته 
لحظة بلحظة وساعة بساعة » لابد أنها كانت تقامي مثله » وكانت 
تكرهه مثلما يكرهها » وتحملته مثلما تحملها . وكل ذلك قد مضى › 
ويمضي » ويصبح ذكريات أهم ما فيها أا مرت وطعمها الآن من طعم 
العمر المولي ألذ وأطيب وأمتع طعم . إنها OM‏ بين يديه ضعيفة › 
مستسلمة قد أسعدتها هديته البسيطة إلى درجة البكاء والنشوة . 


ألف خاطر وخاطر » وعاطفة قوية مبهمة تتفجر في نفسه » وإعزاز 


£A 





۳ 


غریب مفاجىء لروحية يكتشف أنه Ne‏ صدره . ایکون کل ما کان 
بينہما من خلاف Candy‏ وكره هو الحب » الحب الأكبر . أكان من 
حمقه يحلم بالحياة السعيدة الأخرى والحياة الأخرئ هو فيها » ويفكر في 
المجرة إلى Lio‏ جديدة وهو يغمض عينيه عن دنيا الحقيقة الجديدة ويقول 
أنبا إنباء حياته الخاملة تلك في حاجة إلى شجاعة » والشجاعة هي أن 
يتقبل حياته هذه ويؤمن أن روحية زوجته والأولاد والبيت بيته هو 
دعامته والمسغول عنه . 

il‏ خاطر وخاطر» وها واقفان » بين دهشة الأولاد » متعانقان 
وكأمما كانا غائبين لعشر سنوات مضت » وكل هذا بغلطة » بلفتة › 
بنكتة » بكلمات قليلة على ورقة . 


ولم تكف أوراق البنكنوت ذات الإهداءات عن الورود لصلاح ؛ 
مكتوبة على أوراق من فة العشرة والخمسة والجنيه والخمسين قرشاً بعض 
الأحيان . وكلما قرأ صلاح الإهداء » وتأمل اللحظة التي لابد سبقته 
واللحظة التي أعقبته » كانت سعادة غامرة SE‏ جوانحه » وكأنه قد 
اخترع إختراعاً للسعادة البشرية أو اكتشف BLS]‏ ؛ ولفرط سعادته 
باكتشافه حاول ذات يوم أن يبدأ في عد الأوراق ذات الإهداءات Byrd‏ 
کم من السعادات تسبب فيها وأحدثها . 


ولايزال صلاح إلى الآن يعد ) ويبدو أنه لن يتوصل Lal‏ إلى معرفة 
الرقم الصحيح » فالأوراق لم تكف أبدأ عن الورود . 


يداير ۱۹۵۷ 


$4 لغة الآى sl‏ 


Converted by Tiff Combine 








فوق حدود العقل 


دونت الاسم والسن والمسكن مرتين by‏ صفحتين متقابلتين کا 
تقضي التعليمات » ولم يكن قد بقى سوى سؤال واحد أو سؤالين عن 
سلوك الشاب » وأوقع » وينتبي الأمر . ولكن الأمر في ذلك اليوم لم 
ينته أبداً .. إلى الآن » وأنا لا أعرف ماذا حدث بالضبط وجعلني أشك 
.. كانت وقفة الشاب عادية .. نفس الوقفة التي وقفها قبله كثيرون › 
والتي أعرف أن كثيرين غيره سيقفوتها .. نفس النظرة الذاهلة الباحفة 
عن لا شىء .. 

سألت .. بصوت ضجر » وأذن متعبة » وعقل كان عليه Wal‏ أن 
يتلقى الكلمات الكثيرة وينقيها من الضجة ؛ ويترجهما إلى إصطلاحات 
ميلا على قلمي المشروع ليسد بها الخانات وينتبي كل شىء .. 

سألت : ما الذي فعله ؟ وجاءتني الإجابة .. قام في الليل وأمسك 
بالسكين وحاول ذبح زوجته التي لم يدخل بها إلا من أسابيع . وحين 
حاولوا منعه كاد يفتك بهم » تغلبوا عليه وأخذوا السكين منه .. إتجه 
إلى النافذة يريد أن يلقى بنفسه مها » فاضطروا tim‏ لتكتيفه وضربه 
والإستغاثة بشرطة النجدة . 


7 لغة الآى اى 





الملا 


وتوقف القلم وعدت أسأل : متى ؟ .. منذ بضع ليال » وبدأ القلم 
يضيق بوقفته التي طالت دون أن يسد خانة .. وقلت أخيراً : ليس هذا 
بكاف .. هل تكررت أعماله هذه ؟ هل فعل شيئاً آخر ؟ .. وجاءتني 
الإجابة : 


— يوهوه ... كتير .. يقوم في الليل ويظل يصرخ ويوقظ الجيران 
ويتصور أشياء لا وجود لها .. يعتقد أن إخوته يتامرون عليه ويريدون 
انتزاع أرضه التي ورثها عن أبيه » وكثيراً ما يكلم الهواء على أنه الأب 
الذي مات من عام ويشكو له هذا الأخ أو ذاك .. 

بارانويد شيزوفرينا .. جنون الإضطهاد .. هكذا خمنت » وكتبت » 
وأحكمت الحيثيات .. وآخر ما كان قد تبقى ليصدر حكمى بتحويل 
الشاب إلى مستشفى الأمراض العقلية » ونقله من خانة العقلاء إلى خانة 
المجانين .. سوال » محرد سوال واحد ألقيه على ( المتهم ) بمرضه » للتثبت 
من التشخيص لا أكثر » ولكي يطمئن ضمير القاضي الذي في . 
 .‏ صحيح كنت ple‏ تقتل مراتك ؟ 

ولم تأتني إجابة ما » وسألت مرة أخرى » وجاءت de‏ .. إجابة 


ليست غير متوقعة » فما أكثر ما SU‏ إجابة المجانين على هيئة بكاء . 


ورفعت عيني » وكأنما إيذاناً بانتهاء الجلسة .. كان الوضع لم يتغير 
.. حجرة مفتش الصحة في المكتب البالي الحافل بالإزدحام والضجيج › 
الباب نصف مفتوح يطل منه وجه التومرجي تزاحمه عشرات الوجوه » 
والكنبة البلدي بملاءتها الدمور » ولوحة GAS‏ النظر التي حال لونها 


oY 





۰¥ 


واصفر وأصبح بنياً بارزة من ركن الحجرة .. كعلم مرفوع بالتسلم 
والاذعان لوطأة الرمن i‏ 

وف الوسط LE‏ .. كان الشاب نحيلاً في « قميص الكتاف » القذر 
الواسع » مقيد اليدين بأكام القميص الطويل من الخلف › وبجواره 
العسكري المعهود » فلابد مع كل مجنون يرسله القسم من عسكري » 
ولكنه هذه المرة طويل » مهيب الطلعة أنيق البزة » يصلح ليكون على 
رأس قره قول شرف .. أو ليتقدم موكب المحمل .. 

تأملت المشهد برهة . ثم قلت : خذوه .. 

قلتها وأنا حزين » نفس الحزن الذي يروادني لثانية في كل مرة تخرج 
من فمي الكلمة » حزني على دنيانا التي فقدت عقلا » وما أشد حاجتنا 
إلى كل عقل . 

تكاسل الشاب قليلاً » ودفعه العسكري بغلظة غير عادية . واستعد 
التومرجي وفتح الباب » وتراجعت الوجوه › وكادت الحجرة تخلو 4 
لولا أني تذكرت الخانة التي كنت أنسى ملعها دائماً » الخانة التي يقيد 
bd‏ اسم قريب المريض الذي أدلى بالمعلومات عنه » وعنوانه . 

وقلت : استنى .. فين قرايبه ؟ 


وجأر صوت عيد التومرجي » كالمبلغ في صلاة الجمعة الذي يعد 
كل ما يقوله الإمام : 
استنى .. فين قرايب المريض ؟ 


os! لغة الآى‎ oy 





وسأل العسكري : 


س حضرتك ple‏ قريبه مين ؟ 


ل قرايبه اللي كانوا بيقولولي على مرضه دلوقت .. 
أنا اللي بقول لحضرتك .. 
أنت قريبه ؟ 
أنا أخوه .. 
أخحوه ؟! 5 
مرة ثانية رحت أنظر إلى العسكري . وأخيه المريض › ولا أكاد 
أصدق .. 
ت انك ol‏ صحيح ؟ 
أنا ح أكدب يا دكتور .. الكرنيه أهه شوف سيادتك .. 
في الواقع لم أعد السؤال للتأكد » أعدته فقط لأسكت إحساساً 
حقيقياً بالشفقة » لا على المريض Wy‏ على أخيه .. إن الجنون هو المرض 
الوحيد الذي يمرض فيه الشخص ويحس آلام مرضه الآخرون .. أن 
الجنون لا يتعذب » العذاب يحل بأهله وأقربائه وذويه .. فهذا 
العسكري » تراه 5 تألم وهو يستصحب أخاه إلى القسم مجنوناً » ثم 
وهو يمضي أوراقه من الرؤساء » ثم وهو يقف أمامي يحكي بلسانه ما 
فعله ويدلل على جنونه » ويعريه ؛ خاصة وهو لم يكن عسكرياً Yale‏ 
إذ اكتشفت أن على ذراعه أشرطة أربعة كان واضحاً أنه مهتم بها » 
وبمركزه .. وقد صنعها من حرير أحمر أنيق .. 


64 





۹ 


ولكن إنسانيتي لم تستغرق سوى لحظة » عدت بعدها أطمئن على 
الروتين .. فالمفروض ألا يرسل المريض مع أقربائه . لابد من عسكري 
يوفد الحراسته » حتى لو كان قريبه ضابطأ أو شاويشأ .. الروتين هو 
الروتين . 

ومن بين الوجوه الكثيرة المتزاحمة على الباب » برز وجه ما لبث أن 
أصبح له جسد رمي أسود » وبندقية » أعقبتها خبطة قدم » وتحبة › 
ولم يكتمل الروتين إلا بتأنيبه » وإلا باعتذاره لم يكسر القاعدة وينتظر 
بالخارج إلا بناء على رجاء من الأخ الباشاويش . 


Gere, —‏ يا دكتور نمشي ؟ 


قالها الأخ متردداً »> محرجاً » وكأنما يستعجل مغادرة الحجرة وإنباء 
الموقف .. ولكني لم أكن معه » كنت أحدق في eM‏ المريض الذي 
بدأت ألحظ عليه أشياء .. كان في وجهه ورقبته كدمات واثار ضرب » 
ورقبته بالذات كانت بها عضة واضحة اشتركت في صنعها قواطع 
وأنياب » ولم يكن قد كف عن البكاء .. 


ووجدت نفسي أسأله عما ببكيه » وأنتظر إجابة من الإجابات 
المريضة المعتادة .. ولكنه إزداد بكاء ولم يجب .. وأعدت السؤال ؛ 
وأيضاً لم يجب » رفع رأسه وبجانب وجهه ألقى على أخيه الشاويش 
نظرة » إنفرطت على أثرها دموع كثيرة من عينيه بلا كلام .. ووجدت 
نفسي أنظر uf‏ الآخر إلى الشاويش .. ودهشت قليلاً حين وجدته 
يصوب أشعة محمية من عينين واسعتين مبحلقتين » وكأنما يأمر با أخعاه 


! نة الآى ] 
sé‏ لغة الآى اى 





1۰ 


أن يكف عن البكاء » ويكف عن النظر إليه . 

ومرة أخرى وجدت نفسي أسأله عما يبكيه » وهذه المرة أيضاً لم 
يجب .. غير أنه بلمحة جانبية حاطفة ألقاها على أخيه سكت 6 وعاد 
ينكس رأسه إلى الأرض . 

وأحسست » رغم الصمت المستتب » أن الجو مشحون .. وأنني أنا 
الآخر oly‏ أنتبه ؛ وأتفرس » وأحاول أن أستخلص من الصمت سره . 

وفجأة التفت المريض كلية إلى أخيه الشاويش وقال : 

خذ الأرض يا أحي في ستين داهية .. هات عقد البيع دلوقت 
Ul,‏ أمضي لك عليه » إنما بلاش تببدلني كده يا بدري وأنا أخوك .. 

وكف عن البكاء » وخفت أن يكون ما قاله مقدمة لنوبة » وما أبشع 
نوبات مرضى الإضطهاد .. Ue]‏ النوبات التي يقتلون فيها ويعتدون 
ويصبحون کالوحوش الهائجة التي لا يوقفها foe‏ مهديد » حير ما 
تفعله dee‏ أن تقتنع بكلامه .. وتجاريه » وقلت : 

— هو yl‏ يأخحد أرضك ؟ 

وبإنفعال حقيقي © كانفعال البشر العاديين » وجدت كل ذرة من 
من جسده تنتفض داخل قميص الكتاف » وصدره AK,‏ يمرق القماش 
صاعدا هابطأ لاهثاً وهر يقول : 


س ذه يأ بيه ty gol‏ ابن أمي وأبويا 3 وأبويا مات وساب لا لسع 
قراريط » واحنا ثلاث أخوات .. بدري دهه اللي بيشتغل شاويش 


ه٦‎ 





وبياخد له ste‏ عشرين جنيه من الحكومة » وواحد ul, › gb‏ 
الصغير .. كل واحد منا نابه تلاث قراريط !! ليه وليه إلا بدري أخويا 
عايز ياخحدهم مني عشان يبقى حداه ربع فدان » ow Sh‏ أشهر 
وهو كل يوم يبددني ويضربني وآخحرتها عايز يوديني السراية .. عشان 
يستولى عليهم .. كدة يا بدري .. روح يا شيخ الله يساك .. 

كان بدري قد هم أكثر من مرة أن يقاطع أخاه » ولكني باشارات 
قاسية كنت أزجره وأرغمه على السكوت » وما كاد أخوه ينتبي حتى 
إنطلق كالبركان المتفجر يقول : 

س بلاش فضا يا محمد .. كفاية بقى الحتة ”كل يوم تتفرج علينا .. 
جاي هنا کان عايز تفرج علينا الدكتور .. 

ثم إلتفت إلى كمن لا حيلة له قائلاً : 

أهو زي ما أنت شايف كده يا بيه .. كل ساعة على ده الحال 
.. للا أنا نفسي قربت أتجنن .. 

وسالته : 

— وحياة سعادتك ولا سهم .. حتى اسأل مراته .. يا فرحانة .. 
يا فرحانة .. تعالي هنا .. 

ودخلت فرحانة 5 كالعروسة الحلاوة الملفوفة في ملاوة من ورق 
سولوفان » لا يخفى بقدر ما يظهر ويجمل ويجعل الريق يسيل . 


ov‏ لغة الآى اى 





1۲ 


— هو صحيح بيعمل الحاجات اللي قال عليها أخوه ؟ 

قلت هذا وأنا أتفرس فيها » وأعجب بيني وبين نفسي لزوجة يجن 
زوجها ويمرض » وتذهب معها إلى مكتب الصحة بهذه الحواجب 
المرسومة والروج الموضوع بصبر وأناقة والبال الحالي .. الخالي حتى من 
نظرة تلقها على الزوج المريض .. 

يا بيه .. أنا في عرضك .. دي مش مرائي .. دي مراته هوه .. 

هنا فقط التفتت إليه ودبت على صدرها بيد مثقلة بالغوايش واخواتم 
قائلة : 

هي حصلت يا محمد .. بقى ماتناش عارفني OF‏ .. اخحص 
عليك . 

— والله ما هي مراتي يا ناس .. مراتي حابسينها في البيت وجايبين 
دي تعمل dhe‏ .. يا بدري أنا ف عرضك إن كنت عاوز الأرض 
خدها .. هات العقد وأنا أمضي لك عليه .. 

ولدهشتي ee‏ وجدت بدري tly‏ کلامه جداً » ويلتفت إليه قائلا . 
بعينين ناريتين : 

أرض إيه يا بني اللي أخدها 57 ماربك غانيها من غير أرض .. 
أنا بتاع كلام من ده .. 


مه 





1۳ 


وربما كلامه هو الذي شجع الزوجة ودفعها OY‏ تقول : 

أرض إيه يا محمد اسم الله عليك .. عقلك يا خويا أحسن من 
ستين أرض .. مش عيب تقول على أخوك كده .. ربنا يشفيك .. 
يا بيه ده موتني م الضرب ليلة إمبارح .. أنا راجل كلوباتي على قد 
حالي وهوه شاويش في البوليس وعخوف الحتة .. وعاوز يأحذ التلات 
قراريط بالقوة .. ياخحدهم ياخدهم .. بس بلاش توديني السراية وأنا 
مضروب يا dle‏ وجسمي مكسر .. إتفضل شوف .. 


— والله يا بيه أنا ما ضربته ولا مديت إيدي عليه . ده حصل وإحنا 


بنحوشه وهو رافع السكينة على مراته دي .. ده طول الليل قاعد مبربد 
في نفسه ومطلع عنينا معاه .. كده واللا لا يا فرحانة ؟ 


وهزت فرحانة رأسها Ky‏ وأخرجت من صدرها منديلا صغيرا 
أبيض جففت به الدموع . 


وبدأت الحجرة تمتىء بالضباب .. أتفرس في وجه الشاويش فأجده 
ضخم الجسد » ناصع البدلة مدبب EM‏ » صاعق النظرات » أشرطته 
الأربعة نافرة على كتفه نكاد تضىء بنور أحمر وهاج » وبجواره أخوه 
الصغير » ملفوفا كرطل العظم المشفي في خرق بالية وقميص كتاف . 
وبينهما فرحانة تبكي BA‏ وتدنب Ube‏ لا يعرف صاحبه . والعيون 
كلها زائغة لا فرق بين One‏ بدري العاقل أو محمد الجنون والأعصاب 
مشدودة والحقيقة قد بدأت تضيع » حتى من العسكري الواقف يحرس 
هذا كله ويحمي القانون ومني أنا صاحب أسوأ موقف الوحيد من بين 


وه لغة الآى اى 





4 


الحاضرين جميعاً » الذي كان عليه أن يقرر » في دقيقة أو جزء منها ؛ 
أين یکمن GH‏ » ويحكم بين oa gel‏ لم يرهما إلا منذ دقائق » وکل منهما 
يكذب الآخر ولابد of‏ أحدهما على الأقل كاذب والآخر إما مجرم أو 
مجنون .. وبداً شىء يبرز وسط الضباب .. ول يكن tae‏ .. كان رجلا 
ارتفع صوته بالخارج » قائلاً للتومرجي : أوع .. ثم ما لبث أن اقتحم 
او sel ag See tp say op‏ سم ابن 
وطويل » وعلى صدره كوردونات خضراء كتلك التي يرتديها حرس 
مجلس الأمة أو الوزراء لا أعرف » وكان شاحب اللون يلهث 6 وقبل 
أن يلتقط أنفاسه بدأ يتكلم » موجهاً كلامه للأخ الشاويش الأكبر 
قائلاً : 

بقى كده يا بدري عايز تعملها وتودي محمد السراية .. الله يلعن 
أبو الأرض .. دول تلاث قراريط يا بدري تعمل في أخوك كده 
عشانهم . 


وقبل أن أسأله عمن يكون .. تطوع هو بتقديم نفسه قاثلاً إنه الخ 
اثالث الأوسط » وإنه due ele‏ قلبل أن بدري قد أستص حب محمداً 
بالقوة ليدخله السراية » فجاء يجري لمنع الجرية . 

وبكى » وضايقني بكاؤه » وصرحت فيه ماذا ييكيه وهو الراجل 
الوافر القوة والقدرة » وإذا به يقول 

A‏ ما يغركش يا بيه .. أصل th‏ أعصالي تعبانه شوية » واتعالجت 
عند الدكتور ناشد فهمي المدرس بتاع الأمراض النفسانية في الدمرداش . 


a 





10 


قلت في سري : المسألة إذن ورائية .. وخيط الجنون يسري في 
العائلة » وال 

chef —‏ حصل لي إنهيار في أعصابي .. أصلي قتلت مرة حرامي › 
ومن يومها وأنا بدوخ وكل ما أشوف بندقية نفسي تغم عليه .. 

ولابد أن روح الهزل هي التي تستبد بنا أحياناً .. فقد وجدت نفسي 
أنسى الموقف تماماً » ولا يعود يهمني سوى حالة هذا الأخ الأوسط الذي 
بدأ يرتجف أمامي ويبتز » وأكاد أضحك كلما قارنت بين جسده الضخم 
المهيب وصدره العريض الحافل بالكوردونات وبين ساقيه المرتعشتين 
والدموع السائلة من عينيه » ولم أكن قد رأيت قاتلاً يعترف أنه قاتل 
من قبل » بل لم أكن أتصور أن يحدث للعسكري إذا قتل لصا كل هذا 

وسألئه » وأجاب : 
— أصلي كنت عسكري داوريه وبعدين شفت حرامي بيكسر BSS‏ 
لما شافني جري » ضربت طلقة في رجليه أهوشه ما وقفش » فضربت 
في المليان oli‏ جت في ضهره ومات وفضلت واقف جنبه لا النهار 
طلع وخادوني ع القسم .. وبعدين بقيت أهلوس في الليل ؛ وماأرضاش 
أطلع دوريات قعدوا يجازوني وبعدين لما لقيوا ما فيش فايدة حولوني 
ع المستشفى وخحدت VY‏ جلسة في مخي على daw‏ ونصف . 


وبدأ يمد يده في جيبه ليخرج الروشتات وأوراق العلاج ولكني لم 


1 ry 
ىف لغة الآى اى‎ 





Yi" 


أكن في حاجة لأدلة أو إثبات ودهشتي الأولى كانت قد خحفت قليلاً > 
وبدأت أعود إل القضية المعلقة أمامي في انتظار الحكم . وطلبت من 
القادم الجديد رأيه فيا » ويداً الأخ الأكبر بدري يحمج ويقول : 

س يا دكتور ما تسمعش كلامه .. ده مهفوف ومتضايق مني عشان 
أنا gal‏ منه ومابرضاش أديه فلوس عايز يلبسني تهمة يا دكتور » هو 
ده معقول أدعي عل أخويا أنه Opt‏ .. 

ده أنت تعملها .. وتعمل أبوها » .. دانت مجرم .. اقسم بالله 
أنك مجرم .. يا بيه .. 

والتفت الأوسط إلي شارحاً كيف مات أبوهم وترك هم القراريط 
العسعة وكيف أن أحاهم الأكبر هذا جيل أناني جشع يستولي على إيجار 
الأرض ويريد أن ينترع ملكيتها وكيف أنه يضع lll‏ فوق الملم ويحرم 
نفسه ويقتات بالملح والفلفل حتى يجمع تمن فدان » Ty‏ مرة حلف 
بشاربه وبتربة أبيه أنه لن يرجع حتى يصبح مالكاً لرمام فدان » وكيف 
أنه استغل ضعفه وضعف أخيه الأصغر محمد ليفرض عليهما جبروته 
وسلطانه . 

وإحنا التلائة عايشين في بيت واحد » كل واحد واخحد أوضه هو 
ومراته وولاده » ومحمد لسة مجوز جديد» وبدري ده محتل الصالة 
- بالعافية » ويبقى الفطار عنده ويسيبه ويجي يقعد بالقوة يفطر مع واحد 
فيئا عشان يوفر » وما يبون عليه يشتري باكو شاي Wy‏ بقرش سكر 
ولما يشم أن واحد فينا عمل شاي بيجي يستولي على البراد بالرزالة .. 
وأخرتبا عاوز يودي محمد في داهية عشان يتعين وصي عليه ويلهف 
العلاث قراريط .. 


vv 





Y\V 


ومرة أحرى بكى » ونظر إلى أخيه محمد وهو Su‏ » فبكى محمد 
هو الآخر» وتصاعدت من حناجرهما أصوات متحشرجة مختلطة 
بالدموع تعاتب بدري وتدعو عليه وتطلب من الله أن يظهر ا حق ويجازي 
كل ظالم على ما يرتكبه .. أما بدري فقد وقف زائغ م النظرات يصرخ 
فيهما » وينبر أخاه الأوسط ويعجب كيف يوجه له إتباماً كهذا . 
acca‏ انك أن كاك cles suscep a‏ الله Sai‏ 
أخاه al, Ope‏ على حق .. أما فرحانة فكانت قد إنسحبت من الحجرة 
تاركة المشهد يحتله الأخوة الثلاثة ووراءهم يقف العسكري es‏ 
صامتاً » بليد املاح وكأنه لا یری ولا يسمع ولا يفقه ما يدور أمامه 
حرفاً . 


وهكذا وجدت يدي تمتد » وتقطع Bylaw‏ ووجدت نفسي أعور 
O a‏ 
وجدت إجاباته كلها معقولة » ولدهشتي الأشد لم أجد إجاباته تختلف 
كثيراً عن الإجابات التي بنيت عليما احقال جنونه » نفس الجمل تقرياً » 
بنفس الألفاظ . كل الفرق أنني أسمعها بأذن محايدة .. إذ الظاهر أنه 
يكفي أن تفرض الجنون في إنسان حتى تجد في كل ما يقول أو يهمس 
به أدلة cat‏ ت جنونه » ويكفي أن تفترض العقل في إنسان » حتى لو 
كان غير متالك لقواه العقلية حتى تجد في كلماته وإجاباته ما يدعم إيمانك 
ail‏ عاقل . 


واتضح أن حكاية القراريط UU‏ صحيحة » والتبديد صحيح ) 
والضرب والتعذيب قام بهما الأخ الأكبر فعلاً ليرغم أخاه على بيع 
الأرض له بعقد صوري .. 


as‏ الآى آ 
۳ غدلي ام 





Y\A 


ليس هذا فقط » بل مكالة تليفونية مع pel‏ اتضح أن القسم 
لا علم له بالورقة امحولة إلي » وأنه هو الذي كتببا ووقعها .. واستطحب 
العسكري الذي كان لايزال منتصباً في مكانه لا يفقه حرفا ما يدور . 


وحين عدت إلى مسرح الأحداث في وسط الحجرة كان الأخ 
الأوسط يحتضن الاصغر زتتبادل عيونهما الدموع وبدري الأكبر واقفا 
شاحب الوجه يدافع باخر رمق عن نفسه » وكلما تكشف الموقف عن 
دليل جديد ضده كلما إزداد شحوبه ونبت على جلده العرق الصغير 
الأصف : ۰ 

وأمرت بفك القميص عن محمد وبدأت Jal‏ الموقف بيني وبين نفسي 
لأعرف ماذا يجب أن أفعله إزاء بدري » وهل أحيله إلى النيابة of‏ أكتب 
بلاغاً مأمور القسم ليتصرف معه .. واستقر رأبي على إبلاغ القسم › 
JS,‏ الحقد الذي بدأ يغلي في صدري على هذا الأخ المجرم أمسكت 
بالسماعة أريد أن أملي بنفسي الإشارة التي ستكلفه وظيفته وأشرطته 
الحريرية الأربعة والقراريط التي ورثها وزوجته الحلوة التي بدأت تولول 
في الخارج وتعوي » وأكثر من هذا حريته إذ بالتأكيد سيحكم عليه 
بالسجن » ولن يقل سجنه عن أعوام .. 


وهنا وجدت المارد الضخم shee‏ وهو الذي راح هذه المرة ييكي 
وقد جفت دموع أخويه ويستعطف ويتباوى على الأرض يريد أن يقبل 
قدمي » وكلما رأيت هذا كله » إزداد الحقد في صدري عليه .. إزداد 
إلى درجة رحت معها أهدهد على الأخوين بكلمائي وأذكر هما أن 


5 





۲۱۹ 


he الآثم وقع في الحفرة وأنه لن يخرج‎ Lt 

وصاح الأخ الأوسط : ينصر دينك يا شيخ .. ييا العدل .. 

وقال الأصغر بصوت واهن : مش قلتلك يا بيه .. 

وقال بدري في هلع : أنا في عرضك .. انا صاحب عيال . 

ثم التفت إلى أحويه قائلاً : مبسوطين يا ولاد طلبة .. أهو بيتي 
أتخرب يا محمد يرضيكوا كده يا ولاد طلبة يا ولاد الحرام . 

وقال الأوسط : جزاك ما صح لك . 

وقلت في سري : وكل هذا من أجل قراريط ثلاثة .. 

وفوجفت بالحجرة تتحول إلى مناحة » بدري يشهق بصوت عال » 
والأخ الأوشط بدأ يضم الأصغر حتى بعد أن انتصر ويبكيان > ولا ريب 
أن أباهم طلبة كان هو الآخر في قبره Sa‏ ويتلوى . 

: من السماعة صوت أحنف مرعج يقول‎ Seley 

أيوه هنا القسم is‏ نت مين ؟ .. 

وأجبث : إحنا مكتب الصحة .. خد الإشارة دي .. 

وعلا بكاء بدري إلى درجة غير معقولة » بيا كف الأصغر عن 
البكاء وراح يتطلع إلي » ثم إلى أخيه .. ثم وجدته يترك ذراع الاوسط 
الذي يضمه ويتقدم إلى المكتب ويرجوني › بكل ما في طاقته من CUS‏ 
أن أوافق وأحيله إلى المستشفى » إن كان في هذا إنقاذ لأخيه .. 


ه لغة الآى اى 





YY: 


وسكتت الحجرة كلها .. ووقف بدري جامداً في مكانه 
ا 

ثم وجدته يندفع إلى محمد يحاول عناقه » ولكن محمد دفعه عنه قائلاً : 

دا مش عشان خاطرك .. دا عشان خاطر أولادك .. 

— يا حبيبي يا محمد .. أنا عارف برضته إن ما أهونش عليك . 

وفوجكت بالأوسط هو الآخر يتقدم ويرجوني » إن لم يكن the‏ محمد 
صالحاً للتنفيذ أن استبدل الاسم الأول في الخطاب . الاستارة وأن أضع 
اسمه بدلاً منه o slyly‏ الأعصابي والعلاج الذي أخده يؤهلانه لدخول 
المستشفى واثبات أن بدري على حق وأنه لم يزور ولم يكذب . 

واحترت ماذا أفعل والسماعة في يدي guts oly‏ وتقول : 

أيوه يا مكتب الصحة .. وبدري يقول : 

أنا أستاهل doy‏ في داهية ما ترحمنيش .. 

والأصغر يقول : كل اللي قاله بدري مضبوط » أنا مجنون . 

والأوسط يقول : ما تسمعش كلامه أنا بداله .. 

والسماعة معلقة في يدي ينبعث منها الصوت Ge‏ المزعج 
مستعجلاً نص الإشارة وكأنه صوت القانون يطالب بتطبيقه وإبلاغ 
الإشارة وسجن الأخ . 


ويالها من dad‏ تلك التي تمس فيا أن مصبر انسان معلق يكلمة 
تقوها أو زناد تضغطه . 


55 





۲۲١ 


aed‏ خيل إلى tel‏ طالت وامتدت وأن المشهد نفسه طال وامتد 
وتجمد وأنه سيظل هكذا لن يتحرك أو تدب فيه الحياة إلا حين أفتح 
فمي وأنطق كلمة . 

ولا a al‏ حمست أن » بدموع داخلية ؛ أبكي Sal, i‏ إخحوتي 34 
وأحس أني رابع الثلاثة الواقفين أمامي .. 

وصرفني الشعور بأني لا يجب أن أفعل كا فعل الأخ الأوسط وأضرب 
في OL‏ » وعن عمد قررت أن انق القانون » وأخطىء > وأنصت 
للهاتف في داخلي » وأسكت صوت السماعة .. 


VA) سنة‎ 


لغة الآى | 
ies ۷‏ 


Converted by Tiff Combine 








yry 


هذه المره 


كان الضابط lS‏ وم Ly‏ أن تتم الزيارة في الحجرة الخصصة 
للزوار المملوءة بضجة عشرين مسجوناً يقابلون بلهفة مجنونه مائة أو أكار 
من الأهل » والجميع يصرخون في وقت واحد » عبر السلك الأصم 
المستمتع بصممه » لأمر ما جعلها الضابط زيارة خاصة تتم في حجرته › 
رما oY‏ الزائرة كان the‏ رقيقة ممشوقة القوام تضع على عينيها نظارة 
سوداء أنيقة وترتدي جورباً من النايلون الغامق . و ١‏ إمام » كان يعرف 
منذ الصباح الباكر أن له زيارة » ولأربع ساعات طوال كانت ينتظر » 
والإنتظار في السجن ليس Ue‏ » أنه عمل » عمل طويل لا ينقطع ولا 
ينتبي » يتسلمه المسجون حظة أن يضع أقدامه في العنبر » إذ عليه من 
لحظتها » حى لو كان الحكم موّبداً » أن ينتظر لحظة الإفراج » وكل 
ما يفعله بين ساعة دخوله سجيئاً وساعة حروجه حراً طليقاً » أن ينتظر » 
ينتظر الليل إذا جاء النبار» ويننظر الغروب حين تشرق الشمس » 
وينتظر وجبة العشاء المتواضعة أثناء توزيع الإفطار » انتظار يتكفل الزمن 
بتغيبر طعمه ولونه حتى ليؤديه الإنسان بلا ملل » وإنما باستسلام تام 
للإنتظار وخضوع مطلق له . 


لغة الآى أ 
sles “4‏ 





4 


منذ الصبا وهو يننظر أن ينادي عليه الشاويش قائلاً : « إمام محمد 
إبراهم .. لك زيارة » » أربع ساعات طوال وليس في عقله إلا المفتاح 
حين يدور في القفل » أو صوت الشاويش الغليظ المادىء الملول وهو 
يقول : زيارته . 


أجل ستزوره سهير مرة أخرى . وهي دائبة على زياته منذ أن دحل 
السجن » لم تنقطع إلا مرة أو مرتين » ولكنها دائبة » ودود.» مستمرة » 
كالإحساس الدافىء بالأمل . وهو في كل شهر ينتظرها » ولا يمضي 
الشهر إلا إذا جاءت » إذا تأخرت يوماً أو أسبوعاً توقف الشهر يوما 
أو أسبوعاً ولا يتحرك ولا يبدأ شهر جديد إلا إذا جاءت .. إن ما بينهما 
ليس غراما مشبوباً » فلقد كان يحبها ويحن bal‏ ويعشقها كا تعشق 
الليلات والجولييتات وهو حر ء ويرغب فيها أحياناً وبشتههها ا تشتبي 
راقصة البطن حين تتلوى بإغراء مثير أمامك » وأحياناً يطمكن إلى حنانها 
الأكبر من عمرها وطاقتها ويهفو» وأحياناً يزود عنها ويضيق » مثلما 
يضيق معظم الناس BLA‏ الرواج » يحبها ويحب ابنته منها » وابنتهما جزء 
من ذلك الحب » ELT‏ التجسيد المادي لعواطف لا ترى ولا توزن » 
أبنته كانت صحيحة حلوة ضاحكة متفتحة » بضة وذات دلال > ULE‏ 
کا تتدلل أمها إلى درجة لابد أن يتساءل الإنسان معها » ترى أهي صورة 
من أمها التي تحبه ويحبها أما هي صورة لا been‏ من حب . والحخوف 
أيضاً كان هناك . لقد انقضت ثلاث سنوات منذ أن كان معها في فراش 
واحد » ولقد lal‏ تضمحل ويسأها عن طعامها فتخبره أنها لا تجد لديها 
الرغبة في أن تأكل » أو حتى أن تحيا » وكان في oly‏ يلحظ tig)‏ أحمر 
على غير العادة Gla ULF‏ من مى » ولا ينسى أبداً رعشة يدها ذات 





40 


مرة ثم شفتيها » ثم رعشتها كلها حين ذلك كفها المدود إليه وهو يودعها 
ذات زيارة . أحياناً كان يواتيه خاطر Ope‏ يبب به أن يخذها » هكذا 
أمام SUI‏ وداخل السجن » وليطلقوا عليه النيران »> كان هو الآخر 
يعالي » ليس فقط من جسده » وإنما من كبت وجداني كان الجسد 
وسيلته إلى تخليصه منه .. Gla‏ من إحساسه باختناق قدرته على إعطاها » 
من حرمانه أن ينح بسرف وبذخ کا تعود أن يكون عطاؤه . 

كان قد تزوجا عن إعجاب شديد تطور إلى غرام وغيرة وحبة 
وتضحية كقصص الحب العاصفة وتكفل الزواج بصهرهما معا » لم يعد 
يحس بها منفصلة عنه .. أو كائناً آخر مستقلاً .. لکنا أصبحت جزءاً 
أنثوياً منه أو LIS‏ أصبح جزءها المذكر .. إنها معه » فهي » داخله › 
وهو يحس بنفسه هناك . في روحها ء في أعماق نظرتها » داخل كل 
إنكماشة وانبساطة في ضلوعها الدقيقة وهي تأخذ الشهيق أو تصدر 
الزفير . إنه حتی يحس بنفسه داحل شعوره بها » كل متلاحم كالكائن 
الحي لا aXe‏ فصله » وأي فصل له أو إنقسام لا يزيده إلا حياة وقوة 
وإنصالاً . 


ودار المفتاح في القفل » ولم يسمع ‏ رغم ترقبه له ما نطق به 
الشاويش » سار أمامه » حليقاً ¢ قضى وقناً طويلاً يوصي المسجون 
الحلاق كي Cad‏ كل ناشز من شعره وينعم add‏ » قام بمحاولات الدنيا 
كي يستحم بماء ساحن ويلقاها نظيف الجسد لامع الوجه » كان Us‏ 
هو ذاهب للاقاة الحياة » تلك التي يبقى ميتا طيلة الشهر حتى تشرق 
عليه في All‏ » وبنظرة واحدة منها تلمسه لمسة ترد إليه الحياة » حقيقة 
يجس بجسده يضطرب بتيار عارم متلاحق متشابك من الإنفعالات 


i {hi 
لغة الآى أى‎ ۷۱ 





۲۲۹ 


والأحاسيس » يحس بنفسه قد اتصل ببحر الحياة » أصبح جزعاً واعياً 
متفائلاً من الوجود الميت الأحمق . 

ودخل الحجرة » وشكر الضابط بكلمات غير واعية » وعيناه تبحثان 
عنها » كانت بجواراه تماماً ولم يرهاء لم يرها إلا حين سمعها » تقول : 
وكأنما تعبر عن الدهشة لنفسها : إمام . إلتفت . كانت هناك . لم يتبين 
وجهها أول الأمر » كعادته » كان دائماً يخاف » كلما مرت بخياله في 
وحدته » أن يفقد القدرة على تذكر وجهها بكل دقائقه » وفي كل مرة 
يراها كان يجدها متغيرة » أبداً لم ير لها نفس الوجه مرتين » كل مرة 
يراها bab‏ سواء في السجن أو خارج السجن كانت بوجه » دائمأ جديد 
في السجن أو خارج السجن » كانت بوجه » دائما جديد ومختلف 
وكأنه لم یره » دائماً متغير وكأنه لم ca‏ عل حال » ولكنه ما يكاد 
یری وجهها حتى يعرف ويدرك أنه وجهها › وأنه هكذا كان يبدو » 
وهكذا سيظل يدو إلى آخر العمر » وجهها .. الذي له » يضحك له ء 
ويعبس بسببه » ويحلم به ويشتاق » ويشع حباً من خلاله . وکا التقيا 
كانت Gud‏ هذه الإتماعة » في عينيها وعينيه » حتى لكأن شرارة 
تحدث » وضوعاً مفاجياً ينسكب فيعشيهما معأ .. لومضة » ويحس أنها 
لا تراه بقدر ما تدرك وجوده . وتحمس LEIS‏ عثرت على le pS‏ المنشود 
الذي ظلت تبحث عنه ولا تكاد تصدر عثرٽ عليه ورغم هذا لا تطمكن 
أبدا إلى عثورها عليه . 


ودون أن يشعرا » اقتربا » وتلاصقا » کا يحدث دائماً كل اقتراب 
هما وتلاصق » وأمسك بذراعيها في قبضتيه » ومن أول لمسة أحس 


“vy 





يفف 


بذلك الشىء الذي كان عليه أن يدركه حالاً . وتأملها عن قرب . كان 
لايزال غير قادر على رؤيتها بدقة » وكأن الشرارة المعشية لاتزال هناك » 
وكانت تبتسم » ولكنه كان يحس أنها تبتسم لأنها تريد بإرادتها أن يراها 
مبتسمة وليس لأنها في أعماقها تريد الإبتسام . ربما لو تركت نفسها 
لسجيتها لبكت أو لعانقته أو لاندفعت مقدمة على عمل أعمق . كانت 
ابتسامتها رما علامة عجز » عجز عن أن تصنع led‏ آخر . وصدرت 
عنها الكلمات السريعة المتلاحقة التي تصدر عن كل الناس في مواقف 
كتلك . أزيك . صحتك . وحشتنا . نوسة » كلمات » OA‏ أفواه 
وتقلصات ألسنة وحداجر ليس إلا » فالعفل مشغول بعملية تفحص كاملة 
تامة » كل يتفحص الآخر » بأجهزة لا أسماء لها تقيس كل دقيقة فيه › 
tela‏ إلى أنه هو » وأنه لم يتغير » أو إن كان قد تغير فإنما إلى إرتباط 
أكثر وحب أقوى وتعلق لا حدود له . أجهزة دقيقة شاملة منتشرة في 
كل إتجاه » تستقبل وترسل » وتختص وتفرز » كل خلية وكل عضو في 
الجسد LEIS‏ يريد الإطمثنان على الجزء المقابل له . كان يشتاق إليها بنفسه 
كلها » بيديه وأنفه وشعره المجعد .. بشاربه الحليق ¢ بالحسنة السوداء 
في أذنه » يشتاق إليها كلها » للبحة في اخخر صوتها » لرائها الغينية حين 
تنطقها « لتغابيها عليه . لتدليلها إياه » لفمهة الغناء غير الجميلة حين 
تدندن بها في ساعات التجلي » لكل شىء حتى لأصبع قدمها الصغرى 
الخالية من أي ظفر . 

وأحس بنفسه قلقاً على غير العادة » أطالت أجهزته التفحص والقياس 
والإستقبال » وأكارت من التجاوب والإعطاء » لم تستقر على رأي 


۳ لغة الآى اى 





1۸ 


بعد » رما هذا ظل يردد .. أزيك .. صحتك .. اللذيذة نوسة وضرسها 
المؤلى الفاسد .. في كل مرة كان عقله يستمر يردد هذه الكلمات إلى 
أن تكتفي أجهزة جسده وتعطيه إشارة خفيفة أنها انتبت » حيكذ كان 
العقل يبدأ عمله ويستطيع أن يعود يعقل وينظر » ويتأمل ويدقق » اتبداً 
النظرة الثانية . النظرة المتمهلة المتمعئة التي لا قلق فيها » ولو كان موعد 
الزيارة معروفاً فاللقاء Lots‏ مفاجأة يطير لها الصواب » نظرة المتعة بالرؤية 
والإلتبام » إلتهاماً » بالمزاج والراحة وأقصى درجات السعادة . إزاي 
نوسة ؟ رابع مرة في دقيقة واحدة Why‏ سؤالاً أقرب للاستعجال منه 
إلى السؤال » وليس استعجالاً لها Lely‏ إستعجال لنفسه اللاواعية أن تننبي 
من إجراءاتها الكثيرة المعقدة وتؤوب إليه » ليؤوب إليه إطمكدائه ووعيه . 
كويسة قوي » مشتاقة لك . هي الأخرى تجيبه ناظرة في عينيه ؛ 
شاخصة إلبه كأنما تنعظر أن ترى في عينيه cles‏ إشارة أمان تعودت 
رؤيتها » جواز مرور » نظرته هو . الحقيقة التي تعرفها حين ينظر بها 
لدبا هي » وتراه ينظر bal‏ دونا عن الكون Lilly‏ » هي فقط التي تكون 
في عينيه وكأن العينين تصبحان عينيها » عينيها وحدها ء عيناه وعيناها » 
وبدأ القلق يدب ويبدد بأن يصبح توتراً » ولم يكن يريد أي توتر . 
كان يحلم منذ الصباح بأن تتالى » في نعومة ويسر » نظراته » الأولى 
المذهولة ¢ والثانية المستمتعة . والثالثة حين تبلغ المتعة حد النشوة » 
والرابعة الحالمة المكتسحة الخارجة به وبها من خلف الأبواب الموصدة 
إلى الدنيا المتسعة » إلى الغد » الغد الطويل الممتد الذي لا باية واضحة 
له . أي تلك حرمان » وزمن الزيارة قليل » وعقله من خوفه يساهم 
في الإسراع ويكاد يقسم لأجهزته وحواسه الظاهرة والخفية كل شىء 


vt 





۲۹ 


على ما يرام وإنها هي » وجهها القمحي هو هو » عيناها العسايتان 
الواسعتان ذواتا الحدقتين المكونتين من ألف لون ولون ء المشعتان بألف 
شعاع وشعاع » شعرها الأسود اللامع أسود ولامع » فورمته مختلفة 
ولكنه شعرها » روحها هي نفس روحها أو تكاد » لا خلاف يذكر 
أو يلحظ » ولا يمكن أن يكون هناك حلاف ¢ أن أي خلاف معناه 
إختلال في نظام الكون لابد » صحيح أنها معتنية بزينتها أكثر من كل 
مرة » قلم الحواجب واضح خطه في حواجبها » والريميل يرمل أجفائها 
أكثر » وإن كانت فسفوسة صغيرة لابد من أثر الجو أو الحضم قد نبتت 
من زاوية فمها إلا أن شفتاها هما شفتاها » بروزهما إلى الأمام لم تتغير 
درجته والروج ينطبق LU‏ على حوافهما کا تحب أن تبدو » لا شىء 
تغير » بل ربما اللهفة أكثر » وقلقها للعثور عليه في عينيه وعلى نفسها 
داخله أكثر . 


ولكن نفسه استمرت تتفحصها غير مبالية بقلقه أو إستعجاله أو 
ضيقه » مندهشة لاتزال » غير مدركة تام الإدراك ما ترى » تتفحص » 
بلا وعي تتفحص » دون أن يشعر بها أو يسمح ها تتفحص » كأنه 
يراها لأول مرة تتفحص ماذا هناك يا ترى ؟ BL‏ يوقفها ويبقيها ؟ ماذا 
يدهشها ويذهلها ؟ ما المجهول فيها وهو يعرف كل نحة منها وفهها .. 
لا أحد » لا عقله . ولا جهاز من أجهزته يرحمه ويجيب » أو حتى يعرف 
ويدرك ولا يجيب . وكلمات الشوق والترحيب مستمرة » عصبية من 
وراء القلب » ومجرد قول شىء » مستمر » والحجرة تبدو أحياناً واسعة 
كفناء السجن . وأحياناً تضيق لتصبح أضأل من الزنزانة » والضابط 


ve‏ لغة الآى أى 





° 


جالس إلى مكتبه منجعص إلى الخلف بالجريدة مفتوحة وبعين نصفها 
يقرأ ونصفها الآخر مضاف إليه انتباهه كله » يراقب ما يدور بين الرجل 
والمرأة » لا يراقب محرمات أو مخالفات » وإنما على الرغم منه ١‏ ولمجرد 
حب الإستطلاع يراقب ‏ مراقبة لا يراها أي منهما ولكنهما يدركانها 
تمام الإدراك ويستعجلان اللحظة التي يندمجان فيا معا ويغيبان عن الوعي 
بالزمن والمكان وحتى ode‏ الرقابة من الضابط . 

لحظة طالت وامتدت حتى أصبح تأخرها أمراً واضحاً لاشك فيه › 
أمراً يدفع الموقف بكميات أكبر من القلق » قلقه » وقلقها » على قلقه 

فجأة أفلت الزمام منه » ووجد نفسه hay‏ : إيه اللي حصل ؟ 

وكان بوسعها أن تسأله ما يقصد » وعن أي شىء بالضبط يتحدث » 
YS,‏ مثله لا تريد للوقت أن يضيع » ويخاف أن يضبطها في حظة 
تغلب » أن السوّال وإن كان يبدو مائعاً Latte‏ إلا أن الصوت الذي نطقه 
به كان محدداً مستغيفاً يطلب إجابة حاسمة تشفي الغليل . وبسرعة وبحسم 
قالت : لا شىء حدث . مالك ؟ أنا !؟ ماماليش .. لا .. لازم فيه 
حاجة .. حاجة إيه ؟ ولا حاجة . إنتي متغيرة . أنا ؟! متغيرة إزاي ؟ 
لازم مش إنتي . إزاي مش أنا ؟ أنا أنا .. كل مرة أنا نا .. إنما المرة 
دي انتي مش إنتي .. أمال مين ؟ أنا مين ؟ أنا سهير بتاعتك مش فاكر ! 
صحيح بتاعتي | ودي عايزة سوال يا إمام .. بتاعتنك بتاعتك بتاعتك 
.. إنما برضه يا سهير لازم فيه حاجة .. 


۷٦ 





۳١ 


ولاحظ إرتجافة عابرة جداً سرت بشفتيها لم يكن ليلحظها لولا 
فسفوسة عسر الحضم . أمام الحاجز الذي أقم بدت العواطف تتجمع 
بسرعة وتتزايد وتتراك وتبدد باكتساح السد الذي أقامه بلا سبب معقول 
أو غير معقول أو بصناعة مجرى جانبي آخر . وهكذا كان لابد أن Ju‏ 
النظرة الثانية » بحكم قانون القوة جاءت ووجدت وأصبحت أمراً 
واقعاً » ولکنہا لم تأت کا تعودت أن تأتي كل مرة » حين نحل محل 
النظرة الأولى الحيرى المتسائلة المذهولة » جاءت النظرة الثانية هذه المرة 
دون أن تختفي الأولى أو تزول » تراكمت فوقها » فوق الذهول والحيرة 
والتشتت » وأيضاً لم تكن نظرة استمتاع والتهام متمهل سعيد منتش » 
جاءت مختلفة » غريبة » مجرد رغبة أعظم في بحث متعجل Cole‏ فة › 
إحساس دافق قوي بضرورة العثور على نماية » على قاع » على حقيقة . 

— فيه إيه يا إمام ؟ 


سؤال منزعج من فم منزعج والملاح التي أطلقها Ub‏ رجفة لابد 
رجفة اضطراب ء لم يكن قد حدث ما يستدعي السؤال أو الإنزعاج » 
كا لم يكن قد حدث ما يستعدي سؤاله المفاجىء عما يمكن أن يكون 
قد حدث . ولكن المشكلة أنه لم يكن مطلوبا أن يحدث شىء واضح 
ليسأل أحدهما الآخر » أو ينزعج » إن الحياة معأ في حب أو زواج . 
صنعت مثلما تصنع لكل الناس . ذلك الإلتحام الشامل الذي يجعلك 
تفهم الآخر وتحسه رما قبل أن تفهم نفسك أو تحسهاء تفاهم 
بالإحساس يتم بالتأكيد قبل أن يتم التفاهم بأي لغة أخرى حتى لو كانت 
لغة العين والنظر » إنه تشابك الأفرع والأغصان والأوراق وتداخلها في 


۷۷ لغة الآى اى 





ضف 


شجرة إحساس واحد مسيطر » حالة لا يزيدها البعد إلا حدة » 
والحرمان إلا شحذاً ومقدرة » وكلما إزداد الطرفان بعداً » اقتربا 
وأصبحا أكار تشابكاً .. فانفصال bed‏ عن الآخر في الزمن أو المسافة 
لا ييعد ولا يعزل ولكنه يقرب ويكئف ويربط › فيه إيه !؟ أي نعم 
فيه إيه .. وإيه بالضبط ري سؤالك حصل .. انطق .. تكلم .. فيه 
إيه .. أبداً ولا حاجة .. إذن لم يحدث شىء وليس هناك شىء !؟ ما 
الأمر إذن ؟ ماذا هناك ؟ ماذا دهاك . ولو كان الوقت يسمح لاستمرت 
المطاردة BULLI‏ غير الجديدة على علاقتهما .. إلى ما لا نهاية .. ولكن 
الوقت » كان مدبباً . كالترس المسنونة تروسه . كلما دار وخز وألم ونبه 
وجأر oh‏ يدور ويمضي مهدداً بقرب إنغلاق دائرة الدقائق العشر 
Call‏ بها . 


ولكن ماذا يصدع أو يقول في موقف لم يحدئه هو بإرادته » في موقف 
تکوم .وتكون iy‏ 1 وتشكل Wally Rigi‏ دون أي تدحل إرادي أو 
عقلي أو حتى وجداني منه » Li]‏ حدث هذا وكانما حدث بواسطة جسده 
وأعضائه وعضلاته وعظامه والأجهزة اللاإرادية الغريبة المركبة فيه » في 
موقف عاجز عن فهمه وإدراكه . موقف حدث لا يدري كيف » 
ومستمر في حدوثه لا يدري كيف أيضاً » وسادر في استمراره إلى ما 
يبدو إنه اللا حل واللا نباية » لا يدري كيف أيضاً » سهير يا حبيبتي 
cf‏ أنت » لم يتغير فيك شىء » اليس كذلك !؟ بل تغيرت يا إمامي 
وأصبحت thal‏ کا لم أحبك من قبل أو من بعد .. ليتك تؤجلين الكلام 
عن الحب » كل كلام عنه أحس به غير طبيعي .. ومصطنع من أجل 


VA 





A 


هذا الموقف » إن الحب SE‏ بعد الاطمثنان » وأنا لاأزال لم أطمكن › 
نفسي التي تح ركني وتشعر لي لم تطمئن » عقلي لا يزال مذهولاً ييبحث 
عن خلجة إطمئنان » ومنك Gleb] SL‏ » وفي يدك الحل إذ التفسير 
لابد عندك . أنا أنا ل أتغير يا سهير » أنا كجدران الزنزانة » كساعة 
( القام ) بعد الظهر كوقع الأحذية الثقيلة على بلاط العنبر » أنا مثل أي 
شىء وكل شىء هنا لا أتغير ولم أتغير . أنا ثابت وأنت AS pall‏ » أنت 
الطليقة » أنت المتغيرة . 


ولكن يا حبيبي برغم ألي طليقة ومتحركة » برغم وجودي في 
الخارج الحر أنا معك ثابتة لا أتغير . أنا هنا وإن كنت أبدو هناك » 
Uf‏ سجينة داخل ما هو أفظع من سجنك » داخل الحياة الطليقة » كلام 
جميل مثل حوار أفلام الحب ولكني لا أريده » وإن كنت في كل مرة 
أسمعه . أجن إلا إني لا أريده . هناك شىء موم حاد يشتتني ويجعاني 
لا أريد أن أصغي قبل أن أوقن وأعرف . تعرف ماذا ؟ أعرف من أنت ؟ 
إن فيك شيعا لا أعرفه يجعلني أحس أني لا أعرفك كلك » شىء جديد 
غريب علي » حواسي تحوم حوله وتجفل ولا تستطيع إدراكه . أراه 
ببصري ولكن لا أعيه . أيكون قد حدث شىء يا سهير ؟ ایکون ؟ 
أرجوك . دعيني أعرفه » كيف ؟ أعرفيه أنت واعترفي لنفسك به فأعرفه 
أنا . حوار غير منطوق أو مسموع أو حتى مار عبر العيون ولكنه رائح 
غاد في سرعة pity‏ ككرات البنج بونج لا يستقر ولا يبدأ ونما ترداد 
به النظرات جهلا واستيحاشا وتوترا » ويزداد به الزمن وخزا وإيلاما » 
ل يبق على إنتباء الزيارة سوى دقائق ثلاث أو أربع . سهير يا سهير . 


sl لغة الآى‎ v4 





Ys 


عليك أخبريني ماذا حدث » إذ مهما كان ما حدث فهو فسفوسة 
يا سهير بالقياس إلى حياتنا » فسفوسة لا أعرف لها مكاناً ولا سبباً ولا 
Let‏ » أحس بها تافهة سطحية تكفي ضغطة صغيرة لتنمحي وتتلاشى . 
كل ما يضخمها » كل ما يعرقلني عنك » إنها غريبة علي لأنها غربية 

أنت شايف Sal‏ 

— مش عارف . 

ple —‏ تقول إيه ؟ 

— مش عارف . 

شاكك في إيه ؟ 

مش عارف . 

أمال فيه إيه ؟ 

مش عارف . أنا خايف . 

من fal‏ علي .. ما تخافش . 

ده كلام يمكن من قدامي بس . 

أمال أنا حاسس بيكي متغيرة ليه ؟ 

— يمكن إحساس خاطىء .. 





Yo 


عمر إحساسي بك ما أخطأ .. عقلي بيغلط إما إحساسي لا .. وده هو 
اللي تاعبني .. 

س واحد بيعوز يتعب نفسه ؟ 

أيوه .. لما يكون مسجون بعيد .. وبيحب .. يخاف على حبیبته 
أو مراته فيشك ويخاف ويتعب نفسه .. 

ده كلام معقول . إنما أنا اللي حاسه حاجة فوق العقل . حاجة 
قبل العقل .. حاجة أصدق وأعمق من العقل .. 

اسمح لي دي قلة عقل . 

ولكنها قالتها بروح لا مرح فيها ولا رغبة في المداعبة » وهذا ما 
أحزنه » لو قالتها كنكتة لبدت طبيعية وربما حلت الموقف كله » ولكنها 
أحذتها جداً .. وأردفت : 

اشمعبى المرة دي يعني ؟ 

ده بالضبط اللي بقوله لنفسي » كل مرة تيجي تزوريني هنا » 
اشمعنى المرة دي ؟ 

س أيوه ll‏ المرة دي ؟ .. 

لأن لازم حصل فيه حاجة يا سهير . أنا حاسس . 

والكارثة في هذا الإحساس الذي لا يناقش » كالحكم الذي لا نقض 
له ولا راد » كالأمر الواقع » إحساس غير خخاضع لمنطق أو فكر » ولكن 


1 الآى‎ as 
لغة الآى اى‎ ۸۱ 





۲۳۹ 


له قوة أعتى من قوة المنطق والفكر . للمرة MU‏ يتأمل وجهها » إنه 
هو الآخر أمر واقع ly‏ ينجح في دحض إحساسه ونسفه » ولكن حتى 
وجهها تكفلت المنطقة الغريبة المجهولة بالزحف عليه والإمتراج بلونه 
وملامحه وتغير لونه كا يتغير لون الماء إذا سقطت فيه نقطة حبر . 


ومالت على أدانة مرة ومست له بكلمة » أعقبتها بضحكة عالية 
جعلت الضابط يرهض أذنه ويكاد يمدها لتتسقط ما بين فمها ومسامعه 
ويعرف سبب الممسة والضحكة . أما هو فلم يضم لا الهمسة ولا 
الضحكة في مظهرها بريئة » قريبة منه » تبدو كنفس ضحكتبا البريعة › 
ولكنها البراءة وقد زحف عليها ذلك الشىء الغريب امجهول Wis‏ إلى 
ما يشبه العبتنك والرقاعة » إن رأسه يكاد ينفجر . لم يعد باستطاعته أن 
ينظر bell‏ أو يشعر بها كا تعود أن ينظر أو يشعرء في غيبة عقله » کا 
لابد في غيبته حدث شىء . شىء غامض عير مجهول »› لو كان طليقاً 
لظل وراءه يبحث ويستقصى حتى ید رکه » ولكنه هنا مقيد محبوس » 
ووظيفته الأولى أن يبقى جاهلاً بمعزل عن كل ما يمكن أو بالاستطاعة 
معرفته . إنه هنا فقط يسجل » يسجل حتى دون أن يشعر » وقد سجل 
ما فيها من غربة » ولينفجر عقله محاولة التفسير أو التبرير فإحساسه لن 
ينفعه » سيغادره تا رکا oly‏ وحده مع التصرف أو بالضصبط مع عدم 
القدرة تماما على التصرف . إنه الجحم حتماً » بل ربما الجحم أرحم » 
إنه السجن . 


١554 صيف‎ 


AY 





YY 


لغة الآي اي 


لم تكن بالضبط صرخة ولكنها كانت الأولى بعد منتصف الليل 
بقليل » تصاعدت » غير آدمية بالمرة »> حتى الحيوان ممكن إدراك aS‏ 
صوته » ولكنبا بدت كول وهلة جمادية ذات صليل » كعظام تتکسر 
وتتبشم تمسكها يدا عملاق حرافي القوة وبنية صارمة لا رحمة فيا 
تدشدشها .. فجأة dy‏ المنزل المادىء المظلم الفاخر الإظلام » السابح 
في سكون مسود تلمع فيه حواف الموبيليا الأنيقة الموزعة بعناية وذوق › 
بيت ساكن AU‏ يرفل في رائحته الليلية الخاصة التي تميزه عن أي بيت » 
وفي الحي المترف الذي Gels‏ نوافذه وأضواؤه واحدة وراء GPM‏ 


ويؤوب إلى الرقاد على ضجة المدينة ووسطها المستيقظ كغمغمة غارق 
في الأحلام . 


وني وسط هذا كله » ومن مكان لا تستطيع تحديده أو تعرف إن 
كان يمت حتى إلى الحي » تصاعد ذلك الشىء الغريب الغامض الأول › 
مفاجئا وكالطعنة الملتاثة » حافلا بانين الفزرق » وكانه صادر من حنجرة 
تتمزق أحبالها الصوتية لتصدر الصوت ويكاد يمرق طبلة أي أذن يقع 
عليها . 


AY‏ لغة الآى اى 





YA 


ودونا عن سكان الحي والبيت » بدا وكأنه الكائن الوحيد الذي 
سمعه . كان مغمض العينين لايزال يبنه وبين النوم مشكلة لابد لها من 
حل » ومر الصوت مفاجفاً غير مألوف من الصعب تبينه » ولكن جسده 
في اللحظة التالية كان يقشعر نوف طفلي مذعور › وإن لم يستغرق 
زمناً » اسلمه إلى عينين مفتوحتين لاخرهماء وقلق وعاصفة من : 
الاضطراب » فالإحساس التالي الذي واتاه كان إحساسا بالذنب » شعور 
غامض يربطه بالصوت » ويؤكد أن الصلة بينهما من صنعه ومسكوليته › 
وأن عليه وحده يقع التحمل للنهاية » وبالغريرة التفت » كانت زوجته 
لاتزال على وضعها » فقط في اللحظة التي إلتفت فيا ماءت مواء طال 
بعض الشىء » ثم بارادة نائمة انتقلت إلى جنا الأيسر وقربت ساقها › 
ربما كان الأثر الوحيد الذي أحدثه الصوت في جسدها المستسلم لأول 
مراحل النوم . وارتاح وبعض الشىء إطمأن وهو يواجه الأمر وحده » 
فقد كان ظهورها على المسرح Vlad‏ كفيلاً بزيادة إرتباكه . 

ما هذا الصوت ومن أبن جاء ؟ 

في لحظة مر بخياله ألف احتال » إلا الاحتال الوحيد الذي كان يخاف 
مروره . لم يكن قد تغير في البيت أو في الحي أو في دنياه كلها شىء 
ما عدا ذلك الشىء الواحد الذي abl‏ له . ولابد أن يكون الصوت 
الجديد من صنع القادم الحديد حتى ولو نفي عقله بشدة ¢ aly‏ أن 
يصدق . 

ولم يشأ أن يفكر ST‏ » مجرد صوت وحدث ء المهم ألا يعود 
يحدث » ومر بعض الوقت » أحال اللحظة إلى دقيقة » أو دقائق » ولا 


Ag 





۲۳۹ 


شىء يتغير داحل الليل الساكن » والأمل يقوى .. 

ولكن وشوشة غامضة حدثت » إندفع منها إلى أعلى فجأة صوت 
وتتدشدش » صوت أقرب إلى رعد تنفثه السماء في ماسورة مكتومة › 
ما لبتشت أن فتحت وسلكت في إستغائة راعدة مولولة ممدودة يخاف 
صاحبہا أن ينبها وكأنما الموت عند نبايتها . 

انتبى الأمر . لم تعد هناك فائدة . 

كان هذا الصوت الثاني مزعجاً lie‏ حتى أنه » مع علمه هذه المرة 
وتأكده من مصدره » لم يستطع كبح جماح إرتجافته » ليس خوفاً منه » 
وإنما من الشىء المجهول المروع الذي يختفي لابد وراءه وبحدثه . مزعجا 
وعيراً إلى درجة لم يلحظ معها أن رفيقة الفراش قد اعتدلت نصف 
اعتدالة والتفتت إليه قائلة بهستريا مفاجئة : 

إيه ده ؟ قول لي بسرعة وحياتك إيه ده | وحياتك بسرعة بسرعة 
eee‏ 

وقبل أن يفكر فيما يقول انخلعت ae‏ » ناظرة إليه بشك متوحش : 

أوع يكون هوه ؟ 

وقبل أن يفتح فمه أردفت : 

uf‏ مش قلت . أنا مش قلت . اتفضل بقى . اتفضل بقى . أنا 
مش قلت . 

وحقيقة لقد قالت وعارضت وکل ما حدث كان رغم Lb‏ 


Ao‏ لغة الآى اى 





YE: 


وإرادتها » وبالتأكيد هي الآن بسبيلها إلى dale]‏ ما قالته . وعليه أن 
يتذرع بالصبر » ويقول لها كلاماً مطمغناً كثيراً .. إنها oe‏ آهة .. آهة 
ستمر » ويعود كل sigh‏ إلى سابق عهده .. 


أكان معقولاً أن يعود أي شىء bald‏ إلى سابق عهده ؟ الكلام نفسه 
وربما الألفاظ نفسها . 

وما فائدة الكلام » والكلام الذي دار كثير » وقد كان ممكناً » مادام 
الوضع هكذا . زوجة حلوة قوامها كقوإم المانيكان » وساقاها حتى في 
الظلام يظهران من قميص النوم في إغراء لا جمهور له » وحتى هناك 
تواليت وماكياج للنوم وعناية خاصة بالشعر » ودهان مخصوص للبشرة 
وزوج هناك دائماً any‏ وبين لحظة النوم مشاكل لابد لها من حل » زوج 
امنلأت روحه بالتجاعيد مثلما فقد رأسه الكثير من الشعر وعيناه القدرة 
على الرؤية .. مادام الوضع هكذا . فقد كان مكنا أن يدور الكلام نفسه 
ورما LW‏ نفسها حول أي موضوع » كالعادة » لا تاتقي عنده 
. وجهات النظر . المهم أنهم أصبحا بشىء من التحدي ينتظران الصرخة 
wil‏ » التي لن تجىء كا يؤكد الزوج والتي لابد أن Be‏ ا تصرخ 
الزوجة ومن المطبخ » هذه المرة كان المصدر واضحاً ولاشك في أمره » 
انطلق مواء كمواء القطط ¢ يحاول صاحبه كبته وخنقه فيخرج مضغوطا 
Liv‏ إرادته فيبدو کا لو كان رجل قد قرر بجماع ما يمتلكه من قوة › 
وبسبق إصرار » أن يتأوه كا يريد » ولتقم القيامة بعدها » إنطلق صفير 
معذب متا لم متظلم باك غاضب كافر مستغيث بائس مو لم زاهد .. اي » 
اي » اي » اي طويلة وقصيرة » ممدودة ومبتورة » عالية بكل قواه 
يرفعها » منخفضة بجماع إرادته بخسفها » مجروحة دامية » لاسعة كالنار 


كم 





4١ 


في العين » كاوية كصبغة اليود في الحلق .. حارقة كاثار الحامض 
الم ركز . 

فنحت الزوجة فمها تصرخ في هوس من تأكد US‏ وانتظرت 
أن تنتبي الصرخة لتطلق صرختها هي » ولكن اننظارها طال » وبدأت 
رغماً عنها تسمع » ومن الذهول استمر فمها مفتوحاً وأذناها pl‏ قوة 
قاهرة تصغيان » ثم بدأت ترتجف وتقترب من زوجها وتمسك بيده 
لتوقف الرجفة » ونفس اللحظة التي كانت قد قررت فيها أن تطلق 
لفزعها العنان وتستغيث صارخة » انتبت الصرحة فجأة » وكأما انكسر 

وكان الصمت الذي حل تاماً ساحراً كالدواء الشافي المعجز لو لم 
يحل » وفي اللحظة التي حل فما » وعلى تلك الصورة الكاملة » لفقد 
أحد أو الجميع عقوهم . 

قالت الزوجة بعد جرعة صمت سخية : كده يا حديدي .. OAS‏ .. 

وأجاب open‏ مناه ألا يصدر : أرجوك يا عفت .. gel‏ 


عايزه أعرف . أرجوك أنت ul.‏ ح أجنن عايزه أعرف a‏ ماوديتوش 
لوكاندة ليه .. ما سبتوش يتحرق مع أهله ليه .. عملت كده ليه . 


أرجوك قولي بس .. عشان ما اجننش .. 
كيف يخبرها وهو نفسه لا يدري اذا أقدم على ما أقدم عليه . كان 
قد إتخذ قراره من زمن وكف Ll‏ عن مساعدة أهل ١‏ زينين ) 


لغة الآى ١‏ 
AY‏ لآى ای 





vey 


وتوظيفهم والتدخحل لقضاء المصالح . إن أهل بلده هؤلاء لا يكاد يبرز 
من بينهم واحد حتى يتسابقوا إلى جذبه إلى أسفل وإغراقه في حل 
مشاكلهم . مشاكل لو تفرغ لها لاحتاج لأضعاف أضعاف عمره » فلا 
يوجد إنسان إلا وله مشكلة حادة ملحة تطلب الحل وتستحثه » ومائة 
ألف نسمة في زينين وما حوها بمائة ألف مشكلة » بقرار حاسم باتر 
منه أن تبقى له حياته الخاصة ومشاريعه وطموحه وأن ينفض عن نفسه 
هذه الأيدي الكثيرة التي تريد إنزاله وجره إلى حيث هم وكأنما لا 
يطيقون رؤية البارز العالي ولا يسترحون حتى يبرك مثلهم ويعجر . 


ولكن السكرتير جاءه قرب الظهر قائلاً : إن أبا فهمي وعمه بالخارج 
وأنهما يريدان رؤيته . وحياته ليس فيها إلا فهمي واحد » أول » وربما 
آخر طفل أو إنسان يعترف الحديدي لنفسه إنه أذكى منه . كان فهمي 
إذا وقف ليجيب وقد عجز الفصل عن الإجابة النفت الحديدي بكليته 
ناحية » يتأمل ملامحه الشاحبة » ووجهه اللىء بالعظام الناتئة والذي 
تكسوه مع هذا غلالة من مهابة خفيفة » مهابة التفوق أو العبقرية » 
وكل كلمة ينطقها كان يتأملها وتبهره حتى الطريقة التي ينطقها بها » 
فكل كلمة كانت الصواب بعينه » كل كلمة بالضبط ما يجب أن يقال 
وما يعجز الجميع عن قوله » فهمي كان يقوها ببساطة ودون أي جهد » 
في ذلك الفصل من المدرسة الإلزامية ذي الجدران المتساقطة الطلاء 
الكاشفة عن الطين الذي بنيت به الحيطان » الفصل ذي السبورة الكالحة 
البالغة الصغر وكأئما هي سبورة Lele‏ لتلميذ واحد » المزدحم بعشرات 
الطواقي الصوف والبيضاء القطن وأحذية الإخوة الكبار أو رما الآباء 


AA 





yey 


والقباقيب والحقائب القماشية التي صنعتها كل أم لابنها » أو خيطت على 
المكنة فوق البيعة مع الجلابية » الأيام الأولى التي كان الحديد يتعرف 
bpd‏ على مدل العام المقروء المكتوب ويحاول أن يحذق مبادىء أسراره » 
وفهمي رفيق تلك الأيام ومثلها الأعلى .. أيكون أهله هم من ينتظرونه 
بالخارج . 

وأمر بدخوطهم .. 

ومن باب الحجرة دحل ثلاثة أو أربعة أناس من حجم قصير تخين 
واحد . ورابعهم مثنى على نفسه لسبب مجهول . أجال بصره فيهم . 
إن ملاح فهمي محفورة في ذاكرته لا تمحى أو تموت . وأجال بصره 
حاولا أن يعار على من يصلح ليكون أباً لفهمي أو عمه .. ولكن ملامحهم 
بدت غريبة حتى على أهل زينين بشكل عام .. 

Jul —‏ فين فهمي ؟ 

وتسابقوا في إرتباك عظم يجيبون » وينتبون إلى الإجماع على الإشارة 
للشخص الرابع المثني على نفسه . 

oe OD سے‎ 

أيوه يا بيه .. 

ا 

— أيوه يابيه .. هو .. 


ا 


Î الآ‎ us 
لغة الآى اى‎ /4 





Yee 


ورفع رأسه يواجهه رغم بقائه متنيا » وحدق الحديدي طويلاً فيه 
کمن يفتش في كومة من قش قديم عن إبرة ملامحه لطفل صديق كان 
أعز عليه من نفسه .. 

أنت فهمي ؟! 

أيوه .. يا .. فاندي .. 


جاءه الجواب من وجه المومياء الخارجة لتوها من القبر أو المستعدة 
توأ للدخول فيه » وجه منقبض بالألم وكأتما cad‏ ملامحهه عنده 
وحنطت عليه .. 

ألت فهمي أبو .. 

أيوه .. ope gf‏ يا بيه .. ده كان معاك في المدرسة .. بس 
حضرتك مش فاكر . 

أمعقول هذا ؟ من الطفل المرتب النظيف الذي تحيط بوجهه مهابة 
التبوغ » ومن العينين اللتين يطل Layee‏ الذكاء النفاذ والقدرة المعجزة على 
الإدراك » أين هذا من ذلك الرجل الذي يبدو عجوزاً محطماً تجاوز 
الخمسين » المظلم القسمات كالأرض البور » المطفا العينين لضيقهما 
كشريط اللمبة حين يحمر من تلقاء نفسه ويقصر ويحترق لدى فراغ 
الكيروسين . 

وأحس بفجيعة ذات طعم خاص » كان دائماً متأكداً أنه سيلقى 
فهمي يوماً ما » وكان يعد العدة لهذا اللقاء الحافل . إن قدراً كبيراً من 
الرهبة التي يحسها لفهمي مبعثه أنه كان يتخيل دائماً أن فهمي سيظل 


0 





40 


متفوقاً عليه وعلى الآخرين . وأن الذي باستطاعته أن يتفوق كطفل لابد 
باستطاعته أن يتفوق كشاب ثم كرجل . ولم يكن أبداً يتصور أن اللقاء 
سيتم على هذه الصورة وأن الطفل الذي في ذاكرته سيمخض عن هذا 
الرجل . كان يدخر الحظة التي يقابله ed‏ كلاماً كثيراً يريد قوله › 
وكيف أنه إذا كان قد أصبح الأستاذ الدكتور الحديدي أكبر مرجع في 
الكيمياء العضوية في الشرق » وإذا كان قد أصبح زيش lt‏ إدارة 
مؤسسة كبرى ومرشحا أكثر من مرة للوزارة وعضوا في عشرات اللجان 
lel,‏ العلمية ف الشرق والغرب فجزء كبير من هذا الفضل يرجح 
لفهمي » فقد كان الصوت الذي ظل لأكثر من ثلاثين عاماً من الزمان 
يلهب طموحه ويدفعه للتفوق حتى ينتصر » ولو مرة واحدة » على 
الطفل العبقري الذي ظل يحافظ عليه في ذاكرته كصور القديسين التي 
لا تمس . وها هو اللقاء » وها هو القديس . 

أنت فهمي أبو عنزة ؟ 

— أيوه يا بيه . 

فاكر العنزة .. 

عنرة al‏ يا بيه ؟ 


العنزة التي سرقها ليشتري لحسين أبو ير والد منصور EAM‏ 
حقن الدواء 505 التي قيل إنها بخمسين قرشأ وأنها دواؤه الوحيد . فقد 
كان فهمي شهماً أيضاً » لا يتردد في الذهاب سائراً على قدميه إلى البندر 
أو بقاء الليل بطوله ساهراً أو اليوم كله عاملاً كادحاً إذا أحس أن غيره 
في حاجة إلى هذا العمل أو الجهد » خصال جعلت الجميع يدهشون 


\4 لغة الآى sl‏ 





14 


ويفجعون لإقدامه على سرقة العنزة . وإن كان السبب قد عرف والعمل 
قد اغتفر . إلا أنه حرج Gea‏ بالاسم لاصقاً به ملغياً امه الحقيقي وحالا 
ale‏ , 

أهلاً وسهلاً .. أية خدمة . 

بالطبع فلابد قد جاءوا » مثلما كان يجيعه المكات في إنتظار أن يحقق 
لهم بمفرده ومركزه المعجزة . كان سهلاً تخمين المطلوب هذه المرة » 
فلابد أن فهمي مريض ولابد eel‏ يريدون إدخاله المستشفى . 

وحاول أن يتتحدث إليه ويسأله عن مرضه متنياً على نفسه في جلسته 
لا aby‏ رأسه ولا يبدو عليه أن يسمع ما يقال . وتبته أبوه وعمه وهم 
يعتذرون عن صمته وكيف أنه دام الحدوث » بل أحياناً مضي عليه 
أيام كثيرة دون أن ينطق فيها جرف » ولم يكن المرض في عقله أو نفسه 
وإنما كان في مثانته » فهم منہم أنها لابد بلهارسيا أدت إلى سرطان في 
المثانة » poly‏ لفوا وتعبوا على جميع ( حكما ) المركز ومستوصفاته 
ومستشفياته وحلاققي صحته والعرب الذين يكوون بالنار» 
و ( يخرمون ) بالمسلة حتى قالوا لهم في مستشفى المحافظة في النباية أن 
لا فائدة من العملية وأنه بحاجة إلى علاج بالأشعة في مصر . وأدحنا 
جينالك يا بيه ربنا يخلي لك أولادك ويتعك بالصحة . 


ومن غير دعاء » كان قد قرر أن يتكفل بالأمر . إن الدين الذي 
في عنقه للكتلة البشرية المنكفغة على نفسها أمامه ملفوفة بالملابس المهرأة » 
كبير » ولقد Oly‏ أوان رده وإيفائه . 


۹۲ 





vty 


كانت المشكلة of‏ يتخلص Vel‏ من ١‏ الجماعة » التي ترافقه 
ويسعصحبه إلى بيته ليقضي فيه الليلة وني الصباح واعقاداً على صديقه 
أستاذ الأشعة يدخله المستشفى . فقد كان عليه أن يدبر أمر ذهابه إلى 
البيت بطريقة لا تجرح ذكراه في نفسه من ناحية ولا يظن معها من 
ناحية أخرى بواب أو ساع أنه أخ له أو قريب » وكان عليه أن يتغلب 
على معارضة ( عفت ) زوجته التي لابد سترفض إيواء شخص alte‏ ولو 
ليلة واحدة ولو لكي ينام في المطبخ أو في فراش السفرجي . 

ولقد تم كل شىء كا قدر له الحديدي » إلا معارضة الروجة التي 
بقيت حتى بعد رضائها بوجوده في البيت وأمرها للسفرجي أن يتكفل 
به وبحراسته وإطعامه . وهكذا لكي يقلل من وقت وجودها بالشقة 
اقترح أن يذهبا إلى المسرح » وحين عادا في منتصف الليل كان المدوء 
المعتاد يخم على البيت . وكل شىء فيه هادىة ‏ ونور المطبخ War‏ 
وبعد نصف ساعة كانت عفت تستمتع بمراحل نومها الأولى وكان 
الحديدي مغمض العينين لاتزال بينه وبين النوم مشكلة مجلس الإدارة 
الذي أجلت حكاية فهمي من اجتاعه ومن المشهد العاصف الذي كان 
قد أعده لكي يسحب فيه البساط من تحت أقدام المدير العام ويجبره .. 
إما الظهور بمظهر الغبي الأحمق الجاهل وإماء حفظأ لماء الوجه» 
الإستقالة . 


حين جاءت الصرخة الأولى . 
وأعقبتها الثانية والثالئة . 


لغة الآى 1 
ay"‏ ا 





YA 


وتكهرب جو البيت LE‏ » أيكون قد تورط في Ue‏ أكبر دون أن 
يدري » وظن أنه يأوي قطعة حديد خردة عزيرة dels‏ طريقها في 
الصباح إلى الورشة فإذا بها قنبلة بدأت تنفجر وتوشك أن تدم البيت ! 

وعلى عجل أسرع إلى المطبخ حافي القدمين » كان مظلماً لايزال 
ولكن رائحة خائقة حامضة قابضة نفاذة واجهته لدى فتح الباب . مد 
يده يضىء النور ولكن الشلل أصابها قبل أن تصل إلى المفتاح . فقد 
انطلقت من المطبخ الضيق اهة صارخة ثاقبة كعشرات من الأبر الحادة 
المسمومة أنطلقت في كل إتجاه . لا يمكن أن يكون هذا صراخ ألم أو 
للتعبير عن cdl‏ ولا جرد أصوات » أنه شىء مادي ينخر في الجسد 
ويصيب السامع بالحمى » فوق احقال البشر . 


أضاء النور وهو فعلاً خائف » ولم يلمح فهمي في الحال فقد وجد 
الفراشٍ الذي منحوه إياه LK ye‏ والمطبخ بكل ما فيه مبعاراً 
ومدلوقاً والمقشات منتزعاً قشها وريشها ومنثوراً » وعدداً لا يحصى من 
بقع الدماء الصفراء 5 تصبغ الأرض وباب الثلاجة Sadat‏ البيضاء 
والرائحة السة الخائقة ee‏ هناك لكأنه كان ميداناً لمعركة حامية 
الوطيس دارت بين إنسان أعرل وخصم جبار غير منظور » لكأن 
الصرحات كانت صرخات رعب الإنسان من عدو خفي يسحقه 
بالضربات وهو عاجز محاصر متألم مهزوم لا حول له . 


ونظر ثانية ألقاها على المطبخ بعيني الزوجة هذه المرة أدرك بعدها 
فاجعة لم يكن يتوقعها Lal‏ قد حلت . وبحث عن فهمي فوجده قد 
حشر نفسه بين منضدتين من مناضد المطبخ عارياً تماما ليس عليه إلا 


45 





4۹ 


فائلة مهراة » رأسه يتحرك في كل إتجاه » عيونه الميتة المطفأة تقدح بشرر 
أبيض دائبة الحركة في محجرها تبحث عن Lin‏ ومخلص » وبكيانه كله 
كان يتجه إلى أعلى في يأس كامل كمن يدرك تماماً أن لا نجاة . أنه 
1 سرطان المثانية المروع حين يزحف مع الليل حين تبدأ قطرات البول 
تتجمع بحمضها عبر الورم الخبيث الذي نفد إلى كل المسالك » ومرور 
القطرة على الورم المتبتنك المجروح » يسحق بالألم الذي يصدره LIS‏ حياً 
في فخامة الفيل وبلادة إحساسه ويجعله يجثو ويحفر الأرض بأظلافه وملا 
الدنيا ببتاف مروع صارخ .. إنه الألم الذي يسمونه فوق احقال البشر » 
فهو لم يخلق لبشر » ولم يخلق البشر وتزود أعصابهم بتلك القدرة المائلة 
الدقيقة على الإحساس كي يسحقها ويكويها ألم كهذا الأ . 


أخرج فهمي من مكانه ولايزال رأسه وعيناه وكل كيانه في حالة 
تلفت مسعور وبحث عن مفر » مشغول عنه وعن المكان والزمان والدنيا 
كلها ا هو حادث فيه وبداخله » فيقف ويجئو ويتمدد على بطنه ويركع 
ويقوم هالعا واقفاً ويفتح فمه إستعداداً للصرخة » وحتى يكتمها 
وبحتملها يحشو فمه بذراعه أو بالخدة أو المقشة ويغرز أسنانه فيا ويسيل 
الدم من الذراع ومن الفم » ومع نقاط البول الكاوي . 

وشعر بضغط خانق يكت أنفاسه وبرغبة مجنونة أن ينطلق هادراً لاعناً 
نفسه وبلده وأناسها واليوم الأسود الذي كتب عليه فيه أن يولد منها 
ويصبح عليه أن يجيا عمره كله يحمل عن أناسها مهم وفقرهم وعجزهم 
ومرضهم Lely‏ آلامهم وبوهم » ولكن ما الفائدة ومن يتلقى لعناته 
واحتجاجاته إنه لا يستطيع حتى أن يطلب من فهمي أن يكف عن 


he‏ لغة الآى اى 





9° 


الصراخ أو يرغمه على البقاء في ركن بعينه من المطبخ إلا إذا كان 
باستطاعته أن يأمر AM‏ الذي في داحله أن يكف والشيطان الذي S56‏ 
أحشاءه أن مجع . 


ومع خطوات مترددة في الصالة ¢ ومخافة أن ترى الفاجعة الحادثة . 
Lal‏ النور وأسرع عائداً إلى حجرة النوم ليجد عفت في منتصف 
المسافة . 

هيه .. عملت Gal‏ 

قلت له يسكت .. 


oly —‏ ما سكتش ؟! 
حا يسكت .. 
آي ياي ياي ياي ياي ياي ياي 


وأسرع حلفها إلى حجرة النوم التي فرت إليها مذعورة . وما كادت 
الصرخة تنتبي حتى وقفت تواجهه وتهبىء نفسها للعاصفة المقبلة 
الموجاء . ولكنه أسرع » واستطاع رغم دفعاتها وتملصها أن يحتويها بين 
ذراعيه » ويقاوم إحساسه بالرغبة الملحة في الإنيار ويعترف لها بصدق 
واضح وملموس أنه أخطأً وأنه ما كان يجب » وأنه يطلب الصفح › 
وأن يكون صفحها على هيئة مساعدته في تدبير الحل للموقف فهما في 
قلب الأزمة معاً ولا سبيل أمامها إلا الاحتال . وما تنزلوش ينام تحت 
عند البواب ليه ؟ فضيحة والساعة إتين . أروح أنا عند ماما . دلوقتي ؟! 
أنا ما أقدرش استحمل . عشان خاطري . ما أقدرش .. أرجوكي .. 


1 





Yo\ 


غلطة وباعتذر عنها وبأرجوكي انك تساعديني وتستحملي . استحمل 
إزاي يارب . استحمل إزاي . 


# KK ¥ 


آي آي آي بي بي يا يا ياي 
ol‏ يا مامي ما أقدرش على كده ما أقدرش 


إيه ده . ده مش بني ادم « دول عفاريت » دول جن . ألحقيني 
يا ماما أنا ح أجتن . 

وشيعاً فشيعاً بدأ الحديدي بحس أن إرتباطه بحجرة النوم وبالزوجة 
التي Yvert‏ ويسكها » بالبيت والحاضر كله تضعف وبتوتراته تتراخی 
وبوجدانه يستحيل إلى بحيرة هائلة ملساء على استعداد لاستقبال أدق 
الرذاذ الصادر عن فهمي 7 

فرتك مرتلك شرتك دي دي دي دان 


a 


الألم لابد قد إزداد بدرجة مخيفة » خفف عنه يارب . 

واج الواج الواج الواج الواج 

وإلى جوار هذه القادمة من المطبخ » جاءت أخرى رفيعة طفلية من 
الحجرة المجاورة ما كادت تسمعها عفت حتى » بقوة عاتية حارقة 
حلصت نفسه من تكتيفته وجرت خارجة إلى الغرفة الأخرى . ولكن 


١ الآى‎ aad 
5-8 ۹۷ 





YoY 


الطفل » طفلها الوحيد قابلها قادماً باكياً منادياً : يامامي . واحتضنته 
وحملته وبتدمر وتوهج قالت للزوج : 

ب اسع .. أنث لازم تطرده Ve‏ دلوقني يروح يشوف له مصيبة 
Oly‏ فما .. دا الولد قايم يرجف .. يا مصيبتي . 

يا عفت أرجوكي .. أنا شرحت لك الظروف الراجل ده 
عندي مهم قوي وما أقدرش أطرده . 

— مهم أكتر مني ومن فهمي ده . 

س مش ST‏ » إنما مهم » كفاية تعرفي أني مسمي فهمي ابننا ده 
على اسمه .. ده الوحيد اللي حرجت به من طفولتي . 

— إنتي عايزة مني إيه .. أركع لك .. قلت لك أرجوكي .. أنا 

وأنشغل بكليته في عملية استدعاء طبيب الإسعاف وانتظاره » وم 
يدهش حين أخبره الطبيب أن الخدر في حالة كتلك ضعيف المفعول لا 
ينجح عادة في تسكين الآلم فآلام هذا النوع من السرطان أقوى من 
الخدرات وكل المسكنات التي احترعها الإنسان . 

وكانت الفائدة الأهم للطبيب أنه أعطى الروجة حقنة من عقار 
منوم » وبعد مدة قليلة نام فهمي الطفل في حضن أمه . 

وأخيراً أصبح وحده مع الصرخات القادمة من الأعماق و قال 
الطبيب لم يكن tbl‏ قد أحدث تأثيرا يذكر . المشكلة OW‏ أن يعاد 


4A 





Yor 


الإتصال .. أن يعود إلى نفس الحالة الوجدانية التي كان عليما قبل أن 
يصحو الولد وتثور الزوجة . أنه لا يعرفها ويذكرها وهي قريبة دانية 
ما ولکنہا ترف وتذهب » يتذبذب بينها وبين حالته العادية » يه يه 
يه يه يه فمندا مندا مندا هوندا بندا سارادات . 


وأحس براحة باهتة وبالأصوات تصل إلى مكان سحيق داخلي فيه 
وتنعشه في رقة وعذوبة ؛ بالضبط هذا هو المكان . هنا يحس بها تتجمع 
.. آهاته التي لم يطلقها أي باي يانا يا بوي . 


يا بوي موجوعة GU‏ للحديدي بالضبط على الوجع . يابوي إنها 
ليست من لغة الحياة YS,‏ من لغة الأعماق والآي . إنه يحس بها تعبر 
عن وجعه هو . منذ سنوات وسنوات وهو يريد أن يقف في ميدان 
التمحرير ويستجمع شجاعته . وبكل قوة وبالحر ما يستطيع يطلقها ) 
عالية موجوعة صادرة رأساً من الوجع مثلما يفعل فهمي الآن » ولكنه 
في اللحظة الأخيرة يعدل ويضعف ويخاف أن يفر منه الناس ويتهموه 
pl‏ ن فيخمدها ويكبتها ويردها إلى حيث ترقد الكثيرات من زميلاتها 
المكبوتات الحبوساٽ . 

آي آي أي فركش أن منكش أي بعقش أي .. 

الآن فقط يحس بها كلها , بالامه » ويحس بها أبشع حتى من الام 
فهمي وأوجاعه .. كل الفرق أنه ليس له الحق في التوجع مثله » لن 
يصدقه أحد إذا صرخ وترك أعماقه تعبر عن نفسها المكتومة الوارمة 
المضغوطة » ألم بلا آهات . أضعاف أضعاف AY‏ 


لغة الآى ١‏ 
44 ی ای 





Yo’ 


الآن وهو وحيد مع نفسه وموجوع مثله وأعماقه مفتحة الأبواب 
أمامه يستطيع أن يسأل نفسه : ماذا يله ؟ إنه فوق القمة » كل الخط 
العريض الذي رمه ahh‏ تحققق » زوج ورب أسرة وسعيد محوط بالرعاية 
GH,‏ والاحترام انى يكون فمن أين تجيئه الآلام التي لا تطاق حتى 
أنه ليحسد فهمي على حالته . 


ترى ماذا كان يفعل ويشعر لو حدث له ما حدث لفهمي وبدلاً 

من التعلم المتواصل الذي هيأه له أبوه الصراف الذي كانوا يتندرون 
عليه ويسألونك وأنت ذاهب لتدفع Sill‏ : مال الحكومة واللامال 
الصراف » Vy‏ من هذا أحرجه أبوه من المدرسة واشتغل فلاحاً كان 
هذا مصيره . أي إنسان في مکانه لابد أن كان يقبل يده ظاهراً وباطناً » 
أين هو وأين فهمي ؟ هو الذي لابد تختاره إذا طلب إليك أن تختار 
مائة يمثلون الصفوة في هذا البلد . المتمتع بكامل صحته وحياته » لا 
حق من حقوقه مهضوم ولا شعرة ظلم تمسه أو تمس مركزه › أين هو 
من إنسان كفهمي تكفل الفقر بالقضاء على عقله وأحاله إلى واحد آخر 
من ملايين الفلاحين السذج » وتكفلت البلهارسيا بالقضاء على 
جسده .. فالمفروض أنه OM‏ ميت وعمره مسألة أيام وحياته كانت 
أبأس tle‏ وشقاؤه كان من نوع يضرب به المثل .. لو كان قد حدث 
له هذا .. تراه ماذا كان يقول عن « أله » المزعوم وأوجاعه ؟ 


قال eo eae‏ كك كرد معت 


كيف ؟ المسألة ليست فقراً وغنى أو تعليماً وجهلاً » السؤال هو : 
soll‏ ا عت لين ae cae dy‏ انا نا فلم 





Yoo 


+ والحياة أي حياة » أروع ملايين المرات من الموت › أي‎ cel 
أرق المناصب سعيداً‎ Sue حتى لو كان الميت مكفناً في ملابس أنيقة‎ 
. الزوجية‎ ale في‎ 

ولكنك حي » أنا ميت » إنه ليس تلاعباً بالألفاظ . إنها حقيقة . المقياس 
الوحيد للحياة أن تشعر بها » وأنا لم أشعر ولا أشعر بها » إنني أقضي 
حياتي كعملية حسابية دقيقة هدفها الوصول .. وحين أصل لا أسعد 
لأن أمامي يكون ثمة وصول آحر . 


إن فهمي قد عانى من الفقر » والبوؤس » ولكنه كان يعمل مع الرجال 
ويضحكون سويا » ويتشاورون في مشا 7 العمل ويستمتعون بمشوارهم 
إلى السوق يفر حو لعود الفجل | إذا ا ضيف إلى UV‏ ولا أحد prs‏ 
يأكل بمفرده إذ الطعام ليس أن تجو ع Sy‏ بدك . الآكل عندهم أن 
يحل موعد الطعام ويلتفون حوله في ترحيب . ويتعازمون ومبزرون 
ويحسون أنہم يقومون باحتفال إنساني صغير » أنهم يفعلون هذا دون 
إدراك لكنبه ولكنبهم به 6 ببذه الأشياء الصغيرة امتنائرة في طريق حياتهم 
يمتلىء كل منهم بإحساس يومي متجدد » Ai‏ حي وأن الحياة مهما صعبت 


حلوة . 
نا قضيت حياتي أجري cally‏ لكي أصل | hoa‏ 
كان على أن أظل أصعد ولهذا كنت أصادق أو تضمني de yet‏ » لا 


لكي أستمتع بصداقتي ورفاقيتي ها Udy‏ على ساس nae‏ وعلى اعتبار 
Ul‏ أسرع من المجموعة التي هجرتها وأظل سائراً معهم ما داموا يسيرون 
بنفس السرعة التي أريدها » حتى إذا أحسست انني بحاجة إلى سرعة 


لغة الآى آى 





Yor 


أكبر هجربمم إلى مجموعة أخرى » أو سرت بمفردي كي لا يعوقني 
معوق . وما توقفت مرة كي أواسي la‏ أو أخذ بيد أعرج معتبراً أن 
ليس الذنب ذنبي أنه تخلف أو أنه خلق أعرج . ولقد ظللت أسرع 
وأسرع لكي hal‏ الحياة حين أصل ولكن لم يكن للوصول be‏ بعد 
التخرج قلت العمل » بعد العمل . الدكتوراه » بعدها الأستاذية » وحين 
أحسست أنها تستلزم الإنتظار هجرتها إلى الشركات » قلت .. بعد 
الزواج وحين تروجت قلت .. نبد الحياة مع الأولاد وحين حلفت قلت 
الأوفق حين يكبرون » وهائذا لا أزال أجري مسرعاً وقد أصبح هدفي 
ليس الوصول إلى أي شىء ily‏ الإسراع في حد ذاته » تماماً مثل الذي 
يبدأ حياته بتوفير النقود كي يحسن مركزه المالي ويبداً يجيا بعد الألف 
الأولى » وحين يصل إلى الأولى يصبح هدفه الثانية فالثالئة » إلى أن ينسى 
ul‏ تماماً ويتحول إلى بخيل مقتر هدفه جمع المال ليس إلا . 

ياني ياني ياني ياني يا بوي . 


أحس بتوجع فهمي بريحه راحة بدأت تصبح عظمي » وكأن فهمي 
يتوجع لكيهما أو أكار من هذا » كأنه هو الذي أنيح له حيرا أن يتوجع 
كا يريد وبكل قدرة استطاعته » إنه AV‏ المتراك عبر السنين .م الحزن 
الدفين والإاكشاب . إن Oly‏ جهز بثركيبه وأحساسيسه dole alt‏ 
تسمى الحياة الجديرة بالإنسان » وهو لا يستطيع أن يخرج bale‏ وصياه 
حياة من صنعه هو ومن ابتكاره | لا وهو ينام وآلامه تتضاعف › ولقد 
قسا العمر كله على طبيعته gy‏ نداءات الأعماق المطالبة بمتع الحياة 


۰۲ 





YoY 


الصغيرة الكثيرة العادية التي تعطيها طعم الحياة . قسا عليما ليجبرها أن 
تحيا بمفردها . 


أبو .. أموا .. أبوا .. أموا .. أبو .. واه .. 


بالضبط يا فهمي » الوحدة للوصول » الوحدة للسرعة » AM‏ البشع 
لفراق الئاس والبعد عنهم .. الوحدة القاتلة التي تربى الخوف من 
الآخرين وتدمر الثقة بالنفس » الوحدة لكي تكون حراً أكثر ومنطلقاً 
أكار وحياً أكثر التقوقع فإذا بها تؤدي إلى التوقع والرعب من الآخرين 
ونحديد الحركة وإحاطتها بعشرات القيود » همه يحمله وحده » ومرضه 
ينفرد به » وضيقه هو المسفول الوحيد عنه » الألم » أضعاف أضعاف 
الألم الذي يسحق فهم ويدمره وهو مرغم على US‏ يخاف خحوف الموت 


أن يطلع عليه أحد فإن تألم الرجل أو حاجته للفضفضة إلى الآخرين 
ضعف وعورة. 


دي دي دي دي دي دي .. 


ياللمضحك .. إنه بحس أنه رما لأول مرة يذكرها في حياته .. 
سعيد » سعيد إلى درجة لا يصدقها العقل ولا يصدقها هو نفسه › إنه 
حقيقة متأثر لأوجاع فهمي ولكن فرحته هو هذه اللحظة التي Male‏ 
أجل iy,‏ أول lala dat‏ » لا توصف . ومن الصعب أن يدرك 
الأسباب ولكن لابد أن أهمها أنه أحيراً إستطاع بوسيلة معقدة مركبة 
تعتمد على أعماق تخاطب أعماقاً خلال لغة غير مفهومة » أخيرأً استطاع 
أن يتصل » وأن يشارك » وأن يزاول See‏ من أعمال الاحياء » يزاوله 


لغة الآى of‏ 





e۸ 


بمتعة وسعادة » سعادة تدخله في حالة وجدانية ها صفاء tad‏ الكشف 
لدى المتصوفين وعمق لحظة الخلق لدى العباقرة » لحظة ها هو يجس 
فيها أنه قادر على الإنصال بكل إنسان وبكل شىء » بل قادرا على 
الإتصال بنفسه وبالتحديق ملياً في أعماقه دون أن يرده الرعب pall‏ ما 
قد يراه , 


وكلما إندج في حالته الوجدانية تلك » أحس بنفسه تتفتح أكار 
وتعمق » وتتقوى صلته بفهمي حتى لكأنه يقرأ ما يجأر به في AS‏ 
مفتوح » وأحس Last‏ انه ينجذب إلى مكانه ليصبح أقرب » إنجذاباً 
مريحاً be‏ إلى درجة لم يدرك معها أنه كان قد غادر الفراش ومضى 
يعبر الصالة في عدد كبير من محطات الممشى الضيقة . كل خطوة 
بمحطة » مع » كالصوت البعيد يأتي ALU‏ نافذة جار تفتح ويعقبها 
صرت زعيق ولابد 
انه كلمات سباب » سمعها وکانہا لا تمت إليه ولا 
تبمه » إنه يرى حياته OV‏ بكل كبيرة وصغيرة حدثت led‏ وها مجسدة 
مجموعة أمامه » بحيث بنظرة واحدة يستطيع أن يرى نفسه تقريباً من 
يوم ميلاده إلى يومه هذا .. 
الغريب أنه ينظر إليها وكأنها حياة غريبة عنه » لا تربطه بها أو 
بصاحبها Sal‏ علاقة » لا تربطه ذكرى بأي جزء فيها أو موقعة وأغلب 
الظن أنه لا يذكرها c‏ أنه لا یکره شيئاً في الدنيا قدر كراهيته ahd‏ 
تلك أنه يمقتها » ولولا النداء القوي الصادر له من فهمي -لحملها في التو 
وقضى عليها وعلى نفسه » ولكن النداء أقوى » أنه يتسرب إلى كيانه 


¢ 





54 


كله ويبز هيكل الحياة فيه ليوقظ حبه الغريزي لها » ومن الظلام الكثير 
الرابض Me‏ الصورة » تبدأ تتسرب موجات كاشفة مضيئة » يجسر معها 
على التحديق والرؤية ليتابع نفسه وهو يجري ويجري » وحده 6 الئاس 
LA‏ وهو يجري » والشاشة مليغة بالصلات المقطوعة بالصداقات المبتورة » 
بأجزاء العلاقات » بقم على الطريق مهدرة بإنسان لا يريد أن يرتبط 
بأحد حتى لا يعطله الإرتباط ولا أن ينتمي لجماعة أو حتى لصديق 
لأن في الإنهاء فقداناً لذاته الحرة وكيانه » والنتيجة جري سريع إلى قمة 
الوصول هو في الحقيقة هرب سريع من الحياة » فالحياة هي الأحياء وأن 
تنفصل عن الأحياء معناه إنفصال عن منبع الحياة الأصيل . وفقدان 
طعمها ونوعيتها والتحول إلى الموث . 


الخطأ الفادح الذي يدركه الآن » وعلى الضوء الباهر الصادر من 
أعماق فهمي إلى أعماقه يراه » أن الوصول لا قيمة له بالمرة إذا وصلت 
وحدك » أية قيمة أن تصبح ملكا متوجاً أو We‏ حاصلاً على جائزة 
نوبل » وأنت ble‏ بصحراء جرداء » Uf‏ قيمة لأي شىء في CWT‏ 
للمتعة نفسها أن تحمس با وحدك ؟ 


وصحيح أنه ليس وحده فهناك زوجته وابده وأقرباؤه » وأخحوته ؛ 
وبعض الأصدقاء » ولكنها ديكورات علاقات ليس إلا .. إن حب الئاس 
للناس وإرتباط الناس بالناس لا ينشاً للزينة Uy‏ ينشأ لحاجة الناس 
ol‏ » الحاجة الماسة الملحة كحاجتك إلى ell)‏ والهواء والتي بدوما لا 
تستطيع أن تعيش » وهو له أخوة وزوجة وأناس ولكنهم لا يمثلون مطلبا 
حيوياً بالنسبة إليه » إن في إستطاعته » إذا أراد أن يحيا م تعود بدونهم : 


لغة الآى آى 





قد يكونون هم في حاجة إليه .. ولكنه هو ليس في حاجة لأحد » أو 
بالأصح هو في حاجة حيوية ماسة » ولكنه nt‏ ويوهم نفسه مثلما 
أوهمها طول عمره أنه ليس بحاجة إلهم .. ومن هنا Lay‏ ألمه البشع .. 
من هنا «hy‏ ويستشري السرطان الذي يقتل الضحكة على فمه لأنه 
يحس أنه ليس بحاجة إلى الضحك » ويجمد العواطف في صدره لأنه بحس 
ليس بحاجة إلى أن يعطي الحب أو يستقبله » من هنا تبداً المأساة التي 
أحالته إلى ميت حي . 


وجاءته صرخحات فهمي › قريبه هذه المرة » إذ كان قد وصل إلى 
المطبخ » وجلس بجواره » جاءته بعد سكوت Jor‏ إليه أنه طويل » وكان 
at‏ إحساس فهمي بوجوده يجواره حفف عنه AM‏ .. جاوته 
الصرخات » أقرب ما تكون إلى البكاء » وأحس بنفسه وكأن بركاناً 
باكياً يوشك أن ينفجر » انه لم ييك في حياته منذ أن كان Mab‏ وها 
هو يحس أنه يود لو ظل يبكي إلى أن توافيه المنية » إشفاقاً على نفسه 
وهو أول من أدرك أنها أكار أهل الأرض جيعاً حاجة إلى الشفقة ... 

هات يدك يا فهمي » ضعها هنا على صدري » إنه خاو 5 ترى . 
أنا أعرف أنك مريض » وأحس بك وأريد أن أقاسمك AM‏ » ولكن لا 
أستطيع فقلبي من خشب » تركتكم جميعاً » أنت في زينين » وسعد في 
be‏ وعبد احسن في أسيوط » وشلة الجامعة » وجمعية الكتاب » وكل 
الناس » giby‏ أنكم تسيرون في الطريق العادي » طريق الندامة .. وأن 


٠١١ 





vv 


الطريق الأسرع » طريق السلامة » هو الطريق .. والنتيجة أني مت من 
الناس » في حين أنهم هم الذين ينزورون عني » وما حاجتهم إلى جثة » 
حتى زوجتي وابني أحس أنهما لا يطيقان رائحتي .. أنا أريد العودة 
يا فهمي » أريد البداية من جديد » أطلب فرصة أخرى فمن يقبلني 
يا فهمي ؟ من يقبل جثة » من يرضى بي ع إني لا أجد في هذه اللحظة 
سواك يا فهمي » هل تقبلني .. هل تقبلني يا فهمي !! 

ما تعيطش يا محمود .. 

ولم يصبه الذهول مع أن القائل كان فهمي » وكان أول كلمات 
ينطقها › dy‏ يعجب أيضاً لأنه ناداه بمحمود 6 وكأنما ذكره الاسم 
بالتختة المشتركة وبأيام زمان » كل ما أحس به أن رجاءه قد تحقق » 
وأنه يقول : 

أشكرك يا فهمي .. أشكرك .. 

وانبطح الحديدي ببجامته على بلاط المطبخ » وتناول يد فهمي 
يقبلها » وسح بها دموعه السائلة التي لا تتوقف وهو يردد سامحني 
يا فهمي .. سامحوني يا ناس .. أنا غلطت وتعبت والألم فاض لي ... 
سامحني يا فهمي . 

ولكن فهمي كان قد عاد » بآخر وأقوى ما عنده » يصرخ والامه 
قد اشتدت بغتة .. وكانت نوافذ البيت جميعها قد فتجحت من زمن 
وسكانها يصيحون رغم أنوفه للاهات المستغيئة .. ويستجيرون من 


لغة الآى آی 





ray 


الصوت الذي لا يرحم أبوابهم ونوافذهم مهما أغلقوا وأحكموا 
الإغلاق » الصوت الذي أيقظ العمارة ببوابها وبهواتها وسادتها وداداتها » 
وبدأ يصل إلى العمارات الجاورة ويوقظ سكانها » ولو استمرت 
ole nal‏ لرما كانت قد أيقظت الحي الراقي بأكمله » ومن يدري ربما 
المدينة كلها كانت قد صحت ... ولکنہم كانوا قد طلبوا بوليس 
النجدة .. وحضر وفتحت له الزوجة نصف نائمة » غير أا أستيقظت 
تماماً حين قادتهم إلى المطبخ » ووجدت الحديدي راكعاً على الأرض يقبل 
يد فهمي ويستغفره .. 


ورفعوا فهمي » وألبسوه » وحاول جنديان حمله فيما بينهما ولكن 
EE E‏ 
لحمه ولم تبق له سوى العظام » وتشبشت عفت بزوجها سائلة إياه عما 
يفعله بنفسه » إلى أين ذاهب ؟ وابتسم ها » وأضاء وجهه کا تتعود 
بالإبتسامة وقال : رايم في طريق GU‏ صعب شديد ... تيجي معايا ؟! 
أنا مارحش وياك بالشكل ده .. أنت اجننت ؟ 


وأحاطت فهمي الصغير بيديها بيها استدار الحديدي بحمله الصارخ 
المولول » ومضى يتقدم الموكب 6 ونظرات السكان وأهل التي تتبعه 
وتحيط به تهمس وتسري بينها الحممسات الضاحكة .. لقد عاش في الي 
سنتين مرعوباً أن يكتشف أحد أصله وفصله ¢ وتبدو للأعين النائمة 
شعرة واحدة تكشف عن الجذور والسيقان التي يمت إليها .. ولا ريب 
أن كثيرين من سكان الحي كانوا يفعلون مثله » فها هو یری النوافذ 
والمدخل SR aa‏ . وهو الآن يستعجل اللحظات التي 
يغادر ٠ . tl ls b‏ وقد أصبحث الرائحة لا تطاق . 


1٩۸ 





۹۳ 


اللعبة 


دحل القادم الجديد مذهولاً » كان المكان وكأتما تحس أنك سقطت 
إليه من عل أو وصلته عن طريق سرداب طويل مزعج » ولكنه كان 
فاخراً بالغ الفخامة » اللون الغالب فيه هو الأسود » سواد .. كسواد 
الكاديلاك .. يوحي بالإناقة والعراقة » وكان النور غير ثابت المصدر » 
ومضطرب الإتجاه .. وتحس وكأئما توجهه يد خخفية إلى الناحية أو الناس 
الذين ينظر egal]‏ فقط » كان غموض مرح يسيطر على جو الحفل » 
والحضور تدرك بطريقة ما أنهم كثيرون ولكن عدد من يقع بصرك عليهم 
قليلون تستطيع التفرس ped‏ بسهولة .. ودخان السجائر والسيجارة يلون 
الجوع ببقع سماوية متحركة ويتشابك مع إشعاعات النور غير GA‏ 
ولكنه صخب وقور 55 als‏ إحتفال iat‏ شاب من أعرق عائلات 
الصعيد .. أو بتكريم حاص لوزير مهم » وعلى الوجوه نوع من 
الإستمتاع القلق الذي يتاب هذا النوع من صفوة الناس كلما إتيحت 
هم متعة 6 of ale‏ يضيعوا فيا وقناً من أوقات الكسب » وخدم » 
els‏ استحضروا خخصيصاً للمناسبة بأكثر من زي » لكونهم 
درجات ¢ والسيدات في فساتين السهرة .. ولكها ليست جديدة نماما 


۱۰۹ لغة الآى اى 





6 


كأتما لم تستعمل من أعوام » واستخرجت للمناسبة من الدواليب »› 
غالية » تبدو عليها اثار العز » بعضها مطرز بلالىء وإن كانت صغيرة 
لکہا حقيقية .. والوجوه » وجره الرجال » مكتنرة Sus‏ ولكنبا 
شاحبة » كالمجهدة . والسيدات عيونهن .. رغم تعدد ألوانها تبدو كلها 
سوداء كلها سوداء عميقة الغور وكأن صاحباتها يعانين من جوع جنسي 
لا يدركنه » والمقاعد قليلة متنائرة » أقل بكثير من عدد الحاضرين » 
LS,‏ راسخة في أماكنها وكأئما مضت عليبا أحقاب .. وقماشها من 
القطيفة الحمراء الغامقة التي تبدو حمرتها مع سواد البدل ورماديتها مع 
الفساتين الفاتحة ... والسقف الأحضر بإنعكاسات الضوء » وسحابات 
الدحان المتعددة: الدرجات » والعبير الصادر عن ( برفانات ) حديثة Oly‏ 
كانت تعطي رائحة كرائحة عطر الجدات العربي القديم » والضجة 
المكتومة الصادرة عن لا مصدر والتي تتيح لكل إنسان أن يتحدث مع 
أي إنسان دون أن يثير الإنتباه أو يتسرب من حديثهما الكلام » كل 
هذا جعل القادم الجديد يحملق ويتردد ويضطرب كثيراً قبل أن يستطيع 
أن ene‏ أن يكون موقفه . كان واضحاً أنه لا يمت إلى المكان أو 
الحاضرين » “is,‏ دخله بطريق الخطأ » ولكن من ملامحه و تصميمه 
كان يبدو أن له الحق في الحضور » وأنه يملك » رما في جيبه هذا الحق .. 
وأنه على استعداد OY‏ يظهره ويتحدى به كل من يجرؤ على سؤاله أو 
العصدي له . ولم يكن أحد قد لاحظ دخوله » أو اكترث ما أتحاح 
له أن يتدبر .موقفه وأن يتأمل الجميع أو بدقة أكثر من استطاعت عيناه 
أن تقع عليبا من الجميع » تأملا كان يدفعه إلى مزيد من القلق .. وشيثا 
فشيعاً يخلخل ثقته بنفسه » أين يقف ؟ تلك كانت مشكلة » وهل يؤثر 





٥ 


الوحدة أم لابد له أن يشتبك مع الآخرين في حديث ؟ مشكلة ثانية 
.. ومع من يتحدث إذا أراد ؟ dy‏ أي موضوع ؟ وبأي حق ؟ مشكلة 
we‏ ورابعة وخخامسة oe‏ 

أم تراه قد أخطاً المكان وتكون الكارثة ؟ . 


ودهش فعلاً حين وجد » دونا عن الحاضرين »> شخصاً يقترب 
منه .. كان جلياً أنه ليس من الخدم فلم يكن يرتدي مثلهم » ولا من 
الحضور .. فهم منصرفون إلى أنفسهم متکبرون .. لا يمكن أن يفكر 
أي منهم في مبادأته بالحديث » ولامر ما كان في مشية الرجل وطريقة 
اقترابه وابتسامته المتشح بها ما يذكر بالأدلاء الذي يتبافتون حول الفنادق 
لإرشاد السياح .. حتى سترته التي يرتديبا بدت أكامها ومقدمتها كأنما 
off‏ ومقدمة جلاليب الأدلاء البلدية .. وما أن قرب من القادم بدرجة 
كافية حتى اكتشف أنه يحمل أمامه وكأئما بحزام صندوقاً كالصناديق التي 
يحملها باعة السجائر ولكنه أصغر كثراً ولم يكن بحزام » وأنيق جداً » 
جدرانه وأركانه مطعمة ومشغولة بأسلاك معدينة نمينة .. وحين وصله 
وسع ابتسامته بطريقة بدت وقحة الأدب وقال بصوت فيه بعض التحدي 
وبعض الإغراء : 

ne‏ تضرب پا بيه ؟ 


واضطرب القادم بإنفعال مفاجىء . كان قد بدأ يدرك أن الرجل 
يحمل لعبة من نوع ما » aly‏ ليس الوحيد فهناك أكثر من واحد غيره 
يطوف بأرجاء المكان » بل هناك أكثر من لعبة يزاوها بعض الحاضرين 
في أطراف المكان الذي بدأ يصبح أكثر إتساعاً » وكأنه ناد » وكأن 


لغة الآى gl‏ 





rm 


الإحتفال مهرجان ماء أو ( تمبولا) والرجل لا يزال واقفاً أمامه 
ييتسم .. نفس الإبتسامة المؤدبة الوقاحة » ويعرض عليه مرة أخرى 
بإغراء أكثر : تضرب يا بيه ؟ 


وحتى دون أن يسأل أظهر له يده العنى فإذا فيا مسدس من نوع 
غريب أسود لامع السواد بطريقة ملفتة للنظر ومحيرة » جديد وكأنه م 
يستعمل قط » وحتى دون أن يشير أدرك القادم of‏ الصندوق الأنيق 
ملىء بطلقات مرصوصة بنظام رائع ومقلوبة بحيث أن قواعدها إلى 
أعلى .. أما الشىء غير العادي فهو أنه في الصف الأخير الأيسر توجد 
رصاصة ليست مثل غيرها من الطلقات .. فقاعدتها ليست برونزية اللون 
وربما المادة كالأخريات Sy.‏ وكأنها مصنوعة من فضة مشعة أو 
برد من معدن نمين بريقه يخطف البصر » بحيث إذا نظرت إلى الرصاصات 
المقلوبة في الصندوق لا تستوقف هذه الطلقة بالذات إنتباهك فقط › 
Ly‏ تستولي عليك تماماً وتكاد تعجز أن تحول البصر عنها » تضرب 
يا بيه ؟ مرة ثالثة قانها الرجل » وبالضبط لم يستطع القادم أن يحدد إن 
كان حقيقة قد قلا في المرتين الآ خيرتين of‏ أنه نفس النداء المغري يتردد 
صداه في عقله BUY‏ ولثالث مرة . بالكاد استطاع أن يسترد بصره المثبت 
على قاعدة الطلقة النادرة ليعود يعي بالرجل واللعبة . وحتى دون شرح 
فهم أن عليه أن يتناول من الصندوق طلقة ويضعها في المسدس » ثم 
يذهب إلى مكان في الركن مخصص للإطلاق حيث يوجد هناك حاجز 
ماما كا يوجد في لعبة التدشين بمدينة الملاهي » كل الفرق أنه لا توجد 
عدة أهداف » إنما هدف واحد » لم يستطع من موقفه أن يتبينه فإذا 
أسقطه يفوز بال جائزة » وأيضاً لم يكن يدري ما هي الجائرة ولكنه كان 


۱1۲ 





۹¥ 


متأكدا أنها أعظم جائزة الها أو Se‏ أن يناما في حياته » وبدأ كل شىء 
يسيراً » والجائزة » أعظم جائزة قاب قوسين أو أدنى .. وما عليه فقط 
إلا أن يستعمل هذه الطلقة المشعة المتلألئة » حركة من يد الرجل 
أوقفته » يده اليسرى الخالية من المسدس . أشار له بها مطالباً بشمن 
الاشتراك في اللعبة موضحاً بأصابعه القيمة » وأخرج القادم من جيب 
بنطلونه جنيبين (pm‏ حدد » وضعهما في يده . 

وكان مفروضاً ine‏ أن يعطيه المسدس ويتناول الطلقة الفريدة 
ويعمر » ويذهب إلى الركن » ولكن Tad‏ من هذا لم يحدث . فجأة 
بدأ كل شىء بعيد الوقوع » المسدس في يد الرجل وني متناول يده . 
والطلقة في مكانها من الصندوق ترغلل cane‏ ولكن هناك مماطلة 
ومراوغة » وربما من أجل ألا يستعمل هذه الطلقة بذاتها » وربما 
للتسويف في التنفيذ .. رما لأن هناك أشياء كثيرة لابد أن تستوفي 
والوقت يمتد دون أي داع للإمتداد » والموقف لا يتحرك أو يتحرك 
منزلقاً متراجعاً .. وابتسامة الرجل تصبح أكثر وقاحة وأقل أدباً » وقلة 
اكتراث الحاضرين وانصرافهم إلى أنفسهم تزداد بشكل يجعل من موقفهم 
ذاك عاملا إيجابيا يتدخل ويساعد الرجل في مماطلته » ويحول بينه وبين 
أن ينال حقه وقد دفع قيمة الاشتراك ¢ وغيظا فغيظاً بدأ يحس إحساساً 
يتعمق ويدك كالمسمار المدبب الطويل في نفسه › أنه ضحية خداع لا 
يستطيع وضع يده عليه أو ضبطه » وأنه مسلوب الحق » وأن أحداً » 
وبالذات هذا الرجل الواقف أمامه بدأ يتراجع منصرفاً ويحاول الإندساس 
بين الحضور » يريد سلبه حقه والضحك عليه .. وکل من في المكان 





YA 


وما في المكان يساعده . فالحضور بدأوا يتكائرون » والخدم اشتدت 
ح ركتبم » والضجة علت قليلاً .. وثمة مؤامرة خفية تدور بين الجميع .. 
مؤّامرة صامتة غامضة تلتف خيوطها خفية تحت ستار الضجة المكتومة 
وبين ثنايا المسحب المدخنة المضيفة » وحتى من بين أنسجة البدل الغامقة 
والفساتين الفاتحة والقطيفة الحمراء . وصرخ في الرجل مهدداً . وتوقع 
أن wily‏ الجميع نوبة ذهول لصراخه » ولكن وكأنه لم يصدر Vie‏ 
ما انتبه أحد .. وزعق مرة أخرى ولم يسمع سوى ما كان يسمعه من 
ضجة الحفل الصاحب المكتوم .. وأصبح الغيظ بخنقه وصغرت الدنيا 
في ae‏ وهانت dy‏ تعد قوة في الكون تستطيع أن تحول بينه وبين أن 
يأل ويضرب الطلقة » تلك الطلقة بالذات » وبيده المنى ودون وعي 
انقض على الرجل وأمسكه من مقدمة سترته ولم يأبه الرجل ولا 
ا لحاضرون لهذا العمل . وكان يخيل إليه أنه عمل يعد جرية لا تغتفر 
في نظر امجتمع الحيط به » وبيده ممسكة الرجل من تلابيبه حدق في 
وجهه » كانت نفس الإبتسامة وقد أصبحت الوقاحة فيها هي الغالبة » 
تطل من وجهه الأسمر الستطيل » ويستطيل لا شاربه الأسود » وتجعل 
أسناتة البيضاء الحادة تطل من فمه المنفرج .. وفي الحال » وبيده SPM‏ 
صفعه على وجهه صفعة قوية أعجب شىء أنه لم يصدر عنها صوت 
LS‏ هي صفعة معنوية وليست مادية حقيقية ضربها بنفسه وهوى 
بها مجماع يده على الصدغ المستطيل الأسمر . وانقلب الغيظ إلى غضب » 
ولکنه غضب لم يصبه بالعمى » كان يرىء لم يفقد أبدأ قدرته غلى 
الرؤية وأدرك أن الصفع لم يعد يجدي وأن الوقاحة Wall‏ من ابتسامة 
الرجل في حاجة إلى نوع من الضرب أكثر إهانة » وبكل ما يملك من 


1١11 





قوة وبساقه الهبى ركله في بطنه » وكان متأكداً أنه هذه BM‏ سينفطر 
ألما » فقد كان الضرب من القوة بحيث لو أصابت الحائط الجماد لتألم » 
إل هو “قي + leat‏ فد شعن ONS‏ فة فد عقن 
ودشدشت . وكان أمله أن ينظر إلى الرجل بعدها فيجده cd ly‏ 
يكفيه .. حتى استرداداً لكل حقه أن يراه ولو لومضة خاطفة يتألم .. 
ولكن وجه .. وجه الرجل .. حين راه كان لايزال يبتسم . كل ما 
في الأمر أن الأدب ذهب Lu‏ من ابتسامته ولم تعد هناك سوى 
الوقاحة » وقاحة مستهزئة مستصغرة وكأنه ينظر إلى طفل .. وكاد 
يجن » فهو مدرك أن الرجل حي من دم ولحم وأعصاب وأنه حتماً قد 
تألم » فكيف استطاع أن يكبت هذا الألم كله وألا يبدو على وجهه 
خلجة واحدة أو ad‏ إهتزاز تدل على معاناة » أو تدل على تغيير ولو 
طفيف في تعبيره المبتسم الوقح » وإنهال عليه ضرباً .. وقد انقلب 
الغضب إلى حنق مجنون لم يعد یری معه كيف ولا أين يضرب . ولكنه 
كان على يقين تام أنه بجماع قوته وإرادته يضرب وباستاتة يفعل » وأنه 
يضرب هذا الرجل بالذات ولا يريد ولا يمكن أن يتوقف عن ضربه 
حتى لو أراد » فمن هناك من أغوار سحيقة جداً في كيانه كانت تتدفق 
حمم من ال حق المغلي امهب وتنفجر معبرة عن نفسها ألخيفة من خلال 
أيديه وأرجله وأسنائه .. فبأسنانه كان يعض وكأنه انقلب إلى وحش » 
وبكعب حذائه يدك وبقبضتيه يضمهما معا ويرفعهما عالياً ومبوي بهما 
دفعة واحدة كالمعول المائل محطماً ومدمراً » وكلما أحس بالوهن يزحف 
إلى إرادة الضرب فيه كان يكفي أن يتذكر أنه خدع وضحك عليه ومنع 


ol لغة الآ‎ 
5 \\o 





۷۰ 


منعاً من مزاولة حقه لتعود إليه كل قواه وبكل قواه يعود يحقد ويضرب 
ويضرب + 


وحين تعب تماماً ولم يعد يقوى على نجرد رفع اليد أو تحريك القدم › 
oe‏ ين أنه كله قد تداعى وتهدم » وكأنه المضروب » وأنه بالكاد 
ياتقط النفس » أنه يلهث » بل لم يعد يقوي على أن يلهث .. بحيث 
بإرادته لم يعد يتنفس وإنما صدره باحر فقوي الحياة فيه » ومن تلقاء 
نفسه وبغريزة الحافظة على الذات كصدر فقط يشهق كف » وسكت » 
سكن سكوناً تماماً وكأنه في طريقه لاستقبال الموت . وأول بوادر قدرة 
على الحركة إرتدت إليه فتح بها عينه . والمذهل أن الرجل كان لايزال 
هناك واقفاً في تراخ وهدوء أمامه والصندوق يحمله والمسدس نصف 
مختف في يده » والطلقة ذات القاعدة النادرة المعدن الخاطفة للبصر 
لاتزال في IG‏ من صفوف الطلقات » وابتسامته هذه المرة وقد عاد 
الأدب يختلط بالوقاحة فيها تحتل مكانها من وجهه › وأيضاً لايزال موقف 
الدليل العارض لخدماته » وصاحب اللعبة الذي يروج لها ويغري 
الآخرين باللعب 6 dy‏ يعد أمام القادم وقد استنفد كل وسائل القوة 
إلا أن يلجأ إلى التأنيب واللوم وأودع نظره كل ما يريد وإذا بالرجل 
يجيب وكأنه يقول : « آنا مش قلت للك عايز يا بيه تضرب ؟ ) .. 

وأجال القادم رأسه بضعف في الحاضرين » وكأئما أدرك متأخراً جداً 
eel‏ جرء من اللعبة بيا الرجل يفول : وادي أنت ضربتني » أجل 
حقيقة كان يريد أن يضرب » ولكنه كان يريد أن يضرب الطلفة لا 
أن يضرب الرجل . 


VAN 





۲۷1 


— ما هي دي اللعبة .. 
Ub‏ الرجل وقد إزداد الوقح في ابتسامته .. 


أيضحك ؟ 


لغة الآى أى 


11۷ 


Converted by Tiff Combine 








يفف 


of‏ القيامة لا تقوم 


إنه يريد مرة أخرى أن يسمع » ويرهف السمع ؛ فما يدور مهم › 
pal‏ شىء في حياته يدور › وراديو الجيران .. الحائط في الحائط » صوته 
عال كأنه يؤذن » ومن بعيد يأتي صراخ الأطفال الذين لا يرالون يقظى . 
الدبة وقعت في البير وصاحبها راجل خنزير . هل وفعت حقيقة ؟ وهل 
هي مستكنة الآن في fall‏ وهل صاحبها خنزير “مين ملظلظ WS‏ 
السباع إسماعيل ؟ أنه يريد أن يسمع ويرهف السمع » فهي » أمامه ترقد 
الآن فوقه تماماً » أو لابد كذلك » فالمرتبة تنبعج من بين الواح ( المّلة ) 
الخشبية » ولكن إبعاجها شديد » وأمه خفيفة .. فلماذا الإنبعاج 
الشديد .. كان هذا زمان » حين لم يكن يسمع سوى الحمس » 
العشاء .. وابتسامتها السعيدة تغرقهم- والطبطبة الحنون » ثم صوتہا 
لمتثائب قوموا يا أولاد ناموا .. الدنيا اتأحرت » وكالدجاج المطيع › 
تدخلهم' . ترفع داير السرير الأبيض وتدخلهم تحته » فالبيت حجرة 
واحدة » ومكانه المفضل بجوار الحائط في الصيف » فالحائط بارد يلصق 
نفسه ويلمس عليه بساقه العارية فيستمتع وكأنه يجرش قطعة ثلج › 
ويمضي الصيف Shy‏ الشتاء » ويغير مكانه إلى الحافة » وطوال العام 
هناك البقرة التي لم يسمعها بوضوح أبداً . لأنه حين يصحو على وقعها 


لغة الآى ا 
۱۱۹ 5 





Yvé 


الخافت » تكون قد لفت ¢ وتكون القهوة قد شطبت ونورها الكهرباي 
الوهاج قد أنطفاً وأظلم الشارع LE‏ » والباب يزيق قليلاً كلما فتح › 
وحين يفتح يسمع اهمس » الحمس والظلام » لا شىء سوى الظلام 
التام » ونقر كنقط الماء المتساقط من السقف بعد إنتهاء المطر » همس . 
همسة أو همستان كحفيف قميص نومها أو لعله حفيف القميص يبدو 
كالهمس ثم يسود السكون ... وتصعد أمه فوق الفراش » فهي وحدها 
تنام فوق السرير » والسرير واسع يكفيهم جميعاً » ولكنها تصر » من زمن 
من أيام أبيه حتى » أن يناموا جميعاً أسفل السرير » حتى حين كبروا 
وبدعوا الفلمل والشكوى وقال أن رءوسهم تخبط في ( الملة ) رفعت 
أرجل السرير فوق قواعد وأحضرت نجاراً حصيصاً ليطيل من US AS‏ 
حتى ليصبح ما تحت السرير وكأنه حجرة ضيقة حقيقية يلذ له فبا 
وهو الطفل ¢ والأطفال مغرمون بالعشش والخابىء وأمكنة الإستخفاء › 
اللعب والرقاد وكثيراً ما شكلها dle‏ وتصورها خيمة أعرابي في 
الصحراء » أو خندقاً في باطن الأرض أو مقام شيخ من أصحاب 
الكرامات .. وبرغم هذا كله كان دائماً ينقصه شىء » فكم من مرة 
اشتاقت نفسه أن ينام في حضنہا » وأن تضمه مثلما كانت تفعل وأن 
تسمح له مرة أن ينام معها هناك حيث المرتبة اللينة والملاءة النظيفة .. 
وني الليل في عز ul‏ كان أحياناً يدعى المرض . وبصوت مسموع 
يتأوه » ولا من أحد يسمع فإذا “معت أو ضاقت باهاته سالته بصوت 
غير عال ولكنه مملوء بالوعيد والتأنيب .. مالك يا برام » فلا يجرؤ 
حتى على أن يواصل الإدعاء » ويخرس LE‏ وكأتما تأوهه كان مجرد القاس 
على استعداد لسحبه فوراً واستنكاره لحظة of‏ يلمح أن الفاسه لم يلق 





Yo 


الترحيب . الظلام والحفيف والحمس » ثم الأرق الذي ينتاب أمه على 
أثرها » وكأنما سببه هذا النفس الغريب الذي يحس به قد ملا الحجرة 
من لحظة أن فتح الباب » أرق لا تستقر معه قرار فنظل تتقلب وتتحول › 
حتى أن لوحاً من ( (UN)‏ سقط على ساق أخته ياسمين ذات ليلة 
وجرحها وصرخحت » وصرخ هو الآخر» وحين لم تستجب أمه في 
الحال أصيب بالذعر فظل يصرخ إلى أن نام مضروباً . لابد أنه لم يكن 
Gf‏ لابد أنه كان شيعاً آخر » من متى بدأ يعي هذا الشىء الآخر › 
بالتأكيد ليست الليلة هي المرة الأولى » أول مرة وعى كانت ليلة العيد › 
كانت قد أخرجتهم من الحجرة لتستحم وحين دخلوا ale‏ بعد هذا ؛ 
وشعرها مبتل وهي تنفضه لتجففه » وقميصها النظيف مفتوح .. 
وصدرها ‏ لأول مرة في حياته يدرك أن لأمه صدراً . فلقد oly‏ ورأى 
نظرتها وأحس في التو وكان شيا في نظرتما حف به نفس الحفيف 
المريب » وكائما الدنيا تظلم والهمس يعود صادرا من عينيها ملحا ومشيرا 
إلى صدرها . ووجد نفسه لا يجرؤ على الإستمرار وانطلق يجري إلى 
الخارج والأولاد حيث الدبة التي وقعت في البير» ولعب ولعب ولعب 
حتى امتلأت عيونه بالتراب Sealy‏ رأسه بالتعب Eloy‏ وعاد .. ودق 
الباب dy doy‏ يفتح له أحد .. وجاء الصوت . صوت cand‏ الىء 
بالوعيد » مادام أتأخرت » نام على العتبة .. نام على العتبة فعلا وكأئه 
ينتظر الأمر بفارغ الصبر » ولكنه حين استيقظ في الصباح وجه نفسه 
مكانه تحت السرير » وكانت هي .. أمه إلى جواره .. وحين رأته 
يستيقظ احتضنته وقبلته وقالت له كل سنة وأنت طيب يا براهم . 
واستكان لحظتها وهو أسعد أهل الدنيا » كل ما كان يضايقه هو رائحة 


og! لغة الآى‎ ۱۲١ 





¥۹ 


صابون الاستحمام التي كان يشمها » صادرة عنها مقترنة لا يدري لم 
بإحساس خجل محرم » وكاد أن يبدأ يتقلب في حضتا ويتدلل عليها › 
ويمسك يدها ويلفها حول رقبته ثم يلعب في أصابعها السمراء من الخارج 
القمحية من الداحل « ويقبل كفها ثم يقبل كل أصبع من أصابعها على 
حدة » من عمر طويل لم يفعل هذا » فمن عمر طويل لم ينم بجوارها » 
ولكنه ما أن بدأ يتمرغ في حضها حتى أحس بصدرها يضغط بشدة 
على ظهره » ليس ضغطاً شديداً وإنما ضغط الكتلة من اللحم الحي . 
وصدرها الحي مع رائحة الصابون وعرقها الخاص والهمس في الظلام » 
وجد نفسه يغتاظ إلى درجة البكاء وتسقط دموعه في صمت على يدها 
الملئفة حوله فتسحبها كالملسوعة وحين تدرك أنه حقيقة ييكي تضمه إلى 
صدرها بشدة أكثر . وكلما اشتدث في ضمها وضغطها أحس أنه يريد 
أن يتخلص منها ويجري هارباً إلى الأولاد والدبة وصاحبها الخنزير .. 
ولكنه حين يدرك أن الليل ذهب » وأن هناك صباحاً واليوم يوم العيد » 
حيث يعيد كل الأولاد > ويأخذون العيدية ويفرحون » بكى ولم 
يسكت إلا أثر هزة شديدة وصرخة منها : مالك يا وله ؟ ماله » حقيقة 
ماله » ماذا حدث ؟ لا شىء حديث » لا شىء ay‏ » فلماذا هو 
حزين ؟ لاذا هو حزين ؟ أمن جاسة ألي السباع إسماعيل التي أصبحت 
تطول » والقرش الذي يعطيه إياه كل مرة ويرسله ليشتري لنفسه كرامللة 
حتى لو لم يكن يريد يصر على إرساله » وهو خائف أن يخرج ويترك 
أمه بمفردها معه » فإِذا تلكا » جاءه الصوت الآمر منها : اسمع كلام 
عمك إسماعيل يا برهم .. وينظر برهم في tales UISy ane‏ قبل 
مغادرة الحجرة » ولا يستطيع أن ينظر فيهما AST‏ من ومضة » لا لخوفه 


1۲۲ 





يفف 


منه ومن جسده المائل الضخم ويده السميكة في سمك مخدة أخيه 
الصغير » فقد كان يكرهه » ولكن لأن في عينيه نفسها شيف متحركاً 
غير ثابت » نظرة خائنة لا تستقر .. تختلط BIL‏ فيها بالسخرية › 
سخرية جافة خشنة كظهر الليفة » يقشعر لا جسده » وتدميه .. 
سخرية بلا حفة دم » سخرية السمين التخين الذي يتجشأ عقب كل 
مرة يناوله فيها كوب الماء ليشرب » ثم يكمل الحديث بصوته الخشن 
الرنان » oly‏ لو مال على أذن أمه وهمس . همس متحشرج .. كهمس 
الزوران يجس برهم أنه مخرج من فمه وينتشر كالدخان القابض الحفي 
من حجرتهم وفي حياتهم يلها بأثر جارح غير مر باعث على 
الخجل » ولاذا عمه أبو السباع إسماعيل بالذات » ألأنه يزورهم .. هناك 
عشرات الرجال يأتون وعشرات يسلمون على أمه ويحيونها ومبمسون 
ها وأحياناً يعطيه أحدهم Lag‏ » إنما لماذا هذا الرجل بالذات ؟ وأمه 
تضحك: مع الكل وتجالس الكل .. فقط مع al‏ السباع إسماعيل يحس 
كأن التيار الخفي الذي يربطه بها باستمرار حتى لو غابت أو سافرت 
أو نامت فإتصاله بها دائماً قام وموجود » حين تجلس أو تحدث أبا 
السباع . يحس فجأة وكأن التيار قد انقطع ولم تعد تشعر به » ولكن 
شعوره هو بها يزداد إلى حد الجنون .. إلى حد أنه يمنع نفسه منعا 
من أن يمسك بعصا أبيه ويدفعها لتستقر في عينيها أو فجأة يخلع كل 
ملابسه Gay‏ أمامها عارياً LE‏ لتدرك أنه موجود » والحياة كانت 
سهلة وعذبة ولذيذة يحب كل ما فيبا » يحب إجتاعهم حول الطعام 
بعد الجوع الشديد حيث يجلس فرحاً بالطعام وباجتاعهم هو وأمه وأخته 
وأخيه الصغير ذي الأربعة أعوام الذي لايزال ay‏ ليخرج الكلام » 


1١ "+‏ لغة الآى اى 





YVA 


وتعلق أمه بهم جميعاً وبه على وجه خاص .. والشاي بالحليب في 
الصباح » وفسحة الخص والعصاري مع الترمس على البحر » والجلسة 
على الحشيش في قلب المنتره .. ما أجملها حتى لو جاءت سيرة أبيه 
.. حين يتولى أمه وجوم GEE‏ معه أن تبكي .. ويتبارى الحاضرون 
في تعداد صفاته .. حتى لكأم يتحدون عن شيخ من أولياء الله .. 
وفي الحديث عن قوته » وکانه کان عنتر بن شداد .. 

أجل .. شيئاً فشياً بدأت الكلمة التي كان يأخذها على غير محمل 
ote‏ يتكون ها في ذهنه معنى » مات » أغلق عينيه إلى الأبد » وأصفر 
وجهه وبرد .. ولفوه في كفن .. ودفنوه .. لقد رأى هذا كله ولكن 
لم يبدأ يفهم معناه .. مثله مثل الحمس في الظلام والحفيف » وقولهم 
البركة في برهم » إلا هناك حيث وقعت الدبة في البير » أشياء كانت 
مغطاة بطريقة لا يفهم لها معنى › ثم بدأ يسقط عنها الغطاء ويصبح ها 
إن لم يكن معنى واضح فلا أقل من شىء خفي عميق مظلم كفوهة 
البعر الذي سقطت فيه دبة ذلك الخنزير .. حتى غناء الاولاد والببات 
كان في تلك الليلة بلا معنى » هكذا أحس » رغم ما كانوا هم فيه من 
متعة كبيرة » كان هو وحده يحس أن الأغنية بل حتى اللعب كله أصبح 
بلا معنى » شده صاحب ورشة الدوكو الذي يعمل عنده من أذنه 
ولعن أباه : 

— ياد cif‏ كبرت وبلغت ومابقيتش عيل .. مانتاش عاجبني كده 
طول النار موطي لي في الأرض كدة » إيه اللي كاسر عينك ياد . 
أوع يكون تشومبة بيعلم عليك .. 


\¥g 





yv4 


وتجنه . 

ما تقولشي كدة تاني يا اسطى .. 

لم يدر كيف جرؤ وقاها .. 

وصحيح أن وجهه قد تورم من الضرب بعدها باعتبار أنه رد على 
الأسطى الكبير وتلك جرية لا تغتفر .. إلا أنه فوجىء بنفس dan‏ 
بعدما شبع من صفعه وركله يقول لأصحابه الذي يشربون الشيشة : 

KL‏ إيه رأيكم عجبني .. رد على صحيح Ue]‏ عجبني .. والنبي 
الواد ده > يطلع أجدع من تشومبة .. 

وتشومبة المأ حوذ من تشومبي هو الصبي الأول للأسطى ومساعده » 
أكبر من إبراهم في السن وأغمق في السمرة .. أكرت الشعر فرطح 
الأنف غليظ الصوت على عكس أخيه ( لممبا ) .. فتشومبة لا هم له 
طوال اليوم إلا تعذيبه وصفعه وقوله . 

إبقى سلم على أمك ياد .. 

أول مرة UG‏ » صفعه » فضربه تشومبة علقة لا ينساها » إن أول 
عمل بالتأكيد سيفعله حين يكبر أن يقتل تشومبة .. ويقتل أول دبة 


يلقاها . والدبة بدت سخيفة جداً وهو يرددها مع الأولاد + dy‏ يعد 
في ترديدها ما cont‏ وأصبح إنحناؤه ليدخل تحت السرير أشد .. 
وكالكبار لم يعد ينام حظة أن يضع رأسه على الخدة الطويلة التي بططت 


لغة الآى ol‏ 





A۰ 


وجفت حتى أصبحت كالوح الخشب .. والهمس أصبح يفرقه عن 
الحفيف .. والدق لم يعد يستيقظ عليه . إنما قبله » من الأقدام الثقيلة 
وهي تزحف في الطرق المظلمة كان يتنبه ويعرف أن القوة أغلقت وإنها 
أقدام [سماعيل أبو السباع .. ولم يكن وحده الذي يتنبه » فالسرير يزيق » 
وتنسل ساقا ad‏ وتشخشخ غوايشها » ثم الحفيف » وفتحة الباب 
والهمسة الناعمة الصادرة عنها : مساء الخير . حتى هي التي تبداً 
بالتحية » والحشرجة التي مهما بولغ في جعلها همسة تظل دائماً حشرجة 
بغير معنى » ثم » ثم تلتهب عيناه » وكأتما تضيئان بعد هذا كل شىء 
مظلم في الحجرة » حتى وجهه الأسمر الذي تفردت ملاحه وتضخمت » 
يضىء » كل شىء يبدو واضحاً من نور النبار » Gam‏ قدماها العاريتان 
ly‏ ويرى أصابع أحداهما وهي تنكمش وتتفرطح تحت ثقلها وهي 
تصعد ثم تدسحب إلى فوق » تاركة إياه يحيطه من كل جانب ( داير ) 
السرير » كأئما ليطل عليه في able‏ الصغير ويسخر منه .. وياسمين نائمة 
متقوقعة على نفسها » في بله ( تريل ) » وأخوه الصغير مدد بالعرض 
عند أقدامها يتنفس بصوت مسموع وكأنه رجل يغط .. هم في البير 
والملائكة في السماء .. والسماء سقفها من خشب » تطل منه مرتبة 
تنبعج » ما تحت السرير يغوص .. كل دقيقة يغوص » والسماء الشخبية 
مهددة بالسقوط وقيام القيامة والجنة والنار» ورأسه يوم القيامة 
مدكس .. وحين Sh‏ تشومبة لصفعه على قفاه سيرعد الصوت العالي 
الدويٰ 'صوت الله : ارفع إيدك » وتنشل اليد » أليس باستطاعة القيامة 
أن تقوم الآن ؟ ويرعد ذلك الصوت المدوي : إرفع إيدك .. فيصاب 
الخنزير بالشلل » وينحشر صوت أمه في صدرها إلى الأبد » ويكف UE‏ 


۲٢ 





YA\ 


عن أن يتحول همس » إلى ذلك الهمس الذي كان يحس أنها به تصبح 
غريبة عليه تماماً » إمرأة أحرى » Go‏ مختلفة » لا يعرفها dy‏ يرها 
في حياته .. إمرأة يخجل منها » كلما رأى cal‏ مرياً مدخفضاً 
شعر وكأنها تخرج من جسدها سرا دفيناً كان خافياً عليه . سرا كالعورة 
لابد له من غطاء » وكلما خفضته كان يتعرى AT‏ حتى لا يكفي كل 
ما لديهم من أغطيه وبطاطين لستر همسها .. اسمع .. أهذا صوت امرأة 
التي ولدته » أمه بالضبط إنه يتذكر » أجل .. كيف فاته أن يتذكر هذا 
أيام كان في سن ياسمين ورا أصغر » وصحا وفتح فمه يريد أن يصرخ 
ولكنه مع كلاماً أسكته .. فقد ميز صوت أبيه في الحال .. وكان أبوه 
يهمس . كان مع أمه فوق السماء الخشبية » وانتهى «مسهما إلى ضحك » 
ضحك طويل لا ينتبي » دفعه OY‏ يبتسم وقد بدأ جس أنه سعيد نجرد 
إحساسه أن أبويه يضحكان . نسى تماماً أن البول يوله وأنه من لحظات 
كان يريد أن يصرخ .. ودوت خبطة أعقبها عراك ضاحك فوق السرير 
. إهتر بعنف له .. صرخة مكتومة » ثم عود إلى عراك انتظر له dale‏ 
بلا جدوى .. واستغرب أن يكون أبوه المهاب المقدس الذي يحبه إلى 
حد لا يستطيع معه مفارقته » طرفاً في اللعبة » ولأمر ما استشاط غضباً 
حين أحجس أن الطرف الآخر أمه » وفتح فمه يريد البكاء غير أن البكاء 
بدا له سخيفاً .. ليس فيه ذرة رغبة واحدة » فرغم استئكاره كان 
إحساسه الأكبر الطاغي أنه في أمان حنون حبيب .. وأنه معهما » وكأنه 
الطرف الثالث في اللعبة » كل الناقص أن يشعرهما بوجوده » ig‏ 
ليشعرهما » ولدهشته؛ تصاعدت الضحكات من فوق لبکائه » من أمه 
وأبيه معا > ضحكات لا رهبة فيها ولا قداسة » جعلته يستمر في البكاء 


۱۲۷ لغة الآى آء 





YAY 


بدافع العناد وحده » ولكنه حين وجد الضحك مستمراً وجد نفسه هو 
الاضخر thd Ly‏ يضحك » فإذا بالضحك الأعلى يتحول إلى 
قهقهات .. إهتز لها السرير بشدة .. نفس السرير. الذي ترقد عليه أمه 
الاضن ضعيفة .. مختلفة تماماً عن قوتما الصارمة في He‏ وملاعها 
الجادة » وحديثها المملوء بالوعيد .. ضعيفة تتا لم .. وتنام في ضعف 
مقيت وكأما بتألها تطلب مزيداً من الضعف وتغري الخنزير بمريد من 
الوحشية إذ كان قد تحول إلى وحش » وحشرجة همساته أصبحت خوراً 
line‏ كخوار ثور مذبوح » أنه لم يعد صغيراً . فهو يعرف . لا يعرف 
بالضبط فهو ليس كبيرأً تماماً » ولكن هناك أشياء غريبة لا يستطيع حتى 
لو أراد أن يتصورها تدور فوق رأسه في السماء عند فوهة البكر . إن 
باستطاعته أن يصنعهما معأ ويخرج بصورة كاملة » ولكنه يبقيها لإرادته » 
منفردة مجرد أصوات لا رابط بينها . مجرد ضعف ووحشية ... ومس 
من ناحية وتهديد بسقوط (UN)‏ من ناحية أخرى ومع هذا تفور 
دماؤه » مثلما كل مرة تفور .. والعرق الغزير يكسوه UES y‏ حتى لو 
أردنا لا نستطيع of‏ نوقف أجزاء في عقولنا عن أن تعمل وتربط وتعي » 
ورعب شديد وكانما من فوقه شيطانان يجهران بالعصيان ويفعلان هذا 
في المساء أمام كل الناس ودون إكتراث لأحد » دون خوف » خواره 
كخوار واحد من UST‏ لحوم البشر » ولو نطق لنبش لحمه قبل عظامه › 
أمه نمرة على فمها دم انتبت لتوها من التهام أخيه الصغير وتتدمر في طلب 
المزيد .. والتوحش Ope‏ مكشوف حاد الأنياب كعراك الكلاب 
المسعورة » وثقلهما شديد » و ( الملة ) تغوص تحت الثقل وتجثم فوق 
صدره » وهما عليها وكذلك الأرض والسماء .. وكل أثقال الدئيا'» 


۱۸ 





YAY 


وجميعها تدكه » في ضغطات بطيثة » تدفع ببطء وتېوي ببطء تدر که 
وتمنعه أن يتنفس .. أنه لا يستطيع الاحتال » أنه سيموت لا من الضغط 
Uy‏ من الجنون .. إن مخه يتكهرب ويسخن ويبرد ويطلق شرارات .. 
والرعب من الفجر يشل صوته عن أن يصرخ خ » ويمسسك (lay‏ عقله عن 
أن يفقد السيطرة » ونفض هذا كله عن نفسه وينفجر غاضباً Leslee‏ .. 
وينقض عليبما بالحذاء البني .القديم يمزقهما .. أو بيد ( الحون ) يدشدش 
رأسيهما .. ولكنه يدرك » ومهما بلغت درجات إنفعاله .. أنه غير قادر 
على الإنيان بشىء من هذا » كبرت وبلغت يا برهم حتى أصبحت 
كالدبة » وأذنك تسمع » وعيناك كالأسياخ الحمية تخترق ( الملة ) وتكاد 
ترى ما فوقها . وأنت صغير لم تكن تعرف » كنت فقط ترى » الآن 
ترى وتعرف .. لو فقط أمكن إلغاء كل ما فات والبداية من جديد » 
من الليلة مغلا » أو من الغد وكأنه ما مع قبلاً أو رأى » وكأنه أول 
مرة يعرف ويفاجاً بالمعرفة ليستطيع أن يتصرف بش ما تمليه عليه 
المفاجأة .. ولكن العجر الذي يصيبه يعرف سببه .. العجر سببه أنها 
ليست المرة الأولى .. وقبل أن تكون الأولى كان هناك إحساس . كان 
غموض وكان تدري » اهمس يتحول بعد حين في وعيه إلى كلام 
مفهوم » والكلام إلى أصوات » والأصوات بميزها ويعرف صوتها من 
صوته » ومع كل ( حيل ) طلوع بطلع له في فخذه » كان يكتشف 
leas tes‏ » ذاك الغموض .. وببطء شديد لا مجال ane‏ للثورة » ولا 
فرصة للمواجهة » بحيث حين ( عرف ) و( وعى ) لم يعرف أو يع 
بشىء جديد .. وإنما جاء كالخبر القديم بلا حرارة » كالشبح البعيد الذي 
خمنث من زمن قبل أن تقف وجهك في وجهه .. من يكون . 





YAS 


حنى اشعارهما بوجوده ما کان يجرؤ عليه ؛ فقد کان يشعر أباه وأمه 
لأنه كان مطمئناً آمناً » أما هذان فمن یکونان غير غريبين عليه تماما › 
الرجل خنزير والمرأة دبة .. وهما على سطح الدنيا في السماء » وهو 
وأخوته مثلهم مثل أبيه يضمهم هذا القبر ذو الداير الأبيض .. أييكي ؟ 
ويصيح حتى في نظر نفسه وكأنه ( ملعبة ) تشومبة کا يقول الأسطى ؟ 
أيصرخ ويلم الناس .. بإستطاعته أن يفعل باستطاعته أن يقتلها حتى 
بعد ما يذهب الرجل الغريب .. ولكن المشكلة أنه ببذه الفعلة سيفقد 
ذلك الخيط الواهي . الذي أصبح يربطه بأمه .. فرغم كل شىء لا تزال 
ad‏ .. ولايزال حياً لأن له أماً .. ولا يستطيع أن يتصور الحياة بغيرها .. 
بله أن يتصور أنه هو الذي قتلها وأفقدها الحياة .. هو حي لأن له أماً » 
YY,‏ هذه الأم بالذات ذلك الشىء الموجود رغم وهنه لو فقده لفقد 
الحياة .. فهي OM‏ وهي مع الرجل الغريب مقطوعة الصلة به » يجس 
إحساساً line‏ شاملاً أنه ضائع إلى حد الموت » لا أحد في الدنيا يخصه 
ولا بخص هو أحداً » ما يبقيه حياً هو أمله » مجرد أمله » أن تنتبي تلك 
اللحظة العارضة ليعود يربطه بها ذلك الخيط الواهي » ولو صرخ › لو 
عرفت أنه عرف aid‏ إلى الأبد » وكف التيار النابع منها ليحييه عن 
السريان » وانتبت أمه تماماً » ولم يعد فيا غير المرأة الأخرى التي ترتدي 
الفستان الأسود فوق القميص الحريري الشفاف والتي تشفى طول اليوم 
كي تجلب من عملها كدلالة وسمسارة » وأشياء أخرى كثيرة . 
الطعام .. بل إنه ما كان يفرح بالطعام لأنه طعام ولكن لأنها هي 
جالبته .. هي التي تعبت وأحضرته » وتعبها هذا في إحضاره لابد سببه 
Uf‏ لا تزال تحبهم وتحبه .. الطعام رمز الحب هو ما كان يفرحه . وأن 


۱۳۰ 





YAo 


تموت .. أن تنفضح . أن يواجهها لمات قبل أن يحدث هذا فحاجته إليبا 
أقوى ألف مرة من حاجتها إلهم » بل هو لا يعتقد منذ أن دحل هذا 
الرجل الغريب حياتهم أنها أصبحت بلمرة في حاجة إليهم .. حياته 
وحياتهم لا تزال معلقة بأمومتها لا تنفصل » لهذا لابد أن تظل تعيش 
وتظل حية » ويظل ساكناً » وتظل » لتظل حية في السماء .. أو فوق 
الفراش . لتظل تقابل عشرات الرجال وتشتغل معهم بأكل العيش 
وتعولهم وتحدثه بصوت ملء حتى بالوعيد .. لنظل تختار من بين 
الرجال ذلك الرجل الغريب لتقول له . وهي التي تبدؤه بصوت 
هامس مبحوح : مساء الخير » وليسمع هو » وليكن عليه أن يقضي 
جزءاً كبيراً من الليل يسمع» والأصوات تأتيه من فوق سمائه 
الخشبية » ليس ed‏ ضحك أو سعادة » وإثما فيها ضعف » حتى لو 
أدى إلى رغبة في الضعف AT‏ فهو حزين » وليس bib‏ صوت أبيه 
القريب الحنون وإنما لحاث خنزير » وفحيح دبة سقطت في البعر الذي 
كان يخصه وحده وخلق له وضحك ذات يوم حين احتله أبوه » 
حضن عن عمد تفتحه وبإرادة منها تضم به ذلك الرجل المكتدز 
وبلقائهما الشيطاني المتوحش يغوص كونه الصغير تحت السرير 
ويغوص » وهو قد كبر » ومن صغره وهو يسمع ... الآن أصبح 
يسمع ويجن » وبحكمة كبيرة يصنع في النباية کا تعود أن يصنع › 
ويسكت .. ومع هذا لا تريد القيامة أن تقوم .. ليعلو ذلك الصوت 
الراعد : ارفع إيدك . فيصاب الختزير الغريب بالشلل ؛ وتموت المرأة 
المبحوحة الهمس .. وتعود له الأم . صرخة تتصاعد من تحت ماء 
حشبية محدودة إلى المدينة النائمة والأرض الكبيرة والكون والسماء 


3 1 
۱۳۱ لغة الآى أى 





YA‘ 


التي لا نباية لها .. ولأن القيامة لا تقوم فهو يستيقظ كل صباح وقد 
أصيب بخيبة الأمل .. وكل يوم يرمقها في خروجه ويحس أن الخيط 
يدق . والأم تنكمش وسنوات قد مضت على موت أبيه .. والمرأة 
ذات الهمس تطغى فيذهب إلى الورشة منكس الرأس ليرتفع كف 


تشومبة ويبوي بها على قفاه . قفا صبي صغير أسمر » قائلا : 


— والله كبرت وبغلت وبقيت زي الدبة .. والدبة وقعت في 
البير .. 


14o مارس‎ 


شن 





YAV 


الأورطي 


المهم ليس أنه جرياً » المهم أنه كان في أكثر من اتجاه . يكاد يكون 
في كل اتجاه . لكأنه يوم الجري الأكبر . نوع غريب خاص من الجري 
فهو ليس جري الخائف أو المستعجل أو من يسرع لإنقاذ جري تاه 
وكان صحابه يجري ويسرع ليبحث عن بقعة يبدأ منها الجري والاسراع 
ولهذا فلا أحد يعرف هدف الآخر أو غايته Uc‏ الكل في حالة ترقب 
خائف أن يعار أيهم على بدايته التي Ley‏ حددت لهم البداية » وهذا أيضاً 
كنت ترى الشخص يجري كالجنون » وكالجنون Lal‏ يحاول the‏ أن 
يراقب خطو الآخرين وجريبم . بحيث ما أن يبدو أنه قارب العثور على 
غايته حتى يندفع العشرات إلى حيث يكون على أمل أن يصل الواحد 
منهم أولاً .. ليكون أول من ينطلق حتى يتحدد ال هدف » وحين يصابون 
بمذيبة الأمل ويجدون أن الذي أسرعوا إليه أكثر منم حيرة يندفعون إلى 
متلكيء أو مسرع آخخر » علمية كانت البقعة فيا تبدو إذا نظرت إليها 
من عل أو من بعيد وكأنما تنبض » نبضات تجمع مفاجىء يعقبه التفرق » 
نبض يحدث في أكثر من مكان في نفس الوقت حتى ليبدو الميدان وكأئما 
فرش بقشرة لولا تلك النبضات العشوائية الحادتة هنا وهناك والدالة 
وحدها على الحياة لظنتها فشرة صخر أو call‏ الآدميين المتجمعين كتل 
ركام abe‏ الألوان . 


i es 
ye ۳۳ 





YAA 


ولا أحد يعرف ان كان هناك ضرب أم لا Ue‏ شخصياً أصبت 
بأكثر من ضربة » ضربة قاصمة موجعة » وكان من المستحيل تحديد 
الضارب » فأنت بلا جار دام .. والحركة الدائبة الجارية لا تتيح لك 
حتى oe‏ التطلع إلى العشرات lly‏ الذين تمر بهم أو يمرون بك إما 
بالتأكيد كان هناك ضرب » وكانت هناك اصطدامات » لا وقت حتى 
للاعتذار عنها » وكان أناس يسقطون » فجأة تتصاعد صرخخة: يعقبها 
أنين » يظل يخفت كرنين الجرس المعلق حتى تمحوه صرخة أخرى > 
ولا أحد يتوقف ليرى النهاية مادمت لست أنا الصارخ ولاأزال قوياً 
سليماً لم أسقط بعد » فما معنى الوقوف » وشيئاً فشيئاً بدأت أدرك 
أن الحركة كلها ليست تلقائية وأن هناك حركة أخرى خفية من الصعب 
شبه المستحيل إدراكها » حركة طاردة إلى الخارج » وكان الميدان 
يتمدد وينفجر إنفجاراً Uday‏ خفياً منتظماً طارداً الوسطانيين ليصبحوا 
أقرب إلى الحيط وإلى الخارج وإلى الشوارع الكثيرة الصابة في الميدان 
EV,‏ منه » حركة لولاها ما كان باستطاعة قوة في الوجود أن 
تنتشلني من حيث كنت إلى حيث وجدت مجموعة من الناس كنت 
أجدها تجري بلا سبب th‏ سوى الاستمرار اللاإرادي لما كنا نفعله 
في الميدان الكبير » استمرار لا نستطيع حتى لو أردنا إيقافه . وما خفي 
كان أعظم ومن أين لي أن أدرك اني في اللحظة التالية سألتفت إلى 
جاري » أول جار أستطيع أن ألحه وأحدق في ملامحه فأجده لدهشتي 
الشديدة ولحولي » عبده . وكان إحسامي الطاغي التالي أن النقود معه 
ally‏ لابد يخفها في مكان ما معه » وكدت أموت فرحاً وأنا » بشغف 
عمره وكأنما ألف عام » وبغيظ كالغاز الخائق القاتل الذي .يتشبع به 


١] 





۸4 


الجسد ولا نحس به إلا هناك قبل الموت بلحظة » حين تعى لأول ولا خر 
مرة أنه خنقك وقتلك . أجل الغيظ أبشع أنواع الغيظ حين تستامن 
أو تثق ثم ترى الخديعة عيني عينك ودون أي اكتراث » حين ينسل 
الشخص الذي تعرف ومتأكد تماماً أنه في يدك متى أردته والي أردته 
في يدك » فجأة تجده أمامك يذوب ويختفي وتلتهب Uae‏ وغضباً 
ومجهوداً ولا تسطيع منعه . عبده » بيدي الاثنتين أطبقت على رقبته . 
كل حوفي أن يذوب مرة أخرى » ويختفي .. وكل ضيقي الي لا أستطيع 
all‏ .. الوحش فينا لايزال هناك » وحين نتشاجر لا نعض كي نوم 
الخصم Lf‏ نعضه GY‏ فعلاً نريد » كالأجداد الوحوش » التهامه › 
الأجداد الذين كانوا يهاجمون الخصم ويلتهمونه غيظاً كي يستطيعوا 
إخفاءه وإخفاء وجوده داخخل العدو وتستمد بناءها » نحن الادميين الذين 
تفط تفش عن ae‏ رعا وذ تتتطيع ال عن خقلدنا بالاريقة 
الطبيعية فيزيد حقدنا فتنبشه كالأنياب المسمومة إلى داخلنا ينهشنا نحن 
ويقوضنا وبالضبط هنا ما كدت أحسه وأنا أطبق على عبده وأتمنى لو 
كان باستطاعة عواطفي أن تنطلق فتدشه وتدشدشه وتمضغه وأحس 
بأنيابي تلوك at‏ وأجزاءه وتشفي غليلها وتطحنه بكل ما تملك من 
قسوة وشراهة » ورا الأصل في الطعام أن يأكل الإنسان بناء على غيظ 
وبنية إخفائه عن الوجود واحتوائه تماماً والقضاء عليه وهذا يستفيد 
الوحش من طعامه الفائدة القصوى Mie‏ يمرض الإنسان OM‏ بطعامه 
ويشقى . | 

ولكن » حتى كطعام » كان عبده لا يدفع إلا للاشمعزاز وقئل الرغبة 


لغة الآى of‏ 





v4: 


فقد كان نحيفاً GLE‏ » ما حفلت عيناه بنظرة ad‏ ولا واجه أحد مرة 
بنية إثبات الوجود أو الدفاع عنه » كان طيباً ذلك النوع الباهت السابي 
من الطيبة » مصاباً بفتق مزدوج » ويغني في خلوته » مواويل علبة › 
وكأنه اني يحل غريب لم يعار له أبداً على وطن » وإذا فاض الخال بككى © 
امتلأت عيناه فجأة بدموع لا يصاحبها أي احمرار Ue‏ يتجمع الإحمرار 
في أنفه فيبدو وكأئما تورم وحفل بالافراز » ويصعب عليك فقط لأنه 
عبده Uy‏ لأنه وهو الرجل » كالأطفال والنساء ييكي » بكاء لا ليونة 
أو طفولة فيه ولا يستدر العطف » إنما الكارثة ai]‏ بكاء رجال يستدر 
shee‏ . حرامي قروش لا يأخذها إلا مضطراً » وبأقل مقدار » وإذا 
ضبطته ارتبك وتلعثم وأقسم يانات كاذبة وحذار أن تشدد عليه وإلا 
بكى وأصابك باثمئزاز يستمر معلك اليوم كله وربما لبضعة أيام . ثلاثة 
أيام بأكملها بلياليها وبساعاتها الطويلة ومغاربها وعصاريها وأنا LAT‏ عنك 
يا عبده أرفع أرصفة مصر وأقلبها . وأقتحم البيوت . وأوصى » وأواعد 
واستجير ولا أترك شارعاً أو زقاقاً أو حارة » وحين يبدني التعب أنام 
وأستيقظ على روحي تكاد تطلع بالغيظ والحدق bel,‏ من العثور عليك 
وحلمي وكابوسي وألم يقظتي ومنامني أن ألتفت مرة لأجدك يا عبده › 
ين كنت يا عبده وأين أخفيت النقود . والغريب المذهل ما قاله . قال 
أنه ما إن غادر المنرل يومها حتى أمسكته رق التي تبحث عن 
المرضى لتأأخذهم عنوة إلى المستشفيات LY)‏ كفرق الشفخانات التي 
Leb‏ الحيوانات المريضة بالقوة ! ) وأنهم أخذوه معهم إلى المستشفى 
مشتبهين في أمره » وهناك كشف عليه الباشحكم بنفسه وقرر أنه مريض 
بمرض خطر يبدد أن يعدي المصريين bee‏ به ون لا علاج له إلا بعملية 


۳۹ 





۲۹۱ 


جراحية يجرونها له في الحال ويقطعون بها الأورطي له » وفعلا عملوا 
له العملية » وقطعوا له الأورطي ورقد لثلاثة أيام ثم أخرجوه اليوم فقط 
بعدما منحوه عكازاً ليستعين به في السير » أما النقود فمن لحظة أن دخل 
المستشفى وهو لا يدري ما حل با . 

وكان مفروضاً أن يحكي عبده قصة ما يبرر بها إختفاءه وإختفاء 
التقود » اما أن SH‏ قصة كهذه لا يصدقها طفل أو معتوه » أما أن 
تكون هناك فرق تبحث عن الآدميين المشتبه في مرضهم وتأخذهم بالقوة 
كي يعالجوا وتعاملهم هذه المعاملة الحيوانية البشعة » أما أن يكون هناك 
مرض من الأمراض علاجه قطع الأورطي » أما أن يقطع الأورطي وهو 
الشريان الرئيس للجسم البشري الذي يأخذ pall‏ من القلب ويوزعه 
على جميع أنحاء الجسد والذي في مك العصا التخينة بحيث أنه لو خدش 
بحدث من جرائه نزيف يقضي على صاحبه في الحال » فما بالك أن يقطع 
وأن يعيش عبده بعد قطعه ¢ ليس هذا فقط بل أن يكون باستطاعته 
أن يسير » لو على عكاز » وأكثر من هذا يجري مثلما كنا منذ دقائق 
نجري Ul‏ أن يكذب عبده هكذا على كذباً واضحاً صفیقاً لا يحاول حتى 
أن يداريه أو يبحث من قصة أخرى أكثر حبكة وقابلية للتصديق فهو 
ما أضاع مني كل سعادتي بالعثور عليه وما جعلني أحس بتعب ساحق 
أهوج يعتريني لإحساسي أنه يسخر مني بقصته تلك سخرية تفوق 
الوصف . عصب لا حدود لقسوته ولا حدود لما يدفعك إليه » وم 
أكن وحدي » كانت الجماعة التي تجري معي تشهد هذا كله وتسمعه 
وقد آب جرا إلى سير بطىء » بل بدأ أفراد أخرون ينضمون إلينا 
ويشعرون تجاه عبده وقصته بنفس ما أشعر » وكلنا بلا استثناء قد أصبح 


۳۷ لغة الآى اى 





yay 


أهم شىء لدينا أن النقود معه وأنه لابد يخفيها في مكان ما في جسده ؛ 
فعبده لا يمكن مكاناً آحر في الدنيا يستطيع أن يخفي فيه شيئا وليس 
مهماً القصة » أي قصة يحكيبا » إنما المهم هو العثور على النقود » والعثور 
عليها أمام « عيني عينك » وفضحه فضيحة علنية أمام الناس كلهم وعلى 
مرأى ومسمع من الجميع » وهكذا تصاعدت الأصوات نصرخ .. فتشه 

فتشه .. ولم أكن في حاجة للصرخات لأمد يدي أنزع عنه جلبابه 
البلدي الباهت الذي لا يملك سواه غير إني فوجئت أن الجلباب ملتصق 
بجسده لا يمكن خلعه عنه » وهذا غریب فعبده كان دائماً ( يلق ) في 
alle‏ الواسع فكيف به OV‏ لا يمكن انتراعه وكأنه انتفخ فجأة أو 
سمن في ثلاثة أيام سمنة غير معقولة » وفي البحث عن حل لخلق الجلباب 
عنه اشترك الجميع في الاقتراحات وقد أصبح حماسهم للنيل من عبده 
يطغى على Ul ole‏ الضحية » حماس كان يعمنا في صمت وبلا اتفاق 
سافر وبكل جهد وإصرار وبأعصاب منفعلة وبكثير من الاستمتاع 
Lis,‏ نحن متأكدون تماماً of‏ أخيراً قد عارنا على بغيتنا » على نقطة 
كالتي كنا نجري في الميدان نبحث عنها لنبدأ منها الجري .. على مذنب » 
يحمل الذنب الذي ارتكبه معه » ولابد أن ينال جزاءه وتمتع كل ما Lad‏ 
من خير بإيقاع القصاص به وتطبيق العدالة ونمتع كل ما فينا من شر 
يجعلدا نطبق العدالة بايدينا وبانفسنا وبالشر حرا طليقا لديه جواز المرور 
نوالي أحداث الضرر تحت شعار العقاب . 


ee E لابد أن‎ cine meee 


۱۳۸ 





4۳ 


المشكلة أين وكيف نعلقه » وتصاعد اقتراح » والتفتنا فوجدنا الجزار 
قريباً » وتحركت المجموعة وعبده في وسطها » لاترال يدي مستميتة 
عليه إلى حيث دكان الجزار وتولى أربعة رفع عبده بيها أحذ الجزار 
الشاب البدين على عاتقه مهمة تعليقه في الخطاف الذي تعلق عليه الذبائح 
من ( قبة ) صديريه وملابسه الداخلية . وهكذا علق عبده في اللخطاف 
وأصبح مرتفعاً هناك » لا حول له ولا قوة مثله مثله الذبائح والمخرفان 
المسلوخة المعلقة على بقية الخطاطيف . وامتدت ATT‏ من يد ترفع ذيل 
الجلباب إلى أعلى وتسلخه عنه وهو معلق صامت لا ينطق بحرف . 
وما كاد الجلباب يخلع عنه حتى أدركنا السبب جعله يلتصق بجسده 
هذا الالتصاق الشديد » فحول بطنه وصدره كانت تلتف أشرطة بيضاء 
كثيرة . وكأنه فعلاقد أجري عملية وتلك أربطتها » ولكني أدركت على 
الفور هدفه الخبيث من هذه الأربطة الكثيرة فلابد أنه أكثر Gin‏ ليستطيع 
إخفاء النقود في أية طية من طياتها دون أن يستطيع أحد الشك أو 
fu‏ بمكائها . وكان لابد أولاً » ونجرد الروتين » فحص محفظته » ومد 
الجرار يده السميئة المدربة » وأزاح طيات الشريط قليلاً » وأخرج 
الحفظة من جيب صديريه » وكانت أول مرة أرى فيا محفظة » عبده » 
ولم أكن أتصور أنها بها الضخامة فقد كانت أضخم محفظة ممكن أن 
تراها في حياتك وقد توليت بنفسي تفتيشها وافراغ محتوياتها » وکا 
توقعنا لم يكن بها غير حمسة قروش فكة أحدهما معضوض صدىء 
لا يصلح للتداول . ومرة أخرى دفع الجزار البدين يده في جيب 
الصديري نفسه » وكالمتوقع لم تخرج بشىء » كلها إجراءات شكلية 
فقد كنا جميعاً ندرك أن النقود هناك › she‏ لابد في طية من طيات 


0 1 
۳۹ دك 





44 


الشريط وبذلك التحفز الهم للفضيحة » ولإدراكنا اننا حالاً وعيني 
عينك سنضع يدنا على ذنب المذنب وأمامه سنخرج من جسده 
نفسه جسم الجريمة ونندشي النشوة الكبرى ونحن نستعد لنرى وجهه 
edad‏ ونسمع ما يقوله » بذلك التحفز امتدت يدي ويد الجزار نفك 
عنه الشريط ¢ غير أببين لصرخاته واستغاثاته وقوله إن فك الشريط 
we‏ معناه موته إذ الشريط هو الذي يسك الأورطي المقطوع في 
مكانه » صرخات لم تفعل أكثر من أنها أثارت الضحكات والتعايقات 
الساحرة وحفرتنا نحن القائمين بفك الشريط إلى اللحظة القصوى 
لحظة اكتشاف النقود ¢ وفككنا بعض الأشرطة وصراخ عبده قد آب 
إلى سكوت يائس ley‏ امتلأت عيناه بالماء الدامع الذي لا يصاحبه 
أي احمرار » وحتى لو صدقناه واعتبرنا أنهم عملوا له عملية ما فمن 
الواضح أنه يكذب فالأشرطة كانت بيضاء نظيفة ليست فيا بقعة 
دم واحدة ولا آثار جرح » ولهذا مضينا نفك Lely‏ حرص مخافة أن 
تسقط Le‏ النقود لدى اللفة التالية . فقد كنا جميعا واقفين 
ومشاركين » وكأنما عبده هو الآخر ينتظر ظهور النقود لدى اللفة 
التالية » وكنت ألف من ناحية وأسلم الشريط إلى الجزار البدين ليفكه 
من ناحيته ويعود ليسلمني إياه » ويبدو أننا كنا استغرقنا في العملية 
إلى درجة J]‏ مددت يدي أتسلم منه الشريط مرة فلم أجده إذ كان 
قد انتبى » وقبل أن أنظر إلى عبده أحسست بشعور غريب ما يعتري 
الواقفين وحين اتجهت ببصري pel‏ وجدتهم جميعاً وقد حم عليهم 
صمت كامل مريب بيها عيونهم كلها مصوبة إلى جسد عبده جامدة 
لا تطرف وكأنها عيون موق . ونظرت إلى حیث ينظرون .. كان 


١5٠ 





۹٥ 


عبده عارياً تماماً وكان هناك جرح طويل جداً يمتد من صدره إلى 
آخر بطنه » وکان صدره وبطنه فارغين وكأتما انترعت منها كل ما 
تحويه من أجهزة » وكان الأورطي يتدلى من صدره من مكان القلب 
كمزمار غاب سميك طويلاً وشاحباً ومقطوعاً يتأرجح داخل بطنه 
sepa‏ 


VAIO مايو‎ 


د الآى 1 
a ١‏ الاق 


Converted by Tiff Combine 








44۷ 


فكرت أن أجعل للرجل زوجة جميلة صغيرة AOI‏ سنه الكبير › 
فكرت أن أجعل الجميلة بنته » ولكن الزوجة مغرية أكار » والقارىء 
الملول لابد أن يسيل لعابه تتبعاً للروجة الصغيرة الحلوة أملاً في حدوث 
del‏ الكبرى بشم رائحة الخيانة أو التلظي نشوة وقلقاً على نار الشك 
في وجودها . 


فكرت في أشياء كثيرة » وتصورت وكأنني الكاتب الحترف » كل 
GUY‏ المثيرة المجهولة التي يمكنني أن أقود إليها القارىء الحاوي النهم » 
كي أكد تفسيراً حماس صميدة للرجل العجوز » وصميدة ليس اسمه › 
وأنا لا أعرف cael‏ ولكني لابد إذا ager‏ أن أختار له لقباً كصميدة » 
فيه حرف صاد مذكر الموسيقى » جهيرها » ليعبر عن شخصه .. ولابد 
أن ارتباكاً قليلاً قد حدث وأن الحيرة تملكتكم عن أي الرجلين 
أتحدث .. الواقع كان هناك رجلان كل منها يستحق الحديث » ولكن 
الأنسب أن نتجاوز عن كلهما معاً لتتحدث عن المشهد » فقد كان هناك 
رجلان ومشهد » والمشهد ليس بسيطاً أبداً رغم خلوه التام من الفواجع 
والكوارث وكل مسببات التوتر » ولكي Ly‏ علينا أن نتصور مكاناً 


لغة الآى 1 
۳ 56 





Y4A 


معزولاً ولا تماماً عن العالم كأن الدنيا بكل غموضها ومجهرها تنتبي عنده 
ولكننا لابد أن نعتقد أا أبداً لا تنتبي عنده » فالطريق الذي يقطعه يظل 
متداً بعد بقعتنا مثلما يظل ممتداً قبلها » إلى ما لا نباية البصر » بالاختصار 
لنتصور طريقاً من طرقنا المسفلتة الطويلة يمر بمساحة شاسعة من الأرض 
غير الزراعية أو المطروقة أو تعرضت في عمرها الملاييني الكثير للمسة 
من يد الإنسان ؛ صحراء » أو براري أو جبل وعر على امتداد الأصبع 
الخنصر لبحرنا الأحمر . أن طريقاً كهذا يظل الخط المستقم بلا فائدة » 
كالرجل المستقم بلا مبدأ وبمجرد الحاكاة والتقليد » لا معنى له ولا قيمة 
لاستقامته » حتى يحدث له حادث ينتبي مثلاً أو يلتوي » أو بالذات 
ياتقي بطريق غيره أو يتقاطع » هنا فقط » عند التقاطع واللقاء يصبح 
للطريق المستقم الممتد معنى إذ يصبح التقاطع وكأنه الاثبات لنظرية 
كانت قبله فرضاً » ووصولاً كان طوال الطريق مجرد حلم كحلم الجوعان 
th‏ 


لتتصور حادثاً كهذا وقع لطريقنا الذي اخترناه ممتداً بلا معنى في 
أرض متسعة بلا مفهوم » ولدكن أيضاً على ثقة إننا لن نكون أول 
المتصورين » LLB‏ بكثير سنجد أن الحكومة باعتبارها المسثولة عن 
الأرض والطريق وكل الأشياء ذات المعاني والمعدومة المعنى قد تصورته » 
وأدركت أهمية هذه الحقيقة الفلسفية أو الصوفية اللحضة » مع أنه ليس 
من عادة حكومة في العالم أن تعير أمثال هذه الحقائق التي ينقسم عندها 
البشر » وأحدثت ولاتزال تحدث أعظم المرات والمعارك والائتصارات 
الإنسانية أي التفات ولكنا بالسليقة من زمن لابد أدركتها . وبادرت 


15 





4۹ 


فأقامت عند هذا التقاطع ( كشكاً ) » وقالت لعسكري كن داخل 
الكشك فكان » وهكذا انحسرت كل المعاني الكلية المهولة عن التقاء 
الطريق بالطريق وتقاطع الطريق مع الطريق » وكا يضيق ( القمع 
ويتدبب » ضاع المعنى وانكمش واتخذ بالكشك والعسكري في الحال 
هرما ايسا Ue‏ + بل ی pW‏ متها ت ار کات ون 
أمتار قليلة مستمتعة بلا جدواها ولا أهميتها وبحريتها أن تمتد إذا أرادت 
وتتجبر وتتجبل إذا أرادت وشاءت أن تمتد » ونجن وتطلق شعورها 
وبراريها ولحاها كلما عن لا أن تصنع ذلك » أصبح عليها منذ OW‏ 
أن تدير رأسها وأن تعقل وتخفي عورتها ومن الكرة الأرضية المائلة 
والكون والطبيعة تدسلخ وتتخذ أسماء وتنتبي إلى شعب محدد وإلى جزء 
من أرض ذلك الشعب » محافظة أو مركزاً dye‏ وما يعطي العسكري 
والكشك والطريق هذا المعنى الحدد الخاص . يرتد العطاء » ويصبحان 
أو على الأقل يصبح العسكري » ليس جرد أي عسكري في أي كشك 
ولكنه » في ذلك الجرء المقطوع عن العالم المعزول يصبح المثل التي 
للنظام العام الذي أخضع الأرض وحدها وسماها وامتلكها ولكافة 
القوانين التي le Sal‏ عقول من أصبحت تمت لهم هذه الفرس 
الوحشية .. الأرض .. وراكبها الذي أستأنسها .. ذلك الطريق .. 

في ذلك الوقت » ولنجعله بعد الظهر بقليل وقد انتبى العسكري من 
تناول غدائه بحيث يمكننا أن نقدم عليه بلا حرج ونجلس إليه على أمل 
أن نتحدث » وحتى قبل أن يدور أي حديث بمجرد الجلوس » سندرك 
أن البقعة قد تكون معزولة ومهجورة بالنسبة للادميين وللراحلين . 


نة الآى أ 
هع ١‏ لغة الآى اى 





ولكنبا أبداً ليست كذلك بالدسبة للعربات . فما تكاد تمضي دقيقة حتى 
تكون aye‏ قد أقبلت » بل أحياناً Tha‏ لدى الكشك أكثر من عربة › 
كل ما في الأمر أنها في الخلاء الواسع لا تبدو للعيان .. قلما تصادفك 
عربة إذ هي نقطة لا تظهر إلا عند الكشك من الخلاق الواسع الشفاف 
تظهر ols” sles‏ دحاناً كان يخفيها باتساعه وشفافيته » وإلى الخلاء 
الواسع تعود إلى الإختفاء بعد اجتياز التقاطع ولا حول ولا قوة إلا بالله . 

Le,‏ لابد نفاجاً » قبل أن las‏ نعير العسكري نفسه أي التفات 
Uy‏ نحن مشغولون بتأمل المكان الفريد الغريب ومتابعة غير قليل من 
الأفكار التي يولدها بالضرورة وجودنا لأول مرة في مكان كذاك » حتماً 
لابد نفاجأ حين يقبل رجل عجوز قصير القامة » أول ما يلفت النظر 
إليه جبهته السمراء البارزة المحدودية » ومقدم رأسه الخفيف الشعر 
الأشيب » ينحني على المنضدة الموضوعة أمام العسكري ليستطيع أن 
يصل إلى حافتها الملاصقة له » ثم يضيع وياللمفاجأة كوب شاي متوسط 
الحجم رخيص الزجاج ob‏ بدا الشاي نفسه جيد الصنع عنبري اللون 
محمراً » تماماً کا يحبه أنصاف الكيفية » ونفاجاً أكثر حين نجد أن 
العسكري نفسه لم Lele‏ با حدث وكأنه كان يتوقعه › وكأئما هي 
عادة » وحتى إذا كنت متوسط الذكاء فلن تأأخذ bay‏ طويلاً لكي تدرك 
أن الرجل العجوز صاحب ما اصطلحنا على تسميته بالغرزة أو القهوة 
الصغيرة المتنقلة وأنه Let‏ رحاله تحت شجرة على الناحية الأخرى من 
الطريق وأنه لابد قد لاحظ أن العسكري قد انتبى من تناول غذائه 
فأحضر له كوب الشاي . کا قلت : لا حوادث هناك ولا شىء غير 
عادي ‏ من الطبيعي جداً أن توجد قريباً من هذا التقاطع غرزة صاحبها 


١5 





رجل عجوز أو مريض oly‏ يتعامل العسكري معه » وأن يحضر له 
الشاي » وأن يقدمه في أدب . ولكن أشياء غير dale‏ بدأت تحدث » 
مها Ste‏ أن يدفع العسكري يده في جيب بنطلونه الأمامي ( فجيوب 
بنطلونات العساكر مركبة إلى الأمام ولا أحد يعرف م) eta‏ قرشاً 
من جيبه ويعطيه للرجل العجوز Wwe‏ : خذ قبل ما أنسى . حادثة 
لاشك » فالمفروض والعسكري يشل كل ما ذكرته آنفاً » والرجل يشل 
التجار الصغار » أن يتقاضي ضريبة يضعها تحت أي اسم يشاء .. ضريبة 
ليست أقل من كوب الشاي مثلاً » وأن يعفي العسكري هذا الرجل 
من الضريبة » ليس فقط .. بل أن يخسر من جيبه قرشاً » أمر له دلالة 
خطيرة لابد . أن هناك سبباً لهذا الاستثناء » فإذا اتضح أن لا سبب 
هناك فمعنى هذا إننا في مواجهة ظاهرة خارقة .. عسكري مرور .. 
ملك متوج على بقعة نائية مهجورة ويستطيع من هذا المكان أن يسيطر 
على غرائزه وبالذات على غريزة فرض الضرائب غير القابلة للسيطرة 
والتحكم » ويكون ذا ضمير مستيقظ لاح . 

هنا لابد أن تلتفت كلية للعسكري 6 وتعيد النظر فيما دار بينك 
CE ais‏ أحطر محاورة مفروض أن تدور Ve‏ بين 
العجوز والعسكري ؛ WY‏ لن نستطيع إدراك مضمون الحوار إدراكاً 
حقيقياً إلا إذا وضحت لنا صورة العسكري فلابد لنا أن نؤجل الحوار 
إلى حين . العسكري شباب في حدود الثلاثين » في حديثه وارائه 
تحديدات من لم يتزوج بعد أو إن كان قد تروج فلم يستطع الزواج 
.أن يصيب ضحيته » کا يصيب الجسدء بالترهل وعدم Sel‏ إلى 


١47‏ لغة الآى اى 





التحديد . الزواج باعتباره عملية تنازل مستمرة ومساومة في أحسن 
الأحوال يصيب الرجل بعادة الرغبة في المسألة والبحث عن الحل 
الوسط » فالجمل لابد أن تكون لها مبايات مفتوحة تجعلها قابلة للتراجع 
pl‏ في أحيان » أو الاتصال بجملة أخرى تغير تماما من المعنى المقصود › 
الزواج ضد نقط النهاية وضد الحسم ربما حوف من سوء وضع النباية . 
ما Lyle‏ . شخصيته محددة » آراؤه في الناس أيضا محددة » وكذلك في 
عملية وطبيعته »> وهذا شىء ادر هنا » فالوظيفة » أية وظيفة › 
كالزواج تماماً صاحببا فتح الجمل وكارة استعمال حروف الوصل 
واللضم والجر والألفاظ التي تحتمل أكثر من معنى وتفسير لاستخدام 
معناها الآخر كسلم الحريق حالة وقوع الكوارث وتحمل المسكولية . 
له شارب .. تحس أنه عن عمد قد وضع شارباً » لا للعياقة أو إظهار 
الرجولة » إنه ليس في حاجة إلى إظهار وإنما لأنه ‏ مادام الناس صنفين 
— فقد اختار أن يكون من الصنف ذي الشارب » صعيدي أو عربي 
فلا ترال به بقايا قبلية » في لغته وفي ميله إلى الحديث عن كل ما هو 
عام » فالانتاء dag‏ عن الذات وكل ما يمت إلى الشخص بمفرده . 
ولا أستطيع أن أقول إنه شهم ذو نخوة وأريحية » فلم يكن قد بدأ 
منه ما ينبى؟ بأي من هذا » ولكنك تتمنى . بل ترجح أن يكون 
شهماً ذا أريحية » ولكنه buf‏ ليس كاملاً » فصحيح أنه يعامل السائقين 
بمساواة تامة » لا يبالغ في رد تحياعمم المفرطة وكذلك لا يرد عليها 
بتعاظم وتكبر » ولكنه يكاد ينتفض واقفاً إذا جاءت التحية من عربة 
ملاكي » فعلى رأيه من يمتلك عربة AY‏ أنه صاحب نفوذ » موظف 


۱4۸ 





rey 


كبير » أو صاحب مهنة غنى » أو ابن لهذا أو لذاك » ولي من العقل 
أو الحكمة of‏ يصطدم من كان ale‏ بأمثالهم .. 

قال العجوز بعد أن وضع كوب الشاي بأدب تحس منه أن الأدب 
أو بالأصح ‏ حتى لا يختلط الأمر  Gall‏ كان ذات يوم حرفته » 
ويذهب بك الخيال إلى أنه من الجائز أن يكون قد عمل سفرجياً في 
قصر باشا أو على الأقل مساعد مرمطون » قال : أنا لي رجاء عندك . 

ولم يكن العسكري قد أدرك بعد أن يرجوه وربما کان لا يزال منصرفاً 
إلى تأمل الشاي وتبيئة نفسه لارتشافه .. فاستطرد العجوز يقول : لو 
تتكرم وتسمح لنا بعربية نقل تاخذنا .. وقال العسكري وهو منصرف 
Lal‏ وبمزاج » إلى أحذ الرشفة الأولى من الشاي . ما أعذب الرشفة 
الأول من أي شىء تأحدك فين ؟ .. 
تبعد عن المكان بعشرات الكيلو مترات » ولكن العجوز قال : أصل أنا 
ما احبش المواضيع لما تحصل كدة . يبقى أحسن نأخذها من قاصرها 
وتتكرم علينا باي سواق توصيه .. 

قال العسكري وملامحه القمحية ذات الندوب تنكمش إنكماشات 
التأثر إن لم يكن بعض الغضب . 

هو جالك GE‏ .. 

قال العجوز وهو لايزال سادراً في رجائه : وقال لي : 


ورغم هذا قاطعه العسكري : وقال لك برضه .. 


لغة الآى i‏ 
.1 لآى اى 





قال العجوز : وقال لي برضه فأنا رأبي أحسن طريقه زي ما قلت 
لسيادتك كدة ادها من قاصرها Tle‏ المسائل لما بتوصل على إيه ده 
كله كلمتين منك وأي سواق وكتر ألف خيرك .. 


قال العسكري وقع بلغ الانكماش بملاحه درجة الانفراج إذا الغضب 
كان قد بدأ يتحول إلى كلام : اسمع يا عم حسن أنا قلت لك طول 
ما نا هنا ماحدش يقدر يقرب لك .. 


— بس أنا المسائل U‏ بتوصل أقول لنفسي على إيه الأرض أرض الله 
ومافيش أوسع من أرض الله وربك بيقطع من هنا ويوصل هنا وكلمتين 
لسواق .. 

بحرم هذه المرة قال العسكري : والله لما يكون هو الجن الأحمر مش 
يكفاك كلمتي أنا قلت طول مانا هنا لاهوه ولا مليون واحد زيه يقادر 
يبوب ناحيتك » بس US)‏ أشوفه مرة وأنا أعرف شغلي معاه . هو 
كالك امتى ؟ 


م الناحيا دي .. 


— وازاي ما شفتوش . ركك بس أشوفه . أنا مش قايل لك لما 
يجيلك اندهلي .. 





يا سيدي ربنا يخليك ويكتر خيرك » بس انا كان قصدي يعني 
أن المسائل لما بتوصل مفيش داعي وكلمتين منك .. 
خلاص يا عم حسن » بس لا يجيلك اندهلي .. 


وكان العسكري قد إنتبى إلى آخر نقطة من شرب الشاي . فتناول 
العجوز الكوب » ومسح قاعدته السميكة مرة أخرى . وانحنى ومد 
يده » ومسح الدائرة المبتلة التي صنتها على المنضدة ومضى وهو يتمم 
لابد بدعوات وكلمات شكر .. 


ولو رأيت هذا المشهد لدفعك حب الاستطلاع حتى إلى سؤال 
العسكري عن معنى هذا كله » cathy‏ حتى قبل أن يبدأ في أن سيباً 
ما لابد يدعو العسكري للتمسك بوجود عم حسن العجوز كل هذا 
السك .. 


ولو كنت تكتب قصة بطريقة التأليف کا يفعل بعض الناس 
لالتفت للموقف إمرأة » مثلما كدنا نفعل في البداية . ولجعلناها زوجة 
صغيرة pal‏ حسن العجوز أو dal‏ فائرة لعوبا .. 

لابد سيدور بخلدك شىء كهذا .. فالعسكري لا يذكر لك شيئاً 
كثيراً .. إنه يؤكد لك » بلا حاجة للتأكيد أن الرجل عجوز وطيب » 
وأن له في هذه البقعة بضعة أيام » وقد كان جالساً في مكانه . 
وجاءت عربة نقل ووقفت كالعادة وبيغا السائق يذكر له الرقم » وإذا 
من الصندوق ترفع المامة لاقصيرة لعم حسن » وإذا به يتطلع إلى 
المكان » ثم تقع عيناه على الشجرة فينحني ناحية السائق في الكابينة 


i 7‏ 
\o\‏ لغة الآى اى 





۳٦ 


ويشكره ويطلب منه » بأدبة المعهود » أن ينزل هنا SUE‏ إنه قد اختار 
هذه البقعة لينصب فيها نصبته . وبمساعدة الشيال ينزل عم حسن 
أشياءه الفقيرة القليلة » ويستأذن من العسكري ويقضي بقية اليوم في 
إقامة ( الغرزة ) .. 

وتلك هي حياة عم حسن التي اختارها .. وكل إنسان منا يختار 
حياته بالطريقة التي تحلو له » بعضنا يختار المهنة الناجحة ويقضي عمره 
يحارب زملاءه من أبنائها الناجحين ويكيد لهم ويكيدون له ؛ وبعضنا 
يختار مهنة البحث عن مهنة ويظل العمر fits‏ من عمل فاشل إلى عمل 
فاشل » ولكل منا کا قلت مهنته التي يفضلها أو التي يلعنها أو التي 
تتلاءم مع ذاته وطبيعته وصفاته .. وعم حسن قد ترك هذا كله واختار 
لنفسه مهنة أن يخدم الناس حيث لا يتوقع الناس خمده › فهو لا بلد 
له ولا بيت » موطه الداثم يوجد حيث يوجد بيته وبيته يوجد حيث 
يوجد عمله وعمله يوجد حيث يرى أن حاجة الناس إليه أكثر وأشد .. 


وهو يصنع القهوة والشاي والمعسل .. ورأسماله بلا رأس وبلا مال » 
وهو يوجد اليوم هنا في بقعة مهجورة من طريق السويس ‏ الإسماعيلية 
لابد عندها تقاطع أو محطة أو شىء ما .. هنا حيث يصبح لكوب الشاي 
قيمة لا تقدر » خاصة إذا قدم لسائق منهك استيقظ منذ الفجر وعليه 
قبل أن ينام أن يقضي الليلة القادمة Ugly‏ سائقاً . 

ويظل عمل حسن في المكان حتى يزهد هو فيه أو يزههد فيه المكان » 
أو تصل المسائل على حد رأيه إلى حيث يبح لا داعي للبقاء » يشير عم 
حسن لأية عربة قادمة » في هذا الاتجاه أو ذاك » فسككك الله كلها له 


1o۲ 





¥ 


وکل مکان فیا مثله مثل أي مكان ممكن أن يصبح بلده وموطنه ومسقط 
عمله » وی رکب عم حسن هو ورأسماله » dy‏ أي old‏ يتصادف أن 
تكون العربة ذاهبة إليه يذهب » وعند أية بقعة في المسافة يراها عم حسن 
تصلح مكاناً يحتاج فيه الناس والسائقون بشكل خاص للخدمة ولا 
جدونہا ولا يتوقعون وجودها ينحني على السائق يطلب منه بأدبه العهود 
إنزاله » وعادة .. بل لم يحدث of‏ تقاضى منه أي سائق أجراً » وينرل » 
ويظل يعمل » وقد يقضي في البقعة أيامأ وقد يقضي فيها ‏ کا حدث 
— ستتين » إلى أن تصل المسائل إلى الحد المعهود فيشير عم حسن إلى 
أول عربة نقل قادمة » وهكذا .. 


ولابد ‏ خاصة إذا كنت مثقفاً .. مقيداً بألف قيد وهي أو ممن 
صنعك إلى عملك ‏ تمنعك أشياء ليس أقلها الخوف الشديد أو بالأصح 
الجبن من أن تفكر » مجرد تفكير » في تغيير محل عملك أو عملك نفسه 
أو حتى محل إقامتك » لابد أن تحسد عم حسن على حياته تلك » فهي 
في رأيك لابد أرحب وأوسع حياة » حياة ألغت المكان والزمان والبعد 
الرابع وكل الأبعاد ؛ البلد كلها .. بملايين الكيلومترات التي تكون 
سككها وطرقها ومساحتا > ملكك .. ملكك lie‏ لا مجازاً » إذا ماذا 
تفعل بالملكية قدر حققك أن توجد في المكان الذي تمتلك وقتا تريد وأيد 
زمن تشاء وهل يحتل صاحب العمارة مهما كبرت أكثر من المقعد الذي 
يجلس عليه أو الفراش » وما متعة من بمتلك مثات من الأفدنة أو بضع 
عمارات .. ولكنه صاحب مصر كلها » من حقه أن يحل بأي مكان 
ال ات كينا SS‏ عات لعا 
المكان وأي مكان .. 


aw‏ الآى أ 
Ver‏ ی ای 





وجزء من دوافعنا للالتصاق بمنطقة بعينها من المدينة أو القرية » بل 
بشارع » بل ببيت بعينه من بيوتها هو Lil‏ نعرف الساكنين معنا وحولنا 
ونأتس بهم » وجزء من خوفنا أن نغادر ذلك البيت أو الحي ونقطن 
في غيره » إننا OH‏ من تجربة الغربة مع أناس لم نعرفهم بعد وحتماً 
لمذا نتوجس منهم . 

أن ما يدفعنا للإلتصاق بمكان محدد وناس محددين إننا نخاف الأمكنة 
الأخرى والناس الآخرين » فنتوقع على ما نعرفه ومن نعرفهم حتى لو 
قضينا الأعمال نمله وثملهم » عم حسن العجوز لابد أنه لا يخاف 
الآخرين » ومادام قد اعتبر مصر كلها بيته ومكان عمله فلابد أنه اعتبر 
المصريين كلهم صعايدة وبحاروة وشراقوة » وغرابوة » أهله وأبناء am‏ 
وحتته » وهكذا وبنتبى الجرأة والألفة والبساطة ألقى نفسه في وسطهم 
في البحر الضخم الهائل الذي يكون ملايينهم .. ومن الواضح تماماً أنه 
لم يغرق » وأن الأيدي رفعته » ولازالت ترفعه وتنداوله » ومن المكان 
إلى المكان يلقي بنفسه إلى يد ترفعه OLA‏ ورفق لتضعه حيث يحدد أو 
لعسلمه إلى يد جديدة إذا أراد .. وكأكما أبرم الرجل اتفاقا مع المصريين 
tye‏ أصحاب البلد » أن يقدم لحم القهوة والشاي في المكان الذي 
يفتقدون فيه القهوة والشاي by .. AST‏ مقابل هذا علمهم هم المصريين 
أن يتكفلوا بأمر عيشه وسكنه وإقامته وتنقلاته كلما حلا له أن ينتقل .. 


وك تؤثر الوظيفة في الموظف » وكا يصبح من خصائص سائق 


الأتوبيس صوته المرتفع إذ لابد له أن يرفعه ليغطي على صوت الآلة 
الحديدية والآلة البشرية ليسمعه الركاب أو حتى ليبلغ شتائمه إلى الراكب 


١64 





۳۹ 


الذي أثر أن يدخر رأيه الصريح فيه إلى اللحظة التي يضع فيا قدمه على 
الارض ويتحرك الاتوبيس .. كا تدمى الوظيفة ذلك الجرء من الإنسان 
الذي يتعامل به مع الآخرين .. وبالتالي تنمي لدى الآخرين ذلك الجزء 
الذي يتعاملون به معه » فعم حسن يتعامل مع جزء نادر » أو بالدقة 
نادر العمل .. في الناس .. ذلك الجزء اللخصص للعمل من أجل الآخرين 
.. الجرء الإنساني الضامر في أناس كثيرين .. الذي ربا حولته الأجزاء 
الأنانية لدى البعض كا تحول الأماكن غير المستعملة ‏ إلى مخازن تخترن 
فيها أحصنة الهم الإضافية ومغذيات الطموح الفردي الصغير .. 


عم حسن يعامله الئاس » والسائقون الذين يبدون وكأن قلوبهم قد 
قدت من جرانيت أصم » بأجزائهم الإنسانية » وما أكبر هذه الأجزاء 
أحياناً بالذات في قلوب هذا النوع الحيف من السائقين .. ولأنه يميا 
ويتنفس ويأكل وينام odie‏ الأجزاء وبما تبيئه له » فقد اكتسب هو الآخر 
طابعاً غريباً ميزه عن جميع الناس » فأدبه الزائد ليس ذلك النوع الممتثل 
الذليل الذي ندرك في الحال مدى ما فيه من ضعة واسترزاق .. إنه نوع 
عميق من الأدب » لا ينبع من الانحناءات والكلمات الهامسة ... وإن 
كانت بعض أعراضه كلمات هامسة .. ولكنه يبمس لا ليريك ويظهر 
لك أنه يهمس ولكن لأنه بإدراكه إنك ستستريج أكثر لو همس » نوع 
من مراعاة الشعور » ولكن لأن مراعاة الشعور لدى معظمنا لا تحدث 
إلا لسبب وإلا لحاجة لك عند من تراعي شعوره فأعتقد أنه من الصعب 
أن نتصور مراعاة الشعور نجرد مراعاة الشعور .. نجرد أن إنساناً يحترم 
شعورك فعلاً ويقدره ‏ مهما كنت ويېمه مراعاته » بل حتى في 


555 لغة الآى اى 





۳1۰ 


طريقه سوال للناس » إنه يفعل هذا بأدب صحيح ولكنه أدب فيه ثقة 
بنفسه وكأن المسألة أمر مفروغ منه » فرق كبير بين أن تطلب من إنسان 
لا تعرفه [et‏ وتحاول حينعذ ولأنك تفترض أنه ليس من حقك أن تطلب 
منه وهو الغريب عنك شيئاً أو تسأله معروفاً » تحاول أن ترقق ما أمكن 
من طلبك وطمجتك وتودع فيبا كل ما يمكنك إيداعه من رقة السائلين 
والمقترضين ومن يطلبون بذله » فرق بين هذا وبين أن يطلب من إنسان 
نعتقد أنه فعلاً أخوك ومن أقربائك » ولك عليه مثلما له عليك » أن 
تسأله » ومن واجبه ولیس تفضلاً أو تنازلاً » أن يعطيك . 


ولكن تلك تفاصيل لا معنى لها .. ومحاولة يائسة لشرح ١‏ كل ) 
من الصعب شرحه . فعم حسن ليس مجموعة تصرفات كهذه » ولكنه 
Vif‏ روح كاملة رما بعض مكوناتها تلك التفاصيل .. إنه روح غريبة 
تعيد إلى ذهنك آثار الظواهر الطبيعية وهي تعمل عملها عبر ملايين 
وملايين من السنين لتفتت الصخر الكبير إلى رمل دقيق أملس رائع 
التكوين . لتقدمن الصخر نرا عذب الماء كهر النيل » لتصنع من الزلال 
وزلال الزلال حياة ومن الحياة كائنات ما أروعها حين تتأملها كالسمك 
دافقة بالحياة عامرة بالتفاصيل » كالأسود جليلة مروعة يديخلك of‏ 
تفكيرك أن الأسد العظيم منہا کان ذات يوم قريب ie‏ لا یری للم 
بميكرو سكوب : كائياً كان هو الآخر ومدل أيام قريبة أسداً عظيماً 
كذلك الأسد .. ونتأمل كيف استطاع آلاف الناس بمراكزهم 
وتصرفاتهم الإنسانية أن يخلقوا أو يدربوا ذلك المركز في عقل عم حسن 
و شخصيته Ss‏ ويدمو ويزدحم > ويحيل هو هذه المرة مراكز الأنانية 


كها 





۳11 


وما يخص الذات الصغيرة إلى مخازن يودعها مشاريعه القادمة للئاس .. 
لحب الناس » لكي لا ينسى وهو في قمة إنشغاله » وحوله السائقون 
مردحمين كل يريد أن يحظى منه بأكبر جرعة من الحديث والشاي › 
أن عسكري المرور يتغذى » وأنه انتبى من طعامه وأنه في حاجة إلى 
كوب شاي .. 


لنتصوره بوجهه الأسمر » وصاعته النامية الخفيفة » بأذانه الكبيرة التي 
تكد ملاعه » بأنفه الكبير قليلاً يؤكد رجولته ویژکد في نفس الوقت 
طيبته إذ لا شموخ فيه . ولا إنساع فتحتيه يريحك » وعيونه ليست أبداً 
كعيون الملائكة ناعسة سارحة » أهم شىء يجذبك bel]‏ هو يقظتها › 
وليس يقظتها إلى ما يدور في عقل صاحبها وإثما يقظتها إليك أنت ؛ إلى 
ما تفكر فيه » إلى أحوالك وكيف تبدو وهل معنى ابتسامتك الواسعة 
إن كل شىء بخير أم يا ترى تنبيوء عن ضيقك با تحسه من ضيق . 


وإنبا لسعادة أن تنظر إلى عمر حسن وبالذات إلى ane‏ العريضة 
البارزة التي إذ قستها بالمقاييس المواضح le‏ للجمال لبدت قبيحة ؛ Me]‏ 
لسعادة أن تنظر إليها فتحس أن لم يدر خلفها شىء » فكرة أو خاطر 
يضر بإنسان .. أن تدرك بوعي وعمق أن هذا الرجل الذي ينظر إليك 
بجماع نفسه لا يفكر أباً في إيذاء أحد ولا Ke‏ أبداً أن يفكر في 
خداعك أو السخرية منك والضحك عليك » أن ما من فكرة شريرة 
عرفت أو يمكن أن تعرف طريقها إلى رأسه .. لا أحلام غنى باهط 
راودته وأستعد معها oY‏ يدوس الغير في طريقه إليها » ولا أمئية ألحت 
عليه أن يكون لك مالك أو بعض مالك » وأنه لا يحسدك أبداً على 


به ا لغة الآى اى 





PAY 


منصبك أو وسامتك أو زوجتك الخلصة .. ولم يفكر أبداً في الحط من 
شأنك حتى بينه وبين نفسه لكي يثبت ها مثلما يحلو لابعض أن يفعل 
أنه أحسن منك » أنه لشىء رائع وخر ومثير للخوف أن تدرك أن كل 
هذه الصغائر التي يقضي بعضئا تسعة أعشار أعمارهم يلوكونها في 
عقوم ويقيدون بها قدراتهم .. ویلوثون بها ضمائرهم » وطبيعتهم 
الإنسانية التي تخلق نظيفة حساسة » هذه الصغائر كلها لا محل لها في 
ع ع لس الجا موي ا 
تتمتع بها خواطره .. أي أمان شامل كان يظللها ويظلله .. أجل الأمان 
الذي يقلب الناس دنياهم ey ty‏ مخاببىء ودهاليز ليحتمو بها من 
الأعداء المعروفة والمجهولة ومن الزمن والمرضى والخيانة » وكلما بحثوا 
عن الأمان خافوا إِذْ يدروكون peel‏ مهما فعلوا فليس هناك دواء شاف 
أو La‏ أكيد » وكلما خافوا على أنفسهم من الآخرين أخافوا الآخرين 
منهم حتى تنقلب العقول إلى مواقد مجنونة نة للقلق والرعب » أنه يتصرف 
دون أن يحسبها ويفكر » ويفكر دون أن يحسما ليعرف بماذا يتصرف » 
فالحاجز الذي يضعه الكثيرون بين التفكير والتصرف حاجز سببه أنهم 
حين يتصزفون يمخجلون نما يفكرون » وحين يفكرون يخافون التصرف 
ال نا يفكروة + cera‏ تسرف عفني لي pede‏ 

مع أفكاره ؛ وأفكاره من تلقائها وبلا جهد يضيعه يضيعه أو يفقده تصنع 
اي EO‏ الدائرة إلا غيره ء إلا الإنسان الذي تسوقه 
إليه الصدف » إلا الكلمة الحلوة التي لابد يحتاجها ليقهر هذا العبرس » 
إلا الشربة من ماء القلة الباردة ترد الروح التي تتسرب من حسده .. 
مع حبات العرق الممرة » إلا كلمة طيبة يقولها لصديق الطريق وهو 


10۸ 





۳۳ 


قائم بنفض التراب عن جلسته ويستعد لسفرته القادمة الجهولة : خلي 
بالك .. الدنيا ليل ونورك bly‏ لا تقابل عربية هدي » they‏ بنتك 
الغالية لانت فاكر كلامي ومهدي .. 

وقد يعتقد البعض » وهم الحق » اني بد ill‏ عن اساد 
خراني غير موجود . ولكن الكارثة الكبرى أن عم حسن موجود 
ولايزال إلى OW‏ حياً يسير ويتنقل أن وجد في مصر طريقاً > ولكن 
المشكلة » أجل المشكلة » أن الدنيا كلها ليست عم حسن 6 وأن المسائل 
لابد أن تصل eg‏ إلى الدرجة التي يصبح معها من العبث البقاء .. 


ولنعد إلى الرجلين والمشهد » ولنؤمن الآن وقد عرفنا الكثير أن ليس 
في الأمر زوجة أو ابنه ولا سيدة بالمرة » ليس لأن عم حسن لم يتزوج » 
فالحقيقة أنه مرات تزوج » ولكن زوجاته كن » بعد فترة » وبعد إنقشاع 
الرغبة في التغيير » يضقن بحياته ويردن الببت والعمل الثابت الذي لا 
يبحت فيه عن الناس Lily‏ على الناس فيه أن يبحثوا ae‏ » من هنا كان 
يدب الخلاف » وينطلق عم حسن إلى طرقاته ومحطاته ودنيا الله الواسعة 
وينطلقن هن باحثات عن الأمن والثبات الذي يصنع الأولاد لنعتقد إذن 
أن ما بين الرجلين أن هو إلا صلة أخترى من صلات عم حسن بالناس » 
تلك التي تدشا أ في لحظات » وتظل تدمو ولا تكف عن ابو كلما مر 
عليها الوقت » عكس ما يحدث في العادة » فما أربح وأوسع ما تنشاً 
وما أسرع ما تبدأً تضيق » والمشغوليات بالنفس كثيرة » والعلاقة التي 
لا تتفع تضر » والأعم الغالب أن تنتبي العلاقات إلى ذلك الخيط الرفيع 


لغة الآى أ 
1۹ ¢ 





"14 


الذي يفصل بين الجهل والمعرفة » فتعرف الشخص وكأنك لا تعرفه › 
وصلتك به لا تتعدى أكثر من يد عالية ترفعها بالسلام من بعيد » أو 
إيماءة من رأس أو أضعف الإيمان إبتسامة وكأئما لتثبت بها لنفسك أنك 
تنتمى » مجرد انتاء » إلى الجدس .. 

والعسكري يروي كيف بدأت الحادثة » فمنذ بضعة أيام » ذهب 
إلى عشه عم حسن » لأول مرة » عابساً شديد العبوس . ولابد لنا لكي 
LS‏ القصة أن تعرف أشياء كثيرة عن العسكري بشكل عاجل » فهو 
قروي whe‏ الحقة بدأت بالعسكرية ودخول الجيش » وكان الجيش 
مدرسته » هناك صاحب شبان المدينة وعرف المدينة من خلالحم » وخرج 
وهد الى أن يعرفها بنفسه » والمدينة صعبة على من يريد معرفتها بقيم فلاح 
ودردحة ذكي . ولكنه رغم هذا استطاع أن يجد لنفسه مكاناً غير رسمي 
فها » وهو وإن كان يفضي معظم أيامه مقطوعاً في كشك » إلا أنه 
في اجازته يعوض كل ما فاته » وحتى بنات الليلة يستطيع مصاحبتون 
.. وله في كل مدينة يحل قريباً منبا جلسات » وقعدات وأركان ودائما 
يعار على عشيقات .. 

غير أنه من يوم أن حل عم حسن فقد الحماس LE‏ للمدينة ولكل 
ما ينتظره فيها » فساعة واحدة كان يقضيها مع الرجل حسن عاش 
وشاف » وعاش وشاف بطريقة لم يعش أو ير بها أحد » فغيره يجلس 
مع الرجل » بل أحياناً يجاوره لشهور وسنين دون أن يعرف عنه إلا 
أقل القليل » عم حسن كان يغوص من فورة في النفس محبة أو بناء على 
طلب صاحبها » by‏ دقائق يعرف مالا يعرفه غيره في ساعات » فوجهه 


۱1۰ 





1° 


كان يملك اللمسة السحرية المتناهية البساطة » التي تفقح النفس » 
والنفوس دائماً تواقه OY‏ تفتح وأغنى ما في الأرض ليس كنوزها وما 
تحتويه قشرتبها » أغلاها ما في نفوس الرجال من ثروات ؛ أن لي داخل 
كل منا كنزاً تجمع وتراكم فيه عشرات السنين وآلاف الخبرات » كل 
نفس كالحارة » مهما إنغلقت فهي لا تكف عن إحالة التجربة بالإضافة 
والإعادة والتعديل إلى 3H‏ » إلى ماسة ثمنية من ماسات الخبرة الإنسانية 
المركزة والمكثفة والمصنوعة بصبر داحل تلافيف الحياة » وقد استطاعت 
نفس عم حسن لخالية من المهبطات والمعطلات ومخصصات UY‏ اللزجة 
أن تمتليرء وتستوعب عدداً لا يعد ولا بحصى من كنوز النفوس الأخرى 
فوق ما يمكنها تقديمه وعرضه من نماذج استطاعت نفس عم حسن أن 
تقوم بدورها كصانعة لآليىء » وماسات » وأن تحيل ما احتوته نفسه 
من تجاربه ومن الآلاف المؤلفة من تجارب الآخرين إلى ما يشبه برج 
مجوهرات الإمبراطورية البشرية .. لي متحف يدير مجرد التجوال فيه 
الرعوس » ولا شك أن al‏ كثيرة وكلها حلوة » والمرأة جميلة ممتعة › 
وقعدة العسكري في البندر مع إخوانه يدور عليهم الشىء أو يدور بهم 
متعة .. لكن العسكري إلى عم حسن » ويسمعه بمفرده أو مع الآخرون 
وهو يحدئهم ومن ذات نفسه يفرجهم على عوالم غريبة رائعة + ليالي 
وكأنها مسحورة ترى من فنجان ؛ وأيام وأحداث UIT‏ اغترفت من 
أكداس الروايات » مع أنه في كل ما كان يتحدث به لم يكن هناك أثر 
للخيال » إذ لم يكن هناك داع للخيال » فما رآه رأى العين أغرب مما 
يراه الآخرون رأى الخيال .. لاشك أن المنع كثيرة ولكن يبدو أن أمتعها 
bye‏ وأحلاها هي متعة أن تعرف .. متعة أن تعلم ما تجهله أو تزداد 


mI‏ لغة الآى اى 





8 


أناس وكأًتهم ليسوا من جنس الناس » ly‏ من نوع أخخر لا يتبدى إلا 
لعم حسن .. أو كأتهم الناس ولكن أشياء منهم مغلقة تفتح بكلمة سر 
لا يعرفها إلا الرجل العجوز .. 

وجده العسكري في ذلك اليوم عابساً » شديد العبوس .. حتى لقد 
استغرب أن يمتلك من كان alte‏ القدرة أن يعبس ببذه الشدة .. وحين 
سأله عما به لم Ly‏ أن يتحدث وكأنه لا یری فائدة في الحديث .. 

ولكنه تحت الالحاح قال ai]‏ حدث ما كان وسيظل دائماً أبداً يخشاه » 
فقد جام الرجل وطلب منه مغادرة المكان .. 

أي رجل وبأي حق يطلب ما يطلبه ؟ .. 

قال إنه جاء هذه المرة بحجة أن الأرض التي أقام فوقها عشته أرضه 
وأنه يعطيه 'مهلة إلى الغد لينتقل منها .. 

وطمأن خاطرهة قائلاً : أنه لابد نصاب » أو سلطه أحد أصحاب 
العشش الأخرى .. ۰ ۰ 

وهنا لابد تدرك أن ثمة عششاً أخرى وغرزاً قد أقيمت بعد مجىء 
عم حسن » فهكذا دائماً شأنه » ما أن يحل بالمكان المهجور ويبدأ في 
تقديم مشروباته إلى الغادين والرائحين على الطريق .. أصحاب الطريق 
كا كان يسمبهم عم حسن الذي قد تتصور أنهم قلة في حين أنك لا 
يمكن تتبين كثرتهم إلا إذا أقمت لهم مكاناً للشرب والراحة .. مكاناً 


1۲ 





1¥ 


يصبح ككشك الرور الذي تلمح قبله أثراً لعربات ولا تلمح بعده » 
Lil,‏ عنده فقط وعند العشة تظهر العربات » ويظهر الناس ويتكشف 
عنهم الفراغ الذي كان يخفيهم » وعنده يلتقطون أنفاسهم برهة إستعداداً 
لاختفائهم القادم من الفراغ .. أصحاب الطريق كثير » لابد لهم أسبابهم 
الخاصة لسلوك الطريق ولكنك تعجب حين يخرج لك عم حسن يعرض 
كنوزه متحدثا عنهم قائلا إن فييم صاحب الحاجة والهدف لاشك › 
ولكن الغالبية سيتعبك Ler‏ أن تحاول معرفة أهدافهم ولماذا يسيرون » 
إن معظم الناس أجناس قائعة ميالة إلى البيوت وحياة البيوت وعالم 
البيرت ولكن الدنيا فيها آخرون .. فيها القائلون لأنفسهم وللعالم : بلاد 
لله لخلق الله ومن بلد إلى بلد يرحلون » وعلى الطريق يشربون ويأكلون 
وأحياناً على نفس الطريق يموتون .. أصحاب الطريق وسكانه دائماً 
فرادي ودائماً على الطوى ونادراً ما يتكلمون وليسوا أبداً مجذبون أو 
مجانين وإن كان سلوكهم هذا قطعاً سلوك مجانين .. الشىء AW‏ أن 
وراء السير الطويل . مسيرة العمر قصة انتبت حين وضع كل منهم قدمه 
على أول الطريق » وقد يكون للطريق أول ولكن أبداً ليس له آخرء 
Lis’,‏ بحثهم الدائب عن آخر الطريق » والعمر يمضي وأعمار كثيرة 
مضي قبل أن يصل أي منهم السالكين سلوك المجانين » أو أي منا نحن 
السالكين مسالك العقلاء » atl‏ الطريق « دائماً نلتقي » عقلاء ومجانين » 
وراجلين وراكبين وأفندية وسواقين وهاربين وباحثين ومخبرين ومجرمين 
ومطاردين ومطرودين عند عم حسن عند تقاطع الطريق . ونأنس 
باللقاء » ونتعارف ونتجابب ونتذاكر ويسمى بعضنا البعض : رفاق 
الطريق . 


35 لغة الآى اى 





۳1۸ 


وهكذا يحدث دائماً تبقى عشة عم حسن الذي يكتشف بها التقاطع 
المهجور » وحيدة لفترة أطول » إذ لا تلبث عشة أخرى أن تقام » وأن 
كان صحابها ليس في وحدانية عم حسن وإنسانيته وطيبته بل حتى 
نظافته إلا أنه لا يعدم زبائن آخرين » وجلعنا لكل شىء سببا » ولكل 
طالب رزقاً » ولكل عشة مهما كار عدد العشش زبائن من رفاق 
الطريق .. 


ودائماً ما تيدأ الغيرة من عم حسن ورواده الأكثرء تأكل 
القلوب » dey‏ أقل سبب تحدث المشاحنات » وفي البقعة المهجورة 
والمقطوعة الصلة JS‏ أسباب الحياة والإحياء » سرعان ما تبداً فيها 
أو البوادر » وكا تستدل على الأسد من رائحة بوله المدكر » تبدأ رائحة 
نظام الإنسان الفاسد تفوح » ومن بعيد وسط سكون العصاري المطبق 
تسمع صوتاً غير غريب عليك تتلاحق عواءاته من بعيد .. تسمع 
الصوت وتشم الرائحة » الخناقة » تحسبها كلاباً على جثة » ولكن 
الرائحة والناقة أكثر بشاعة .. لابد أنهم بشر على لقمة .. 


فإذا معت طرفاً واحداً هو الماضي في زعيقة وعوائه » بينا الطرف 
الآخر صامت صمتاً تاماً وكأنه ليس المقصود » فاعلم أن الخناقة مع 
عم حسن » وأن الآخر رغم أنه جاء إلى التقاطع بعده » ولولا عم 
حسن ما جرؤ على التفكير أو البقاء » إلا أنه محموم ينفجر بغضبه . 
ولكن هؤلاء لم يكونوا يسببون للرجل العجوز الطيب أي إزعاج » 
بالعكس كان دائما يقابل عويلهم بالإبتسام .. إبتسام الفرحة » إذ 


۱4 





مقن 


معناه أنه عمرت الحتة » وليس ما يببج عم حسن أكثر من أن يدرك »› 
هو الجواب الأرض القفر والساحات المهجورة » إن قطعة مهما بلغ 


صغيرها من الدنيا » ومن مصر of‏ الدنيا » قد عمرت .. 


# # ¥ 


ولكن » أن يعبس عم حسن » وأن يبدو وجهه شديد العبوس » 
وأن يظل هكذا حتى بعد محاولات العسكري المستمرة لتطيب خاطره 
معناه أن في المسألة شيثاً آخر غير عادي .. 


وأعتقد أن العسكري أن عم حسن رجل طيب ومسالم » ومن 
عادة هؤلاء أن يزعجهم التبديد » وهكذا def‏ العسكري على عاتقه 
ألا يتكرر المشهد » وأن يظل وراء من هدده حتى ond‏ على المضي 
إليه وطلب غفرانه . وبدأ يعيد السؤال على الرجل » ويطلب من عم 
حسن وصفه وتذكر من أين جاء وإلى أين ذهب . ولم تعجبه 
الإجابات » فقد جاءت كلها غامضة خيرة وكأنما عن عمد » أو من 
شدة الخوف — يحاول عم حسن تضليله » وببذا واجه عم حسن 
وكان أن ابعسم الرجل وكأني بقلبه ابعسم فهو لم يكن يحاول أن يخفي 
عنه tye‏ » وأنه لا يفعل أكثر من أن ينقل إليه كل ما يعرف » فهو 
لم يع بالضبط من أين جاء الرجل فقد أفاق فوجده أمامه 6 ولا إلى 
أين ذهب فما كاد دمه يتغير CIS‏ حتى كان في ثورة الغضب 
قد اختفى » وهو لا يذكر ماذا كان يرتدي » فقد أضاع الغضب 
للحظة الرؤيا ذاكرته » غير أن ما أدهش العسكري ومنعه عن متابعة 


لغة الآى أى 





۰ 


بقية الحديث وعن إلقاء أي سوال » أن عم حسن في كلامه عن الرجل 
وكأنما يتكلم من الذاكرة » وكأن ما في الذاكرة أقرب إليه ثم » منذ 
دقائق ¢ حدث .. 

كان وكأنئما يتحدث عن شخص يعرف تمام المعرفة » عن شخص 
لا مکن أن تكون تلك هذه المرة الأولى لرؤيته .. وحتى cm‏ واجهه 
بهذا سكت ولم يجب » آخر كلمة WE‏ العسكري قبيل أن يغادره إن 
طلب awe‏ ء» إذا gle‏ الرجل » أن يشير له ويناديه » وليدعه حيهذ 


Se‏ بها 


وهز عم حسن رأسه . وكان وجهه لايزال محتقن EW‏ في 
اكاب .. 


# ¥ «# 


الرجل جاء » وأنه هذه المرة أنذره » ومضى قبل أن يستطيع أن يشير 
له أو يناديه . كيف يمضي قبل أن يستطيع ؟ أهو كائن مسحور .. 


إنه هكذا ‏ مضى عم حسن يخبره ‏ عمري ما رأيته قادماً ولا 
عرفت كيف يغادرني .. 


عمرك ‏ أفي المسألة أعمار ؟ 


بالطبع ‏ قاها عم حسن ببساطة .. فليست هذه أول مرة Le]‏ 





۳۲١ 


دائماً وراءه الي يذهب ليسكن حتى يبدأ الآخرون يفدون ويقيمون 
العشش . ومن لحظتها يبدأ Th‏ ولا یت رکه حتى يذهب .. 

وللعسكري ألف حق حين أحس أن عم حسن يبالغ ليس إلا وأنه 
من امتداد حياته الطويلة يعدا عن المشاكل يجعل من الرجل عيبا 
أحمر . ووصاه وألح عليه إن جاء فقط أن يناديه » ما عليه إلا أن يشير 
له ويناديه .. 


ولم ob‏ الرجل في اليوم التالي . هكذا أكد عم حسن » لا ولا 
اليوم الذي يليه » إلى العاشرة حين كاد جاز اللمبة « الشيخ علي » 
يفرغ وسهرته التي نادراً ما تمتد أكثر ما تنتبي » ويخمر من زبائنه قرر 
قضاء الليلة عنده ومن سيرحل » هكذا في ظلمة الليلة » ودون خحوف 
من مجهوله وظلامه » وكأنه في بيته صاحب الطريق إلى العشرة لم 
يكن قد جاء .. 


وفي اليوم الثالث . كانت كوب الشاي التي قدها للعسكري عقب 
الغذاء » وكان رجاؤه أول مرة يسمع lad‏ هذا الرجاء » أن يساعده 
على الرحيل .. 

وحين كان عم حسن oly‏ الكوب الفارغ ويمضي ويتمتم . لم 
يكن ما يتمع به كلمات شكر کا أعتقد العسكري 6 كانت HIT‏ 
ضبق وتبرم بالموقف. الذي أصبح فيه » فها هو العسكري يقف يجواره 
مصمماً على بقائه وعلى أن باستطاعته الدفاع عنه في حين أنه اعرف 
الناس أن أجداً لم يستطع ‏ مع هذا الرجل ‏ أن يساعده وأنه جانبه 
ويجاببه دائماً es‏ ولا فائدة من إطالة النضال . 


لغة الآى i‏ 
vv‏ لآى ای 





۲۲ 


وبعد دقائق كان ينادي del‏ صوته يا شاويش .. 

وفي بضع قفرات كان العسكري قد ترك المكتب والدفتر » والقيد 
والعربة النقل الدائرة موترها في إزعاج » وأصبح أمام عم حسن » 
يسأل : هو فين ؟! 

وياس ”تام أجابه عم حسن أنه ذهب .. 

كيف ومتى وهل من المعقول أن يكون قد اختفى تماماً ول يمر بين 
ندائه وبين مجيئه سوى زمن كلمح البصر ؟ .. 

مش قلتلك .. أهي دي عوايده . 

ولأول مرة » وبنظرة مختلفة LE‏ حدق العسكري في عم حسن » 
فلم يكن هناك إلا تفسير واحد » إن هذا الرجل العظم AY Oye‏ 
يتصور أشياء لا يتحدث .. 

وبنفس النظرة مثبتة على وجهه بالذات على عينيه الواسعتين 
العسليتين . 

caf —‏ متأكد أن فيه راجل بالشكل ده .. 

وعلى الفور فهم عم حسن أو ابتسم في رثاء .. 

وإنقضت الليلة » وفي الصباح » وإلى الساعة الثامنة لم يكن قد جاء 


عم حسن له بشاي الصبح أو بدا له أثر . ودب القلق في قلب العسكري 
BE‏ أن يكون قد ذهب » لولا أنه من مكانه كان يلمح العشة وجلبابه 


المنشور فوقها منذ الأمس » ول يكن باستطاعته التحرك » فبجواره كان 


۱۸ 





۳ 


ضابط ينتظر » وعليه أولاً of‏ يجد له عربة ذاهبة في old]‏ العاصمة » 
وهناك » قرب العاشرة جاءت العربة » وحتى قبل أن تتحرك بعيداً كان 
هو قد وصل إلى جوار العشة وقبل أن يستدير إلى الباب كان ينادي 
عم حسن » وخيل إليه أنه يسمع أنيناً . وفي الداخل كان عم حسن 
راقدا وحول عينيه 'كدمة زرقاء كبيرة وصدغه وارم وواضح في Aske‏ 
أن إعتداء قاسياً قد وقع عليه . وردا على أسثلته الكثيرة » واستفساراته » 
حدق فيه عم حسن بعينيه غير الوارمة وحدث فيه ملياً قبل أن يقول : 

وفتح العسكري فمه ولكنه عدل عن النطق » ودون أن يغير لهجته 
استطرد عم حسن : مش تعمل في معروف بقى وتكلم لي سواق .. 
أخرى . إنه بطبيعته لا يتحمل أن يرى dol‏ ضحية ظلم مهما صغر » 
الحياة » لقد قضاها كالقط الضال برياً يكاد يصل حد التوحش من 
الصعب عليه أن يألف ومن الصعب أن يأتلف » حتى مع أخيه الأكبر 
الوحيد » وحتى والمرأة بين ذراعيه وقد ذابت كل الفواصل عمره ما 
أحس أن ألفه حقيقية قامت بينه وبينها » حنى لو كانت ( نظلة ) 
زوجته » والأخرى التي جرى عليها طويلاً واشتاق لها كثيراً Wty‏ 
وكانت وبالصدفة (god‏ ( نظلة ) أيضا » الانسان الوحيد الذي اخترق 
حجبه وهد جدرانه واقترب أكثر ما يمكن من قلبه وروحه » وقرب 
قلبه » وروحه إلى الدنيا والناس .. كان عم حسن .. 


۱۹۹ لغة الآى اى 





Y4 


عم حسن الذي في أيام إرتبطت فيه نفسه إلى الدرجة التي لو أصر 
فيها على الرحيل لوجد نفسه » دون أن يستطيع لا منعاً أن يرحل معه 
.. الراقد الآن dy‏ متورماً ومضروباً من ذلك الرجل » مهما كان 
وليكن أنسياً أو جنياً » وليكن إبليس بنفسه وبکل جبروته ؟ 


كان العسكري » ولنسمه صميدة يعمل QU‏ ساعات ويستريح 
مثلها » ويبادله العمل والراحة زميله » زميل لا علاقة له بكل ما ذكرنا » 
ما لاحظه ولا كان على إستعداد للإهتام به » فهو في السن أصغر » وتلك 
Jaf‏ مرة يتغرب فيا عن زوجته وابنه الحديث الولادة » وهو دائماً » 
بالخواطر معهما» م يجس للحظة واحدة با على قيد خطوات منه 
يحدث .. 


وقضى صميدة » الأربع والعشرين ساعة بجوار صاحبه العجوز الذي 
رقد Yr‏ نصفها وعاد إلى طبيعته من نصفها الآخر وجلس وأكل 
وتحدث . وصميدة صامت at‏ الغيظ ويستعيد بغضب ما يفعله بالرجل 
حين يبىء . ولكن أن Lath‏ كثيرين جاءوا وذهبوا دون أن يبدو للرجل 
أثر » حتى أغمض مرة عينيه » ورغم أن اغفاءته لم تطل أكثر من حظات 
إلا أنه كان قد حلم فيها أن الرجل جاء » والعجيب أنه لم يكن کا تصور 
أبداً شيطاني A‏ يقدح الشر من عينيه » كان يبدو كالنوع ( السهتان ) 
من الرجال » النحيف » القصير » وكان وجهه ( سادة ) تكاد لولا 
وجوده أن تعتقد أنه بلا ملاح » وربما وجهه الخالي من الإنفعال ذلك 
هو ما جعل صميدة يحس بالضيق الشديد منه وبالرغبة الملحة في قتله ع 
وهو صعيدي وعربي يعرف معنى القتل ويفهمه » رغبة بلغ من شدتها 


۱۷۰ 





Yo 


وإلحاحها إنه أيقظته » وحين صحا وحد عم حسن يحدق فيه بعين 
مفتوحة ونصف الأخرى الذي أصبح Lali‏ على فتحه » وظل يحدق فيه 
لبرهة ثم قال : شفته .. 

وكاد يقول : شفته » لولا أن عقله إرتبك وتساءل : كيف عرف 
عم حسن أنه كان يحلم » ون الرجل جاءه في الحلم .. 

وسأله : إيش عرفك إني شفته .. 

فقال عم حسن : ما هو كان هنا ولسه ماشي .. 

فقال صميدة : أنت راخر حلمت به . 

فاستنكر عم حسن : حلمت إيه . أنا صاحي . وجه وافتكرتك 
شفته واستغربت أنك ما قلتلوش حاجة .. 

واحسن صميدة بالخوف » من المرات النادرة القليلة التي أحس فيبا 
بالحوف إلى درجة كاد يخبر عم حسن أنه يوافق lel‏ على رغبته fy‏ 
سيكلم له أول سائق يمر .. 
الاستسلام للواقع » ثار dy. aly‏ ومضة كان صميدة قد قرر أما هو 
أو ذلك الرجل .. 

وائتقل صميدة إلى عشة عم حسن يقضي فيا ساعات راحته » 
والعشة نفسها نقلها بحيث أصبحت تواجه الكشك WE‏ » ولو استطاع 
لجعلها ملاصقة له .. 


Te zs 
لغة الآى اى‎ ۱۷۱ 





ry 


وأصبح على عم حسن ألا ينتقل من مكانه إلا إذا عرف صميدة 
وتابعه إن لم يكن بنفسه فبعينيه » وأصبح على صميدة أن يظل مفتح 
الأعين لا يغمض له جفن » إذا نام كان على حسن أن يظل مستقظاً 
قابعاً بجوار زميله » ولا ينام عم حسن Wy‏ وحماية صميدة تحوطه » ومع 
هذا ما يكاد الإنتباه يغفل حتى يرفع عم حسن يده مستجيراً » ويعرف 
صميده أن الرجل جاء ومضى DUE‏ ريح وتمضي aly‏ لابد همس لعم 
حسن مثلما ببمس كل مرة بتبديده » وبأن صبره قد نفد وأنه لا محالة 
قاتله .. والعناد ذلك الشىء المستبد الخارق يزداد موا كالمارد العملاق 
في جوف صميدة حتى ليصبح هو الذي يسيره ويخضعه » وكلما إزداد 
استبداداً وإزداد التبديد حدة كلما أصبح على حركات عم حسن 
وسكناته أن تخضع أكثر وأكثر حتى ليكاد يشير لصميدة apie‏ أنه يريد 
فتح الفم أو التنفس .. 


وكان طبيعياً أن تخلو عشة عم حسن من رفاق الطريق » ليس فقط 
لكل ما تقدم » OY Uy‏ صميدة قد أصبح يتوجس لدى قدوم أيهم » 
وبعينيه النفاذتين يتفحص ملاح وجهه ليعرف قربا أو بعدها عن EM‏ 
کا رآها وك أصبح يعتقد أنها قريبة الشبه جداً من ملاح أي قادم يراه » 
أو على الأقل بإستطاعه أيهم أن يحيل ملامحه إذا أراد لتصبح ( سادة ) 
كريبة كملاع ذلك الرجل الكريه . 


by‏ صباح جميل » كل ما فيه جميل » إلا ما هما فيه . مال عمر حسن 
على صميدة وقال : 


ح نقعد كتير على كده ؟ 


\VY 





YY 


. ما يبان ونخلص عليه‎ ald 

— بعد يوم .. إتنين .. سلة .. سنتين ؟ 

حتى لو بعد phe‏ سنين . 

— طيب معاك » ساعتها صحيح ح نخلص عليه إنما إحنا ح نكون 
رحرين خلصنا » تعرف مين ساعتها ح يبقى إنتصر .. العند .. إحنا 
ح نكون متنا من زمان واللي عايش Ld‏ العدد وزي ما خلص عليه 
ae‏ خلص علينا ee‏ سيبني أمشي oe‏ 

— وتروح فين ؟ 

دنيا الله واسعة يا أخي .. وإذا كان في الحئة دي عدو فالطريق 
مليان أصحاب ورفاق .. الدنيا حلوة يا بني وحرام تعادي فيا حتى 
اللي يعاديك .. عايز تغلبه سيبه ينفلق ويعاديك » وأوعى تعاديه أنت 
اد نفسك . 


# ¥ «# 


وذات يوم » وصميدة نام » كان عم حسن يلقي بنفسه مرة أخرى 
إلى أيد الناس » والسائق يساعده على جمع حوائج .. 

وحين استيقظ صميدة ولم يجد عم حسن أو عشته أصابه ذهول 
أوقف تفكيره » كأنما أحس أنه فجأة فقد كل ما له على ظهر الدنيا » 
وحين أفاق » أحس لومضة » بالإرتياح » فقد شعر أن العناد ينسحب 
من جسده » ومعه تنسحب ملاع الرجل الكريه التي لم تغادر خياله 


الآ 7 
۷۳ لغة الى اى 





۳۲۸ 


لحظة » تتسحب معه فتبزمه » لومضة أحس أن الحياة قد بدأ يعود 
ها طعمها الحلو » كان عم حسن قد ذهب حقيقة وذهب معه 
سحره » ولكن المكان عند التقاطع قد عمر » ودبت فيه الأرجل 
وحفل بالعشش التي كانت أحداها قد بدأت تتحول إلى بناء ذي 
سقف وأبواب . لومضة عابرة أحس بكل هذا غير أنه أفاق تماماً من 
ذهوله حاول أن يجري وأن يسأل ومن السائقين والعابرين يستقصي » 
لا ليعرف مكانه البعيد » ely‏ على أمل » أن يعرف مكانه ليترك 
كشكه ويذهب خلفه ؛ وإلى الآن لم يزل صميدة مؤمناً وواثقاً أن 
عم حسن لابد حي يرزق ناصباً عشته عند تقاطع ما في الطريق » 
ولاتزال كلما مرت به عربة نقل » بل أن يأخذ أرقامها ويرد تحية 
سائقها يسأله كان قد رأى أو إلتقى بعم حسن » وبعضهم .يقول أنه 
من سنة راه واخر من شهور © وإجابات كثيرة يظفر بها » مرة يجده 
في دمنہور وأحری في طريق البدرشين .. آه .. لو فقط sty‏ له على 
مكان أكيد .. 


۱۹٦1٩ يداير‎ 


ot! > 


1 


Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 





ied by registered version 





۳۳۱ 





Converted by Tiff Combine 








rv 


من كام يوم جاءني حسن 

قل لي يا دكتور 

أقرل لك يا حسن 

هوفيه للحمير نضارات 

ضحكت 

فلا بد حسن يريدني أضحك 

لأ. جد 

لا بد يريدني لا أضحك 

سكت ولیه نظرت 

ما تقول لي يا دكتور 

أقول لك يا حسن 

مش للحمير نضارات زي البني آدمين 
كل كذا عام 

لك يا حسن سؤال 

bY‏ حسن الحمير مالهاش نضارات 


1 العتب على النظر 





rs 


طب والعمل 


وحماري لازم له نضارة 
ايش عرفك 
بقى يضبش 


ويدخل على مراتي 

يفتكرها الزكيبة 

هي تخينة زي الزكيبة 

إن جيت للحق 

إنما مش زكيبة 

يمكن بيغلط وكل حمار له غلطة 
بس ده غلطه كتر 

وبدأ يحرن 

ويتوه عن الدار 

ومرات يخبط راسه فى الحيط 
عشان حماريا حسن 

لا عشان بقت عينيه شيش بيش يا دكتور 
وديته لحد يشوفه 

شافه البيطار 

وقال لك عايز نضارة 

قال بيعه. دا شرك. day‏ 


بيعه 





rie 


ما يجبش تمنه 

والحمير الجديدة سوقها نار 
والحل 

عايز له نضارة يا بيه 

انت اتهبلت 

نضارة ايه لحمار يا حمار 
قول اللي تقوله 

إنما أنا في عرضك 
إزاي 

اتوسط لي في نضارة ' 
والنضارة بوسايط 

كله بوسايط النهارده 

إلا النضارة 

مش عايزة واسطة 

أمال عايزة إيه 

عايزة كشف 

والكشف فين 

عند بتاع النضارات 

أنا وقعت م السما يا بيه 
وانت استلقيتني 


5 العتب على النظر 





res 


سث كيلات فول 
واعمل له نضارة 
أني Je‏ واقف 
ومن يوم ما وغوش 
أني سنقرت 


وقعدت أضحك 
افتكر حمار حسن 
لبس نضارة 
أموت على نفسي م الضحك 
لدرجة قلت لا بد 
وبكل طريقة يا حسن 
أعمل لحمارك نضارة 
© © © 
pal‏ ناجي خدت بعضي ورحت 
وعملنا اجتماع 
ومن حيث المبدأ وافق 
وفضل التلفيذ 
والتنفيذ عايز كشف 
والكشف ple‏ علامات 
وأنهى نحمار ده 





TTY 


اللي 
© © © 


وانضم حسن أبو علي لينا 

وعلى أعلى مستوى قعدنا نضبش 
وجانا الحل من حسن 

حل مالوش مثيل 

يا ابن الايه يا حسن 

Ul‏ حتة حل 


سهم حسن وقال: 

يا بيه ويا عم ناجي 

الحل عند الحمار 

إزاي يا حسن إزاي 

فتح حسن بقه وبص لكمه الشمال 
راسف 

هو بينكسف كده 

وقال: 

الحل حمارة الصاوي جاري 

كان ساعة ما بيشوفها 


5 العتب على النظر 





۳۴۸ 


ولما نظره ضعف 

ما بقاش ينهق 

إلا لما يقرب عليها قوي . 
وكل يوم والتاني 

ما كانش يزر ودانه 

إلا لما يدوبك 


بوزه پنشه ديلها 


وبعد مفاوضات 

والصاوي خحايف على حمارته 
ولولا إن عم ناجي 

كبرت في دماغه 

ما كانش حصل 

وتم وجرى الترتيب 

نوقف حمارة الصاوي على بعد قصبة 
وحمار حسن على باب الدكان 
Uf,‏ أمسك شنبر الكشف 

وناجي يغير العدسات 

بحيث لما يحط العدسة المظبوطة 
نعرف أنها هي من نهيق الحمار 


\e 





۳4 


ما دام كل ما کان يشوفها ينهق 
فضروري لما يشوفها ح ينهق 
ونعرف العدسة المظبوطة 

وعدسات عينينا تنفع لعينين الحمار 
تنفع ونص 

قالها عم ناجي وفتح الصندوق 
وصبيه طرد العيال ووقف زنهار 
وحددنا مكان الحمارة 

ومكان الحمار 

ودورنا الحمارة 

وخاينا راس الحمار 

على خط مستقيم 

ديل الحمارة 

ومناخير الحمار 

وثبتنا الشنبر بدوبارة وحوالين الودان 
ربطناه واشتغل يا عم ناجي 

وثبت الهدف ياعم صاوي 

وانهج يا حسن وكانك حاضر 

أول عملة في التاريخ 

يعملها إنسي في حمار 


0 العتب على النظر 





¥ts 


زيادة في الاحتياط ثبت أنا الشنبر 

وزيادة في الاحتياط مات حسن على صندوق العدسات 
وبسمل عم ناجي وكلنا thy‏ 

وحط أول عدسة 

واستعدل بوز الحمار 

نفخ الحمار وعطس وهر كله وکده راسه 
وکان شيء ما كان 

ثاني عدسة 

حاف الحمار واتاخد وغمض عينيه 

وبدأ يرفص 

سهل علينا ناجي وقال: أصلها عدسة بتكبر 
ولازم شاف الحمارة fay‏ قدامه 

الثالئة مسكنا لها جامد 

ورمش الحمارعشر رمشات وابتدا يبحلق 
وزر ودانه 

وبان عليه علامات جد وخطورة 

ولحقه عم ناجي بعدسة على العين الثانية 
حمحم الحمار ونفخخ صدره 

وزفر بصدر محروق 

وراح مطلقها 

تنهيقة مفاجثة lise‏ على خرانة 

وكأن قثبلة انفجرت 





۳4١ 


تنهيقة وأتبعها بالثانية 

ورفع للسما راسه 

وتشعبطنا نمسك العدسة والشنبر 

وغارة نهيق هاجت 

ومعاها ضحكنا هاص 

ينهق ونضحك 

وحسن م الفرحة طاير ٠‏ 

وحمارة الصاوي للنهيق 

نختث ووسعت فتحة البرجل 

وابتدا يفلفص 

وحسن يصرخ : yal‏ شاف 

ايش عرفك 

شاور 

شيء خرافي غريب يجعلك 

تؤمن أن الجسد حيوان ساعة اللزوم يظهر 
لا عقل له ولا فيه ولا أدب يعرف 

حيوان حماري أسود غليظ بشفاتير 

زي مارد كان في الجسم متخبي 

ثانية ادلدل من القمقم 

مارد طويل تخين يجعلك تتمنى تبقى حمار مثله 
خرجته من جحره زي الكمين الحي يستنفر 
شيء لا بد معه تتأمل 


۱۳ العتب على النظر 





rey 


al iS 

كانك الخلطان 

وارتبكنا إحنا الكل خايقين تبص 
ليكون عيب 

ومش قادرين نشيل عينينا 

OY‏ البصر من مكمنه بينشد 

ومن غير أمر ولا خطة» الظاهرة 
عمالة وشغالة والحمار Ge‏ 
والوحيد الباصص بعيون الفرح والفخر 
حسن أبو علي صاحب الحمار 
يعمر بيتك يا دكتور 

تسلم إيدك يا عم ناجي 

أنا طالب القرب يا صاوي 
وحمارتك آهه» موافقة 


والجمهور على الجوانب انتابته حالة 


WN بريمةاندكت في برقع الحيا‎ als, 
٠ وحمحمة ورا حمحمة سخن الحمار والزمان‎ 
دا جئن الجدعان‎ 

وهب» قطعث رجليه القيود 

وأندفع خطوة 

خطوة واحدة بس لأن العدسات نطت . 
والشبر طار 


15 





rey 


وهديت تماماً وفي الحال وحين كف البصر حركة 
Biel‏ 

ale,‏ أليف مستانس 

ارتخت ودناه 

ودلدل بوزه 

وصرخ حسن 

في عرضك يا عم ناجي 

الحقني يا دكتور 

الفرحة ما نمت 

والدنيا بغت هس 

لکن حماسنا كان لسه 

ومرة ثانية Lad‏ الشنبر 

وجاب ناجي عدسات أضبط 

والنهيق عاد 

وي السما لعلع 

وما عرفئاش اللي حصل ايه 

فى نطة جامدة كان عند الحمارة 
als:‏ زقت عمك الصاوي 

وقدام عينينا ظاهرة كونية 

وعفاريت الجسد في عز الضهر اتجننت 
ولا عاد حمارة من حمار ولا ذكر من أنثى 
الحياة الحمارة بغشوميتها وغبائها أصبحت أرقى 





ree 


والقانون اللي عمل أنثى Say‏ أصبح مرعباً 

وهو يطلق عقال طاقة الالتحام 

ولا الرعب النووي له الجميع أنشل 

الطبيعة بصراحة وبلا حجل وعيني عينك 

تتكلم بأعلى صوت» تصرخ. تجار 

تضع في أجسادنا الزلازل» وداخلنا تفجر البراكين 


لحظة اختلال كون 

وال انتظامه 

والآ منتهى he‏ 

لحظة لا قيمة فيها إلا قيمتك كذكرالطبيعة أو 
lusts‏ 

ولتذهب العقول والضوابط للأطفال والعاجزين 
يلعبون ويعزون بها الأنفس 

لحظة الفيض 

الأجساد ثائرة وفائرة تدفق رحيقها 

IS‏ بدائية تفجرات الشمس 

ومد القمر 


ووحشية الإعصار 


5 





Yeo 


واحتفى الكل ولم يعد سوى BH‏ 
حمار حسن وحمارة الصاوي وقامة قصيرة تشب 
وتريد 
مطاولة الموقف واللحظة» قامة أبو علي وقد فقدء 
للحظة» وعيه الكامل وملامحه وقد أصبحت تنطق 
بالسرياني وتزمجر بأزيز يرعب حسن ويرعبنا 

© © © 


ولا تنصور ظاهرة مهولة كهذه 
تنتهي كما انتهت» فجأة» ويحل السكون عاتياًء 
شاملا وكأنه العودة الى القبر. . 
© © © 

ودعونا من TLD‏ حسن والصاؤي. ‘ 

فالصاوي أنشب أظافره في حسن بدعوى أن الاتفاق كان على 
الكشف من بعيد لبعيد فقط» ولم يكن الوثب أبداً داحلا في اعتباره. 
وحسن يرد بغرور أن على الصاوي أن يحمد الله فحمارته من فرط 
قبحها بائرة السوق» وفي جوفها OY‏ نطفة حمار حصاوي منياوي لا 
يقل أجرها عن جنيه. 

وكأنهما بالاشتباك الذي دار والعمامات التي تهدلت والصراخ 
والجثير يعيدون للكون نشازه بعد انسجامه» وضجته التي لا معنی لها 
بعد فحيح الضجيج الخالق. 


37 العتب على النظر 





أما حسن فقد أصبح قتيل النضارة» تلك النضارة COIL‏ فلم 
gatas‏ لديل أن یری بها حماره الطريق» cal‏ الكسب. كان يأتي 
بنضارة الوثب AG‏ الوثبة بجنيه» سعر محلد» ملها خمسة وعشرون 
قرشاً بدل نظر أو بالأصح بدل نضارة. 
وأحضر له عدسات أكبر» وأصبح حمار حسن ونظارته من معالم 
القر ية وبالذات نقطة جذب السياحة الداخلية لأهالي القرى 
المجاورة. 

وعاث الحمار في أرض القرية بنظارته stad‏ فلم يترك أنثى 
على حالهاء بل أحياناً كان يناوش حتى ذكور الحمير.. 

وأشاعوا أن حسن أرسل حماره لكتاب الشيخ حسنين» وأنه 
تعلم القراءة بسهولة تامة إذ على رأي عم ناجي : أنا مركب له نضارة 
تقرا لوحدها. 

بل Shady‏ وقد رأيت هذا بنفسي» كان الحمار كثيراً ما رى 
وهو يحدق في مانشتات الصحف الحمراءء وإن بعضها كان يعجبه 
فيلعقه بلسانه والآخر كان لا يعجبه فيمضغ الصحيفة وعنوانها ثم لا 
يلبث أن يبصقها وينهق بشدة علامة الضيق الشديد. 

وربما لهذا صمم حسن على منعه من الاطلاع على أي جريدة 
أو مجلة فقد لاحظ أن القراءة بنضارة الوثب تقلل كثيراً من قدرة 
دابته» ويخسر بعدها بضعة جنيهات من جراء «سدة النفس» التي 





rév 


تحدث لحماره» عقب كل جريدة يقرأها ويمضغها ويبصقهاء وجاهلا 
سيصير اللحمار» وماذا يهم : الأدب أو قلته فضلوه على العلم. 


© © © 
ومن يومين جاءني حسن 

وسألته عن الحال. قال: لبن 

وعن النضارة» قال: حديد 

وعن الحمارء قال : عقبال أملتك 

ثم ابتسم» مخفضاً فتحة فمه إلى أسفل» راشقاً 
عينه في كمه الأيسرء طريقته في الخجل. ثم 
بتنهيدة من أعماقه قال : 

ألا قول لي يا دكتور 

أقول لك يا حسن 

ما دام نضارات البني آدمين بتنفع الحمير» يا ترى 
نضارات الحمير تنفع البني ادمين 

ليه يا حسن 

wh 

قال: أصلي ple‏ أتوكل على الله وأعمل نضارة 
اليه نظرت 

Bosal أن‎ caddy 


فماذا بالله عليكم يضحك في السؤال 
بالله علیکم » ماذا في هذا رغم ذاكء يضحك؟ 


4 العتب على النظر 


Converted by Tiff Combine 








re4q 


العتب على النظر 


Converted by Tiff Combine 








في ليلة شتاء وجدها. 

ثالث شجرة قبل النفق وجدها. 

واحدة من أشجار «أم الشعور» القائمة على جسر النيل عند 
نهاية شارع pad‏ العيني . | 

كان قد طفش . 

مرة أخرى طفش . 

جرب عربات القطار القديمة المركونة صدئة على القضبان لا 

وتحمل «العُلقٌ) التي Lets‏ ما كان الخفراء يوقظونه بها حتى 
هجر السكك الحديدية» وجرب أسفل عربات النقل فى «الدراسة» 
والفجوات الكائنة في سور «فم الخليج» والمقابر والخرائب وحظائر 
المواشي في «المدبح»). وأشياء» وأماكن كثيرة جربهاء وكان البشر 
دائماً يطاردونه» كما يطارد الكلب المسعور أو الأجرب . 

كان طفش . 


is‏ العتب على النظر 





Yer 


منذ أن طرده زوج أمه وهو يطفش . 


كان يحب آمه» وكانت أمه تحبه. وأہداً لم ير coll‏ إلى أن جاء 
ذلك الرجل وبدأت أمه تبدو ضعيفة لا حول لها ولا قوة أمامه. 
سكران يأتي هائجاًء ومسطولا مرة» يأتي ويفرغ هياجه وسطله في 
أعماق أمه المسجاة تتلوى» يأتيه صوت أنينها ولهائها وقد أحاله 
وأحالها الزوج الجديد إلى سائل أنثوي ذائب من لحم طيع وقلب بدأ 
بالتدريج يلين» وعنه يتحول ويبتعد. 


هكذا أحس وظل يحس. كل يوم قلب أمه عنه يتباعد وناحية 
الرجل ونزواته العارمة يقترب» ويتشكل » ويستجيب2 ويتميع » حتى 
صحا by‏ فوجد الرجل قد أخذ أمه تماماً مثلما أخذ المسوت أباه. 
وحين أثمر الزواج الجديد Slab‏ انتفخ له بطن أمه. أدرك أن الشعرة 
التي كانت تربطه بذلك البيت «الحجرة») قد انقطعت وأجبره الرجل 
على ترك المدرسة والعمل كصبي نجار. واستغاث بالام مستنجداً» 
ولم يفاجا أبداً وهي تصيح فيه صارخحة طالبة منه أن یخرس حتى لا 
يوفظ الرضيع . ومالها والنجارة؟! على الأقل تعلمك. يابن الكلب» 
حرفة , ابن الكلب ياأمي . أصبح أبي هوالكلب .دامعالعينينقبل . . 
ولكن النجار كان قاسياً وكان هو كثير السرحان والتوهان» rene‏ 
أحياناً وأحياناً بفردة القبقاب ومعه أقبح الشتائم كان يضربه. 

وطفش. 

صاحب أولاداً من جامعي الأعقاب والمتسولين» وعمل صبياً فى 


۲4 





Yor 


محلات وأرغموه على أن يدفع ثمن مبيته لدى أيهم من لحمه وكرامة 
الرجل الطفل الذي كبرته الأيام بسرعة» يدفع الشي الكثير. 

ومرة أخرى طفش. 

من كل طفشان كان يطفش» من الأعور الذي حاول أن يعلّمه 
النشل طفش» من الأعمى الذي حاول أن يجعله يسحبه» ويشحذا 
clas‏ طفش» فكثيراً ما كان يدفعه من ظهره بعضوه البارز أبداً. من 
المرأة التي أخذته ليلة وفي حضنها أدخلته؛ روع وطفش. والمشكلة 
لم تكن طفشان النهار» فمن أكوام القمامة تعود أن يجد دائماً في 
الأكوام» ما call‏ لاء لم يكنيفعل كالكلاب الضالة والقطط. كان 
يعرف كيف يفتش وينتقي, ودائماً ما كان pte‏ على شي طازج أو 
بالقليل غير حامض» في بحر النيل يغسله وينظفه» حتى قطع الخبز 
كان يغسلها وينظفها ويدعها للشمس تجففها وتسخنها استعداداً لمأدبة 
قادمة حافلة . 

المشكلة في الليل والمأوى. 

وفي ليلة شتاء وجدها. . 


الشجرة جذعها من جذور ولهذا يسمونها «أم الشعور» فجذورها 

في الهواءء تلتحم cles‏ وتجف ملتحمةء وتصنع جلعاً وساقاً» تتولى 
عشرات السنين تضخيمه وتكبيره cad‏ هو الشجرة المهول. 
ولأن ساقها جذور متلاصقة فهي لا تكون Leesan | pecan lode‏ 

ولكن يظل في الجذع فجوات هي تلك المسافات التي كانت تفصل 


Yo‏ العتب على النظر 





of 


الجذور. فجوات كبيرة وصغيرة. مفتوحة من الناحيتين مرة ومغلقة 
أحياناً صانعة عشاً مسقوفاً ذا فتحة واحدة. 

ذات ليلة. وهو سائر بائس ولكن غير باك» فحين يصبح البؤس 
هو القاعدة اليومية الليلية التي لا تتغير لا يعود الانسان يبكي بؤساًء 
lL‏ يجيء أملافي حل أو استدراراً لأمل» أو رجاء إلى الذي 
خلقنا أن يهدينا للحل أو بالحل وبريحنا ولو ساعة من ألم مستمر 

كان الليل قد يدأ يمطر. ثم بغزارة راحت السماء تصب سيولا 
تفرغ الشوارع من الناس والدنيا من الونس وتخلق في النفس شعوراً 
قوياً بالخوف ورغبة عارمة في البكاء . 

ولجأ إلى الشجرة يحتمي من السيول التي بللته حتى وصلت 
لنخاع عظمه , وعلى الضوء القليل القادم من عامود نور ساطع 
الضوءء رأى الفتحة واقترب. وبعينيه راح يتفحصها واستغرب حين 
وجد لهاعمقاوكانها كهف. وللكهف من الداحل بروزات 
وتجعيدات» وكأنه فم عجوز يحفل ببقايا أسنان معوجة. 

دخل. 

وكأنه الى سرداب سعادة دحل . فمجرد إحساسه أن قذائف 
الأمطار وسياخها المائية قد كفت عن الدق فوق رأسه واختراق 
أسماله: وأنه قد أصبح في مأمن . مجرد إحساسه بهذأ سعدء فرحة 
كبرى غمرته» وكأنه الصعلوك قد أهدته السماء قصراً من عجب. 


"5 





Yao 


واستمرأ الشعور حتى أنساه كل مالافاه في حياته من طرد وطفشان 
وصفعات وإهانات وعمر مديد مليء بالألمء لم يوقظه من شعوره ذاك 
إلا خاطر Jo‏ له. أن يكون في مخبئه هذا زملاء من ثعابين أو حيات 
أو at si‏ أو أي مما يعض أو يلدغ. 


وإمعاناً في إرعابه كان البرق قد بدأ. وعلى ضوء البرق إذا برق 
والنور القادم من العامود الصامدء شبراً شبراً راح يتفحص أرض 
الكهف النباتي وجدرانه ولم يعشر إلا على جزء من هيكل عظمي 
لکلب لا بد وأنه مات من زمن» حين رماه بعيداً وبخرقة عثر عليها 
أيضاً في الكهف نظف أرضه. ial‏ قرفص وجلس. أحس أنه 
اسهد فاون كفك ا ا و مالك رضي أ 
الفرماوي نفسه صاحب كل عربات الكارو والخضر. 

ومن فرط سعادته راح يقاوم الخدر الذي بدأ يدب في 
جسده ويقوده إذا استسلم إلى نوم ما ذاقه في عمره hut‏ إنه هنا 
ی فی فلك tol‏ كي cdot lly,‏ ولیس قريباً من مخزن أو دكان 
ليأخذوه بالشبهه» ولا عسكري يستطيع OF‏ يراه» ولا أنس ولا جن أو 
بشر. راح يقاوم حتى يستمتع بشي حرم منه على الدوام منذ كان لهم 
بيت وكان له أب وكانت له of‏ حنون يجد في حضنها الأمان والدفء 
والحماية من كل شرور البشر. 

يقاوم الخدرالمؤدي حتماً إلى النوم. بإرادته يقاوم ومعه البرد 
الشديد يساعده. وكلما أحس بالدنيا خارج الكهف ترعد وتبرق والمطر 
بإلحاح ينهمر» وأحس بنفسه محمياً بالشجرة العجوز وحضنها عن 





rat 


هذا كله كلما أحس بشعور الناجي من غرق. المحمي في قلعة 
حصينة» حولها وحوش الدنيا كلها تعوي وتتلمظ» وهو يخرج لها 
لسانه اطمئناناً وتأكداً أن أنيابها تماماً بعيدة عنه وأن زئيرهاء زثير 
العاجز أن cally‏ وأن الدنيا أمان مبطنة بالقطيفة» وقطيفتها الزغبية 
الئبائية أصبحت تحنو عليه › ويسري إليه منها دفء لا يعرف مصدره. 

وصحا. 

المطر كان قد كف ولكن ضجة الشارع والترام بدت كما لو 
كانت قد مضى على بدئها عشر ساعات. Jb‏ يحدق طويلاً من خلال 
فتحة الشجرة إلى المارة والعربات ويجتر نصف نائم» عمره كله حتى 
يتذكر اللحظة التي دلف فيها إلى مثواه الجديد ذاك. وعمره كله كوم 
وليلة الأسس وحدها كومة أخرى وثمة فاصل حاد Bh‏ بينهما. 

Ls‏ واهنة وأذرع متبراخية كسولة راح يتحسس الجدار 
الداخلي للفجوةء كأنما يقلب بين أصابعه محتويات كنز عثر عليه 

وأحس أنه جوعان جوعاً لم يحدث له في حياته أبداً. 

ولكن كان عليه أن يغسل وجهه Vat‏ والنيل بجواره. يا له من 
قصر فاخر. حتى الماء يجاوره . والأمكنة وافرة لقضاء حاجته. 

ats,‏ أيضاًء حين انحلت مشكلة مأواه ومنامه» تفتحث أبواب 
الرزق في وجهه. فما كاد يخطو بضع خطوات في الشارع حتى 


YA 





oy 


طلبت منه سيدة هبطت لتوها من الأوتوبيس أن يحمل عنها حقيبتها. 
ورغم ثقل الي فقد get‏ بها في خفة الريشة. ولأول مرة في 
حياته يفطر فولا وطعمية» وبصلاء ويشرب شايا ويدخن سيجارة من 
أولها لآخرها. 

وسرح في شوارع المدينة. وكان رزقه واسعاً في ذلك اليوم . 
فحين جاء الليل كان في جيبه ما يكفيه لدخول سينما الروضة ويعشيه 
ويبقى معه أيضاً ky‏ يبدأ به يوم غده. 

وأحس وهو عائد من السينما بعد أن شاهد فيلمين أنه في 
طريقه إلى مكان أصبح عزيزاً عليه تماماً. أعز عليه من بيت أو مكان 
سكنه. شيء واحد كان يخنقه إذا فكر فيهء أن يعود ليجد المكان 
مشغولاً بقاطن آخر اكتشفه. ولكنه كان دائماً فاتحأ cob‏ فارغاء 
ینتظره» ولولا أنه حاف على نفسه أن يجن لاندفع يحتضن جدرانه 
من الداخل ويغني لعبد الحليم حافظ ويصرخ في المارةجميعاً: لقد 
أصبح لي مأوى. بل إن سعادته القصوى كانت أنه قد أصبح له شيء 
يخصه. مكان ينتمي إليه. وكأنما عثر على عائلة لا أب فيها يموت 
ولا زوج أم يقطع جسده وينهش كرامته. أصبح له هوء التائه في بحر 
الحياةء مأوى. 


ولكن AU!‏ كانت باردة» وظل مغلق الجفنين والنوم مستعص 
عليه» وماذا يهمه حتى لو قضى الليل بطوله ساهراًء في الصباح أيضاً 
سيكون المكان (KL‏ خالصاً له لا ينازعه فيه أحد» ولا يوقظه. إذا 
نام» من نومه أحد» مکانه» بيته . 


۲۹ العتب على النظر 





Toa 


ولكن البرد ازداد حتى بدأ يرتعش . سيقضي نصف يومه التالي 
يبحث له عن خرق أو أجولة قديمة تغطيه فالبرد أصبح لا يطاق. مهما 
قرفص» وحشر نفسه وألصقها بالجدار الداخلي للشجرة. بل حين 
راح يحك جسده في الجدار النباتي الناعم بالمقارنة إلى الجدار 
الخارجي الخشن» لم يواته الدفء أبداً . 

أحس» قرب الفجرء Les Let‏ أن ثمة دفثاً ما قد بدا 
يشمله» أيكون دفء الحمى؟ أيكون قد أمرضه البردء وأصبح في 
طريقه إلى عطس وكحة ومرض إذا داهمه فحتما سيقضي عليه؟ 
وتنحسس جبهته» وقارن حرارة يديه بحرارة جسده» لاء لم تكن هناك 
حمى» ولكنه يحس بالدفء ملموساً لا يعرف مصدره» فقط 
حين ‏ بحكم العادة ملس على جدار الشجرة الداخلي؛ أحس أن 
الحرارة تنبعث منه. وخحاف» حتى كادت الرعشة» رعشة الرعب من 
هذا الدفء الغريب المجهولء تعاوده. 

ولا بد أنه خرف أو بدأ يخرف» فقد لمعت في ذهنه الطفولي 
فكرة» أن الشجرة العجوز قد بدأت تدفثه» وتفعل مثلما تفعل أي آم 
حين ينكمش ابنها في حضنهاء وتحس أنه بردان» فتتدفثه!.. 
وتخريف أو لا تخريف» أعجبه الخاطر تماماً واستراح حتى كفت 
أسنانه عن اصطكاكهاء وأطرافه عن الرعشة. ووضع رقبته تحت ذقنه 
ثم دفن رقبته بين ساقيه وكأنه يتخذ وضع الوليد في بطن أمه. 

. ونام . 

وكما انتمى إلى الشجرة Liles‏ وأصبحت ملجأه وملاذه من 

العالم الخارجي الشرير» حتى أصبح يأوي إليها في عز النهار هرباً 


vs 





ro4 


من القيظ حين جاء الربيع وجاء معه الحرء فوجىء ذات يوم وكأن 
الشجرة كانت ضائعة هي الأحرى» وبلا قريب مثله» وبدا كما لو 
كانت فجوتها تتحور لتأخذ شكل جسده» بل فوجىءذات يوم بعرق 
داحلي منها يبرز ويمتد إلى الخارج من فتحتها ويواليه بالطبطبة 
وبالسقيا حتى لفي أسابيع قليلة يكبر ويكاد يملأ فتحة الفجوة ويصنع 
لها LL‏ يكاد يخفي الفتحة» بحيث لم يعد يعرف مكانها سواه . 


ودون أن يدرك هو ما يحدث. وبالطبع دون أن تدرك الشجرة؛ 
whi‏ علاقة أكبر من مجرد الانتماء» والحنان المتبادل»ء والبرودة 
تغمره بها صيفاًء والدفء تغطيه به شتاءً . 


أحبها أكثر مما أحب أمهء لقد كانت الحضن والبيت والظليلة 

والعائلة وكل ما يمت إليه في الدنيا. 
Wy‏ يدري كم من الزمن مضى» عام أو عشرة أعوام» فالزمن 

كان قد توقف به عند اللحظة التي اكتشف فيها آم الشعور, تلك التي 
دبت الحياة في كل أنحائها تماماً» واخضر كل مكان متخشب فيهاء 
ورغم أنه كان قد وفق إلى «صنعة» وأصبح bine‏ في محل 15999 
ويكسب» إلا أنه لم يستطع أن ينتسزع نفسه منهاء ومن جوفها 
«الحضن» . 

ولكن Let‏ فشيثاً بدأ يحس أن الفجوة تضيق عليه إذ كان 
دون أن يلحظ ‏ قد كبرء وكبرت معه سيقانه وأذرعه حتى جاء اليوم 
الذي لم يعد يقدر أن يحشر نفسه داخلها. 


5 العتب على النظر 





۳۹ 


وهكذا الدنياء فقد كان عليه ذات يسوم أن يجمع حوائجه التي 
خباها في ثنايات فجوتهاء ويودع CAI‏ الذي أصبح من الداخل 
أخضر كله ويذهب ليقاسم زميله في المحل» وصديقه؛ الحجرة 
فوق السطح التي كان يقطنها الصديق وحده. 

وليال طويلة قضاها لا يعرف كيف ينام على فراش وهو الذي 
تعود على حضنها الحي 6 وعلى وضعه الجنبي المريح داخلها. 

ولكن الأيام تمضي » ويتعود الرقاد فوق فراش. ويقارب سن 
البلوغ» ويبلغ» ويلهيه العمل الشاق طوال التهار والسهر الطويل مع 
الصحاب والشلة حتى نسيهاء بل نسي الشارع كله وقد انتقل بعمله 
وسكناه الى شبرا. 

وذات يوم أرسله الأسطى في مشوار لفم الخليج . 

وفجأة وجد نفسه يقفز من الأوتوبيس عند نهاية قصر العيني» 
ويسرع إليها ووقف مشدوها يرقبها. 

كانت أوراقها الخضراء كلها قد جفت وأعضائها الجديدة 
والقديمة تخشبت وبابها النباتي اندثر. 

كما لو كانت قد ماتت. 

وأحس بغصة ما قبل ARS‏ 

وبكى . 


آمه. 


۳۲ 


ied by registered version 





العتب على النظر 


۳۹۱ 


Converted by Tiff Combine 








rir 


تشئجت الرغبة في الساق أن ترفس. أمر أقوى من الرغبة 
صدر. الحركة والخوف من الحركة. التجمد الذي يسري ساعة 
الضياع. لاء ليس gel‏ هو Spd‏ ولكن ما يراه ظلام. us‏ کان 
أعمى تماماً؟ ومتى بدأ «يرى» ظلاماً؟ هناك فرق. یری (LMG‏ ولكنه 
يرى. يراه. المؤكد أن رأسه تصله رؤيا الظلام. 

مذهل ما حدث. لحظة أن يتكامل الوعي بالموقف» يضيع 
الموقف. 

يضيع المفتاح والحل. ويضيع هو. 

من أين جاء الموقف؟ بل هو نفسه من أين جاء؟ ومن هو؟ لم 
يكن يسأل. ولكن السؤال هناك. بل كل ما هناك أسئلة. 

ولا جواب. لا جواب. 


من فرط التراكم بدأ يحس بالظلام Sad‏ وأثقل أثقل. 
إنه يختنق. 





rvs 


الصدر يرتفع وينخفضص. الهواء يمر بحلقه .ولكنه پەختنق . 

mend‏ تشنجت رغبة أخرى في ساقه. أن يرفس. 

حتى والأمر الناهي موجود» رفس. 

ومرة ثانية رفس. 

فالأولى لم تذهب بعيدا . 

ارتطمت بالمستحيل. 

© © © 

عقب العشاء والعائلة كلها هناك وكبل فرد فيها قد انتحى 
ركنا من iow‏ القعاد يلتهم البطيخ › تكرع هوء وبینما كان شيء 
يرقرق في صدره ويقول: أنا أسعد مخلوق على سطح الأرض» كان 
فمه يتمتم : الحمد لله. ألف حمد لك. ألف حمد. 

بعد ثمان وأربعين ساعة كان كل شيء قد انتهى. 

وحيداً كان جالساً في نفس الحجرةء يحرك كتفيه لما فوق 
جذعه ويجأر بلا صوت: لماذا يا رب.. لماذا؟ باكياً ولا يذكر بالضبط 
ما حدث وكأنه قد مضى عليه عام.. 

ولكن البداية يذكرها تماماً. لحظة دق الباب. فتح ابنه الأكبر. 
بلا وعي » أصاخت الأسرة للحوار الذي دار وطال» وبدأت ابنته 
تتسلل ثم زوجته» ثم Lot‏ هو. وحين وصل لم يكن ابنه هناك. 

وارتفعت الأصوات» وارتفعت الأوامر. اذهب. أذهبي . هاتي 
الملابس حالاً. . 


۳۹ 





۳10 


في القسم كان النور معتما أ. والنظر. ما هذا؟ بالتأكيد ليس حلماً 
ولا كابوساً. ولكن الولد في الحديد» من القسم الى النيابة. 
السيارة باسمه. ولكنها سيارته. بضائع مسروقة في حقيبة 
ا من؟ أودعها عندي صديقي ليبيعها. الصديق vl‏ نافر 
العود» مؤكداً أن شيئاً من هذا لم يحدث. المبيت في 3 قسم البوليس. 
الولد يكاد يبكي من الغيظ. ولكن bet‏ ما في طريقته لا يعجبه. 
المحامي » أكبر محام. خمسمائة جنيه فوراً. دفعها صهره. 


مفتخر الملابس ذهب المحامي في الصباح. مفتخر الملابس 
خرج. 

استمرار أربعة أيام. في نفس حجرة القعاد تصرخ زوجته: 

لو كنت ربيته. طالع لك» طالع لأخواله. طالع لعيلتكم» أخوك 
ae ae‏ اجر انث لم يكن قلماً ولكن بده هوت بنصف 
غضب. قلمها كان غاضباً وحاداً ومليئاً بالكره. مليثاً بالكره لم يؤلمه 
القلم ونما كشف له الكره عن وجه غریب لم يره من قبل. وجه امراة 
cute‏ ث معه خمسة وعشرين عاماً تكرهه. غلالة رقيقة» كجلدها 
الدهني» كانت تسشر الكره» تحيله أحياناً إلى ضحكة سعادة وربنا 
يخليك. تكرمش الجلد كارهاًء نافثاً Loam‏ معقدأ أسود. 


رفع يذه. يصفع . تعلق ol‏ الثاني والبنت في الذراع. 


7 العتب على النظر 





۳ 


دفعهما. اندفعت البنت» ودفعه yl)‏ دفعة غليظة أسقطته فوق 
الأرض. 

قام هاجماً كنمر مفترس. ماذا حدث؟ هل ضربه الولد لكمة 
أداخته هل هي لكمة منه» وصفعة منهاء وعرقلة من الابنة؟ 

cif‏ طالق.. اخرجي من بيتي أنث وأولادك الحرام. 

ee 

قالها الولد. 

اخرج cal‏ يا كلب. 

قالتها الزوجة. 

بلاش قلة أدب.. 

قالتها البنت. 


أن يتوقف قلبه عن الدق ويموت قبل أن يحرقهم. مرارات الدنيا كلها 
تتجمع في حلقه فأحد لا يأني ويرجو أن يبقى » لا أحد. 


في حجرة الفندق الرحبص فرت من عينه دمعة: لحقتها دموع. 


من يهن يسهل الهوان عليهء ما لجرح بميت إيلام. لن يهون 
أبدا. لن يهون. والواجب سيؤديه كاملا. سيخرج الولد من السجن 
أولاً ثم يتفرغ للأفعى وأولادها. على باب القسم كان ينتظره صهره. 
قبل أن يقول Stal‏ كان وجهه يطالب بالمبلغ. حسابه في البنك يسمح 
تماماً بالمبلغ ولكن النقود باسمها. الصهر لا يفهم. بوجه صارم يطلب 


YA 





FAY 


موعداً. بعد غد. بعد غد وإلا. لا داعي ل. . إلا. بعد غد يعلي بعد 
غد. 

قال له رئيسه: تأخرت. هذه ليست وكالة. لم لسانك. هذه قلة 
أدب. حد. ol‏ يا WAS‏ خد. وما لم يستطع Of‏ يفعله في حجرة 
القعادء فعله هنا في المكتب الفاخر. وعلى صوت الاستغاثات جاء 
السعاة والموظفون. وتحقيق طويل طويل. وإيقاف فوري عن العمل. 

في حجرة الفندق المكتومة» قال: على الأقل ما أزال che‏ لم 
أمث بعد. 

© © © 

لم يعد ذاك البياض الناصع أبيض» أغبر البياض» واحتقنت 
جزئياته وتعقدت وانبثقت شبكة عروقه كالعنكبوت الأحمر جرى فيها 
دم. في كل ثانية يتوالى التغيير. ويتعقد أكشر. انتفاخ بدأ ينبض. 
انبعاجات. نتوءات. أشياء كالغضاريف,. مكونات مجمعة مبعثرة لا 
معنى لوجودها bes‏ بالمرة» تكبر وتتقارب وتكبر وتتباعد حوافها 
وتتداخل. ثم فجأة وكأنما قد أضيف إليها عنصر هام فعال ناقص 
يصبح لكل شيء معنى. معنى واحد ينتظم الكائن الجديد كله. معنى 
واحد يعطي معنى لكل ذرة وجزيء وجزء. وتنتظم الأجزاء والجزئيات 
والكل حركة واحدة» ذات معنى محدد واحد. الحياة أنا. أنا أحيا. 

col‏ تأمر الذرات. العضو يأمر العضو. الأمر الأكبر صادر 
من أعلى . 

© © © 


۳4 العتب على النظر 





۳۹۸ 


في الصباح رد تحيته شاويش الحجز بقرف. ابنك فقأ عين 
مسجون مرحل. برز له من باب الحجز وجه رفيع أصفر. ابنك 
مظلوم. المجرم حاول الاعتداء عليه بالقوة ولو كنت مكانه لفقأت 
العينين. أين الولد؟ آمام الضابط يا حضرة الضابطء كلمة. ولا كلمة. 
س سؤال. هل هتك عرضك فعلا؟ أرني نفسك. يغلي الولد بالغضب 
يثور. يضربه الضابط. 

يثور الأب. يضربه العساكر. وخارج القسم يلقونه. 

يعود مغلوباً يسأل. المسجون أخذته الإسعاف الى المستشفى. 

أمام قسم العيون يننظر ممنوعاً من الدخول. بالرشوة يدخل 

يا دكتور: العين انفجرت» خيطناهاء وهو وحظه. 


لو ضربت سنستأصل عينه الأخرى. أعمى هو قد أصبح. إلى 
أين يذهب؟ جرياً الى المحامي المفتخر. المحامي مستريح تماماً 
يقول» المحضر. المسألة في يد الضابط. وفي يد الضابط يدس 
خمس ورقات بمائة جنيه. فيدفعه الضابط كمعن أصيب بلدغة. يفتح 
محضراً بمحاولة رشوة والشهود اثنان من أمناء الشرطة. الظلام الكامل 
حل. شعاع ضوء. المحامي جاء وتوسط. الظروف حرام. راعيها يا 
سعادة الضابط. كله منها. حين كان يغضب منها أو تغضب مله كانت 
الدنيا نظلم. ليصلحها الآن وفوراً. التاكسي حين يركبه يجده ذاهباً 
إلى شبرا. يهبط في منتصف الطريق يتطلع. لا يعرف أين هو. الحي 
غریب .وبيته يبدو في آخر الدنيا. في آخر الدنيا. 


ga 





۳۹4 


وحين يصبل يجنده مغلقاء ولا أحد في الشقة. على 
البسطة يجلس. أراد أن يبكي» كان قد وصل إلى ما وراء البكاء. 
انتظر. عاماً كاماد بدا انتظاره. جاءت ومعها الابنة. ما إن رأته حتى 
خلعت فردة الحذاءء شرر عينيها يصب اللا تفاهم المطلق» فتح 
فمه. هبت عاصفة من فمها. أطل الجيران. اندفع إلى الشارع يجري. 
قابله صهره. الخمسمائة جنيه. وصل أمانة يستحق الدفع اليوم. الدفع 
أوالضبن: 

في حجرة الفندق أصبح التنفس صعباً. 


ومسحوق. 


انتظر حتى أعود إلى السباق واسترد الجمييع. الزوجة والأسرة 
والأبناء . وبالذات هذا المحبوس في جريمتين. ليس OW‏ 
دق الباب. دخل أخوه. استراح تنفسه. لم تعد المسألة إذن 
سراً. استراح تنفسه أكشر حين بدأ الأخ يؤكد له أنه لم يخطىء, وأنه 
كان بالضبط سيفعل مثلما فعل. ولكن. آه من لکن حين تخرج بعد 
نهاية المواساة. ولكنك كان من الممكن أن تفعل وتفعل. وكأن كان له 
خيار فيما يفعل وفيما لا يفعل. ساعة القضاء يعمى البصر. ويعمى 
الفعل. فهو أبدأ لم يفعل. إنه مسير فيما لا يفعل. دفعة إثر دفعة 
وكأنه كتلة لا وزن لإرادتها. النهاية» معاك فلوس؟ وتنحنح» thy‏ من 
الأخ حين يتنحنح » وينخنخ وفي النهاية يستأذن. 


5 العتب على النظر 





¥ 


وجاءت af‏ وخالته» أمه تنحو عليه باللائمة» وخالته تطبطب. 

أهذه آخر تربيتي فيك. بكرة كله يتعدل. متفائلة يا حاللة 
كعادتك Sls‏ دائماً لا معنى له بالمرة. مع السلامة يا ناس.. اتركوني 
واطفئوا النور. 

وفي الظلام أحس أن الظلام يتكائر» ily‏ يجثم على صدره» 
ولأول مرة كان يرى الظلام رأي العين وتشئجت الرغبة في شاقه أن 
يرفس. 

© © © 

وكان مفروضاً أن يؤكد له انبثاق الرغبة أنه لا Le diy‏ وكان 
مفروضاً أن يدفعه الإحساس بالحياة أن يفرح. ولكنه لم يفرح. 

فمن زمن طويل والإحساس عنده بالحياة لم يعد مرادفاً 
للإحساس بالسعادة أو الفرحة. die‏ زمن مید دا عدت هذا يعد 
أن ذاق كل أوليات الأشياءء أول بدلة» أول نجاح» أول جنيه» أول 
نظرة حب» أول ليلة مع امرأة» أول ليلة مع امرأته» أول ترقية» أول 
أمل. منذ زمن سحيق لم يعد هناك أمل» كله نكرار للأول» حتى 
الإحساس بالحياة لم يكن يحمل إلا مزيدا من الإحساس بالمسؤولية» 
الحياة أصبحت مهام » كلما أحس بها عليه أن يربط نفسه بالتزام 
وبسرعة AST‏ لتحقيق هدف» ولا نهاية لتحقيق الأهداف. فوراء كل 
هدف هدف» ووراء كل هدف هدف. ١‏ 

ذات مرة كان أقصى أحلام حياته أن يكون إيراده الشهري الثابت 

ماثة وخمسين جنيهاًء حين أصبح يصرف مثلها في اليوم الواخد 


۲ 





¥v\ 


أصبح الهدف خمسة آلاف وعشرة وكلها ثابت أيضاً. أن يخلف ولداً 
أصبحوا ثلاثة وبنتاً. أن يتعلموا ويتخرجوا. تخرجوا وأصبح الهدف 
جديداً. أن يعملواء وهدف أبعد. أن يتزوجوا. وأبعد وأبعد. أن يكون 
له أحفاد. أعز الولد ولد الولد. وهي. أقصى أمله كان أن تنظر ناحيته 
كان مستحيلا. تحقق. أن يلعب بذیله» ويستمره لعب» أن يلعب 
أكثر» لعب أكثر. يحافظ على «السعادة الزوجية»» حافظ وجرب 
السعادة والتعاسة. والخناق والصلح» وتهديد بالطلاق» والطلاق» 
والندم» والعودة» والصلح» وشهر العسل الثاني والشالث والرابع 
حدث ویحدث» كل ما في الأمر أنه أصبح مكلفاً أكثر. 


كان مفروضاً أن يدفعه الإحسأس بالحياة أن يسعد. مثلما سعد 
أول مرة. أن يشفى.. يشفى من ذلك المسرض العضال. التهاب 
المفاصل الذي أرقده» وجعل حلم حياته أن يتمكن من السير مجرد 
السيرء مرة أخرى دون مساعدة أو شماتة من أحد. عاد يسير» ويمشي . 
ويجري allel‏ ويلهث. ولم يحس أبدا أنه سعید» حتى وهو يتذكر 
كيف كان كسيحاً وأعرج Say‏ يقبل يده ظاهراً وباطنا أن الحمد 
لله ولكن هذا الإحساس العميق الشامل الصامت بالنشوة» إنه سنعيد 
Le‏ وصدقاًء لم يحدث» وإن حدث فلثوان معدودة بالضبط 
کالإحساس أنه الآن» حين نقولهاء قد مضت ومضة» ومرت CALS‏ 
صحيح ليس مثلها مثل أي ثائية أحرى» ولكن الغريب أنها لها نفس 
طولهاء ثانية أخرى مضت. 


1 ا 





يفنا 


عريضاًء واسعاً. شاملاء كان إحساسه بالحب والألفة 
والتواصل مع كل GL‏ الكون. في النهار يحب الشروق حين تبدأ 
الشمس بغمزة جفن في الأفق» تشرق. والنهار رائع بوضوحه. 
وإشعاعاته» وتحقق كل شيء فيه» كل أحلام الليل تتحقق» إذا لم 
يكن صباحاًء فعلى الغداءء فإذا صعبت لا يأتي عليها بعد الظهرء 
وما أروع العصر حين يجيء كالذهب الرقيق السائل يسدل فوق كل 
شيء وقد تحقق» كل أمنية وقد حققت النهار وتحقق النهار بهاء 
والآن جاء وقت أن تغلف بالعصر الملون الشفاف وتصبح هدية ذلك 
اليوم. الليل جميل. نجومه هناك تبرق بفرحة الوجود مع غيرها معاً 
IU,‏ تزف القمر وتتلألاً وتبرق. كل شيء gle‏ ويستحق المحبة. 
الإحساس برجولته المبكرة» يحب شكله في المرأة» يطيل التأمل فيه 
ويحبه» الكلية التي اختارها وحقق اخحتياره» والمهنة» ومكان التعيين. 
ولحظة تسلم العمل» كل شيء» حتى بصعوبائه. يسعد. حب 
واسع» شامل لا نهائي الامتداد» يشمل كل شيء؛ وکل انسان» 
يحب القرية بيت بيت وانسان انسان» والمركز» واسم محافظتهمء 
ومصرء والدنياء يحب الدنيا. والعالم. حين تذكر أمامه أو يذكر كلمة 
البشرية» يحس بالجنس البشري» جسد دافىء بالحياة. هادىء» 
صاحب» متدفق. يسبح فيه ويشربه ويغوص في أعماقه» ويطفو فرحا 
عابثاء مندفعا فوق سطحه.. 


وإذا بذاك الإحساس» كالبحر حين يتحول إلى بحيرة» 
والبحيرة إلى فوهة. تنكمش UME‏ الحب وترق» وتتحول إلى بقعة» 


£ 





rv 


بالكاد عائلته» بالكاد وبالكاد عائلته الأصغر. فابنه الأوسط قد 
اخشوشن تماماً ونمت له ذقن وأغرزت» وبدأ حتى یصیبه» كخاله 

بعض الصلع. ابنه الأكبر اتخلع بعواطفه تماماً وأصبح على وشك أن 
GAA es‏ تصبع ر لم يعد يستسطيع 
أن يلعنه إذا غاظه أو حتى يعلي عليه صوتاً. حب» هذا حقيقي, له 


ولأخويه. ولكئه حب المتاكد أنهم مستقلون وقادرون» بل وأصبحوا 
أنداداً يكاد لولا الحياء يقول لأيهم : ياسيد. 


البنت الحلوة الطفلة ذهبت أيام اللعب معها والضحك 
والقبلات والأحضان التي وكأنما كان يحضن بها الدنياء أو بالأصح 
السعادة كلها الكائنة في الدنياء حضنه» شيئاً فشيئاً قد أصبح يملؤه 
كرك موس ل لدف عد 
وإنما يتكور وينكمش ويستقل ويتحدد ا ثم في النهاية تصبح 
af yl‏ أخرى. 


وزوجته الغرام » الغرام حين يطول يصبح عادة غرام» وقصة الحب 
حين لا تنتهي كما بدأت» فجأة يصبح لها خرير مستمر Sly‏ موثوق به 
لا يحمل مفاجأة أو نكسة. ومن التكرار تتشكل زمالة اثنين أصبحا 
فرقة لا يتباريان وإنماء معاء يلعبان مع الحياة اللعبة. واللعبة طويلة 
مهما طالت لا بد أن تنتهي كالدائرة المفرغة» مشكلة لا حل لها إلا 
بالكاد لم يعد قادرا إلا على حب الأسرة. 


$0 العتب على النظر 





VE 


بل في الواقع ذكرياته عن الأسرة. فالطفل الذي يحبهء طفلاء 
cals‏ إذ هو OV‏ رجل كان ذات يوم ابنه» والزوجة كانت غراماء 
والحب كان Loe le‏ لذاتهء اليوم cel‏ تعلقاً شديداً. أصبح أنانيةء 
وكأنما هو الحب للنفس يتخذ أبعادا أخرى . 
كل شىء استحالوتغير .كان يستطيع أنيواجه الدنيابجيبليس به 
تسو قرو :الأ رع gad)‏ الجسات رقي أو ASS‏ كان جين 
يهدد أن يترك البيت كان يفعل هذا بإحساس من هو على يقين مطلق 
أنه يستطيع › من جديد, وفي التوء أن يبدأ tle‏ أخرى. OW‏ يرعبه 
مجرد أن يبتعد عن الدار أو أن يبعد أنملة عن الخط الذي فرضته 
عليه حركته مع الدنيا. الدنيا التي تلخصت في خيمة صغيرة مركزها 
حجرة القعاد في بيتهم وأقصى أطرافها رحلة لأكل العيش ولجلب ما 
عند محيط الدائرة والخيمة إلى مركزها. مركز الدائرة المفرغة والخيمة 
المفرغة إلا منه ومنها. 
ينكمش. يضيق. يتغير. الطعم يتغير. ما يمتع لا يمتع. ما يشبع 
لا يعود يشبع. والحياة يتغير لها الهدف. من وحده مسئول عن الإبحار 
إلى فنار يتحقق. إلى فنار بعد فتار. إذ به يصبح مسئولاً عن صياغة 
حياة «سوية» للأولاد الثلاثة والابنة. من أجل أن يصوغ هذه الحيوات 
لا بد أن يعيد صياغة حياته هو لكي تصبح مثلاً يحتذى. بجماع قواه 
يمسك بزمام كل منهم. وبالزمام العام لا يريد أن يفلت» وشيئاً فشيئاً 
لا يعود يعرف أهو السجان للخندق الذي يريد أن يمر كل شيء فيه 
حتى يستقيم ويعتدل» gal‏ السجان أم في الحقيقة السجين؟ حريته 
تضيق إلا عن الأفق المحدد بصرامة؛ إذا أرخى العنان فلت الجميع. 


£1 





Yo 


إذا شدد تماماً ينفلت الزمام. بأي قوة قاهرة يمنع القبضة أن تكون 
أضعف. حتى يستغرقه الأمر كله ويتلخص العمر في خطو دءوب نحو 
ماذاء نحو أن تنتهي المهمة, أن «يتحرر» وأبداً لا تنتهي المهام» 
فانتهاء المهمة لا يفعل إلا أن يكشف مهمة أبعد. والعائلة التي كان 
أفرادها طوع بنانه تشتد فيها السيقان وتقوى وتخشن. بصعوبة يستطيع 
أن يغير إرادة أو رغبة. الشجيرات أصبحت كل منها شجرة» رفعت 
الخيمة المحكمة التي كانت تضمهاء رفعتها فوق قممها فبدت في 
النهاية كالعلم الممزق؛ كبروا عليه» وصغر عليهم» ولم يعد في 
النهاية إلا صرافاً عليه باستمرار أن يملأ الخزانة؛ وويله إذا يوماً 
فرغت» فسبب وجوده والمبرر الوحيد للخضوع له يكون قد تبدد..كم 
أشرفت هيمنته الباقية أن تتهاوى» وكم تغابى وأحنى رأسه للعواصف 
كي تمر ليبقى كل شيء وكأنه على حاله لم يتغير» وكان العائلة 
متماسكة» هو الأب القوي وهي الأم المثلى. وهم الأولاد الطيبون 
الناجحون باسم الله ما شاء الله. 

ولکن»» كان محتماً» ولا مهرب منه» يوم تتطور فيه مشادة» أو 
يحدث حادث» أو يشتبك مع ولدء أو يحدث لأيهم مشكلة» أو يدق 
الباب ويدور حوار يطول وينتهي إلى تهمة» وتتمزق الأقنعة. 

وفي الصباح كانت الغرفة أضيق وأثائها أكبرء وكان النور 
هناك ولكنه يوضح كم الدنيا ظلام» وكم الهواء قليل» وكم هو يقل 
وسادر في إقلاله» وكم هو يختنق» ويحس أن كل ما كان يجري لم 
يعد يجري» كل ما كان يتفتق عن العقل من حيل ومن حلول» لم 


3 الح عل ا 





۳۷٦ 


يعد يحل أو يربط. أطبق الواقع الرهيب ولم يعد يقدر أن ينبس» 
وتشنجت اللسرغبة في ساقه أن يرفس. رفس. ارتطمت السساق 
بالمستحيل. مستحيل أن يخرج. العمر فات. والواقع أكبر من كل 
الطموحات والإرادات.وما يهمس له بالتمرد ما هو إلا شيطان شاطر. 
عليه أن يطرده ويستكين إلى حياته فلم يعد في العمر قدر ما مضى 
منهء وبيته وأولاده ومشاكله هی عمره الذي فات ولا بد أن تكون 
عمره القادم أيضاً. 

أنا غلطان.. 

سيل من الصراخ والعويل مختاط باللغط. 

غلطان.. 

عيون تحدجه بالاتهام والتعذيب وتسوق له شتائم» جارحة» 
يراها وينزف لهاء ويبتلعها. 

غلطان. غلطان يا ناس. غلطان. أنا المسئول عن عبث الولد 
وسجنه» مسئول عن إخراجه وتزويجه» مسئول عن الدورق الذي 
كسر والتليفزيون الذي لا يعمل» مسئول عن عدم تطبيق الشريعة 
الإسلامية والتعذيب في السجون والحربين العالميتين: الأولى والثانية 
وإذا اشتعلت الثالثة أكون أنا المسئول. غلطان. 

وحين سكت آخر صوت في البيت وآخمر احتجاج وكأن شيئاً 
ما كان» تشنجت الرغبة في ساقه» بحدة» أن يرفس. . 


ولم يستطع . 


۸ 





فض 


كانت آلام المفاصل الحادة قد عادت تشل ركبته. 

أخرج الولد من السجن» وقيدت القضية جنحة» واستعاد عقد 
الشقة وأصلح التليفزيون» واصطلحوا مع الجيران» وبدأت الزوجة 
تتحدث عمن ترشحه لخطبة الابنة» وتقطع الحديث بضرورة شراء 
جهاز تكييف فهي لا تنام من فرط حرارة الجو وصوث جهاز 
الجيران.. 

وحين ناموا جميعاً وبقي هو ساهراء لم ينم إلا بعد أن خبط 
رأسه في الحائط عدة مرات.. 

© © © 

في منطقة معزولة من شط الليل عند القناطر الخيرية» جلس 
وقد مدد ساقيه الحافيتين في الماء. الجو حار ولكن النباتات الشيطانية 
تلتهم حرارته» ويصدر عنها وعن ماء النيل رائحة كرائحة ما قبل نشأة 
الحياة. الصنارة تغمزء غمزا ثقيلا.. دفقة فرحة غامرة تنداح في 
صدره. قلبه أخيراً ينبض ذلك النبض المدوي العالي» كنبض أول 
قبلة. أخرج السمكة. بلطية فتية وزنها لا أقل من كيلو ستتكفل 
بمصاريف اليوم وما تبقى من النهار ويفيض ما يكفي علبة الدخان» 
ويبيت الليل عند الخفير في عشته وهدية لابنته السمراء المليئة بحيوية 
البلطى ودفء ماء النيل في الصيف. 

وكشبح يطفو من الماضي داعب ذاكرته ما قرأه في جريدة تركها 
صاحبها في الحدائق. ورأى فيها صورته» صورة بطاقته الشخصية 
العجوز الجامدة الملامح : خرج ولم يعد» رجل في الخمسين أسمر 


5 العتب على النظر 





TVA 


الملامح حليق اللحية والشارب أبيض الشعرء يرتدي جلباباً 
مقلمأوشبشب زنوبة» من يجده يتصل بهذا التليفون أو بالعنوان.. 
حرج ولم يعلد.. حرج ولن يعود أبداً والحياة لا بد قد سارت من بعده 
أفضل بكثير مما كانت تسیر به. 


لم تعد الساق حين ترفس تجدي. تشنجت الرغبة هذه المرة 
في الرقبة› بجماع رقبته دق بمنقاره على الجدار الأصم» رن المنقار 
مرتطماً بالجدار. بآخر ما تبقى في قمة البيضة من هواء Sal‏ 
حوصلته فسدد منقاره ودق. انتهى الهواء وانهال برأسه المدبب على 
الجدار مختنقاًء دفاً مستميتاً يدق» آخر دق. 

لا يعرف لماذا يدق» وإلى أين هو tlhe‏ ولكنه مختلق يدق 
ويدق. لا يعرف إلا أن حياته كلها تلخصت في أن يدق ويدق! 

وفجأة.. 


انهارت قطعة دقيقة» وأخرج المنقار منهاء ورغماً عنه تنفس» 
هواءٌ كثيرا يدخل الحوصلة ويزيده نشاطا ينهال به على الفتحة 
يوسعهاء فيخرج رأسه» ويحطم ما تبقى من الجدار فيخرج جسده 
الكتكوتي المرتعش. 

٠‏ النور باهر يغلق عينيه. 





۳4 


الهواء كثير وفسيح ودنيا واسعة واسعة أوسع من كل قدرته على 
الرؤية . . 

وانتفض يسقط ما علق بجسده. وانطلق في مرح لا نهائي 
يجري . 

لماذا pel‏ على الدق والدق حتى كسر الجدار؟ وهو لم يكن 
يعرف آنه جدار؟ ol,‏ حارجه كل ذلك الور والاتساع؟ أهي قوة 
مجهولة داخله كانت تعرف؟. أم هو الضيق بالاختناق دفعه أن ينقر 


وينقر ليموت نقراً وضيقاً؟ 

لا الكتكوت يعرف. 

ولا هوقد عرف. 

فالإحساس الطاغي الوحيد لكليهما أنه الآن في عالم آخر.. 
فسيح جدا. 


4 العتب على النظر 


Converted by Tiff Combine 





ied by registered version 





العتب على النظر 


۳۸۱ 


Converted by Tiff Combine 








ray 


بعد سلسلة من الميراث والتوريث» والقطع والبيسع والموت 
والميلادء آبت الجميزة العجوز إلى ساق ضخمة سميكة قصيرةء 
ننتهي إلى فرعين اثنين ورثهما الشقيقان محمد الهادي الكبير والهادي 
محمد الصغير. ونحن كنا أبناء محمد الهادي الكبير. وبمثل ما قسمت 
الجميزة العجوز بين الأخوين» قسم البيث الكبير أيضاً. ولكن 
الجميزة كانت أروع ما في طفولتنا كلها. أروع من ليالي 
القمر» وصيد السمك» ونزهات الحقل» ومشاهد الصراع الحافل بين 
زوجة عملا وأمنا. كانت Lite Les‏ نسأل عنه الآباء والجدات 
وعواجيز القرية فلا يدرون أهي نبتت «شيطاني» أم أن جد جد جدنا 
الأكبر الهادي الأول هو الذي زرعها؟. كانت مثار دهشتناء مختلفة 
تماماً عن أي كافورة أو نخلةء خشئة وقد حفر الزمن بأظافره وأنيابه 
في ساقها الغليظة السميكة فصنع معه بروزات وشقوقاًء وحفائرء 
وجروحا غائرات» وندوباء ومسامير حدادى مدفونة صدئة. مشهد رائع 
وكأنما الزمن الذي عاشته؛ والتطورات التي حدثت لعائلتنا قد 
تجسدت مكتوبة ومحفورة على ساق الجميزة. 


وه العتب على النظر 





TAS 


المهم أننا ونحن في تلك السن بدأنا نلاحظ أن فرعنا نحن, 
الذي ورثه أبيء دائماً شاحب الأوراقء ذابل og BM‏ قليل الثمار 
حين وقت الثمر؛ فقير الأغصان لا يصلح أبداً لإخفاء صغير منا حين 
نلعب الاستغماية مع أقاربنا وبالذات أولاد عمنا الهادي » ونتخذ من 
الجميزة بفرعيها الهائلين الضخمين مكاناً للاستخفاء. كنا نتبارى في 
الوصول إلى فرع عمنا لتسترنا أوراقه العريضة شديدة الاخضرار, 
وأغصانه شديدة الكثافة» وثماره التي كنا ننتهز فرصة الاختفاء وتنهال 
عليها التهاماً. ثمار كبيرة» منفوخة بالطزاجة كالكرة الحمراء الحلوة. 


الشجرة هي الشجرة والساق هي الساق الأزلية» والفرعان لهما 
نفس الحجم الهائل» ولكن شتان بين فرعنا الهزيل رغم منخامته. 
وفرع عمنا الهائج بالأوراق والأغصان والثمر. نساء العائلة يقلن: إن 
المسائل أقدار» وإن عمنا الهادي هكذا «مبخت».. محاصيل أرضه 
دائماً أوفر» ولبن جاموسه أكثرء وعنزته دائماً تلد اثئين» بينما أبونا 
محمد الهادي يعزو الأمر إلى أن أباه وجدناء كان يؤثر عليه عمناء 
ولهذا وصى له بالفرع الأحسن. ورغم حبنا لأبينا فبيننا وبين أنفسنا كنا 
لا نصدقه. فالفرعان متمائلان تماما في الطول والحجم والارتفاع» بل 
إننا لنسمع أنه هو كان المفضل لدى جدنا وليس أخاه. ويقول لنا 
القائلون إنهم لم يسمعوا في حياتهم عن فرع في جميزة واحدة. أو 
أي شجرة» أخصب من فرع» فالشجرة الأم أبداً لا تظلم أحداً من 
فروعها فشريعة الكون كله العدل» والظلم شيء لا يعرفه إلا الانسان 
وحده وبفعل الانسان. 


كه 





YAo 


وكنت أنا أكثر الأولاد حيرة للأمر. حيرة كانت تدفعني لتأمل 
الجميزة طويلاً وكثيرًء بل كانت تدفعني لمراقبة أبي وعمي كلما 
صعد أحدهما إلى فرعه caddy‏ أو «يختن» ثماره» أو يقتلع غصناً 
كسرته الريح أو بد طفل شقي. أبي كان رجلا طيباً حقاً. كان كما 
يقولون لا يؤذي نملة. يصلي ويصمم ويعاملنا بسماحة» وعمري ما 
رايته غاضباً أو يقدح الشرر من عينيه» ولكنه كان يميل إلى الوحدة» ولا 
يعرف جلسة الأصحاب» وما رأيته faut‏ يهزل» أو سمعته يقهقه؛ أو 
يسهرء أو حتى يدخن. لا أقول على عكسه وإنما عمي الهادي كان 
غير ala‏ بالمرة» كان صاخب الوجود Latlo‏ معظم الأحيان مكشراًء 
ولكنه إذا ضحك زلزل الأرض بضحكه. غير أنه نادراً ما كان يفعل» 
فلم يكن يضحكه غير الشديد القوي الشدة. 

كل ما في الأمر أن الموقف كان يختلف حين يصعد أي منهما 
الى الجميزة. فأبي لم يكن يحب الشجر. كان يظن أنه بظله الذي 
يلقيه على أرضنا المزروعة قمحاً أو قطناًء يضعف الزرع ويمرضه. 
وكان لا يصعد إلى فرعنا إلا مضطراء بل نادرأ ما كان يلحظ وجود 
الجميزة أو يدرك أن موعد التختين قد حل إلا بعد أن يرى LT‏ قد 
يدأ «يختن». وتختين الجميز هو تحضيره لعملية اللقاح ونضج الثمرة. 
حين يقارب حجم الثمرة حجم الليمونة الخضراء الكبيرة؛ لا بد أن 
تشق بسكين حاد شقاً يفنح داخلها ويعرضها للهواء. وحين كبرت 
عرفت أن هذا الشق يسممح للهواء بالدخول والهواء يحمل حبوب 
اللقاح» وبهذا تتم عملية التلفيح وتبدأ الثمرة» كالأنثى التي حملت» 
تنتفخ » ويبدأ لونها الأحضر كلون وجنات العذارى؛ يحمر ويندمل 


5 العتب على النظر 





۳۸٦ 


الجرح.. ويستحير الى شق أسود تجمد الدم الأخضر على شفتيه» 
والذي نتج عن عملية التختين» في الوقت الذي تستحيل فيه الثمرة 
الى فاكهة ناضجةء يقطفها القاطف» أو تسقط من تلقاء AGS‏ وحين 
يأكلها ويأكل معها البذور إنسان أو حيوان أو جمل» ينشر البذور في 
الآفاق ويتكاثر النوع. ومن جديد تعاد قصة الجميزة الشجرة. 

كان أبي يقوم بعملية الختان كلها في يوم واحد»» وبصبر 
نافل» فإذا ضايقته ورقة عريضة اقتلعهاء وكان لا يهمه أن يكون 
السكين حامياًء أو حتى الجرح نافذاً. حتى كان يخيل إليّ أن 
الشمرات العذراوات تتألم. ولأنه يقوم بالعملية في يوم واحدء فلم 
يكن يهمه عمر الثمرة» أو إن كان قد أن أوان تختينهاء طفلة أو كبيرة 
هو يشق استدارتها وفي أي مكان يتراءى له وينتهي من العملية ويهبط 
من فوق فرعنا وقد حفل وجهه بالعرق» ويلهث وكأنما OLS‏ يؤدي 
فريضة واجبة حمداً لله أن انتهى منها. عمي بالعكس» يجيء من 
البيت غاضباً لأمر أو لآخرء يشرب سيجارته حتى ينفث غضبه» ثم 
يخلع جلبابه. ويقف تحت فرعه وشيئاً فشيئاً تبدأ ابتسامة ماء باهتةء 
لا تلبث Gilad of‏ وتتسع» وعلى مهل يصعد الجذع المشترك» ثم 
يدلف الى فرعه كالعريس يدلف الى غرفة عروسه. يمتحن الفرع 
بأوراقه وأغصانه وكأنما يطمئن على كل جزء منه. يلوي شفتيه ضيقاً 
إذا لمح اصفراراً أو ذبولاً» ويتهلل وجهه فرحا حين يلمح جنين غصن 
قد «بزبز» ومن جيب «الصديرى» يخرج مطواة قرن غزال سنها في 
اليوم السابق على حجر الطاحونة» ومهما ضربت الشمس يافوخي وأنا 
أتفرج فلا أتزحزح وأنا أرى عمي الكشر صاحب المزاج المتغير دوما 


oA 





FAY 


وقد حفل وجهه بسعادة نادراً ما أراها يحفل بها وجهه. باصبعين 
يمسك الثمرة الخضراء. برقة يمتحنها حتى إذا أدرك أنها للختان 
حانت» في سرعة الساحر يمر بسيف مطواته على مكان حتانها 
المضبوط. لم يرنو الى الجرح الباهر العميق الذي أحدثه في ومضة. 
ويتأمل أعماق الثمرة الشاحبة الاحمرار والاصفرار» وربما يتفكر 
لهنيهة في لونها حين يتأنث ويحمر ويتغير» وفي شكلها وحلاوتها 
حين تنضجء ويتركها لغيرها وكأنه يترك مائدة سعادة حافلة الى مائدة 
حافلة ثانية قادمة. 


ويظل أياماً وأيامأء «يختن»» وكلما اعتلى الشجرة ثم هبط عنها 
وارتكن بجذعه الى جذعهاء كنت من بعيد أرقب شفتيه» وهي بشيء 
كالاغنية تترنم» ومزهراً يمشي الى الترعة» حيث يغسل يديه 
ومطواته» ويصعد مرة أخرى الى المصلى المفروش بقش الأرزء لا 
ليصلي وإنما لينام وملء وجهه تلك الابتسامة الغامضة التي لا أدري 
لها sles‏ وأنسأل وأنا من بعيد أرقبه: أهذا هو Lane‏ «الهادي» الذي 
يرعبنا دائماً حضوره وبتكشيرته يجعلناء دون أن يأمر أو يكشرء عن 
لعبنا أو صراخنا نتوقف. 

ولكن الغريب أن فرع عمنا مات من تلقاء نفسهء بينما فرعنا 
إلى الآن لا يزال Le‏ صحيح لم يعد يثمر ما يؤكل» فلم يعد أبي 
يقوى على طلوع الجميزة» وأولاده أصبحوا موظفين في البندرء 
ولكني ما زلت أذكر كيف مات فرع العم. شيئاً فشيثاً بدأنا وقد كبرناء 
نلحظ أن كثيراً من أغصانه تذبل والأوراق العريضة في الأفرع الحية 


23 العتب على النظر 





TAN 


تضمرء ثم يموت الغصن وقد ماتت أوراقه» ثم إذا بالفرع كله يؤوب 
الى جفاف رغم أن ابنه طالب الزراعة فعل المستحيل ورجع الى 
مراجع » وناقش الأساتذة» ولكن الفرع يظل سادرا في ضموره وجفافه 
رغم استماتة ابن عمي في علاجه ذلك أنه كان يعتبره شيئاً من 
رائحة أبيه, عمنا الهادي, ذلك الذي كان قد مات. مات في ذلك 
العام الذي بلغ فيه فرعه منتهى ازدهاره» وثمره» حتى لقد شبعنا 
جميعاً من ثمره وباع عمنا منه عشرة أقفاص» حلاوة الثمرة منها 
تسكر. 

في نهاية ذلك العام بالضبط مات عمي. وحين جاء العام التالي 
وجاء الربيع لم يحدث ما كان دائماً يحدث» فلا الأغصان ازدهرت 
كما تعودت أن تفعل» ولا ثقل فرع عمي المرحوم بالشمر وإنما 
الذبول والجفاف وتوقف الحياةء وفي العام الثالث مات الفرع مع أن 
الجميز عمره طويل جداً وبالكاد لا يموت شجره. والحق أن منظره 
وهو جاف هكذا ميتاً قد تحئطت أوراقه التي كانت ذات يوم ملعلعة 
الخضرة» كان يصيبنا باللوعة» ويصيب أبانا بالتعصب وهو الذي لم 
يبك عمي كثيراً حين مات كان حين یری الفرع يتمتم لا حول ولا 
قوة إلا بالله وتحمر cole‏ وتهدد دموعه بالانبئاق. 


وكانت مناحة من أولاده ومناء يوم قرروا بيع الفرع Lids‏ 


ووقفناء جميعاً نرى المنشار الضخم الغليظ وهو يقطع الفرع بكل 
حمله من أغصان ميئة. 


bo 





۳۸۹ 


وبقي فرعنا لم يمت» ضامر الأوراق» ضامر الثمر حتى بعناه 
لأولاد عمنا الذين احترفوا مهنة الزراعة. 

وفوجئنا ذات صيف أن فرعنا الواهن شبه الميت ذاك قد دبث 
الحياة في أوراقه وفروعه وثماره» وزالت دهشتنا حين وجدنا ابن عمنا 
محمد الذي سمي على اسم ابي» ولكنه ورث خصال أبيه» وقد 
كادت أوراق الجميزة تحجبه عناء ولكن عيني أبداً لم يفتهما أن 
تلاحظا أنه تماماً مثل ابيه قد خلع جابابه «وشمر» سرواله الطويل» 
وحفل وجهه بسعادة» وهو برقة يمسك الثمرة الخضراء ويعرف من أين 
بالضبط يختنها. وفي لمحة البرق وسرعة الساحر يمر بسيف مطواته 
قرن الغزال على مكان ختانها المضبوط» ثم يرنو الى الجرح الباهار 
العميق الذي أحدثه» ويتأمل أعضاء تأنيئها الداخلية الحافلة بعذرية 
وبشحوب كشحوب البنات. 

أبداً لم يفتني منظره» وفرعنا يستجيب له ويخضر ويمتسد 
ويمتلىء بعد هذا بالثمر الأحمر الناضج. 

شجرة الجميز. 


\4 العتب على النظر 


Converted by Tiff Combine 





ied by registered version 





۴۹۱ 


الرجل والنملة 


العتب على النظر 


Converted by Tiff Combine 








rar 


بعيون فاغرة» رحنا نراقب الباب وهو بالعصبية الشديدة يفتح 
والكتلة البشرية تدفع من خلاله لا نتبينها إلا جين فقط تستفر في ركن 
الزئزانة الفارغ. حتى السباب المعتاد الذي كان لا بد يصاحب الفتح 
والإغلاق والتكويم » من فرط الدهشة لم نتبينه» إذ قد حل الصمت لا 
تجرؤ على قطعه مخافة أن يجد جديد وأن يكون وراء البداية ما 
وراءها. 

يتعانق الظلام في العادة بعد التمام. الخامسة تماماً موعده. 
النزلاء صامتون لمقدمهء إذ المفروض أن يحل الصمت ليتمكن 
حراس الليل من التغيير مع حراس النهار ويتمكن شاويش النهار من 
تسليم شاويش الليل» صمت يهبىء للصراخ أن يتعالى إذا حدث 
خطأ وأفلت نزيل من الإحصاء وارتبك العدد. الباشاويش هو 
المخطىء ولكن الشتائم تنهمر فوق رأس النزلاء وثمة جرى» وصوت 
الكوالين الحديد يزأر وأبواب أخرى تنهد حتى لتكاد تهد الحائط 
الحجري» وأخيراًء يجري الزئير النهائي لمفصلات باب العنبر 
الكبير» وتخفت الأصوات مع الأقدام مبتعدة» ويحل الصمت. 


م العتب على النظر 





4 


وپستمر. للتأكد أنهم جميعاً ذهبوا, وأن النهار المتعب انتهى. ثم 
وكانما فجأة» تنفجر من الصدور الرعقات والقهقهات والشتائم مكونة 
مولد المغربية المعتاد. 


السكوت في العنبر طوال النهار أحد الأوامر الصارمة» الألسنة 
تتيبس في الأفواه لقلة ما تتحرك» الحناجر مخشوشنة من فرط 
السكوت» فقط حين تذعب قوة النهار ويترك العنبر في حراسة BOL‏ 
حراس ليل عواجيز في الغالب وقريبى الإحالة إلى المعاش» فقط 
حين يطمئن الجميع إلي ذهاب الجميع يفرج كل نزيل عن لسانه 
ويبعث الحياة في شفتيه وفمه وصدره ويزعق ويشتم بكل ما يملك من 
قدرة وقوة» يصرخ ويشتم وينتقم من السكوت وأوامر الشلل ويزاول 
الغريزة التي طال حبسهاء غريزة أن يشتم» فمن فرط ما يتلقى النزيل 
من شتائم طوال النهار؛ وهو عنها ساكت وبالأمر متسامح » تتكون له 
فعلاً غريزة الشتم تنهال بها كل زنزانة على زنزانة» ويتبارى في 
مزاولتها الجميع. 

في أحيان قليلة جداً يحدث, col‏ فجأة» يدور المفتاح في 
قفل الباب الكبير ويفتح العنبرء وهناء وفي لمحة خاطفة واحدة 
يتسمر كل شيء في مكانه ويحل أعمق وأغرب صمت.. صمت 
الترقب الرهيب لما عساه يكون السبب في فتح الباب.. وتتعدد 
الأسباب Ay‏ وذات مرة 'تجد السبب باب زنزانتك وهو لروعك 
يفتح » وكتلة بشرية ما تدلق ليعود الباب فيغلق» قبل أن تسنأل أنت 
القادم أو يفتح من تلقاء نفسه فمه للكلام تنهمر مئات الأسئلة من 


55 





46 


قريب ومن بعيد ومن أقصى الدور الثالث نفسه تتساءل عن حكاية هذا 
الذي دحلء فلا تدخل بعد التمام إلا حكاية مهولةء لا بد في الحال 
أن تعرف. وهكذا إن لم تبادر وتجيب» حتى قبل أن تعرف أنت ما 
هي الاجابة» تنهمر عليك أنت الشتائم هذه المرة وتؤرق عظام أمك 
وأبيك أحياء كانوا of‏ أمواتاً.حياة رهيبة يتولى فيها إناس حبس وخنق 
أناس وضرب أناس وحشدهم وتكديسهم هكذا في علب محبوكة من 
الزنازين والحجرات. 

ما بك يا عم... خير.. 

سمعت أنا وحمزة زميلي في الزنزانة الذي تصادف أن اسمه 
يشبه اسم قائد السجن الحربي» حيث تتم كل ألوان التعذيب» تشابه 
كان يجعله وبالتالي يجعلني هدفا لتعليقات ووخزات تعذيب لا حد 
لها. 

مالك يا عم مالك؟ 

قالها حمزة هذه المرة بأمل أن يجيب القادم. .ومكوماً في الركن 
لا يتحرك كان لا يزال. الأسئلة تترى تخترق باب الرنزانة المصنوع 
من قضبان متوازية من حديد» لا إجابةء والنتيجة سيول من الشتائم 
تلعننى وتلعن حمزة.. ما أغرب قدرة الانسان على تعذيب نفسه 
وتعذيب الآخرين إذا وقع عليه عذاب لا يملك منعه. معذبون يعذبون 
معذبين. ما أبأسه من محبس داخل محبس وعذاب في قلب عذاب. 

لا رد ولا تحرك ولا يبدو عليه أنه سيردء ایکون ما نسمعه مله 
ليس تنفساً عميقاً إنما هو نشيج وبكاء» بكاء الصامتين بلا حول ولا 


sv‏ العتب على النظر 





ray 


قوة. وجدنا أنفسنا نقترب من الرجل نحيط به مشفقين. أيديا تطبطب 
عليه وتستخرج كنزنا الثمينء الشمعة الوحيدة التي نملکها وندحرها 
للحظات الحاجة القصوى» أشعلناها بضوئها الذي بدا باهراء مددت 
يدي ورفعتها من الكتف الى الرأس أعدله وأرى الوجه. 

كدنا نموت أنا وحمزة رعباً. فكلانا طبيب ونعرف ماذا تعليه 
تلك. الصفرة المتكاثرة المتشاحبة التي لونت الوجه» الحدقات 
الواسعة المفتوحة وهي تمعن النظر في الفراغ وفي اللاشيء ما لم 
cages‏ مات. انهلنا عليه بالأسئلة نستفسر إن كان قد ضرب وأي مكان 
من جسله يؤلمه أكثر. قسنا النبض وعددنا مرات التنفس. الصدمة 
نعلا واضحة ولكن لا أثر لأي إصابة في الجسد, لا جرح لا 
خحدش. لا بطن منفوخ» لا شيء. تلفيذا للمعاهدة المعقودة مع 
الحارس الليلي ساومناه على كوب القهوة أصر على عشر سجائر 
ونحن لا نملك إلا علبة. وافقناه على مضض كثير. أخيراً أصبح في 
بد الرجل كوب قهوة معجز المذاق في تلك اللحظة» وسيجارة 
«وينجز» بأكملهاء وعلى ضوء الشمعة دماء قليلة بدأت تسري في 
الوجه الخراب» وهمهمة تمتمة» تنهدات» الكل يختلط بالكل 
والكلمات بالأصوات والإشارات. 


ورفض أن يفصح. 


نلح عليه بكل ما نملك من طاقة إلحاح» والرفض البادي على 
هيئة صمث هو وحده الجواب. تشاورنا أنا وحمزة» نتركه؟ نخفف 
الوطء عنه؟ نترك كل شيء للصباح؟ ولكن حب الاستطلاع فينا لا 


A 





۳۹۷ 


يمكننا نحن أنفسنا مقاومته» والإلحاح» إلحاحنا وإلحاح بقية 
في الإفضاء كما يتداحل حيوان القواقع إلى عمق القوقع كلما شعر 


led te 

تركناه. حت كاد يغلبنا النوم وكانت الألسئة المطالبة في الخارج 
قد سكلت. 

- هل سأموت؟ 


رفع الرأس فجأة بالسؤال» وكأنها إجابة متأخرة جداً عن قولنا 
له: نحن cell‏ لا تخف. فضفض حتى تستريح › ولا تخف. peed‏ 

هل سأموت؟ 

ودون أن نتفق» لم نجب. رحنا فقط ننظر إليه ولا نجيب. 

لم نكن نريد إزعاجه حنى لا يتمسك بموقفه. 

نحا رحدت panty Spec‏ فيه Ladle‏ موا إبناه gle‏ هذا 
الموقف الطفولي الذي لا معنى له بالمرة. معتقل سياسي» ألست 
كذلك؟ كان واضحاً من ثيابه المدئية أنه ليس مسجوناً. إذن لماذا هذا 
التشبث بالصمث؟ أخائف هو على نفسه» وماذا يمكن أن يحدث له 
أسوأ من هذا الذي حدث والذي جاءوا به الى هنا بسببه وعلى تلك 
الحال القريبة من صدمة الموت؟! 

فعلا.. يعني ح يكون جرى لك إيه؟ 


ee 
العتب على النظر‎ 5 





۳۹۸ 


للحق تنفس وتنهد وقال ببطء ونظراته نعود تنغمس في الفراغ : 

أوحش شي ء على ظهر الأرض. وكدنا لبتسم في رثاء. ماذا 
يمكن أن يكون؟ 

وعاد يقول: 

أوحش شيء على ظهر الأرض. حدث لي ما لم يحدث لبشر. 

ومرة أخرى استخففنا بكلامه وكدنا نقهقه. سبعة عشر شهراً 
ونحن في هذه الزنزانة Lae‏ كان سجن مصر محطة يتوقف فيها 
القادمون من السجن الحربي في طريقهم لطرة وأبو زعبل والواحات» 
والقادمون من تلك الليمانات في طريقهم للمستشفى أو للإفراج أو 
لعذاب آخر في السجن الحربي. وارد وصادر وحركة دائبة جعلتنا 
نصادف كل مايمكن أن يخطر على البال من تهم ومتهمين 
ومعتقلين وأسباب اعتقال» وتعذيب» ومعذبين. النفخ والضرب وكي 
نصف البطن الأسفل وكل شيء› ولم تبق وسيلة لم نعرفها أو بات لها 
ذكر. وكل متهم مثل هلا القادم ‏ يعتقد أنه الوحيد الذي حدث له 
هذا أو مارسوا معه AMS‏ 

ماذا يمكن أن يكون قد وقع له؟ 

أوحش شيء على ظهر الأرض. 


ماذا فعلوا؟ 


Ve 





r44 


eels افو‎ 

طبعاً لا يبدو مختل العقلوإن كانواضحاً أنه في طريقه لاختلال 
عقله» وبوجه جاد صارم يحمل كل ما في العالم من ندم يقولها: نام 
مع نملة. 

وانفجرنا ضاحكين. 

وإلى الصباح التالي ظللنا نضحك ونتذكر ملامحه وهو ينطقها 
فتصاب معداتنا بالمخص من فرط ما نتثني ونضحك. وعلى رأي كليلة 
ودمنة قلنا له في الصباح التالي وكان تقريباً لا يزال على نفس 
جاسته وقرفصته وانكماشه على نفسه ‏ وكيف كان ذلك يا أستاذ ؟ 

ولم تكن تبدو عليه سيماء المعتقلين السياسيين. معظمهم كانوا 
مثقفين. حليقي اللحية والشارب» خريجي أو طلبة جامعات. هذا كان 
له شارب» أصفر وغزير ومتهدل على شفتيه العليا يكاد يلامس 
السفلى. وجهه خحشن لا بد من كثرة مزاولته عمله حارج المكاتب 
والمنازل حيث الريح والتراب ولفح الشمس. في الحقيقة لم نفاجاً 
حين قال لنا إنه عمدة. حين تستخرجه من الحالة التي كان عليهاء 
والسكينة التى آلت إليها ملامحه وقوامه» وتفرده» وتوقفه وتعيده سيرته 
الأولى ويتبدى لك على حقيقته تجد أنه حقاً مصدقاً لا بد أنه كان 
واحداً من أولئك العمد من طراز: اخرس يا ولد. شهم» كريمء يذبح 
لضيف خروفاء ويسافر إلى آخر الدنيا تلبية لنداء مستغيث. عمدة 
ومعتقل سياسي . جديدة جداً هذه المرة. والنكتة أن يكون عمدة متهماً 
بالعمل السياسي . 


poe ۷۱ 





£46 


في الليلة التالية ساءت حاله وارتفعت درجة حرارته وأصبح 
نبضه ٠٤١‏ وبدا وارم الوجه مختئق السخلة وكأنما سينفجر بعد قليل» 
لم يكن هناك بد من أن بفضفض ذلك العمدة المعتقل عن نفسه وإلا 
حدث له Shab‏ ذلك الذي وصفه بأنه أوحش ما في الدنيا ومات. 

وتكلم. 

متقطع الأنفاس. 

cre!‏ من صديريه البلدي الداخلي علبة سجائر«كرافن» 
عشرين سيجارة كاملة» وعزم علينا ولم نصدق أنفسنا ونحن ننفث 
دخان الكرافن» وبكل ما نملك وما أصبح tS‏ من طول بال نصبر على 
كلماته التي تخرج بعد عناء» lly‏ بين الكلمات. 

تكلم. 

بدأها من منتصفهاء أو من حيث بدأ يهتم هو بهاء لا نعرف. 
قال: هذا الوغد» يونس بحري. قتلني بالأمس فعا قتلني» سأموت» 
ولكن لن أموت قبل أن أغرس أسناني في زوره وأقضم حنجرته. 

جالسين وفي أمان الله وبعد يوم شاق من کسیر البازلت وحمله 
في المقاطف والسير به نصف كيلوء والصخر فوق أكتافنا والرمل في 
Line‏ وأفواهنا وأقدامنا العارية ينغرس فيها الشوك والزلط والمسامير» 
وجلسنا اخر النهار» قبل طابور العودة نستريح » وكانوا ثلاثة ضباط 
أحدهم هذا الخسيس يونس بحري. ناداني. be‏ أن رآني ورأيته وأنا 
أشفق عليه وعلى نفسي أن يناديني . ناداني. تلكأت ولكني قلت أقصر 


¥۲ 





٤١ 


الشر وألبي نداءه. ذهبت. وقفت. تركني واقفاً واشتبك في حديث BU‏ 
مع زميله. فلت: أفندم. رمقني بنظرة ثم عاد إلى حديثه الفاتر. اللهم 
طولك يا روح قلت» وعزمت أن أؤجل أي اشتباك فجسمي مهدود 
os‏ أحتمل أي ضرب. والبداية واضح أنها ستنتهي بضرب. أقصر 
الشريا ولد. وأصبر. 

هناك بعد ربع ساعة أو أكثر. التفت ناحيتي وقال: روح هات 
نملة من هناك. وأشار إلى كومة تراب قريبة. 

صحا مخي من غفوة الوقوف وخيل إليّ أني لم أسمع جيداً 
سألته: أجيب ماذا؟ هب في صائحا: نملة.. ألا تعرف النمل يا بن 
ال...؟ 

سكت. 

هب مرة أخرى: تعرف النملة Vy‏ لأ؟ 

قلت بتسليم: أعرفها. 

قال وهو يلتفت إلى زميله : روح هات نملة. 


طول الله روحي وذهبت إلى حيث أشار» وتفرست في كومة 
التراب ملياً حتى وقعت عيني على نملة كبيرة نسميها في بلادنا 
حرامي الحلة. انقضضت عليها بقبضتي وعدت بها ووقفت أمامه 
وقلت: أهه النملة يا أفندم. 


- وريئي 


vy"‏ العتب على النظر 





فتحت يدي.. رآها.. قال : 

- ولازم تجيبها بالشكل ده يا ابن ال. . .عضضت على شفتي 
السفلى وسكت. 

بنظرة من أسفل إلى أعلى رمقني وقال: 


~ دي fal‏ 
وقلت Sel ps‏ ما بعدها براءة : نملة يا بيه 
قال:. 


ٍ خيل إليّ أني حقيقة لم أسمع فقد كان الطلب اللي طلبه 
غريبا جدا وغير معقول بالمرة» سألته: أفندم؟ 

قال: اخلع هدومك. 

أشار لحامل الكرباج وزميله حامل الشومة» رفعت يدي مسلماً 
قائلاً: حاضر يا بيه. . . أخلع هدومي . 

ولكني ترددت.. نظرت حولي بركن عين.. طابورنا المنكود 
الحظ قابع كصفين من طابور ذباب أنهكه الكدح والزق والزجر. في 
دائرة واسعة رهيبة يلتف حوله سور من عساكر يحملون الأسلحة 
الاوتوماتيكية بكافة ألوانها وأنواعهاء قريباً منه تناثرت فرقة الضرب 
تحمل الهراوات والكرابيج والنبابيت والأحزمة والقبضات الحديدية. 
أنا واقف وحدي ويونس بحري قابع على كرسيه أمامي . ولا مفر. 

استنهضني بشخطة ولما كنت كما قلت قد قررت أن أؤجل 
الاشتباك فقد مددت يدي الأخرى وبدأت أخلع جلبابي» وخلعت 
الصديري» ولا أطيل» فقد وجدت نفسي بعد برهة خالعاً كل ملابسي 
واقفاً عارياً كما ولدتني أمي أمامه. 


vi 





_ حلعت هدومك.. ؟ 

- زي مانت شايف يا بيه.. 

- طيب (..) النملة اللي في أيدك. خيل إلى أني حقيقة لم 
مجنون» حتى المجئون نفسه خجل أن يطلبه. 

- نعم ! 

الكرباج مرفوع فوق رأسي والنبوت Legs‏ للانقضاض» ويونس 
بحري تجمدت نظراته النارية على itm‏ الأمر الذي أمره والدنياء 
وسور العساكر» والطابور والبازلت والجبل والصخر والطريق وكل 
شيء سكت وصمت وكأنه يستحثني أن ألبي. 

انتفض الفلاح الخبيث الذي فيّ يقلب الموقف الجاد الرهيب 
وقلت tiles‏ 

- بس دي ذكر يأ بيه.. 

لم يضحك» ولا أحد من القريبين أو البعيدين ضحك» SS‏ 
صراحة قال : روح هات واحدة Als‏ 

وكالذي نومه المنوم المغناطيسي استدرت وقصدت كومة 
التراب» وعسست بيدي. Lab‏ كان أول ما خطر لي أن أبحث عن 
نملة otf‏ ولكن كدت أذ ضحك من نفسي لأني انسقت وراء المشهد 
Shs‏ وأخذته جداً. وسألت نفسي : كيف أعثر على الأنثى؟ ما الفرق 
بين النملة الذكر والنملة الأنثى؟ بل هل توجد نملة أنثى ونملة ذكر؟ 


5 العتب على النظر 





المقصود wile‏ إليه ووقفت آمامه وفتحت قبضتي على نفس النملة 
وقلت: ها هي نملة أنثى. 


قال : يالله ! 


- يالله ماذا؟ 


- تاني . أسمع . 

وفوجئنا بجعجعة أوامر تفرقع » واقترب سور العساكر حتى أطبق 
على طابور المعثقلين» واستقر أفراد فرقة الضرب فانتصبت واقفة 
مشرعة أسلحتها الفاتكة الرهيبة» وهوى الكرباج من خلفي وسمعت 
صفيره» وهو يشرخ الهواء ليستقر كالسكين القاطع غائراً في جلدي» 
ولكن يونس بحري تلافاه في آخر لحظة وأمسك باليد المهوية وقال 
ضربك.. فأنا أعرف أنك من النوع الحميري الذي لن يؤثر فيه أي 
ضرب أو تعذيب ولكني سأضرب تلامذة ابتدائي ھۇلاء.. وأشار. 

والحراس يعرفون إلى من يشير. فقد كان بيئنا خمسة صبيان 
صغار لا يتجاوز أيهم السادسة عشرة» معنا في الطابور. إذا ضربوا 
يصرخوت بل يصوصون كالكتاكيت الملعورة وتغور صرخاتهم في 
لحمنا الحي» بحيث يصبح أهون لأينا أن يقطع بالسواطير ضرباً ولا 
نسمع صرخة الواحد منهم.. 

جزعت والحق يقال» وسقط قلبي في قدمي مخافة أن day‏ 
الوعد. يا عم يونس ما كنا قاعدين في أمان الله ماذا دار في عقلك 


۷٦ 





40 


النجس ليقلب سلامنا هذا الى لحظة الرعب هذه حتى ليبدا الجو 


يحفل برائحة الدم واللحم المفروم.. 
تطويل الروح لم يعد يجدي» ماذا تريد يا أيها القومندان. 
-يا لله! 


ولأنني ضامن أني سأكون على حق في تساؤلي رفعت صوتي 
مستغيئاً مستعيذاً بالله من هذا الهول الذي لا أعرفه: إزاي بس يا 
بيه.. أنا في عرضك.. إزاي؟ 

-زي الناس.. هكذا قالها. 

ري الناس إزاي.. ؟ 

-زي الناس يا بن ال.. ويا بن ال. .ويا بن ال. . ماذا تفعل 
الناس؟ 

- ولكنها تفعلها مع الناس والإناث وهذه نملة.. 

ولو.. اعتبرها ناس .. اعتبرها إناث. 

حاضر.. 

قافزاً الفلاح الخبيث إلى نجدثي مرة أخرى قلت : 

_ حاضر يأ بيه.. 

وعملت أني فعلاً ازاول ما أمسرني به cLify‏ زيادة في 
الاندماج, قد رسمت على وجهي ابتسامة سعادة.. استيقظت منها 
على صوت نبوت یشرخ الهواء. ويشرخ ظهراً من ظهور «التلامذة» 





ges 


إلى جواري. التفت على الصرخحةء آهة صاعدة من عظام الأقدام 
لكائن حي إنسان صغير يتألم. انفجر قلبيوتدفق مئه الدم الغائر غصة 
ولوعة. 


- لا تمثل يا ابن الكلب.. اندمج.. أتضحك gle‏ .. اندمج.. 
أنت خالع الآن ملابسك وهذه أنثى» نملة مش نملة لا يهم.. هذه 
أنثى.. اندمج.. وسأراقب وجهك وملامحك.. وأقسم برحمة أمي إن 
لم أرك تفعل ما قلته cil.‏ تلاميذك وأنت وكلكم معهم.. وأنت 
تعرف وكلكم تعرفونني.. 

وكان واضحاً من وجهه المسمر المحفر بالجديري القديم أنه لا 
يهزل» حاولت of‏ أجد فرجة احتمال أو عشر احتمال للتهاون فلم 
أجد. هذا إنسان مجنون وقد تقمصته حساسية المجانين للحقيقة ولن 
يصدق غيرها ولن أستطيع أبداً حداعه» Shey‏ أن أفعلها. حاولت. 
ولكني في منتصف المسافة استدركت وطلبت منه العذر. وجمعت 
نفسي وبأقصى ما أستطيع من قدرة على أمر النفس أمرتها. أحسست 
أن شهباً كشهب الجنون تتراءى لعيني» ومن فرط الانضغاط بدأ 
العقل في مخي يطقطق. مجنون أمسر وأمر مجنون, ولا بد أن 
أستجيب» ومجنوناً لا بدء لكي أستجيب» أن أصبح. أنا فعلاً رجل 
ضخم» وهذه نملة» وبکل كياني علي أن أصغر نفسي وأستحيل من 
إنسان إلى حشرة؛ إلى نملةء إلى ذكر نملة» تستشيرني أنثاي النملة. 


وكلما coded‏ كلما توقفت. كلما غام وعبي بالمشهد 


VA 





gv 


وباستحالة التحول» وأحسست التهديد يحوم كغربان البين حول 
التلامذة الصغار وحول الطابور» أتصاغر وأتصاغر ويكسوني العرق 
وتطقطق عظامي وتتدشدش ولا بد من أن تصبح كفي في حجم ساق 
النملة» وساق النملة لا يكاد يرى ولا بد أن أهوي بوعبي وبإرادتي 
على كفي وكتفي ولحمي وعظمي ورأسي وبطني وساقي وعنقي وأدق 
,وأصغر كي أستحيل ذكر نملة» أفرز هرموناته» وأجعلها بالقوة القاهرة 
تستجيب لهرمونات أنثاي القابعة» مستسلمة» في يدي» هكذاء 
رأيتها بألف عين دقيقة لي تكونت» قد استجابت» وكفت عن 
الحركة» ووقفت واضطجعت. 


لو كانوا عذبوني وقطعت الجبل كله» لو ربطوني لذيل حصان 
جرى بي القطر كله من أقصاه إلى cobalt‏ لو ربطوني في عروسة 
جلد وجلدوني ألف جلدة» لو فعلوا ما هو AST‏ وأكشر لما أحسست 
بربع معشار ما مر علي . ولم أعد أستطيع الكف وجسدي يمضي 
يتصاغر ليصبح نملة ويستمر نملة ويعيش ويحب ويزاول الحب مع 
نملة.. وعند لحظة النهاية فقدت الوعي.. 


قالوا لي أنهم حملوني حملا إلى الليمان. وأنهم خافوا من 
صراخي أثناء الليل واستجار الزملاء من عضي وتمزيقي لملابسهم 
وملابسي» وحملوني إلى مستشفى سجن مصر ومن هناك إلى هنا.. 
وهمس لي التومرجي الأسمر العجوز وأنا في طريقي اليكم أنهم 
يفكرون في الإفراج الصحي عني» ولوء ما الفائدة» وقد نمت مع 
النملة واعترفت» وكان الذي كان.. 


re‏ العتب على النظر 





aA 


ولأنه لا أبشع من السجن والمنتظرين المحاكمة من كلمة 
اعتراف» فقد وقفنا على أطراف تحفزنا أنا وحمزة ونحن نسأله بماذا 
اعترف ولماذا اعترف؟ 

قال وهو يشيح بيده: Lily‏ وسط العذاب» في منتصف الساعة 
بين كوني نملة وكوني ذكر نملة الكسرت إرادتي ولم احتمل» وقلت 
كل ما عندي بأمل أن يتوقف أمر يونس بحري وأن يكف العذاب.. 
ورغم الاعتراف لم يوقف المجرم الأمر» وحتى لو كان أوقفه فأنا 
نفسي كنت غير قادر لحظتها أن أوقف عذاب التحول»ء إرادة أن أكون 
بشراً أفلتت وصارت لي إرادة نملة لا تقوى أبداً على الكتمان. 

eee 


ورغم إعادته إلى المستشفى فقد سمعنا أن حرارته ظلت 4١‏ 
طوال الليل ورغم جسده المتين الضخمء في الصباح التالي ol‏ 


ied by registered version 





أبو الرجال 


العتب على النظر 


Converted by Tiff Combine 








£\\ 


نصف نائم » نصف مستيقظ, تامل جلده. أدرك» كأنما فجأة» 
أنه لم ير عن عمد جلده مذ كان في أوائل مراهقته» ومذ كان الشعرء 
شعره نصف أصفرء نصف آسود» ol las‏ فا يكسو نعومة جلده. 
يذكر أنه فرح» وكان باستمرار يفرح كلما أمعن النظر الى الجلد 
ووجد الشعر النابت يزدحم ويتكائر ويغمق» حتى أصبح كله أسود. 

فتح عينيه تمامأء فقد أدرك وكأنما كان ينظر إلى جلد إنسان 
آخر. 

أدرك أنه بالقطع ليس جلده. أو إن كان OB‏ شيئاً حدث له. 

کان الشعر خفيفاً وكأن شعر ذراعيه وصدره قد بدأ يصاب 
بالصلع. 

وكشف عن ساقيه وبطنه. خفيف جداً كان الشعر. لكأنه عاد 
الى سن الرابعة عشرة. 

سكت تماماً عن التفكير والتأمل. وإن كانت ذاكرته لم نسكت. 
بوابل من نخزات صغيرة بدأت تنهال عليه» وينحيهاء وتنهال. قام 


ay‏ العتب على النظر 





1۲ 


إلى المرأة. حدق ملياً في وجهه. اللحية كما هي. أو تبدو كما هي. 
فتلك النخزات تبدو يقينية. 


أغمض عي عينيه كما يرغم نصف النائم نفسه إذا أحس أنه في 
كابوس ليختفي الكابوس أو يرحل. رغماً عله فتح العينين» وفي مزيج | 
من الحيرة والضباب» ضباب أملس ينزلق ويتوالى والأشياء تمتزج 
وتتباعد وتقترب لتصبح واضحة تماماً. صورة الرجل يراها واضحة 
تماماً إذ تلك هي صورته التي يعرف نفسه عليها. تنزلق. يمر فوقها 
الضباب كأنه السحاب يخفي وجه القمر ولا يبقى سوى ضوء لمجرى 
لا يستطيع به أن يميز Le‏ نعومة. أجل. نعومة أنشوية مرعبة كأنها 
نعومة حية رقطاء تبتسم قبل أن تطبق فاها في عضة سم كعضة 
الموت. شيء داحله يرتخي وينفتح › يأمره أن ينقبض» وباستخفاف 
بعصي وينفتح . . ومعها يحس أنه يهوي في بثر أو من فوق جبل. يشهق 
طارداً كل شيء كالغريق يدفع الماء برأسه ليلتقط النفس ورغماً عنه 
. يعود يهوي» ولكنه لا يختئق» ولا يحس أنه سیموت» کک 
محدداً واضحاً سيحدث. كل ما يحدث أملس. كل ما يتشبث 
ينزلق. الضباب ونور الفجر الشاحب والإحساس بالانزلاق واللا يقين. 


ماذا يحدث لي؟ بالضبط ماذا حدث لي؟ وكيف حدث؟ ومتى 
حدث؟ ولماذا يحدث ما يحدث؟ في الخمسين أنا. أنا رجل في 
الخمسين. بالضبط واحد وخمسون وثلاثة شهور. عندي أولاد. عنده 
أولاد أجل. وزوجة. يسائل نفسهء ويتحدث عنها وكأنها إنسان آخر. 
فمن فرط ما أصبح فيه من شك قرر أن ينظر إلى نفسه وكأنه إنسان 


Ag 





1۳ 


آخر. رجل آخر. نعم هو رجلء أو.. أو.. أو ماذا؟ إنه ليس رجلا 
فقطء إنه أبو رجال أيضاً. إنك يا سلطان زعيم. زعيم عصابة ولكنها 
عصابة من العصاة المتمردين قتالي القتلة وسفاكي دماء وأولاد ليل › 
تنظر الى الواحد فيهم فتحس call‏ أمام عينيك» يتلاشى الرجل فيه 
والانسان ويتحول إلى أرنب يبول على نفسه. بنفسك رأيت البلل مرة 
يغرق ثياب أبو شئب. 


اكتشف, وكأنما فجأة أيضاًء أنه لا يزال بملابسه الداخلية. 
تجول بعينيه في أنحاء جسده» اشماز لنتوءات تكونت لا يعرف متى. 
استنكر جسده شبه العاري. أحس به غريباً عنه. لا يمت إليه. تحسس 
شاربه. أدرك أنه حلقهء aly‏ يتحسسه بحكم العادة. لا وجود للشنب. 
ازدادث غربة جسله عله وغربته عن جسده. 


قام» بثورة قام أو كأنما ليصنع ثورة. لا. لن يرتدي البدلة. 
سيرتدي جلبابه البلدي الصوفي الخشن ذلك الذي يحلو له ارتداؤه 
حين يركب الكارتة المفتوحة» ويسوقها بنفسه» ويعبر بها شوارع 
البندر حيث يتأكد أن العيون الناعسة من خلف النوافل» وأحياناً من 
الشرفات» تراقبه. وتشهق لرجولته. وجلبابه» وكارتته» وتاريخه 
المرعب المجيد. وغناه» وسمعته. 


أرجل رجل في المحافظة» بل في مصرء في الدنيا كلها يا 
ولد. رجل وأب لرجال. ولد ولا كل الأولاد. وسعيدة محسودة تلك 
التي يضمها بذراعيه زوجة كانت أو عشيقة. 


1 العتب على النظر 





14 


جلبابه ارتداه. امتدت يده وهو لا يزال ينظر الى مراة الحمام 
يتناول زجاجة الكولونيا. عدل. ابتسم في شبه ثقة. ركن شفته العليا 
فعلاً ارتجف وكأنما الابتسامة تخونه. 

ال 

زعق. 

تلك الزعقة التي كانت دائماً ترج البيت» وترج القلوب» حتى 
قلوب أولاده الكبار. زعقة لا يوجهها لأحد بالذات وإنما يوجهها 
للولد» أي ولد للرجل» أي رجل» للمطلق من الرجال» ما volte‏ 

لم يظهر للتو أجد. لا ولد ولا رجل. زعق بصوت أعلى انتهى 
فجأةوكانماتوفف تالآل ةالتي تصدره أو انكسرت.الأصحأنهاأسكتت.هو 
أسكتها فقد جاءه الصوت مشروضاً؛ بالضبط مسلوخاً رفيعاً. ليس 
صوته. وقد يكون صادراً عن حنجرته التي بدا في المرآة OSs‏ بروزها 
انكمش. ولكنها لسنت حنجرله فالصوت ليس صوته. صوت يسمعه 
لأول مرة» غريباً عليه غرابة جسده. 

ودق قلبه دقة زائدة. 


تلك الدقة التي كانت لا تحدث له إلا لحظة القتل» لحظة 


إطلاق النار. 

ظهر الولد. سبه دون أن يعرف من يكون» وبكل ما يملك من 
نفس صرخ: 

- نادي الثور يا حمار. 


۸٦ 





410 


۲ 


جلس على المقعد في الفراندة. المقعد المخصص دائماً 
لجلوسه» حتى لو غاب عاماً. جلس ينتظر«الشور» ينتظر وهو يتلمظ 
غيظاً. لماذا؟ لم يكن يدري. لماذا اختار«الشور» ليسراه في تلك 
اللحظة؟ أيضاً لم يكن يدري. الشور. الثور. لماذادالشور»؟ ألتلك 
الأقاويل التي كانت تتنائر عنه وعن مغامراته؟ ألأنه يعرف عنه أن 
النساء يسقطن من تلقاء أنفسهن لدى انفراده بإحداهن؟ ألأئه أصغر 
سنا وأكثر حمقاً وفعلا pail‏ شباباً بكثير؟ ولكنه كما يسميه. . ثور.. 
alte‏ مثل «الديب» و«أبو فصادة» و «غراب البين» و «الجحش» و 
«التنبل)... واحد منهم.. أقصى ما يمن به عليه أن يعطيه لقباًء 
وأقصى ما يعاقب به أحدهم أن يناديه باسمه الحقيقي » فهو يظل يرجو 
ويلح ويكاد يبكي 6 أحياناً يبكي مر البكاء طالباً منه أن يمن عليه 
بلقب. وحين يضيق به وبإلحاحه يقول له: طيب.. امش يا خروف.. 
wl‏ شي يا حمار.. وينقض «الخروف» أو «الحمار« على يده يقبلها 
وفي عينيه دموع الامتنان» ويغادر المجلس سعيداً ضاحكاً لا تسعه 
الدنيا. 

جاء «الثور»» سمع صوته يسأل خافتاً عنه. وجه بصره بكليته 
إلى باب الفراندة ليرصد دخوله. في فتحة الباب ظهر «الثور» مهمل 
الثياب كعادته. كان دائماً يحسده على قدرته أن يهمل ثيابه وشعره 
ومع هذا يظل عل جاذبيته القصوى ووسامته. هم أن يبتسم له ولكنه 
عدل وأظلمت ملامحه. كان يرتدي القميص والبنطلون» بنطلونه 


1 العتب على النظر 





۹ء 


الضيق الأثير لديه. لا بد جاء على عجل فهم Lats‏ يرتدون بدلهم 
الكاملة ليلقونه. حياء ووقف حائراء رمقه من أعلاه إلى أسفلهء بدا 
وجه «الثور» يصفر› وملامحه تنبىء عن مراجعة مكهربة لكل ما فعله 
مذ آخر مرة oly‏ فيها وعن احتمالات athe‏ أو جريمته التي ربما يكون 
قد اقترفها. وفر عليه المراجعة وأشار له أن يجلس. وعلى كرسي بعيد 
جلس وقد بدأ يسترد أنفاسه» ولكنه كان لا يزال يننظر lS)‏ ينتظر 
البراءة أو حكم الاعدام. رآه يتململ من طول انتظاره. أسعده هذا 
التململ ونظراته تنصب عليه متفحصة ثاقبة. ضبط نفسه يتوقف أكثر 
من اللازم عند ملامحه الفتية الشابة. تلوت نفسه وكأنما أصابته غصة 
أو اندك خنجر في فم معدته. كلما استرق البصر اليه وأحس 
بمغناطيس قوي يشد عينيه اليه وأشياء في داخله تنهار وتتكسر 
والضباب يغطي على وعيه» ومن بين طيات الضباب ترتسم رؤى 
مفزعة» عريان جسده LAG‏ وأملس» كتلة لحم بلا إرادة تنتظر أمراً 
elutes‏ يصع إرادتها. 
۳ 

فجأة» أحس بتمرد داخلي يتجمع بسرعة كما تتخلق بوادر 
الإعصار المهول في لحظات» فثمة لين جوفي هائل كان يعوي داخله 
كلما وقع نظره على «الثور»» وحتى وهو يشيح بنظره عنه» رؤى غريبة 
يحس معها أنه لا ينظر إليه نظرة رجل لرجل» وأن في داخله تتلظى 
أحلام يقظة تدور حول موقف ماء مكان مظلم مهجورء. تلامس 
يحدث» تحسس محموم ترتجف به یداه ويرتعش له جسده كله وهو 


AA 





41¥ 


ينقض على OLE‏ ويعتصر عضلات ذراعيه النافرة وانتفاخة 
عضلات ساقه والرغبة فيه تتعاظم وتقوى داخله رغبات تتكشف بجرأة 
وبجنون عن نداء مولول قد تحولت إليه ذکورته» ولا يعود يقاوم. بل 
تتحول بقايا المقاومة إلى إعصار نداء أن افعلهاء ومجئونة تصرخ كل 
خلية فيه رافضة متمردة في إعصار استنكار يكاد معه يتحول إلى 
قاتل» يقتل ما راوده من أحاسيس» ويقتل «الشور»» يقبض بأصابعه 
الغليظة على عنقه ولا يتركه إلا جشة أو خرقة جثةء eile‏ أخمد 
أنفاسها وحبذا لو استطاع أن يفعل الشيء نفسه بعنقه هو ويقتل الحلم 
والرغبة والنداء المجنون الذي يفرض نفسه عليه بقوی» وكأنما بفعل 
قوى كونية» لا سبيل إلى عصيانها أو مقاومتها. 

ويهم Ob‏ يهدر صوتهء عالياً Lage‏ هصوراً طالباً من «الشور» أن 
يذهب عنه» بل حبذا لو جعل الطرد يأخذ شكل الضرب والركل 
والشلاليت.. 

ولكن لا شيء يصدر عنه» حتى ولا صوت» وكأنما تتعادل 
القوة الطاردة مع القوة الجاذبة» ويؤجل قرار corp‏ وفي نفس الوقت 
يكبح جماح عودة دمدمة الرغبات الملعونة تستيقظ في جسده وخياله 
وتجعله يعود يحلم» بالظلمة, والفحيح» والمفاجأة» والضمة 
المحمومة الراغبة.. 

وبدرك الجالسون حوله أنه غاص في فكر خاص لم يعد يشعر 
معه gl‏ شيء حوله» ويبدأون يتسللون من «الفراندة» واحداً وراء 
الآخر حريصين تماماً ألا يخدشوا قداسة استغراقه.. كلهم يذهبون ما 


5 العتب على النظر 





SIA 


عدا «الثور»» إذ رغم أنه أحس بمثل ما أحسوا به إلا أن Lisle‏ 
غامضاً موسوساً كانه صوت الشيطان أهاب ويهيب به أن يظل هناك 
Ol,‏ موجات من «عمه» «سلطان» واشعاعات وترددات» cast‏ وترجو 
منه أن يبقى» أجل» ترجو منه» هو الذي لا برجو من أحد شيئاًء 
وإنما دائماً يأمر حتى لوأراد الرجاء. 


ماذا يفعل بالله... 

gal‏ قل جن... 

أم في طريقه الأكيد للجنون.. 

أيذهب إلى طبيب من هؤلاء الذين أصبحوا المودة في هذه 
الأيام» الذين يزعمون الفدرة على تحليل النفس » وسبر الرغبات» 
وحتى تفسير الأحلام؟ 

ولكن ماذا يدريه أن ما يحدث له مرض» أو أله حقيقة يحدث 
له وأي عار يجلبه على نفسه إذا هو ذهب حتى إلى طبيب في 
العاصمة الكبيرة لا يعرف أصله ولا فصله؛ لا يعرف من يكون ومدى 
عزوته» فحتى الطبيب مهما كان غريباً وجاهلا بصولجانه وهيلمانه فإنه 
من رابع المستحيلات أن ينطق أو يشكوء وبلسانه يعترف أن بوادر 
رغبات ist ody‏ شكل النوبات» التي كانت متباعدة Jf‏ الأمرء 


qs 





414 

ثم تقاربت وكثرت» حتى أصبحت حياته وأفكاره لا تكاد تدور حول 

شيع احر سواها.. 
Lf‏ لا يستطيع» ولو شنقوه» أن» بإرادته يقدم على عمل 
كهذا.. فليفعلها إذن» ويكون هو طبيب نفسه» فهو» وحده. الأعلم 
بحاله» ولن يجد مخلوقاً في هذا العالم كله يستطيع أن يكشف أمامه 
كل مكنونات نفسه» ويعاصر معه ويرى بعينيه كل ما انطبع في عقله 
مل بدأ يعي بأنه ابن فلان وأمه فلانة واسمه سلطان» وفقرهم مدقع. 
وعائلته وإن كانت شديدة الكبرياءء بالذات» أبوه ذلك الذي كانت 
القرية تمتلىء مجالسها إذا جاءت سيرته بالسخرية منه» ومن فقره 
«الدكر» وأنفه التي ترنو latte‏ إلى السماء. كان يرى أباه ينتحي ركناً 
من فسحة بيتهم ويخرج من جيبه عشرات من أعقاب السجائر التي 
التقطها خلسة بخيزرانته التي ركب لها في نهايتها مسماراً رفيعاً بحيث 
يستطيع » وهو في قمة تفاخره بعم أو جد أو قريب» أن يغافل محدثه 
إذا التقطت عينه عقب سيجارة» وفي انفعالة محسوبة» يرفع خيزرانته 
وكأنما يدق بها على الأرض مؤكداً أو مقسماً ثم ينزلها بالضبط فوق 
«العقب» لتندك cad‏ وتظل لاصقة به حتى يخلو المكان أو تنصرف 
عنه العيون وحينذاك» وبخفة يد ماهرة ينتزعها ويضيفها إلى مثيلاتها 
في جيبه. ومن محصول اليوم Sy‏ صندوقاً ونا قديماً ورثه عن أبيه 
الذي كان يملؤه «بالمضغة»» وكانت «مضغته» وما يضفيه إليها من 
محوجات مشهورة في بلدتهم شهرة «غليون» البك ابن العمدة المتعلم 
في بلاد بره الجالس إذا جاء LBL‏ للقرية بين كل حين وحين في دوار 
أبيه» يحشو غليونه بالتبغ ويشعله من ولاعة خاصة كانت مشار عجب 


5 العتب على النظر 





ty: 


أهل ail‏ 4 إذ كانت شعلة نارها تنطلق أفقية من جانبها وليست مشل 
غيرها من الولاعات. أبوه ذلك السامق في قرامهء النحيل الكثيف 
الشارب والذي كان لا يمتلك للخروج إلا جلباباً واحدأًء هكذا يعرف 
الجميع› ولكنه دائماً وأبداً أييض نظيفاً ناصعاً تجيد أمه غسله بالزهرة 
يوماً بعد يوم» وتنشره ليجف في المساء» ويرتديه في الصباح حتى 
ليبدو وكأنه يمتلك عشرات الجلاليب الجديدة الناصعة البياض. 

فقر وكبرياء» من جيش المدقعين الذين لا يمت أحدهم بصلة 
إلى عين من الأعيان أو عائلة من كبار العوائل» أمثاله قابلون لحياة 
الجدب تلك» لا يهمهم تهرؤ ثوب أو دفاع عن كبرياء» يقبلون حتى 
أن توزع عليهم الزكاة في الأعياد» ويلهجون بالدعاء والثناء إذا وزعت 
عليهم لحوم في مناسبة أو (اموسم) أو احتفال... «أبو سلطان» منهم 
هذا صحيح؛ بل ربما أشد فقراً من بعضهم» ولكنه نسيج وحده في 
اعتزازه بنفسه» يمشي إذا مشى وكأنه العمدة» وإذا تحدث فعل 
وكأنكلامه فقط هو الحكمة. Lag‏ واحدأ كل أسبوع» يوم السوق» 
حيث يودعه أصحاب الحمير القادمون من القرى المجاورة حميرهم 
ليضمها الفضاء الصغير المجاور لسور السوق» فضاء يستأجره «أبو 
سلطان» من صاحب الأرض المجاورة وكأنه «جاراج» الركوبات» لا 
ينتهي اليوم إلا وقد امتلا جيبه بقروش وأحياناً بملاليم» تبدو كثيرة 
العدد والحجم» ولكنها في الحقيقة لا تكفي لقوته وقوت امرأته 
وعياله طوال أسبوع» سلطان أكبرهم» وثلالة أولاد أخرء وأربع 
بنات» وأم شارفت الستين» وتدهش» ويدهش الناسء كيف بمثل 
ذلك الدحل» يعيش كل هؤلاء البشر» وتمتلىء كل تلك الأفواه. . 


۹۲ 





٤۲١ 


وسلطان ذكي باهر الذكاء» في المدرسة الإلزامية نابغة» ومع 
الأولاد أكثرهم شقاوة وأقواهم شخصية ودائماً هو القائد والمستشار 
الأعلى لعصابة كبيرة تتبعه» وتأتمر بأمره» مع أن بعضهم أكبر منه 
سنا وبالطبع ast‏ من عائلته غنى ونفوذاء بل الحقيقة المجردة كان 
أفقرهم» وأبأسهم LIS‏ فقد كان يظل يرتدي الجلباب حتى لا يتغير 
لونه أو يذهب تماماً بل حتى يقصر عليه وخلال عامين هما عمر 
الجلباب يكون قد ضاق وقصر حتى لا يكاد يصل إلى ركبتيه. وكم 
عير بفقر أبيه «الدكر»ء وكم اشتبك وتخانق وجرح وضرب ممن هم 
st‏ اذا تطاول أحد على حالهم أو على أبيه بالذات وعلى وجه 
التحديد حين يقولون عنه: عريان المؤخرة ويحب الفشخرة. 

وفي مداعبات الصبية» أو على وجه التحديد تلك الفترة من 
العمر التي لا بد يبدأ الصبية يلامسون بعضهم بعضاًء ويستجيب 
بعضهم بلذة أن يكون السالب» والآخرون بلذة الموجب» أو بالاثنين 
be‏ كان سلطان شديد الحساسية أنه لا يرضخ» بل حتى من فرط 
حساسيته ورغبته في رجولة سريعة مبكرة كان لا يسمح أبداً لأحد أن 
يلامسه وبالتالي يرفض DLs‏ أن يلامس هو aot‏ رجل صغيرء ورث 
كبرياء أبيه أو قل ماض قدماً في تقليد أبيه وتشبهه به» ذلك الأب 
الذي كان يعتبره أكثر الرجال رجولة وأعظمهم مقاماً. بل لم يحس 
أبداً ولم يراوده مطلقاً خاطر أن أباه رجل فقير» ففي مثل عمره لا 
يوجد فقراء وأغنياء إنما فقط يوجد رجال رجال» ورجال أنصاف رجال 
أو لا رجال بالمرة» والفارق الوحيد بين الناس هو ذلك الفارق بين 
الرجال الرجال والرجال أشباه الرجال. 


ay‏ العتب على النظر 





۲ 


من أين يجيئه إذن هذا الذي بدأ يزحف على نفسه زحف 
السحاب الأسود الذي يهدد بإحالة النهار ليلا وينذر بغياب الشمس 
واقتراب يوم القيامة؟ . 


طول عمره هكذاء زعيم وشهم وشجاع وجدع» وبجوار 
الإلزامية والابشدائية كان يعمل شهور الصيف كلهاء ومعظم شهور 
الشتاء كي لا يوفر نفقات تعليمه فقط وإنما Lat‏ ليساهم مع أبيه في 
ملء الأفواه الكثيرة المفتوحة Lege‏ طول الوقت والتي عمرها ما 
امتلأت شبعاً. وهو في تعليمه وفي عمله كانت تؤجج روحه فكرة 
وحيدة لم تتزعزع cll‏ أن يرد الاعتبار لفقر anf‏ وعائلته وتواضع 
نشأته وأصله. كان جلباب أبيه الناصع النظيف مجرد ستار يخفي 
حقيقة شديدة المرارة» إذ لم يكن بداخل هذا الجلباب الستار شيء 
ذو قيمة» وكان على «سلطان» أن يملأ هذا الفراغ المخيف الذي 
يخفيه الجلباب» أن يجعل لكرامة أبيه وأنفه التي في السماء رصيداً 
يستحق معه فعلاً أن تكون أنفه في السماءء وأن تتضطى مؤخرته ٠‏ 
العريانة» ليكون حرا أن يتفشخر اذا أراد فشخرة المغطاة مؤخراتهم 
بالحسب والنسبء والأفدنة والأموال والقيمة والامتلاء. 


0 
حتى أصبح وسلطان» زعيماً فعلا. 


قصة طويلة مليئة بإرادة الفلاح الرهيبة التي يحفر بها ترعاً للنيل 
بإبرة ويحمل بها صخور الجبل حتى يصنع بها هرما يكون أعجوبة 
الدنيا. الفلاح الذي يزحف إلى القاهرة حافي القدمين ماشيا على 


۹٤ 





ayy 


ساقيه الرفيعتين؛ صاعداً مع النهر حتى يفرغ صبر النهر من فرط طوله 
ويتشعب الى فرعين أو حتى عدة فروع صانعاً من نقطة التفسرع 
عاصمة العالم القديم» ومولد النور تشعله البشرية لأول مرة لترىبه 
العالم ويراها العالم» زاحفاً حتى يصل إلى أم الدنيا أو يصدع من 
نقطة التفرع Lt‏ للدنيا. 

بالإرادة الدؤوبة النحيلة البالغة الصلابة زحف «سلطان» يجر 
وراءه عائلة مات عائلهاء يجرها كما يشد المراكبي «اللبان»» جاذباً 
المركب بحبل طويل ليجرها عكس اتجاه الريح القادمة من الشمال. 
أجل شاداً «اللبان»: لبانه, ولبان عائلته» بل لبان كل هؤلاء الفقراء 
ذوي الأنفة كانوا أو ذوي المسكنة, مستجيباً للمحرك الداخلي الذي 
لم یهسدا داخله cha‏ ولا لان» محرك أن يملا جلباب أبیه» بحيث 
حتى لو خلع الجلباب لكشف عن مستور غني عظيم مشرف. 

قضى سئة الجامعة الأولى ومسكنه» ومأواه وملاذه بيت» 
بالأصح عشة» تقع عند الطرف القصي لسور الجامعة» فيها اصطنع 
المسكن والمقام» فيها نام على حصير هو كل ما استطاعت عائلته أن 
تزوده ca‏ عامل بناء في حي «بين السرايات» وما حوله في الجزء 
الأكبر من النهار» حامل قصعةأسمنتتقطموحدها الظهر» ولكنه معها 
كان يحمل مسؤولية أن يتعلم وأن ينغ وأن ينجح بحيث يحظى 
بالاثني عشر جنيهاً شهرياً مكافأة النابغين» كان يحيا منها بستة ويرسل 
لأهله ستة» عليهم وبعائد إخوته الأصغر من أعمال أصغرء أن يدبروا 
وجودهم بها. 


9 العتب على النظر 





4 


ومع ذلك ينجح بتفوق ويكون من أوائل الدفعة. 

وليس هذا هو المهم. 

فمن أول لحظة وضع قدمه في الجامعة, وبدأ يتفتح وعيه إلى 
أنه ليس وحده الذي يشد «اللبان»» وليس وحده الذي لا يمتلك أبوه 
غير جابابه يرتديه على اللحم الحي» جلباب في العادة على عكس 
جلباب أبيه فلا هو val‏ ناصع ولا هو حال من «رقعة». مذ أدرك هذا 
وبنهم راح يقرأ ويسمع ويطيل القراءة والسمع ويتفتح له الوعي» ولا 
يفعل تفتح وعيه إلا إدراكه OL‏ الأمر في حاجة إلى التغييرء وأن من 
ينادون بالتغيير أبناء مدن وحتى لو كانوا أبناء فلاحين أو عمال» OP‏ 
فرن الإرادة المتوهج داخلهم وقدرتهم وطاقتهم على العمل لإحداث 
ذلك التغيبر أقل بكثير مما يجب وأنه يستطيع أن يفعل الأكثر» ويقدم 
الأكثر ويحقق الأكثر. 

وعضواً في الاتحاد صار» وأوتاداً للثقة به أخذت تندق» وخيمة 
هيمنته تتسع› واسمه وجرائد حیطانه» وخطبه واعتقالاته تصبح 
حديث الكلية» ثم حديث الجامعة» بل Lal,‏ عندية المدينة 
المدينة الجامعية التي حاولت إدارة الجامعة رشوته بإلحاقه بهاء قبل 
الرشوة لعلمه أنها لن تلين قناته وإنما بها ومن خلالها سيجد له قاعدة 
انطلاق أشمل وأعم.. 

1 


أحس الثور أن «عمه» سلطان لا بد قد راح في سبات عميق»؛ 
فأنفاسه منتظمة وعيناه مغلقتان › وسكوته طال وطال حتى أنه لم يعد 


91 





4Yo 


يتلقى موجات ترد اليه عبر المسافة الكائنة بين مجلس السلطان في 
كرسيه العظيم وبين مجلسه هوء على حافة المقعد العريان متحفزاً 
لأي اشارة أو بادرة احتياج من الرجل الكبير. 

وهنا بدأ يتململ في مجلسه على طرف الكرسي» تململا لا 
حركة تصدر عنه» ثم تململا حرك فيه قدمیه» ثم بدا وكأن الأمر لم 
يعد oly Like‏ عمه السلطان نام نومة السلطان» وبهدوء شديد وقف 
وقفة من يستعد للانسحاب» وحين تأكد أن حركته تلك مرت هي 
الأخرى دون أن يشعر بها السلطان. بدأ يزحف بقدمين خفيفتين 
وكأنما مبطنتان بفروة فهد» خطوة. ثم الثانية ثم تسمر في مكانه فقد 
صدرت عن سلطانه زجرة سؤال آمر: 

رايح فین؟ 

زجرة سؤال أعادته فوراً إلى جلسة حافة المقعد. يكاد يتمسح 
كقط يود أن يؤكد آلفته وانضباطه وطاعته. 

أنا ما نمتش. 

تردد «الثور» يقول: 

أنا ظنيت 

ddl 

أنا تحت أمرك إن شاء الله للصبح . 

يقعد؟ يقعد لماذا؟ 

سؤال دار في عقل كل منهما. 


5 العتب على النظر 





Al 


وإذا كان السؤال قد دار بقليل من الدهشة عند «الشور»ء 
فالدهشة الأكبر كانت لدى «سلطان»ء لماذا حقيقة يأمره أن يعود 
للجلوس» ويؤكد أنه مستيقظ وأنه يريد استمرار وجوده مع أن الوقت 
قد تآخر» والجميع » حتى داخل البيت الذي يجلسون في بلكونته. 
نيام ؟ 
كانت الرعشة قد عادت له من جديدء آمرة» مدلهمةء لا يملك 
لها دفعاً» وأيضاً لا يملك لها تحقيقاً. 
ثراً ومرتبكاً ارتباك مبتدئین» خجلا من نفسه خجلا أبشع من 
خجله من أي غریب» يكاد يبكي غيظاً مما هو فيه؛ ومن وضع كان 
من المحال أن يتصور حدوثه؛ ولا يملك حياله أي تصرف. حتى لو 
كان سيثور ثورة المجنون حينذاك؛ ثورة الرجل» أبو الرجال» الزعيم 
الذي يحاول فأر وإن كان اسمه «الشور» أن يعتدي عليه» على 
رجولته. وعاد الصمت, الذي كان يبدو وکأنه الحل الوحيد للاشكالء 
يفرض نفسه. وعاد «سلطان» لا ليستعرض حياته ليعشر على بداية 
الكارثة أو مبعثها وإنما عاد يقلب ماضيه» قريباً وبعيداً ليعشر على 
سبب لهذا الذي حدث» بل ليتأكد أن شيئا Shs‏ قد حدث لهء أو أن 
واقعة ما كانت هناك» موجودة» ووجدت لكنه نسيها وطمرتها الحياة 
الحافلة التي عاشهاء بينما هي طول الوقت كالسوسة. كالسرطان 
الخبيث البطيء تعمل عملها حتى أوصلته إلى الآن. حيث لا يستطيع 
مطلقاً أن يتصور أنه» JS‏ جلالة قدره خاضع أو يكاد يكون خحاضعاً 
لفكرة الرغبة العارمة الطاغية التي يستميت - دون فائدة ‏ في مقاومتهاء 


4A 





4¥ 


فكرة أن يستسلم أمام ذلك الشاب المرعوب خوفاً منه ومن فحولته 
ومن هيلمانه» حتى لقد وفدت اليه فيما وفد أفكار أن «الشور» يتصور 
العكس» ويرتعش خوفاً من أن يطلب منه عمه السلطان ما يطلبه 
الأقوى من الأضعف, فطلبات السلطان أوامر مقدسة, تنفيذها لا 
مهرب منه ولا إمكان للهرب. أمر مقدس لو طلبه السلطان لكان 
عليه ويا للكارثة ‏ أن يخضع لنزوته حتى لو كلفه ذلك الخضوع 
رجؤلته Le JS sale Sy‏ يناه dent)‏ من شخصية ومتمئة وضلك ابه عد 
الشهرة أنه وحده» الثور الطلوق الذي يغار منه كل الرجال» وتحلم به 
كل محرومة أو غير محرومة من جنس النساء. 

احتمالات» كل احتمال منها كارثة أبشع من الأخرى» حثى بدأ 
جسد «الثور» يرتعش فعلاء ارتعاشات حقيقية» يكاد معها يرتمي 
بجسده تحت أقدام السلطان ويستجير به أن يرحمه أو أن ينض 
الصمت المخيف المليء كالأحراش بالأفاعي والوحوش ويقولها له 
صريحة» ويفعلها أو لا يفعلها وينتهي الأمرء وينتهي الصمت» 
وينتهي ذلك الموقف الذي أصبح امتداده أشد عذاباً من أي شيء 
of‏ أشد عذاباً من أي إحساس بالمهانة حتى لو تحققت المهانة. 

۷ 


من العشة عند طرف سور الجامعةء الى المدينة الجامعية» الى 
العمار» من المعير بأبيه عاري المؤخرة غاوي الفشخرة إلى المشاد 
بأصله الفلاحي المتين » وعصاميته. وأبوته التي رفعت لمرتبة الأصالة 
والعراقة الشعبية والنموذج الأعلى لما يجب أن يكون عليه الزعيم. 


5 العتب على النظر 





4۸ 


قادماً من قلب الشعب لا بد يجيء» سليّل أب كادح إذ أصبح النبل 
والعراقة صفات من يكون سليل شجرة بؤس أبا عن جد. 
نقلاً وهي بآلاف الصفحات من كتب زملائه التي كان يستعيرها 
متهم ۰ من القصعة قاطمة الظهر. والنقل عن المراجم مضيسع البصر 
الظهر.. 

من الصبي التكرة المصفر الوجه بالأنيميا ونقص الغذاءء إلى 
الحاصل على درجتين» واحدة في الاقتصاد والأخرى في التارييخ › 
مفخرة الجامعة ثم بقية الجامعات؛ مفخرة جيله وكل ما تلاه من 
أجيال» بل مفخرة من مفاخر مصر ووثبتها التي نقلتها من مجرد دولة 
محتلة في عالم قبيح قديم الى دولة قائدة تحرر وزعيمة شعصسوب 
ومفجرة انتفاضات وثورات» حتى أصبح سلطان سلطاناً فعلاً. 

وكان أول زعيم شباب يقابله الرئيس الزعيم» ويصافحه» بل 
ويملحه ner‏ وتصبح له حظوة. وجاه»وصاح مدرسة واتجاه» حوله 
ومعه جيش صغير تابع من النوابغ والمعجبين وتابعي التابعين. 

وهذا كله يحدث دون أن يشعر سلطان أن جلباب أبيه الخالي 
قد Heal‏ برصيد حي من المضمون والجاه والنفوذ. 

ولهذا كان ماضياً لا يزال كالمهر الأصيل لا يتعب ولا يكل» 


\ee 





۹ 


الوصول إليه فلم يكن من ذلك النوع من أصحاب الأهداف الخاصة 
التي يضعونها نصب أعينهم للوصول إليها وتحقيقهاء ولكن مضيه كان 
لا يخضع لأي تفسير عقلي أو نفسي» إنما هو مضى وكأنما من أجل 
المضي ذاتهء فلا هو وضع نصب عينيه أن يكون زعيماً أو محبوباً أو 
صاحب سلطة ونفوذء لا المال كان هدفهء ولا الطموح السياسي كان 
64S ous‏ بل ولا التاريخ أو مكانة في التاريخ يطمع فيها ويسعى لها. 
كان حقاً وصدقاً لا يعرف لماذا هو ماض, هكذاء يحقق, وتنهال عليه 
الألقاب والصفات والثناء دون أن يسعى لها أو يقبم ا إنما هي 

نتائج ثانوية لا تشغل باله مطلقاء وتأتي كنتيجة حتمية لدأبه وإصراره 
ومبادئه التي انغمس تماماً في التبشير بها والعمل من أجل تحقيقها 
وسيادتها. مجتمعة لا بد أن يكون Vole‏ لا يمتلىء بمظلومين لا ذنب 
لهم» مظلومون لا يمتلك الواحد منهم إلا جلباباً» بينما آخرون 
تمتلىء دواليبهم وحجراتهم بطوابير الملابس المعلقة فوق مشاجبها 
وكأن غرف نومهم وملابسهم أجنحة بأكملها من أجنحة بنزايون أو 
صيدناوي أو الصالون الأخضر. أبوه عمره ما انتقل من مكان إلى 
مكان بواسطة قطار أو وسيلة من وسائل المواصلات» إنما هو السير 
الكعابي المستمر مهما بعدت المسافة. الصدق. الحقيقة. النظافة. 
التضحية. الجهد من أجل الآخرين وليس أبداً من أجل احتكار الثروة 
والتكويش على النفوذ. الزعيم سيد القوم لابديكون عدا لأنه 
خادمهمء وذو مكانة بينهم لأنه أكثرهم عملا وجهداً من أجلهم... 
مبادى.. بيضاء ناصعة كجلباب أبيه... كانث قبله مجرد ستار» مجرد 
رداء ليس في داخله أي مضمون» كان مضيه في الكفاح الدائب أن 


0 التب على النظر 





۳ 


يملا تلك الثياب الناصعات مضامين حقيقية» وأن يحول الستائر 
الخارجية الناصعة البيياض لتخفي القذارة والقبح الى ستائر تحوي 
وتحمي كل ثمين وغال من الحقائق والمضامين. 

الرجل ليس BUS‏ شاربه وشدة طغيانه ولكن الرجل رجل لأنه 
شهم وكريم وشجاع ومضح ومغيث للملهوف وواقف بجوار المظلوم . 
مع الضعيف حتى يقوى» وضد القوي حتى يعدل ويعتدل» وتصبح 
قوته في خدمة العدل والحق. والمرأة امرأة لا بحسبها ودلالها وأنوثتها 
وإنما بعملها الأعظم في أن تكون الآم الأعظم لبشرية أرقى» فالأمومة 
كالرجولة ليست صفة» ولكنها قيم. درجات عليا من السلوك البشري 
العاطفي والعقلي وحتى الجسدي بها تفرد الانسان وعلى هديها وصل 
إلى قمة في التطور جعلته أسمى حي في الوجود... 

الأم.. 

وغير سلطان اليد التي كان يرتكز عليهاء لا لأن التعب من 
الارتكازة الأولى قد جعله يغيرهاء وإنما لأنه. وكأنما فجأة قد وصضل 
عند النقطة التي خيل اليه فيها أنه قد pte‏ على أول الخيط. على 
السببب والمتسبب» على أمه. 


A 


الفلاحة السمراء ذات «طابع الحسن» الغائر في منتصف ذقنها 
الموشوم وشمة الصعيدية البدوية oo ails,‏ تختم به الفشاة علامة 
أنها العذراء الكاملة المنتمية إلى قبيلة ليس له اسم محددء ولكنها 


6١,5 





f۳١ 


قبيلة النساء الساميات جمالاً وشكلا في نفس الوقت» قبيلة المرأة 
جسداً مخلوقاً ذلك الخلق الأنشوي الخاص المثير» ولكنها أيضاً 
علامة آنها انسانة فيها كل نبل المرأة الفلاحة أو الصعيدية وأنفتهاء 
كل صلابتها عندما يجد الجد ونعومتها تتحد مع خشونة الرجل لتكون 
ذلك المزاج المصري القح الذي ينتج أطفالاً لهم قيم الرجال 
ومسؤوليات الرجال بما فيها حتى الأخذ بالثأر» كل الفقراء بلا استثناء 
يكئون Le‏ للأم ليس كمثله حب آخرء وكل الأمهات الفقيرات يحببن 
أرلادهن» صبياناً وبنات. Le‏ ليس التدليل والإفساد بكثرة التدليل هو 
منتهاه. ولكنه الحب المسوى على نار الحياة القاسية كالبتاو. لا 
يضئعه وينضجه الوقود الصناعي ولا أفران المازوت» وإنما هو مسوى 
على حرارة شمس طبيعية لافحة ولكنها غير صناعية» نفس القانون 
الذي ينضج الخبز هو القانون الذي ينضج العواطف» هي العلاقة 
الحارة الحميمة بين الأم والولد» حب صاف منقى لأن هدفه الأعلى 
إنتاج رجل وليس إظهار الحب تدليلا لطفل» حب الأم فيه Lily‏ من 
حب الابن لها ولهذا فهي لا تستجدي حبه؛ أو لا تخاف من كرهه, 
تريده لنفسه رجلا ولا تريده لنفسها لعبة أو «عروسة» تهزها وتلهو بها. 


هكذا يراهاء بعين نضجة» الآن. 


ولكن الطفل فيه رغم حبه الشديد لها كان يكره ما تصوره أنه 
قسوتها وخشونتهاء بل وأحياناً عقابه ضرباً مبرحاً أو شكوى مرة لأبيه» 
أبوه آبداً لم يضربه أو يعاقبه مطلقاً عقاباً بدنياً. كانت كلمة : يا ولد 
يقولها غير عالية أو شاخطة ولكنها خارجة من عمق رجالي مرعب» 


0 العتب على النظر 





ery 


كالسكين المسنونة تندب في قلب الجسد في صمت. كلمة كان 
يخشاها ويرعبه مجيؤها أكثر من كل زعيق أمه وصراخها وضربها له 
«بالقنو»الذي تكنس به الدار والذي ليس سوى سباطة البلح بعدما 
اقتطعت من النخلة وذهب عنها بلحها وجفث وتغير لونها وأصبحت 
أداة النظافة في البيت وأيضاً أداة التأديب غير المؤذي. 

تدليل» لم تدلله.. 

خشونة مرضية كارهة أبدأ لم يتعرض لها.. 

شك في رجولته المبكرة أو لفظة سباب تجرح تلك الرجولة على 
عكس ما كانت تفعله pf‏ عيد جارتهم التي کثیراً ما كان يسمع صوتها 
في عز الليالي ملعلعاً يتهم ابنها بأنه عاد متأخراً لأنه لا بد كان مع 
الأولاد في حقول الأذرة» وصراخ وكلمات كانت تجعل سلطان يغلي 
دمه هو بالغضب حنقاً على تلك المرأة وإشفاقاً على صديقه ابنها. بل 
حتى ذلك الابن» رغم كثرة ما وجهته له أمه من طعن في رجولته» 
رغم لونه الأبيض الفاتح وشعره المائل للصفرة إذ كانت أمه من 
الدقهلية» لم ينشا ولم يحدث أبداً أن تحققت نبوءة أمه من أنه 
سيصير كذا حين يكبر» مثله مثل «شاهين» الطحان. وشاهين الطحان 
هذا كان ظاهرة من الظواهر الكثيرة التي تختص بها بعض قرى 
الأرياف سواء في بحري أو في الصعيد. رجل بالمظهر والشكل له 
لحية وشارب وإنما محلوقتانء ولكنه فيما عدا هذا أنشوي في كل 
شيء أخرء في طريقة كلامه» في مشيته» في التصاقه الدائم 
بالمجتمع النسائي في القرية وحتى في عمله» فقد كان يتاجر في 


١ 





err 


الزبدة والسمن والقشدة ويغوي شباب القرية المراهق بما هو على 
استعداد لدفعه من نقودء وله سمسار من صعاليك الشباب كان هو 
الذي يجلبهم له مقابل عطاياه» معروف ومشهور ومحل استنكار كثير 
من المتزمتين وأهل الورع والتقوى ولكنه عند الناس العاديين» بحكم 
طول المدة واشتهار خصاله. أصبح Job inp‏ الظواهر العادية التي 
لم تعد محل استنكار» وإنما أصبحت فقط محل سخرية البعض 
ومثلاً تضربه الأمهات لأولادهن إذا أحببن أن يخيفوهم من الميوعة أو 
إطالة الشعر أو «عوج الطاقية». 

اہداً ما جرحت أمه رجولته بالعكس كانت داثماً محل افتخار 
به» كل ما يذكره هو ذلك اليوم المشهود الذي دخلت أمه «زريبة» 
البهائم ذات ظهر صيفي كان الكل فيه نعسان أو هاجعاً هجوع 
القيلولة» هو فقط كان منفردا في الزريبة بحمارة عمه الذي جاء 
يزورهم من النجع المجاور. ولا يزال يذكر تصرف أمه الذي يعترف 
الآن أنه كان قمة في الحنكة, أو كأنها طبيبة أمراض نفسية» إذ حين 
فتحت باب الزريبة ووجدته على تلك الصورة» ورأت الذعر الخجول 
وقد جحظ من كل ملامحه وأسال» ctl‏ غزير cab nc‏ قالت وهى 
تستدير راجعة بأسرع مما دلت قائلة له من لف ظهرها: كيف 
تركب حمارة عمك من غير «بردعة» يا جحش... 


وهكذا أبرأته هي حتى أمام نفسه حتى لا يحس مطلقاً بأي 
حرج. أما حين ضبطته خلف كومة الحطب فوق السطوح مع الأرملة 
سعدية العمشة التي كانت تجلب لهم الماء. يومها انهالت عليه ضرباً 


59 العتب على النظر 





srt 


بالقنو» ولكنه أحس» وهذا هوما استغرب له. أنه ليس ضرب 
غضبء بل يكاد يكون ضرب أداء واجب بل إنه أحس أن في ثنايا 
شتائمها وتأنيبها نبرة تكاد تكون نبرة فخر بما رأت واكتشفت» كل ما 
في الأمر أن غضبها كان يبدو منصباً على اختياره للأرملة الكبيرة 
القبيحة وليس لأي سبب آخر. 


8 

من بعيد بدأت تترى نوبات سعال أبو المعاطي» يذيعها 
ميكروفون المسجد إيذاناً بتسليك زوره استعداداً لتسابيح الفجر 
وأذانه. كانت الدنيا لا تزال حالكة الظلمة؛ وكان النوم قد بدأ يتسرب 
إلى «الثور» فقد oly‏ رأسه تسقط فجأة فيفيق ملعوراً ويعيد رفعها 
بسرعة وكأنه ينفي عن نفسه تهمة أنه قصر في يقظته» وأن النوم 
cade‏ في حضرة السلطان اليقظان. وكأنما كان أذان الفجرء بعد 
الليل الطويل المستعيد لشريط الحياة إيذانا باختلاط الماضي 
بالحاضر في ذهن سلطان وذاكرته» أحداث صغيرة تقفز فجأة إلى 
وعيه قفز براغيث ليالي الشتاء لا يملك الإمساك بهاء وإذا أمسكها 
calif‏ ثم نوبات مناطق شاسعة بأسرها ضاعت من الذاكرة أو 
أضاعها هو بإرادته» فلم تتبع حياته آراءه ومبادئه بدقة ALLS‏ أو 
انضباطء كثيراً ما كانت تحدث الهوة بين الفعل والمبدأء بين ما يأمله 
وما يستطيعه» بين الدأب الجليل المستمر ثم نفض اليد فجأة» وكأن 
لا cau‏ وكأن ما يحاول تحقيقه أضغاث أحلام أو أحلام أطفال. مثل 

ذلك اليوم... 





to 


أجل» أجل» ذلك اليوم.. 

ظهراً كان الوقت؟ منتصف الليل؟ أبداً لا يذكر! المؤكد أن كان 
هناك وقت» وكان هناك رجل وكانت هناك استغاثة» طلب ملح» رجاء 
مليء بالعشم والاستغاثة. استغاثة يدرك صاحبها أنه لم يتوجه بها إلى 
الإنسان الخطأء إذ إن شهامته مضرب الأمثال. آنا وقعت من السماء. 
وأنت تلقيتني. قرار. نعم نعم يذكر جيداً أن كان لا بد له من قرار 
يتخذه. لا شيء عنده أسهل أيامها من اتخاذ قراره. في ومضة وفي لا 
وقت يكون حسبها وحسمها. الكل ينتظر ومتأكد أن الكلمة ستخرج 
من فمه» كما تعودت أن تخرج» جريئة مليئة بعين الحكمة» 
والحكمة عنده لم تكن التصرف الوقور المتزن» وإنما أحياناً أكثر 
القرارات جنوناً وحروجاً عن المألوف إذا كان الأمر والواجب يتطلب 
ذلك. 

مؤيدوه جاءواء عشرات» مثات» كثيرون وكأنهم آلاف» LS‏ 
قدراتهم جميعاً على الوصول إلى قرار قد أوقفت» أوقفوها أو 
توقفت» إذ يعرفون أن هذا ليس عملهم أو دورهم» ولكنه دوره الذي 
لا يستطيع سواه أن يقوم به بمثل ذلك الحزم والحسم وأصح 
الصحيح. 

كان العدوان قد حدث» أمام الملا cod‏ وكأن من قاموا به 
مجانين فقد كان الكل يعلم أن رده سيكون الصفعة في جبروت 
عنفوانهاء والركلة والإهانة ترد عشرات أضعاف ما حدثت به. 

كيف حدث » ما حدث؟ 


weal‏ النظ 
aa ۱۰۷‏ د 





۳۹ 


كيف وجد الرجل فيه ينكمش» والخوف وإجراء الحسابات 
داخله c ploy‏ وطال سكوته أو طال تردده إلى أن بدأت الهمسات 
تترى» وسحابة شك كثيفة تحجب وجه الشمس ووجه القوم ووجهه» 
وبدلا من زعقته المشهورة: اضرب يا ولد.. اضربي يا بنت» نحيلا 
خرج صوته em Spas lS,‏ كان ميا لم يراهق أو يخشوشن صوته» 
als‏ صوت che‏ أو رجل آثر أن OS‏ قراره Whe‏ وصوته ينطق به 
als,‏ صوت خنلى : أنا رأيي Lal‏ نفوتها عليهم المرة دي ونرضخ 6 
ونختار نحن بعد هذا وقت المواجهة ومكانهاء مع أن الجميع وهو 
على رأسهم يعلم أن هذه» هذه الساعة من الظهيرة بالذات. وقد 
تذكرها الآن تماماً. هي أنسب وقث» والاحتشاد للمواجهة لحظتها هو 
أقوى احتشاد» وأن معنى التأجيل ليس تفويت الفرصة. أو تأجيل 
المعركة » ولكنه» على بلاطة» الخوف والتراجع والهرب. 

وساعة طويلة ظل يحدثهم عن أهمية الوقت المئاسب والمكان 
المناسب واحتمال الهزيمة المؤكدة إذا لم يتم هذا بدقة. 

وانصرف بعضهم وهو لا يزال يتكلم» مع أن شيثاً كهذا أبداً ما 
حدثء. ولا أحد كان يتصور حدوئه؛ فالحديث تام الوضوح أنه nya‏ 
في تبريرء وأنه في داخله خائف يرتعش» وأنه هله المرة ليس 
بسلطان وإنما هو الى بهلوان السلطان ومضحكه أقرب.. 


أيهم أو dol‏ فقد كانت هجمتهم هجمة يائسين ظهورهم إلى 
الحائط» وموتاً بموت فعلوها وهم مدركون تماماً أن الهزيمة المنكرة 


١م‎ 





يضرف 


هي ما ينتظرهم» هزيمة» وهم يتصورونهاء ويرونها واقعاً وحقيقة» لم 
تكن بمرارة أي هزيمة أخرى تجاه أي خصم آخرء فالهزيمة أمام 
سلطان ليست ذلك العيب المخزي الذي يتحدث به الناس ليالي 
وأياماً إنما تكاد تكون نوعاً من الشرف» يكفي المهزوم فخراً أن الذي 
هزمه هو سلطان» ashe of,‏ وصلت حد أن يقف أمامه ندا فلو 
هزم - ومن المغروف أنه بالتأكيد مهزوم ‏ فيكفيه فخراً أن هازمه هو 
من لا يجرؤ أحد على منازلته. 


زعيم صار» صاحب الرأي والكلمة المسموعة والقرار. حين 
جاء وقت الجد والقرار يتحداه في عقر داره وعقر مذهبه تحول الى 
صعلوك من البشرء فولى الأدبارء» وإن حاول أن يبدو قراره قرار 
حكمة وروية» وهرولته الداخلية يفعلها بتؤدة ووقار الملك يستعرض 
في خطو الأباطرة العظام حرس الشرف» ولو كان قد أطلق العنان لما 
كان يحسه حقيقة ويود حقيقة فعله» لوضع ثوبه في أسنانه» وانطلق 
يجري جري الأرنب المذعور. كيف يتمطى الجبل thy‏ في النهاية 
فاراً, أم أن الفار فيه كان هناك طوال الوقت. إنما كان ينفش نفسه 
ويضخم صوته وغلظة جسده وحديثه ليخفي نفسه وحقيقته. 


أيام و ليال وبضع سنين ظل يحلل ويفتش خبايا نفسه» وبخبث 
يستدرج محدثيه وندمائه ليعرف لماذا في رأيهم فعل» ما فعلء لماذا 
خاف وارتعش وولى الأدبار؟ وفي معظم الأحيان كان يسكت بكل ما 
يملك من قوة الرغبة في السؤال والإجابة عن التساؤل إذ يكاد يواجه 
بما يشبه مر الحقيقة العلقم.. أنه أبداً لم يكن ذلك الجبار الذي 


mek‏ العتب على النظر 





SYA 


صنعوا حوله الهالة» ولا ذلك الشجاع الذي ترتعش لمرأه النفوس» 
أن الخارج فقط هو ما يظهره هكذا أما الداحل فكأنه كان طوال الوقت 
أجوف». فارغاً. مجرد طفل أعجبته صورة أبيه ورجولة أبيه وشجاعة 
أبيه فمضى يقلدها أو يحاول؛ وأنه رغم الجهد الجبار العظيم لم يتعد 
أبداً طور المحاكاة والتقليدء وأنه مجرد كذبة؛ الكارثة العظمى أنه 
صدقهاء ومن شدة إيمانه بها صدقه الآخرون. ساعة اللظى من ذلك 
اليوم الصيفي الحار ماذا حدث؟ وكأن لظاها أذاب هيكل الأسدء 
ails,‏ كان مصنوعاً من شمع أو صلصال» وكأن جلبابه قد فرغ من 
المضمون» ومنه وتبدى (USL‏ حين حاف حقاء لأنه لأول مرة ووجه 
في حياته بناس اعتقد أنهم لا يخافون منهء وفعلاء ممكن أن يفعلوها 
ويضربوه» ذاب مظهره الرهيب وتبدى الأسد على حقيقته فاراً 
اورا ولا شي ء غير فأر مذعور. 


٠ 


ولكن المسألة لم تتم هكذا ببساطة كالمعادلات» تردد في قرار 
أو حتى قرار ble‏ أو فلنصل بالأمر الى نهايته ونقول لحظة خوف 
حين جاءت ومرت» فإذا بها تتركه نتفاً ومزقاً. 

إذا كان الليل قد مر عليه مرور وابورات الزلط فإنه في الصباح 
كان ذلك الرجل GH‏ بالأدق ذلك الأصيلء الأسد» إعصار الترنح . 
الهزيل مضى » واستعاد القوام واعتدل. أنا أناء ما كنته وما سوف أبقى 
cade‏ مجرد خطأ في الحسابات جرى ولكن الله سلم.. 


١٠ 





۹ 


هكذا قال» وظل من ساعتها يقولها لنفسه. 

ولكن الناس بدأت تقول أشياء أخرى تماماً: 

لا تقولها نطقاً أو كتابة أو حتى همسات إشاعة؛ وإنما تقولها 
بعينيهاء بتبادل نظراتهاء بالعيون التي لا تطرف أو ترتعش مطرقة كلما 
واجهت عينيه» إلى عيون الند للند أصبحت أقرب» بل ربما عيون 
القاضي الى من يحويه القفص وقد أدانه ولم يبقى سوى النطق 
بالحكم. وكان كلما أدرك بذكائه هذ أحس أنه يتعرى Lalas‏ والفار 
الذي في أعماقه يرفع رآسه» ويجعله يتردد ويتلجلج وينتهي الى لا 
قرارء أو يؤجلها بأي حجة الى وقت مناسب ولا يجيء الوقت 
المناسب laut‏ وهكذا حين وجد أن منصبه يحتم عليه في كل وقت 
أن يأخد قرارأء قرر أن يخرج عن المنصب بل وعن القانون نفسه وأن 
يذهب الى عزوته وبلده ويكون عصابة رجال» ويصبح أبا رجال» 
ومن خلال درع العصابة يخيف الناس فيبدو كما لو أن قراره اللا 
Alpe‏ 


العادنة اي جرت كانت وكأنما ab‏ القدر في اللوح 
المحفوظ. مارا هو في عصرية عيد يمشي ساقيه وينفرد بنفسه بعد 
كثرة ما استقبل من زوار ومهنثين بالعيد» عادته السنوية التي لا تتغير 
حين يقضي أيام العيد الثلاثة في قريته Shy‏ ويتذكرء ويرى الزمن 
يغور بأثاره في الوجوه» ويستمتع بالأنوف الشامخة التي لم تكن 
تحفل به أو بأبيه وقد أصبحت تدين بالولاء المطلق. وتتدلى 
كالأغصان المرتخية فيما يشبه الذلة والمسكنة طالبة منه رضا أو نظرة 


ا التب هن ام 





3 


إدراك وتعرف» سائراً في العصرية يطوف بالحقول المحيطة بالقرية 
حيث كانت مرتع طفولته ومكمن ذکریاته» لمحه يقود «الدورج» وهو 
جالس على أريكته الخشبية التي لم تتغير من أيام الفراعنة يقرأ في 
كتيب نصف مطوي أصفر الأوراق باهتها. كان الطريق يؤدي بالضرورة 
الى الجرن الذي فيه الولد والنورج والقمح المصنوع دائرة واسعة 
يدرس. ويمهل كلما اقترب من الشاب الفلاح الجالس بالسروال 
والصديري المتأكل الوجه المهلهل في يوم العيد هذا يدرس القمح 
والكل في إجازةء ويقرأ من الكتاب الدفتر مع أن الفلاحين معظمهم 
أمي» بمهل يتقدم حتى أصبح ما بينه وبين الولد أقل من مرمى طوبة 
دون أن يحس الولد بوجوده» أو إن كان قد أحس لم يعط لهذا 
الوجود أهمية تستحق أن ينتفض هابطاً من النورج قادماً مهرولا مقبلاً 
الأيادي منحنياً إلى الأرض أمام عمه «السلطان» ‏ كما تعود أن يفعل 
الناس جميعاً من أكبر كبير الى أصغر صغير. ولكن البهائم EAB‏ تسير 
وعجلات النورج المسئونة تعوي وتئن والشاب جالس كأنما لا يدري 
بما حوله» وسلطان واقف مذهول مما يحدث,. إذ هو لأول مرة 


doy 
-وله!..‎ 


شخطته التي يعرف الجميع بصماتها انطلقت وجعلت الكتاب 
يكاد يهوي من يد الشاب وهو يحدق ناحیته» يحدق فقطء دون أن 
يفعل شيئاً آخر. أخيراً بعد لأي يقول: : 
- يلزم خدمة؟ 


\\Y 





4 


حدمة فى عيلك قليل الأدب ما اتربتش. cul‏ اسمك إيه يا 
ولد. . ابن مين يا بن الكلب؟ 

يا فندي ما تغلطش فيه لحسن أغلط فيك.. أنا مش حدام 
عندك. 

وعلى الزعقة والشخطة والوقفة » كان نفر من المارين قد هرولوا 
الى حيث الجرن» وكان أكثر من رجل منهم قد اندفع الى الشاب 
يجره من فوق النورج ويتطوع بزغده ولكمه وهو يقول له: ۰ 

مش عارف عمك السلطان يا حمار يا بن الحمار.. 

فعا کان اشا أنه لا يعرفه ولم يسبق أن رآه» ولكنه ما OL‏ 
ذكر اسمه حتى اصفر وجه الولد وأحس أنه وقع في محظور سبحان 
| لمنجي منه. 

وارتد الرجال إلى السلطان يعتذرون وكأنهم هم الذين أخطاوا 
ويشبعون الولد سباباً ولکماً طالبين منه أن يذهب ويقبل يد عمه 
السلطان ويستصفحه. ولكن السلطان أشار لهم أن لا داعي » فقط 
أعاد سؤاله : 

- انت ابن مين يا ولد؟ 

- أنا أحمد بن محمد الظحان يا سعادة الباشا. 

- الطحان؟! بتقول الطحان؟! 


وكأنما انفرجت أسارير الدنيا كلها إذ بدأ الباشا السلطان 


۱1۳ العتب على النظر 





4۲ 


يقهقه» والجميع يقهقهون» والولد حائر يحملق فيهم ولا يفهم شيئاً 
بالمرة» فمن الواضح أنه كان لا يعرف عن حكاية عمه شاهين 

- وريني بتقرا في ايه يابن الطحان.. 

وحالاً كان الكتيب ينتزع من يد الولد أحمد ويقدم الى 
السلطان في اعتذار edly‏ عن قدمه وتهرؤ صفحاته. باشمئزاز قلب 
السلطان الصفحات الى أن وصل الى الغلاف المتهالك المصنوع من 
ورق اللحمة ووجد مكتوباً عليه: 

موال أدهم الشرقاوي. 

وعاد السلطان يقهقه حتى ليكاد يستلقي على قفاه من الضحك 
والكلمات تختلط بالقهقهة: بقى يبقى عمك شاهين الطحان وانت 
بتقرا أدهم الشرقاوي.. وانفض الجمع والحادث» ولكن غيظاً ما كان 
لم ينفرج بعد من نفس السلطان» فأرسل يستدعيه في جلسبة 
المغربيةء تلك التي يتبهرج لها دوار الضيافة بالأنوار وقد أصبحت 
مصابيح كهربائية باهرة الضوءء وقد ارتدى جلباباً أسود من لون جلده 
وهات يا تريقة من سلطان والجالسين عليه وعلى عمه» حتى لقند 
وصل الحد أن قال له السلطان: عمك كان معاك زي الباقيين يا ولد؟ 
كان بياخدك في الدرة برضه؟. وهنا انطلق الولد مغادراً المجلس في 
عنفوان كلب قطع سلسلته» والضحكات تشيعه لا تزال. 

وربما لهذا السبب عاد الى السلطان بعض الغيظ الذي كاد 


11 





كان اليوم التالي يوم جمعة» Lares‏ السلطان في حاشيته 
خارجين من المسجد لمحوا أحمد الطحان قادماً من الحقل موحل 
السيقان بالطين يحمل تحت إبطه ربطة برسيم. 

- وضلالي وما بتصليش كمان» يبقى لازم عمك خدك لفة. 

وانفرطت دموع حقيقية من عيون الولد وهو يقول: 

يا فندي ما يصحش الكلام ده.. 

اانه ها من إت مه فقت اة Sidi‏ 
تعملها في عمك عيني عيلك الليلة دي.. 

وهنا حدث شيء لم يكن dot‏ يتوقعه أبداً.. 

cited‏ ألقى الولد بحزمة البرسيم جانباً» وقفز على السلطان» 
واضعاً ساقه خلف ساقيه» فتهاوى السلطان على الأرض كالشجرة 
الفارهة» وانقض الولد عليه وفي يمناه «الشرشرة» التي «يحشون» بها 
البرسيم وفي عينيه نار من قرر أن يذبح الرجل ليقتله فورا. 

اندفع أكثر من رجل ناحية الراقد والراقد فوقه فإذا بالولد يزأر: 

والله اللي حيخطي ناحيتي لجازر رقبة ol‏ . دهه.. 

وتجمد الكل في مكانه.. فالتفت الى السلطان وطرف الشرشرة 
مغروز في أيمن عنقه. ما هي إلا جرة واحدة حتى يذبحه ذبح الشاة» 
والنار لا تزال als‏ من عيئيه وقال : مش حاسيبك إلا لما تقول اني 
مرة. . قول.. 


al العتب على‎ \\e 





tit 


تعالت أصوات الاحتجاجات من حلف الولد وأمامه وقد أصبح 
هو والسلطان وسط حلقة لا نهاية لهاء ولكن الولد صرخ كالوحش 
الجريح : 

ئ اللي عنده كلمة يوفرها ووالله والله إن ما قالها Vir‏ لدابحه.. 
انطق.. قول اني مره. 

ولم ير السلطان مخلوقاً في عينيه عزم الجريمة كما رأى وجه 
الولدء ولم يحس هو برعب فوق طاقة البشر مثلما أحس وسن 
الشرشرة قد بدأ يقطع والدم يتفجر. . 

كان صعباً تماماً أن يقولها أو يتلفظ بها ولكن الموت أمامه ويا 
روح ما بعدك روح» حاول أن يستجمع رجولته ويشخط أو یزار أو 
حتى يسكت ولو جزت الشرشرة رقبتهء ولكن إرادته التي كانت قد 
تفتت منذ موقفه المتردد الأول» وتتابع تردداته» أبت أن تتجمع أو 
تقاوم أو حتى Leb‏ قراراً بالمقاومة. وأشد ما أذهله أنه لم يقلها 
بتسليم أو خضوع للأمر الواقع» ولكنه قالها وكأنه يتنفس الصعداء 
راحة: أنا مره. 

وتهدجت صدور الجماعة الملتفة وكأن السماء انطبقث على 
الأرض أو ols‏ الأسد قد تحول أمام أعينهم الى لبؤة» تهدج وأصوات 
همهمت قطعها أحمد الطحان بجبروث المنتصر WG‏ 


وبصق الطحان في وجه السلطان» ثم بقفزة کان قد أصبح 


AVN 





هع 


حارج الدائرة شاهراً شرشرته» مثيراً الرعب» وكان قد ولى SL‏ 
بحيث حين أفاق الجميع لم يجدوا له أشرأًء لا في بيته ولا في بيت 
عمه ولا في الحقول ولا في الأرض ولا في السماء. 


\\ 


وصحيح أن الشرشرة لم Jad‏ رقبة السلطان ولكنها كانت قد 
فصلث كبرياءه تماماً عن جسده. وغادر القرية ولم يعد لها أبداً.. 
حتى والموكب وقد صغر كثيراً یودعه» كانت جماعته تقول أشياء لا 
تقولها نطقاً أو حتى همسة إشاعة» وإنما تقولها بيديهاء بتبادل نظراتها 
بالعيون التي لا تطرف أو ترتعش مطرقة كلما واجهت عينيه » إنها 
عيون الند للندء وكلمات الوداع الهشة التي ما كانت تقال إلا جبراً 
للخاطر. 

الموت كان أرحم لهؤلاء الذين يفعلون مثله ويتصدون للزعامة 
والسطوة. يصبح الخيار بين الموت وهتك العرض» إذا كان لا بد من 
خیار» فالموت ولا شيء سواه يكون الخيار. 

يأتيها من تلك الزاوية أو code‏ لم يجز شعر رأسه ويصيسر 
أسداً أقرع له رأس اللبؤة» وإنما لم يعد ثمة ضرورة للكبرياء أو 
حتى الكرامة.. سيد الرجال قالها وأعلنأنهامرأة حتى لو كان إعلانه 
إنقاذاً للحياة» فهو إعلان قد تم وحدث» غيره يموتون فعلا من أجل 
مواقف أقل» غيره ممن لا يزعمون أنهم أسياد رجال أو أصحاب 


۱1۷ العتب على النقار 





££4 


سطوة أو زعماء أناس عاديون يقتل الواحد فيهم أو يقتل بسبب أقل» 
Jods‏ أو تل ولا ينطقها. 


تحييه ‏ ذلك الانسان ‏ كلمةء وتميته كلمةء وإرادته هي 
الأحرى تصلبها كلمة وترخحیها كلمةء ولا تتراخى الإرادة مرة» إنماء 
إذا بدأت الطريق الى التراخي لا تتوقف. فكل تراخ يقود الى تراخ 
أكبر حتى » لتضيق نفسه مرة ويجد أنه يقول : 


-لا بد أني لست بذلك الرجل الذي كتعه.. لا بد كان في 
داخلي طحان كشف عنه ذلك الولد بفعلته» ثم فعلاًء ما العيب أن 
يكون الانسان طحاناً؟ 


وفعلا یحس» حتى بجسده قد بدأ يتغيرء حريص ألا يكشفه 
أمام أولاده الشباب الكبار حتى لاحظ أن شعر ساقيه وصدره قد بدأ 
يقل» وينمحي تماماً من أجزاء» ويحس كلما نظر إليه شاب وأطال 
النظرء أنه يرى فيه ما deste‏ فيخجل» خجلا ليس مثلما كان 
يخجل حين كان السلطان» ولكنه خجل الخجلان من نفسه فعلاء 
الخائف على نفسه من الآخرين فعلاء الموشك أن يخفي كل قطعة 
من لحمه أو عضلاته كأنما ستفضح خحجله» أو تفضح أنه لم يعد أبداً 
ذلك الرجل الذي كانه. 


11۸ 





4۷ 


1۲ 


كان الشيخ أبو المعاطي قد انتهى من أذانه» وبدت الدنيا أكثر 
ظلاماً مما كانت قبل أن يحين أذان الفجرء ظلام يغري بانطلاق 
الهواجس والمكنونات» ولم تكن تلك المرة الأولى التي يجلس مع 
«الثور» أو يستبقيه الى قرب الفجر وما بعد الفجر» حتى لقد بدأ الولد 
يتساءل عما يريده منه عمه السلطان. ووصل به الأمر أن افترض أنه لو 
طلب منه مطلب الرجال من النساءء فماذا يفعل؟ لم يكن يدري 
بالانهيارات الداخلية التي حدثت لسلطان الى درجة of‏ مطلباً كهذا 
كان مستحيلا أن يرد على خاطره» ولكن أنى له أن يعرف أن الأمر قد 
بلغ بالسلطان الى منتهاه. وأن تلك اللقاءات الليلية بكثرتها قد فعلت 
فعلها وجعلت شيئا غريبا يرتبط في ذهن سلطان بها. كلام رجاله. 
كلام رجاله. راجل لراجل. راجل لراجل. الرجل يربط لرجولته من 
لسانه» هكذا كان الكل يعلم» ولكن هو وحده الذي بدأ يعرف أن 
الرجل أيضاً ممكن أن يفك من رجولته بكلمة» ينحل العقد الذي 
شب وهو يربط نفسه به وبرجولته. ولماذا لا يقترب من الولد «الثور». 
والدنيا ظلام » ولا أحد یری أحداًء حتى هو نفسه لا يرى ولا يريد أن 
يرى نفسه وهو يقترب ويقترب» والولد قد وطن نفسه على 
الاستجابة» فما باليد حيلةء وإذا بالطلب عكس ما وطن نفسه. 
مذهولاً لما حدث ويحدث. فرحان .أنه نجا وإن كان بطريقة أخرى قد 
وقع» غير مهم فالمهم أنه قد وصل إلى حالة يستوي معها هذا أو 
MMS‏ 


a الح‎ 114 





۸ 


وتم كل شيء والعرق اللزج الفائح برائحة كبرياء پتحطم » 
وعزة نفس تتمزق» وهوان يستسيغه ويستمتع به» روائح لا تفعل 
باحتلاطها إلا أن تثير الغثيان» ولكنها لم تثر أبدا غثيانه. 


كل الأسرار يخفيهاظلامليلة»حتى إذا تعددت الليالي قل ظلامها 
وكثرت شفافيتها وبدأ ینکشف ما كان يخفيه ظلامهاء وبدأت 
الإشاعات. باهتة تتنوالى على أسماع الناس» مستهجنة أول الأمر 
وكألما هي تجديف في حق ولي من أولياء cal‏ ثم بالإلحاح» 
تتعودها الأسماع» ثم تصبح شهرته كمثل شهرة شاهين الطحان» 
الذي كان قد ماث. وقيل إن أحمد ابن أخيه هو الذي استدرجه الى 
القناطر وأغرقهء غير أن صوته العالي 'الشاخط المرعب» وإن كانت 
قد انتابته ليونة» نفس الليونة التي انتابت جلده وعضلاته» إلا أنه كان 
لا يزال على 'عادته: يشخط يا ولد.. ويستجيب الناس لشخطة 
الزعيم» ولكن في أكمامهم يخرجون له لسانهم أو يكتمون ضحكة 
صاخبة عالية تريد أن تنفجر من صدورهم ذات مرة وتنهي المهزلة. 
ولكن.. أبداً.. ذلك الأدب المنافق الذي يتحلى به الناس» 
كان دائماً يحول بينهم وبين أن يجاروا أو يضحكو أو ينفجروا 
بالحقيقة.. 


نفس ذلك الأدب المنافق الذي جعله يستمرىء خضوعهم ولا 
Shy aye‏ أن يقولوا عنه ما یقولون» يخفون أو يكتمون أو يظهرون» 


۱۲۰ 





44 


LS‏ أسقط عنه ذات مرة برقع الرجولة» أسقط عله بنفسه برقع 
الحياف. 

ونصف نائم» نصف مستيقظ. نصف مخدور أو سکران» يتأمل 
جلده وكأنما بفخرء حين يوغل الليل» وهو في الفراندة أو في 
اللوكاندة. وأمامه فتحي «الفور» أو ابراهيم «الجحش» أو سعيد 
«البغل» أو صبري «الكلب». فلا يزال هو السلطان» لا يزال هو 
الأسد. 


lee Vy 


Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 





ied by registered version 





for 





Lf‏ سلطان من قانون الوجود 


Converted by Tiff Combine 








Li‏ «سلطان» قانون الوجود 


لا أعتقد أن أحدا ‏ حارج أسرة مدرب الأسود محمد الحلو قد 
حزن لمصرعه مثلما حزنت. 

ذلك أن القدر ليلتها ساقني لأدخل السيرك؛ وكانت ليلة 
الافتتاح» ولا أعرف لماذا ولكني بعد رؤيتي لعبة الأسود تنبأت أن 
حادثاً جللاً لا بد سيقع وأن قاهر الأسود محمد الحلو سيصرع على 
يد أو (ناب) أحد أسوده. بل بحت بالخاطر الحزين لمن كانوا معي 
ووافقني بعضهم, بينما لم يكترث الآخر وكأن الأمر لا يعنيه . 

وحين ly obs‏ تنبأت به لم أكن ساعتها أستعمل حاستي 
السادسة ولا كنت صوفياً قد أصيب فجأة بحالة وصل مع الذات العليا 
واتصال» ولا أعتقد كذلك أني ولي من أولياء الله . 


بل حتى لم أكن أعاني من نوية غربة تدفعنا أحياناً لتجريد 
الأشياء من دفئها المكنون وإفراغها من التفاؤل. 
بصراحةء لم أكن ساعتها [le‏ بأي شيء خارج القمع 





fo 


لضوئي المتهرىء المكفى عليناء يقتطعنا من العالم» ويقطع العالم 
be‏ 

وحينما لا يحدث الشيء صدفة» بل تكون أنت - أنت الإنسان 
العادي مثلي على يقين أنه سيحدث . 

وحين لا يحدث نتيجة خطأ أو اهمال. 

حين يحدث وكأنه لا بد أن يحدث . 


حينذاك من الممكن أن نقف عنده لأن الأمرلا بد هام 
وخطير» ويصبسح Like Lely‏ أن نعودء كلنا هذه المرة» إلى ذلك 
القمع الضوئي المقلوب نعيش الظاهرة التي دارت أحداثها المروعة 
هناك فمن يدري» ربما بعد أن نحياها نجلس» لأول مرة منذ زمن 
طويل على ما أعتقد Sai‏ ليس في محمد الحلو وإنما في أنفسناء 
من يدري» ربما تحدث المعجزة وحسناً أني كنت هناك» وأني شاهد 


Olle 
* 8 ¥ 
نصف الألعاب مضت» كاللب» نقزقزه قطعا لليلة أولى من‎ 
. ليالي رمضان‎ 


أثناء الاستراحة كان العمال قد أقاموا حلبة ترويض الأسود. 
في هالة من فرقعة الأسواط والجثير الذي تضخمه 
المكيروفونات (ليرعب (LAST‏ والصراخ والهدير وأصوات الخابة» 





gov 


دخلت الأسود. عبرت ذلك النفق الحديدي القائم بين محبسها في 
الكواليس وبين الحلية» ذلك القفص الحديدي صدىء وقديم. هذا 
صحيح » ولكنه حديدي أصلي وزيادة في الاحتياط مربوط بحبل قديم 
إلى العامود الرئيسي لخيمة السيرك. 

الأسود دحلت» أسود ستةء زيتية الصفار أو رمادية البنية أو بلا 
أي لون له اسم متشابهة, كثرتها تمنع عنها جلال التفردء 
وانكماشها يخلع عنها احساس الملك أو حتى احساس التوظف في 
قطاع عام . 

ما لبشت الأسود جميعاً بعد دخولها أن أخذت أماكنها على 
شكل نصف دائرة مقعية كتماثيل أسود قصر النيل» مادة أقدامها 
الأمامية فوق الحامل الخشبي الموضوع أمام كل منها. كل الأسود 
فعلت ذلك ما عدا الأسد قبل الأخير؛ ذلك الذي عرفنا فيما بعد أن 
اسمه (جبار) فقد أقعى فوق منصته رافضاً أن يمد أقدامه أمامه فوق 


الحامل. 


وتولى مذيع أنيق» غريب BUY‏ على المكان والناس والأجهزة 
وبائعي اللب والكازوزة» تقديم المدرب. وبصوت مؤدب» لا مبالغة 
في طبقاته (وهذا Lal‏ غريب) قال: الآن نقدم. . بطل الأسود. . 
وقاهر الملوك. . ملوك الغابة. . البطل محمد الحلو. 

انصبت أضواء الكاشف الوحيد على الرجل الضخم الواقف 
بجوار القفص. والذي يلتحف بعباءة لامعة براقة» هذا صحيح ١‏ 


۷ أنا سلطان من قانون الوجود 





0۸ 


ولكن يبدو وكأنما استعيرت من متحف ملابس الممثلين بالمسرح 
القومي . 

BD Lady رايا قبلا‎ ab fell احا فا‎ Ls, 
(الجمباز) في لعبة سابقة » يقود فريقاً من أكثر من عشرة أشخاص‎ 
يشبه‎ Loy ينولون» ويتولى معهم القفز العالي والدحرجة والقيام‎ 
يقوم به إنسان واحد»‎ OY المستحيلات» وهو عمل يكفي وحده‎ 
المهم» فتح الباب الوحيد في القفص الحديد الداشري» ودخل‎ 
وتولى العامل إغلاق الباب وراءه‎ LU الحلوء بعظمة ملك يلج قبواً‎ 
. . بترباس متين‎ 

لاحظ محمد الحلو على الفور أن (جبإار) لا يمد قدميه كما 
ينبغي ) ومن فوره اتجه إليه وحاول أن يصحح الخطأ لتصبح نصف 
الدائرة كاملة» نصف دستة من ملوك الغابة الرابضة المقعية الخانعة» 
وهو بينهاء ملك الحلبةء وملك الملوك» وملك السيرك وملك الليلة . 

تناول الحلو سيخاً حديدياً طويلا مدبباً من طرفه» ولكن طرفه 
ذاك معلقة به قطعة لحم صغيرة جداً (عرفنا فيما بعد أنها ليست لحم 
عجول وإنماء لغلو الأسعار» فهي لحم حمير). وانقض الحلو 
بالحربة الملغمة بقطعة اللحم (وكأنها سيف المعز وذهبه) تجاه الأسد 
آمراً coll‏ أن يمد قدميه. ولم يحدث سوى أن الأسد نام بمنتهى 
الحزم ورفض أن يستجيب. حاول الحلو مرة أحرى» نفس النتيجة. 
الحلو فوق بطولته. رجل استعراض مدرب. ان مسألة التمرد أو 
الطاعة أشياء لا تهمه بالمرةء المهم أن ينجح العرض» وألا يبدو هذا 





£۹ 


التمرد الواحد واضحاً للعيان . 

وهكذا نفض يدأ من مسألة جبار بسرعة وبصرخة هائلة ركزت 
الأنظار عليه وعلى الأسود الخمسة دافعة أقدامها فوق الحامل 
الخشبي» وراكعة. وحينذاك فقط تولى محمد الحلو تقديمها. فكان 
أولها من ناحية اليمين (سلطان) الذي عرفا OW‏ جميعاً أنه هو 
المجرم الذي نهش جانب الحلو وأدى لمصرعه» وكان المتمرد اسمه 
be‏ والباقون أسماء من هذا الطراز الحائز على صيغ كثيرة للمبالغة. 

كان على الحلو بعد هذا أن يرفع الحوامل الخشبية من أمام 

الأسود ليستعد لعرضها القادم . 

وهنا فقط بدأت أنتبه . 


كان يتقدم من الأسد» ناظراً في cane‏ آمراً إياه بهما على ما 
يبدو أن fies‏ ) ثم بيديه» ودون أن يغير من نظرته. يتولى قذف 
pablo Joel‏ وهكذا. . 

رتت النتخاولات aN‏ الأولى بنجاح» وعند جبار الذي OLS‏ 
حامله خالياً من أقدامه, ما كاد الحلو يقترب حتى زأر الأسد فجأة 
واقترب برأسه من المدرب هاما بالتقدم FSM‏ 

وهنا لمحت ارتدادة خوف سريعة من المدرب . 

بدأت أنتبه أكثر. 

ليس توقعاً لما هو قادم من ألعاب 

وإنما لما هوأهم. لتلك النظرة الصادرة من عيني الأسد» 


4 أنا سلطان من قانون الوجود 





gv 


والنظرة المنصبة تجاهها من عين الحلو. أحسست أن اللعبة الحقيقية 
الخطرة هناء وأن في الوضع ما يزعج » على الأقل يزعجني أنا. . 

الليلة الافتتاح هذا صحيح . ومآزق الافتتاح معروفة» كم جربها 
أولئك الذين قدر لهم أن يكون عملهم» مهما كان جهدهم أو 
ابتكارهم أو كدهم الخاصء مسألة تقديرها ليس في يد رئيس أو 
مجلس» إنما في يد جمهورء يقزقز اللب» ويجرع الكولاء وبمنتهى 
البساطة يصعد إلى السماء أو يخسف, أحيانا بأعظم الأعمال قيمة» 
إلى أسفل سافلين. 

الليلة الافتتاح» والجمهور كثيسر, والأضواء هي الأضواء: 
والسيرك هو السيرك» ولكنه زمان» في أول إنشائه كان سيركاً 
متلألئأء صاخب الجمهور» غني الأضواء. كان SLI‏ ذلك المكان 
الذي قصد بالسيرك أن يكونه. المكان الذي تدخله ليخلب لبك» 
لتعيشه تماماً. تنسى نهائياً أن في الخارج حياة وأحياء ومشاكل . 

وأيضاً' كان السيرك للاعبين حلبة صراع . أمام جمهوره الحافل 
تتفجر بطولاتهم . يغامرون حتى بالحياة وهم يتأكدون أن الموت في 
غمرة المجد والأضواء واحساس النفس المصرية الممتد بالبقاء 
والخلد. شيء بالمرة» لا يخيف. 

ونحن الآن في سيرك رمضان عام VY‏ 

أنا شخصياً لم أكن أريد الدخول» ولكن لأنه على الأقل أمتع 
بكثير من مسرحيات الصيف التى ننفرد كل منها برائحة نتنة خاصة» 
الك ۰ 





ولكن أي سيرك . 

إنك أحياناً لا تحس بالشيخوخة والكبر إلا حين تقابل زميل 
دراسة سابق أو صديقاً له نفس سنك. وحين دخلت الخيمة لم يكن 
في كل ما رأيته شيئاً سخيفاً أو عجوزاً أو غير عادي . المشكلة أن كل 
شيء كان طبيعياً وعادياً وكأنك داخل إلى ديوان حكومة أو تعبر حديقة 
sds‏ 

لم يدهمني ذلك الاحساس أنك انتقلت فجأة من عالم سطفي 
أو قليل البطولة والنور إلى عالم مليء بالوهج» بالخوارق» 
بالمعجزات» عالم يبهرك ويحفزك إلى الخوارق والبطولات . 


ear aac فعا انتقلت من شارع مزدحم إلى ميدان‎ gs 
ما‎ Led بالكراسي هذا صحبح؛ كثير الجمهور هذا صحيح؛ ولكن‎ 
حدث للكشافات فجعلها مسلطة أساساً على الجمهور, تنير الحلبةء‎ 
ولكنها بإضاءتها للمشاهدين تجعل من تلك الرجوه جزءا من‎ 
. العرض‎ 

. وجوه.‎ oly 

نفس الوجوه. . 


المتزاحمون الغارقون في العرق أمام الجمعيات الاستهلاكيةء 
فى ممراث الأتوبيس وعلى سلالمهء المتوقفون فراغاً لمشاهدة 
خناقة» الجاعلون من (السلطة) على مائدة الافطار مسألة حياة أو 
موت» تفنناً في صنعهاء انتقاء لمكوناتها وبهاراتها ومخللاتها. 


Uf ۱١‏ سلطان من OU‏ الوجود 





۲ 


وجوه , + 


وجوه كثيرة تلمح بينها وجوه الأشقة العرب» وتستمتع بمرأى 
الكروش المصرية المتكومة باسم الله ما شاء الله تصنع لكل كرش 
رجلا ورأساً وملحقات. النساء وقد بدأت مودة الطويل تنتشرء أقصد 
الطويل التخينء فقد بدا واضحاً جداً آثار مربة خرز البقرء وإلا فهي 
آثار (العلف) أوشيء لا بد شبيه بالعلف. 

وجوه» ظللت طويلاً والكشافات تنصب على معظمها أتأملهاء 
أتأمل ما يرتم على ملامحها من تعابير» وعبشاً ما كنت أحاول» 
فالأبخرة الدسمة المتصاعدة من معدات تجأر بمحتويات الإفطار» 
والعرق المتصبب من تلقاء نفسه من صدور وبطون بالكاد تلهث 
لتؤدي وظائفهاء بالكاد إذا تجشأت [bead‏ 

أنوار كاشفة مكشوفة مسلطة على وجوه لا تعكس الضوءء 
بعضها بالدسم يمتصهء وبعضها لقلة التغذية يمتصه أيضاًء وحلبة 
متربةء والحضور المسرحي لا وجود cal‏ فلا جماعة» وإنما عائلات 
وأفراد لا يجمعهم ذلك الرابط العام الذي يخلق جو العرض ويحيطه 
حتى المهرج من فرط ما لحث دوره من خطوط تؤكد دوره ‘Eres‏ 
لا يهرج. العمال الذين يقومون بالإعداد للألعاب يرتدون (بدلا) لا 
بد أن أصلها كان شيئاً آخرء ربما لباس صعيدي» ربما قلع مركب 
ربما ممسحة بلاط. زرقاء كل بدل العمال زرقاء. ولكن كل أزرق 
منها له لون» وفيها زرار» على الأقل لمحت زرارين» ومع هذا 
فجميع بنطلوناتها بلا زراير وبلا أحزمة أو بأحزمة تصلب الوسط فقط 


\Y 





ev 


وتترك البنطلون يأخذ الوضع الذي يحلو له وينفتح من أمام بأي مطلق 
من الحرية يراه. المنضدة التي تقدم عليها لعبة الوقوف فوق 
الزجاجات والتي لو كان بها أي خلل ممكن أن تؤدي بحياة اللاعب» 
لا تصلح Shel‏ للارتكاز على أربع» وإنما لا بد لها من سنادات» ولا 
بد أن تتأمل حكمة الكون أو تفكر في اعتزال الدنيا وأنت ترى منضدة 
المطبخ تلك؛ التي لم تطل من عشر سنوات» وأربعة عمال بأربعة 
أقراص مدورة بأربعة بنطلونات مفتوحة بأربع جاكتات (زعر)» 
يدخلون» ليزنوا الأرجل الأربعة. ما فائدة أن أتحدث عن اللعبة 
نفسها إذا كان هذا هو حال المنضدةء وإذا OLS‏ حال اللاعبة التي 
تزامل اللاعب ومفروض أن تساعده أدهى » ذلك أنها سمينة إلى درجة 
مزعجة ترتدي جورباً من جوارب (الباليه)» جورب من سمك الجسد 
والأرجل والأرداف التي يحتويها ومن طول ما احتواهاء تفتق في أكثر 
من مكان (ربما لهذا سموهاء أي ذلك الغذاء المسمن» المفتقة). 
UL‏ لن أتحدث عن اللعبة أو حتى لو كان صاروخ قد أطلقته فتاة 
كتلك من فوق منضدة كهذه المنضدة ليصل: إلى القمر» حتى لوتمت 
بهذه الأزياء والمناضد والجوارب جراحة تحيل الدودة إلى إنسان» 
فالمعجزة, أي معجزة» تكون قد انتهت من نفسك قبل أن تبدأء 
انتهت» وانتهت. معها ليلة من ليالي العمر. فالسيرك قام» ليخلب 
اللب» ليبهرء لينقلك إلى عالم غريب حافل بالألوان والبطولات 
والجمال والمعجزات . 


ولكن اللعبة.الخطرة كانت قد بدأت . 


۳ أنا سلطان من قانون الوجود 





55 


لعبة ترويض الأسود. 


وأنك حقيقة في سيرك . 
ولكن» حتى هذه اللحظة أفسدها te‏ ذلك السؤال الملح : 
من أين جاءني ذلك الشعور أن شيئاً ما سيحدث؟ 


ملت على جارتي أهمس Buh‏ فإذا بها تنظر لي باستغراب 
حقيقي » فهي الأخرى كان لديها نفس الشعور. 

المسألة إذن ليست وهما. هناك في الجو شيء يخيم . 

ليس وافداً من کون آخر. 
الحلبة ذاتهاء وحتى ليس من شيء بعينه في الحبلة» في الحقيقة 
qh‏ من كل شيء تضمه الخيمة» من الحيوانات والكاشفات» 
والأشياء والبشرء من جارتي » ومني » ومنك أنت لو كنت هناك . . 


مضی الحلو يتحرك»› يحبي 6 ينقل الأشياء داخل القفص» نفس 


الحركات التي تعود أن يفعلها من زمن طويل. لا جديد فيما يفعل؛ 
لا جديد في الليلة إلا عصبية ليلة الافتتاح المؤقتة المعهودة» حتى 


15 





£10 


الوجوه› الوجوه كلها داخل القفغص وخارجه ظل Lal.‏ حتی لم يعل 
يراها. 

النظرة المتبادلة بينه وبين الأسد» سلطان كان أو جبار» هي فقط 
ذلك الشيء الجديد» في الليلة وفي حياته . 

الرجل محبوس مع ستة أسود في قفصء وحياته كلها وهو مع 
الأسود في قفص . 

والأسد» بالتاكيد هو الأسد. . 

ولكن الرجل» هل الرجل هو الرجل؟ 

والرجل ليس الحلو وحده. الرجل هو كل من تضمه الخيمة 
لاعبا أو عاملا وعازفا ومتفرجا هل الرجل نفس الرجل؟ 

بينه وبين نفسه , ey‏ وبين أهله وجيرانه وأصحابه. AR‏ لد 
عمله أن يروضه؛ هنا يحس الرجل أن شيئاً ما حدث. كانه Lasts‏ 
يفول Uf‏ البطل» حتى من غير أن يقولها كان يقولها بنظراته يقولها 
بمشيته » بقهقهاته› بالعاملين من حوله» حنى الأسود نفسها كانت 
تقولها . أنا oll « Wadi‏ الوائق المتأكد. 

أيكون ما aly‏ هو لحظة شك. ولكنء من يكون إذن إذا لم 
يكن البطل. 

من الآن. . أنا؟ . . 


كنت أرى الئاس أكيلة عيش» وأفندية» وبورمجية» وجدعان» 


5 أنا سلطان من قانون الوجود 





£14 


ولكن من بينهم أنا البطل. هم أيضاً يرون أنى البطل. يصفقون 
للبطولة حتى لو تجسدت في غيرهم» في شخصي أنا. 

الآن حدث شيء. ألم يعودوا يرونني بطلا؟ أم هم لم يعودوا 
يريدون البطل» أي بطل. أيكون الأمر أني أنا شخصياً لم أعد أحفل 
أن أكون عليهم البطل؟ أيكون الكفر المزدوج قد حدث. كفرت أنا 
بهم وكفروا هم بي وجميعاً كفرنا حتى بوجود بعضنا البعض. والبطل 
مثل اللا بطلء والميت كالحي» والحي كالميت» والمومس كالفاضلة 
والحرامي كالشريف, الأمس كالغدء الأمل كاليأس. 

إن البطل لا يولد وحده. 

البطل يخلق. . 

ولا بد كي يوجد ويعيش أن يترعرع في ظل إحساس عام 
بضرورة البطولة » بروعة البطولة» بتفرد البطل . 

ولا يمكن لفكرة البطولة أن تترعرع في جو عام كهذا وحدها. 

البطولة قيمة» ولا بد أن توجد وسط محصول وافر من القيم . 

لا مجد للبطولة» بلا مجد للكرامة؛ بلا مجد للنبوغء بلا مجد 
للشرف. . بلا مجد للعمل الصالح . 

وأيضاً لا توجد البطولة» بلا جو عام تلعن فيه اللابطولة. تجتث 
كالحشائش الضارة منه» وتجتث معها حشائش سامة أخرى كالجبن 
كالتفاهة كالنفاق كالكذب . 


Ll‏ حين (ينجح) الجميع › المجتهد» والغشاش والمزور والأبله 


15 





۷ 


والنابغ . حين يصبح لا فرق» لا أعلى ولا أسفل» لا أرفع ولا أحط. 

حين تمضي الحياة بامتحان لا يرسب فيه أحد» ولا يتفوق 
أحد» ولا يفصل أحد. حين يحدث هذا. ماذايبقى من الإنسان؟ 

وإذا كان هذا السؤال لم يعد يهتم أحد بأن يجيب عليه بلهء 
أن يطرحه» فإن هناك أناساً في حياتنا لا يستطيعون أبداً اهمال 
السؤال» فهو فارض نفسه عليهم فرضاً ولا فكاك منه. هؤلاء هم تلك 
النسبة فينا التي تحيا وجهاً لوجه مع الخطر. 

وبالذات مع خطر من هذا Cp‏ 

فمحمد الحلو يواجه هذه الوحوش الضارية ويمنع Lajas‏ بما 
يملكه من إرادة البشر وقدرتهم وما فيهم من بطولة أو قدرة على 
البطولة . ' 

أليس من المهم إذن لمحمد الحلو أن يعرف» في تلك 
اللحظات التي ينغلق عليه فيها القفص ويصبح وحده أمام الخطر ولا 
مغيث » أن يعرف ماذا بقي فيه أو له. 

ماذا بقي من البطل؟ 

* # % 

تصفيق الناس للألعاب في السيرك» له معنى مختلف عن أي 
تصفيق آخرء يحمل معنى إنسانياً عميقاً جداً. هناك أبدأ أنت لا 
تصفق مجاملة أو مجاراة. بصدق تصفق. والعمل الذي ينتزع منك 
التصفيق ليس أي عمل .. كلما اقترب من قدرتك على القيام به كلما 


\V‏ أنا سلطان من قانون الوجود 





4۸ 


بهت وفق أهميته. كلما استحال عليك القيام به كلما Sp‏ وازدادت 
حدة تصفيقك . 

ليلتها كان للتصفيق في أذني وقع غريب. فمهما بلغت اللعبة 
أمامنا من مهارة» ومهما احتوت من إعجاز وبطولة» فالتصفيق حتى 
فى أعتى موجاته كان دائما يبدو فاترا ailSy‏ صادر عن جمهور قد قرر 
sess‏ ذي بدءء أن لا يقيس أي شيء بمقياس قدرته عليه أو 
استحالته, وكان أي شيء وکل شيء يبدو مستحيلاً تماماً أوحتى 
ممكناً تماماً. لا فرق. 

كان في الحقيقة نرعا من تصفيق الخجل إذا لم تصفق . 
تصفيق أداء الواجب تدفعه كثمن التذكرة» كالضريبة» وأمرك لله . 

وكانت مضخات اللاعبين تجأر قواها في محاولات مستميتة من 
أجل الوصول إلى مياه الجمهور العميقة وسحبها لتصعد إلى مستوى ما 
يقومون به من بطولات كي تسكب بعد هذا شلالات حماس 
وإحساس وانبهار. ولكن المياه ظلت دائماً أبعد من مدى المضخات» 
وأبعد. 

ماذا كان قد بقي من البطل محمد الحلو؟ 


40# «# 


ذلك الذي بدأ حيائه في ساحة السيرك» صبياً يلعب» ويفرح 
أنه يلعب» وفوق هذا يكسب, ثم حالماً بالبطولات يحلم, ثم بطلا 
يحقق الأحلام وبالسعادة القصوى يتمتع . الجمهور يجار ويزأر cb‏ 


\A 





2۹ 


وهو يفتل نفسه كي يجعله يجار أكثر وأكثر. الدفء حوله وفي داخله , 
الحياة حلوة. الأمل عريض. حتى النقود بجلالة قدرهاء وفي 
لحظات كتلك. لا تهمه بالمرة. 

حين تختار أن تكون مروض وحوش » أو لاعب ترابیز» أو طيار 
اختبار وتجارب فصحيح أنك تأكل عيشا بهذه الوسيلة» ولكن لو كان 
أكل العيش وحده هو الهدف لما اخترت Uf‏ منها أصلاء ولجأت» 
مثلما يلجأ أكيلة العيش إلى أي عمل ol‏ حال من أية خطورة كما 
يفعل الملايبن من الناس أكلة العيش والأرزقية. 

ذلك أنك تختار هذا العمل لتسعد ذاتك أولاً ولتثبت لنفسك 
وللناس قدراتك . 

فإذا لم يعد مهما أبداً لدى اناس أن تثبت بطولتك» ولا حتى 
لديك أنت نفسك. 

فماذا يبقى منك؟ 

أكل العيش؟ 

أجل أكل العيش كان هو الإنسان الذي يواجه الأسود وحده في 
القفص المغلق . 

الخيمة كلها أكلة عيش متفرجين وعمالاً وبائعي كازوزة ولكن 
الذي وزع الأرزاق جعل الآخرين متفرجين. 

كلهم يتفرجون. 

ويصفقون. . 


4\ أنا سلطان من قائنون الوجود 





ty: 


ذلك التصفيق الفائر. . 

الناجحون جميعاً في امتحان الحياة. 

النافضون يدهم من كل شيء» الضيقون بأي شيء» الراضون 
حتى عن السخط. والساخخطون حتى على الرضاء الذي انسحبت 
منهم مياه الاندماج الحي ل ة 
خلجة انفعال أو نبضة حماس أو لحظة غضب 

أكل العيش وحده مع أكلة لحوم a‏ 

والقفص الحديدي مغلق. 

ومن بين أنيابهم عليه أن ينتزع لقمة عيشه. 

# # * 

تلفت حولي . 

لا تغير Sh‏ في انفعالات الوجوه. 

لا أحد يعرف . 

حتى هو نفسه» محمد الحلوء لا يعرف . 

الوحيد» في الخيمة كلها الذي كان يعرف هو الأسد نفسه. 

الأسد ملك الغابة لأنه ملك الإحساس. 

خطره الأعظم أن لديه القدرة دائماً أن يعرف» وعلى وجه 
البقين» إحساس من أمامه . 

وإذا اشنم أنه خائف منه انقض عليه. 

فالغابة ليس فيها إلا المخوف والخائف» تلك هي العلاقة 
الوحيدة ذلك هو القانون الأعظم . 


Ye 





۷١ 


كل خائف من حيوان يخيف بدوره حيواناً آخر. 

إلا الأسد. . 

الجميع يخافونه وهو لا يخاف أحداً. 

الحيوان الوحيد الذي يخاف منه الأسد. 

هو الإنسان. 

أو بالضبط هو ذلك الإنسان الذي بما منح من ذكاء وإرادة 
وسلاح يستطيع أن يواجه الأسد وهو لا يمثل أنه خائف منه ولكن 
حقيقة وصدقاً غير خائف منه» بل ربما شاعر أنه الأقوى. 

ولا بد لكي تروض الأسد أن تروض نفسك أولاً بحيث تصل 
إلى الدرجة التي تواجه فيها أسداً أوعدة أسود وأنت غير خائف منها . 

الأسد وحده أدرك أن ذلك الرجلء الرجل الذي يعرفه جيداً 
وتعود منه دائماً أن يمد أصابع نظراته الغريزية إلى أعمق أعماقه فلا 
تنبئه الغرائز إلا ob‏ الرجل ليس فقط غير خائف منه ولكن بأمره وينهره 
ويملك إرادة وثقة بنفسه أقوى بكثير مما لديه هو الملك وأن عليه إن 
أراد البقاء أن يخاف ويطيع . 

ولا بد للإنصاف هنا أن أذكر أن إنساناً آخر في الخيمة كان 
يعرف . ذلك الشاب الذي ما توقف. لحظة واحدة عن الطواف حول 
القفص وملاحقة نظرات الأسود التي تلاحق الحلو. ذلك الشاب 
الذي عرفت فيما بعد أنه ابنه والذي خلفه. كان هو الآخر بغريزته 
العظمى يعرف ويدرك» فهو يعرف الأسود جيداًء رباها مع al‏ 


Uf ٣‏ سلطان من قانون الوجود 





ivy 


وصاحبهاء ويعرف أباه جيداء ويعرف لا بد كنه هذه النظلرات 
الخارجة من عيون الأسود ومعنى تلك النظرة التي تواجهها والخارجة 
من عيول أبيه . 

وحتى ما تلا هذا من > IS‏ لم تغير الموفف. 

إن محمد الحلو مدرب قديم» باعه طويل؛ وجراب خبراته 
مليء» إن المسألة ليست شجاعة وبطولة فقط. إنها أيضاً مليئة 
بالصئعة والحنكة والدهاء , 

ها هو يخرج من الجراب كل ما تملك أصابعه التي لا بد 
أصابتها رعشة خفيفة لا تلحظ» كل ما تملك أصابعه إخراجه. بقية 
الأسود تلعب» والجمهور يصفق» وكل شيء يمضي وكبأن لا حطر 
البتة هناك, ولكن الرجل ليس نفس الرجل . إنه هذه المرة خائف, 
هكذا راحت تدق أحاسيس الأسد الغريزية وتؤكد. في يده الرمسح 
المدبب المرعب ولكنه يرتعش. النظرة خارجة من عينيه ليست 
واضحة با وحاسمة» إنها تتردد. إنها تحسب. إنها تراجع, إنها 
تحوم» أبدأ ليست نفس النظرة. 

تلك كانت الليلة الأولى . 

الليلة التي أدرك فيها (جبار) هذا الإدراك. 

ولكن الذي قتل محمد الحلو هو (سلطان) . 

وعضه في الليلة التالية. 

فجبار حديث المعرفة بمحمد الحلو. 

لا تزال العلاقة بينهما علاقة من يخاف من. 


ty 





ivi 


ولهذا كان هو أول من أدرك أن الآخر خائف. 

Lil‏ (سلطان) فأمره مختلف. سلطان قضى عمره كله يعرف 
الحلو ويخاف منه» ويطيعه» والليلة الأولى» مثلها مثل كل الليالي 
الأحريات» مرت» وسلطان يقوم بما تعود القيام به من ألعاب» al‏ 
الحلوء فيطيم» يكافثه» بلحم الحمير» فيسعد. الحيوان الذي فيه 
كان غافلاً مستسلماً كالعادة للطبيعة الجديدة المتمدينة المروضة التى 
تكونت له. في الليلة التالية فقطء عرف سلطان. ۰ 

thes‏ وللمرة الأولى» يدب في غرائزه العميقة ذلك الشعور 
الذي لم يخالجه أبداً. الرجل . ذلك الرجل الذي يخاف منهء الليلة 


خائف , 
يقترب منه الحلو لأداء اللعبة . 
يزأر. . 


يصبح لنظرة الرجل تشتت غريب لم يعهد. 

ولوكان الأسد يعرف الاستنكار لاستنكر أن يحدث هذا. 

فما حدث بالنسبة إليه شيء لا يصدق» إذا كان الأسد يعرف ما 
يصدق وما لا يصدق. 

للأسف هولا يعرف إلا لغة واحدة يتفاهم بها مع الكون 
والأشياء والحيوانات والناس من حوله» ومع الرجل حتى ذلك 
الرجل. لغة لا تحتوي إلا كلمة واحدة. كلمة لا وجود لها إلا في 
لغتنا نحن » ولكن الكلمة التي إذا جاءته من الرجل 6 أحس أنه أصغر 





V4 


وأضأل وأضعف وأجبن وأن عليه أن يرضخ . نفس الكلمة التي إذا 
رآها في عين الرجل أحس أنه هو الأقوى والأعظم والملك وأن عليه 
أن يفتك , 

لا. لم يكن يريد عض الحلو أو قتله. 

ربما أراد of‏ يتأكد. . 

ربما أراد أن يستفز الرجل ليقرأ في عينيه نفس النظرة. . 
الكلمة التي تعود إذا رآها أن يركع ويخضع . 

Libs alt‏ كنا تتفل المدرب حن Leo pity‏ رمه زار 
ليخيف المتفرجين كي يزدادوا تقديراً لبطولته. أراد أنيستفز محمد 
الحلو بانقضاضه أو بمخالبه أو بأنيابه › لينتفض له» مرة أخرى» ذلك 
الرجل الذي تعود أن يجبن أمامه. 

ولکنه ماكاد يستثير وينقض ويدفعه حتى سقط. حتى انهار Labs‏ 
وهو في أقصى درجات الرعب» حتى أطبق على الخيمة كلها رعب 
أكثر من رعب الحلو نفسه . 

وهكذا فجأة أدرك الحيوان العميق المستسلم لقيوده ومصيره 
وخوفه أنه كان مخدوعاً. aly‏ الأقوى والأعظم والمسيطر والملك . 


واندفع ينهش لحم صاحيه المدرب» ويعضه) ويكسر قيوده 
ويستعيل نفسه , 


ونستغرب بعد هذا لماذا صام (سلطان) عن الطعام وقضى 
الأيام التالية حزيناً. 


"4 





۷9 


الحزن في رأبي كان سببه أنه أبدأ لم يرد أن يحدث ما حدث. 

أن الأسد حيوان ليس الغدر في طبعه. 

. الوفاء عنده» غريزة‎ AIS, 

وهولم يقصد أن يغدر أو يفترس أبداً صاحبه . 

أراد فقطء كل ما أراد» أن يستمر على وضعه BLE‏ من ملكه 
وصاحبه ومدربه وسیده. أراد» کل ما أرادء أن يجعله يشعره مرة 
أخرى أنه الأقرى والأفدر. 

كان متأكداً أنه سيقابل هجمته بهجمة أشد منها. 

كان یعبث» كما تعود أن يعبث؛ حتى ally‏ العقاب» كما تعود 
أن cally‏ ويسعد بعودته للخضوع والطاعة والذلة . 

وحين سقط الرجل» حين سقطت الهيبة الضخمة وضصاع 
الصولجان.حين لم يعد باقياً أمام سلطان إلا أن يحس بالشفقة على 
صاحبه فيطبطب عليه ويأخذه بيده وخاطره» لم يستطع للأسف أن 
يفعل. فالأسد. كالحيوانات» كالغابة في أساسهاء لا يحس بالشفقة 
على أحد. ولو کانت الشفقة قانوناً من قوانين الوجود لماجت الحياة 
وازدحمت بأشكال وأنواع وأنماط ركيكة عاجزة لا تصلح للحياة وإن 
كانت تصلح للشفقة. الأسد | إذا لم يخف» خوف. إذا لم يخف أن 
يؤكل خوف ob‏ يأكل. وإذا لم يجد التخويف» أكل فلا ورا 
هذه هي طريقته في اظهار الشفقة. أن يأكل من لا يعتمد في بقائه 
b>‏ إلا على إحساس الآخرين بالرثاء والشفقة. 


* * # 


UT Yo‏ سلطان من قائون الوجود 





4 


إلى المستشفى حملوا محمد الحلو. . ليموت طباً وعلاجاً. 

وإلى -حديقة الحيوان أخذوا (سلطان) ليموت كمداً واكتثابا. 

وكم المني ما حدث للحلو. 

وكم الم الناس الطيبين» من رأوا الفاجعة ومن لم يروها. . 

ولكن LY‏ جميعاً مشغولون بالإجابة على السؤال: لماذا 
يحدث للحلوما حدث للجلو؟ 

ولماذا ينهش الحيوان المتوحش صاحبه الذي دربه وأطعمه 
ورباه؟ 

ولأننا جميهاً لو استحلنا إلى أكلة عيش فسيكون مصيرنا أن 
تنهشنا أكلة اللحوم . والإنسان أثبت أنه على رأس أكلة لحوم البشر. 

لأن الأمر كذلك . 

فإني أترك المشكلة لكم لتفكروا فيها. 

ففي هذه اللحظة أنا قابع مع سلطان في حبسه الانفرادي؛ 
MU‏ ومجرماء ومنبوذاء ومحل سخط الجميع وازدرائهم» قابع معه 
أتساءل» كما لا بد لذي العقل منا لو كان حيواناء أو للحيوان منا لو 
كان ذا عقل أن يتساءل: ما هي جريمتي أيها السادة؟ 

أني عقرت الرجل وأرديته. . 

ما ذنبي وأنا لم أفعل إلا أني قمت بدوري كوحش عليه أن 
ينهش إذا حاف مدربه» وأن يلعب إذا أخافه المدرب. 


أم كنتم تريدولني أن أخحذها Lif‏ الآخر Sa‏ ويصبح الوحش 


"5 





VV 


الذي في نكتة» كما أصبح أي شيء نكتة . 

إنى آسف أيها السادة» شديد الأسف لما حدث لسيدي 
السابق» شديد الإعجاب بابنه الذي يعتلي الآن ظهور الأسود 
ويخيفهاء آسف أيها السادة فقانون الغابة ليس قانونها فقط. إنه قانون 
الحياة والأحياء» ذلك الذي لم تستطع حتى أديان السماء كلها أن 

Ly‏ أن تخاف وتركع أو تخيف وتقتل. في القفص وخارج 
القفص» فأنت مقتول إن ضعفت أو خفت. أو قاتل» وأنت المسشول 
عما تختار. 

آسف أيها السادة فأنتم وحدكم الذين تسخرون من هذا القانون 
وتضحكون فإذا كان العالم بحياه حقيقة وقانوناً وتحيونه gil‏ سخرية 
ونكتاً فالذنب ليس ذنب (سلطان) . 

aoe 

وليس ذنب صاحبي محمد الحلو. 

صاحبي الذي خضعت له Hey‏ 

وحين أصبح أكل عيش مثلكم أرديته . 

فأنا لست سلطان الأسد. 

أنا سلطان قانون الغابة» وقانون الحضارة وقانون الإنسان 
وقانون كل الوجود. 


Converted by Tiff Combine 








gv4 


جيوكوندا مصرية 


إنها ليست أول مرة أحاول» ربما هي ثالث أو رابع مرة» Lb‏ 
أحس كلما أردت كتابتها أن اللغة التي أستعملها أخشن وأصلب 
وأجوف بكثير من أن تستيطع التعبير عنهاء أحس أن لغتناء تلك التي 
نتحدث بها ونكتب خلقت لتصوير أحداث ضخمة وأحاسيس كبيرة 
الحجم كالصخر أو حتى إذا صغرت فهي كالرمل أو الحصى في حين 
أن ما أريد تصويره ناعم موسيقي رقيق دقيق als‏ الذرات العالقة 
بشعاع الضوء إذا سقط في غرفة مظلمة. لا. ليس حتى كعزف 
الكمان أو أنين الناي» إنما هو كاللحن الذي لا تستطيع سماعه إلا 
إذا خفت الضجة في الدنيا كلها أو سكن الكون Lalas‏ ثم طهرت 
نفسك من كل ما يشغلها من هموم الأرض وأحاسيسها الترابية 
العابرة» واستحضرت في ذاتك المعاني الحقيقية للرحمة والحب 
والحنان والإنسان» المعاني الخالدة السرمدية التي Low‏ البشر على 
أمل أن ذات يوم تتحقق» حينشذ فقط» وبعد طول معاناة في تهيئة 
النفس» وطول تأمل وسكون» ستجد نغماً رقيقاً واهن الضعف قد بدأ 
يتسرب إلى نفسك» ليس من أذنك فقطء وإنما من كل ذاتك ولكل 


UT ١‏ سلطان من قانون الوجود 





tA. 


ذاتك» يتسرب النغم تسرباً لا يفعل AST‏ من أن يحيل ذاتك نفسها 
إلى ذات النغمء حتى لتندمج معه في وحدة بالخة الشفافية. 

أنى لي بكلمات تستطيع وصف هذا وكلماتنا صنعت لمعان 
محدودة واضحة لا شك فيها ولا اختلال؛ أنى لي بكلمات تستطيع 
وصف عشر Tas‏ والواحد على المائة من الارتجافة أو الخفقة 
الواهنة المرهفة التي يكاد السمع يتجاوزها؟ 

أنى لي بألوان أستطيع بها وصف لون «حنونة» المسيحية» ذلك 
اللونالذي لا هو أبيض ولا قمحي» ولا هوأوروبي ولا شرقي» لا هو 
صعيدي ولا من أقصى الشمال في بحري» e‏ 
زرفة ليست زرقة الموات ولكنها كررقة الفجر إذا شقشق» أو زرقة 
البحر إذا هجع وتحولت موجاته إلى نداءات وديعة تؤوب اى 
مستقرها عند الشاطىء خاشعة ساجدة تهيب بك أن ترتمي ا 
وتعب زرقته حتى النهاية. 


وكيف لي أن أبدأ القصة وليس في ذهني بداية واضحة. Of‏ 
هي الا علاقات متصلة بين الناس ومنشأ مشترك» وطفولة؛ ثم صباء 
و(شال) كموني باهت» وحجرة ليس بها أحد سواناء وخبز مقدس› 
ثم انجيل صغير الحجم كثير الصفحات» مكتوب بلغة عربية لها 
طعمها الخاص . 


وكنت في سن البلوغ» تلك التي تحس فيها أن هناك دنيا هذا 
صحيح » وهناك صبح وشمس وقمرء وهناك بلاد بعيدة قبل البحر 


Yo 





۸۱ 


المالح وعبر المالح وبعد المالح» (الطلمبات) بضخامتها السوداء 
الزيتية المهولة وصوتها المتئد الوقور المستمر» والماء المجذوب 
بسحر خفي وبكم هائل إلى فتحاتها والماء الهادر الغاضب المندفع 
الأرعن الخسارج عنها» هناك الغربان والعصافييرء وأولياء الله 
الصالحون» وهناك المصحف والآيات التي يجب عليك حفظها وكلها 
عن جنة شديدة الجمال غريبة» وعن نار جحيمية يقشعر لها بدنك 
وثواب وعذاب ودنيا وآخرة» وهناك أيضاًء وهذا هو المهم المباشر 
خيزرانة الشيخ مصطفى المنكفىء العمامة إلى أمام AST‏ مما يجب» 
ذي الأرجل الرفيعة المنتهية بركب كرؤوس عيدان الكبريت» حين 
يضع ساقا رفيعة فوق ساقء ويتدلى حذاؤه حائل اللون فاغر الفاه. 
ويهز لك رأساً فوقها تهتز العمامة ويقول: سمع يا ولد. هناك شيء ما 
هذا صحيح . شيء لا نراه ولا نحسه. شيء أخر غير ليلة القدر, 
والموت» والحب الشديد الذي أكنه لأبي» شيء بإرادته مختلف لا 
بريد أن يظهرء ربما خوفاً عليناء إذ ربما لو ظهر لمتنا من شدة 
الخوف والرعب والمواجهة. . شيء آخر غير العفاريت» فالعفاريت 
رغم كل شيء فيها ما يضحك» ولكن هذا الشيء لا يبعث على 
الضحك أبدأ. إنه قاس وقور مهيمن رحيم . 

قلت ipod‏ وأنا بالضبط لا أعنى ما أقوله : 

- أريد أن أكون مثلك. . ٠‏ 

كانت لا بد أكبر مني ربما بعام أو بعامين»فقد كانت أطول وإن 
كانت أضعف» ولكنها دائماً الأعقل والأحكم . وهنا بالضبط أعجز عن 


ام أنا سلطان من قانون الوجود 





AY 


التعبير. روحها ذلك الإحساس المشع منها وكأنه النور يأتي من لا 
مكان أو بطريقة غير مباشرة» روحها تلك كانت تضفي على كلماتها 
ومشيتها وعلى الطريقة التي ترفع أو تخفض بها يدها أو تقضم قضمة 
صغيرة وبأسنانها الأمامية من الخبز المقدس. . مسحة غريبة البراءة 
والنقاء والرشاقة تجعلك تعتقد وكأنها ليست من أهل الأرض» وكأنها 
النوع الثاني من البشرء ذلك الذي يصنع الحلقة الكائنة بينهم وبين 
الملائكة. 


ولا أذكر بماذا أجابتني . ولا حتى على وجه الدقة إذا كانت قد 
أجابت» وماذا أيضاً قالت عن الانجيل» والخبز المقدسء 
و(كبرياليسون) ومعناها كما علمتني (يا رب. . ارحم)» وکنت قد 
سمعت القسيس SW‏ من المدينة يرددها في زفاف (عفيفة) حين 
تزوجت de‏ شهور. كل ما أذكر أني من إجاباتها بدأت أحس أن 
هنإك أناساً آخرين. غيرنا نحن أظن أن الدنيا كلها مسلمة» وإن هذا 
الدين الآخر الجديد مملوء بأشياء تثير الخيال» وتبعث على حب 
الاستطلاع الشديد» وخاصة أن لهم في البددر ‏ كما عرفت من 
حنونة - كنيسة» فيها صورة كبيرة للمسيح » وفيها شموع وثريات 
بالکهرباء» وفيها غناء» بل إن كل صلاتهم غناء في غناء. 

ولم أعد أدري» أسر تتبعي لحنونة حتى وهي في طريقها إلى 
النوم -إن هو إلا محاولات أكثر لإدراك أشياء أحرى عن هذا الدين» 
أم هو استسلام لذلك الاشعاع الذي لا يقاوم الدائم الصدور عنها 


۳۲ 





gar 


يجذب إليها الناس والأشياء وبحيل كل ما تصنعه إلى حدث براق 
ممتع رقيق مثير. 

ولكن ما أعرفه أنه لا أقول بدأت أحس برباط قوي يربطني 
ily‏ وإنما بدأت في أحيان أعي أني لا أتركها وكأني ظلهاء اا 
كان لا يراودني إلا في اللحظات التي أغادرها فيها. 

فوأنا معها كنت لا أحس بنفسى ولا Ly‏ أفعله أبداً» فأنا ذائب 
تماماً في ذلك اللقاء المستمر معهاء لا هم لي إلا تأملهاء وتتبع ما 
تقوله أو تفعله كالمشدوه بمعجزة خارقة, دائمة الحدوث» لا ينفصل 
عن شعوره بها ولا يبغي إلا أن يظل في حالة النشوة المشدوهة تلك 
لا يغادرها أو تغادره' لحظة . 

ويخيل لي أن مشاكل العالم Lt‏ من هنا. فنحن أبداً لا 
نستطيع الصبر على ظواهر الكون أو التفاعل التلقائي للأحداث 
وعلاقات القوى والنماء وهي تنشأ وتدمو وتتفرع وتزدهر» إنماء Lets‏ 
بإرادتنا الحمقاء وقوانيننا التي ابتدعها أقدمون منزمتون, دائما 
نتدخل» فنفترض سوء النية أو حتى حسنها ونتدخل» وفي تدخلنا 
نحاول الفرض والكبت والقطع والتأكد المستعجل ولوي سنن الحياة . 

ترى ما إذا كان يضير أن تستمر THe‏ كهذه» زهرة وديعة وسط 
غابات الطبائع والنفوس والعلاقات الاجتماعية المتشابكة المعقدة 
الي لا تدرې عنها شيئا. 


وماذا يهم أنني ابن مهندس الطلمبات» وإن والد حنونة هو كبير 


wy‏ أنا سلطان من قانون الوجود 





4A4 


الأسطوات» وأنني ولد وانها بنت» ol,‏ کلام اا کثیر» مع 
الناس في (المستعمرة) التي نسكنها ee ewes‏ كلهم 58 
مساكن أقامتها لهم وزارة الري قريباً من مبنى الطلمبات هائل 
الضخامة» مستعمرة ومجتمعها وطلمباتها كائنة في مكان cle‏ بعيد 
وسحيق من شمال الدلتا. مجتمع صغير مكون من مجموعة 
صغيرة ‏ وإن كانت في ذلك الوقت تبدو لعيني وكأنها ربع 
العالم - مسلمون ومسيحيون» ومع هذا فألف مشكلة قائمة» وألف 
شوكة تؤلم بلسعها ووخزها هذه العشرات القليلة من الحلوق في ذلك 
المكان الكائن عند اخر الدئيا. 

بدأ الأمر بشكاية من أمي cag‏ وأبي خاضع لأمي مذذ قطعث 
ساقه أو التهمتها مروحة الطلمبات لا أعرف؛ فالقصة Ue‏ لا تروی› 
i‏ هي دائماً وكأنما تجلب معها الذكرى والألم. ومنذ أن أصبح أبي 
بساق واحدة أصبحت أمي بثلاث سيقان وعشر أيد ومائة لسان. 

وهكذا أوقفني الرجل الطيب أبي ذات صباح وأنا ذاهب إلى 
(OLS)‏ الشيخ مصطفى وأنهمني بطريقة لا تقبل الجدل أن ifs‏ 
العودة بعد (الكتاب) إلى البيث مباشرة. 

لم يشا الرجل الطيب أن يؤلمني بذكر حدونة وحكايتي معها. 
آثر أن يدع الباقي لفهمي . ul‏ أيضاً لم أشأ المناقشة, فقد اعتزمت 
ومنذ اللحظة الأولى أن أخالف هذا القرار» وأكذب» وأقابل حنونة. 
وكيف لي of‏ أستطيع الكف عن شيء لا أفعله بإرادتي » إنما dof‏ 
نفسي, هكذاء كما أجوع وأعطش وأشرب» أفعله» دونما فكر أو 


۳٤ 





Ao 


أرجحه للاحتمالات وأخذ قرار. اننا ونحن أطفال وصبية نكون أكثر 
صدقاً مع أنفسنا ومع ما نريدء وما نريده يكون أكثر صدقاً مع الحياة 
نفسهاء كل ما في الأمر أننا صغار في عالم لا يخضع للحياة وقوانينها 
وإنما ينظمه ويقئنه ويحكمه الكبار. ولا بد دائما أن يتدخلواء فإذا 
فعلوا فإنما ليجبروناء لا لنمتنع» وإنما لنراوغ ونكذب ونكرههم كما 
نكره العقاب . 

ولا أعرف bb‏ بالضبط» وبالمقابل» حدث لحنونة. 

ولكني في مكاننا المعتاد عند (الهدار) وهو البئر العميقة التي 
تصب فيها كل المياة القادمة من المصارف الكبرى» وتأخذ aie‏ أفواه 
الطلمبات الماء لترفعه بعد هذا إلى أعلى » إلى مستوى منسوب البحر 
الأبيض ليتم صرفه والتخلص منه» إذ الماء الجوني في الدلتا 
وشمالها أقل من منسوب البحر ولا بد من ضخه إلى أعلى» ومن 
أجل هذا أقيمت الطلمبات. في مكاننا عند الهدار لم أجدها. 
واننظرت» وتأملت كثيراً منظر الماء وهو يهدر في الهدار ويدور 
ويصنع دوائر كبيرة تنتهي إلى دوائر أقل وأكثر انخفاضاً وتدور بسرعة 
أشد إلى أن تصنع الدوائر حفرة على هيئة القمع يقولون إن قاعها 
يبلغ الرجل ولا يبين له بعد هذا أثر. ولم تحضر. وغير قريب من 
بيتهم وقفت وقد بدأت أحس أن يد الكبار غليظة حقا وأئها قد 
عملت عملها وأن اليوم الواحد العذب الممتد الطويل قد انقطع . 

وفي الشباك لمحتهاء كنا العصر» والشمس قد استحالت من 
جهنم الظهر المروعة إلى مجرد مصباح أصفر رقيق يضيء الشباك 


a‏ أنا سلطان من قانون الوجود 





2/5 


وداخمل الغرفة» وفي وسط تلك الأرضية الصفراء الحية يصفرتها 
يستدير وجه حنونة وقد أكسبته الأشعة لوناً غريباً يلمع من خلال 
القغبان الحديدية الذاكتة: لوا يحل الوخة إلى سمس eel‏ 

وقفت أنتظر منها إشارة» أو بريق عين حتى» يدل على أنها 
رأتني أو «galt‏ ولكنها كانت dale‏ واجمة» كانت بالضبط صورة 
(العدرة) العدرة مريم» نفس الصورة المعلقة في غرفتها معلقة الآن 
في النافذة» ولا بد أن القاهاء وأنا أعرف الست pl)‏ حنونة) وأعرف 
أنها وإن كان يقال إنها أشد الناس سلاطة» إلا أنها معي Aide‏ 
تعطف وكأنما بالسليقة على مزاملتي لابنتهاء كثيراً ما دست في جيبي 
برتقالة» أوحبات (بون بون) ودائماً تقول سلم على الست (أم 
محمد)ء سلاماً لا أوصله» فقد كنت أعرف gh‏ أمي فيهاء ورأيها 
في أمي . 

الباب مفتوح › أأدقه؟ دحلث. 

ol‏ حنونة خارجة لتوها من المطبخ وهباب الوابور على وجهها 
وأطراف شعرها الأبيض وملابسهاء أشرق وجهها بابتسامة وكأنما 
أدركت سبب المجيء» أعقبها في الحال تجمد ملامح وكأنما ظهرت 
إلى وعيها المشكلة والتحذير. وتلعثمت» وفأفت, ولكنها لم تصرح 
بشيء» وإنما استدارت وكأنما لم ترولم تسمع» وعادت إلى 
المطبخ . 


وما يدريني 6 فقد قرآت في حركتها تلك علامة الرضاء 


إن 





LAV 


واندفعت إلى الغرفة كالسهم. ووجدت حنونة واقفة تبتسم وتنتظر 
انتظاراً منخفض الرأس لا يزال وفي عينيها دون أن أراهما مكر بريء 
جميل كمكر المحبين. 

ولدهشتي أقدمت على حركة لم أكن قد تعودتها منها أبدأء 
مدت يدها تصافحني » وبكل ما لدي من لهوجة مددت يدي 
وشددت على يدها بقوة حتى بدا أنها تألمت. كما دائماً نلتقي أو 
نسير أو نتحرك أو نقدم على عمل الشيء ches‏ أما أن نتصافح فذلك 
ما لم نفعله إلا هذه المرة. يدها صغيرة كانت» ويدي رغم العامين 
ارق السن» أكبر» يد نحيلة بأصابع أيضاً رفيعة ونحيلة وكأنك تقبض 
على مجموعة من أقلام الرصاص» ولكن» لم نكن أقلام رصاص» 
كانت اليد بأصابعها حية دافشة كأنما تركزت فيها كل اشعاعاتها 
الخاصة لم تكن يداً. كانت قلباً نابضاً دق» نفس القلب الذي 
سمعت دقته حين كنت أتعمد الاقتراب بوجهي من صدرها. مصافحة 
روعتني وأحدثت بي مساً. 

قلت لها: أنت كالعدرة مريم . 

رفعت حاجبها في استنکار مذعور, ولكنها عادت تبتسم كأنما 
عيب ما أقول» ورغم هذا سألتني : كيف؟ 

قلت لها: وأنا أراك من النافذة كنت كالعدرة» بدون المسيح يا 
حنونة» أنت حنونة ‏ وكم كان يمتعني دائماً أن أناديها باسمها وكأنما 
أستمتع بنطق الاسم وطعمه في فمي آنا المسيح وأنت العدرة. 
خليني مسبحك وأنت عدرتي . 


Uf‏ سلطان من قائون الوجود 





SAA 


کادت» بل ضربتني على يدي فعلاء إنما برفق تنهاڻي . ولكن 
الفكرة كانت قد استبدت بعقلي» ولم تكن بنت لحظتها. لا بد أنها 
نبتت في ذلك اليوم الذي كنا فيه منفردين كالعادة في منزلهمء وکنت 
أحدق في صورة العذراء مريم وهي تحتضن ابنها المسيح بحنان 
زائد. كانت ألوان الصورة قديمة وباهتةء ومن رأس مريم كانت 
تخرج اشعاعات تذهب في كل انجاه» وكان عيسى طفلا جميلا جدا 
يبتسم بسعادة الابن المدرك أنه في أحضان أمه. وفي كنف رعايتها 
وحنانها وكانت مريم أيضاً تبتسم. شبح ابتسامة يعبر وجهها وشفتيهاء 
وكأنها تدرك أن صورة ما ستؤخحذ لهاء وتريد أن تضمن الصورة 
ابتسامة أم سعيدة بابنها حقاً. 


وحين التفت أحادث حنونة أحسست على الفور أني أريد أن 
أرتد ab‏ أرتكن إلى حضن حنونة وتسعد بي مثل سعادة العدرة 
مريم بمسيحهاء ولكني» في ذلك اليوم» Lily‏ أطلب منها أن تكون 
عذرائي وأن أكون مسيحهاء لم أكن أفعل ذلك وفي ذهني أن أتحول 
إلى طفل صغير تحتضنه أمه. هناك؛ وراء سؤالي وطلبي كانت ترقد 
وأطبق عليهاء ليس بعنف وقوةء UU‏ أعرف أنها رقيقة هشةء إنما 
بحنان ورفق ورقة أريد أن أطبق عليهاء أريد بيدي إذا أطبقت 
وبحضني إذا احتواها أن أحتويها cles‏ وأصغرها وأدخلها بطريقة ما 
في صدري فتلك هي الوسيلة الوحيدة في رأبي لإسكات هذا 
الإحساس المستمر برغبتي في الاقتراب منها والالتصاق الدائم بها. 


YA 





۸۹ 


كنت أريد of‏ أقترب منها الاقتراب الأكبر» اقتراباً أكبر بكثير 
مما كنا نفعله مع البنات ونحن نلعب لعبة الزواج في المخازن 
القديمة . 

حدقت فيّ حنونة طويلا. كانت تلك أول مرة أراها تحدق فيّ 
على هذا النحو الغريب. كثيراً ما كنت أسأل نفسي عن رأيها فيّ أو 
احساسها نحوي» ففي معاملتها لي لم أكن أحس بذلك الشيء 
الخاص الذي تنفرد به العلاقات الخاصة» كنت أحس بنفسي وكأني 
في نظرها لست سوى صبي في الرابعة عشرة؛ مجرد صبي آخر في 
عينها ذات الستة عشر ربيعاء حقيقة تربطها به علاقة ورفاقة وتألف 
واتفاق. ولكن لا شيء أكثر من هذا في تحديقها هذه المسرة 
أحسست» فجاأة» باللمعة في عينيها تأخذ ذلك الطابع الذي طالما 
هفوت إليه »طابع الإحساس بالخصوصية ,أحسست انها نظرة موجهةلي 
Lt‏ وأنها تقول بها Ls‏ كثيراً تخجل أن تقوله العين نفسهاء 
ولا تفصح عنه سوى النظرة بل هو كلام لا يمكن أو كان لا يمكن 
في نظري ‏ أن تقوله عين» وبالذات عينها. كلام لم أملك معه إلا أن 
أقترب منها. كثيراً ما كان أحدنا يلتصق بالآخر ونحن سائران ويتأبط 
ذراعه» ولكن تلك أول مرة نقترب فيها إلى هذه الدرجة. ولم أكن. 
كائنة ما دارت أحلامي وأمنياتي» أتصور أن يحدث ما حدث» وأن» 
فجأة» تضمني حنونة إلى صدرهاء بقوة مرتعشة مستعجلة مفاجئة. 
وتطبع على جبيني قبلة سريعة› لا بد أحمر لها وجهي كثيراً . ورفعت 
رأسي وأصبح وجهي يقابل وجهها. كنا اثنيشاء نلهث» وجاءت 
المفاجأة الرائعة الثانية فقد وجدتها تنحني» وأنا الأقصر قلیلاء 


۳۹ أثا سلطان من OSU‏ الوجود 





0۹۰ 


وتقبلني في شفتي› قبلة سريعة أيضاًء عظيمة الاضطراب والارتجاف 
حتى لقد أحسست بموجات الارتعاش التي تجعد شفتيها تنطبع على 
شفتي» قبلة سريعة كأنها البرق» ولكنها البرق» ولكنها شملتلي 
بكهرباء نعناعية المذاق تفتحت لها كل مسام روحي وانتعش قلبي 
als,‏ طائر ربيع بكر في البقظةء قبلة خلفتني إلى أعظم اضطراب 
شعرت به في حياتي إلى تلك اللحظة» فوكأنني فجأة قد أدركت» 
بالقبلة أن حنونة بنت. فيها من ذلك الشيء الذي يميز جنس النساء. 
والذي يجعلهن يرتدين تلك الألوان والأثواب ويتضمخن بالعمطورء 
ويصلصلن بالغوايش والخواتم والعقود» فيها من ذلك الذي يبرز 
الصدور ويجعل الجلد في نعومة الحرير وللصوت ذلك النغم الرقيق 
في مقابل صوت الرجل الخشن كجسده الشوكي AFIS‏ الداكن 
كوجهه وشعر صدره. حنونة إذن أنثى . اضطرابي كان سببه أني أبدا 
لم أتصور هذا قبلا أو أحلم به. حدونة في نظري كانت كالعدرة 
كالآلهة» كالمتسببة العظمى في كل خلجة سعادة يحفل بها الكون. 
الله جل جلاله. الله سبحانه وليغفر لي الذنب أنثى . لجزء من جزء 
الثانية عاودني الشعور وأنا لا أزال أستجيب لاحتضانها بيدي تلتف 
حولها وتضمهاء أحس أني أضم عذرية الكون الأزلية» عاودني 
الشعور ولم يزايلني. سقط في قاع عقلي ولم يبرجه وظل كالأماني 
العميقة حبيسة تقديس العرف والمعقول والتقاليد أمنية أن تذوب 
الذات الصغرى في الذات الأعظم» أن تحب الله إلى الفناءء أن يتم 
الاتصال الخالد thy‏ وبين السر الكوني الأعظم . 

وحتى لو كنت قد نجحت في تصور حنونة أنثى وفي إنزالها من 


gs 





5١ 


الملكوت إلى الأرض جسماً من لحم وعظم فقد كان من المحال أن 
أقرن هذا التصور بنفسي. من المحال أن أتصور علاقة لي تقوم مع 
حنونة الأنثى حتى لأفعل معها مثلما أفعل مع سائر البنات» حاولت 
كالمجنون أعيد القداسة إلى مكانهاء أستعيد إحساسي أنها الأعظمء 
وأن ما نشعه في الكون من جمال ورشاقة وتفوق يجعلها فوق مستوى 
البش» يرفعها للسماءء حاولت جاهداً أن أعيد الشعور ليحول بين 
الشاب الصغير الذي انتفض داخلي فجأة متسجيباً لنداء الأنثى الذي 
تولدت عنه حنونة فجأة lat‏ ولكني كنت أحاول المستحيل» فكل 
قداسات الدنيا من المحال أن تباعد بين القوتين الأعظم للحياة إذا 
وجدتاء الرجل والمرأةء إذ ثالثهما هو القانون الشيطاني الذي لا 
يمكن عصيانه. وقبلتها أناء مرتجفاًء مضطرباً مثلهاء إنما قد 
استجمعت ما Cp‏ من رجولة بكر» ولتكن حتى ما تكون» أرضية 
تكون أو سماوية» قديسة أو فتاة dole‏ فأنا محبوب وأنا' محب 
والبادي كانت هي وعليّ آنا أن أنعم مستحماً عريان في ذلك البحر 
المفاجىء الغريب الذي تفتح لي فجأة من بين شفتيها. يا لقلبها يدق 
وقد رقدت على الكنبة وأذني فوق قلبهاء Bo‏ كونياً يكاد يزلزل 
الأرض والسماء فقد OLS‏ يزلزلني» يا لوجهها أجد فيه الأرض مرة 
وكل ما فيها من جمال» والسماء مرة وكل ما فيها من قداسة» علوية 
ترابية» تحمر وتصفر تكتثب وتكسوها ابتسامة العذراء» تموج كسطح 
البحر الرهيب الذي تفجر» دون أن تنطق» دون كلمة يتلوى جسدها 
ويتكلم» عذراء كانت وعذري کنت» وكلانا لا يعرف. ويريد أن 
يعرف وهو يحاول أن يعرف» والغمامات التي كانت تحجب عيوننا عن 


٤‏ أنا سلطان من قائون الوجود 





£4y 


أن تری» وأن ترى أول ما ترى أنفسناء تنزاح والحمى ليست حمى 
الغييوبة ولكنها حمى التعرف المجنون والاستحواز والمتعة 
والاكتشاف» حمى السر الكوني إذاء أخيراً انكشف» حماك وأنت 
واقف ترقب ليلة القدر إذا انفعح باب السماء أمامك حقاً واكتشفت 
من خلاله سر السماءء أو إذا انشقت أمامك المرأة فجأة عن مکلونها 
الأعظم لك ولك وحدك. 

كلما تذكرت أني كنت لو حاولت تخيلها Ly‏ وأنثى أحس أني 
على وشك القيام بمعصية تزلزل الأرض والسماء كما لو كنت على 
وشك ارتكاب الإثم الأعظم» أعظم إثم يرتكبه بشرء كنت كلما 
تصورت هذا وأحسست بحرماني السابق يطغى أضمها وأعتصرها 
وألوكهاء Le‏ دافثة, أنثى » أمرغ نفسي فيها وفي حرماني منها وفي 
قداستها وفي الإثم الأعظم وبشريتهاء والزمن الطويل الذي انقضى 
أعبدهاء كنت أعبدهاء وهأنذا أنا العابد أثالها' وعلى نحو محال أن 
تتطرق إليه أشد الأحلام تخريفاً وبعداً عن التصديق . 


وماذا أقول: أأقول إن القداسة التي كانت تحيط بها وتصبغ 
صوتها وحتى إشارات يدها كانت إشعاعات الأنثى فيهاء إشعاعات 
المرأة مقدسة ومشرفة» إشعاعات النوع والأنوثة كلها مركزة كضوء 
العدسة في حنونة» حنانهاء مسيحيتهاء جمالهاء نظراتهاء عبادتي 
لهاء كلها أنوثة وأنثى» ولقد مرت سئين وسنين» وعرفت نساء ونساءء 
ولكني ‏ لأنها كانت هي الأنثى في ذلك اليوم لم أشعرء منذ يومهاء 
أني الرجل» ذلك الرجل» إلى OW‏ 


۲ 





44۳ 


وكأنما الماء في الهدار بهدوء شديد بطؤت > (aS‏ وضحلت 


حفرته» Ty‏ إلى سكون. 
وكأنما البحر الذي انبئق من بين شفتيها بطول الدنيا وعرضهاء 


وبالكاد حاولنا الاعتدال. وهي خجلى ولكنها ليست نادمة. 
وأنا خجلان» حين لمع شعاع عند الباب على حين بغتة» شعاع 
أدركت في الحال كنهه وأنه صادر عن زجاج نظارة معوض أفندي أو 
الباش أسطى أبيهاء الطويل الرفيع ذي العينين المتعبتين Latta‏ والتي 
لا بد تجد عند كل زاوية منهماء وفي أي ساعة من ساعات اليوم» 
نقطة بيضاء من العماص أو الالتهاب لا أعرف. 


كنت خجلان ولكني كنت كالمؤمن الذي للمرة الأولى في 
حياة إيمانه يتصل الاتصال اليقيني المادي بخالقه, وتتم المعجزة» 
ويتحول عنده الإيمان إلى رسالة ويقين مستعد أن يفقد حياته نفسها 
وبكل ساطة في سبيلها» وهكذا حين انسحبت حنونة من الحجرة 
هاربة كالقطة » oy‏ قلبي الصبي دقة قلب الصبي بضبط»ء أوقفت دقه 
بعناد المؤمن المهووس الممتلىء bile]‏ ليس بما فعله منذ لحظات 
بالذات» وإنما بحئونة» وكل ما يتصل بحئونة» وعلى OF duly‏ تستمر 
علاقته بهاء قامت الدنيا أو قعدت» ضربه معوض أفندي أو تشاجر 
مع أبيهء ردحت أمها لأمي أو خلقتني الأم» سحب أبي بندفيته 
القديمة من دولابها وأطلق النار على عائلة معوض كلها أو ge‏ أنا 
منفرداًء فليحدث, وإنما كما يصلي العابد لإلهه. كما يتصل الشعاع 


۳ أنا سلطان من قانون الوجود 





£4 


بأمه الشمس» كما لا يمكن أن تخلو النجوم من الليل فصلتي بحنونة 
أكبر من كل هذه الحتميات» باقية وستبقى » إلى أن أموت أو نموت 
«las‏ وربما حتى بعد الموت تبقى . 

ولكن يبدو أني رغم هذا الاحساس الداخلي المروع» كان 
وجهي من الخارج› وأمام مشهد معوض أفندي المنتصب طويلاً 
ا يدلخطفء وينسحب كل ما في جسدي من دم ويسيل مغر 
أرض الحجرة. بقيت واقفاً جامد العينين مخفضهما أنتظر العقاب. 
كنت رغم هذا أدرك أنه جاء بعد النهاية» وأنه لا يمكن أن يخمن 
حقيقة ما حدث» ولكني بإصرار كنت أنتظر العقاب. وليته عاقبني» 
ليته ضربني أو سبني» لیته حتى اشتكى لأبي وليت أبي قتلني» فكل 
ما فعله أنه بعد سكوت طويل قال: 

- نا كنت فاكرك جدع مؤدب يا محمد. 

كلمة من الكلمات التي تلصق بالذهن مدى العمر لا تمحى . 
كثيزاً ما ترد إلى أذنيك» وتجدها فجأة قد انبثقت من غياب الماضي 
واستحضرت نفسهاء GSR AE en‏ و 
وتشملك رعدة خجل من نفسك وكأنها الرعدة الأولى التي أصابتك 
حين سمعتها أول مرة» وكلما تذكرتهاء تذكرنها كاملة. نفس النغمة 
والطريقة التي قيلت بهاء ولا أدري بالضبط إن كانت قد مرت شهور 
أو أعوام على ما حدث إذ كل ما تلا ذلك كانت أياماً مملة كثيية 
ممتدة الطول لا نهاية لها وبلا هدف. آلاف المرات ألف حول البيت 
Le‏ ألمحها. كنت أعرف أن القضاء قد حل وأن الأمر البات 


4 





44۵ 


الصريح قد صدر لها من أمها وأبيها معأء أن لا تراني» أن أموت تماما 
من وجودي . وكنت في مرات» مرات قليلة جد مرة كل ألف مرة» 
أراهاء أراها من بعيد وأتطلع إليها مكتفيا بنظرة البعدوكأنني الإنسي 
يتطلع إلى نجوم السماءء ويحز الهوى القدسي في نفسي أحياناً حتى 
ليدفعني دفعا أن أقترب» وأظل أقترب حتى لأصبح على مرمى البصر 
منهاء وأناديهاء بهمس خفي مرة» بصوت عال مرة» وأشير لهاء بيد 
ترتعش» بيد أحياناً مهووسة متوترة» بذراع تقفز مع الجسد في الهواء 
وكانما تريد of‏ تمسك بخط البصر الكامن بين عينيها المستقيمتين 
وبين الأفق. ولكنها لم يحدث أبداً أن رمش لها جفن الإدراك» إدراك 
وجودي» واقفة أبداً في قلب مربع النافذة الأصفر الذي تقطع صفرته 
عمدان الحديد» عارفة بوجودي» هكذا أحس وأكاد أقسم ولكني 
أعرف أنها لا تدركه أو تأبى إدراكه. لا بد أنها قطعت على نفسها 
عهداً أمام أبويهاء وعهود حنونة» كحنوئة مقدسة» ومحال أن تحنث 
بالعهد المقدس. أذوب وجداً وأنا أتذكرء أتذكرها من لحظة عرفتها 
إلى لحظة المعرفة الأعظم, أتذكر كل حركة صدرت عنهاء كل كلمة 
عرفتهاء إلى لحظة المعرفة الأعظم» أتذكر كل حركة صدرت عنهاء 
كل كلمة» كل نظرة ذات معنى ارتسمت ذات مرة على ملامحهاء 
أتذكرها وأذوب وجداً وشوقاً وأقتل نفسي ندماً. أكان لا بد أن أصل 
إلى المستوى الأعظم ألم يكن القرب مجرد القرب» أهون ألف مرة 
من التلاشي التام إلى حد القطيعة. كنت كالبطل في قصة ألف ليلة 
وليلة ذلك الذي تركوه في القصر ذي الأبواب السبعة وأمروه ألا يفتح 
الباب الساسع للحجرة السابعة» وعاش في القصر ينعم ويستمتع › 


و٤‏ أنا سلطان من قانون الوجود 





£44 


ولكنه لم يستطع أن يقاوم المتعة الأكبرء أن يفتح الباب السابع» 
وفتحه» chy‏ ما لم تره عين ولم يخطر على قلب بشر ولكنه في 
النهاية وجد نفسه هناك خارج القصر في النقطة السحرية التي فتح له 
باب القصر منهاء كأننا bole‏ قد عاد إلى الدنيا العادية» ووجد هناك 
ستة يرتدون السواد ويجلسون في بكاء متصلء إنهم أولئك الذين 
سبقوه إلى الندم» وانضم مالك الحزين بملابسه السود ليصبح 
سابعهم» أكان لا بد من الباب السابع والمتعة الأعظم؟ كمالك 
الحزين أبكي . وبالندم أحياء والعالم كثيب. والأيام من فرط طولها 
عجوز رمادية شائخة؛ والليالي بلا منتصف أو فجر أو صباح» والعمر 
بلا زمن» إلى أن جاء الخريف» وسرت الإشاعة ولا أصدق أناء 
وتحدد اليوم» والشخص» وحلت الليلة» وانتشرت الكلوبات في 
المستعمرة» وتركزت في المربع الأوسط الواسعء الأضواء تكسر 
الظلام باهرة» والشموع كثيرة لا حصر لهاء حتى رائحة الشموع 
نفسها كانت على البعد تشم وابن عمها جاء من الصعيد ليتزوجهاء 
وهم يزفونها إليه» ونفس القسيس الذي يزورهم بين الحين والحين 
قد حضر من كنيسة البندر» والكل يغني ويردد وراء القسيس: كير. . 
يا.. ليسون.. ارحم يا رب.. يا رب ارحم.. وحلوئة في ثيابها 
البيضاء الناصعة» وعقد fall‏ ¢ والطرحة» وقد حملوا وجهها ASL‏ مما 
يحتمل من ألوان وأصباغ ولكن بقيت لها نظرة العينين غير مصبوغة. 
وإنما هي زائغة مروعة ABU‏ تنحرك مدفوعة بالأيدي الكثيرة التي 
تتجاذبهاء تتحرك كالمنومة مغناطيسياً كمن تؤدي دورأء وثمة ابتسامة 
شاحبة خائفة لا تغادر وجههاء وإلى جوارها أفندي ربما لم تره في 


£4 





۹۷ 


حياتها إلا الليلة» ضخم الجثة» أسود الشارب كثيفة. يرتدي (بالطى 
أسود وشعره لامع شديد اللمعة بما فيه من بريانتين» العريس منتفخ 
الأوداج als,‏ لتوه قد ربح صفقة» يمضغ ويتملظ ويضحك من 
أعماق صدره وأحياناً دون أن cop‏ وحنونة إلى جواره كالحمامة 
المسوقة الوديعة» تتجاذبها الأيدي وتدفعهاء وتبتسم في شحوب 
وعيناها هائمتان تبحثان عن شيء بين نجوم السماء وكأنها العدرة فقد 
منها مسيحهاء والعذراء راضخة. صابرة» وحيدة» تفتش السماء 
بعينيها بحثاً عن الخلاص» من يدري ربما كانت تفتش عني وأنا قابع 
فوق السطح أتألم وأندم وأرقب» والكل يردد: كير يا ليسون. . كير يا 
ليسون. 


٤۷‏ أنا سلطان من قائون الوجود 


Converted by Tiff Combine 








£44 


)١(ةءاربلا‎ 


ابتسامة الجئرال والزورق والدعوة. الابتسامة غير بعيدة على 
مرمى البصر» والدعوة قائمة ومستمرة ومتجددة» كرياح خافتة دائمة 
الهبوب. الزورق تتلاعب به المياه» تعلو به موجة» تنخفض به 
موجة» بإغراء كبير يتلاعب» الابتسامة غير واسعة» وكأنما بالإرادة 
محددة الحجم» مضبوط ارتفاع شفتها العليا. مقاس تأثيرها بدقة 
زائدة. الجنرال سمين أكثر مما يبدو في صوره بالصحف» واقف 
يتمشى» راض عن الدنيا تماماً. صلعته الأمامية تلمع بحبيبات عرق 
تحت ضوء الشمس . الشمس حارة لكنها غير لاسعة» في الحقيقة 
مبتسمة. تلف الجو كله بروح الاغراء والدعوة. عصا الجنرال تحت 
أبطه ولكن ثيابه مدنية» وقميصه صيفي بنصف كم . البقعة السوداء 
التي تحجب عينه من فرط الرضا المبتسم والوجه المكتنز قد اختفت 
أوكادت . في الحقيقة لا ألحظها. لا أرى أظافر» أو رؤوس حراب 





)١(‏ كتبت ونشرت لأول مرة في مجلة الآداب (عددها الخاص عن القصة القصيرة) فى 
پونيو ۱۹۷۲ . , 


64 أنا سلطان من قائون الوجود 





أو خناجر غدر. الجمهور على المرسى الخشبي القديم» متدلي 
الرؤوس من فوق الحاجز» يتطلع ساكتا سكوت الدهشة» سكوت 
حب الاستطلاع» سكوت يوم الدين» ولكنه سكوت عظيم . الجنرال 
لأمر ماء لخاطر ماء ضحكة فقط فتحت فمه» أسنانه تبدو قديمة 
منفرجة» متسخة قليلاء ولكنها بلا أنياب» بلا أنياب. 

ابتسامة الجنرال والزورق والدعوة» وعبرت. كيف؟ لا أعرف. 
على ماء كالحرير» أو حرير من الماء» cere‏ بالنزوة» بالتلقائية 
بالرغبة» عبرت. هببت. كما تهب النسمة في الانجاه المضاد. 
هببت. أصبحت هناك. اهتزت أهداب العين الواحدة في ترحاب 
وقور. الابتسامة أضيف إليها طعم الاكتفاء. عصا الضباط العظام 
تراخت تحت ابط لم يعد مشدود العضلات . لم تمتد يده تصافحني . 
في وجهه تعبير من لا يريد احراجي» من يعرف إني لن أصافحه. أنا 
فقط أريد أن أرى» مجرد أن أرى وأتفرج عن كثب أشاهد» والرؤية 
ليس لها دنس . نظيف أنا مثل (بفتة المحلة) البيضاء. كيف أصافح 
وأيديهم ملأى بالحيات والثعابين والعقارب؟ أنا متأكد أنني لو مددت 
يدي › وصافحت. لالتصقت WL‏ التصاق الأبدء ولا أعود أستطييع 
الانفصال. للفرجة dey cote‏ الضفة الأخرى كنت أتفرج . والآن› 
عن قرب أفعل . فماذا يضير؟ ماذا يضير؟ 


أتجول» وفوق الشاطىء الرملي أقدامى Spas‏ حفیف الوزن 
تماما غير مباشرة» نورها يأتي» ضعيفا واهناء كنور الغسق» من كل 





Oe) 


اتجاه يأني » وإلى كل اتجاه يمضي » فلا يبقى إلا أثر الغسق . 

كل شيء على الشاطىء هنا. المدن صغيرها وكبيرها هنا. 
البلاجات» المواخير» وحتى مصانع الأسلحة السرية هنا. لا أحتاج 
إلا لخطوة واحدة» فيتغير الزمن» ويتغير المكان. الجنرال أشعر به 
من بعيد يراقبني . كان من واجبه مصاحبتي . ولكنه bots‏ أراد لي أن 
أكون بمطلق حريتي . وأن pil‏ ما يحلو لي . لا تتأثر إرادتي حتى 
بمجرد قربه أو وجوده. ولكن عيني الخلفية تحس به يحرك رأسه أنى 
أتحرك. ابتسامته لا تتغير. أم غير مكترث بالمرة.. عصاه تحت 
ابطه» رأسها كالبوصلة يتحرك» يتعقبني» يحرك الأشياء أمامي» 
الزمان والمكان والمشهد. رأس العصا ليس مندمجاً في غلظة أو 
وضوح إنما هوء كوجه الجنرال» ينسكب انسكابا متسقا مع بقية 
الجسم . 

من الغمام الغسقي برز وجه سيدة. أمامي منحنية قليلاً وقفت. 
جيداً لم أتبين الملامح . هل كان لها رأس حقاً؟! إنها بالتأكيد سيدة. 
تكلمت عاماً» ربما عامين» ولكني لا أريد أن أسمع» أخمرجت من 
حفيبة يدهاء التي تشبه حقائب الدبلوماسيين» أصبع روج. لفت 
قاعدته» فانبشق من فتحته بدلا من الروج ماركات المانية حقيقية . 
آلاف الأوراق. كل ورقة بألف مارك. لفته مرة أخرى انبثقت 
دولارات» لیرات» دينارات» ورقات بعشرات الجنيهات . أشحت. 
أغلقت الاصبع . قدمته بلطف زائد. أشحت. الجهد عجيب. ولكني 


a 


Ul o\‏ سلطان من قانون الوجود 





Ory 


كومضة البرق. ومن عصا Sl radi‏ صدر. اختفت ومجرد خطوة 
wg al‏ وجدتها تنتظرني . ليست فقط بملامح أنثوية واضحة» ولكنها 
بالملامح الأنثوية التي أريدها. الوجه طويل ينتهي بذقن يتوسطها 
طابع الحسن» عميقاً كالسرة. الشعر طويل ومتهدل ومفروق وكأنما 
منذ أن نما. من الوسط يتهدل. ويغطى الأذنين» ويغمر الأكتاف 
والصدر. الشفتان قطعا لشابة في السابعة عشرة. شفاه جربت لا بد 
القبلء ولكنها لم تمتهن بعد بأغلى القبل. العيون واسعة» ومليئة 
بالغريزة المشعة. والرموش طويلة تكاد تبين كل رمش منها نافر 
وحده كسلك الشمسية. رموش برية» بركانية» كأنما فجرتها بغزارة 
طبيعية of‏ بدائية . قبل أن تكلمني سمعتهاء كالسائح المغامر قررت 
أن أسمعهاء وأيضاً أصافحها. أعرف تماماً أن يدي إذا لامست يدهاء 
فمحال أن أستردها. 


كالسائح رحت أسمع. وكالرجل الذي بدأ يدمدم فيه البرق 
cleo,‏ أذاني بدأ تتنجذ ب بقوة .والبركانفي نفسي بدأت دمدمته 
تقل» وتهدد Ob‏ تهدأ. ثاقب كلامها. عقلها يبهرني» يبلغني يغرقني 
في فيض من رؤى الحياة. أتأملها فأشعر كأني ما عشت الدنيا أو 
مارستها. مدمر منطقها. مخي أراه gh‏ العين نسيج عنكبوت تعره 
الاف من ذرات الكلمات OL SU‏ وعبي يزداد إلى درجة جاوزت 
حد الخطر.كنت واثقاً أني في اللحظة الفاطلة أستطيع أن أكون السيد 
والغالب. والمهدم بضربة كل ما شيدته في عقلي من أوهام .”ولكن 
رعبي أنها أصبحت أصلب من الحقائق» وأدرك أني حالاء وبعد 


ey 





Oey 


انية» ومهما هويت» فلن أهدم شيئاً. 

pass eal Glee ia bd‏ صبرت ph‏ 4 وختطرت 
غضباً حطوت» مقرراً بلا رجعة أن أعود. لقد جئت أتفرج. فجأة 
أيضاً ظهر الجنرال. أمامي وقف. الابتسامة هذه المرة ابتسامة اعتذار 
واضح . مد يده. بالأدق» حرك يده حركة تصلح أن تكون مشروع 
مصافحة . لا يا dite‏ حتى أنت لا أصافحك, بذكاء شديد Ayal‏ 
بذكاء أشد تحولت همة اليد إلى حركة لبقة dels‏ أن أتقدم. رحت 
اجمع نفسي » وألتقط أنفاسي » وأرفع القدم وأبدا أتحرك. 


طابور طويل» قادم من بعید» من أبعد, وكأنما يبدأ أوله عند 
الأمس» وقبل الأمس» ومئات السنين. طابور عليه مسحة الحزن 
الذليل. OLY‏ وسيدات» مسنات وصبايا في LI‏ عشرة» بيض 
وحمر» وسمر وصفر» شاحبات. أمامي تتردد الواحدة» بانكسار تنتظر. 
,بانكسار ترفع الرأس. بأهداب منكسرة تنتظر الريا. بعيون فيها الحزن 
الرقيق تتمنى . الأسى أنثوى ويضفي على المرأة Ligh‏ وليس أكثر 
أنوثة من الحزن إلا الصبايا الحزانى . الأسى لا يستثير الشفقة. إنه 
يستثير الفحولة. اختر ما تشاء. أمامك المائدة حافلة. أمامك. خبرة 
المدربات أمامك. خحجل ربات البيوت أمامك. الأرامل الفتيات 
أمامك. الفقيرات الجميلات أمامك. يكفي أن تلمس الواحدة 
فتذوب أمامك . تغوص في مياهها الأنثوية. وتسبح فيهاء وتعبث كيف 
تشاء» وأنى تشاءء يا للغلالات السوداء الرقيقة» حتى الرخيصة منهاء 
وهي تنزاح وتتمزق عن اللحم الأبيض! اللحم الشهي الشاحب 





الأبيض . يا للوجه المتكسر أسى وهو يموء نشوة وإحساساً بالرجل. يا 
للدوائر الثديية البنية ذات السيقان الوسيطة المبتورة» وهي تثور وتتمرد 
على تهدلها الحزين. يا لعواء بأتي من شعر تحت الإبط. ذي العرق 
اللؤلؤي المنسال الخاص» كل نقطة مثثالة منه تحمل كل رائحة 
الأنثى وغريزتها. يا للحزن حين يستحيل بتأثيرك تهتكاً وفجراً. 
اساك الطانور, اتر ماتا اسك cel‏ جره انين 
بإرادتك جرب» مجرد أن تختار. برغبتك» حتى بمجرد البثاق الرغبة 
في أعماقك الباطلة» جرب. والجئرال هئاك, لا أعرف له مكاناً على 
وجه التحديد, وكأنما هو يختار دائماً أن يكون حيث لا أراه. هناك 
هو بالتأكيد بنظراته يطبطب على كتفي مشجعاً داعياً ules‏ حتى لو 
اخترت ابنة العاشرة سيبارك الاختيار. اللمس» مجرد اللمس أصبح 
مغرياً إلى حد مستحيل المقاومة. ولكني خائف خوف الموت أو 
المس. أعرف ومتأكد أنه بمجرد اللمسة سيصبح الطابور كله لي . 
والطابور طويل طويل» والنساء كثيرات» متبايئنات» حتى LS‏ أساهن 
الجنسي الخاص. أصابعي تأكلني . الرجل في يعوى Lily‏ كالصخر 
الشابت أتفرج. والفرجة ليست دنسأء وقلبي نظيف كبفتة (المحلة) 
البيضاء. الرغبة في صدري مكممة الأفواه» مكتفة الأرجل والسيقان. 
مخنوقة تماما لا تملك أن تعبر عن نفسها أبداً. أخاف حتى مجرد أن 
أعبر عن نفسي . فمبجرد التعبير سأبدأ أنهار. الطابور يختلط . الألوان 
تفرز الألوان. النسوة الكثيرات يستحلن إلى غابة. الألوان زاهية 
زاعفة كبالونات الأعياد تنهمر. الشوب يختصر إلى الميني جيب 
والميكرو جيب واللاجيب» السيقان أصبحت مصنوعة ومضبوطة على 


of 





أدق مفاييس الجمال. الساق منها أنثى ALLS‏ مصنوعات فليكن. 
وليكن الانتاج (ماس برودكشن). الباروكات أجمل من الشعر الأصيل 
ألف مرة ومرة. العيون الصناعية أحلى وأروع من الطبيعية مليون مرة. 
وحسبما وكيفما تريد. يابانية ضيقة» وصينية معوجة. وأميركية 
واسعة» وعربية سوداء» وانكليزية زرقاء» وخضراء وبنفسجية. 
المصنوعات يرقصن. بنطلوناتهن محزقة. البلوجنز يفتك بالدظرء 
تقشعر له العين» وتنتصب له الرموش قبل أن يقشعر الجسد. الرقصة 
أمامي تحدث» الوسط يتلوى» بكل التواءة وسط تقول خذني . السيقان 
تتشنج ممدودة تجأرء مكنونة تستجير. الأكتاف Gaal cp‏ تتسع » 
تنادي» تقبل» تدبر كي تقبل أكثر. الشفة السفلى تتدلى » تسترخي 
تنقبض. الفم يضيق ضيقاً داعراً مجئوناً. أناياعم أتفرج. أموت 
رغبة» تقتلني الرغبة» ولكني لن أفعل إلا أن أتفرج. لقد جئت فقط 
كي أرى وأتفرج. يا جدرال أعرف أننك خلفي وأنك تراقبني وأن 
برأس عصاك اشعاعاًء يخضع الأشياء لكل ما أتمنى وأرغب» ولكني 
سأظل أتفرج . 

بل لم يعد في طاقتي البشرية» أن at‏ وأن أتفرج. 

الزورق وقهري للابتسامة والدعوة على وجه الجنرال تودعني » 
مشفقة لغبائي» ساخرة. هزة الرأس أسفاء بعيوني الخلفية أراها 
مودعة. الزورق يتحرك. أحس OM‏ بحركته» وبالزمن بدأت أشعر. 
Lif‏ ألهثء مستريح الضمير ألهث. كمن نجح في امتحان شديد 
القسوة. ومستريح الضمير. لم ألمس. لم أتدنس. طول الوقت 


5 أنا سلطان من قائون الوجود 





أتفرج. بقيت نظيفاً كبفتة (المحلة) البيضاء» كضمائر الناس الكثيرين 
المتزاحمين» على ce bls‏ فوق المرسى» أتفرج. أعناق مدلاة فوق 
الحاجز وسكون . سكون حب الاستطلاع, سكون الفرحة. سكون 
يوم الدين» ولكن إلى نفس السكون العظيم أعرد. 

ولكن شيئاً clude:‏ لم أتوقعه lull‏ لأمحته» cha‏ وغير بعيد 
عن مكان المتزاحمين فرق المرسى القديم» لمحته , ابني 6 حافي 
القدمين في while‏ النوم» واقفا. شعره مشعث. ملامحه فيها جمرد 
المستيقظ لتوه من غفوة» وكان ناحيتي ينظر. إليّ ينظر مرة وإلى 
المتفرجين المدلاة أعناقهم مرة» شاحب الوجه» clas,‏ تحيف 
الساعد. ولكن فی ثبات ينظر. دهشت . جعلتني الدهشة الأولى أحبه 
أكثر. إنه al‏ . دمي Uf‏ ولحمي . قطعة مني قد انفصلت» وأصبحت 
كائناً مستقا فاتصلت بي أكثس. Luts‏ له وجهه الخاص» ورأسه 
الخاص»›'وساعده النحيل الخاص. 

وصل الزورق» يهدر. لامس ١‏ خش لخشب القديم ولكني لم 
أغادره. النظرة الكامنة في عيني ولدي ces‏ في مكاني . لا ذرة بنوة 
واحدة ألحظها في النظرة . ماذا حدث؟ تحرك ساعده. امتدت يذه 
إلى فتحة الجلباب. خرجت اليد قابضة على شيء معدني أسود. 
کان dal dee. tds‏ اطفالولكية کان دسا ‘NaS Iai‏ 
ماسورته بطول الساعد الناحل. مسدس حقيقى له فوهة. والفوهة 
تتحرك» لتصبح دائرتها السوداء موجهة إلى صدري مباشرة. بالضبط 


إن 





لم تجب استغائتي بادرة. الوجه قاضء والنظرة جلادء والفم يتمتم 
بالحكم. لا. أنا لم ألمس يا بني شيئاً. يا مجنون. كنت مثل هؤلاء 
جميعاً أتفرج . ارجع . لا تكن مجنوناً. ما الجريمة أن أقف وأتفرج؟ 
قلبي نظيف كبفتة المحلة البيضاء. كقلوب هؤلاء الناس. ولم أفعل 
إلا التفرج. ارجع. أرجوك. أستحلفك. أعقل. فكر: ما الجريمة يا 
أحمق أن أتفرج؟ 

التمتمة تكف. الشفاه تنطبق في اصرار. الدوي. ارتعاشة 
اليد. الرصاصة في كتفي . الدمعة ألمحها تترقرق في عينه. 
الرصاصة الثانية كالكتلة تدك صدري . دويها لا أزل أسمعه. LST‏ 
لا أعود أسمعها. 


ov‏ أنا سلطان من قانون الوجود 


Converted by Tiff Combine 








لحظة قمر 


فجأة, رأيت القمر.. . 

وليست هناك خدعة ما في التعبير» فصحيح أن الإنسان أبداً لا 
يرى القمر tld‏ فالقمر لا يظهر فجأة» والشمس لا تشسرق فجأة؛ إذ 
المفاجأة دائماً في العمل غير المنتظر» وشروق القمر وغياب الشمس 
أعمال لا مفاجأة فيها ولا جديد. ولكنك بالتأكيد ستحس بصدمتي 
وأنا أرى القمر فجأة في شريحة من شرائح القاهرة» شريحة تسمح 
لك برؤية السماءء رأيت القمر عجيباً جداً . 

الشريحة السماوية التي تبدى منها كانت مسافة بين عمارتين 
عاليتين من عمائر القاهرة» عاليتان إلى درجة AS‏ تحجب عنك رؤية 
السماء كلها. ولولا المسافة الكائنة بينهما ما سمحت لهذه الفرجة 
السماوية أن تظهر. وقد كان حرياً بظهورها ألا يثير أدنى دهشة أو 
ابتشاس لولا أن تلك الشريحة السماوية كانت تحوي» في هذا 
الوقت بالذات القمرء القمر في محاقه الأخيرء القمر حين يبدو الجزء 
المضيء منه مخنوقاً بعض الشيء. من لون البدر يتناول تدريجياً 
فاقدا لمعة فضيته» ثم بياضه مكتسبا بعض الصفرة» بعض العتمة» 


Ui 04‏ سلطان من قانون الوجود 





01۹ 


حين يكاد نوره يصبح وكأنه نور قبادم من عمود نور البلدية» أو هو 
بالضبط كما بدأ لي من خلال فرجة السماء هذه القائمة بين عمارتين» 
شققهما العليا مفجرة الأضواء والضجيج»› بدا لي وكأنه النور القادم 
من شقة ثالثة مفروشة ومؤجرة للسياح ومن الباطن» حتى لو كان هذا 
الباطن على تلك الدرجة الشاهقة من العلوء فالمهم أن نور القمر 
المخنوق اختلط بأنوار الكهرباء الباذلة جهدها كي تلعلع وتبرق ومع 
ذلك فهي بالكاد تصل إلى مستوى نور القمر المخنوق, هذا. 

فجأة» رأيث القمر. . 

اندر Lait‏ أن Als CAs abla)‏ اقفن الس ي ها 
في ظروف القاهرة تلك ظروف الخروج من المعركة والاستعداد 
الكامل المطلق لأي معركة مقبلة» أن يكون هناك قمر. . 

ربما نحن نسيناه تماماً. نسينا الكون الأكبر المحيط بناء ضعنا 
تماماً في اختناقاتنا اليومية الصغيرة المستمرة المتكثرة التي نغرق فيها 
وتغرقناء ومع هذا فمفروض ونحن غرقى هكذا أن نفكر في انقاذ 
أنفسنا بل ونقوم بهذا الانقاذ فعلا» ويخيل لنا أن كل شيء قد انتهى 
إلى لا شيء مرة» ومرة أخرى أدهى بحيل إلينا كما لو كان أي شيء 
قد استحال إلى كل شيء. وما بين اللا شيء وکل شيء رحنا نرقص . 
رقصاً لا ضابط له ولا نغم» نحن فيه على وجه الدقة كرة (بنج بونج) 
مضروبة مضروبة» لكي تقتحم أرض الخصم» لكي تدافع مضروبة» 
من اليمين التي نزاولها بمنتهى عدم الدهشة وبمنتهى الجدية 
والخطورة» رقصة التفتت والتحلل إلى اللاشيئية لتصبح الكل 





ااه 


شيثية. . أنستنا هذه الرقصة المحمومة» ليس فقط أننا نرقص أو أننا 
أحياء» ولكن يبدو وكأنها أنستنا أيضاً أننا جزء من كون هائل الضخامة 
كبير» عوالم أخرى» شموس وأفلاك ومجرات» حركة تاريخ ضاربة 
إلى أسحق بعد من الماضي وواضح أيضاً إلى أسحق بعد في 
المستقبل . . 

أجل. . نسينا هذا كله. كل مراكز عقولنا محملة فوق طاقتها 
بأكوام من الأرقام والحسابات والديون والمطالب والاحتمالات 
وخحراب البيوتات» المركز الواحد أمامه طابور أفكار برمته ولا طابور 


الجمعية . 
نسينا القمر. . 
وفجأة» رأيت القمر. : 


مخنوقاً لا يهم» محمر الضوء كالحه لا بهم» شقة مفروشة 
بتليفون وحمامين وأنوار والعة مولعة ومجهزة إلى حد الصاجات 
لإحياء ليالي ألف US‏ بعشرات من الشهرزادات المنتظرات» فقط› 
تليفون» وإذا الكل على واحدة ونص انضبط» مع كل واحدء 
يتخلخل تماماً ويتفكك مع كل نص في ومضه يعود إلى الانضباط. 
شفة مفروشة باهرة الأضواء بين عمارتين لزوم السادة السياح» ما 
عليك فقط إلا أن تشيرء مجرد تشير؛ أو تفكر» مجرد تفكرء وإذا 
بجميع ما تحلم به يتحقق حتى لو الشقة في القمرء ولو القمر بين 
عمارتين تتلألاً شققهما بأنوار. 

فجأة» رأيت القمر. . 


\“ أنا سلطان من قانون الوجود 





a۱۲ 


إذن فأنت القمر. تراك أين كنت أيها العربيد. ماذا ضيعك Lie‏ 
أو بالأصح ماذا ضيعنا منك؟ أحيراً هللت. وظهرت» ورأيناك؟! 

صحيح لم تكن مفاجأة ولكنها كانت في حد ذاتها حدثا . 

لا أعرف ماذا حدث لي بالضبط حين رأيت ذلك المخنوق 
بالوهج القمري » ولكن الشيء المؤكد هو أنني أحسست بارتياح طاغ . 

القيامة إذن لم تكن قد قامت . 

والطريق الذي قطعناه طويل هذا صحيح . 

متعبين» مشخنين بالجراح والأنواء» نحن . 

ولكن. . 

ها هو القمر. 

ها هو وجهه يذكرك بإنسانيتك بانك أنت مما كنت» ومهما 
كانث أوضاعك فأنت هو الإنسانء wal‏ العظيم وسط هذا الكون 
الهائل الفراغ والظلام . 

ذلك أن هذا النظام نفسبه يؤكد أنك سيد هذا الكون. أنك 
الوحيد بين مكوناته القادر أن تتحرك بإرادتك المستقلة وبحريتك في 
أي اتجاه تختاره» إنك السيد. وكل ما تفعله عظمة الكون كلما عن 
لها أن تؤكد نفسها فإنها في نفس الوقت تؤكد عظمتك. أنت عظمة 
السيد. 
cal, slo’‏ القمر. . 
لا أعرف لماذا كانت بعض الديانات القبلية في أمريكا الجنوبية 


1Y 





o1۳ 


وأفريقيا تخصص أياماً محددة من العام تجتمع فيها القبيلة كلها ومن 
كافة الأنحاء؛ في مكان محدد عند هضبة جبلية» هناك حيث يعسكر 
أهل القبيلة» ويقضون الوقت في تأمل صامت للشمس وهي تشرق 
وتميل ثم تغيب» والقمر وهو يعتلي قبة السماء ويتغير شكله وطبيعة 
نوره لا أعرف» ولكن الدارسين لهذه العبادات والقبائل يؤكدون على 
أن الغرض من هذا كان عمل نوع من الاتصال بين الإنسان والكون» 
بحيث يبقى للانسان ذلك الاتصال الكوني الروحي الذي يزوده بزاد 
يكفيه حتى حلول العام القادم . 

لا أحد يعرف إذن ماذا يعنيه هذا الاتصال بين الإنسان والكون 
أو بالضبط ماذا يحدث للئفس البشرية إذا أجبرت على الابتعاد عن 
الظواهر الكونية أو إذا عاشت واختلطت بتلك الظواهر. لا أحد 
بالضبط يعرف ماذا يحدث للإنسان ولكن الذي لا شك فيه أن 
الإنسان (الكوني) أقوى بكثير من الإنسان من بلا بعد كوني» 
فالإنسان ذو البعد الكوني إنسان أقرب إلى حقيقته الإنسانية وطبعه 
البشري» أقرب إلى فطرته وأصالته» أقرب إلى تفرده وتسيده من ذلك 
الذي غشي عليه فلم يعد يرى أمسه من غده» أو ليله من نهاره. 

فجأة, cul,‏ القمر. . 

رفرفت في صدري أجنحة عصفور زقزق في قلبي كالزغرودة 
وهفهف بجناحيه مرحباء وكأن الأمرعيد يهش له. 

وبدا كما لو كنت أستعيد حياتي كلها في شريط سريع أمام 
القمر أو بالضبط أمام لحظة القمر. 


Ui ۳‏ سلطان من قانون الوجود 





1ه 


لا أعرف» cay‏ لأمر ماء كل شيء يأخذ حجمه الطبيعي» 
بل بدأت أنا نفسي آخذ عند نفسي حجمها الطبيعي» أو ذلك الذي 
أبدو فيه أكبر من كل مشاكلي . تلك الصورة التقليدية التي يبدو فيها 
الإنسان» ومهما كان التحدي القابع أمامه» منتصراًء أو على وجهه 
علامات الانتصار الأكيد. 

فجأة. رأيت القمر. . 

في فجوة سماوية بين عمارتين. . شقة مفروشة. . كون هائل 
فارغ ومظلم ومنظم . . . عصفور يزقزق في قلبي طرباً. 

لحظة 


وفجأة أيضاء ضاع القمر. . 

سدت السماء أدوار العمارات العالية . 

عليك» لكي تخطوء فقط لكي تخطو. أن تنظر إلى الأرض . 

وإلى الأرض تظل تنظر» حتى لا تسقط» تنظر حتى لا تسقط 
فما أكثر الحفر في شوارعنا هذه الأيام . 

فجأة؛ رأيت القمر. . 

ولحظة واحدة شتهأ معه . 

وفجأق ضاع الفمر بين عمارثين» وضاع بصري بحثاً عن 
موطن قدم . 

ولكن قلبي لا يزال يرفرف بالسعادة, إذ يكفي أني » Te‏ 
رأيت القمر الذي لا أراه. 


55 





o\o 


حوار خاص 


لا بد أنه الاحساس الكامل بالسيادة. السيارة موتور قوي يئن 
أزيز الاتصال واللا خلل. عجلة القيادة في يدي كالريشة. بحركة 
أصبع أقود. بحركة قدم أندفع. أنا السيد. على الأقل سيد الكون 
كله إلا موتور حركة. الكهرباء موتور. الذرة موتور. البنزين موتور. . 

أنا الإرادة. أنا العاقل الكامل وسط أكوام وأحراش من اللاعقل 
واللاواعي واللاإرادة. . 

الطريق وسط الصحراء فاحل وأسود ولامع. الوحشة تزيدني 
احساساً. . بالتفرد. كأني الكامل وحدي في هذه الدنيا. والدنيا 
طريق أسود طويل ليس فيه سوى الأفق. بعد كل أفق أفق. الدنيا أنا 
Uf,‏ الدنيا. سعيد. منذ بضعة أشهر نجوت من موت محقق. قال لي 
الطبيب: حظك نار. لا بد أنك تملك فى جسدك قدرات غير عادية. 
ما أحلى الثقة بالجسد. إنها كالثقة فى عربة خارجة laps‏ من 
(الأجنس). القوة. نعبدها حتى في ا بالذات في أجسامنا. 
زهو أني انتصرت. كان الموت فوق القلب تماماً» لكن القلب طرد 
الموت. بل لمحت الحسد في وجه الطبيب وهو يقول: أتعرف أن 


3 أنا سلطان من قائون الوجود 





1ه 


قلبك بعد المرض أقوى وأكثر صحة مما كان قبل الأزمة. هذا النوع 
من الأزمات أعرفه . أخرج من الأزمة لأدخل في أخرى. لأعود أخرج 
منها أقوى. أرادني شحذها الأزمات» تعالى إذن يا إلهي العظيم 
نتحادث . ما أروع الحديث معك في هذا المكان القحل» في طريق 
صحراوي لا ناقة فيه ولا نبتة. إنها قصة طويلة طويلة لي 
معك. واسمح لي ألا أخاطبك بألقاب التعظيم فقد استعملها الناس 
كثيراً في مخاطبة الطغاة والحكام حتى أصبحت غير جديرة بك. تلك 
الأزمة الخاطفة التي مرت بي لم أرك Yo‏ ترى لست بالخارج. 
cal‏ هنا فينا أقرب إلينا من حبل الوريد. 


أنا الذات الصغرى بنت الذات الكبرى. أنا المخلوق وأنت 
الخالق والبرزخ والكائن bey‏ ما لا نهاية في الصغر وما لا نهاية في 
الكبر لأنه برزخ بابك وبرزخ فدرتي . أنا يا إلهي لا أحب أن أعبدك 
عبادة هؤلاء الذين يتدللون لك» فلقد خلقتنا في أعظم تكوين Oly‏ 
ننذل حتى لك معناه أنئا نحد من قدرتك» فمخلوقك لا بد أن يتيه ولا 
يحني الهامة» وإذا كنا نسجد لك في الصلاة فإنما لنرتفع بقيمنا 
وابتهالاتنا إلى مكانك . وقد لا يكون هذا راي الجميع ولكني أعبدك 
عبادتي الخاصة بطريقتي Uf‏ ولست المسئول عن هذا يا إلهي فأنت 
الذي خلقتني هكذاء متمرداً لا يقبل الضيم» رافضاً لا يقبل المساوية 
طامحاً للكمال في كل شيء حتى يصبح كل شيء قريباً من كمالك. 
أنا هكذا لم أخلق نفسي ولكنك من ملايين الملايين من الذرات 
والجزئيات والوراثات والتأثيرات والخواص اخترتني لأكون هكذا 


55 





ونكون لي شد شخصيتي تلك . 


كانت العربة تنطلق بسرعة مائة وعشرين كيلو مترأء وكان 
المت إلا sa‏ أزبر الهدواء وال رتور كامسا صم المهراء 
الأصفر. صمت الكون حين تتوقف حركة الخارج وكأنه مات. 
وخفت. أحسست أن المضي في أفكار كهذه سيخرجني بعد حين 
عن إطار الجاذبية وانطلق في الفضاء حتى أهلك تماماً في قلب 
الشمس. ولكنك هكذا خلقتني . حتى لو عرفت أني Wha‏ في قلب 
الشمس لن أتوقف . لا أكتمك - إلهي - أني ظللت وأنا في المستشفى 
أتفكر في مسألة الله والإنسان والعمر. أنا أعرف علمياً أن الذي يحدد 
العمر هو الطافة الحيوية المنبشة في القلب وفي كل أنحاء الجسد. 
Ub‏ مررت بالأزمة إذن OY‏ الطاقة الحيوية عندي كانث الأقوى. ولكن 
المشكلة أن هذه الطاقة يعوقها عامل صغيرء مثل قشرة الموز يتزحلق 
Wig‏ قدم العملاق فينطرح أرضاً فلماذا خفت رحلة الأزمة من قشرة 
الموز. . الصدفة. . جائز. ولكن الصدف لا تتكرر إلا كل عشرات 
الملايين من المسرات. وثلاث مرات تكررت الأزمة» واحدة في 
الرقبة. وواحدة في الوريد وواحدة في القلب. أنا إذن حالة في كل 
ألف مليون مرة. هكذا العلم يقول. علمنا القاصر الآن عن إيجاد 
علاج لأزمة البرد. ولكنه حد علمي وحد تفكيري . أما ماهو حارج 


ب Uf‏ سلطان من قانون الوجود 





ماه 


هذا فلا بد أن الله يحبلي وقد اختارني لأعيش حتى ولو كان الاختيار 
مرة من ألف مليون مرة. أنت إذن تحبني أيها الإله. تحبني لأني 
هكذا. ربما أيضاً لأني أقف وقفة المحب أتساءل دون أن يرتجف 
قلبي من الهلع القاصر ودون أن تصطك أسناني وإنما بثقة المحب 
للمحبوب وبحريته أسأل. وبنفس هذه الثقة أقود السيارة» منطلقاً بهذه 
(he pull‏ سيداء سعيداًء حرأء أزاول الإنسان الحر الذي في كلمة» 
أزاوله حتى في مواجهة الخالق ياذا الخالق. أيها الضارب بعيداً في 
أغوار الكون حتى ينتهي النورء وأبداً لا .ينتهي النور لأنك لا تنتهي . 
الضارب بعيداً في أغوار الماضي وآفاق المستقبل حتى ينتهي الزمن› 
وأبداً لا ينتهي الزمن لأنك أبداً لا تنتهي لأنك أبداً لا تبدأ لأنك أبداً 
لا تغيب أبداً لا تحضرء أبدأ لا تعرف لأنك العارف ولا تنسى لأنك 
الذاكرة ولا تخلق لأن كل شيء من خلقك لأنك أنت كل شيء, أنت 
شعلة في كل شيء» وميض التغيير المستمر إلى الأفضل والأفضل 
والأفضل» تجسد الطاقة مادة, والمدة حياة» والحياة عقلا والعقل 
إنساناً أسمى وأسمى وأسمى » إله أصغر. 

ومع هذا فإني أسأل: أهذا هو مجرد شعور الفالت من خطر» 
مجرد تجسيد لهواجس تربينا في ظلالها وحواديت سردت علينا ونحن 
صغار وعلماء عجزوا عن التفسير فقالوا: الله . 

أأنث حقاً هناك يا إلهي؟ . 


4A 





o14 


وصمتت أفكاري عن أن تمضي . دق قلبي كأني دحلت بالقدم 
في حرم مقدس. تخطيت عتبة الممكن والمباح. حملتني السيارة 
نوق الطريق» وفوق الصحراء» وقائدها أنا اخترقت عنان السماء 
أتلفت حولي أتساءل عن (الحق). ثانية واحدة مضت لا أكثر. أقل 
من ثانية ربما. وحدة الزمن الممكن أن يحسها ويدركها الإنسان 
وبدأت أحس التغيير. أصبحت عجلة القيادة في يدي أسهل وأخف 
كثيراً عما كانت. لكأنها تتحرك من تلقاء نفسهاء وكأن سيطرتي 
الروحانية أصبحت هي التي تخضم لها العجلة دون حاجة إلى توجيه 
من يدي . 

ثم ley‏ اكتشفت أن المسألة ليست شدة سيطرة من إرادتي 
على عجلة القيادةء إنما الحقيقة الباردة المجردة أن عجلة القيادة 
نفسها انفلتت من سيطرتي عليها. وبخبرتي مع العربات وحوادثها 
أدركت السبب. أن إطار العجلة الخلفية قد انفجر ببطء لم أسمعه 
وأن العربة نتيجة لهذا ارتفعت عجلاتها الأمامية وأصبحت غير 
خاضعة مطلقاً لتوجيه (الدركسيون). هي التي تتوجه كيفما يحلو لهاء 
وفي أي انجاه تشاء. وأنت هنا لا تستطيع أن (تفرمل) OF‏ مجرد 
لمس الفرامل يخل بتوازن العربة مع هذه السرعة العالية ويقلبها 
فوراً. 

صفر الخاطر في رأسي : 

ماذا لو كان بعنف ورعب واختلال مضى قلبي يدق. نظرة إلى 
أسرني التي تحتل العربة معي زادتني رعباً. ولداي من الخلف 


4“ أنا سلطان من قائون الوجود 





o۹ 


وزوجتي بجواري وابنتي الصغيرة وبراءة الدنيا في عينيها ستموت بعد 
ثوان. فكل شيء وكل خطر قد تكون بسرعة. الطريق الذي كان 
خاوياً وامتلأ فجأة بعربات جيش لتعليم السواقة قادمة في الاتجاه 
المضاد» وأي خلل في اتجاه العجل الأمامي للعربة سيجعلنا نراطم 
الارتطامة القاتلة المهلكة في واحدة من العربات الكثيرة. أكشر من 
ثلاثين عربة ‏ واحدة وراء الأخرى. 

تحول السيد فيّ إلى أكثر كائنات الدنيا تواضعاً وذعراً. تحت 
رحمة من أنا الآن. عجلات الكاوتش تسير كيفما تشاء. أي بروز في 
الأسفلت أو حجر بل حتى لو لم يكن هناك شيء بالمرة فاتجاه 
الريح » ميل جانب أكثر من جانب» عوامل ميكانيكية لا تعد ولا 
تحصى » ألف مليون عامل وعامل قد يؤدي أي منها لأن تدفع عربتي 
تجاه أي عربة قادمة أو تجاه الصحراء وتتم الكارثة . 

. بيئما الأولاد يضحكون وزوجتي مع الصغيرة تمرح والقيامة 
ستقوم بعد ومضة. وجدت نفسي أهتف يا ستار يا رب. يا ستاريا 
رب . 

أي قوة أخرى في هذا الكون الواسع كان ممكناً أن تنقذني» 
والكارثة ليست فيّ, الكارثة في هؤلاء الأبرياء» ضحية اللعبةء 
الضاحكون» السعداء سعادة من يعبرون عن السعادة. حتى رداً على 
هتافي : يا ستار يا رب. ضحكروا وأغرقوا في الضحك فلم يكن 
أمامهم ما يستحق أن أناديه. كل شيء في نظرهم كان على ما يرام 
والدنيا جميلة والحياة ممتدة إلى أقصى مدى. 


Vr 





o۲۱ 


اليأس المطلق حل.. لا فائدة. لا أملك أن أصنع شيثاً. 
المصير بيده. هو وحده القادر. العربة. الصدفة. الواحد في الألف 
مليون» تحت رحمته. لا أملك إلا أن أيأس وأجلس وأصرخ على 
زوجتي وهي تضحك أن تنشبث بالابنة وتحسبني أهزل فلا حطر 
أمامها هناك وتبالغ في تركها حرة تعبث. والعربات قادمة» واحدة 
وراء الأخرى كل منها الموت متحركاً Many‏ والصحراء على يميني 
مجرد انحرافة بسيطة تدخل العجلات في بحر الرمال. 

الأمل كله. أن يحدث الأمر القاهر المعجز أن تظل العربة تسير 
غير منحرفة يميناً أو يساراً وتظل وتبطىء حتى توقف من تلقاء نفسهاء 
وإلى أن يحدث هذاء فالموت في كل ومضة وقت. فقدت الجاذبية 


الأرضية وفي طريقي أنا إلى قلب الشمس . 


* ¥ #* 


وقفت بجوار العربة. أخيراً ثبت كل شيء. قلبي هاجع وكأنه 
هو الآخر توقف. حلقي جاف. السكون هائل الضخامة كأنه الكون. 
الأزيز متصل دائم . نملة رأيتها تناضل تحمل Led‏ بين ذرات الرمل 
القليلة فوق حافة الطريق. مروع ومذهول ورأسي ذائب في السكون 
نظرت إلى السماء إلى الأرض إلى مثبت الدقة في قلبي وبالحلق 
الجاف سألت هامساً: أهكذا يجيب الإله! . 


۷۱ أنا سلطان من قانون الوجود 


Converted by Tiff Combine 








oY 


حين استقر على الآن: بدأت الرعشة. ارتعاش الجسد غير 
مهم الشفاه لن يستعملهاء الأسنان لو حتى اصطكت سيكتم 
الصوت . المهم يده. أصابعه» قبضته» إنها ترتعش كما لم يحدث 
لها أو له في حياته ليس ارتعاشاً فقط» لكأنه الشلل الرعاش» فهو 
بالضبط وساعة قرر ليس في بدنه ذرة فوة, لو دفعه طفل حتى لسقط. 
فليكن القرارمم. فليكن تم. ما فائدته daly‏ هو القرار. لحظة 
التنفيذ هي الفيصل بين من كان ومن يريد أن يكون. قط لم يفعلها. 
قط لم يفكر في فعلها. وإنما عاش يرفضهاء ينبذهاء يشمثز منها. 
الآن قد أصبح تماماً بجواره. الرعشة تفضي إلى ما لا نهاية. اصفر 
وجهه لا بد. القرار يملأ ملامحه. واضح . محدد. صارم» لم يبق له 
إلا التنفيذ. والرعشة تلغي كل شيء. الدهشة تأتيه من العين 
الأحرى. دهشة تكبرها وتجسمها عدسات النظارة. لو تراجع ضاع . 
فلتكن المرة الأولى» ما AST‏ ما نفعل أشياء نبدؤها لأول مرة دون أن 
يصيبنا كل هذا الرعب. فليضع العمر كله في الذراع. ولكن الذراع 
ثقيل ككتلة مسلح . العمر أثقله. وعليه» رغم الرعاشة» أن يدفعه إلى 


5 أنا سلطان من قانون الوجود 





ore 


أعلى» مرتفعاً به إلى أقصى ما يستطيع» ليفعلها لمرة واحدة في 
عمره» وليضع العمر كله في الذراع . . 

ارتفاعه حاجب» لمحة تكوص ضاع التردد فجأةء فجأة 
أظلمت الأشياءء تلاشت» تمازجت وتداخلت وأصبح مع الأشياء 
abs bits‏ لا يعرف أين هو منها أو أين هي منه. رعد أرعد. برق 
توهج . المؤكد أن اليدء قوية» مدوية» هبطت. الرعشة تحولت» 
حالما هوت» إلى ثقل صاعق . لأول مرة في بحياته تصطدم كفه 
بصدغ رجل. ذلك الرجل. حتى وهو طفل لا يذكر أنه صفع أحداً أو 
صفعه أحد. الدوي استمر ومستمر. الارتعاش امتلأت به الآذان إلى 
درجة الصمم. فتح عينيه. الرجل بدا أبعد» وجهه أصفر بكثير عما 
يجب» أثر أصابعه على الصدغ السمين كالمرسومة بمداد أبيض» 
عيناه غاصتا فجأة للداحل› غاصتا أكثر بكثير مما تسمح به الملامح 6 
قامته الطويلة بدأت تقصرء وماضية في القصر - هوسة فرح اندلعت. 
عفريت جني في داخل مخه عربد قبل أي شيء pol‏ كان نفس 
ذراعه تلقائياً وإلى أعلى بكثير قد ارتفع. قامته هي الأخرى بدت 
أطول» أضخم» ولا لمحة لأي ارتعاش . 


بكتلة ثقة مباغتة فاجأته هو أولاً أهوى. راعى أن تجيء أكشر 
إحكاماًء أن تصل هدفها وعيونه مفتوحة تستمتع وهي ترى أين وكيف 
تصيب . مؤلمة تماماً جاءت. مؤلمة له. فكأن أصابعه ارتطمت بكتلة 
من حديد. غورت أصابعه في العظم. أظافره مزقت الجلد. تلوى 
SM‏ . مكتوماً صدر عنه الصوت . مكتوماً أيضاً صدر عن الرجل 


Vé 





ayo 


شيء» ليس كلاماء ليس استغاثة» مجرد صوت» ذعر على هيئة 
صوت» ذعر شخص صادر عن حنجرة أصابها نفس الذعر. Sead‏ 
بدنه بالثقة» بلغت روحه عنان السماء. كور قبضته» ثنى ذراعه» 
cies‏ مکو هاون ر ete‏ 
ذراعه » جاءت اللكمة في العين تماماً. أحس بظهر أصابعه طراوة كرة 
العين. ماذا لو كانت انفجرت. السجن معناها. فليكن» ليكن حتى 
الشنق . حتى الشنق هو مستعد له. سيقتله. لن تحول بينه وبين قتله 
قوة. مهما جاع الأولاد فسيظل حمادة على الأقل فخوراً به. جرى 
الجبان والتف حول المكتب. يريد أن يهرب. فليهرب» وليحاول 
شنكلته. ولكن الرجل زاغ وفتح باب الدولاب وجعل منه ساتراً Lact‏ 
خلفه. من الدولاب سحب أيضاً المسطرة الكبيرة. كالسيف شرعها. 
الشتائم من فمه بدأت تنهال وكل مرة تزداد شتائمه سفالة وإيلاماً. 
رفع القدم» تراجع للخلف» استعان بالسيد البدوي وبالقوة كلها ركل 
الضلفة» توالت الآهات. اهات. شتائم oll ol!‏ شتائم. عويل 
من السباب. خيذ. ركلة أخرى. أعنف أقوى أشد إيلاماً. عشر سنين 
يا مجرم. عشر سنين أشكو لطوب الأرض واتحمل. تكرهني 
وأكرهك. تمفتني ولا أطيق حتى طريقة تفصيلك لبدلك. وكلانا في 
حجرة واحدة. الوجه في الوجه. والكره يملأ الأعماق؛ وعلى 
الملامح العليا تطفح البسمات والمجاملات. ولا مرة تبادلنا غيرها. 
عشر سنين وأنا اشتمك للناس جميعاً وأشكوك. وتشتمني أنت لبعض 
الناس للمسكين بمقابر الناس وتشكو مني. وعمري ما واجهتك 
بشيء أقصى من تحديقة وعيد أخحرس» إذا أجبتني بمثلهاء أسحب 


Ui Ve‏ سلطان من قانون الوجود 





on 


تحديقتي فور وأعود أغلي وأبسم وأصمت. أحياناًء للكارشة» من 
فمي بدل الشتائم تنطلق كلمات الملق. بخبثشك تعرفها وتدركها 
وتعلقها أمامي تريني فيها نفسي وأنا متلبس بالخضوع لك ومسح 
الجوخ والرياء. وترضى» وتبسم» بل وتتقمص الدور إلى حد أن 
تتصدق علي أنت الآخر في النهاية بكلمة نصف نفاق» إذ تمتدح 
بنصفها شيئاً تعرف وأعرف ويعرف الناس جميعاً أني لا أتمتع به. 
ناعم cul‏ وذکي» ودائماً على حق» ودائماً بالقانون تخرج على 
القانون» وتستطيع دائماً of‏ تحيل ظلمك We‏ وقاعدة» وتحيل حقي 
وعدلي إلى خروج على العرف والقانون. حتى لولم أخمطىء. 
تستدرجني حتى أخطىء. فإذا بادرت بالتصحيح» أطلت لي الحبل 
لاستسدراجي لأحطىء أكبر وأكثر. تكرهني مثلما أكرهك 
ولكنك أقدر على كتم الحب والكره والحقيقة, واليوم قررتهاء 
فررت» من حمادة وليس من أبي أو gl‏ أتعلم » ويا جبان لن 
تنفعك المسطرة. أبداً لن تنفعك. 


ناحيته اندفع. كالقط الآدمي قفز. هوت المسطرة بحدها 
الرفيع على أم رأسه. تخدر الجلد مكانها وانفلق العظم لأن السائل 
الذي يخترق جذور شعره لا بد هو الدم. بيسراه قبض على 
المسطرة. أمسكها. استماث الآخر. لواها. انكسرت . أمسك بالجزء 
المكسور كالخنجر وصرخ هامداً وهو يغرسها في كتفه. تمزق 
القميص Gils‏ الدم الأحمر. حمرته فاقعة وكان دم الغضب. دم 
قليل ولكنه لون صدر القميص كله. مرآه الأحمر متغلغل في الأبيض 


86 





oY 


أثاره. كانا قد اقتربا حتى التصقا. فلياخذها إذن. بجانب الرأس كما 
سمع من حمادة» صوبها. (روسية) اصطدمت بفكه. سمع wal,‏ 
اصطكاك العظم بالعظم. أسنانه هو أطبقت على لسانه وعورته» 
وتملح ريه بطعم الدم. عشر سنوات ولا عشاء يمر دون واقعة 
يحكيها للزوجة عنه وأمام الأولاد الصغار» حتى كبرواء وهو لا يزال 
بحكي , كبروا. بالعقل توصيه. لأكل العيش تنبهه» تهدئه؛ تدلك 
غضبه» تتركه يمارس عليها الشخط والرجر ويتنفس. هنا فقط 
يتنفس . تنفس ذليل يعرف ولكنه بدلاً من انفجار المخ يفعل. حمادة 
السبب. أنت السبب يا حمادة. الواقعة بسيطة وكل يوم تجري . 
خناقة عيال. هكذا يسمونها. خناقة لا يطيق فيها ابنه ضارباً أو 
مضروباً. ولقد جاء هذه المرة cL LS‏ وجاءت بالمضروب أمه. وكان 
لا بد من lie‏ عاجل. وفر حمادة واختفى حتى جاء الليل ghey‏ 
ليجده ساهراً ينتظره. قبل أن يرفع عليه (الحذاء) طالبه Ob‏ يمنحه 
الفرصة. هكذا العدل. ألم يعلمه أن هكذا العدل, أحرج . اترك 
الجزمة. استمع لمجرد الشك فقرار ضربه كان لن يتغير حتى لو 
الحق معه. وإيمانه الراسخ أن الضارب والمضروب حيوانان بهيمان 
لا تان قب الإنسان. هكذا سمع أباه يقولها مرة وسمع خاله 
كثيرا ما يضمئها حكمه وأمثاله : آنا أكرهه فضربته. ولماذا الكره؟ لأنه 
al‏ خبيث يشيع عني لدى الأولاد أنني لص: لماذا لم تشكه؟ لمن؟ 
لأهله؟ وهل يعاقب الأهل ابنهم من أجل أولاد الغير؟ من يعاقب 
الابن المخطىء إذن؟ أنا. أنت؟! أجل أنا. وكيف إن شاء الله؟ 
اولته (سيف دد/ فلكزني فضربته بالبونية وفي نافوخه فعضني وحاولت 


Ui vy‏ سلطان من قانون الوجود 





o۸ 


إمساكه فطلع يجري فشنکلته بمقص» وقع» بركت فوقه ولم أتركه إلا 
بعد أن قال: أنا كذاب. 

مد يده إلى الحذاء وقد جاء وقت العقاب» ليست هذه طريقة 
لمعاملة اللئيم» ولا مواجهة من نكره. 

أمال كنت عايزي أعمل أيه يا أبي؟ 

ولكنه لا يشتمني أمامي Gl.‏ ماذا أفعل؟! 

وهل يكون الرد بسيف اليد واللكمة . 

وقذفة بالحذاء. أصابه في ساقه وجعله يعرج حتى بلغ 
الفراش. ولكنه هولم يئم. أبداً لم ينم. سيف اليد والمقص 
والبواني كانت تتماوج في سقف عيونه المغمضة وتتداخل وفجأة وبين 
الحين والحين يندلق في سماء العين المعصمة ماء بوذن الوجه 
السمين المربرب الناضج أبداً بالعرق. 

أصبح بينهما المكتب مرة أخرى» نفس المكتب الذي كان 
دائما بينهما في الصباح هما على طرفيه ممتلثان بابتسامات الزيف 
وفي العمل يفصل بين المقالب التي يدبرها لمرؤوسهء والعرائض 
والشكاوى المجهولة التي يدبرها لرئيسه. والآن هو موجود ولكنه لا 
يحول بينهماء بعده انطلقت صفعة يده كلها بوجهه» باصبع واحدة 
فقط صفعه» فالآخر كان قد استدار وامتلكه وإلى صدغه وجه صفعة 
قوية مليئة متمكنة. أبرقت الدنيا في عينه وصفرت أذنه. أيكون هو 
الآخر كان ينتهز الفرص لينفجر. هذه (بونية) تصيب أذنه» من المؤكد 


VA 





or4 


خرقت الطبلة. يا ندل تأخذني على خوانة ‏ هكذا سمعه. خحذ doy‏ 
وخحذ وخذ. لم تعد علقة نوى أن يعطيها ويفض يده منه ومنها 
أصبحت معركة نكاد تتعادل» الآن فقط يتأكد أن الآحر ليس جباناً 
بالدرجة التي كانيتصورها .ذعرهالأول أصبحواضحاًانهذعر المفاجأة 
ليس إلاء الآن هو يطلب العراك. وعليه عقد العزم. ما تصوره هكذا 
أبداً»طول عمره يراه فاراً رعديداً لا يحتمل الصمود لمجرد سباب وإن 
كان يبدو في قوة الأسد. ولو.حتماً سيأكلها. فأر أو أسد سيخرج منها 
daly‏ مستديمة على الأقل. بجماع قوته لكمه. انثنى الآخر وتأوه. 
وتلذذ. بركبته رفعها كالطلقة شلفطت وجهه وأسالت الدم من أنفه. 
اعتدل. طار صوابه واعتدل. عيونه يشع منها بريق الشر والجريمة. 
كالثور الهائج أفبل» إلى اليمين زاغ منه. ولكن لان ذراعه أول ناله 
وبضربة من قدمه هوى على الأرض كالكتلة. المقص أصابني أنايا 
حمادة. فلم أكن الأسرع. الركلات تنهال كالمطرء الجبان» 
بالحذاء. يسددها لوجههء فقد العقل» فقد الاحساس بالضرب 
والألم. همه أصبح أن يغلب» لو مات حتى قد غلب أوغالب 
لما همه. المهم أن يخرج من الصراع غالبا ولو ممزقاً أرباً يبخرج» 
أمسك بالقدم » الضربة إلى صدره» بشدة أمسكها بيديه وبقوة عظمى 
ثناها. سقط الآخر يتلوى» يتأوه؛ اندفع يرقد وبيديه يحيط رقبته 
السميكة عازماً أن يكتم للأبد أنفاسه. اختنق الوجه بالاحمرار 
وبحلاوة الروح abo‏ أصبعه السبابة في عينه. المجرم. لنكن مجرمين 
أصبحنا. إما قائل أنت أو مقتول. الرعب أمده بقرة أعظم. تخلص 
من الأصبع . رعب آخر جعله بانتفاض يديه بعيداً حتى ليرتطم رأسه 


v4‏ أنا سلطان من قانون الوجود 





oy 


بحامل الخزنة بل وتسقط على قدمه. تماسكا WE‏ يتضاربان» حتى 
لاحت فرصة وأمسك لحم كتفه بأسنانه. بأنيابه» بكل ما يملك من 
حقد وغيظ» وجنون وفتوة أنشب فكيه في لحمه. أحس بطعم اللحم 
نفسه من خلال حرف البدلة» صراخ اخحر مكتوم لم يعد يعادله إلا 
ضرباته. ضربات وحش لا يرحم؛ عينه يحس بها أغلقت تماما ولم 
يعد یری بهاء أنفه تورم وبالتأكيد تدشدش» دم الآخر سال» وبدأ 
يصرخ وبدأ هو الآخر يصرخ» الفسرب اشتد وعنف وتشعب أهو 
يضرب أم يضرب» gal‏ المهزوم آم المنتصر كل ما أصبح يحسه أنه 
متعب وأن التعب يتكاثر عليه حتى لم يعد يقوى على أخذ النفس. 
أصبح همه كله أن يتنفس لم يعد يتنفس. الهواء لا يدخل صدره. 
غير قادر أن يحرك الضلوع ليدخل الهواء. على الأرض تمدد بغير 
حراك» سكون» Saag‏ حين استطاع بطلوع الروح أن يعود يلتقط 
النفس» بدأ يدرك أن الآخر Lad‏ لا يضرب» وبنظرة لمحه مكوماً 
أسفل ركبتهء مغمض العينين» بدأ بالكاد يلهث بالنفس. كتلتان من 
الأنسجة المبعثرة والملابس الممزقة وبقع الدم ممددتان على الأرض 
في مكتب ليس به سواهما بعد ظهر ذلك اليوم . 

من مكانه راح يرمق الآخر. عشر سنوات وهو بغير الحقد لا 
يرمقه . من مکانه راح ينظر إليه ويتأمل. إنه لأول مرة يسرى قاع auf,‏ 
ويدرك أن الشعر في منطقة قمة الرأس خفيف تماماء بل يكاد يكون 

ووجد نفسه يتمتم: من كان يتصور هذا. بعد عامين على 


الأكثر سيكون الصلع قد شمل رأسه كله. مسكين . 


At 





oy) 


حكاية مصرية جدا 


تلك calle‏ القليلة» غريب ltl‏ بغريب» وكل منهما بلعن 
الحظ بطريقته. ويتلاءم أو يتصارح » بطريقته أيضا. 

ذلك السائق الطيب. سمين وملظظ وأب لشلائة طلبة فى 
الجامعة» ويجيد رواية الحديث والنكتة . 

قال: كنت سائراً قريباً من شيراتون» وفجأة في تقاطع 
شارعين» وجدت شحاذاً مقطوع الساقين يعترض بجسده (أو بالأصح 
بالباقي من جسده) طريق العربة. وقفت. وفوجئت بذلك الإنسان» 
وبقدرة هائلة كقدرة القرود والزواحف» يقفز من حيث كان أمام العربة 
إلى حيث الباب المجاور لي ويفتح الأكرة وينزلق بجسده إلى جواري 
وهويلهث ويقول: اطلع يا اسطى . 


أطلع ازاي . قلت له. معقول أن أعطيك حسئة. أما أن 
أوصلك حسنة فهو ما لم يسمع به أحد قال: يا اسطى أنا عايز أروح 
شبرا الخيمة أو شبرا المظلات؛: من فضلك وصلني , أنا زبون ولست 
شحاذاً اطلع بسرعة. . أرجوك . 


A\‏ أنا سلطان من قانون الوجود 





ery 


ترددت قليلاً ولكن إلحاحه الشديد. . ثم قبضة النقود التي 
أخرجها نصف إخراجة من جيبه أقنعاني أن أطلع. وطلعت. سرت 
على كورنيش النيل أتأمل الزبون. . ملابسه مقطعة» جسده قذر» 
شاب لا يزال ولكن شعره منكوش بطريقة تضيف إلى عمرة, عشر 
سنين. ولعب الفأر في عبي مرة أحرى فأوقفت السيارة وقلت rad‏ 
أنت إيه حكايتك بالضبط . مش ماشي إلا لما تقول لي . 

قال: تشرب كوكاكولا. . 

ونادى على بائع الكاكولاء ودفع له في الزجاجتين عشرة قروش 
بسخاء وشربناها. قال: اسمع يا سيدي . . آنا شحات. . 

قلت في سري: هذا يبدو واضحاً. . 

قال: وأنا أريد sli iol of‏ مخصوص لأهرب من 
العسكري . 

سألته: قصدك شرطة مكافحة التشرد. 

قال: لأ. . عسكري المرور. 

قلت: وما علاقتك بعسكري المرور وأنت شحات؟ 

قال: علاقة عمل. 

قلت في سري: أي عمل هذا الذي يربط بينك وبين عسكري 
المرور؟ 

قال: أيوه. . علاقة عمل . 

وأخبرني بالقصة. . قال: 


- من يوم أن قطعت ساقاي في حادث مترو بدأ ربنا يفتحها 


AY 





oy 


ce‏ وبدأ الناس كلما رأوني زاحفاً على الأرض من تلقاء أنفسهم 
يعطونني» وبدأت أطلع في اليوم بخمسين ستين LES‏ وأقول نعمة. 
ولكني بدأت أفهم وأوعى وأعرف أنني أمتلك رأس مال. ساقاي 
المقطوعتان رأس مال لا باس به أبداً لا بد أن أشغله. وهكذا بدأت 
أتقن انتقاء الأماكن» وأعرف طباع السكان والمارة في كل حي من 
أحياء القاهرة. الغريب أن الذين كانوا «يعطفون» دائماً علي هم: إما 
الفقراء جداً أو الأغنياء جداً. أما متوسطو الحال من أمثالك فالظاهر 
أن الرحمة صعبة الوصول إلى قلوبهم تماماً. ولكني أيضاً بطول 
المزاولة اكتشفت أن الذين يعيشون في مصر تيبس الرحمة في قلوبهم 
بعد قليل من كثرة ما يرون» أما القادمون الجدد فهم الذين لا تزال 
قلوبهم» وجيوبهم أيضأًء عامرة بالمال والرحمة. 


وهكذا كان لا بد أن أعثر أخيراً على ذلك الركن القريب من 
الفندق الكبير الذي ركبت معك من جواره. مكان وشغلانة لوكس. 
الركن إشارة. تقف العربات عند النور الأحمسرء في سرعة أكون قد 
مسحت ركاب العربات الواقفة وسائقيها قبل أن يضيء النور الأخضر 
وينطلق المرور. . ولكني اكتشفت أن الإشارة لا تستمر طويلاً بحيث 
لم أكن أتمكن من تكملة مسح العربات كلها. وهكذا في يوم ذهبت 
إلى العسكري الواقف عند الإشارة ولم يأخذ الأمر سوى كلمتين 
اتفقت معه بعدهما أن يطيل من فتح النور الأحمر حتى (أمسح) 
العربات كلها وحين أعطيه أنا (إشارة) من رأسي أن كله تمام يفتح هو 
(الإشارة) . 


Uf AW‏ سلطان من قائون الوجود 





ove 


يا ابن الإيه. هكذا قلت له. وقلت لنفسي أهذا هو السيب إذن 
في غياب تلك الإشارة وربما غيرها من الإشارات؟ . 

ووجدتني أسأله : وكنت تعطي العسكري . 

قال: Lab‏ . خمسين ستين قرشاً كل يوم . 

- أمال أنت بتطلع بكام . 

- مش كله. . اتنين تلائة. . ممكن أكثر شوية خمسة ستة في 
يوم المرور زحمة . 

طب والنهارده . . مالك هربان ليه؟ إيه اللي حصل؟ 

النهارده يوم موسم كل سئة وأنت طيب. والشغل كان على 
ودنه, وقلت أهرب قبل ما بيجي العسكري يشاركني فيه. 

ولكن (هكذا قال الأسطى) تفكرت في الموضوع وقلت له : 

طب ما هو العسكري بكره ح يقفشك يا حدق. 

ونظر لي بابتسامته الشابة الحدقة المصرية الساحرة وفال: 

-لا.. بكره فيه عسكري تاني باتفاق تاني . . ده كان آحر يوم 
للعسكري ده في الحتة دي . 

قال الأسطى : كنا قد وصلنا المكان. . عندك يا اسطى 
وقفت.. كان الحساب ٤١‏ قرشاً. أعطاني خمسين قرشاً. . سبعة 
قروش بأكملها بقشيش وقال لي : لو تبقى كل يوم تعدي على الإشارة 
دي الساعة عشرة كده وتوصلني ح أديك خمسين قرش . 


Ag 





ove 


عن الرجل والنملة 
بعيون فاغرة فاها رحنا نراقب الباب وهو بالعصبية. الشديدة 


يفتح والكتلة البشرية تدفع من خلاله لا نتبينها إلا حين فقط تستقر في 
ركن الزنزانة الفارغ . حتى السباب المعتاد الذي كان لا بد يصاحب 
esl‏ والإغلاق والتكويم» من فرط الدهشة؛ لم نتبينه إذ قد حل 
الصمت لا نجرؤ على قطعه مخافة أن يجد جديد وأن يكون وراء 
البداية ما وراءها. 

يتغامق الظلام في العادة بعد التمام . الخامسة بالضبط موعده. 
النزلاء صامتون لمقدمه إذ المفروض أن يحل الصمت ليتمكن حراس 
ll‏ من التغيير مع حراس النهار ويتمكن شاويش النهار من تسليم 
شاويش الليل» صمت يهيىء للصراخ أن يتعالى إذا حدث الخطأ 
وأفلت نزيل من الإحصاء وارتبك العدد. الباشاويش هو المخطىء 
ولكن الشتائم تنهمر فوق رأس النزلاء» وثمة جرى» وصوت الكوالين 
الحديد يزأر وأبواب أخرى تنهمد حتى لتكاد تدك الحائط الحجري. 
Lely‏ يجري الأزيز النهائي لمفصلات باب العنبر الكبير» وتخفث 
الأصوات مع الأقدام مبتعدة» ويحل الصمت. ويستمرء للتأكد أنهم 


Ao‏ آنا سلطان من قائون الوجود 





o۹ 


جميعاً ذهبواء وأن النهار المتعب انتهى . ثم» وكأنما فجأة» تنفجر 
من الصدور الزعقات والقهقهات والشتائم مكونة مولد المغربية 
المعتاد. 

السكوت في النهار طوال النهار أحد الأوامر المتعارف عليها 
الصارمةء الألسن تتيبس في الأفواه لقلة ما تتحرك, الحناجر 
مخشوشنة من فرط السكوت» فقط حين تذهب قوة النهار ويترك العنبر 
في حراسة ثلاثة حراس ليل عواجيز في الغالب» قريبي الإحالة إلى 
المعاش. فقط حين يطمئن الجميع إلى ذهاب الجميع يفرج كل 
نزيل عن لسانه ويبعث الحياة في شفتيه وفمه وصدره. ويزعق»› 
ويشتمء بکل ما يملك من قدرة وقوة يصرخ ويشتم وكأنما ينتقم من 
السكوت وأوامر الشلل ويزاول الغريزة التي طال حبسهاء غريزة أن 
يشتم ويشتم» فمن فرط ما يتلقى النزيل من شتائم طول النهار وهو 
عنها ساكت وبالأمر متسامح تتكون له Sd‏ غريزة الشتم تنهال بها كل 
زنزانة على الأخرى ويتبارى في مزاولتها الجميعء بفن وخلق 
وابتكارء لأسماء الأم وجسدها يختلق ألف تعبير وتعبير. 

في أحيان قليلة جداً يحدث, أن فجأة؛ يدور المفتاح في قفل 
الباب الكبير ويفتح العنبر» وهناء وفي لمحة خاطفة واحدة يتسمر كل 
شيء في مكانه ويحل أعمق وأغرب صمت. . صمت الترقب الرهيب 
لما عساه يكون السبب في فتح الباب. 

وتتعدد الأسباب وتكثرء وذات مرة تجد السبب باب زنزانتك 
نفسه وهو لروعك يفتح وكتلة بشرية ماء تنزلق» ليعود الباب ينغلق . 


At 





ery 


قبل أن تسأل أنت القادم أو يفتح هو من تلقاء نفسه فما للكلام تنهمر 
whee‏ الأسثلة من قريب ومن بعيد ومن أقصى الدور الثالث نفسه 
تتساءل عن حكاية هذا الذي دخحل» فلا تدخل بعد التمام إلا حكاية 
مهولة, لا بد في الحال أن تعرف» وهكذا إن لم تبادر وتجیب» حتى 
قبل أن تعرف أنت ما هي الإجابة» تنهمر عليك أنت الشتائم هذه 
المرة وتؤرق عظام أمك وأبيك وأعضائهما أحياء كانوا أم أمواتاً. 
قفص حياة رهيبة يتولى فيها أناس حبس أناس وخنق أناس وضرب 
أناس وحشدهم وتكديسهم هكذا في علب محبوكة من الزنازين 
والحجرات . 
ما بك ياعم . . خخير. . 


سمعت أنا وحمزة البسيوني. . زميلي في الزنزانة الذي تصادف 
أن اسمه يشبه اسم قائد السجن الحربي حيث تتم كل ألوان 
التعذيب» تشابه كان يجعله وبالتالي يجعلني هدفا لتعليقات ونخزات 
وتعذيب لا حد لها. 

مالك يا عم مالك, . 


قالها حمزة هذه المرة»› بأمل أن يجيب القادم . ey‏ في 
الركن لا يتحرك كان لا يزال. الأسئلة تترى تخترق باب الزنزانة 
المعنتوع من اضيا متوازية من ديدلا nly cole]‏ سيول من 
الشنائم تلعنني وتلعن حمزة. ما أغرب قدرة الإنسان على تعذيب 
نفسه وتعذيب الآخرين إذا وقع عليه عذاب لا يملك منعه. معذبون 


Ui AY‏ سلطان من قائون الوجود 





oA 


يعذبون معذبين. ما أبأسه من محبس Lele‏ محبس وعذاب في لب 
عذاب . 

لا رد ولا تحرك ولا كان Lal‏ عليه أن سيرد. أيكون ما نسمعه 
منه ليس تنفساً عميفاً إن هو إلا نشيج Sy‏ بكاء الصامتين لا حول 
ولا قوة» وجدث أنفسنا نقترب من الرجل نحيط به مشفقين. أيدينا 
نطبطب عليه ونستخرج كنزنا الثمين» الشمعة الوحيدة التي نملكها 
وندخرها للحظات الحاجة القصوى» أشعلناها. بضوئها الذي بدا 
aly‏ مددت يدي ورفعتها من الكتف إلى الرأس أعدله وأرى 
الوجه. 

کدنا نموت أنا وحمزة Ley‏ فكلانا طبيب ونعرف ماذا تعنيه تلك 
الصفرة المتكائرة المتشاحبة التي لونت الوجه. الحدقات الواسعة 
المفتوحة وهي تمعن النظر في الفراغ وفي اللاشيء. ما لم ننبهه مات . 
انهلنا عليه بالأسثلة نستفسر إن كان قد ضرب وأين ضرب وفي أي 
مكان من جسده يؤلمه أكثر. قسنا النبض وعددنا مرات التنفس. 
الصدمة فعلاً واضحة ولكن لا أدرى أي إصابة في الجسد» لا جرح»› 
لا خدش. لا بطن, منفوخ» لا شيء. 

وتنفيذاً للمعاهدة المعقودة مع الحارس الليلي ساومناه على 
كوب القهوة. أصر على عشر سجائر ونحن لا نملك إلا علبة. وافقناه 
على مضض كثير. أخيراً أصبح في يد الرجل كوب قهوة معجز 
المذاق في تلك اللحظة» وسيجارة (وينجز) بأكملهاء وعلى ضوء 
الشمعة دماء قليلة بدأت تسري في الوجه الخراب» همهمة» تمتمة. 


AA 





o۳4 


تنهدات الكل يختلط بالكل والكلمات بالأصوات والإشارات ورفض 
أن يفصح . 

نلج بكل ما نملك من طاقة الحاج» والرفض البادي على هيئة 
صمت هو وحده الجواب . تشاورنا أنا وحمزة. نتركه؟ نخفف الوطأة 
fae‏ نترك كل شيء للصباح؟ ولكن حب الاستطلاع فينا لا يمكننا 
نحن أنفسنا مقاومته» والإلحاح, إلحاحنا وإلحاح بقية الحجرات 
والزئازين كلما احتمى الرجل بصمته» وتداخلت رغبته في الإفضاء 
كما يتداخل حيوان القواقع إلى عمق القوقع كلما شعر بلمسة 
الأصبع . وبكل نعومة رحنا نداعبه» ثم فجأة» تركناه. . 


تركثاه , . 
حتى كاد يغلبنا النوم. وكل الألسنة المطالبة في الخارج قد 
۔ هل سأموت؟ 


رفع الرأس فجأة بالسؤال وكأنما إجابة متأخرة جداً عن قولنا 
له: نحن coll‏ لا تخف. فضفض حتى تستريح » ولا تخف» فنحن 
نريد مصلحتك» نحن أطباء . 

هل سأموث؟ 

ودون أن نتفق › لم نجب. رحنا فقط ننظر إليه ولا نجيب فما 


كنا نريد تطمينه حتى لا يؤوب إلى سكوته وفي نفس الوفت لم نكن 
نريد إزعاجه حتى لا يتمسك بموقفه. 


AM‏ أنا سلطان من قائون الوجود 





Of ° 


فجأة وجدت حمزة ينفجر فيه غاضباً مؤنباً إياه على هذا 
الموقف الطفولي الذي لا معنى له بالمرة. معتقل سياسي. ألست 
الف كان احا مق كاب النتدلية al‏ لسن gees‏ إذ لماذا 
هذا التثبث بالصمت. أخائف هو على نفسه. وماذا يمكن أن يحدث 
له أسوأ من هذا الذي حدث GUL,‏ جاءوا به إلى هنا بسببه وعلى 
تلك الحال القريبة من صدمة الموت. 

فعلاً. . يعني ح يكون جرى لك إيه؟ 

بعمق تنفس وتنهد وقال ببطء ونظراته تعود تنغمس في الفراغ : 

- أوحش شيء على ظهر الأرض . 

وكدنا نبتسم في رثاء. . ماذا يمكن أن يكون قد حدث؟ 


ale‏ بر رین a gb‏ على ol Le J talon ish‏ بحت 
لبشر. ومرة أخرى استخففنا بكلامه. . وكدنا نقهقه. سبعة عشر شهراً 
ونحن في هذه الزنزانة Las‏ سجن مصر محطة يتوقف القادمون من 
السجن الحربي في طريقهم لطره وأبو زعبل والواحات» والقادمون 
من تلك الليمانات في طريقهم للمستشفى أو للإفراج أو لعذاب آخر 
في السجن الحربي . وارد وصادر وحركة دائبة جعلتنا نصادف كل ما 
يمكن أن يخطر على البال من تهم ومتهمين ومعتقلين وأسباب 
اعتقال» وتعذيب» ومعذبين. التفخ والضرب وكي نصف البطن 
الأسفل وهتك الأعراض وكل شيء» ولم تبق وسيلة لم نعرفها أو يأتي 
لها ذكر. وكل منهم. . مثل هذا القادم. . يعتقد أنه الوحيد الذي 


۹۰ 





o£ \ 


ماذا يمكن أن يكون قد وقع له؟ 
- أوحش شيء على ظهر الأرض . 
- ماذا مثلا؟ 

أوحش شيء على ظهر الأرض . 
= نمت مع نملة. : 

وانفجرنا ضاحكين . 


قطعاً هو لا يبدو مختل العقل وإن كان واضحاً أنه في طريقه 
لاختلال عقله. وبوجه ale‏ صارم يحمل كل ما في هذا العالم من 
ندم يقولها. نام مع نملة. وانفجرنا ضاحكين. 

وإلى الصباح التالي ظللنا نضحك. ونتذكر ملامحه وهو ينطقها 
فتصاب معداتنا بالمغص من فرط ما ننحني ونضحك . 


وعلى رأي كليلة ودمنة قلنا له في الصباح التالي - وكان تقريباً 
لا يزال على نفس جلسته وقرفصته وانكماشه على نفسه. . وكيف 
كان ذلك يا أستاذ. 


لم يكن تبدو عليه سيما المعتقلين السياسيين. معظمهم كانوا 
مثقفين. حليقي اللحية والشارب» حريجي أو طلبة جامعات. هذا 
كان له شارب» أصفر وغزير ومتهدل على شفته العليا يكاد يلامس 
السفلى. وجهه خشن لا بد من كثرة مزاولته عمله خارج المكاتب 
والمنازل في الخارج حيث الريح والتراب ولفح الشمس . في الحقيقة 
لم نفاجاً حين قال لنا إنه عمدة. حين تستخرجها من الحالة التي كان 


٩۱‏ أنا سلطان من قانون الوجود 





ogy 


عليهاء والسكينة التي آلت إليها ملامحه وقوامه. وتفرده» وتوقفه, 
وقصيرة سيرته الأولى ويتبدى لك على حقيقته تجد أنه حقاً وصدقاً لا 
بد كان واحداً من أولئك العمد من طراز: اخرس يا ولد. شهم 
كريم cds‏ للضيف خروفاً إذا رأى»ويسافر إلى آخر الدنيا تلبية لشداء 
مستغيث. عمدة ومعتقل سياسي . جديدة جدأ هذه المرة. والنكتة أن 
يكون شيوعي he‏ ومن منظمة (ح.م) المغالية في شيوعيتها واتهامها 
لكل الشيوعيين الآخرين أنهم عملاء للبوليس السياسي . الأقرب 
للمعقول أن يكون واحداً من أعضاء الهيئة الوفدية فليس هناك عمد 
في تنظيم الاخوان المسلمين» ولكن» لا تعجب أبداً إذا اتضح في 
النهاية. أنه ماركسي يؤمن بالمادية التاريخية وربما قد قرأ رأس المال 
واللينينية . 


0 


في الليلة التالية ساءت حالته وارتفعت درجة حرارته وأصبح 
نبضه »١15١‏ وبدا وارم الوجه مختئق السحنة وكأنه سينفجر بعد 
قليل» انهلنا عليه بالأسئلة لنعرف منه ذلك الذي وصفه بأنه أوحش ما 
في الدنيا. 


وتكلم. . 


أخرج من صديريه البلدي الداخلي علبة سجائر ALS)‏ أ) 
عشرين سيجارة كاملة» وعزم ‘abe‏ ولم نصدق أنفسنا ونحن al‏ 
دخان الكرافن وبكل ما نملك وما أصبح لنا من طول بال نصبر على 


۹۲ 





of 


كلماته التي تخرج بعد عناء» ولهائه بين الكلمات . 

بدأها من منتصفهاء أو من حيث بدأ يهتم هو بهاء لا نعرف. 
قال: هذا الوغد» يونس بحري. قتلني. بالأمس فعلاً قتلني» 
وسأموت» ولكني لن أموت قبل أن أغرس أسناني في زوره وأقضم 
حنجرته ابن الانيتة هذا . 

جالسين وفي أمان الله وبعد يوم شاق من تكسير البازلت وحمله 
في المقاطف والسيربه نصف كيلوء من السابعة والصخر فوق أكتافنا 
والرمل في عيوننا وأفواهنا وأقدامنا العارية ينغرس فيها الشوك والزلط 
والمسامير» وجلست آخر النهار» قبل طابور العودة نستريح . وكانوا 
ثلاثة ضباط أحدهم هذا الخسيس يونس بحري . ناداني . منذ أن 
gh‏ ورأيته وأنا أشفق عليه وعلى نفسي أن يناديني . ناداني . تلكات 
ولكني فلت أقصر الشر وألبي نداءه. ذهب. وقفت. تركلي Lally‏ 
' واشتبك في حديث فاتر مع زميله. قلت: أفندم. رمقني بنظرة» ثم 
عاد إلى حديثه الفاتر. اللهم طولك يا روح. قلت» وعزمت أن أؤجل 
أي اشتباك فجسمي مهدود ولن يحتمل أي ضرب. والبداية واضح 
أنها ستنتهي بضرب . أقصر الشر يا ولد. واصبر. 

هناك بعد ربع ساعة أو أكثر. التفت ناحيتي وقال: روح هات 
نملة من هناك. وأشار إلى كومة تراب قريبة. 

صحا مخي من غفوة الوقوف وخيل إليّ أني لم أسمع جيداً 
وسألته : Ket‏ ماذا؟ 


Uf ay‏ سلطان من قانون الوجود 





of 


هب فيّ صائحاً: نملة» . . ألا تعرف النملة يا بن ال. , ؟ 

سكث. 

مرة أخرى : تعرف النملة واللالاً. 

قلت بتسليم : أعرفها . 

قال وهو يلتفت إلى زميله : روح هات نملة. 

طول الله روحي وذهبت إلى حيث أشار» وتفرست في كومة 
التراب مليا حتى وقعث عيني على نملة حمراء كبيرة نسميها في 
بلادنا حرامي النمل. انقضضت عليها بقبضتي ودون أن أفعصها 

ووقفت أمامه وقلت: أهه النملة يا أفندم . 

- وريني . 

فتحت يدي كان. . رآها. . قال: 


- ولازم تجيبها حمراء هي رخره يا بن ال. .(. . .) الشيوعية. 


بنظرة من أسفل إلى أعلى رمقني وقال: 

Tal دي‎ - 

قلت ببراءة ما بعدها براءة: نملة يا بيه . 5 

. Ju 

خيل إليّ أني حقيقة لم أسمع فقد OLS‏ الطلب الذي طلبه 
غريباً lar‏ وغير معقول بالمرة» salle‏ أفندم . 


۹٤ 





ofa 


قال: اخلع هدومك. . 

- نعم . . 

أشار لحامل الكرباج وزميله حامل الشومة . 

رفعت يدي مسلماً UG‏ حاضر يا بيه. . اخلع هدومي ولكني 
ترددت . . نظرت حولي بركن عين. . طابورنا المنكود الحظ قابعا 
كصفين من طابور ذباب الكدح والزق والزجر. في دائرة واسعة رهيبة 
يلتفحوله سور من عساكر يحملون الأسلحة الأتوماتيكية بكافة ألوانها؛ 
قريباً منه تناثرت فرقة الضرب تحمل الهراوات والكرابيج والنبابيت 
والأحزمة والقضبان الحديدية. أنا واقف وحدي ويونس بحري مقع 
على كرسيه أمامي . ولا مفر. 

استنهضني بشخطه ولما كنت كما قلت قد قررت أن أؤجل 
الاشتباك فقد منددث يدي الأخرى وبدأت خلع جلبابي» وخلعت 
الصديري» عارياً كما ولدتني أمي أمامه. 

قلعت هدومك. . 

- زي ما أنت شايف يا بيه. . 

طيب (. . .) النملة اللي في إيدك دي . 

خبل إليّ أني حقيقة لم أسمع» وكيف أسمع» وما طلبه لا 
يمكن أن يمر إلا من fie‏ مجنون» حتى المجنون نفسه يخجل أن 

- نعم . . 

الكرباج مرفوع فوق رأسي والنبوت Lig‏ للانقضاض ويونس 


۹۵ أنا سلطان من قانون الوجود 





645 


بحري تجمدت نظراته النارية على هيثة الأمر الذي copa‏ والدنياء 
وسور العساكر حاملي المدافع » والطابورء والبازلت والجبل والصخر 
والطریق » وکل شيء سكت وصمت pally‏ يستحثنى أن ألبي . 

انتفض الفلاح الخبيث الذي في يقلب الموقف الجاد الرهيب 


وقلت فجأة: 
- بس دي دكر یا بيه. . 


لم يضحك. ولا أحد من القريبين أو البعيدين ضحك بكل 
صرامة قال: روح هات واحدة نتاية. 


وكالذي نومه المنوم المغناطيسي استدرت وقصدت كومة 
(التراب) وعسعست بيدي . ab‏ کان أول ما jae‏ لي أن أبحث عن 
نملة اثنى؛ ولكني كدت أضحك من نفسي لأني انسقت وراء 
المشهد فعلاً وأخذته cide‏ وسألت نفسي : كيف أعشر على الأنثى 6 
وما الفرق بين النملة الذكر والنملة الأنئىء بل هل توجد نملة أنثى 
ونملة ذكر. المقصود عدت إليه ووقفت أمامه وفتحت قبضتي على 
نفس النملة وقلت: ها هي نملة أنثى . 

قال: يالله . . 

- يالله ماذا : 

سألته . قال : 

- تاني. . اسمع. . 

وفوجئنا بجعجعة أوامر تقرقع» واقترب سور العساكر حتى أطبق 


a 





of 


على طابور المعتقلين» واستقر أفراد فرقة الضرب فانتصبت واقفة 
مشرعة أسلحتها الفاتكة الرهيسة› وهوی الكرباج من حلفي وسمعث 
صفيره وهو يشر الهواء كالسكين القاطع مغورا في جلدي ولكن 
يونس بحري تلافاه» في آخر لحظة وأمسك WL‏ المهوية وقال بصوت 
مخيف صوبه إلى كل إذن تسمع: أسمع. . أنا لا أريد ضربك. . 
فأنا أعرف أنك من النوع الحميري الذي لن يؤثر فيه أي ضرب أو 
تعذيب ولكني سأضرب تلامذة ابتدائي هؤلاء. . 

أشار. . 

والحراس يعرفون إلى من يشير. فقد كان ثمة خمسة صبيان 
صغار لا يتجاوز أيهم السادسة عشرة» معنا في الطابور» إذا ضربوا 
يصرخون بل يصوصون كالكتاكيت الملعورة وتغور صرخاتهم في 
لحمنا الحي بحيث يصبح أهون لأي منا أن يقطع بالسواطير ضربا ولا 
الوعد. ياعم يا يونس ما كنا قاعدين في أمان الله ماذا دار في 
عقلك النجس ليقلب سلامنا هذا إلى لحظة الرعب هذه حتى ليبداأ 
الجو يحفل برائحة الدم واللحم المفروم . . 

تطويل الروح لم يعد يجدي . ماذا تريد يا أيها القومندان. 

يا لله, 

oY,‏ ضامن اني سأكون على حق في تساؤلي رفعت صوتي 
مستغيئاً مستعيناً بالله من هذا الهول الذي لا أعرفه: إزاي بس يا 


ay‏ أنا سلطان من قانون الوجود 





otA 


بيه. . أنا في عرضك. . إزاي . 

- زي الناس . . هكذا قالها. 

- زي الناس GUL‏ . 

-زي الناس يا ابن ال. . ويا بن ال. . ماذا تفعل الناس؟ 

- ولكنها تفعلها مع الئاس والإناث الكبار» وهذه نملة. . 

ولو. . اعتبرها ناس . . اعتبرها إناث. . 

حاضر. . 

قافزاً الفلاح الخبيث إلى نجدتي مرة أخرى قلت: 

حاضر يا بيه . . 

وعملت أني فعلاً أزاول ما أمرني به.. وأناء زيادة في 
الاندماج» قد رسمت على وجهي ابتسامة E‏ استيقظت منها على 
مرت دوف شر رخ ل ون کر ge‏ وزد ران 
إلى جواري . التفت على do pall‏ أهذه صاعدة من عظام الأقدام 
لكائن حي إنسان صغير يتألم؟!. انفجر قلبي وتدفق منه الدم الفائر 
غصة ولوعة, 

-لا تمثل يا بن الكلب. . اندمج . أتضحك علي . . اندمج. . 
أنت خالع الآن ملابسك وهذه أنثى» نملة مش نملة لا يهم. . هذه 
ا اندمج . : وسأراقب وجهك وملامحك. . وأقسم برحمة أمي 
إن لم أرك تفعل ما قلته سأشرخ تلاميذك وأنت وكلكم معه. . وأنت 
تعرف وكلكم تعرفونني . . 

وكان واضحاً من وجهه المسمر بالجديري القديم aif‏ لا يهزل»› 


4A 





۹ 


حاولت أن أجد فرجة احتمال أو pte‏ احتمال للتهاون فلم أجده هذا 
إنسان مجنون وقد تقمصته حساسية المجانين للحقيقة ولن يصدق 
غيرها ولن أستطيع أبدأ خداعه وعلّ أن أفعلها. حاولت. ولكني في 
منتصف المسافة استدركت وطلبت منه العذر, 


وجمعت نفسي وبأقصى ما أستطيع من قدرة على أمر النفس 
أمرتها. أحسست أن شهباً كشهب الجنون تتراءى لعيني» ومن فرط 
الانضغاط بدأ العقل في مخي يطقطق. مجنون أمرء وأمر مجنون» 
ولا بد أن أستجيب» ومجنوناً لا بد» لكي أستجيب. أن أصبح UE.‏ 
فعلاً رجل ضخم» وهذه نملة» وبكل كياني عليّ أن أصغر نفسي 
وأستحيل من إنسان إلى حشرة» وعليٌ التخيل أني ذكر Aes‏ 
تستثيرني أنثاي أنثى النملة» وأنام معها. وكلما فشلت» كلما توقفت» 
كلما غام وعبي بالمشهد وباستحالة التحول. . وأحسست التهديد 
يحوم كغر بان البين حول التلامذة الصغار وحول الطابور أتصاغر 
وأتصاغر ويكسوني العرق وتطقطق عظامي وتتدشدش دون أن تصبح 
كفي في حجم ساق النملة» وساق النملة لا يكاد يرى ولا بدأن 
أهوى بوعبي وبإرادتي على كفي وكتفي ولحمي وعظمي ورأسي 
وبطني وساقي وعنقي وأدق وأصغر كي أستحيل ذكر نملة» أفرز 
هرموناته, وأجعلها بالقوة القاهرة تستجيب لهرمونات أنشاي القادمة, 
مستسلمة» في يدي. هكذاء رأيتهاء بألف عين دقيقة لي تكونت» قد 
استجابت» وكفت عن الحركةء ووقفت واضطجعت. لو كانوا قد 
عذبوني وقطعت الجبل كله» لو ربطوني إلى ذيل حصان جرى بي 


44 أنا سلطان من قائون الوجود 





oo. 


القطر كله من أقصاه إلى أقصاه. ألف جلدة» لو فعلوا ما هو أكثر 
وأكثر لما أحسست بربع معشار ما مر علي من عذاب حتى أفلت 
الزمام ولم أعد أستطيع الكف وجسدي يمضي يتصاغر ليصبح نملة 
ويستمر نملة ويعيش وبحب ويزاول الحب نملة. . وعند لحظة النهاية 


فقدت الوعي . . 
قالوا لي إنهم حملوني حملا إلى الليمان. 


وإنهم خافوا من صراخي أثناء الليل واستجار الزملاء من عضي 
وتمزيقي لملابسهم وملابسي» وحملوني إلى مستشفى سجن مصرء 
ومن هناك إلى هنا. . وهمس لي التومرجي الأسمر العجوز وأنا في 
الطريق إليكم أنهم يفكرون في الإضراج الصحى عني. . ولوما 
الفائدة؛ وقد نمت مع النملة واعترفت» وكان الذي كان. . 

ولأن لا أبشع في السجن المنتظرين المحاكمة من كلمة 
اعتراف» فقد وقفنا على أطراف تحفزنا UE‏ وحمزة ونحن نسأله بماذا 
اعترف ولماذا اعترف. 

قال وهو يشيح بيده: وأنا وسط العذاب» في منتصف المسافة 
بين كوني بشر وكوني ذكر نمل انكسرت إرادتي ولم أحتمل» وقلت 
كل ما عندي بأمل أن يتوقف أمر يونس بحري وأن يكف العذاب» 
ورغم الاعتراف لم يوقف المجرم الأمر» وحتى ولو كان أوقفه فأنا 
نفسي كنت غير قادر لحظتها أن أوقف عذاب التحول» إرادة أن أكون 
بشرأً أفلتت وصارت لي إرادة نملة لا تقوى أبداً على كتمان. 


* # $¥ 


٠٠ 





80) 


ورغم إعادته إلى المستشفى فقد سمعنا أن حرارته ظلت 4١‏ 
طول fell‏ ورغم جسده المتين الضخم› في الصباح التالي مات . 


Uf‏ سلطان من قانون الوجود 


Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 





oa0a 





Converted by Tiff Combine 





ied by registered version 





أقتلها 


/زوه 


Converted by Tiff Combine 








004 


ربما للمرة النادرة الثالشة أو الرابعة في gle‏ حدث ذلك 
الشيء الذي كثيراً ما يحلم به أي راكب اعتاد ركوب الطائرة وحيدأء 
حتى أصبحت مسألة من يكون جاره وكيف يكون أهم ما يخطر بباله 
قبل وأثناء وربما بعد الركوب. بضربة حظ مفاجئة والمقاعد حولي 
وعبر الطائرة كثيرة وفارغة» وجاءت الحلوة الطويلة ذلك الطول 
السامق الذي نفتقده في شرقياتنا العظيمات القصيرات» مبتسمة 
ابتسامة المرحب بك» وبكل ما يمكن أن يدور بخلدك» حمراء 
الشعر» حمراء النمش. حمراء البياض» والحمرة درجاث ودرجات» 
وبالدقة مرسومة وموزعة» حمراء لحمرتها هالة. وكأن الهة الجمال 
تسلط عليها من يوم ولادتها LILES‏ مسرحياً متلون الحمرة يتبعها أنى 
تنوجه» ولها يصبح الظل والواجهة, والمسقط والبروفيل. جاءت 
وتلفتت واختارت دون المقاعد جميعهاء ذلك المجاور لي واعتلته. 
فعلى الفور أصبح الكرسي عرشاً. ورداً على ابتسامتها المرحبة 
أطلقت تحية لها ألف ابتسامة ترحيب. ملكة من بافاريا بكل إرادتها 
احتارتني لأكون شعبها الوحيد المحظوظ . بل الظاهر أن صمام الحظ 


5 أقتلها 





eye 


كان قد أفلت من قبضة النحس تماماء وقبل أن تقلع الطائرة كانت قد 
طلبت مني مطلبا صعبا جداء ومن فرط جسامته يكاد يكون 
مستحيلاً. . أن أتفضل وأتنازل وأسمح وأكون دليلها حين تصل إلى 
القاهرة» دليلها إلى أوتيل لائق فهذه أول مرة لها في الشرق. . تحلم 
به منذ عاشت» والقاهرة بالذات كانت دائما مركز الحلمء ولهذا فلم 
تمض في بيروت إلا يوماً واحداً» ومن فرط لهفتها ذهبت إلى المطار 
دون حجز. . ومن حظها الحسن أنهم ارتضوا الوضع وهاهي الآن 
في الطائرة وبعد أقل من ساعتين ستكون في قلب المدينة الحلم . . 

صدتوني أو احسدوني أو تزمتوا وتظاهروا بالنفاق والورع» 
ولكنها راحت مرة أخرى ترجوني أن ترافقني ‏ وليس أن أرافقها أنا- 
إلى حيث (أضيع وقتي !) بعض الوقت كي أساعدها في إيجاد المكان 
المناسب في الفندق المناسب وبالسعر المناسب» فهي تمقت 
الهيلتون والشيراتون والأماكن الخاصة بالأغنياء لأنهم عواجيزء أو 
العواجيز لأنهم أغنياءء وتعبد الفنادق ذات الطابع! حبذا لو كان لدينا 
فنادق في الهواء الطلق» أو فيللات غرفها خيام وفناؤها الصحراء 
وطعامها يشوى في العراء على النارء Hy‏ يقلبها بدوي بلحيته 
السوداء وشبابه الأسمر وعقاله المدلى ‏ اهمالا أو أناقة ‏ إلى جانب. 
حبذا لو يشوي لها اللحم ومعها يلتهمه. في ليلة تحت خيمة» ليلة لا 
يشهدها سوى القمر. 


حين رأيتها قادمة في الممرء ودول «gyal of‏ كنت من فرط 
طولها وهيبة الأنوثة المكتملة في القوام الكامل قد أعطيتها خمسة 


4 





۱ 


وثلاثين Lake‏ أو شيئاً من هذا القبيل» وحين اقتربت بدا لي عمرها 
الحقيقي في optim‏ الثلاثين» وحين ابتسمت وجلست تحادثنا. . 
بالذات حين بدأت تغمغم حلمها اليقظ وكشافات حمرتها تزداد 
توهجأء وكل نمشة في وجهها LSS‏ انفعالاً وتصنع من مكانها 
وبسمتها إلى جارتها وعلاقتها بالجارة الأخرى HS‏ سر جمالي 
خاص تبوح عن نفسها وتتكشف, وعمرها ينداقص» بحيث قرب 
النهاية» ولولا أنها لا تصح إلا لمن جاوزت الطفولة. . إلا لصبية 
تدرك وعن يقين تلمس لماذا المرأة مطلوبة؟ لماذا يتقاتل عليها 
الرجال؟ لماذا تضن بالحب لأنها هي الحب. . كل الحب. . حين 
تحب؟ لولا هذا لارتدت إلى dp tll‏ وكلماتها تتحشرج بالحلم 
وبالنهاية حلماً. ما أجملكن أيتها الغربيات في شيء واحد» حين لا 
تجعلن ألسنتكن تنفرد وحدها بكل الحديث. حين نالت أجسادكن 
معكن الحرية وأصبح لها ومع العقل والقلب حق التعبير تحلمن» أو 
حتى تتكلمن أحلاما فتستحلن جميعا حلما بالصدق وليس بالتمثيل. 


وما أبشعك أيتها البافارية الألمانية كأنك من قبيلة جن أحمر 
انحدرت. كنث تحلمين» وتقتربين مني تزيدينني مشاركة لك في 
حلمك. تحلمين ويزداد كشافك الأبدي احمراراء وبنفس حلمك. 
«النفس حلمك» ينصب من حيث لا أدري على ملامحي ذلك 
الاصفرار المتغامق الفضاح» فحلمك تبئيشه كنت تقوضين حلما لي 
مذ رأيتك» وبقاهرة تضعينها في خيالك وصحراء» وباللحم البدوي. 
كنت تقتلين قاهرة أجمل أعرفها وأحفظ أركانهاء وصحراء أروع ما 


4 أنتلها 





فيها أنها ليست من رمال» وببدويك الأسمر ولحيته وشاربه كنت 
تنزعين عني ‏ كما يفعل بعض مخرجينا بقساوة ‏ دوري . . دور 
البطل» فلا بدوي UT‏ ولا لحية od‏ وبلون جلدي لا أمت إلى 
الصحراء أو حتى إلى محافظات بحري . عيناي مصيبتهما السوداء 
أنهما ليستا سوداوين كما بطلك؛ ذلك الذي لم أشعر نحوه بذرة 
تفسير لحماسك هذا الفائر المتوحش . 

وأيضاً كما يفعل ممثلونا والرواية تقرأ حيث لا أحد إلا الملقن 
يصغي إلى الموضوع» وإنما الكل وبلا وعي يبحث عن AST‏ الأدوار 
صلاحية cal‏ أغناها «بالافيهات والنكات» أطولهاء أبطلها كما يحدث 
هناك وحلمي يتحطم» ولونك يحمر» وحلمي ينحطم» ولون البطل 
يسود» ولوني UP‏ يصفر» كنت وقد فقدات الدور الرئيسي أبحث بغير 
ما لهفة عن الدور الذي أعددته لي في حلمك ذاك. 

فجأة ضحكثت . 

وبانزعاج مؤدب سريع توقفت عن الحديث وسألتني : ماذا 
حدث؟ هل أخطأت في شيء. 

كان انزعاجها Lae‏ فالضحك في ألمانيا ليس كالضحك 
هنا. . فمن حقك المطلق هنا أن تضحك في أي وقت تشاء ولأي 
كلام يقال حتى ولو كان الكلام جاداً ليس فيه ما يضحك ۔ بل بالذات 
لو كان الكلام bale‏ حقيقة وليس فيه ما يضحك. الضحك هناك 
كاي شيء - لا بد أن يتوفر لحدوثه أسباب وجيهة قوية مقنعة جداً 
وواضحة جداً ولا يختلف عليها اثنان. حتى في بعض الروايات مثلا 


٠ 





a1 


ممكن أن تحدث مواقف تدفعك دفعاً للضحك» ولكن OF‏ النص لم 
lS,‏ شيء لا بد أن يتم بنظام» فإذا فعل إنسان فعلتي » وفي نهاية 
كنهاية حلمها في لحظة تحشرج فيها صوتهاء ضحك» فلا بد أن شيا 
قد اختل في النظام العام. . جلت أنا أو جنت هي أو تسرب مع 
فتحات الهواء في الطائرة شيء من الغاز الضاحك . 


انزعجت» وبلهفة تساءلت مروعة لماذا أضحك؟ 

وكنت أضحك لأني اكتشفت of‏ دوري في حلمها هو الدور 
الذي نحتفظ به في الرواية للرجل الطيب الذي يقود الناس لتحقيق 
أحلامهم . . للقادة , 

كنت أضحك للكم الهائل من خيبة الأمل التي أحسست بها, 
فليس لشخصي اختارتني ملكتي البافارية وفضلت المقعد الخالي 
بجواري على كل ما عداه من مقاعد dle‏ وإنما لمؤهلاتي تلك 
التي يتطلبها دوري» واضح أني عربي مثقف أعرف لغات» وأعرف 
ا cols‏ كما رأت كل أمثالى فى بيروث وغير بیروت - 
أن أساعد السيدةء أي سيدة. . فما بالك بجنية ملتهبة الأنوثة صاخبة 
الاحمرار. 

يا بنت الايه! اسمعي اذن و. . 

وكما يتحدث الطلبة في برنامج ألف سلام؛ وكخطابات 
المغتربين ومحاضرات ذوي الحماس. . رحت والأصفر في وجهي 


0 أقتلها 





ore 


يننقل إلى البرتقالية والطماطمية والبطيخية وما شئت من ألوان 
الاحمرار» رحت. وبقسوة وبلاغة» أو فلنفعل كاللغويين الكبار ونقول 
بقسوة بليغة أو ببلاغة قاسية» رحث أخلع تلك الصورة البدائية 
الكريهة التي يبدو أنها علقتها في عقلها dis‏ الطفولة. كما غاظتني 
بحلمها عن البدوي وسمرته» تهورت في حماسي دفاعاً عن برج 
الجزيرة واثار الفراعنة ساعة العصرية على شرفة مينا هاوس . 

وحين انتهيت ضحكت» ربما تقليداً لما فعلت بكلامها أنا 
ووجدت أن عليها اتباعه ورد التحية فعلت. ولكني Uf‏ انزعجت. . 
ففد حفت أن تكون قد وقفت على سر البلاغة القاسية والقسوة 
البلاغية وحماسي المفاجىء للبرج. . لا جمال ألبئة فيه» وربما أي 
برج حمام أبيض في أي نجع يبدو لي أكثر منه وداعة وحضارة 
ورمزا. 

أكثرت من تفاصيل البداية أعرف» فأتتم لا بد أنكم مثلما كنت 
أنا تماماً شغوفين أن تنتهي البدايات بسرعة. وفي القاهرة أصبح 
وحدي مع البافارية الغربية الحالمة بليلة تنطبع فيها آثار الأحلام على 
الرمال. 

ولقد حدث . 

بل» ولقد حدث أكثر من هذا. 

حين هبطنا القاهرة كان اللقاء قد تم . في بيروت بدأنا والبدوي 
حلمهاء وهي أو مثلها حلمي» وكعادة الحياة والأحياء تبدأ معها 


۲ 





ee 


ومعهم مستنكرين» مطلقاً مختلفين غير راضين. ببساطة نرفض الواقع 
تماما ونرفض الخضوع ؛ وببساطة وكما رفضت أنا حلمها تماما حتى 
مزقت القاهزة كلها من أجلهء وكما لا بد كانت سترفض حلمي لو 
عرفته » وكعادة الأحياء Laat‏ حين يرفضون الواقع المفروض ثم شيئاً 
فشيئاً يلتقون بادئين من الأماني المشتركة والأحلام . نحن أيضاً تعادينا 
تماماً في الحلم» ولكن الواقع المحض بدأ يقربناء واقتراب الواقع 
من الواقع فن اسألوا عنه أهل الذكر. فالسيدة حين تخرج السيجارة 
وتضعها في فمها دون أن تبحث أو تحاول حتى البحث عن ثقاب» 
منتظرة أن تفعل أنت ذلك الحريق الصغير الذي تلتقط بعضه بطرف 
سيجارتها» وبحذكة تنذوق طعم الدخحان الساتج عنها. . السيدة حين 
تفعل هذا تضعك في الواقع أمام امتحان يرسب البعض فيه رسوباً لا 
نقض فيه . 


ذلك أنها أيها السادة حين تضع السيجارة في فمها الذي ضيفته 
خصيصا. . حين يحدث هذا إنما يكون في الواقع بداية بداية 
لمحاورة محاذية تسير bee‏ إلى جنب مع الحوار العادي . . المحاروة 
الحقيقية ذات اللغة الخاصة والمستويات المختلفة في الادراك 
والفهم , المحاروة الأهم التي من خلالها تدرك المرأة من أنت. . في 
الحقيقة من أنت. . وأي الرجال أنت. . وبأي الخصال تتمتع. . 
وأين نقط الضعف. انك إذا اندفعت مثلا كالتلميذ الخائف أن ينسى 
قطعة المحفوظات ملهوفاً فتبحث في جيبك عن الولاعة» وما أن تعثر 
عليها حتى تحس بالاضطراب» ومن بعيد تدقهاء تشعلهاء وغالباً ما 


۳ أتتنهسا 





611 


تفشل» وبعصبية من يريد إثبات البراعة ثانية وربما ثالثة تحاول» ثم 
تقرب النار بخوف من يخشى أن يحرقهاء وليس بأناقة من يتيح لها 
أوسع الفرص لاستعراض أناقتها الخاصة في تحاشي اللهب» 
والاقتسراب منٍ الشعلة» وأخل النفس , واخسراج النفس؛ والتحرك 
إقداماً وتراجعاًء والتفاتاً وابشلاعاًء واهمالاً في الإسراع والتراخي 
الذي تنشد له الأعصاب» اسألوا أهل الذكر» ستجدون أن لكل حركة 
كتاباً أو باب وللأبواب مفاتيح والمفاتيح أحجام» والمشكلة ليست 
مشكلة اصطدام رجل بامرأة وخلاص» المشكلة أن تدبر بحيث يبدو 
الالتقاء طبيعياً أكثر من الالتقاء نفسه»ء المشكلة أنك عارف وأنها 
عارفة وأنك عارف أنها عارفة وهي عارفة أنك عارف أنها عارفة» 
play‏ جرا ولكن FAS‏ وأين الرجل الذي يصبح فخره هذه المرة أنه 
الجاهل (مدعيا طبعا) وقوته أنه الغبي GU‏ وكأن الأمر يحدث ولا 
بد له فيه. إن شرب الشاي هو شرب الشاي» ولكن أن تجعل من 
مجرد احتساء قدح من الشاي فنأ وطقوساً تزاولها مستمتعاء وكأنها 
ليست وسيلة لشرب شاي أي glee‏ ولكنها هي الوسيلة غاية في حد 
ذاتها. كيف تجعل من كلمة «شكرأً» تبدو وكأنها أهم كلمة نطقتها 
في حياتك, وكأنك لأول مرة تقول > ومن أجلها استخرجتها من 
صندوق كنوزك التي لم يرها أحد» وتقدمها بإعزاز الملك يقلد الملكة 
التناج؟ كيف بصدق تجعلها تحس بكلمة شكرأء بنطقك لهاء 
بإخلاصك وإعزازك واختصاصك بهاء تاجا باهرا كالتاج الحقيقي› 
على رأسها ساعة ترى الرجال تضعه. وعلى كل om‏ وبالكلمة 
متوهجة فوق شعرها تفخر وثتيه . 





اسألوا أهل الذكر. 

فأنا لم أسألهم فقط» أنا بعض من أهل الذكر هؤلاء . 

وكان من المحتم اذن أن أجعل الحلم الذي في خيالها يتبخر. 
وأحل مكانه ما أريده أنا. 

وما أردته بالضبط تحقق . 

فقد تحولت الخيمة إلى حجرة في فندق فاخر. 

وتحول البدوي الأسمر ذو اللحية إلى شخصي أناء محدثاً 


وأنيقاً وبارعاً. 
ومضت خطتي في طريقها بأسرع وأروع ما توقعت. وانتهى 
العشاء . ش 


وكنت أعرف وأحفظ درس السيجارة» والحريق الصغير الذي 
علي أن أحدثه . 


وأول نفس من السيجارة كيف تخرجه . 

ومددت يدي بعلبتي أنا أعزم . 

ولكنها هزت رأسها بأناقة بالغة معتذرة : 

وبيد رخوة مدت يدها إلى حقيبة يدهاء وفتحتها وأخرجت. 
أخرجت سيجارا من حجم (تشرشل) . 

وفضت عنه ورف السلوفان , 

وبين شفتيها وضعته . 

ومالت برأسها وبفمهاء وبالسيجار ناحيتي » تطلب الشعلة. 


\o‏ ايه 





OA 


وكالمذهول المنوم تماماً. وبأكثر من فشل واحد اشتعل طرف 
السيجار في النهاية . 

وبتلذذ عظيم تمتص رحيق دخان وتنفثه ليشيع في الحجرة تلك 
الرائحة الخاصة للسيجار الهافانا. 

ولا بد أنها لاحظت ذهولي . 

فبنعومة بالغة سألتني : 

- أيضايقك أن أشرب سيجاراً؟ 

قلت بسرعة: أبداً أبداً. 

ثم رحت أقول ببطء شديد: أبداً. . أبدا. ' 

ولكني كنت أقولها وأنا سرحان تماما. . 
لقد كان في عقلها حلم بدوي لحمي حمراوي طردته. 
ولكن . . 
هذا السيجار. . 


كلما رأيتها من «الفاس» أو «البروفيل» نفس الملامح RAS‏ 
النمش البني فوق الأرضية المحمرة» الشعر المتوهج بالاحمرار» كل 
شي ء كما cols‏ ولكن السيجار ذلك السيجار اللعين قد غير بوجوده. 
بمجرد وجوده؛ معنى كل شيء؛ طعم كل شيء. . تتطبق بفمهاعلى 
فم السيجار فينبت لها شارب . 


والرائحة التي تعبق المكان تحيل ملكة بافاريا إلى كائن Al‏ 
إي كائن غير المرأة. 





4 


قالت: أعرف أن كثيراً من الرجال لا يعجبهم أن cp‏ المرأة 
السيجار مثلهم» أرجو أن تكون من المؤمنين بالمساواة» أليس 
كذلك؟! 

هززت رأسي موافقاً» وعن يقين موافق» فالسيجار في الحقيقة 
قد ساوى clon‏ بين ملكتي البافارية. وبين الرجل» أي رجل» أنا 


Converted by Tiff Combine 





ied by registered version 





0۷۱ 


يموت الزمار 


أنتلها 


Converted by Tiff Combine 








ovr 


تقريباً كل ما كتبته من قصص ونسبته إلى نفسي أو قمت فيه 
بدور الراوي» كانت كلها أبدا لم تقع لي» إلا هذه القصة فأنا فعلا 
فيها الراوي وما حدث فيها حدث لي . ولقد حاولت المستحيل لكي 
لا أكون أنا أنا أو لكي يكون الحادث وقع لغيري» وكان ممكناً أن 
تكون أروع وأكثر إمتاعاًء ولكني بيني وبين نفسي كنت أحس أني 
سأكذب بالضبط مثلما كنت حين أتقمص أنا شخص الراوي في 
قصص أخرى» معظمها أبداً لم يحدث لي! كنت أحس أني أكثر 
صدقا مع الآخرين ومع ذاتي . 

انها اذن قصة خاصة hae‏ أعرف أن كثيرين سيهزون أكتافهم 
حيالها ويقولون: وما لنا ولهذا القول السذاتي الخاص» ولكن» من 
يدري؟ ربما لن أعدم ely‏ يحس ذاته تماماً وهو يراني أتحدث عن 
ذاتي » فنحن في النهاية أبناء ذات واحدة Lyle‏ عميقة أو سفلى» إنما 
الاتصال قائم وموجود والمهم هو الوصول cad]‏ وقد يضطرب الكاتب 
في أحيان أن يستعمل دلوه الداخلي الخاص للوصول إلى مياه 
الآخرين العميقة . 


۳١‏ أقتلهسا 





ove 


وكنت حين أقرأً أن فلاناً الممثل أو أن جريتا جاربو الممثلة 
تتسع طرقاً بوليسية منذ أكثر من أربعين عاماً لتختفي عن الأنظار 
العامة» وتعتزل الفن أو تقاطع هي دائرة الضوء ء لأنها تستمتع كثيراً 
بأي كوخ ظل تأوي إليه. كنت حين أقرأ هذا كله أحس أنه نوع من 
الابهار الصحفي يلجا إليه النجوم زيادة في اجتذاب البريق , 


وهذه المرة» ولا شيء من «هيافة» بعض النجوم في ذهني› 
وبعد طول تدبر وتفكير» وبعد انفنراد بالنفس ذلك الانفراد الخاص 
التام الذي تحس أن همسة الخاطر حتى لا تشاركك إياه» قررت في 
لحظة حسم باردة كالثلج , > لا انفعال فيها ولا ترا" جع أو ندم أن أكف 
تماما عن الكتابة» أي كتابة» ليس LL‏ أو تدللا أونوعاً من استدرار 
الاشفاق على النفس» تجاه النفس» ولو من ذات النفس» ولكنه 
ادراك عميق كامل بعدم جدوى الكتابة أصللاء ليست كتابتي فقط 
ولكن كل الكتابة مذ عرف الإنسان الكتابة» أو في رأبي: ‏ ماذا فعل 
الإنسان بالكتابة؟ أو بمعنى أصح» ماذا فعلت بالإنسان الكتابة؟ 
أصلحت أخلاقه؟ كذب في كذب فالإنسان أيام الحضارة المصرية 
القديمة؛ وأيام أثينا وطيبة وبابل» وأيام أفلاطون وأرسطو والفلاح 
الفصيح ربما كان أكثر تسامحاً وهدوءاً مع نفسه ومع الآخرين» وربما 
لم تفعل نصائح كتابه بتحريضه على الصدق وعلى الشرف وعلى 
النبل إلا العكس تماماء فلا أعتقد أن وحشية المحاربين أيام أول 
حروب عالمية عرفها التاريخ بين المصريين والحيثيين أو بي بين الفرس 
والاغريق كانت تصل إلى معشار ما وصلت إليه وحشية المتحاربين 


۲۲ 





في آخر حرب dalle‏ خخاضها الإنسانء Vy‏ وحشية ما حدث ويحدث 
للبشر في فيتنام أو أفغانستان أو لبنان. فصحيح أن بالكتابة تعلم 
الإنسان. . ولكنه بالتطور العقلي الذي أحدثته الكتابة والكتاب فيه 
تعلم أيضاً أن يصبح شريراً أكثر علماً وبشاعة ple‏ » كالحية الرقطاء 
التي فوق الناب الطبيعية التي زودتها بها الطبيعة لتلدغ بها عدوها 
مرة؛ تعلمت وتعلم كيف یزود نفسه بأنياب أكثر وخزانات سم أكثر. 
أنياب لا تكتفي بنفث السم ولكنها ترسله ميراج وميج وفانتوم ونابالم 
ونيترون وكوبالت» وبدلا من ترس التعذيب الذي كان يشد إليه 
جسده أصبحت وسائل العذاب تصل إلى نخاع النخاع من أدق 
أعصابه Lee‏ ولم يعد في الحرب فروسية أو علم أبيض أو قوانين 
أسرى وإنما هو الشر يندفع من عقول قد زودتها المعرفة بالتصميم 
القاتل على الإبادة» باختصارء مذ عرف الإنسان الكتابة. . عرف 
أیضاً كيف يصبح الشرير في أعنف وأبشع صوره. 


قد يقول القائل ولكنه التطور وليس الكاتب أو الكتابة. . والرد 
جاهزء فالتطور ناتج العقل» والعقل ناتج الكتابة» ودعونا لا نتفلسف 
أكثر فلقد كان حلمي بالكتابة كحلمي بالشورة كحلمي بالمعجزة 
القادرة على شفاء كل وأي داء.. وفي عمري clas! gly Lf‏ 
الحفاء» وعمومية الكساءء وزوال الحاجة؛ واكتفاء كل محتاج. كانت 
واحة العمر ألجأ إليها كلما نضب معين الخيال» وأتزود منها وبها 
بالقدرة على مواصلة اللهاث. وكان الوصول على مرمى حجر 
وكأنني سأصحو في الغد لأجد الصباح Lad‏ ليس فجر يوم ولكن فجر 


yy‏ أقتلها 





evs 


عصر. عصر كامل تام يعود فيه الإنسان يحب بكل نهم وعمق وظمأ 
الحب» ويعيش وروعة الحياة يشربها مترعة قطرة وراءها قطرة» ولكل 
قطرة طعم» ولكل لحظة زمن تمر أشواق وصهللة ومعان. . 

حياة أستمتع فيها إلى التعالي أني ابن. . مثلما أستمتع به إلى 
مهجة كبدي أني col‏ تأخذني الأم إلى أعمق أحضانها ترضعني 
خلاصة الأنوثة وأرتشف وأنا أضمها نعناع أني ولد وخمرة gl‏ رجل . 
حياة آنا فيها محب محبوب» عاشق معشوق» مؤثر ومغير» ومتأثر 
ومتغير» ودائماً إلى الأعلى والأروع. حياة. حياة» أتعرفون ما هي 
الحياة؟ ! . 


في الواقع وأنا أتأمل القرار من نواحيه أدركت Like‏ من عظمة 
وعبقرية شكسبير الشاعر الكاتب. فليست روعته أنه فقط كتب» ولكن 
الأروع من كتابته أنه عرف متى وكيف يتوقف ويقف. في الواحدة 
والخمسين كان قد انتهى من كتابة pel‏ أربع وأعظم مسرحياته على 
الاطلاق: الملك لير وعطيل وماكبث وهاملت. . وبانتهاء عرض آخر 
واحدة منها» لست أعرف ما هي على وجه ABU!‏ اتخذ القرار وصفى 
نصيبه في مسرح الجلوب وسوى أموره ورحل إلى بلدته وهناك 
اشترى منزلا (أصبح الآن كعبة الرواد) ومكث عامين بعيداً تماماً عن 
الكتابة والمسرح وكل ما يتصل بهما ثم مات في الثالثة والخمسين. 


هذا هو الرجل. عاش وقال وصمت ومات» وهكذا وهكذا لم 
يمت ولا زال يعيش ويقول ولا ينتهي أبداً . 


۲٤ 





ovy 


وليس مطلقاً تقليداً لشكسبير ولا لأي أحد ‏ فالموضة عندنا أننا 
لا نكتب إلا تقليداً ولا نحيا إلا تقليدأًء ربما OY‏ معظم من يقيمون 
انتاجنا وحياتنا هم Letts‏ وأبداً مقلدون» ومقلدون أيضاً غير متقنين؛ 
فأنا لم أعرف هذا إلا في قراءة عابرة لمجلة قديمة كان فيها مقال عن 
شكسبير فرأته بعد القرار (واسمحوا لي باستعمال الكلمة) فأكد لي 
حتمية ما انتهيت إليه . 


ors‏ راحت السكرة وجاءت الفكرة وجدت أني لست فقط 
مختلفاً elas‏ كماً ونوعاً وحياة عن شكسبير وغيره» ولكن مختلف أيضاً 
Re Ee‏ ل Ra‏ سم 
جربدة كبرى تدفع لي راتباً شهرياً من أجل أن (ey wot‏ شئت 
cul‏ ومن أجل أن أعيش أن أظل east‏ فإذا قررت أن أكف 8 
عن الكتابة فأبسط المواقف الشريفة أن أبحث لي عن عمل آخر أو 
وسيلة حياة ثانية, وهكذا مثلما يفعلون قبل المعاش حيث من حقهم 
Ll‏ إجازة BU‏ أو أربعة أشهرء أعطيت لنفسي الحق في إجازة 
ee‏ - أزرع قطعة الأرض التي تخصني في 
.. أفتتح Live sine‏ للعلاج الرخيص . . أتقن > 4b‏ 4 النجارة 
کک أصبحت ماهية 
Sane‏ . أحيل عربتي إلى تاكسي أعمل عليه. . 
So alt i ond clipes dd‏ 
يتغير» وإنسان يزداد بالتغيير lage‏ وثورات ليت بعضها ما قام فما 


vo‏ أقتلها 





OVA 


حدث بعد بعضها أبشع مما كان عليه الحال قبلها . 

يأس؟! . 

ولماذا نسمى النظرة الحقيقية الواقعية يأسأًء والتمسك بخرافة 
الأحلام التي لا تتحقق هو التفاؤل الإنساني الذي لا نجده سوى في 
الكتب وعلى ألسنة وأفواه وأقلام (اخواننا) الكتاب . 

وكنت في قراري صامتاً lags‏ لا كلمة واحدة لزوجتي نفسهاء 
ولا علم لصديق, فأنا أعرف كم ما سيصدر من اعتراض وسخرية» 
أقلها أني أتصيد التفريظ والمديح والرغبة في الحث على مواصلة ما 
يسمونه بالنجاح. . إن الحياة ‏ هكذا أراها ‏ ليست لعبة أضيعها 
مصغياً لهذا أو مولياً أذني لذاك. . الحياة حياتي والقرار قراري وكم 
من أمور تكاد تكون قتالة فعلتها دون ذرة تردد وحتى لو کادت» أو 
بعضها فعا ضيعني » دون ذرة ندم . 

بل والقرار التالى الأخطر بعد اللاكتابة: هو اللاقراءة. . 
فالحليف الداهية الخبيث للكتابة هو القراءة» هي المنزلق الذي إذا 
وضعت عليه قدمك وجدت نفسك في سرعة الضوء تهوي حتماً إلى 
حيث تبدأ أنت لا ترى ولكن تصنع الحروف والمعاني والكلمات› 
ويلفك التيه الخالد ما بين أحرف تصنعها وأحرف تصنعك» وحياة 
تصنعها ولا تحياها وحياة تصنعك أجيراً لها فقط تحقق لها ما هي 
تريد. مذ كان عمري حمس سنوات وإلى الخمسين وأنا أقرأ وأكتب 
وأكتب Lily‏ الحياة تصطخب في الدنيا وأنا صريع الحياة الموهومة 
بين دفتي كتاب وكلها من ورق وكلها من حبر» ضيعت عمري أتعلم 


۲٢ 





ev4 


كيف أتعلم الكتابة» والبقية الباقية ضيعتها كيف أعلم ما في الكتابة» 
والنتيجة أني أنا نفسي استحلت إلى كلام وأصبحت روحي من ورق 
وأحلامي ومتعتي كائنة كلها من حبر بين كلمتين أو جملتين أو 
صفحتين . . أي حياة؟ ! 

Ls‏ ما قضيت الليالي إلى صباحها في غابة الأحرف تائهاً 
أزرعها مرة وأقطعها مرات ولا نسمة إلا رائحة اللون الأسود وسحابات 
من دخان وأنصاف أكواب مليئة «بتشوة» من بن جاف. . ولا أتبين إلا 
هناك أشعة الشمس تشحب ضوء الكهرباء» وأحس أن ظهري انكسر 
مقوساً إلى الأبد أو يكادء فأقوم لأعدله وأحرج إلى الشرفة. . ما 
أجملها ساعة السابعة في الصباح طازجة ودائما جديدة» تصورا كل 
صبح دائماً جديداً أبداً لم تمسسه أرض من قبل ولا احتوته سماء» 
وإنما هو هدية الكون الجديدة تماما لنا. . الناشثة لتوها وفي الحال» 
هذا هو الصباح الطازج الصابح الذي عليّ أن أتركه لأمضغ ساعات 
ليل ونوم بائتة وحامضة فقد مضى أوانها من زمان. 

في ساعات صبح كتلك كنت كثيراً جداً ما أ المح «كناس؛ 
شارعنا جالساً على الرصيف المقابل مسنداً مقشته إلى كتفه» محتضناً 
إياها وكأنما يلتمس منها ألفة يوم كامل سيقضيانه معأ وفي يده 
اليمنى غالبا كنت ألمح كوب شاي وفي اليسرى سيجارة. ومهما 
كانت الدنيا صيفاً أو شتاء فأبداً لا برودة هناك ولا نبة احترار وإنما هي 


- في رأبي - لحظة السعادة القتصوى. . هذا رجل يقوم بعمل جاد 
محدد ينظف شارعناء من كل ما نقذفه نحن الأفندية والستات من 


vy‏ أقتلها 





OAs 


فضلات. نام قطعاً الليل ونامه مبكراً فها هو مبكراً قد استيقظ 
واستمتعت كل خلية من خلاياه بسبع ساعات على الأقل من خلو 
البال.. واحداً من ملايين ملايين الرجال الذين لا أشير ولن يشار لهم 
بأي cal‏ عاش وقام ورفس زوجته ونام بالضبط اتسق Lala‏ 3 
قانون كون أعظم» جالساً استعداداً لقانون عمل أعظم. وها Lif‏ 
المشار إليه بالبنان. .عاكس القانون.ومقاوم الظلام ليغير الناموس» 
وأنى عليه النهار ليجده حطام دون كيشوت خيل إليه أنه قضى الليل 
يعكس ويحارب طواحين الهواء والاتجاه» وأحس حتى دون أن يواجه 
أحداً أن طاحونة لم تتوقف وجناحاً منها لم يتعطل أو يتغير أو يتبدل لا 
تنعم براحة البال ولا حتی براحة البدن» أعطني مقشتك أيها الرجل 
وخذ ذلك القلم ذ فمنتهى أملي أن أرى أو أستعمل شيئاً له مفعول 
مقشتك» والمفعول أراه أمامي بعيني وأشهده وأحس بفائدته . 


قدرك الذي عذبك وأمرضك وحملت من أجله ey‏ الكرة 
الأرضية فوق قرنك» ولست (at‏ افريقياً خالداً باستطاعته أن يتحمل 
الدنيا بهمومها بله همومك أنت وحدك إلى الأبدء كل جسدك من 
المرض مرض المرض وحيرت نطس الأطباء من الكرملين إلى مايو 
كلينيك وكليفلائد وهارلي ستريت» وأصبحت مريضاً عالمياً وأصبحت 
حياتك كونية الحيرة» فيقرر الأطباء أنك ستموت في ظرف ٤۸‏ ساعة 
وإذا بك بعد 4؟ ساعة في قوة الحصان» ويقرر الأطباء أن عندك 
سرطان وأنك أمامك شهر بالكثير gerd‏ الحياة» فتبدأ حياة جديدة 
وسيمة الملامح جداً بعد أسبوع . . حتى يسوا منك مثلما قالت لك 


YA 





امه 


الدكتورة ايلينا: أنت يا زميل حالتك لا تخضع للطب الذي درسنا. 
وقال لك البروفسور الكبير في نيويورك فریدمان : حالتك نادرة ولكنها 
التفسير الأوحد. . تنفعل إلى درجة المرض وتمرض إلى درجة 
الموت» وتموت إلى درجة الحب: والمسألة خرجت عن كل ما لدينا 
من علم تعلمناه ونعلمه. . ربما تعرف أنت. 

وفي ركن خفي من أركان نفسي السرية كنت أعرف: انها ذلك 
الجزء الذي يملي عليّ أن أكتب يمرضني ويحيرني» وجزء كقوانين 
الكون كيف لي أن أسيطر عليه ولا كيف أريحه؛ فإذا أحذت إجازة 
وذهبت إلى الشاطىء ثارت الزوبعة في يافوخي حتى تنكتل على 
الأمراض» وربما تهدأ تماما إذا وجدت نفسي في وسط وحركة جيش 
التحرير في الجزائر؛ أو أستعد ليوم عصيب من أيام الحركة الوطنية 
والقومية . 

وأيضاً ما علينا. 

فلتكن قد فعلت الكتابة ما فعلت» وليكن قد حدث ما حدث 
بل فلأكن سأموت حتى » أقسم غير حانث أني قدرت الموت 
واستحضرته تماماً ووجدته ألف مرة أرحم» لم أعد أستطيع» أبداً لم 
أعد أستطيع . إني لأكاد أحسد إلى درجة البكاء هؤلاء الزملاء الكتاب 
الذي يكتبون كل يوم وعن كل وأي قضية من السياسة إلى القصة إلى 
العلم إلى المذكرات إلى الحب إلى الأمومة إلى. . إلى. . إلى ٠‏ . 
إلى أي شيء. كيف بالله يكتبون؟ ولماذا أجد القلم في يدهم سهلا 
ودرجة الانفعال ۳۷ لا تنخفض ولا تزيد» وضغط الدم لا يعلوولا 


v4‏ أقتلها 





oA 


ينخفض ٠۲١‏ على AY‏ بكل الصحة. واللهم مزيداً من الصحة 
- وبکل التعقل والمنطق يكتيون ويكتبون ويكتبون يوماً بعد يوم بعد 
يوم » ألديهم آلة «زيروكس» يضغطون على الزرار من هنا فتخرج 
الصفحة زيروكسية مكتوبة جداً من هناك. أم (Lh)‏ الحالة؟ فلا بد أن 


أحدنا هو الحالة قطعاً. 
وأيضاً ولثالث مرة ‏ ما علينا. 


© © 

طيب . أخذت المهنة وقلت أتدرب على اصلاح أجهزة الفيديو 
كاسيت. فلقد أخطات ذات مرة وأحضرت جهازاً غير تقليدي 
وحاولت تشغيله فأبى أن يعمل » وجربت جمييع pl‏ وغير 
المشاهير من مصلحي الفيديو حتى استوعبت العملية تماما مثلهم» 
وأصبحت أعرف البال من سيكام من الأوتوماتيك بسال سيكمام 
والأنظمة الثلاثة الأوتوماتيكية والألوان التسعة والسبعة» ومثلهم أيضاً 
أدركت Gl‏ كلنا قد أخذناها فهلوةء وأن أقصى ما قضاه أي مهددس 
منهم لدراسة هذا الجهاز الجديد الذي سيقلب العالم رأساً على 
عقب في القريب العاجل جداً لم يقض في الخارج أكثر من ستة 
أشهر. وهي في رأيي فترة غير كافية لدراسة نظرية. مجرد نظرية 
التليفزيون فما بالك بالنسجيل التليفزيوني العملي وأجزائه المعقدة 

الوظائف. 
سأكون صناعياً Lele‏ جداًء وحتى لو كان الأمر تغيير مهنة؛ فأنا 
كثيراً ما بشرت في أحاديثي «أيام الجد! أن الإنسان في عالم 


is 





SAY 


المستقبل لن يقصر عمره على مهنة واحدة يقضي في روتيئها محترفاً 
«dls‏ وأن المستقبل يحمل للإنسان القدرة على أن ينتقل من جراح 
قلب إلى قافز باراشوت هاو إلى نجار موبيليا - أعرف جراح قلب في 
أمريكا يعمل يومي الست والأحد نجاراً محترفاً فعا - إلى عازف 
cope) ST‏ إلى ما شاء من المهن والهرايات خلال ashe‏ الواحدة» 
بحيث لا يعتريه شهر أو أسبوع أوحتى يوم ملل واحد. 

وجشت ببعض المراجع وأحضرت تليفريوننا القديم وبدأت 
أدرس الدوائر ومصائد الأشعة والصمامات وأنصاف الموصلات 
«الترانسستور»» ولم يستغرق الأمر أكثر من أربعة أيام AY‏ بكل 
شيء جانباً إذ كنت قد تركت أجمل أنواع النعادلات الكتابية الشاحذة 
للخيال المدرة للجمال» فهل أغرس نفسي في معادلات أبعد ما 
تكون عن التصور وأقرب ما تكون إلى واقع صلب ينطح فيه الإنسان 
رأسه؟ لا كتابة. لا قراءة. لا دراسة. فلقد أخحطأت» كان الواجب 
التكنيكي يقتضي مني وقد قررت أن أتنحى . . أن أتنحى عن عالم 
الأحرف كلية والخيال إلى قلب الحياة نفسهاء قلبها الصاخحب 
المتدفق متعة وليس إلى دوائر الترانسستور والتليفزيون المغلقة حتى 
على نسمة الهواء . 

شارع المتعة والحياة. . فلان؟ Sal‏ وسهلا أو أهلين وسهلين. 
هاي جو. . بالأحضان يطبق ضلوعي » وأنا قرأت لك وأنا فاتني أن 
أقرأ. يا سلام يا عبقري يا لسوء حظي» وبدلاً من أن أستمتع أنا 
أصبحت أنا وسيلة المتعة» وغير مسموح لي حتى بمشاركة «جمهور» 


۳ أقنلها 





oAt 


الحاضرين مباذلهم الصغيرة أو الكبيرة أو رواية نكتة فاضحة فأنا 
«فلان» المفكر «المهرل»» والاستنكار ينبثق كالدش البارد المفاجىء 
إذا حدث وحاولت ‏ مجرد محاولة ‏ أن أهرج . وهل يسمح حتى في 
أيام الوثنية للألهة بالتهريج؟ وأعود آخر الليل شديد التأنيب لنفسي» 
فالعاصفة الهوجاء التي قوبلت بها تنتهي في آخر السهرة بسلام كسلام 
صداقة انتهت وكأن الواحد يقول لنفسه: ها هو اخحر يطلع زينا 
والظاهر كلهم كد صيت ولا غنى وأهه كله بكش. لم يقبلني 
صخب الحياة ولم أقبله » فالناس يفضلون إذا صخبوا أن ينسوا العقل» 
فإذا حضر العقل أو كلام العقل فهم يصنعون Lat‏ من شيئين. . إما 
يلغونه تماما بإحالته إلى محط سخرية» وإما يحيلونه تماما إلى عنصر 
عاقل كابت كالوعي يثبتون له ولأنفسهم أنهم لا يقلون عنه call sol‏ 
والنتيجة أن ينقلب الأمر إلى حالة تمثيل تتوقف فيه الانطلاقة التلقائية 
التي رغم كل ما يبدو فيها من هبرط ‏ انطلاقة براءة الطفل الذي يريد 
أن يلهو داخل الإنسان» وهكذا وببساطة تامة تنتهي المتعىة» أي 
مته , 
© © 

وقلت لقد مضت أحقاب منذ أن لعبت دور الأب» وإذا كنت 
قد أنتجت أعمالاً فلماذا لا تلتفت OV‏ لإنتاج بشر. . بشر تعطيهم ما 
أعطتك الحياة من خبرة؟ تجمعهم كل عشية وتعيدها أواصر عائلة 
فككها التليفزيون الذي أخحرس الحوار بين أفرادهاء شلل النادي 
والكورة التي تولت مهمة التربية والأب» وأصدقاء السوء ليس وراء 


يض 





مه 


معظمهم سوى الشوائب تنزعها كالشوك السام الذي يغرس كل يوم 
في الأقدام» وعليك بإبرة رفيعة متهالكة وبمقاومة رهيبة من الولد 
صاحب القدم of‏ تنتزعها. 

واكتشفت أني أبحث عن دور أصبح مكانه حفريات التاريخ 
هناك حيث ترقد مراكب الشمس» لو أمعنت في الصحراء قليلا ستجد 
ملايين قبور عليها شواهد مكتوب فوقها: كائنات كانت آباء.. 
فليرحمهم الله . 

أب ماذا في هذا الزمن الذي أراد النظام الذي يدير الكون 
oT‏ أن يفكك العائلة فيه ليسهل على نفسه شراءها؟ أيد عاملة شابة 
ترضى بالقليل وتعطي الكثير ولا تسمع تعاليم الآباء عن عمق مطالب 
الشعوب والفئات منذ أقدم العصور. الات منتجة جديدة غير مثقلة 
بتاريخ مطالبات ونقابات» وإنما هي ابنة «رجل بستة مليون دولار» 
ar‏ آر» و«سوالين» جديدة تشكلها وتعطيها ما شاءت من بنج بونج 
وتنس وكورة وملطق ساحن رهيب» دراسة ماذا وأنت تستطيسع 
كجرسون في فندق أو حتى شيال أو مصادق للسائحات العجوزات أن 
تطلع لك في اليوم بعشرين أو ثلاثين جنيهاً بالتمام والكمال» تصرف 
وتشتري عربة» والجامعة والتعليم واللقب الذي تريده ستجدها كلها 
ملفوفة في خرق قديمة ألقيناها من Lily‏ المناور في العمارات؟ ماذا 
يجدي الحديث عن سعد زغلول ومصطفى مشرفة وحتى فاروق الباز 
أمام ثلاثين جنيهاً وعربة ولو «سيات» يلمسها المراهق لمسة اليقين 
كل يوم ويحيلها لصناديق بسرة وشحنة Oly;‏ وطريق صحاري سيتي 


۳ اهيا 





oA 


وهات ايدك. إلى حديث عن المجد القديم والمجد ها هو أمامك 
جديداً «نوفي» تحت Aol‏ ودقيقة واحدة ويكون رهن طلبك» وإذا 
أرقك ضميرك هاك بلبوعة قادمة من بيروت تزيل كل الآلام وتحقق 
جميع الأحلام وتصبح إذا أردت في ومضة كسرى أنو شروان. 

كان الله larly‏ والأب واحداً. وفي البدء كان الكلمة بالطبع 
الكلمة الطيبة, 


في عصر الوثنية الحديثة هذا أصبح الإله الواحد حتى في 
الدين الواحد عشرات الملل والنحلء والأب الواحد أصبح عشرات 
الآباء تختار أيهم كما شئت شئت حسب لون الفائلة أو نوع الفتاة أو فرقة 
الغناء أو مكانتك في الشلةء وما أبعد المسافة بيننا وبين البدء بحيث 
أصبحت الكلمة الأوقع والأكثر Ree‏ للانتباه شارع المتعة والحياة: 
فلان؟ Sul‏ وسهلا أو أهلين. من جديد أمر يحتاج إما أن تهدمه تماماً 
وتعيده خلقاً آخر وهذا ليس بمستطاعك» وإما أن تكتفي أن تقوم 
بدور المتفرج في طابور طويل من الآباء يغمر العالم كله يتفرجون 
على كائنات كانت في البدء أبناء . 

© © 

ae‏ أن أحيل نفسي رغم الطاقات' التي تتفجر مني 
ورغم أني في أكمل و et‏ «فورمة) انشاج في أي مجال OL Say‏ إلى 
التقاعد. . وتقاعدت. أتمشى مبكراً ئ الصباح»› أحتسي كوب شاي 
في مقهى أو ناد أعود إلى cul‏ أحاول أن أصلح حنفية أو أفسد 
«كوبس» نور. أنا في إجازة ما قبل الإحالة إلى الاستيداع . 


۳٤ 





oAY 


وشيئاً فشيئاً بدأت الحظ مسألة بالغة التفاهة. 

إن قدرتي على المشي أصبحت أقل» وكل يوم تفل وأصبحت 
أعود إلى البيت وكاني قل بنيت السد العالي بمفردي متعبا مهدودا لا 
أكاد أصل إلى البيث حتى أظل أستريح ولو من الراحة استراحة تصل 
إلى الظهر. 

وأتغدى وأجد نفسي في حاجة ماسة إلى النوم وكأنني ظللت 
اليوم بطوله ساهرا. 

ثم ساءلت نفسي السؤال الأكبر: لماذا اليقظة المبكرة أصلاً 
ولیس ورائي من عمل أؤديه؟ 

ثم سؤال أكبر وأكبر: ولماذا المشي كل يوم كل يوم وأنا ليس 
Gul‏ عمل ثابت لكل يوم؟ وأسئلةليست مجرد أسئلة» ولكنها مقدمة 
حتمية معقولة لشمولها بالنفاذ الفوري . 

ما أروع التمطي في فراش دافىء ونحن في طوبة حيث كل 
شيء وكل إنسان من البرد يتجمد .ما أروع فكرة أن ليس وراءك بالمرة 
أي عمل! ليس الكسل هو الرائع في الموضوع ولكن الأروع هر 
الإحساس الكامل» أن ليست لديك أية مواعيد أو واجبات وإنما أنت 
لك حرية اليوم والغد والزمن القادم كله. 

كل حياتي كان محورها أني أكتب كل اتصالاتي » دعواتي» 
ارتباطاتي » سببها خبط واحد يصدر مني ليوزع آلاف خيوط بعضها 
يجذب» بعضها بعزف» بعضها يقلق» بعضها يفرح» بعضها يذكر أو 


Last 





OAR 


يتذكر أو بصرخ Lut‏ والخيوط تلتقي عندي تصنع لي يقظتي ومنامي 
وترغمني أن أرتدي الثياب كل cope‏ وأعاني مشاق كل يوم» وأودع 
الأمس وداع المغتاظ مرة؛ وداع الصبوة مرة» لا أنتظر الخد بصبر نافد 
بل لا أريده أن يأتي Jaf‏ 

ذلك المحور لم يعد له وجود. الكرة الأرضية الآن انطلقت في 
الفضاء على حريتها بكل اتساعه وشموله. تدور حول الشمس أو لا 
تدورء تنرك وليدها القمر ينعي حظه وخسسوفه إذا أحست بعلل 
الضحية, ۰ 

ولأول مرة أحس أني لست أنا ملتقى خيوط ولا دائرة بالأمر 
القدري حول محوره» ولا يهمه أن يتلقى الدور من هذه ural‏ 
بالذات أو يكتب عن هذا الموضوع الذي يشغل الناس جميعا الآن 
بالذات» أقرأ أو لا Lat‏ وجميع ما أقرأه غير مضطر لاختزانه أو امعان 
التفكير فيه» فل يعد عقلي في حاجة إلى مذاكرة ما يقع» أي مما يقع 
وشبح الامتحان الكتابي قد اختفى من أمامه. 

صادقاً مع نفسي لم أحس بطعم سعادة حقيقية مثلما أحسست 
uf‏ لثلاثة ایام بنهارها ولياليها لا أتحرك من فراشي . زوجتي تعتبرني 
لا بد مريضاء فحتى حين أطلب الطعام Lily‏ نصف جالس ألمح 
الاستنكار البين في عينيهاء ولكنها في قرارة نفسها تقنع نفسها أني لا 
بد أستعد لعمل عظيم ومن حقي أن أستعد له بالطريقة التي تحلو 
لي . وما دامت الطريقة هذه المرة هي التمدد في الفراش Seal]‏ 
وملاءاته التي يحل كل يوم موعد تغييرهاء فكم كان لي معها من 


اا 





0۸۹ 


تصرفات تستغربها تنتج في النهاية شيئاً تكون هي أول السعداء به. 

ماذا لو عرفت أن لا شيء وراء الأكمة وأن لا RLS‏ بعد الآن؟ 
ماذا لو أدركت أنها لو احتجت أو عارضت فسأترك كل شىء وأمشى 
لو اضطررت بلاد الله لخلق الله . ا 

طال الرقاد حتى أصبح الذهاب إلى الحمام مشقة وأي مشقة 
ألهث لها وأحس أنى وكأنى أسافر على أقدامى عدة cde‏ وغسيل 
الوجه لم بد بيا ig ally‏ ااا الخدت كلها Sel‏ 
باتساحه؟ وغسيل الأسنان باعتباره dole‏ راسخة أحس GIL‏ طوال 
اليوم إذا لم أفعلها بكوب من الماء السدافيء والمعجون بجوار 
الفراش. 

في الأيام الأولى كنت أقضي اليوم في أحلام يقظة تعيد لي 
خصوبة أحلام اليقظة في طفولتي» وعبر رحلة الثماني كيلو مترات من 
المشي ذهابا وعودة إلى المدرسة» أكتفي من الجرائد بالمنشتات ثم 
أكتفي فقط من أجل العادة وحدها بتسلمها دفعة واحدة ثم إرقادها 
بجواري على أمل أن أعود إليها في المساء. والمساء يجدني مشدوداً 
إلى التليفزيون. حفظت البرامج عن ظهر قلب ولا حلقة أجنبية أو 
محلية تفوتني . ٠‏ ثم ضج جسدي بهذا النشاط التليفزيوني a‏ 
وشيئاً bas‏ هنك من الصورة ثم زهدت في الموسيقى م أخرست 
اللاسلكيين تمامأء وحتى أحلام اليقظة استهلكتها جميعاً ولم يعد 
عقلي قادراً على اختراع أدوية مثيرة أمضي فيها الأحلام» حتى حدث 
الأمر الذي لا أعرف بالضبط أني كنت طوال الوقت أتوقع حدوئه» أو 





0۹۰ 


أني دون أن أدري وباللاوعي كما يقولون كنت أخاف حدوثه. بدأت 
ساقي اليمنى تتورم ثم أعقبتها اليسرى بلا ألم ولا أعراض جلطة. 
من ناحية وكدارس طب قلقت كثيرا أن تكون جلطة في الأوردة 
العميقة للساقين» ورحت أتصور كيف ستكون الجلطات في بحيرات 
الدم الوريدية في عضلات الساقين» يعقبها لابد زحف إلى أعلى 
حتى يشل التجلط وريدي الفخذين العظيمين» ويا حبذا لو زحفا إلى 
البطن حيث يتحد الاثنان ويكونان الأورطي الوريدي وأكون قد 
التهيت. 


ومن ناحية أخر وجدت فيما حدث المنفذ والمهرب . 

فالآن وبعد أن بدأت المح في عيون زوجتي أشياء كالتي كانت 
تحفل بها نظرات بطلة المرآة المقعرة» OV‏ عندي سبب وجيه تماماً 
للرقاد. فالجلطة أو الاشتباه فيها أول تعليمات علاجها الرقاد تماماً 
ورفع الساق وعدم الحركة (ides‏ 

وحتى ولولم تكن هله هي تعليمات كبار الأطباء والجراحين 
الذين عادونى» فأنا نفسى كنت قد فقدت الرغبة تماما فى الحركة أي 
حركة ولو حتى لرفع رأسي وصدري ربع ارتفاعه لتناول الطعام أو 
الشراب» وبمثل ما فقدت الرغبة في الحركة فقدث الرغبة في أشياء 
كثيرة clue‏ أسأل نفسي : نفسك في ايه؟ الاجابة دائماً واحدة: لا 
شيء cdf‏ لا الشوق أريدء ولا القلق على ابن أو زوجة أو صديق أو 
قضية. . لا رغبة أبداً أبداً في أي شيء. وبدأت أورام السيقان تزداد 


YA 





اوه 


وتزحف إلى أسفل البطن» والأطباء يوصونني بعمل تمرينات رياضية 
لتحريك أضابع الأقدام وقبض وبسط عضلات الساق والأفخاذ لدفع 
الدم للعودة» ولا أجد في نفسي ذرة رغبة في القيام بأي تمرين أو 
تحريك أية عضلة . 

الموث قادم . 

لا أراء فهو ليس شبحاً أو ملاكاً أو قابلاً للرؤية ولكني أحسهء 
تماماً كمقدم المساء حين ينتهي العصر ويحتقن وجه الدئيا بالغروب 
وتحس أن الظلام لا محالة سيتبع هذا. الليل. . الصمت الأبدي . . 
عدم الحركة في تمامها واكتمالها وشمولها واستمراريتها. . المذهل لا 
استنكارء لا احتجاج» لا تفكير مطلقا في أي مقاومة. . وهل يقاوم 
الإنسان مطلباً هو شديد الرغبة فيه؟ بل هو حتى لم يعد شديد الرغبة 
فيه إنما هو الانتظار الصبور غير المتعجل؟ فليجىء حين يجيء. 
فالجسد مسجى لا يتحرك» والوعي بأنه هناك ممدد ومسجى وساكن 
أو انتفاء الوعي سيان. وماذا يصنع الوعي من فارق إلا أن يجعل 
as!‏ معدوداً بالأيام والساعات» ومشوباً بالقلق» سيتكفل هذا 
الزاحف القادم GIL‏ يستأصله وبالانتظار ينهيه ‏ كما يتكفل الظلام 
بإخفاء الأشياء. . جميعها. . الجميل والقبيح» البعيد والقريب» 
الدافع للحركة والمانع لها. 

ربما الشيء الوحيد J planes nai dd gil‏ للعتطانة 
أحس بصهللة الاحساس بالحياة» هو نوع من حب الاستطلاع. . 
كيف» إذا جساء سيجيء؟ كيف الناس يموتون» وأي احساس 





o4y 


بالضبط» وما هو ذلك الشيء الذي تواضعت عليه البشرية من قديم 
الزمان وأسمته طلوع الروح؟ gil‏ على هيئة «كرشة» نفس تنتاب 
الشخص لهنيهة ثم ينقطع النفس؟ أتأتي على هيئة استمرار طويل 
لنوبة من نوبات التوهان والدوخة التي كانت تعتريني بين الحين 
والحين حتى لأحس أني انفصلت عن وعبي وأنه بقي معلقاً مدركاً 
للموجودات من حولي بينما أنا هويت وأهوي بسرعة مخيفة إلى بثر لا 
قرار لها؟ لا أحس أني أهوي ولكن حين ينتفض شيء في رأسي يعيد 
وصل الوعي بالأنا الهاوية أحس أني فعلا أصعد» ومعنى هذا أني 
كنت بالتأكيد أهوي . 

كيف اذن ذلك الشيء المحير؟ تلك النهاية السؤال. . الموت؟ 
ان الجهد الذي بذله مخترع المحرك ليوجد الوسيلة التي يستطيع بها 
ايقافه عن الدوران لم يفل في رأبي عن الجهد الذي بذله لكي يحول 
المعدن الساكن إلى عجلة متحركة» فخلق الحركة لا يعادله سوى 
اختلاق السكون. . كيف سأسكن أنا؟ أيحدث إغماء محتم قبلهاء 
أم إن بعضهم يكون احساسه بالموت هو آخر مدرکاته بحيث تكون 
النهاية هي نهاية الادراك؟ 

ولك أكن أتوقع أن يأتي هكذا أبداً. 

فجأة ذلك الصباح وأنا أداعب ابنتي الصغيرة قبل ذهابها المبكر 
إلى «أوتوبيس» المدرسة» حاملة جبل الكتب المقررة على الثانية 
الابتدائية ‏ كتلة ضخمة تنوء بها البنت فعلا لا مجازاً ‏ فجأة وهي 
تجري لتلحق بالأوتوبيس الزاعق أحسست أني ‏ بلا ألم أتنفس 


ge 





۹۲ 


بصعوبة . أشفط بطني كله لكي أخلق الفراغ في صدري» وما يكاد 
جزء منه يمتلىء حتى أحس بحاجتي إلى هواء أكثرء وهكذا في 
منتصف الشهيق أشهق» وفي منصف المنتصف أعود أشهق . . 

ولم يبرق خاطر وإنما مسمار رهيب. بخبطة شاكوش واحدة 
مفاجئة أدركت السلاح الذي اختاره الموت. . جلطة الرئة. . .في 
ثوان ينتهي كل شيء. ولم أعرف» أنا المسجى ثلالة أرباع ميت على 
فراش غائص بي» مقعر Sad‏ أن أمتلك هذه القدرة الهائلة على 
الهلع . 

وكأنما كنت» وأنا أفكر بالموت بتلك السهولة واللامبالاة» 
أتحداه من حيث لا آدري› فحين استقر إلى درجة النزال وأمسك 
بسلاحه» أرعش الرعب كل خلية من خلاياي . 

وعادة تليفون الجيزة لا يتصل JUL,‏ 6 فإذا اتصل ورد منزل 
جراح الشرايين الكبير لتقول لنا الفاضلة زوجته أنه في مستشفى قصر 
العيني الآنء فمعنى هذا أنك ميت لا محالة ميت. ان الجلطة لا 
يبدو أنها من النوع القاتل في الحال» وأن هناك احتمالاً لاستتصالها 
بالجراحة» والحياةء كل الحياة أصبحت معلقة بتليفون قصر العيني 
الذي أعرف منذ عملت فيه من قديم الزمان أنه أبداً عمره ما كان إلا 
مشغولاً مشغولاً مشغولاًء فالاتصال بالعزيز رئيس المكتب «تعبير 
تليفوني» وكأن المكالمة من الخارج أو إلى الخارج» وليدخل على 
الخط وفي ثوان يكون سامع على الطرف الآخر. . وفي ثلاث ذقائق 
تكون زوجتي تقود العربة بأقصى سرعة وهي تؤكد ألا جلطة ولا 


Eas ٤ا‎ 





۹4 


حوف» وإلى قسم التشخيص بالاشعاع الذري ومجموعة هائلة من 
عميد الكلية إلى الجراح إلى كتيبة من شباب الأطباء تتلقفني 
وتدخلني غرفة» الوحيدة في مصر التي ترسم الرئة بالألوان بواسطة 
عقل اليكتروني » وتظهر نتيجة غريبة محيرة. الرئة اليمسرى ليس بها 
فطرة دم» ولكن أيضاً ليس بها أي جلطة . 

ويشكون في صدق TV‏ فهذه نتيجة عبثية تماماً فمعنى خلو 
الرئة من لون الدم أنها لا تتنفس» بينما بالسماعة وحتى باليد صوت 
تنفسها واضح وجلي ومسموع . 


ويتطوع الطبيب الشاب يشرح كيف أنهم في أمريكا يبتكرون 
Low‏ أو علماً جديداً اسمه: أخطاء الآلات وأنها تشكل كذا في 
المائة. 


وكان لا بد من اعادة الفحص . 


وأوضع من جديد تحت شقي الرحى . ولكن أي رحى . . أية 
غرفة تلك التي أنا فيها؟ حين تخرجت في كلية الطب كانت الآلة 
الهندسية الوحيدة التي نعرفها هي جهاز أشعة اكس وجهاز اصدار 
الأشعة فوق البنفسجية. ما أراه طب مختلف تماماً وفرع جديد اسمه 
الهندسة الطبية يتطور بسرعة الصاروخ ليبتكر كل يوم اختراعاً لم 
يتصوره أحد من قبل . آخرها. . ها هو موجود بالغرفة تقف أمامه أو 
تمد له يدك فيعطيك في الحال اسم ونوع ووزن كل عنصر داخل في 
تركيبك . ويصدر اشارات كسيريلة الاسعاف. أو ode‏ النجدة لدي 


ty 





9ه 


كل عنصر فيه نقص أو دون المستوى المعتاد. وکل هذا حدث في 
أقل من ربع قرن. 

شقا الرحى اللذين كمنت بينهما. أحدهما ثابت هو الراقد UP‏ 
فوقه» والآخر متحرك حركة رائحة غادية كحركة نقاش يطلى الجسم 
بشيء غير منظور» يسمونها طريقة المسح . مسح الرئة» مسح الكبدء 
في الواقع مسح أي شيء أو عضو تريده» وأيضاً ثبت من الفحص 
الثاني أن الرئة تتنفس ولكن بغير نقطة دم. واستمرت المناقشات 
طويلة ومليئة بتغييرات» كالأجهزة لم تكن في الخمسينات نستخدمها 
بل لم نكن نعرفها. 

ولكن OY‏ ما آلات. تشخيصات ما تشخيصات. احتمالات 
أسوأ احتمالات. لقد عرفت أنا مرضي أو بالأصح حالتي. . نعم 
أعرفه الآن تماماً. 

وأنا متاكد منه. . الموت! زاحفاً خفياً. حتى بغير قفاز calm‏ 
أو تشخيص» فما الحل؟ . 


على مر عشرات ومثات ملايين السنين أصبح الشغل جزءاً من 
التكوين العضوي للإنسان. صحيح أنه ليس عضوا كسائر أعضائه» 
ولا يرى لا بالميكروسكوب ولا بالعين المجردة» ولكنه موجود. 
اشعاعات من الموجات تنطلق من أجزاء جسمه وتشكل هالة موجبة 
من الموجات الحية باعتبار أن الحياة في أعلى صورها هي أرقى وأدق 
وأعقد أشكال الوجود المادي الموجي» رغم أنها مثل كل الموجات 


$y‏ أقتلها 





۹ 


والتموجات تلك التي تشكل صلب الوجود وقدرته على التبدل والتغير 
والتفاعل» مثلها مثلهن لا ترى بالعين المجردة ولا بالميكروسكوبات 
الالكترونية ولا بأي صورة ممكن أن يتفتق عنها العقل البشري في 
المستقبل . . إننا فقط نفترض أنها موجودات ونفترض أنها من مادة ما 
ولكن المؤكد أنها موجودة. . مؤكد موجودة وإلا لما كان الوجود. . 


هذه الموجات المحيطة موجات التنبؤ والاتصال والربط 
العضوي الكامل بين الإنسان والإنسان» والإنسان والحيوان والنبات 
وذرات الرمال في الصحراء وماء المحيطات. وأقصى مجرة من 
المجرات هي التي تحرك الإنسان»ء أي تحرك زميلاتها موجات 
الداحل وتعطي إنساناً مثلك اتجاه وحكمة ورؤية وضرورة أن تتخل 
الحركة ايقاعاً يؤدى» وفي أنماطه العليا يبتكر ما نسميه بالعمل. 
ويستوي في هذا أينشنين وأجهل فلاح في بلدنا. وكما يخصص 
وبركز ويضيف أينشتين والذي هو في وجوده أول الأمر نقطة التقاء 
وتفاعل للموجات أعطته القدرة القصوى على تصور الكون على هيئة 
معادلات وحل تلك المعادلات» وبالفعل أثبت أن المعادلات التي 
ابتكرها تنسجم تماماً مع قوانين الموجات وتجعله يتحكم لأول مرة 
في الموجات» وكانت القنبلة الذرية والانشطارات كذلك هي في 
فلاح بلدنا قدرة خارقة على الانحناء» وربما لأكثر من عشر ساعات» 
وهو ما لا يستطيعه أينشتين. . ولكل منا محيطه الخارجي من 
موجات . الجزء. . الأكبر الذي ينظمه هو العمل الملائم لموجاتنا 
الداخلية» بحيث متى تم التوافق العزفي بين نحن في الداخل ونحن 


tt 





o4y 


فى الخارج. . لحن انتاجاً وابداعاً وجمادات» دحل الكائن دورة 
الكون رائعاً عظيماً ا وأرضى عنه الله والوالدين apo Vy‏ 
والأصدقاء . . والناس. 


وما انسحاب الحياة وتضاؤل اتصالاتهاء ثم أخيراً موتهاء سوى 
الخلل بين دائرة الداخل ودائرة الخارج. ولهذا يموت فوراً بعض 
الذين يحالون إلى المعاش. ومن بقي منهم حياً لا بد أن لديه بديلا 
لموجة العمل واتصالاً آخر بالوجود والموجودات . 


باختصار لا سفسطة فيه ولا نظريات» حين قررت GeV‏ 
بينما موجاتي كانت قد رتبت نفسها لأكثر من ثلاثين عاماً على العمل 
الكاتب وتحويل الفكرة المختلطة بالوجدان وبالذاكرة الجماعية 
النشطة الاتصال بالعدد الهائل من نقاط الالتقاء والبشر. . اتصا 
كامل ذي اتجاهين» حين قررت التوقف خبت تلك الموجات وبدأت 
تخمد في جذوة الحياة» وأفضل المشي على الجري» ثم الجلوس 
على المشي» ثم الرقاد على الجلوس» ثم السكون التام عن الحياة. 
زان اع ري يا من الانتحار. . توقفاً عن 
العمل» مثلي مثل أي خلية في المخ أو الكبد أو حتى الجلد تقرر 
عدم القيام بوظيفتها فلا ترسل الأنزيمات ولا تستقبل» وتنقطع الصلة 
بينها وبين العضو التي تنتمي call‏ ثم بينها وبين جسد الوجود الأعلى 
«الإنسان» والنتيجة حتماً أن تموت , 


ولقد حاولت الخلية ‏ والشهادة لله أنها كانت محاولات بطلة - 


أفتلها 





موه 


of‏ تستبدل عملا بعمل» وتتسرب من حيث الكبد مثلاً إلى الجارة 
المعدة وتصبح خلية جوع وشبع » التهام طعام ومضغ فقط . والنتيجة كانت 
الكف عن وظيفة الحياة نفسها. Bie gh andere ae‏ 
تواجه حامض المعدة. بل وتهلك vere‏ إذا وقفت bak‏ حائلاً بين 
جارتها الكبدية تلك والخلية الأخرى. القانون سادر ولا oot a‏ 
سادراً؛ وأنا لا خلقت تخصصي أو اختياري ولا أستطيع أن أغير Leg‏ 
أو عضوياً نفسي » كل ما أستطيعه أن أعمل في اتجاهي بكل 
موجاتي 6 of,‏ أوسع دائرة الوجود من حولي . 5 ار وجودي 6 وليس 
ضرورياً أن أجيب الديب من ديله أو أبني Jad bal Lye‏ الس الذي 
خلقني كائن في أني ذات يوم سأقول كلمة تصل إلن oli}‏ ها في 
مكان مأ وتلتحم موجتي على شكل الكلمة بموجاته التحاماً ينشط 
آلاف وملايين ومليارات الموجات» ويتفجر الشيء الذي لم يكن قد 
حطر على قلب البشر» Ub‏ قطعاً موجود بوظيفة ولأداء وظيفة» وكوني 
قلت لا مجرد تمرد كخبط الرأس في الحائط» يكفي أنه أوصلني وأنا 
على حافة أن أموت سكوتاً أن أكتشف أن سر الوجود هو الحركة» 
وسر وجودي الشخصي of‏ أتحرك› وبمطلق وبمنتهى وبأعظم ما 
أستطيع أطلق الموجات تلو الموجات وأستقبل الموجات تلو 
الموجات» وأنا أخبط رأسي ليس في الحائط هذه المرة ولكن بكفى 
نافضاً عن نفسي كل ما اخترعته تلك النفس لتحتج على سوء توزيع 
bays‏ سكو .... قهذا مو Gash legal‏ الحوت, 


والموت ليس ضرورياً أن يكون صاعقاً مفاجياً كالذبحة: انه 


£4 





044 


كأضرار التدخين أضعفها وأوهنهاء وبريء تماماً براءتها أو هكذا 
يبدو. انه الموت الأخطر والأبشع. الموت حياة كحياة الموتى, 
الموت سكوناً وسكوتاً وصامتاً» الموت تمرداً وقتياً عالي الضجيج, 
فشديد الضحة يصم كشديد السكون. الحياة. . ليس مجردها وإنما 
خلقها خلقاًء ويومياً حلقها خلقاً. تعدي الآخرين بهاء تنشرها كالوباء 
صحة» تبئها مسوجات إثر موجات. . مرجات صحيحة كالجنين 
الجميل القابل للتشكيل حسبما تريد. الحياة سامية شامخة بشرف 
وبلا مساومة أو ازعاج ضمير. . الحياة الحلوة ليس دفعاً بالأكتاف ولا 
عدوانا على الآخرين ولا استغلال لحاجتهم . ما أروع أن تصحو من 
نومك اليوم وتختار أي عمل طيب بسيط تفعله حتى لو كان زيارة 
لسرير مريض مجهول لا أمل له ولا أهل. إذا كنت فقيراً أعطه كلمة 
طيبة وبرتقالة» وإذا كنت Les‏ وقادراً ابن له مستشفى . 
© © 


يموت الزمار وأصابعه تلعب. فالعزف شكل موجات وجوده 
وحتماً يظل يعزف ويعزف إلى آخر الرمق» فالمسألة ليست هزلاً. . 
ان لها قانوناً. وهكذا بدلا من yall‏ كفا وكفراً بأداء الدور. . أليس 
الأروع أن تظل تعزف. مهما بدا عزفك نشازاً وشاحباً فحتما ple‏ 
اليوم الذي يعلو ويجبر الناس من صدقه على السمع» أو حتى إذا لم 
wt,‏ اليوم . 

فماذا تفعل؟ 


اله وجودك . MSY‏ منه. 


٤۷‏ أقتلها 





فشمس الشموسة قد طلعت . 

وما أجمله من صباح! . 

سأجعله أسعد صباح عشته في حياتي . 

وسآقول لنفسي كل يوم سأجعل من هذا اليوم أروع أيام 

حياتي . 

. أبداً أو شخصاًء يحيله إلى يوم قبيح‎ be أدع‎ ol 

الأمر صدر من اشعاعات الشمس الطازجة التي لا يزيد عمرها 
عن ثماني دقائق: قم وافعل شيئاً تفخر به أمام نفسك وأولادك ويفخر 
به أحفادك» فأنت أعظم مخلوق في هذا الكون الفسيح الذي لا 
تصدق أبعاده. 

أنت أروع ما فيه. 

أنت الكائن الوحيد القادر أن يكون انساناً. 

أتعرف ما هو الإنسان؟ . . 


© © 
ملحوظة : رغم كل وأي أدوية أو عقاقير شفيت الجلطة من 


الآن فقط متأكد أنها شفيت تماما . 

ولكن المشكلة» بعد قائمة, 

فما أزال حبيس قدري وموڄاتي» مهما صرخت أو تحايبت أو 
تماوت أو متء أيمكن أن يكون الحبيس سعيدا؟ 

حتى لو كانت حیاته في سجله! . . 

أممكن أن يكون الحبيس سعيداً؟ 


tA 


ied by registered version 





1۹0۲ 


Converted by Tiff Combine 








ظن في باديء الأمر أنه مغمض العيئين. باستماتة حاول 
فتحهما. لم يستطع . كانتا Mab‏ مفتوحتين. المرآة أمامه. بكل قواه 
حدق. الفضة العاكسة تعكس كل ما أمامها. الحائط من ورائه بلونه 
القاتم واضح ظاهر. الستارة المضاهية ظاهرة. خلفه الباب هناك. 
كل شيء. كل شيء» ولكن الشيء الوحيد» وجهه» ليس هناك. 
جن. انقض بيده على وجهه يتحسسه. أمسك بخصلة من شعره. 
اليد بقوة ووحشية تتحسس الجلد واللحم وتكاد تغور من تحته في 
العظم» ولكن وجهه غير موجود في المرأة العاكسة. . مستحيل. 
لست في كابوس. . أنا صاح تماماً ومدرك. . بالأصح كنت نائماً 
وصحوت. صحوت عاقلا. أسمع صوتي ها هو أنا أتكلم فأنا 
موجود . أنا أسمع كلامي فأنا صاح . أنا لم أجن . أنا عاقل أ عرف من 
أنا؟ ما عملي؟ متى ولدت؟ أين أبواي؟ آنا في المؤسسة. بالضبط 
في دورة مياهها. كنت في لحظة خاطفة أشرب من نافورة الكولدير 
في الخارج وأنا في الداحل أحدق في المرأة. . القيشاني من ورائه 
ظاهر. النافلة مفتوحة. المنظر الخلفي البعيد أراه. . برج القاهرة 


5 أقتلها 





نحن في عز الظهر. الضوء. . صوت الحنفية التي دائماً تخر. 


ضحك. . قهقه. . انطلق يجري إلى دورة مياه المدير. . نظر 
Lal‏ وأمعن في التحديق. . لا أثر لوجهه. الصابونة الغالية معكوسة 
في المرأة. الفوطة. فوطة المدير العام التي ينشف بهما يده وأججزاء 
من وجهه وجسده في بعض الأحيان» هناك . لونها بمبي . بها البقعة 
الحمراء ذاتها التي كانت موجودة بالأمس . . السيراميك الزاهي . أعاد 
النظر. مطلقاً لا أثر لوجهه. كل شيء إلا وجهه أو رقبته أو أي جزء 
منه» يده فردها إلى أخمرها أمام المراة» ولكنه يرى اليد ولا يرى 
صورتها. جرى إلى حجرة «شمس» التي تمتلك جهاز التسجيل 
الوحيد لتسمع عليه طوال ساعات العمل أغانيها المفضلة. استأذن 
منها فلم ترفض. لم تقبل. انكبت على «التريكوه وكأنها مستغرقة 
bls‏ فيه» أخرج الميكروفون من جراب الجهاز. تنحنح . ضغط على 
الأبيض والأحمر ليسجل. أنا ‏ وتردد ‏ فلان الفلاني» العاقل الكامل 
العقل. سيداتي سادتي والآن إليكم الفقرة التالية من برنامج أقوال 
الصحف حيث ينتقل الميكروفون إلى إذاعة حارجية للوصف 
التفصيلي لمباراة كرة القدم بين الزمالك والكروم. وشك حلويا 
gals‏ لطيف. أظن كفى . أوقف التسجيل. ضغط زرار الترجيع. . 
أدار الجهاز نفس أغنية وردة: وحشتوني . استمع واستمع ووصل إلى 
حيث الرقم الذي بدأ التسجيل عنده ووردة شغالة ولا أثر لصوته. 


oY 





10 


استمر يسمع » ليس هناك إلا وحشتوني وحشتوني . استمع إلى أن 
انتهى الشريط ولا أثر. الحقوني . . جرى هابطأ الأدوار كلها. نفس 
سعاة وعلامات ومصليات كل دور. . في لهوجته داس بكل ثقله 
على قدم عواطف وكيلة العلاقات العامة الحامل في شهرها الشامن» 
لم تصرخ ولم تحتج . . وصل إلى الشارع. . على الباب الرئيسي 
وقف يصرخ خ بأعلى tipo‏ الناس تروح وتجيء, لا أحد يلتفت. لا 
رأس يرتفع . ملأه الغيظ تماماً. . والله لاعملها. خلع كل ملابسه. 
قطعة قطعة وتعمد أن يقذف كل عابر بقطعة, ويسزيحها (اللوح 
البارد)» وينظر إلى أعلى وكأنه غسيل سقط من حبل يلقيه أصحابه. . 
إنها ملابسي أنا يا حمقى . . أنا هنا واقف عريان كما ولدتني أمي . . 

ها هو ذا جسدي كله. أنا هنا. يا أولاد الحلال. Aly‏ العظيم أنا 
أهه. آنا هنا . يا محسنين أنا هنا. التفتوا حتى . اضربوني . أنبوني . . 
موتوني. يا أولاد الكلب. أنا هنا. الحق لا بد أبصق عليكم. . 

استمروا غير مدركين أو مبالين وكأن لا شيء يخجل وكأن لا شيء 
أبداً يحدث . النجدة. الحقوني يا هوه. لا بد جئنت. أو أنكم جميعاً 
جننتم. زوجتي . المنقذة. النجدة. بيني . أولادي. عقلي كله لا بد 
هناك. جرى. انحشر في الأوتوبيس. دفع الناس بغلظة. . خيل إليه 
أنهما تمايلوا. فقط تمايلوا وكأن لا (geal‏ هو السبب. أصدر أصواتا 
منكرة. لم يسمع إلا الكمسارى يقول: تذاكر. . قرص سيدة. لم 
تتحرك. عضها في ردفها. لم يرتعش لها ردف. . لم يأبه أحد. قفز 
من الأوتوبيس فاستمراره فيبه جحيم سيفقده عقله. أمام عمارتهم 
وقف. تطلع. زوجته تطل من الشرفة. لمحها من أسفل ونصفها 


ie‏ أقتلها 





مدلى تنشر الغسيل. نط قلبه من الفرح. لم ينتظر المصعد. أخحذ 
السلالم قفراً واثنتين اثنتين . دق الجرس. . دق ودق ودق. وكأن لا 
أحد هناك . لا جواب. جلس على البسطة وكاد يبكي . لقد راها تنشر 
الغسيل. وهي بالتأكيد في الداخل. جاء بائع العيش. دق الجرس 
قا spl‏ الات dey‏ يجان احير . من 
أنت؟انت مين ؟الرجل يسألبصوت Sle‏ :عايز كام رغيف مقمر أ؟اندفع 
ناحية الباب. . دفع الرجل الضخم الذي لم يتحرك ودحل. رأى 
زوجته مقبلة. . نط قلبه نطتين. الآن سيعود إلى الكون ويعود إلى 
الكون اتزانه وعقله . قابلها فاتحاً ذراعيه. . . أطبقهما على الهواء. 
فالرجل الضخم كان قد Jef‏ العيش وأغلق الباب واندفعت هي تتعلق 
برقبته دون داع مطلقاً Luts,‏ لتخطيه. جاء طفل يبكي . هل هو ابنه. 
هو فعلا عمرو ابئه. حملت الطفل بيد ولفت يدها الأخرى بصعوبة 
حول رقبة الرجل. زوجها. هكذا فهم. يا مجرمين. هذا بيتي . هذه 
زوجتي . هذا ابني . فمن يكون هذا الطويل الضخم الهايف؟ هل 
مات هو وتحول إلى أثير لا يراه أحد؟ ولكن الأثیر لا يرى» هو يرى. 
الأثير لا يسمع. هو يسمع . الأثبر لا يدرك» هو يدرك. المجرم يزيح 
زوجته في تبرم وكأنما هو زوجها وقد بدأ يملها. ابه حي . أنا حي . 
هذه يدي . أعضها فتؤلمني . أليست هذه أصابع تتحرك أمامي؟ 
أليست هذه ساقاً؟ انها مؤامرة. إنهم قد طلوه بطلاء كالرجل الخفي 
بحيث لم يعد يراه أحد؟ ولكن منظاره هناك. وهو قطعاً غير حر وغير 
مكبل . أيقفز في الهواء ويوقف شعورهم UF the,‏ موجود يا كلب أنت 
وهي . أنت يا ابني أنت ابني أنا. هذا يا عالم بيتي . 


og 





1¥ 


فرت الدموع من teh‏ بكى صامتاً. ثم رفع صوته إلى آخر 
المدى. جعير. كان كفيلا بأن يفرج عليه الجيران وجيران الجيران 
والشارع كله. ولكن. وکأنه مات. يبكي ووحده الذي يسمع. يا 
ا عبدك UT‏ موجود. فأمر عبيدك أن يروا. دخل حجرة الرجل. 
انتقى قميصاً وبدلة وحذاء ورباط عنق. ارتداها. . أكبر وأوسع منه. 
تصور أنه حين يخرج إلى الصالة على الأقل سيوقفونه بتهمة 
السرقة. بنت يا «رقية» Lif‏ عبده حبيبك. أنا «دودة» كما كنت 
تدللينه. هذا الركن احتوانا. عيناك كم احتضنتاني. حضنك 
اندسست فيه. عمرو أنا أبوك. أنا بابا. . أنا دادي , أنا الذي طالما 
تعلقت برقبته وطلبت منه الكرة والبسكليتة والشيكولاتة. لم يعد 
يستطيع. انطلق كالقذيفة فتح الباب. أخذ السلالم قفزاً قفزاً. حتى 
البواب المؤدب لم يأبه له. تعمد أن يقفز فوق سطح عربة تاكسي . 
ويزحف فوق المقدمة حتى يغطي الزجاج الأمامي ويعمي السائق . 
والسائق سائق . لا يتوقف. . من تاكسي إلى تاكسي إلى عربة» عاد 
للمؤسسة. تعمد أن يصفع رجل الأمن صفعة لا بد دوى لها المكان 
فلم يسمعها ولا جرى الرجل وراءه. في ومضة صعد إلى الدور 
الأول. ليس هو الأول. لقد كان مقررئيس مجلس الادارة. ولكنه لم 
يجد رئيس المجلس ولا مقرأ له لافتة كانت في مكانها؛ معلقة لافتة 
شركة «الكودمو» بالعربية والانجليزية. أيكون قد أخطأ؟ هبط. قطع 
الشارع طول وعرضاً. من المؤكد أنها المؤسسة. هذا هو المستشفى 
المجاور. هذه هي محطة المترو. هذا هو الكوبري العلوي. عاد 
cg au‏ الدور الثاني تعمد آلا يقرأه. الدور الشالث كان فعلا دوره 
أتقتلها 


وه 





الثالث» حيث يوجد مكتبه. الحجرة التي يجلس فيها صغيرة وطالما 
اشتكى من صغرها ووعدوه بحجرة أكبر» ولكنه على أي حال يجلس 
في حجرة بمفرده. فتح الباب. انفتح . . الأثاث هو الأثاث. المكتب 
مكتبه. ولكن الجالس عليه ليس هو. سيدة. شديدة الأناقة مندمجة 
في حديث خطير مع زبون. . هذه مؤسسة. وليست «بوتيك». . هذا 
مكتبه. انه موظف هام. والحديث عن صفقة شامبو. لا أقل من 
عشرين في المائة. . يقف مصعوقاً يسمع. قاوم الزبون. لانت 
السيدة. وافق الزبون. . تمت الصفقة دون أدنى انتباه له. قبلة على 
اليد الناعمة انتقلت بسرعة إلى الخد الأيمن› ثم عبرت إلى cpa I‏ 
مارة بالشفتين . . لا اعتراض ولا مانع . 

تکوم في ركن منهاراً ولكن قشعريرة حمى جعلته ينتفض. . لا 
بد هناك خطأ جسيم ما. انطلق صاعدا هابطا باحشا عن رئيسه مدير 
المستخدمين . لا توجد لافتة واحدة لأي مدير. حجرات مرقمة 
مختلفة. أبوابها في درجات الأهمية وكأنها حجرات سرية. انتقى 
أكثرها أهمية. بقدمه وساقه ركل الباب ودخل . ١‏ 

كان اجتماعاً يضم وجوهاً شقراء وحمراء وبعضها أسمر. . 
المناقشات Bole‏ جذا. والطرقة مكيفة بجهاز صامت لا صوت له 
والكلام يكاد يكون همساً: زعق وزعق وزعق وظل يزعق حتى انحشر 
الصوت في حنجرته وانحاش صوته وأصبح لا يستطيع سوى مواء 
كمواء القطط الشريدة الجائعة. أدرك أن لا فائدة. . 


صعد إلى سطح العمارة. فتح نافذة الدور الأخير العاشر. . 


°٦ 





1۹ 


دون لحظة تردد مخافة أن يتراجع أو يعدل عن فتح النافذة . 

قفز. حين وصل جسدهة إلى الشارع تكومثت حينذاك فقط dt>‏ 
مهشمة الوجه مدشدشة الرأس التف حولها مثات من محبي 
الاستطلاع واللاحول واللاقوة إلا بالله. كثرت التعليقات. فرق أمناء 
الشرطة وعساكر الأمن. الاس . جاءت عربة الاسعاف.. فتسح 
محضر. . مجهول الهوية ذكروا. إلى النيابة أحيل الدوسيه , أشار 
الوكيل . دفنت الجثة. 

قيد الحادث ضد مجهول. أخذ الدوسيه رقم ١96١51‏ 
محفوظات . 


Lgl 7 


Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine - (no stamps are applied by registered version 





51١ 


أنصاف الثائرين 


Converted by Tiff Combine 








wr 


في الليل لما خلى إلا منه» ولم يكن الشاكي! وليس حتى 
ذلك الرضا المؤقت عن النفس بعد عمل باهر. تائه. الهدف مهم› 
حتى المشاكل حين تقع تصبح هدفا. المهم ماذا بعد. بكلمة انتهى 
الإشكال. دقائق معدودة حدث فيها كل شيء حين يجيء الليل وأنت 
لا تعرف لمن وإلى أين تذهب؟ حين يجيء الليل ويسحب الكائنات 
كل إلى ate‏ ومستقره ومقامه» ووحدك تبقى وحدك وحولك لا يوجد 
سوى الظلام واللاهدف. حينذاك يعود الليل شيثاً آخر. عمى أصاب 
الشمس أو Ye‏ ابتلع الدنيا والناس» ولا تتحول أرض النهار كالعادة 
إلى ليل وقد تغير منها اللون فقط تصبح الأرض المستوية بحرأًء ليس 
مجرد تشبيه» تتحول حقاً إلى بحرء الريح أمواجه والظلام آفاقه 
والإضاءات البعيدة أو القريبة مراسيه ومناراته . 

وفي الليل لما خلى إلا من الشاكي» صوت عباس يدندن» 
يطرد الوحشة» لكن الدندنة تؤكدهاء يعلو الصوت» يغني» يطلب 
الونس فيتحدث إلى الليل المسكون بالظلام الراسخ العميق. في 
الليل لما خخلى ء الجمال الوحيد في صوت عباس أنه يجعلك تتذكر 


Leal ٦۱ 





515 


عبد الوهاب وهو يغئيهاء وبحنجرته الحلوة يستأنس كون الظلام» 
ويضيء على مدى الصوت الرخي أنيق الشموع . 

في الليل والعربة تجأر» تصعد» تميل» تتلوى» صندوقها 
المغلق الكبير يتأرجح فهي تسلك الطريق الوعر الخالي من أكشاك 
المرور وعساكر المرور. فقد سحبوا الرخصة منه من زمن لضعف 
بصره» وفي الليل يزداد ضعفاً ويزداد تأرجح اللوري فوق جسور 
المصافي غير المهدة وغير المعدة لمرور العربات» أي عربات . 


في الليل والعائلة الغريبة منكمشة بجواره» الزوجة وضعها 
الرجل لصق OW!‏ غيرة عليها أن تكون محشورة في الوسط بينه وبين 
السائق. والأولاد في الدواسة وفوق ركب الأب والأم وفي كل مكان. 
في الليل وقد مضى النهار المزدحم» ذلك النهار. قصته الكاملة لو 
كتبت لاستغرقت bes‏ . بل لا أحد بإمكانه أن يحيط بها كلها. 


عباس السائق جذبته الأغنية وغرق في دوامتها. الليل صاحبه 
«pall‏ والليل عمره» بل أصبح قدره» ولم يعد سواه Lands‏ يحميه 
من النهارء نهار الناس العاديين والقانون العادي» نهار البوليس 
والتفتيش والرخصء النهار الذي يضبط فيه كل شيء ولا يفر منه أحد 
ولم يعد له سوى الليل ذلك الليل الذي خلا إلا منه ومن محتويات 
(لوريه) من بشر وأشياء وخیالات» يستجير به معيداً حتی لا يتخلى 
عله» ]5 حتى لم يعد یری أمامه أي by‏ 

قطع عباس اندماجه وسال : مريوط؟ مريوط؟ 


VY 





116 


حجاج الراكب وصاحب الكومة الأسرة فرح» فالسائق في 
العادة ذلك الذي اعتاد الصمت وقصر حواره ays‏ مع الموتورء إذا 
أجاب مضطراً حرجت الإجابة من أنفه» تكبراً يقولون» تكبر السائقين 
الذين يعرفون أنهم فوق الناس لأنهم يعرفون ما لا يعرفه الناس» 
تحت امرتهم سر الصنعة» والآلة اللغز» سلسلة في يدهم الآلة لغز 
في عالم يحيا بآلات من الحمير والكارو والجاموس والنهيق. الآلة. 
أصبع الحضارة البعيدة تخترق الفيافي وتظهر cha‏ معجزة Lie ay‏ 
وسيدها عباس أو أي عباس» وحتى لو کان نظره شيش بيش ليجعل 
تكبره على الآخرين أقل شموخاًء ولكنه حتماً يملك ذلك الشموخ. 


مريوط» لماذا مريوط؟ وهل يعقل» وفي هذه الساعة أن يطرق 
حجاج «أفندي» باب أنيس أفندي ولغرض كهذا الغرض؟ مريوط 
مريوط مريوط» وهذا البغل ذو الكرش المحشو جشعاً ونتانة. مريوط 
يا ابن بائعة الفجل الذي أصبحت صاحب أرض وبفضلي آنا تحولت 
من «بقجة» القماش تحملها لتبيعها بالمتر والنصف متر في الأسواق 
إلى صاحب دفتر شيكات ضخم بقلمك المذهب تستطيع أن تضع 
أي رقم وتوقع › ولتوقيعك قيمة وسمعةء أعظم من سمعة محافظ 
البنك الأهلى › وورقة دفتر شيكاتك أضمن من الورقة أم مادنة» 
والمميزة بالصورة المسحورة لأبي الهول مريوط مريوط؛ يا حسن بن 
وهيبة بائعة الفجل» يا من سموك يوم ولادتك حسن الكبش» لفرط 
شبهك به» ثم لما تاجرت وأصبحت صاحب عربة خضار سموك 
المعلم» وتلاشى الكبش من اسمك» وذاكسرة الناس للأسماء 


dil “۳ 





VAN 


WW,‏ ضعيفة» خاصة إذا كان أصحابها يكبرون والناس تصغر 
وحسن بك أصبحث,. مائة فدان تملكها رغم أنف قانون الإصلاح 
الزراعي وقوانينه الصارمة لمنع التحايل» ومائة أخرى تستأجرها رغم 
أنف قوانين الايجار الحاسمة» مائتي فدان. . الجناين مائة» والخضار 
مائة . والسراية اسمها الشاليهء والسور الذي يحيط بالمائتي فدان 
أسلاكه شائكة وفي الليل مكهربة» وماكينة النور تكفي لإضاءة مدينةء 
وحظك نار» بمائة جنيه لهفتها والأرض فدانها بألف» وصاحبها 
الخواجة يبكي» فالعمر أضاعه» يصنع من الجنينة جنة» فنواتها 
بالأسفلت ونقل الفاكهة والخضار يتم بقطار صغير ذي عربات قلابة 
وأوناش» وخيم للرش وموتورات» وببلاش أصبحت «بك» ولو كان 
ممكناً لتخطيت بأرض الخضار ومزرعة الدواجن والبهائم وخلايا 
النحل وحتى بتقطير زهر الياسمين وحده» رتبة الباشا. 

فلتكن مریوط . 

الخواجة كان أحسن. ألف مرة أحسن! خواجة على غير الدين 
والملة لا يكذب ولا يغش ولم يذهب ليحج ومعه حقيبة ضخمة فارغة 
وعاد بملء عربة لوري بضائع للتجارة والاستهلاك . 

الخواجة كان أحسن» وكان في أيامه وطنياً صميماً ووفدياً قحا 
وعباس السائق هذا نفسه كان حين يريد أن يسترضيه يضغط على 


«سيريشة» العربة النقل لتعزف ذلك الهتاف المموسق يحيا. . 
النحاس . . باشا. . 


5 





VV 


خواجة وأحسن وذمته أنظف » ولكنه ذهب لأنه كان يمت إلى 
جنس كبير حرفته السرقة المنظمة المقننة» والارهاب بالقتل العسكري 
المباح» والاحتلال طريقته في السطو المسلح . خواجة واحد نظيف 
في عصابة قوامها عشرات الملايين من السفلة. وراح. 

والجنينة في الحقيقة لا كانت جنيئية الخواجة» ولا جنينة حسن 
بك «الكبش» سابقاً حين لهفها لهفاً. الجنيئة جنينة حجاج. . جاءها 
Ley‏ أربع شجرات «كازورينة» عجاف. جاءها وهي بور. حتى 
الحشائش لا تقوى على النمو فيها, وبيده. بيده وحده أحياهاء 
بحذائه ينغرز في الوحل» بالليالي يسهرها حتى الفجرء لا يزيد الري 
جرعة ماء أو ينقص» ولا يزيد السماء ملليجرام أو يتغير. بالبهائم 
lal,‏ .عام وراء عام تحيل بقاياها وعلفها إلى طبقة أرض نيت روجينية 
جديدة» تختلط بالقديمة» وبالطمي» آلاف الأطنان من الطمي 
والرمل» من شيء كان كالرأس الأصلع الخالي lls‏ حتى من 
الزغب» شعرة شعرة راح يزرع» وحوضاً Lae‏ راح يزحف بالخضرة 
والخصب» حتی» بعد سنوات عشر» أصبحت تلك المعجزة التي 
تتحدث بأخبارها ألسئة المارين ركوباً في أوتوبيس اوا على أقدام 
بجوار الحمير المثقلة . 

أصبحت جلة يستضيف الخواجة «شيميز» أصدقاءه ومعارفه» 
وكل من يكاد يعرفه أو يلقاهء ليريه «ايزابيللا فارم». كمن اكتشف 
المعجزة» كمن حقق أكثر المستحيلات استحالة» في شرحه 
وحماسهء ووجناته المحمرة يندمسج › وتنطلق دفعات الكلام من فمه 


e‏ اتتلها 





31۸ 


صادقة أو كالصدق» كأنه هو الذي قام بالعمل وحده» هو الذي 
غرس» هو الذي قام على «المشاية» وسهر» هو حتى ذلك الذي أقام 
هذه «الفراندة» الأصيلة التي لا مثيل لها ولا لروعتها. في وسط 
«ايزابيللا فارم» Lalas‏ تقوم شجرة كازورينا هائلة الضخامة» هي مع 
الكازورينات الثلاث كل ما وجده في الأرض حين اشتراها. يندمج 
تماماً حتى ينسى اسا أو تازيقا أو حادقة فيتلفت لحجاج أفندي 
السائر متواضعا خحلف الجميع, الصامت تماما دونا عن الجميع , 
الذي اعتاد على اغتصاب الخواجة لمجهوده ودوره» حتى لم يعد 
يزعجه الأمرء فليتكلم ما يحلو له الكلام وليصمت حجاج تماماً» 
فثمة ألف شيء تنحدث نيابة عنه» كل شجرة» كل عرق من شجرة» 
كل ثمرة مانجو» كل عنقود عنب» كل زهرة ياسمين» كل نخلة» كل 
«قرص» عسل نحلء كلها Lage‏ يراها ويسمعها بعين غير عين 
الجميع» وأذن غير أذن الجميع » إذ بأذنه وعينيه وحدهما يسمعهاء 
تبثه الشكر والحمد» تغرقه في اعترافها بالجميل ألى درجة أن لو أشار 
لها بالكف عن النمو لكفت. أن تكف عن انتاج الثمار لكفت. 
الخواجة له الأرض وله النقود. وله الشاليه المذهل» وله ذهول 
الضيوف» وأهات انبهارهم ودهشتهم» ولكنه هو الذي يملك ماهو 
أعظم من ذلك كله يملك أجمل وأروع حديقة حياة أرغمه هذا 
الفحل الأصلع على أن ينشئها فأنشأها. 


وكمن يشير إلى برج ايفل» يشير الخواجة إلى شجرة 
الكازورينة› لتكون المفاجأة, اندفع يسرع asl,‏ ناحیتها» والركب 


55 





541 


والركض يتبعه» وهناك» وكأنما يكتشف في التو معهم» يتطلع 
ويتطلعون, وفي أعلى مكان في شجرة الكازورينة العالية» حيث 
أقيمت» من نفس الأفرع غير المهذبة «فراندة» مستديرة مريحة ذات 
سور تحيط بالشجرة كلهاء ومن نفس الأفرع» وعلى نفس حالتها 
صنع للفراندة مقاعد ومناضدء, وكالطفل الذي فقد اتزانه» يبدأ 
الخواجة شيميز يتسلق السلم المصنوع أيضاً من الكازورينة» وليبدو 
als‏ مجرد فرع شذبت نهاياته قليلا. للسلم والدرابزین» وخرطوم 
المياه الرقيق» وأسلاك النور التي طليت بنفس لون الشجرةء 
والمصعد ذو البكرات الذي يتحرك Sule‏ الطعام أو العجزة الذين لا 
يستطيعون الصعود أو أجهزة الموسيقى أو ما شاءوا من صناديق 
الشراب. ولأن الأسئلة حينذاك تنهال بكثرة وبالفرنسية في الغالب» 
ولأن حجاج أفندي له إلمام بها و«شيميز» يعلم هذا! ويعلم أيضاً أنه 
قد ظل أنانياً إلى درجة لم تعد تحتمل. يتحرك الضمير, معترفاً 
ob ‘I‏ برج «الكازورينة» هو فكرة أراد حجاج أن يفاجئه بها حين 
استضاف وزير الزراعة clay,‏ ثم تتوالى اعترافاته» وحتى ما لم يعترف 
به بينه وبين نفسه يبدأ من تلقاء نفسه يشير إلى صاحب فكرته 
وحالقها. وتبدأ السيدات تضع النظارات تفحص هذا الصامت 
العبقري وتتأمل أنه هو الرجل المقصود» يصبح ارتباكه أعظم من أن 
یحتمل» ولا بد أن یعلر» ان لم يبد وجيهاً أو مقبولاً» فالأمر لا يهم 
يختفي حجاج» وتختفي الخواجات والطبقة» وفي أسبوع واحد يبدأ 
«شيميز» الفرنسي يفكر في البيع» ثم البيعء ثم تهريب الثمن» 
والأسبوع التالي يجيء عليه وهو في مرسيليا وقد عاد إلى «الوطن 


asl 1۷ 





11۰ 


الأم» بيئما كان في الحقيقة» وفي نفس هذا الوقت يبكي وقد أحس 
لأول مرة آنه فقد الوطن الام حقاء وقد ينجح ١اشيميز)‏ وتكون له 
حديقة وضيعة ومزرعة» ولكنه أبداً لن يجد في ذلك الوطن 
الجديد. . برج الكازورين» ولا حجاجاً. 

© © 


كما كان يعامل «شيميز» ظل يعامل حسن بك. لم يكن هناك 
ما يدعو لاستمساك حسن الكبش بالسيد حجاج هذا. انه من عائلة 
قوامها ألف رجل» كلهم فقراء» وأولى من حجاج بالعمل والماهية› 
ولكن أن يقلد الخواجة شيميز الذي اشترى منه المزرعة بإبقاء حجاج 
«مديرأ» للحديقة والمزرعة» بنفس راتبه» ومسكنه في إلركن الجنوبي 
للحديقة» أبداً ليس هو السبب الذي دفعه للاستمساك بهء فالبدد 
الذي ورد في العقد Lobe‏ بهذا الموضوع كان في ذاته نكتةء بند لا 
يعني شيئاً ولا يشترط للفكاك منه. جزاء كل ما في .الأمر أنه يدفع 
للعجب. أن يتمسك المالك السابق بموظف عنده بهذه الطريقة 
مسألة لا بد فيها سر. سر حاول شيميز أن يشرحه له أكثر من مرة 
بقوله ان حدائق كهذه ليست مجرد عقار أو سلعة» انها حيوان 
ومجتمعات كالبشرء ورعايتها تستلزم كرعاية أي أسرة. . الحب 
والرعاية والتفاني والحئان. وحجاج هو ذلك الراعي والأب» وأيضاء 
ورغم التكرار والتكرار فحسن بك ظل يؤكد لنفسه أن في الأمر Le‏ 
وأن الأيام كفيلة بإظهاره. الشيء الآخر أنه بدأ يشرح لحجاج 
طريقته» وأنه ليس خواجة» وليس «كروديا»» وأنه بدأها من عربة 


A 





1۲۱ 


اليد ويفهمها وهي طايرة» ويعرف في الجناين وأمورها أكثر من 
صاحب دکتوراه» وهكذا eagle‏ إذا أراد أن يستمر «يأكل عیشه» أن 
يطيع : كذا يعني كذا. . مفهوم؟! , 


يرمقه حجاج بعيون لا ترمش» ولا تريد أن يخفى عليها خافية» 
نظرة تطول. وتؤوب» إلى رأس ينخفض يفكر. من OW‏ عليه أن 
يدرك أن كل شيء قد تغير» ليس صاحب العمل فقط. ولكن عليه 
مو اا أن jose‏ بل ربما على الأرض نفسها والشجر والزرع أن 


لقد كان شيميز يشعره أن الأرض وان كانت له. إلا أن كل ما 
هو أخضر فيها هو من صنعه ومسئوليته» وهكذا وعمره الآن تسعة 
وثلاثون عاماًء اعتصر نفسه وشبابه» وأحالها فاكهة خضراء وثمرأء 
وبينما أعاد للحديقة صباها وشبابها فقد هو كل صباه» وأصبح من يراه 


من الآنء عليه كما فعل شيميز أن يبيع هو الخضرة كما باع 
الآخر الأرض» Oly‏ يشتري صحته وحياته كما اشترى الآخر عنقه» 
ومادام حسن بك الكبش يريد أن يكون الصاحب والآمر والناهي 
والرأي رأيه والتصرف تصرفه.ء فليكن الأمر كما يريد وليبدأ ومنل 
OVI‏ دوره الجديد» ومادام «المدير» قد ذهب مع الخواجة الذي 
ذهب» فليكن دوره مع الصاحب الجديد الآمرء دور المأمور المنفذ 
كذا يعني كذا. حاضر. 


35 أقتلها 





1۲ 


حاضر وهي حاضر. الري يعرف أن موعده خطأء وطريقته 
خطأء ولكن تأتيه الكلمة: ارو. حاضر. يروي . 

وبدأت المسائل ترتبك. ويستشير حسن بك الدنيا كلهاء ويعيد 
ما كان يفعله بأراضيه الأخرى, ناسياً أن لكل أرض معدنها. وشخصية 
العنب الذي ينمو هناء غير شخصية بني جسه ونوعه الذي ينمو 
هناك ناسياً أن القواعد العامة شيء» والقواعد الخاصة التي تسنها 
الخبرة الطويلة شيء آخر. وكثيراً جداً من الأشياء تبدأ ترتبك . 

وكان حرياً بحسن بك «الكبش سابقاً» أن يعزو ALL‏ ليس 
لما يصدره من أوامرء إنما يعزوه كالعادة لتنفيذ الحجاج السبىء 
ويجعل من هذا سبباً وجيهاً لفصله والتخلص منه . 

وهو بالضبط ما كان يتوقعه حجاج وظل يتوقعه . 

ولكنه الشيء الذي لم يحدث. 

والذي ظل حجاج يضرب أخماساً في أسداس. متسائلا عن 
سبب عدم حدوثه . وأنى لحجاج أن يعرف أن العلة في القلة. 


وأنها شربة ماء كانت.ولكنها هي نفسها الشربة التي لولاها ما 
كان قد أصبح هكذا تائه الليل» في طريقه إلى «أنيس أفندي» عبر 
قنوات وطرق غير ممهدة إلى مريوط. والليل قد خلا» وسجى» ولا 
ندم» وكذلك لا فخر. ما حدث حدث ولا بد أن يحدث, بل حتى 
هناك في هذه الوقفة ما يستحق الفخر رغم أن فيها وسبقها ما يستحق 
كل خجل . 


Ve 





1T 


الشورة محدودة» وحين ثارء كعادته حين كان يثور أيام 
الخواجة» ويتلفى الخواجة الجانب الموضوعي من ثورته ولا تهمه 
الطريقة, بل أحياناً كان يستحسنهاء كانت yp tll‏ تأتى بنتيجة وفى 
الحال. ااا 

هذه المرة ثار فقد أمره حسن بك بتقليم العنب. والتقليم OW‏ 
معناه أن يقتله قتلاً» ولكنه الأمرء وقد تعود أن يرضخ» هذه المرة 
صمم LS‏ أن يقول لا ولكنه لسان حسن بك خرج ولم يعد خرج 
طويلا سافلا يلعن آباءه وأجداده. احتج . نصف احنجاج» فبنصف 
عقله الآخر كان يحسبها. فإذا استمر في الأمر فالفصل مصيرهء 
والفصل يعني أن يبحث ليس فقط عن عمل آخر وإنماء وهذا هو 
الأدهى والأمر عن سكن آخحر» فالسكن لمن صناعتهم الزراعة تبع 
العمل» ويعني أن يلف البلاد كلها طولاً وعرضاً ببحث عن زملائه من 
نظار الجناين ومأميرها ومديريها عن وظيفة ولو وظيفة خولي . بشرط 
أن يجد المأوى في بيت» ولو في حجرة. وهنا سكت نصف 
الموافق» وأوقف نصفه الثائر وقلم العنب» ومات العنب. 

ومن بركان سفلي بشع خرج غضب حسن بك» يا حمار. . 
هكذا عبني عينك قالها: 

لماذا قلمت العنب؟ 

ولك هله راموك 

ومن قال لك أن تطيع أوامري؟ 

= سعادتك. الذي قلت: كذا يعني كذا. 


۷ أقنلها 





1٤ 


- ولماذا لم تعارض إلى النهاية . لقد كنت أنا أفكر في التراجع 
إذا واصلت أنت المعارضة» ولكنك وافقت . 

لماذا يعرف الخطأ ولا يقول لا ويظل يقولها حتى لو قامت 
القيامة؟ !! , 

والنتيجة : أنت مرفوت. . بحث لك عن عمل. 

- ولكن أولادي . أنالا بيت لي. لا بد أن أذهب أبحث عن 
بيت وعمل وأنتقل إليهما. 

من الغد عفشك برهء وأنت مرفوت. وإذا بقيت لحظة 
سأسلخ جلدك . وخذ. . 

ورمى إليه بعشرين جنيهاً قيمة «المكافأة» . 

ولم يكن هناك مناص فأرخص وسيلة هي عربة النقل التي 
يملكها عباس الأعمش والتي لا يقودها إلا في الليل خوفا من ضبطه 
بلا رخصة وقد سقط في امتحان النظر ثلاث مرات» وإلى الطرق 
الفرعية المنحنية والمنحدرة والصاعدة والهابطة»ء ينشال اللوري 
ويدحط» ويميل ويكاد ينهال في الترعة والمصرف» والعائلة مكومة 
في الكابينه» وعباس» يراه بعينه» كلما نقل عصا الفيئيس» يلمس 
LS,‏ امرأته» وحتى ابنته ذات الأربعة عشر عاماً متعللاً بعصيان 
العصاء والليل قد خلا إلا من جثير الموتور المنهك. وجعجعة 
الدبرياج ولمسات الأعمش . 


الليل يعتذر فهو لا يعرف عملاً. لا يعرف مكاناً للإقامة. زوجته 


y۲ 





“Yo 


مريضة وابنه يعاني الحمى» وهو مدثر ببطانية» Lily‏ أسف يا 
حجاج. . آسف. الظروف قوية» really‏ صعب والمزارع والجناين 
قلت» ولماذا لم تبلعها يا أحي؟ 

وحجاج يقول لنفسه: ولماذا؟ مادام هذا هو المصير كنت لا 
أخلع الحذاء وأنهال به على الرأس الأصلع للكبش حتى أدميه» 
وعلى الأقل أخرج بكرامتي» ولكنه المصير الذي ينتظر أنصاف 
الغاضبين . 

والليل قد خلا مرة أخرى إلا من لوري ذي سائق أعمش 
وعائلته تبحث عن عمل مأوى أو عن مأوى عمل والمتور يزأرء 
وعباس يغني في الليل لما خلي إلا من SLA‏ والنوح على 
الدوح. . وينسى بقية الأغنية ليمد يده إلى عصا الفيتيس» وإلى ما 
أصبح يصل إليه فوق الركبة » ثم يتذكر عباس الأغنية ويجأر بصوته: 
للصابر الشاكي . . والليل يمتد ويستشري ومن بحر إلى محيط 
يصبح» والعربة بركابها تغرق فيه وتغرق» ولا حتى من نجمة قلطب 
عند الفجر تشهد. 

لماذا لم يقتله؟ 

لماذا لم يكب راكعاً وأمره إلى الله ويقبل حذاءه؟ . 


Converted by Tiff Combine 





ied by registered version 





۹۷ 


Converted by Tiff Combine 








14 


الحياة التي يحياها OY!‏ كانما هي بالضبط ما أراده طول الوقت 
دون أن يعي» والكرسي الذي يجلس عليهء والمنضدة الكائنة في 
الركن ‏ ركنه المفضل» والكم الذي يجرعه من كوب الماء المثلج 
المضبب البارد» هو بالضبط ما أراده بلا زيادة أو أقل نقصان. كل 
نزوة تعن له حتى ولو تجاه امرأة يحيلها إلى نظرة فخطة حتماً تنتهي 
حسبما أراد لها. كانت مشكلته دائماً أن يحقق ومن أجل أن يحقق 
أصبح عليه الآن أن يقتنع . لا إيمان مطلق. . لا تسليم. التحقيق 
هو الحياة» والعمر يمتد مسطحاً أماماه ol‏ كالزجاج» يدحرج البلية 
ويأمرها أن تقف» بالضبط حيث كان ily‏ عند الخشبة الثالثة بعد 
المكسورة من السورء بالضبط هنا قفي أيتها البلية وجذار أن 
تتحركي » فمن الممكن وباستطاعتي أن أهدم الكون فوق رأسك . 

في العادة حين نتذكر الشيء ء أو الحدث نلتزم بالخط الواحد» 
مذ لم يكن الحدث قد كان إلى أن كان وبعد أن كان. . هكذا تصنع 
بنا ذاکرتنا» فوهي تجذب الماضي وتضمه لحظات معاً غير قادرة على 
التشتت إلا إذا كنا قد جنناء إما أن تتشتت وهي أعقل ما تكون وأثبت 


vy‏ أقتلها 





۳٠ 


ما تكون. . إما أن ترتد عيناك لتصبحا ليستا نقطتين ترى بهما ما 
أمامك» وإنماهما شريط بصري دائري يحيط بكل رأسك وترى به 
أقصى زوايا الكون» وبأذنيك وقد امتدتا وتفرعتا ملايين «الايريالات» 
حتى ليسمعانك نبض الكون الأعمق. . إذا عن لقلب الكون أن 
ينبض» إذا استعدت الزمان والصوت والمكان ‏ وبلا حدوده 
واستحضرت الحدث بلا ذرة تتساقط منه وأنت تستعيده» وكل شيء 
als,‏ لا يتجمع OV‏ ولكنه بقوة عظمى خافية يتحد ويشكل من 
الماضي حاضراً في قلب الحاضر الدائر» بل ولأصبح باستطاعتك أن 
توقف أو تبطيء من دوران أيهماء الماضي أو الحاضر, والاسراع 
بالآخر لتصئع من الزمن عجيئة لها ما شئت من سمك» ومن المكان 
مساحة لها ما شئت من حيزء الذرة فيها في حجم المجموعة 
الشمسية» والمجرة فيها تستطيع أن تصغرها بأصبعيك إلى أقل جزيء 
ممكن , 

حين تصنع هذا كله؛ أو يمكنك صناعتهء فإما أن عقلك انتهى 
تماماً وإما أن Mie‏ آحر فيك بدأ يبرز. . عقلك الأكبرء وويلك إذا 
انتهى عقلك وبقيت حياً! وويل ويلك إذا بدأ العقل الأكبر وأنت لا 
تزال سجين وجودك الأصغر. وفي الحالين أنت في لحظة جحيم. . 
واسمع سيدي . 


وقبل OF‏ تسمع سيدي. . اكبر أيها الحجم . وتضخم أيها 
المكان! واقترب أيها الزمان, لا ليس عاماًء بل شهراًء بل عدة أيام 


VA. 





۹۳1 


فاجئيني وكوني طويلة طول العمر. فانت Lie‏ تساوين عمراً بطوله. 
اصبح أيها الحدث في قرب وجهها ذي النمش الخفيف. . ذلك 
الوجه. اقترب ولو عذبتني أكثر. 

عذبك يا مصطفى ذلك الوجه.. الرموش البنية الغامقة 
انغرست طويلاً وكثيراً في حبابي عينيك وأنت مستعذب ذلك العمى 
البني المدبب. أفعلاً أحببت ذلك الوجه؟ أفعلاً كانت صاحبته 
تحبك؟. آم هو السجن والجسد الفائر والشبق الموضوع قسراً في 
زنازين من أقفاص صلبة لا تلين ولا تنكسر؟ اقتربي كثيراً با لحظات 
عشتها وعاشتني » فانتم أناء ولكنه لأنا المستحيل ‏ أعرف هذا جيداً - 
التجمع والتكون والعودة للوجود. فلا أنا انتهى عقلي الأصغرء ولا 
نبت لي ذلك الأكبر المهول بعد. 

المسافة قائمة وباقية بينهم في «الدور» الثالث» وبينه على 
«البسطة» الأولى للسلم الحلزوني الصاعد في قلب العنبر. . والوقت 
طال وطال» والصبر نفد. فحين تكون في السجن لا تستعذب أبداً 
أي صبرء فأنت دائماً في انتظار اللحظة التالية ولو لم تحمل لك أي 
خير أو حدث. فمن يدري؟ لعلها تحمل! لعل شيئاً خارقاً يحدث! 
أنت تتصورها وتحشوها بالاحتمالات وتبتهلعساهاتأتي مثقلة. كان 
معهم . . مع الكبار حيث كانوا ولا يزالون في الزنزانة الواسعة بالدور 
الثالث. دحل عليهم ثم بدا من نظراتهم المتبادلة أنهم يطلبون منه 
الانصراف. أكان اجتماعاً Lye‏ وجاء هو ليفسده؟ آم كان التدبير هر 
تلك الأسئلة الغريبة التي انهالت عليه ثم كفت فجأة؟ وبدا تبادل 


asl v4 





1۲ 


النظرات» حتى أحس من التيار المرسل والمستقبل بين العيون of‏ 
ثمة كلمة ضوئية تصاغ» أو بالأصح أمراً: قم . وانتظر, 


وقام , : 

ولم يطلب منه أحد أن ينتظر. فجعل بينه وبينهم ثلاثة أدوارء 
وجلس .. فقد كانت الكلمة لا تزال OF‏ في أذنه: لا تبتعد كثيراً يا 
بني . 


لقد سبقهم إلى السجن» هذا صحيح رغم أنه الأصغرء فقد 
جاء متهماً في جريمة قنبلة ألقاها في ملهى شارع الهرم. لم يمت بها 
أحد هذا صحيح » ولكنها جعلت منه كبيراً وبطلاً ودخل السجن. وكم 
عض أصابع يديه العشر ندماً. فقد كانت رعونته هي السبب. . كان 
Lely‏ أن ينتظر إلى أن يعد خمسة ثم يقذفها بقوة» ولكنه استعجل 
وقذفها وهو يعد الثالثة خحوفاً أن تنفجر في يده» وبظهورها بلونها 
الأحمر الغريب المثير المرعب انكفا الكل على وجوههم» وكل ما 
ناله ليلتها قطعة من فخذ الراقصة الدهني الذي جرح ظلت لاصقة 
بين ياقة قميصه وجلد رقبته. وكلما حاول استخراجها ضربوه مخافة 
أن تكون ثمة حركة مباغتة أو بداية عدوان» وهو يحس بها قطعة من 
نار الجحيم اللاصقة قد غرزت كاوية جلده. حارقة لحمه حتى نخاع 
النخاع . رف عبد بطلع النجر يتجج في التزاعهنا, ينتزعها هي 
ولكن أثرها لا يمحى . . يكاد يكون إلى الآن باقياً . 


مصيره معروف. . انه يدرك هذاء معروف له وللقاضی وحتى 


Ae 





wr 


للشحاذ الذي يدعو له كلما لمحه هابطاً من عربة السجن إلى 
| لمحكمة. . الاعدام. 


فليكن! أبداً لم يفكر أن هناك Lips‏ بمعناه الذي تعارف عليه 
الناس» ولا حاف مثلهم منه. لكم أحبه قبل الحادث وابتغاه في أثنائه 
وبعده. كلما غور ببصره في أعماق رحلة الخلد التي سوف يقطعها به 
إذا استشهد. أحس أن الناس لا بد مجانين لتمسكهم بحياة هي خرقة 
بالية. . وستبلى أكثر مليئة بالأوحال والأقذار» لا تصلح حتى لتلميع 
حذاء. وأعظم شيء يصنعه الإنسان بها هو أن يقذفها بأطراف أطراف 
أصابعه» بعيداً بعيداً كي يزيحها عنه وعن الطريق إلى الخلود. 


بل هو حتى أصبح يضيق بتلك المعاملة الخاصة التي تعامله 
بها جماعته. . المئات منهم الذين جاءوا بعده» ولأسباب مختلفة 
حين جاء أحدهم مرة وهمس في أذنه يسأله من أين هو وإلى أي أمير 
ينتمي؟ لم يخبره. وحين تكشف في السجن وبالسجن كل شيء 
وعرف السلسال من أوله لآخره لم يفرح» بل ولا غير من نظرته إلى 
غيرها. فالدين دين الكل. وهو فقط ضد الخارجين ومع كل 
الداخلين. قابله مرة وكيل وزارة الداخلية يحمل له (pie‏ وقائمة 
بأسماء كثيرة الغريب أنها كانت صحيحة تماماً ودقيقة جداً وكأنه هو 
شخصياً الذي كتبهاء وحمل الورقة في يده» ورأسه راسك يا 
مصطفى - في اليد الأخرى» ومجرد توقيع ينقذ هذا الرأس. . توقيع 
صغير منك يا مصطفى يصنع هذا العمل الكبير. ابتسم للرجل في 


A‏ أقتلها 





14 


طيبة واحتقار ودعا له أن يغفر له المولى ذنبه وأن لا يأخذ ذريته 
بخطاياه. . ومضى . 

وأحس بيد توضع أو بالأصح تبارك كتفه» رأسه ارتفع. . 
الشيخ الجليل هناك مهيب في وقفته على السلمة الأعلى » ابتسامته 
نقية وكأنما عليها SUT‏ لا تزال طازجة من مياه زمزم . وقد حفض 
الشيخ يده من كتفه إلى كوعه واصطحبه. وسارا وخيل إليه أن السير 
في الفناء قد طال والشيخ صامت لا يقول شيئاً. وحين تكلم سأله إن 
كان يريد دخول الجنة» سؤال من هو متأكد مما سوف يكون عليه 
الجواب. ولهذا لم يأته الجوابء وإنما فرت من عين مصطفى دمعة 
وانحنى على كف الرجل وقبلها. 

-لا.. لا.. لا تفعل. . لا كلام بيننا الآن. . لقد أعددنا لكل 
شيء عدته وسأني لأببت عندكم في زنزانتکم» وستعرف كل شيء 
بإذن الله . 

كان مصطفى معجباً بهذا النظام الصارم الدقيق» فكل شيء 
يتم بالضبط كما يجب أن يتم» ولهذا فالكلمة هنا ليست كلمة ولكن 
في سبيلها يحارب المرء الجيوش» أما حارس الليل فقد تولاه زكرياء 
أما رقيب النهار فقد احتاج إلى BL‏ جنيه تسلمتها زوجته بالضبط في 
الميعاد. 


والليل والزنزانة» والهمس. وانبلج السر الأكبر. 
إن معهم في المعتقل» نفس السجن 6 شيوعيين وشيوعيات» 


AY 





1 


وللنساء موعد فسحتهن وللرجال موعد» بل هي مواعيد أربعة موعد 
لحرماتهم من المسجونات» وموعد للشيوعيات» ثم للرجال منهم» ثم 
للشيوعيين الرجال. يدل هؤلاء ليخرج إلى الفناء هؤلاء. وكانت 
الجماعةء حتى قبل أن يلاحظ مصطفى» قد لاحظت أن شيوعية 
معينة تتلكأ Lasts‏ لتكون آخر من تدحل قسمهن. وبتتبعهم الحذر 
الذكي إلى حيث تتجه عيون المتلكئة حددوا الهدف. 

مصطفى » ذلك الذي يرتدي جلباباً بلدياً أبيض حليق الشارب 
والذقن رغم ايغاله في الإيمان JS‏ ما تؤمن به الجماعة» الصعيدي 
الأفندي الوسيم الذي ترتعش له قلوب العذارى.. أي عذارى؛ من 
هاواي أو من الحبشة» من لوس أنجيلوس أو الأنفوشي . . شاب ذكر 
يكاد يكون مصنوعا كله من مادة رجالية خالصة, وهو وحده الذي لا 
يعرف بينما كل البنات والسيدات وحتى الشبان والرجال يعرفون. . 
Ogden‏ وذائماً كلمة: يا خسارة على شبابه تلمحها أذنه وأحياناً 
عيناه» صاعداً عربة السجن أو هابطاً منهاء في يده الحديد أو خاليا 
من الحديد» قريباً من قفص المتهمين أو همسة تأتيه عالية من بعيد. 
حتى القاضي أحس مرة أنه ينظر إليه نظرة حسرة وكأنما حسداً لأب له 
كل هذا الابن. . وقلب سوزان يدق. وما أغرب هذا القلب وهو يدق 
فكانما لا مبادىء ولا عقائد ولا نيران تحول بينه وبين الدق إذا أراد 
أن يدق» حتى وهو يتعمد ألا يراها ولم يرفع عينه عن الأرض. . 
طوال الأسبوع الأول كان يدرك أن قلبها كل مرة كان يزداد دقاً. 


ولكن خافضاً بصره أو رافعه كان لا بد أن تلتقي العين بالعين 


Ay‏ ا 





1۳ 


مرة» وهذه المرة دق قلبان. قلب من فولاذ عمره ما دق» وقلب من 
الوجد كان قد old‏ حتى تحول إلى عهن منفوش . . شيوعية رقطاء› 
ولكن سبحانك ربي توزع الملامح على من تشاء بغير حساب لكأنها 
من بنات حور العين» حكمتك» تؤتي الملك من تشاء وتمنح عيوناً ما 
وقع عليها وجه إلا وخر صريعاً لمن تشاء. . أنت الخالق ولكل خلق 
لك حكمة, ولا بد لخلقها هذا من حكمة» ولكنها أبداً لا يمكن أن 
OS‏ حكمة أن يدق لها قلبك يا مصطفى . . مستحيل . 

عيناه اللتان سمرهما في الأرض يشدهما إلى أعلى مغناطيس 
أعتى من كل جاذبية» يشدهما في الوقت المناسب تماماًء وفي 
اللحظة المناسبة لتستمر الومضة» وأمام عينيها تسترخيان» تلقل 
أجفانهما يتنومان. . يسلبان الإرادة. . يظلان مسمرين. 

وإذا كان الشيء بالشيء يذكرء فالشيء بالشيء حتى الشيء 
يحس بالشيء؛ فما بالك والشباب شباب مصطفى والطرف الآخر 
صاحبة هذا القوام والوجه والغيون.. سوزان! كل هفة ثوب منها 
تخاريف مجانين» صواعق مستأنسة» ومستانسة وترعش الجبال. . ما 
بالك وقوة أعظم من السجن والمتريولوزات المصوبة والسور العظيم 
الذي يفصل بين فناء الرجال وفناء النساءء واستعجال الشاويشية 
والشاويشات» والصفافيں» واختلاف المذاهب وعداء المذاهب» وكل 
ما يستطيع الكون أن يتامر به ليبعد كائنين أو شيثين أو قوتين. . كلها 
قد جربت وفشلت. تساقطت واحدة اثر الأخرى وفي الحال» فعبر 
السور العظيم كانت قوة الجذب أعتى من كل القوى» كأن حدثاً كونياً 


Ag 





۹V 


قد أوقف كل شيء ولخص الزمن والأيام في لحظة تتجمع فيها كل 
لحظاته» وتلتقي متسائلة محمومة محيرة لا خيرة لها في أمرها أربع 
عيون كأنها قد تحولت إلى أطراف أربعة لكائن أرقى واحد, كائن 
سبظل باقياً ما بقيت الحياة على سطح الأرض . 

أربع عيون وکل ما سواها عدم كل شيء.. حتى نفسيهما 
أصبحا Late‏ وإرادتهما عدماً. فالموجود الوحيد صائع الحدث 
الصاعق هو رعد اللقاء وبرقه» والجذب. . الجذب الذي أبداً لا 
يقاوم » لتبدأ المرة الأولى الخجلى بصباح الخير تهمسها سوزان» 
والوقفة الأولى المرتعشة وقفة مصطفى عند ثالث خشبة من بعد 
الخشبة المكسورة في السور الفاصل بين العالمين. . الأرض ترتعش 
الأيدي المتشبثة بالخشب ترتعش» وحين جلت مرة وتماسكت الأيدي 
ارنعشت هي والأرض والخشب والحديد ووصلت الرعشة عنان 
السماء؛ بل وكادت أرجل الشاويش المنتظرة والشاويشة المسثولة 
تضحك ارتعاشاً هي الأخرى فقد تاه الولد في البنت وتاهت البنت في 
الولد. 

وأصبح الحدث هو الحديث الوحيد الدائر بين جانبي السور. 

وفي اليوم الرابع بعد الحدث» استدعوه» أو هكذا خيل إليه أنه 
هو الذي ذهب وحده إلى الطابق الثالث. 

ولم ينزل. 

لأيام ثلاثة طويلة طويلة» مضت» حتى اختنق . 

وفي اليوم الرابع هبط الفناء لأول مرة. 





“YA 


وكانت هناك. . لكأنها مذ تركها اخر مرة لم تغادر المكان مرة؛ 
لكأنها ماتت وعادت تحيا هناك . 

والتقيا. 

ويده عبر السور امتدث . 

وقلبها عبر يدها امتد .' 

واستماتت اليد على القلب. 

واستمات القلب على اليد. 

ولولا حوفهما أن يجازى الشاويش والشاويشة وقد طال 
تغاضيهما عن الموقف. ما افترقا. 

© © 

توكل يا ولدي على المولى فلقد قتلت فيك كل ما كان فيك 
يا مصطفى» وهي بسبيلها الآن لتأخذ منك كل ما تبقى LS‏ فيك» 
لتقتلنا هذه المرة كلنا. انها عدوة. . عدوتك وعدوتناء ولا حياة لك 
أو لنا لدعوتنا إلا مقتلها. لقد جاءوا بها خصيصاً ليطعنونا من 
خلالك. وليصرعونا بعد هذا. . الشاب تلو الشاب» ولقد كانت 
البداية بك فلا بد أن تكون البداية بها. اقتلها يا بني . . اقتلها 
وتوكل . 1 

كانت الكلمات ثابتة» هامسة» كل كلمة منها كفيلة بخرق 
القائم بين الدنيا والآخرة. وبين أي موت وأي حياة. وليس في 
المسائل نقاش» ولكن Lal‏ كهذا لا بد أن يناقش. وبدأ مصطفى بعد 
ما انصعق سبع مرات في كل مرة يفتح فمهء فإذا بصفعة صوتية تأتيه 


۸٦ 





1۳۹ 


من خلفه» من عملاق صنديد لا ترحم نظراته كان Lily‏ خلفه : 

ألم أقل لك يا مولانا؟ . لقد سحرته . . الشيطانة ركبته . 

قال الشيخ بنفس همسه الباتر الذي لا ذرة هوادة فيه : 

أتعرف معنى هذا يا مصطفى؟ 

ما معناه يا سيدي وأميري؟ 

ما دامث الشيطان قد ركبتك فقد حل دمك أنت قبل أن يحل 
دمها هي فإرادتنا من ارالك cole ale‏ اباو ود pla Eat‏ 
ويصبح أشد عداوة WS‏ من كل أعدائنا. 

- ولكني لم أعص . 

_ فلتطع اذن فالتردد عصيان قادم . 

- لست مترددا . 

اقتلها اذن . تقتلها. . أليس كذلك يا مصطفى ؟ 

من سابع بئر في قراره جاء صوته : 

- أقتلها. 

غداً إن شاء الله يا مصطفى . 

غداً إن شاء الله . 

- في نفس موعد لقائكما. 

- في نفس موعده . 

على بركة الله يا بني اذهب. 

وكانت الخطة أن يطيل قدر ما أمكن في عملية القتل لينشغل 
الجميع في الحادثء فقد تم ترتيب أن يهرب سبعة هامون من الكبار 


٠‏ بابر أقتلها 





VE 


في أثناء انشغال الكل بالقتل» وضرب عصفورين بحجر. . 


عصفورين! 
© © 
حتى السؤال الذي ظل يلح على شيخه به وكان سراً بينه 
وبینه : 


ولماذا هي . . هي بالذات؟ 

-لأنها الأجمل . . 

ولكن الجمال. . 

جمال العدو قوة له وضعف لنا. 

ولماذا آنا FOUL‏ 

لأنك المطمع . نقطة قوتنا وأيضاً نقطة ضعفنا. 

ألا يمكن لأحد؟ . . 

ee 

© © 

النصف الثاني للفسحة يبدأ بعد الذهاب إلى الدورات» السير 
فيه بطيء دائري في فناء ضيق» أناس يبدون كالمجانين. . دابت 
ملابسهم . . وبليت أحذيتهم. . ونمت منهم اللحى شباب وشيوخ. 
وجماعات وملحدون» أنت يا مصطفى لن تفعل في اللحظة المناسبة 
أكثر من أنك ستكسر عظام حنجرة» عظام مجرد عظام» سوزان 
الجميلة هي السحر الذي دوخك . 


AA 





54١ 


إذ الحقيقة فليس هناك سوى عظمة. . مجرد عظمة هشة هي 
التي أصبحت تحول بينك وبين بداية الخلد. 


أدحلت كل يد من يديها في ثغرة بين عمودين. أطبقت بيديها 
على رأسه من الخلف في تساؤل ملهوف. جذبت الرأس إلى أمام 
فجأة فاقشعر بدنه رعباً وبرزت جبهته من ناحيتها. مدت ومطت 
شفتيها ولمست بهما جبهته لتعرف ان كان محموماً. فقد كان أصفسر 
شاحب الوجه تماماً ويرتجف. ضغطت بشفتيها بكل ما تملك من قوة 
فوق الجبين حتى شحبت من الضغط أيضاً شفتاها. ولم تعسرف ان 
كانت ما أحست به حمى كانت عنده أم حمى addy‏ ضغط الشفتين. 
عيناه مفتوحتان إلى آخرهما وموجهتان تماماً إلى وجهه ولكن لا 
يراها. أوقف السمع والبصر. 

بارتجافة أمسكها من كتفيهاء ووسط البحر العميق قذف مرة 
واحدة بنفسه. . التفت كل يد حول رقبتها النحيلة وأطبقت عليها. 
ذهلت يداه. انتظر انتفاضة انزعاج» إشاحة احتجاج» ولكن الرقبة 
بقيت ساكنة وديعة بين يديه» بل مالت الرقبة إلى ناحية كي تلمس 
الساحرة بخدها يده كما تفعل القطة حين تطمئن إلى اليد التي دربت 
عليها. 

غضب. . كما لم يغضب في حياته غضب . احمرت الدنيا. . 
أنزفها من فرط غيظه كل دم الظهيرة الحمراء» فالشراسة حين لا 
ترتطم Ley‏ يغذيها تفرغ. وفي فزعها تغضب» وكأنما تلاقي أعتى 
الأعداء. . فعدوها. . عدو الشراسة ليس الشراسة. عدوها الأكبر 


أقتلها 





"4 


والأوحد هو الوداعة. . كأنها كل الشجاعة, الأقوى من الشجاعةء 
أعتى أعداء الشجاعة . 

ولكن فوراً تموتين الآن يا ساحرة» فهذا غدرء أنت تأخذينني 
على حين غرة» أنا مجهز نفسي لمذبحة فإذا بي أواجه بالوداعة. . 
كل الوداعة. اقتلها يا مصطفى قبل أن تغدر بك غدراً آخر وتعود 
تسحرك , بكل ما تملك من قوة في يديك اضغط واضغط ولا تتركها 
إلا جثة. حنان. . أنهار من الحنان Gil‏ تنسال من الخد الجميل 
المائل وتسري في قبضته . 

أيقظ كل الوحش الكامن وخئق. . فعلا GE‏ تحت أصابعه 
الغليظة رقبتها تختلج احتلاجة العارفة التي أدركت . 

وهله المرة فتح عينيه ورآها. اتسعت عيناها اتساع غير 
المصدقة أول الأمر» ثم المرعوبة لهنيهة بالكاد لا تصدق» ثم. . ثم 
الساكتة الراغبة التي أسلمت لحبيبها المصير. . كل المصير» مرة 
واحدة وإلى الأبد. كل شيء تحفل به ملامحها إلا الخوف» لمحة 
خوف أو رعب أخرى لم يلمحهاء حتى حين ازرق الوجه وبدأت 
العينان جحوظهما وانقطع التنفس» لا عضلة رقبة تختلج بالرعب» 
ولا عين تدمع ولا لمحة من ملامحها تستعطف أو تستغيث. . بل شبه 
ابتسامة بالغة الوهن. ابتسامة يرعب انها ابتسامة سعادة. . سعادة من 
يزاول حبيبه الحب معه ويعطيه أخيراً كل ذاته ونفسه. وجسده هو 
الذي أصبح يختلج بالرعب وكأن الخانق أصبح المخنوق. نظرات يا 
إلهي تطلب الموت» ترجوه تتمناه بيديه وعلى يديه هو بالذات» 


0 





14۳ 


والدنيا نهايتها تحلء والسعادة كلها تغمر ملامحهاء سعادة الحب موتاً 
والموت Lo‏ تعمر كل الملامح . 

وكان الحوشان قد Meal‏ على الجانبين وبحر من البشر من هنا 
يدفع وبحر من الناحية الأخرى يجذب ليبعد. 

والسعادة كلها من بشرتها التي توردت زرقة تشرق. سعادة من 
أخيراً نالت كل ما تنمنى لا تزال تتوهج وتنهمر. سعادة ليس سببها أنه 
أبقى على حياتها وإنما سعادة أن إحساسها بملمسه وهو يخنقها صنع 
ما لم تصنعه مئات الكتب والتعاليم » وحول القائل الحبيب من إنسان 
إلى مبدأء أصبح هو ولو للحظة خاطفة كل مبدثها. . ومرحباً بالموت 
يأني ‏ ولو في الحال ‏ حينما على يديه ومبدئه يأتي حتى ولو لم 
يكن يحبها يجيء» فما عاد الحب نفسه يهمها. 


ومن بين أحراشه وغاباته بدأ شيئاً فشيئاً رغماً عنه ثم يرضاه ‏ 
ينبت» ویصعد» ویکبر» ويعلوء بدا شيئاً آخر غير عقله» حكيماً جداً 
يحبوه عجوزاً Lee‏ يولد ولكن له قلب أكبر من كل قلوب الكون 
وأقوى وأعظم . ومن مرتفعه مضى يرقب الحشدين الصاخبين اللدين 
يتبادلان القتل عيونا ووعيدا والغضب الفتاك تأجج والصفافير 
تستغيث» ومدافع السجن قد صوبت إلى الداخحل والقيامة أوشكت. 
بل قامت ترعب من لا في حياته ذاق الرعب مرة. 


ولكن الآخر قد تربع وانتهى الأمرء وانتهت الفبضة وتراحت 
الخنقة. ورغم الحشد الهائل فالحقيقة الحقيقة لم يعد هناك 


٩۱‏ د 





ay 


سواهماء حتى السور العظيم وبالذات عند خشبته بعد الثالثة 
المكسورة كان قد أصبح الملاذ» والأيدي الأربع مضمومة في تعانق 


متشبث مجنون لا ينتهي . 
کان» وكان كتاب آخر يكتب كتابهماء وشاهد عليه يا إلهي! 
نفس ذلك السور. 


۹۲ 


Converted by Tiff Combine 





516 


Converted by Tiff Combine 








5517 


كان واضحاً أن الصبي لا يمت إلى جاردن سيتي أبدا. . 

فصبي حاف مثله» جلبابه قديم متاكل. ورأسه محلوق 
بالماكينة ومضلع وفيه نتوءات كحبة البطاطس» ووجهه رمادي أصفرء 
وفيه «قوب».. صبي ملل هذا لا يمكن أن يمت أبداً إلى 
جاردن سيتي حي القصور والفيللات والسفارات . 


أما كيف وصل إلى شوارع جاردن سيتي فيبدو أنه أفاق فوجد 
نفسه هناء أو أنه ضل الطريق» والغريب أنه لم يكن حزيئاً.ولا مبتئساً 
أوخائفاً. . كان في الحقيقة يبدو منتعشاً طروباً. 

كانت الدنيا في ساعاتها الأولى» والشمس تلون الأرض 
وحسب ولا تلهبهاء والبنايات غارقة في صمت أرستقراطي مهيب» 
وکل ما يسمسع من أصوات Lis]‏ كان gl‏ من العصافير والبوابين 
الضخام السود الطيبين الجالسين على الأراشك يحرسون pall‏ 
ويرتدون الجلابيب البيضاء الواسعة والعمامات المضحكة الكبيرة. 


كل ما في الجو كان يوحي بالبشر ويبعث على النشاط والولد 


59 أقتلها 





14۸ 


يمضي على غير هدى في الشوارع المشمسة الواسعة» وينظر في 
شغف إلى البنايات والأشجار والنحاس الكثير اللامع» ويصفرء 
ويدندن hel‏ ويتوقف» ثم يستأنف المشي بطريقة المقص فيمد كل 
من قدميه مكان الأخحرى» اتسر ااا بعرض الشارع › Ete‏ يرضع 
قدمه ويمسكها بيده من الخلف ويحجل على قدم واحدة» ولسانه 
يلوك فمه من الداخمل فيصنع ضوضاء مكتومة كنقيق الضفادع› 
ويجري إلى الأمام وإلى الخلف» ويحتل وجهه كله تعبير خالي البال 
المستمتع بكل ما يراه ويفعله» بلا شيء وراءه يفسد المتعة. . لا 
فل ولا أب بولا انط 


وتعثر فجأة في شيء ووجعته قدمه» وانحنى فوجد أن ما تعشر 
فيه كان قطعة حجر بيضاء فرماها بغيظ على الأرض» ولم يكتف بهذا 
بل دفعها قدمه» وطار الحجر إلى الأمام مسافة ثم توقف. . وحين 
وصل إليه ضربه بقدمه ضربة قوية أخحرى فطار الحجر واعتلى 
الرصيف. وحين وصل إلى مكان الحجر انحنى والتقطه وحدق فيه 
OL‏ ليتأكد أنه ليس BLS‏ قيمة» واستأنف المشي وهو يقذفه إلى 
أعلى ويلتقطه. وبعد قليل غير الحركة فأمسك الحجر في قبضته ومد 
سبابته لتلامس الحائط الذي كان يمشي بجواره وظل هكذا فترة. 
ويبدو أن أصبعه آلمته فقد استبدلها بالحجر. وتلفت مرة فوجد أن 
الحجر يصنع باحتكاكه مع الحائط خطأ أبيض. . وأعجبته اللعبة 
فاستاأنف المشي وهويمر بالحجر على الحائط فيرسم خطاً أبيض 
seg‏ واضحاً فوق الجدران الأنيقة الملونة. ورسم خط على طول 


11 





514 


سراية آل سليمان» ثم مده إلى أن وصل عمارة الفكهاني» ثم فيللا 
سمعان» وعبر الشارع واستانف حك الحجر بسور حديقة السفارة 
الأمريكية . 


وكأنما أعجبه سور السفارة حين وجده طويلاً لا ينتهيى فمضى 
يجري فيجري الخط بجواره» ويتوقف فيتوقف» ويحرك يده إلى 
أعلى وأسفل فيتموج الخط ويتعسرج» ويسرع ويسطىء» فتتسع 
التعرجات وتضيق . 

وقبل أن ينتهي السور كان قد انتهى شغفه بالخط فتوقف» وحرك 
يده بسرعة وعصبية فوق الحائط فرسم الحجر خطاً عصبياً متداخلاً فيه 
نزق وغضب» ورفع يده عن السور ولعق فمه من الداخل فصدر عنه 
نقيق الضغادع › وهز رأسه هزات کمن يراود نفسه» وهز جسده أيضاًء 
ثم التصق بالحائط واختار بقعة ليس فيها خدوش» وتخير حافة بعينها 
من الحجر وأمسكه بحرص في يده. ثم انكب على الحائط وراح 
يعمل. وحين انتهى كان قد كتب كلمة: «محمد». وحلق فيهاء 
وتراجع إلى الوراء ولعق فمه وتأملها. كانت حروفها عجفاء ركيكة. 
وعقد يديه خلف رقبته وثنی جسده وركز انتباهه على («میم» محمد. 
وكأنما أعجبته رأسها المستلقية إلى الوراء في ععظمة» فقد عاد إلى 
الحائط بسرعة واندفاع وكتب cg pot thee‏ وضم شفتيه ونفخ 
أشدافه ونظر إليهاء ويسدو أنها لم تعجبه فانكب على الحائط من 
جديد وكتب clan‏ ثانية جاءت أسفل الأولى بقليل وقريبة منها حتى 
انها اشتبكت مع ذيلها. وتراجع إلى الوراء ونظر إليها. وكأنما هي 


ay‏ اليه 





10. 


أيضاً لم تعجبه فقد رمى الحجر من يده واستأنف المشي وهو يمط 
شفتيه ويلوي بوزه. 

وفجأة استدار إلى الخلف بسرعة ونظر إلى الميمين من بعيدء 
ثم أقبل عليهما بلهفة وبحث عن الحجر بعينيه حتى وجده» ومن 
جديد انكب على السور ورسم خطا رأسيا بجوار الميمين» والتصق 
بالسور أكثر» وظل مدة طويلة يعمل وعرقه يسيل ويده الصغيرة 
العصبية قد تشنجت أصابعها كالكماشة على الحجرء Lely‏ انتهى كان 
قد كتب: «أممنا الشعب القنال» . 

وتراجع إلى الوراء وراح ينظر إلى ما صنعه وهو يلهث منفعلا. 
وكأنما لم تعجبه الجملة فقد هز رأسه بشدة» والتصق بالحائط من 
جديد وراح يعمل وهو يغمض Ce‏ ويفتح الأحرى. ولما انتهى كان 
قد كتب نفس الجملة مرة أخرى. ودون أن يتراجع إلى الوراء كثيراً 
حدق في الخط day‏ قصيرة» ويبدو أنه لم يعجبه أيضاًء ووجد اللام 
طويلة وشرطة النون غير واضحة والقاف مغلقة والحروف كلها مائلة 
كالنخل حين تعبث به الرياح» يبدو هذا لأنه راح ينفخ في يده 
الممسكة بالحجر لينفض عنها ذرات الغبار» ثم تخير BE‏ من حواف 
الحجر لم يستعملهاء والتصق بالحائط من جديد وراح يعمل ويعرق 
ويغمض عيناً ويفتح الأخرى . 

وحين انتهى فرك يده بشدة كمن أتعبته الكتابة. وتراجع إلى 
الوراء ونظر إلى الجملة الأخيرة elle‏ ثم علت وجهه ابتسامة رضاء 
فعض شفته السفلى وأخرج من فمه نقيقاً ثم عاد إلى الحائط ورسم 


۹۸ 





16 


علامة «صح» أسفل الجملة الثالثة» وجعل للعلامة ذيلا مرحاً طويلاً 
علامة الرضاء الكامل . 

وظل برهة يحدق في الجملة كأنما ليتأكد أنها محفورة على 
حائط السور بطريقة ليس من السهل محوهاء وأنها ستظل هكذا فترة 
طويلة» وسيعرف كل من يقرؤها ‏ بطريقة be‏ أنه كاتبها. ظل برهة 
يحدق في الجملة ثم ارتعش نصفه الأعلى كله؛ وأخرج من حلقه 
صوتاً كصوت «العرسة»» ورفع قدمه اليسرى وأمسكها بيده من 
الخلف وانطلق يحجل بقدم واحدة ويمضي في الشارع المشمس 
الواسع . 


if 
د‎ 44 


Converted by Tiff Combine 





ied by registered version 





1۳ 


Converted by Tiff Combine 








"566 


في ذلك اليوم. . مضت ساعات الصباح الأولى دون أن يجد 
جديد» فالمكتب هو المكتب» والحجرة هي الحجرة؛ والأوراق تملأ 
الأركان والأدراج وتطل من الدواليب» وفناجين القهوة رائحة غادية» 
والسجائر تستخرج خلسة حتى لا يعزم أحد على أحد. وخمسة 
موظفين في حجرة» والوجوه كالعادة مقطبة. . مقطبة وهي تتصفح 
الجرائد وتغلقهاء ومقطبة وهي تحدق في السقف» وعابسة وهي 
تطلب الشاي وتلعن طعمه» ومغمومة وهي تنحني على الأوراق 
وتعبث بهاء وتقضي العمرتدقق وتؤجل وتكتب . 

لم يجد جديد في ذلك الصباح مع أن الحرب قامت والطائرات 
بدأت تغير» وكل شيء. . كل إنسان يخوض تجربة الحياة والموت» 
والعالم لا ينام» صاحياً يرقب الشرق وهو يدمدم ويتحرر» والمكتب 
هو المكتب» والحجرة هي الحجرة» وصبحي جاد هو الذي على 
يميني » والغازي الو توعان يساري . 

غير أنه قبل الظهر بقليل: جاءني الساعي وقال: 

Sigal 





104 


وتليفون من أجلي كان يعني شيئاً من اثنين: إما عبد الخالق 
فاضي في مكتبه في وزارة الشئون ويريد أن يصبح عليّ. أو كارثة 
حدثت في بيتنا ورأت العائلة أن تتصل بي على عجل» وفي كل مرة 
يطابني التليفون أقول كارثة وفي كل مرة أجد المتحدث هو 
عبد الخالق . 

وهذه المرة أيضاً قلت : 

عبد الخالق؟ صباح الخير. 

وإذا بصوث غریب يقول: 

Ye‏ أنا أحمد. 

أحمد هين؟ 

قلتها وأنا أخمن من عساه يكون» فالأحمدات الذي أعرفهم لا 
يتجاوزون ثلاثة» وإذا به يقول: 

أنا أحمد عمر. 

ولم يكن هذا الأحمد من بين BIN‏ فرت اسمه في أذني رنین 
الاسم الغريب الذي لم تتعود على سماعه. وخجلت أن أستقصي 
أكثرء فلا بد أنه يعرفني ويتوقع مني أني لا بد أعرفه. ورحت أسأله 
كما يحدث في أمثال هذه الأحوال عن الصحة والممزاج والعائلة» 
حتى أظفر من ردوده بخيط يقودني إلى معرفته دون أن أحرجه أو 
أحرج نفسي . 

ورغم أن مضى يجاوبني بنفس الكلمات التي تعود الناس قولها 
fa,‏ على teat‏ كأسئلتي » إلا أني دهشت فصوته كان مملوءاً بالانفعال 


4 





ov 


يكاد يلهث. وكان يستعجل السؤال والاجابة كأنما هناك شيء يؤرقه 
ويود الإفضاء به إليّء وسمعت منه كلمات عن «مصر الجديدة» 
و«كتبيتنا» و «المعسكر» ولكني لم أفهم. وسألني مرة إن كنت Lim‏ 
أذكره» ومع ذلك لم أعرفه إلا حين pl.‏ عن أخي محمد وصحته» 
إذ أيقنت أنه لا بد أحمد عمرء ابن جارنا عم عمر. . أحمد صديق 
أحي الأصغر الحميم . 

واندفعت أرحب به وأحيبه وقد بدت صورته أمامي واضحة كل 
الوضوح» فرغم أن عم عمر كهل نحيف إلا أن ابنه أحمد هذا شاب 
ضخم» وإذا عرف الإنسان أن سنه عشرون عاماً فقط بدا له ضخماً 
جدأء فجسده عريض شاهق وذقنه حصب غزير شعره أسود متين 
كذقون الرجال الكبار. ومع هذا فقد كان من ذلك النصف من الشبان 
الذين يخجلون من مواجهة محدثهم» فبلا ينظرون في وجهه أبداًء 
وتجده إذا تكلم يتعثر في كلماته فلا تخرج من فمه جملة ALLS‏ 
وأحياناً يقول الكلمة ويظنها نكتة وينفجر ضاحكأء وحين يدرك أن 
أحدأ لا يشاركه الضحك يصطبغ وجهه بلون الدم» ورغم كل شيء 
فالناس لا بد أن تقول بعدما يذهب : 

- والله باين عليه ابن حلال. . طيب. 

وكان صلتي به محدودة» وکل ما أعرفه عنه أنه كان في مدرسة 
التجارة المتوسطة, أو الصنايع لست أدري» وأخذ الدبلوم أولم 
يأخذه» ثم دخل الجيش حسب قانون التجنيد الإجباري . 

وأغرب شيء أنك تحس دائماً أنه. ملآن ولديه آلاف الأشياء 


ه١١‏ أثتلها 





10۸ 


التي يود قولهاء غير أنه Lal‏ ما يفصح عن نفسه. وإذا تكلم فلا يقول 
شيئاً من عنده إنما يعبث بكلمات غيره» فتقول له مثلاً: ازيك أنت؟ 
فيرد عليك ويقول: الزاكته. ويضحك ويحخجل ويحمر وجهه. كان لا 
يخاطبني إلا «بحضرتك» على اعتبار أني EM‏ الأكبر لصديقه» وأحياناً 
كانت تفلت من لسانه كلمة تستحق التأمل» وإذا تأملها الإنسان أدرك 
أنه ليس بسیطاً كما يبدو» وأن له أعماقاً. 

وكان إذا جاء لزيارتنا وفتح له الباب» خفض رأسه وسأل عن 
أخي . فإذا كان موجوداً دلف إلى حيث يكون مطرق الرأس لا يرفع 
بصره ولا يتلفت. وكنت أحياناً ألقاه فأحادثه وأحس به شهماً 
خدوماً. . لوقلت له: ارم نفسك في البحر Se‏ لذهب ورمى نفسه 
في البحر فعلاء ثم عاد إليك في ثاني يوم مبتل الملابس يقطر الماء 
من شعره» ويقطر الخجل من وجهه ويتهته ويقول : 

أما المية كانت ساقعة بشكل . 

يقولها قاصداً بها أن يلومك ويؤنبك» وهذا كل ما فى استطاعة 
أحمد of‏ يؤنب به أحداً. . ۰ 

ولم نكن أصدقاء بالمعنى المفهوم» كنت أراه كل ستة أشهر أو 
كل سنة» وكنت لا أراه على حالة واحدة Taf‏ ففي كل مرة لا بد أن 
يكون قد حدث له أو حدث فيه تغيير» فهو في لقاء طالب. . وفي 


لقاء آخر متخرج. . وفي ثالث ساخط يبحث عن عمل . . ومرة آراه 
صغيراً لم تنبت له لحية» وأفاجا به في المرة التالية وقد فرعني 


yen 





1۹ 


Lit وأذكر‎ Lin جاء مرة لزيارتنا بملابس الجيش وفوجئنا به‎ Yb 
نقول له يا دفعة. ونضحك على شعره‎ ily pty the يومها سلخناه‎ 
القصير الذي قصه كما تقضي التعليمات» ونسأله لم ربى شاربه‎ 
هكذا فيقول:‎ 

-ح اعمل ايه؟. ما دام مفيش تعليمات تحدد طول الشنب 
أربيه كده اياك يعوض عن شعري . 


ويمضي Wow‏ بطريقته المتلعثمة ويسخر من نفسه ومن زملائه 
ومن «اليمك» والطوابير المبكرة والبروجى والنظافة» والشاويش الذي 
يدربهم ولسانه الذي لا يكاد یری متعلماً من أمثال أحمد حتى ينهال 
cade‏ والتكدير والتزويغ» وتصاريح الأربع والعشرين Lele‏ وكيف 
«يبلف» الضابط حتى يأخذهاء ويضحك. . بجسده الضخم كله ومن 
قلبه» ثم يكف عن سخريته وضحكه فجأة ويتنحنح ليشعرنا أنه ينوي 
قول شيء جاد. يتنحنح ويقول: 

- إنما صحتي كويسة! 


وأذكر أنه في زيارة أخرى قال لي انه أخذ الثمرة النهائية في 
التنشين. وسالته وأنا أسخر من العبقرية التي هبطت عليه فجأة عن 
السر في نبوغه» فمضى يشرح لي نظريته» فقد وجد أنهم يعلمون 
النيشان في الجيش على علامات ثابتة ثم يمتحنونهم على علامات 
متحركة» ولهذا فمن أول لحظة كان ينشن على العلامة الثابتة كأنها 
ستتحرك فجأة» وبهذه الطريقة كان يضرب بسرعة ويصيب» وبلغ به 


\e¥V‏ أقتلها 





11 


الحماس مداه» وبلغت بي السخرية مداها وهو يؤكد لي أن الطريقة 
التي يعلمون بها الجيش غير مجدية» وأن أهم شيء في الدنيا هو أن 
يتعود الإنسان أن ينشن على هدف متحرك . 

هذا كله أمر معقول. . 

أما غير المعقول فهو ما حدث,. فلماذا يكلمني أحمد في 
التليفون؟ | 

صحيح أني فوجئت به» ولكني أقول الحق فرحت وأحسست 
أني افتقدته طويلاء فهناك أناس يفتقدهم المرء. . يفتقد القيم . . 
فالشرف في ذهن الواحد منا مرتبط بإنسان» والاخلاص بإنسان آخر. 
والحنان والمحبة بغالث. وأحمد عمر هذا كان يرتبط في ذهني 
- ولست أدري لماذا ‏ بشيء يمس من قريب أو بعيد روح شعبنا. . 
الشعب الضخم الخجول الذي لا يسعده شيء مثلما يسعده أن يسخر 
من نفسه وأخطائه . 


ولم أسأله لماذا هو في مصر الجديدة» فقد حملت أن كتيبته لا 
بد معسكرة هناك تحمي شمال القاهرة» إذ كان الجيش يستعد 
للدفاع عن العاصمة. أما الشيء الذي حيرني فعلاً فقد كان لهجته 
اللهجة المتدفقة المملوءة بالانفعال» وصوته المحشو بضحكات 
موفورة الصحة لا كحة فيها ولا بلغم . 


وعجيبت 


وسألته كيف يكلمني » وهل عندهم في المعسكر تليفون؟ 


٩۸ 





a 


وأجابني : 

احنا معسكرين قريب من هنا. . وجنبي بقال. . ياه. . داحنا 
شفنا العجب. . دي حرب بجد والله العظيم. . والطيارات والمدافع 
تك تم . . نك تم. . تصور حضرتك ما غيرتش الشراب بقالي ست 
أيام لما بقى شربات . . سامع الطيارات؟ 

وكنت حقيقة أسمع ضجة خحافتة بعيدة» وكنت أعرف أن 
طائرات العدو تركز ضرباتها على تلك المنطقة «مصر الجديدة» ليل 
نهار. . 

وانتابني شيء يشبه الخزي وأنا أدرك أن أحمد في الميدان وأنا 
في المكتب» وسلك طويل يفصل بين القتال الرهيب الدائر هناك 
والمصلحة التي أنا فيها وروتينها ودرجاتها وعلاواتها. . 

واندفعت أبثه كل حماسي وسخطي وأشجعه. 

وقلت له وأنا أدرك أنه لا بد يريد مني خدمة: 

. - كلنا معاك. ple‏ حاجة؟ أي خدمة؟ قول. محمد بيسلم 

ولدهشتي أجابني : 

- مش عايز حاجة أبدأء سلم لي عليه كثير. على فكرة أنا معايا 
مدفع اهه» أضرب لك طلقة؟ 

ولعلمي أنه خجول ومن الصعب عليه أن يطلب مني شيئاً إن 
كان يريد» عدت ألح وأسأله عما يريد. وإذا به ينفي بشدة أنه في 
حاجة إلى شيء» وسألته إن كان يريد من عائلته ملابس فقال: 


۱۹۹ أقتلها 





1Y 


سلم لي عليهم . 


- بس ؟ 
= بس 

مش عايز فلوس» هدوم» أي حاجة؟ 
أبداً أبدا. 


وازداد عجبي . ومضى يقول: 
اسکت! مش امبارح الله يخرب بيوتهم ضربوا المعسكر 


وكان يقولها ببساطة دفعتني OY‏ أسأله بنفس البساطة : 

وعملت ايه؟ مث؟ 

وضج التليفون بضحكته وقال: 

ا تاهيه ل يها pita,‏ لبر سا توعان 


بتاعنا . 


فكرة حصلت حاجة هايلة دلوقت. 


وإذا كان لبعض الناس كلمات مختارة» ف «هايلة» كانت كلمة 


أحمد عمر المفضلة» كل شيء يحكي عنه لا بد أنه هايل. . وعدت 
ألح وأستدرجه وأنا متأكد أنه لا بد قد طلبني OY‏ يريد شيثاًء ولكنه 
قهقه وقال: 


- أبداً. . عاوز حضرتك كويس. . كويسة دي؟ بس على فكرة 


ایه. . حصل ايه؟ 
فقال: 





vir 


مش وقعث طيارة؟ 

فقلت: 

- ايه طيارة ورق؟ 

فقال: 

-لأ. . بجد. . طيارة فرنساوي . . كانت فايتة قدامناء قلت 
للقائد: أضرب يا فندم؟ ورحت ضارب قام جناحها انلكسر ومالت 
ووطت» فالقائد زعق وقال لي خلص Lode‏ يا أحمد.. خلص 
عليها. . حلصت عليهاء وتصور. . تصور وقعت . 

واستمر يضحك ويقول: 


- سلم لي على محمد. لما بيجي قول له ان أحمد وقع 
طيارة . uf.‏ عارف هو مش ج يصدق زي عوايده, إئما والله العظيم 
وقعتها أهه. . محروقة في الرملة هناك . أضرب لك طلقة؟ 

وأحذت أضحك أنا الآخر. فأيامها كانت مودة أن يقول كل 
واحد أنه أسقط طائرة» فما بالك وأحمد يخبرني بنفس اللهجة التي 
كان يعلق بها أحياناً على أشكال بئات الجيران» يخبرني أنه أسقط 

ثرة. 

وحتى وأنا أرى ype‏ في الجرائد في اليوم SLI‏ أكذب 
نظري وأعود أتمعن في صورته » وأسمع صبحي جاد وهو يحدق في 
الصفحة ويقول . 

أما ولد! دا شارب من لبن أمه صحيح ! ذه باين عليه زي 


۱۱ أقتلها 





4 


الوحش يهد الدنيا. شوف بيبص ازاي؟ الواحد سنه ٠١‏ سنة وما 
يعرفش يوقع ناموسة» وده يوقع طيارة بحالها! ويوقعها لوحده! 

حتى وأنا أسمع هذا كله وأراه» كنت أتأمل أحمد الذي في 
خيالي ولا أكاد أصدق. 

لحظة أن كنت أكلمه كان كل همي أن أعرف الخدمة التي 
المعركة» فقلت: 

أمال. . 

وترددت فقد حجلت» ولكني استطردت : 

- أمال بتكلمني ليه؟ 

وماكادت الجملة تغادر فمي حتى أدركت أني قلت شيئاً 

وأسرعت أتكلم وأمسح أثرها من الحديث كما يمسح الإنسان 
كلمة كتبها خطأء أسرعت أقول: 

قول يا أحمد. . عايز ايه؟ صحيح عايز ايه؟ أنا أخوك مفيش 
داعي للكسوف. قول لي ple‏ ايه؟ . 

وسمعت صمتا في التليفون. وأدركت مدى الخجل الذي كان 
يعتريه . وطرقت أذني كلمة : أصل . . وأعقبها صمت قصير. أدركت 
أن أحمد لا بد يعض شفته السفلى خجلا فتلك كانت عادته» 
وخحمنت أنه سينطلق بعدها كالدفع ويتكلم. فكما كان خجله يجعله 


1۲ 





410 


يتعثر في أول الحديث WIS‏ كان يجعله ينطلق بسرعة في ألحره» 
قال: 

- أنت عارف. . ادوني ساعة إجازة بعد الحكاية دي Lily.‏ 
معرفشي نمرة إلا نمرة حضرتك, قلت أكلم حضرتك. دي حاجة 
هايلة قوي . . مش كده؟ تصورا طيارة تقع. . أنا أوقعها.. أنا 
أوقعها. . أنا مش مصدق. بيتهيأ لي انها وقعت من نفسهماء واللا 
يمكن حد تاني وقعها. . سلم لي على محمد كتير. 

ثم تلجلج كمن لا يعرف كيف ينهي الحديث. وسمعت 
نحنحة خفيفة فعرفت حيئئذ أنه ينوي أن يدخل في الجد. . وجاءني 
صوته : 

- إنما صحتي كويسة. أنا متشكر قوي قوي قوي . 

وكانت آخر مراحل خجله أن يضحك» وكأنه لا يطمئن إلى 
الغلافين السابقين فيلف كلامه بغلاف ضاحك ثالث. 

وحين وضعت السماعة كنت لا أزال غير مصدق أن أحمسد 
طلبني فقط من أجل أن يخبرني بهذا «الشيء الهايل». وكانت 
السماعة لا تزال تضحك . . ضحكة دسمة موفورة الصحة . 


1۳ أفتلهسا 


Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 





ied by registered version 





554 


قاع المديئة 


Converted by Tiff Combine 








۹۷۱ 


هي. . هي لعبة 


الردح كالزغاريد فن مصري أصيل» وكما أن الزغاريد لا 
تجيدها كل النساء فكذلك الردح هناك متخصصات فيه يحفظن عدداً 
لانهاية له من الشتائم والأوصاف» بعضها gale‏ وبعضها فيه 
تشبيهات واستعارات وكنايات» وبعضها أدب خالص. ولا يكفي 
الحفظ بل لا بد أن يكون في استطاعة الواحدة منهن ان تلضم 
الكلمة في الكلمة بلا تردد أو توقف» وتصنع من الشتائم سيالا متدفقا 
لا ينقطع »فاذا انقطع وقع المحال. ولا بد للشتمة المستعملة من 
وقع وموسيقى, ولا بد أن يكون للصوت المستعمل مقام معين يرتفع 
في الأماكن المهمة الى «السوبرانو». وينخفض عند بعض الكلمات 
الماسة الى «الألتو». فمع أن المسألة شتيمة في شتيمة الا أن هناك 
على كل حال شتائم لا تصح» ونحن شعب مؤدب وخجول بطبعه. 
ثم لا بد للرداحة من موهبة فطرية تستطيع بها أن تخرج أرفع 
الأصوات وأعلاها بأقل مجهود» حتى لا تستنفد طاقتها وحتى تستطيع 
الصمود. فالردح مسابقة والفائزة هي من يعلو صوتها ويظل عاليا الى 
النهاية . ْ 

والفنون كالغذاء لا بد من مزاولتها على الدوام. . وكان طبيعيا 


yall قاع‎ 





WY 


اذن ألا ينقطع الردح عن الحارة ليلا أو نهاراء ولا يعرف عطلة أو 
راحة. 

وفي ذلك اليوم وشعبان عائد من عمله بعد الظهر بقليل» 
والدنيا تسبح في أشباه السكون. . في ذلك اليوم ما كاد يضع قدمه 
في أول الحارة حتى دق قلبهء فقد سمع ردحا عالي الوطيس يواتيه 
من Lapel‏ دق قلبه GY‏ خاف أن تكون الخناقة مع امرأته.. 
وامرأته غلبانة من الأرياف» واذا كانت الخناقة معها فعوضه على الله 
فهي مبتدثة لا تستطيع أن تجاري بطلات المدينة. صحيح انها بدأت 
في الاونة الأخيرة تتعلم» ولكنها لا تزال(تطبش) كما يفعل الرجال 
حين يتعلمون السباحة على كبر. كل ما تستطيع أن تفعله هو أن نقف 
في النافذة وتوارب الشيش وتحاول الرد على غريمتها. 
وتخرج ردودها بعد جهد فهي ريفية خجول لا تستطيع أن تحشو فمها 
بكلمة فارغة مثلما تحشو نساء المدينة أفواههن» ولذلك فمهما 
قالت فكلماتها تتساقط كأوراق الخريف أمام التيار اللافح الذي يهب 
عليها من فم غريمتها. 

وصدق ظن شعبان فالخناقة فعلا كانت مع امرأته » وكانت واقفة 
لا حول لها ولا قوة كما توقع وامرأة ابراهيم أفندي قد وقفت في 
بلكونتهم وصوتها يجيب التائهين. والناس تتفرج بكل قحة» وهي لا 
تترك شاردة ولا واردة الا قالتها . 

وقف الرجل يتسمع عله يعثر على سبب للخناقة أو يرى الى 
أي حد وصل النزاع , ولکنه ما كاد يتوقف حتى فار الدم في رأسه, 





wry 


كانت المسألة قد وصلته هو شخصيا وأتت على رجولته ثم تعدته الى 
أبيه وأمه وذقون أجداده أجمعين ‘ 

ودق الباب كثيراً قبل أن تفتح فهيمة امرأته. وامرأته سمعها 
ثقيل وبابهم أصم ولهذا طال دقه. ثم انفتح الباب وما أن رأته فهيمة 
حتى شهقت وبكت وأمطرت في الحال دمعا! وكاد يرفع يده ويرنها 
قلما وهو حانق على خيبتها وقلة محصولها من طول اللسانء ولكنه 
تردد» فلا بد للخناقة من سبب ولا بد أن يعرف السبب. 

وزعق زعيقا هائلا يسأل عن السبب. واعتدلت امرأته واختفت 
دموعها فجأة كما بدأت وقالت: 

ابنك انقتل! 

واشارت الى الكنية , bin,‏ قلب شعبان بين فدميه وکاد هر 
نفسه يسقط على الأرض مغشيا عليه لولا أنه حدق في الكنبة. . كان 
أبنه جالسا القرفصاء فوقها ورأسه معصوبا بمنديل» وعلى المنديل 
بقعة دم كبيرة» وفي وجهه خرابيش» وفي عينيه نظرة فأر وقع في 
المصيدة. . ولم يكن مقتولا على اية حال. 

وما كاد الولد یری أباه ينظر ناحيته حتى تولاه رعب هائل وبکی 
بصوت Sle‏ وقال : 

أنا مالي؟ . .هه. . هو اللي ضربني الأول. . هه. . 

وملا شعبان صدره بالهواء بقوة محاولا كتم غيظه. ولو لم 


قاع المديئة 





1V4 


يخرج الهواء ويتنهد لانفجر. القضية كانت قد بدأت تتجسد أمام 
عینیه» فلا بد أن واحدا من أولاد ابراهيم أفندي هو الذي ضربه 
وابراهيم أفندي له ثمانية أولادء لا بد أن الضارب هو الولد الرفيع 
مثل عود القصب الذي يجري طول النهار ببنطلون أصفر قصير 
وسيقان جافة.. وهو لن يستحمل منه خبطة ولا لكمة. ولكن 
هل يمد يده على طفل؟ ثم كيف لم يغلبه asl‏ الخائب مثل أمه؟ ابنه 
صحيح أصغر منه في السن وأدق منه في العود» ولكن كيف يغلب 
أي ابن في الدنيا ابنه؟ وكيف يجرحه ويبطحه؟ 

وتقدم شعبان. كان لا بد من رؤية الجرح قبل كل شيء» وما 
أن oly‏ الولد يقترب حتى انكمش إلى طرف الكنبة ولم يوقفه عن 
انكماشه إلا انتهائهاء وغمغم شعبان وهو يسبه ويلعن أباه 
ويهدىء من روعه ويطمئنه الى أنه فقط يود رؤية الاصابة. وامتثل 
الولد بعد تهديد وظل يرئعش وأبوه يفك المنديل» وصرخ وهو 
يجذبه . ولم تكن الاصابة قاتلة أو ربع قاتلة. . كاتنت جرحا صغيرا 
نصفه في الجبهة ونصفه في الشعر» والدم الذي حوله كثير والبن 
أكشر. . بن يكفي لصنع ثلاث كنكات من القهوة وتبقى منه بعدها 

ومع أن شعبان أحس بالجرح يمتد من جبهة ابنه الى قلبه, الا 
أن وجهه لم يتغير وغيظه كان لا يزال كما هو. وأعاد رباط الجرح 
وزغر لابنه» وقال وهو يجلده بملامحه : 


- وما ضربتوش ليه يا..؟ 





sve 


وبكى الواد وهو يقسم بالقران الشريف أنه أشبعه ضربا ولكما 
وعضاء ولكنه خانه وضربه بزلطة فجرحه. 

وبدأت العاصفة. . فهيمة تريد ابلاغ البوليس وعمل محضر 
وقتل ابن ابراهيم افندي» وان لم يفعل فستأخذ هدومها وعليه أن 
يوصلها الى باب الحديد لتركب القطار وتعود الى البلد حيث للولد 
اخوال يستطيعون حمايته والالتقام له. وشعبان ساخط على ابنه 
المغلوب يهدده بعلقة نصفها الموت حالما يطيب»› علقة تصنع منه 
رجلا يعرف كيف يذود عن نفسه ویجرح بدلا من أن يأتيه مجروحا. 
ولا يدرك لابنه فرصة للنجاة من العلقة الا بأن يذهب في الحال 
ويجرح ابن ابراهيم أفندي جرحا يمتد من أنفه الى قفاه. 

وتمضي ساعة . 

وتهدأ العاصفة. ويستعيذ الزوج من الشيطان ومن ساعة 
الغضب» ويجد أن الناس للناس والطيب أحسن» وأنه لا بد أن 
يشتكي الولد لأبيه وهو يعرف ابراهيم أفندي رجل جد لن يرضيه ما 
فعله cau!‏ فاذا أدبه كان بها والا فهناك ألف طريقة لتأديبه. وترفض 
الزوجة هذا الحل بدعوى أنها جرحت هي الأخرى. . جرحتها طويلة 
اللسان زوجة(سي) ابراهيم وفضحتهاء ولا بد من سن بسن وعين 
بعين والبادي أظلم. ويطمئنها الزوج ويعدها بأن حقها سيأتيها به 
كاملا غير منقوص» وأن مقامها محفوظ وظفرها عنده بمليون واحدة 
كامرأة ابراهيم أفندي . 


ويظل جو البيت مشحوناء وشعبان يخلع بنطلون الشفل 





wi 


وقميصه ويرتدي الجلباب ويريح يديه من نوبة السواقة التي بدأت في 
الخامسة وانتهت حين تصلب ظهره وتورمت كفاه وزغللت عيناه. 
ويسأل عما طبخته الزوجة وهببته ولا يجدها طبخت ولا هببت» 
ويلعن العيشة التي لا راحة فيها أبدا. . الشغل أومنيبوس والبيت عربة 
كاروء وفي كل عودة لا بد أن يجد مصيبة» وكم مصيبة يتحملها 
العمر؟ والواحد له عمر واحد. 

بعد قليل كان شعبان يمسك ابنه المرتجف المرتعش من يده 
ويدق باب ابراهيم أفندي . 

دق مرة فسكتت الأصوات التي كان يسمعها في الداخل. وعاد 
يدق فماتت الأصوات» وانطلق حينئل يدق بلا توقف. . 


وفتح الباب أخيراء فتح فجأة.. وفجأة أيضا وجد الأسطى 
شعبان نفسه أمام صالة وفي نهايتها كومة بشرية هائلة. كان الوقت 
رقت غداء. . والعائلة كلها جالسة تتناوله. والمائدة صغيرة ضيقة 
لا تتسع لهذا العدد الهائل من أفراد العائلة . 


كانت هناك الست شفاعات الزوجة» تخينة ومحنية على المائدة 
ككيس القطن المثني» وكانت هناك الحاجة تبارك والدة ابراهيم 
أفندي عجوز جدا وناحلة وشعرها مصبوغ بالحناء ولونه أصفر وأحمر 
وأبيض . ثم كان هناك ثمانية أطفال بدوا من كشرتهم وتجمعهم اثني 
عشر أو يزيدون» وكلهم باسم الله ما شاء الله وبلا ضغيئة أو حسد أولاد 
ابراهیم أفندي, وفي الركن وفي مساحة لا تتعدى ورقة البوستة كان 


\e 





VY 


يجلس رجل رفيع Tere)‏ لونه أصفر باهت ووجناته بارزة كالشرفات» 
كان هو بلا ريب ابراهيم أفندي عميد العائلة والمسئول عن انتاج هذا 
العدد الضخم من الكائنات الحية› والمسئول كذلك عن بقائها. 
وكان الجميع في معركة لا رحمة فيها ولا هوادة, فالطعام قلبل 
والمائدة ضيقة والرغيف مهما كبر لا يحتوي الا على عدد محدود من 
اللقم» والصراع دائر من أجل البقاء» أو نتش حتة, أو الاعتداء على 
لقمة أو الحصول على غموس. . صراع رهيب شمل العائلة كلها 
وشمل كذلك قططها. فالعائلة ‏ من العز- تحيا معها أربع قطط لها 
جيش من الآأرلادء والقطط وأولادها لا بد أن «pst‏ ولا بد لها من 
خوض صراع أمر وأدهي لتجد فرجة بين ساقين أو ثقبا بين جسدين» 
لينالها من الوجبة على الأقل لحسة أو عظمة , 

وكل شيء يدور في صمت شامل» ولا تسمع الا أصوات 
الملاعق واحتكاكات الأسنان بالأسنان وجعجعة المضغ واللكزات 

وما كاد الباب يفتح ويبدو الأسطى شعبان واقفا على عتبته حتى 
حدث هرج ومرج ces‏ وقام ابراهیم أفندي يعرم » وتضايقت الست 
شفاعات من هذا القادم في وقت الغداء. وأحس الأسطى شعبان 
بالحجل وتبودلت عبارات مجاملة كثيرة» وحلفت عشرات الأيمانات 
والأقسام وتزحزحك مقاعد. وماء ولد وصرخت قطة , 

وأخيرا جلس الأسطى على الكنبة وهدأت الأصوات» ثم التأم 
شمل الكومة البشرية مرة أخرى وعاد السكون الذي لا تقطعه 


قاع المديئة 





WA 


سوى أصوات الأشداق والأسنان وهي تمضغ اللقم وتمزقها. مضافا 
اليها أصوات ترحيبات كان يرددها ابراهيم أفندي وفمه ممتلىء 
بالخبر وعقله ممتلىء بالتخمينات . 

وكان واضحاً أن عاصفة ستهب بعد قليل. . وانتهز كل 
فرصة الهدوء الذي يسبقها وراح يعبىء نفسه ويستعد. 

الأسطى شعبان جالس مكسوف يرتب ما سوف يقوله وينتقيه» 
ويجرب بينه وبين نفسه كيف يقوله. وابراهيم أفندي يدرك أن ولدا 
من أولاده لا بد هو الجاني وهو السبب في الدم الذي جف على 
منديل ابن شعبان» ولا بد أن امرأته كالعادة تولت علاج الأمر 
بطريقتها الفاسدة» وأخفت عنه الحكاية ككل مرة وتركته ليواجه 
المصيبة وحده. ومع هذا كان عليه أن يدفع أول الأمر ببراءة أولاده 
أجمعين ويتحدث عن طيبتهم › ويأتي بالبراهين على انهم أولاد حلال 
مسالمين. فإن أفلتت البراءة كان عليه أن يتصيد الحجج ويقيم 
المعاذير ويعد آخر الأمر بالعقاب الباتر. 

والست شفاعات نسيت تماما انها لم تترك OP‏ لهذا الرجل 
الجالس أمامها الا ولعنته وطوقته بأبشع التهم منذ وقت قليل» 
واندفعت ترحب به وفي نفس الوقت تعد ما سوف تقوله دفاعا عن 
ابنهاء ثم ما سوف تقوله دفاعا عن نفسها أمام زوجها إن هو سألها 
كيف أخفت عنه ما حدث. ولم تنس بطبيعة الحال أن تحسب 
حساب الضرورة القصوى وتعد نفسها لخناقة» وتعد لشعبان سربا طيبا 
من الشتائم يليق بوداعه. . والأولاد قلوبهم كانت تدق فالجاني لا بد 


۱۲ 





v4 


منهم» وكل منهم فرح أنه ليس الجاني وأنه سيشهد لتوه محاكمة 
رائعة يلذ له حضورها كشاهد رؤية فقط وليس كمتهم . 

غير أن أمل الأولاد خاب, فبعد قليل جلجل صوت أبيهم 
يأمرهم بالانسحاب . . ويأمر زوجته بإزالة بقايا الطعام . 

وجلجلة صوت أبيهم وإن كانت لا تحدث الا نادراً ولا تحدث 
الا في حضرة أغراب» الا انها أحياناً تخيف ويحسن طاعتها. ورفعت 
بقايا الطعام» ولم يكن قد تبقى سوى الصحون رالملاعق cheb‏ 
وللإنصاف ولم تستطع أصابع الأطفال ولا حتى أظافر القطط أن تصل 
إليها . 

وكان في نية ابراهيم أفندي أن يجلجل صوته مرة ثالثة ويأمر 
زوجنه بتركه مع الأسطى شعبان على col til‏ لولا أنه شك في 
احتمال طاعته» فآثر السلامة والاحتفاظ بكيانه سليما أمام الضيف لا 
تجرحه كلمة ولا زغرة أو تعليق . 

وهكذاء وليبعدهاء أمرها بلهجة رقيقة لطيفة لا يقولها الا. زوج 
غارق فى سعادة زوجية دائمة أن تعد القهوةء وأصابته نظرة جانبية 
eye‏ كرت الان انك :ان لين ديهم بن 

وحينئذ افتعل ابراهيم أفندي ضحكة cle‏ وقال للأسطى شعبان 
وهو يخبطه فوق ركبته : 

والا تشرب شاي أحسن؟. . أنا عارف. . أنت تحب الشاي . 
كل الأسطوات يحبوا الشاي . . خليه تقيل يا أم نعيمة. . 


۳ قاع المديئة 





“As 


وبينما كان الشاي يعد كانت أم نعيمة لا تتركهما على انفراد 
أبدا وكأن في الأمر مؤامرة, فهي غادية رائحة تنقل كرسيا من مكان 
الى مکان» أو تسأل ابراهيم أفندي إن كان يريد شيثاء وويله ان كان 
قد أراد شيئا . 

: الأوان وقال ابراهيم أفندي‎ ot Lely 

- خخير؟ . . 

ولم يقل شعبان حرفا أشار لابنه وسكت . 

وقال اسراهيم أفندي وقد ارتسم ul‏ أكثر من اللازم على 
وجهه» وكأنه فوجىء برؤية رأس الولد المجروح: 

خير؟ . . ماله؟ . . مالك يا بابا؟ . . مالك؟!. , 

فقال شعبان: 

- ابنك عوره. 

ابني مين؟!. . 

قالها ابراهيم فندي باستنكار ثم أضاف: 

- انت متأكد؟ . . يعني واحد من الأولاد اللي كانوا هنا دول هو 
اللي ضربه؟! . . 


- أيوة. . 
-يا ولد!. . يا ولد انت وهوه!. . 


\g 





1A1 


قالها poly‏ أفندي في شموخ وشهامة . 

وجاء الأولاد يتدارون في بعضهم البعض» وكش فيهم الأب : 

_ أقف Jue‏ يا ولد. . أقف عدل. . شيل ايدك من على كتف 
أخوك يا قليل الأدب . 

ووقف الأولاد وجاءت وقفتهم أقرب ما تكون الى الطابورء 
كانوا ثمانية وكانوا يصنعون مع الأرض Liles‏ أصغرهم طوله أشبار 
وأكبرهم أطول من الوالد نفسه بقليل . 

وحدق فيهم ابراأهيم أفندي وهو يتفحص ليحرز من الجاني » 
ويحس بنوع من الثقة لأنه رئيس هذا الطابور كله يستطيع أن يحركه 
كيف يشاء . وقال لابن شعبات : 

- مين فيهم اللي ضربك يا بابا؟ 

وأشار الولد الى فؤاد الذي يقف في الوسط وقال: 


دهه. . 


وهنا ضاع زمام الموقف وهاج كل شي ء» وارتفع صوت Olas‏ 
Sou‏ وبعنف وقد ذهب عنه حجله وحرجه» وبطالب أن يضرب 
الجانى علقة . . الآن الآن. . أمام عينيه والا كان ما كان . 


ورد عليه ابراهيم أفندي بصوت لا يقل عنه علواء واشتركت 
شفاعات بلسانها ويديها ورموشها وعينيها. وتنائر الأولاد في الصالة 
بعضهم يردد كلمات owl‏ وبعضهم يعزز حركات evi‏ وبعضهم 


1 قاع المديئة 





NAY 


يقلد كلمات الأسطى شعبان ويسخر من كلماته. وفي تلك الأثناء 
هاجت القطط وانطلقت تموء دون أن يزعجها أحد» وسقطت أشياء 
في الحمام» وقرقعت قباقيب على البلاط» ورفع صاحب القهوة 
المجاورة مذياعه على EY‏ وأذن المغرب» وبدأت صيحات‌اللبن 


الزبادي . 

واب كل شيع فجأة الى هدوء حين ارتفع صوت ابراهيم 
أفندي يقول: 

ولزومه ايه كتر الكلام؟. . نحقق. . واللي عليه الحق 
ينضرب بالجزمة. . 


وهكذا بدأ التحقيق . 

وبدأ الخلاف» فمن من الولدين يحكي أولا؟ . . 

واستقر الرأي أخيرا على أن يبدأوا برواية المجنى عليه 
المجروح . ١‏ 

fay‏ ابن شعبان يتكلم وما أن فتح فمه حتى صمت الجميع 
وترقبوا وعم السكون» وحينئذ تلجلج ولم يستطع إخراج الكلمات الا 
بعد أن نظر الى أبيه . . وكش فيه أبوه فانطلق يقول: 

كنا. . كنا بنلعب. وبعدين قسمنا قسمنا نفسيئا. أنا كنت بدا 
بدافع ودهه(وأشسار الى فؤاد دون أن ينظر اليه) ودهه OLS‏ 
الأسطول. . جه جه يزقني ما قدرش علي . 

واندفع فؤاد الرفيع يقاطعه : 





AY 


آنا ما قدرتش عليك؟ . . مش احنا قايلين مفيش طوب. . 
ضربتني بالطوبة ليه؟ . . 


وهب فيه أبوه يقول اخرس. . فخرس فؤاد. وخرس ابن شعبان 


وتنحلح شعبان وقال لابنه : 


يا ولد احكي كويس . كنتم بتلعبوا ایه؟ 

ورفع ابراهيم أفندي جذعه ورأسه وذراعيه محتجا على سؤال 
الأسطى شعبان» طالبا أن يترك الولد ليروي ما حدث دون أي تدحل 
أو مساعدة . 

وقال شعبان وأمره الى الله : 

يا حوانا دانا بس ple‏ تعرفوا ايه الموضوع . . 

ومضى الولد يقول: 

- جه يزقني ماقدرش عليٌ.. فراح جايب زلطة وحدفني 
بيهاحت فا.. فا.. 

وبدا الولد ينهنه لولا أن هب فيه أبوه: 

- أكتم يا بن ال. . انت بنت؟ اكتم أوعى تتنفس . 

وفعلت كلمات الأب فعل السحر. 

ورفع الابن وجهه لأول مرة» وحدق في الموجودين بجرأة 
وأشار الى فؤاد وقال: 


Tall فاع‎ Vv. 





A 


علشان ما. . ما قدرتش علي . . رحت جبت زلطة يا جبان. 

وهب فيه الجميع أن يخرس فلم يخرس. ومضى كالوحش 
الصغير يهبهب ويعوي : 

عاملي أسطول؟ . . والله لماتكون انت مليون أسطول. . 
علشان ما قدرتش Pile‏ حد كان قالك. . قالك العب.. حد.. حد 
قالك اعمل أسطول؟ . . لما أنت جبان. 

وهنا جاءته زغدة(كده وکده) من أبيه فسكت وعم السكون. 
وكان لا بد أن يعم السكون ob‏ أحدا لم يكن قد فهم شيثاء ثم إن 
ما تبادله الولدان زاد الأمر تعقيدأًء وأصبح هم كل والد أن يعرف كنه 
تلك الخنافة بعد أن كان همه أن يعد نفسه للدفاع عن ابنه. 

وكان واضحا أنهما لن يستطيعا أن يستخلصا السبب من 
المتخاصمين والمجني عليه متحفز والجاني «Ky‏ والحقيقة ضائعة 
بين التحفز والإنكار. 

وکان لا بد من التدحل للعثور على الحقيقة , وابراهيم أفندي 
الذي لم يرض بتدخل شعبان بدأ هو الذي يتدخل ويسأل على اعتبار 
أنه والد الجاني فلن يحابي المجني عليه . 

وأطال ابراهيم أفندي رقبته ومد رأسه وقال كأي وكيل نيابة 
مدرب» موجها السؤال الى ابن شعبان: 

- اسمع يا شاطر؛ قل لي كنتو بتلعبو ایه؟ 


فأجاب أبنه بسرعة: 


\A 





1A0 


كنا بنلعب لعبة الكنال. 
الأخير: 


كنا كنا بنلعب. . لعبة الكنال. . 

وهز ابراهيم افندي رأسه وعاد يسأل: 

لعبة الكنال دي ايه. . كوره؟! 

فأجاب الولد: 

لآ ل. لعبة الكئال. . قسمنا. . قسمنا نفسينا. . 

وهز ابراهيم أفندي رأسه وعاد يسأل: 

يا بني ايه لعبة الكنال دي؟ 

فقال الولد بفروغ بال الصغير: 

مانا مانا بقولك آهه. . قسمنا قسمنا نفسينا. . احنا احنا 
الجيش المصري وهم أسطول الانجليز. . وحطینا حطينا خط كده 
وقلنا قلنا ده الكنال. 

وفي نزق الأطفال» ترك الولد مكانه بجوار أبيه وقد ذهب عنه 
تحفظه وخوفه تماما» ومضى الى وسط الصالة يمثل: 

حطينا خط کده. . يعني يعني SES‏ . والجيش المصري 


يقف هنا. . وأسطول الانجليز يجي يجي من هنا. . واذا عدوا الخط 
يبقى اتغلبنا وياخدوا الكنال. 


14 قاع المدينة 





1A٦ 


وهنا غمز ابراهيم أفندي لشعبان عله يضحك» ولكن شعبان لم 
يضحك» كان وجهه لا يزال جادا ولا يزال يريد أن يطمئن ان ابنه 
كان محقوقا ليضربه أو صاحب حق ليشهد ضرب خصمه. أما الست 
شفاعات فكانت ساكتة ترقب الولد اللمض في اشمئناط واحتقارء 
والأولاد كانوا مشغولين بالتفكير في لعبة الكنال» يقلبون الأمر على 
وجوهه ليروا الى أي الفرق ينضمون اذا لعبوها. 

وأحس ابن شعبان بالجو فيه هدوء مريب فسکت» ولكن أباه 
استحثه ورغده وقال: 


- هيه . . قول. 
فأجاب الولد بفرحة وكأنه أذ اذنا باللعب في الحارة الى 
ساعة متأخرة : 


UT.‏ كنت في الجيش المصري . . ع اليمه دي . . فأم سحلول 
وقاطعه ابراهيم أفندي بلهجته الممدودة: 

أم سحلول مين؟ 

فقال الولد على الفور: 

- دهه, . فژاد. . 

ثم استدرك: 


Ye 





AV 


ونظر ابراهيم أفندي الى ابنه شذرا واستدار الى ابن شعبان 
وقال : ْ 

- اسمه فؤاد. . أم سحلول ايه دي؟ . . 

- وعاد ابن شعبان يحكي : 

- وبعدين اذا اذااحد. . 

والتفت ابراهيم أفندي فجأة الى aul‏ وهو يغلى : 

- بقى كده يا وله يسموك آم سحلول؟. . اتفرجي على ابنك يا 

وكاد يقولها ولكنه أنقذ لسانه في آخر لحظة والتفت لابن شعبان 
وقال: 

كمل. . كمل يا خويا.. كمل يا آم أربعة وأربعين انت 
زاون 

وانطلق الولد: 

وبعدين اذا واحد من الأسطول قدر يعدي الخط تبقى فرقتنا 
اتغليت» أنا كنت مع بندق وخشبة وحسام» وخحشبة وحسام اتغلبوا. 
فأتلمت فرقة أم سحلول كلها على . . 


قلنا ميت مره فؤاد. . قلنا فؤاد. . ده دي؟ . . 


۲ قاع المديئة 





AA 


وتكلم شعبان: 

- معلش يا إبراهيم أفندي . . عيال. . خليه براحته علشان 
يحكي كويس. . 

وزأر إبراهيم افندي بصوت منخفض وعينين جاحظتين: 

حكى Sou‏ ¢ انما pf‏ سحلول ايه؟. . قلنا له اسمه فؤاد. . 
هي قصة. . ده دي؟ 

وهنا أشار فؤاد الرفيع إشارة خفية لابن شعبان معناها: 

«طيب . . والله لأوريك». . 

ولكن ابن شعبان لم يتوقف ومضى يقول: 

- فضلت أنا وده. . هوه اكمنه أطول مني حب يديني هدر. . 
قمت أنا شكيته مقص راح نازل catty le‏ فالولاد ضحكوا عليه 
وفضلوا يضحكوا ويقولوا: ايدن أهه. . ايدن أهه. . العبيط اهه. . 
العبيط أهه . . فهو اتغاظ ومسك زلطة وراح خابطني في رأسي . 


واندفع فؤاد يقول: 


أبدا والله . . انت ستين كداب في أصل وشك. . والله يا بابا 
ما ضربته. . هو اللي وقع. . أنا مالي؟. . أنا ما ضربتوش احنا اتفقنا 
ان اذا غلبنا منهم اتنين يسلموا. . هو ما رضيش يسلم وقعد يزق 
فينا. . واحنا نزق فيه فراح واقع على الأرض اتعور. 


YY 





54 


وكان ابراهيم أفندي يحاول اسكات ابنه طوال الوقت.. ومع 
أسكته ومط رقبته وسأل ابن شعبان: 

- انتو اتفقتوا صحيح أن اذا اتنين اتغلبوا تسلموا. . ؟ 

وانتظر الجميع الجواب بفارغ الصبر. كان كل من بالحجرة قل 
نسي من الجاني ومن المجني عليه واستحوزت اللعبة على تفكيره , 
الأولاد كفوا عن Ad gl‏ وأم نعيمة يدها في خحصرها وأذنها متجهة 
الى مصدر الصوت والمتاعب» وشعبان مائل الى الأمام يراقب ابنه 
في حماس » والجدة كفت عن المواءء والقطط هي الأخرى كفت عن 
الأنين واختفت بين طيات ملابس الجالسين. 

وقال ابراهيم أفندي وهو ماض كوكيل النيابة في دوره يستدرج 
الولد: 

- انتوا اتفقتوا صحبح يا حبيبي؟ . . 

وتلجلج ابن شعبان ونظر الى ابيه يستشف ما وراء نظرته ثم 
قال: 

احنا احنا أيوه اتفقنا. . بس بس . . 

وتنفس ابراهيم أفندي لأول مرة بارتياح وعوج رأسه وقال وهو 
يكيل السؤال القاضي : 

- طيب . . ليه بقى سيادتك مسلمتش زي ما اتفقتوا؟ . . 


وواجهه ابن شعبان في دهشة واستغراب وقال: 


vy‏ قاع المديئة 





V4 


- اسلم ازاي؟! 
فعوج ابراهيم أفندي رأسه الى الناحية الأخحرى وقال: 
- زې ما اتفقتوا. . ليه بقى يا سيدي ما سلمتش؟ 


فقال الولد على الفور: 
ما عو ..."ماهر إذا مامت يقن اتقلبنا: 


وأغلق إبراهيم أفندي عينه اليمنى وقال: 

٠‏ تتغلبوا تتغلبوا. 

وازداد الاستنكار في وجه الولد وقال في دهشة : 
اذا اتغلبنا يكسبوا هم . 

وأجاب ابراهيم أفندي وهو يغلق العين الأخرى: 
د کنیا tse ad, Techs‏ 

وقال الولد بفروغ بال: 

مهم كانوا أخدوا الكثال. . 

فقال ابراهيم أفندي وهو يمط شفتيه : 

- ياحدوه يا خدوه, . 

واندفع الولد بغضب حقيقي يقول: 

يا خدوه ازاي؟. . هي . . هي لعبة . هک هي لعبة؟! 
وكذلك اندفع أبوه يقول: 


۲٤ 





1۹۱ 


- وده اسمه كلام يا أبو فؤاد؟ 

وكادت تحدث بوادر ضجة» لولا أن ابراهيم'أفندي صرخ : 

هوس . . هوس. . يا اخوانا ايه اللي جرى؟. . دي لعبة 
بيلعبوها. قول يا بني ما سلمتش ليه؟. . قول. . 

فقال الولد: 

أسلم ازاي؟ 

وقال أبوه : 

- يسلم ازاي؟ 

وقالت pf‏ نعيمة : 

زي الناس يا دلعدي . . 

واندفع فؤاد النحيل يقول: 

شفت يا بابا؟.. هو اللي قلبها جد. . احنا كنا بتلعب 
4 جو de geld ll‏ قدا له ملم ay Liat (LF‏ شرب 
فينا عشان منعديش الخط. . والله هو اللي وقعني وقعد يضرب في . . 
وعضني . . ثلاث عضات. . أهم . . دا كان.. زي المسروع. . دا 
مكانش بيلعب. . دا قلبها جد. . وكل. . ده. . عشان مش عايز 
يتغلب. . وأنا مالي؟.. هو اللي وقع.. ولما وقع اتعور. . أنا 
مالي؟ . . والله ما لمسته. . دا يدوبي قربت عليه نزل فيّ ضرب . 

وانخرط الولد في ASS‏ 


Yo‏ قاع المديئة 





AY 


وهنا استعاد ابراهيم أفندي الشخطة التي شخطها شعبان في 
ابنه وشخط شخطة أعلى منها وقال: 

- اخرس. . أنت بتعيط زي النسوان؟. . عمى في عينك. 

وصرخت فيه زوجه : 

- جرى ايه يا ابراهيم سرعت الواد. . هو قد الشخطة دي؟. . 
aly‏ حكاية النسوان دي رخحره. . ما تقعد معووج يا ابراهيم وتتكلم 
عدل. . اتكلم عدل يا ابراهيم . 

وقرأ ابراهيم أفدي في الجملة الأخيرة انذارا خفياء وفعل 
الانذار فعله في الحال. ' 

وهكذا ضاع زمام الموقف واختلطت الأصوات.. صوت 
الأسطى شعبان تخين وتصاحبه حشرجة كحشرجة الكلاكس حين 
يعلق» وصوت ابراهيم أفندي رفيع eel‏ كأنما يصدر عن طاقة 
واحدة من طاقتي aail‏ وصوت أم نعيمة حياني نواعمي طويل كحبال 
الكتان» وصوت الجدة أم ابراهيم أفندي كصوت ابنها تماما وكأنها 
جد. وكلمات شعبان فيها احتجاج صارخ» وكلمات ابراهيم فيها 
دعوة للسلام والمحبة» وما يصحش يعملها الصغار ويقع فيها الكبارء 
وكلمات شفاعات عزف منفرد لزمارة كمساوي ترام» وكلمات تقال 
وكلمات لا تقال» ولم يسلم الأمر حتما من بضع دعوات خرجت من 
فم الجدة واستقرت على رأس العدوء أي عدو. . 


واب كل شيء الى هدوء حين قال الأسطى شعبات : 


۲٢ 





14۴۳ 


- زاي بعضه. . احنا Whe‏ بركة الا بعض. . نصطلح نصطلح . 

وقبل الجاني رأس المجني عليه. . وتبودلت بضع نكات 
تناسب المقام.. وتفضلت الست أم نعيمة وضحكت على نكتة. 
وتفرق الأولاد وقد انتهت الرواية» وجاء الشاي وشرب الأسطى شعبان 
وشرب ابراهيم أفندي على حس الضيف . وتكلم الرجلان في 
السياسة وقال ابراهيم أفندي أن الله معنا وسينصرنا على القوم 
الكافرين . ١‏ وقال شعبان عن الانجلير دول عظمهم دایب من شرب 
الخمرة. . يدوبك ترق الواحد يقع . 

وأخخيرا of‏ الآوان وأخذت الجلسة حقها واستأذن شعبان» وعزم 
ابراهیم أفندي عليه بالعشاء؛ عزومة مراكبية» ولكن الأسطى أصر 
ومضى أنحذا dul‏ من يده . 

وقبل أن يهبط شعبان السلالم سمع أصواتا تأتيه من الداخل» 
وتلكا فلیلا فعرف صوت ابراهيم أفندي الأخنف وهويقول: 

- أحرم يا بابا. 

۔ تحرم يا كلب تلعب مع العيال دول؟ 

وعاد ابراهيم أفندي يقول: 

وسمع شعبان صرخة مبالغاً فيها ثم صوت الولد وهويقول: 

تحرم تلعب لعبة الكنال ومش عارف ايه؟ 

tres‏ الولد وقال: 

أحرم يا بابا. 


۷ قاع المديئة 





555 


تحرم يعملوك أم سحلول يا حایب؟ 

ا 

- تحرم تعمللي أسطول وايدن وكلام فارغ من ده؟ 

- أحرم يا بابا أحرم. . والنبي حرمت. . 

ولعلع صوت أم نعيمة : 

- حلاص حرم يا ابراهيم خلاص. ” ما عدشي ح يعملها. . 
قطيعة تقطع ايدل وشورته واللي جابوه. . قول تبت يا واد.. قول 


* * Y# 
وقبل أن يضع شعبان قدمه على أول درجة من درجات‎ 


السلم» التفت الى ابنه وملس على رأسه وعلى المنديل الذي يخفي 
الجرح وقال : 


- وله. أوعى تكون سلمت في الاخخر يا واد. . 
ونظر الولد الى وجه أبيه المرتفع › وأمسك يده الضخمة بكلتا 
يديه» ثم ألصقها بوجهه الصغير وضمها اليه وتعلق بهاء وابتسم ولم 


YA 





"1 


ابو الهول 


كنا نعزي في الحاج سعد والمأتم حابك اذ كان الوقت بعد 
العشاء حيث يكثر المعزون. كانت الخيمة على قد الحال فيها من 
الثقوب أضعاف ما فيها من قماش» والكلوبات نورها يعاني شحوب 
الأنيميا الحادة» ومع هذا كان يبدو في الظلام الخرافي المطبق على 
قريتنا ساطعا براقا يعشي جموع الفلاحين القادمين يعزون والذين لم 
تتعود عيونهم أبدا الضوء في الليل» فما بالك بئور الكلوبات؟ ولهذا 
كانوا يتوهون في الخيمة ولا يتعرفون على الناس الا بصعوبة . 

وكان الأعيان يحتلون ‏ كالعادة ‏ مقاعد الصدارة ذات القطيفة 
الباهتة islet!‏ والذهب الذي تحول الى جرب» والكسور 
والرضوض التي أصابت الأذرع والأرجل على مر الزمان. . 

وكنت أيامها عميد المتعلمين في بلدتنا اذ كنت طالب طب» 
وقد par!‏ الناس اجماما رهيبا على تلقيبي بالدكتور: وتبناني أهل 
بلدنا واعتبروني .ثروة قومية يفاخحرون بها البلاد الأخرى. وتقول نساء 
by J‏ لصاحباتهن في الأسواق: 

- يا بت اختشي داحنا حدانا دكاتره. . 


v4‏ قاع المديئة 





144 


وأمر على الأولاد وهم يلعبون فيكفون عما هم فيه من لعب 
ويشير Gl‏ أحدهم قائلا للاخرين: 

- والنبي ده دكتور حق حقاني يا ولاد. 

واذا مررت على الكبار تترى الدعوات خلفي ممن أعرفهم 
وممن لا أعرفهم؛ تحرسني من العيون وتخليني لأبي وتنجح لي 
المقاصد. 

وأصبح من حقي وواجبي اذن وقد رفعني الناس الى مصاف 
الأعيان أن أجلس بينهم . ومع هذا كنت أفضل ويفضل معي بقية 
المتعلمين أن نجلس مع الغالبية العظمى من أهل بلدناء الذين كان 
يقول عنهم الحاج سعد نفسه ‏ عليه رحمة الله : دربنا سبحانه 
وتعالى gle‏ الناس اللي بتفهم من تراب الجئة الناعم» وبعسدين 
فضلت شوية نخالة خشنة احتار يعمل فيها ايه» فراح راميها وقال 
كوني gale‏ الفلاحین» فكانت». 

كنا نفضل الجلوس الى هؤلاء حيث لا نتكلف ما لا نطيق من 
التأدب واصطناع الرجولة» وحيث نتحدث كما نشاء بلا ضابط أو 
رابط أو تشكك,. وحيث نجد من يتقبلون كلامنا وكأنه أيات 
منزلات , . ٠‏ 

وفي مأتم الحاج سعد أيضا جلست في الركن القريب من 
الباب ومعي بعض طلبة الجامعة وعدد لا يحصى من «النخالة»» 
وسرعان ما تضخمت الجماعة بانضمام بعض الذين يتمسحون 


و 





14۷ 


بالمتعلمين وعلى رأس هؤلاء أبو عبيد التومرجي في مستشفى حميات 
المركز» والذي كان يفضل أن تتواجد«الهيئة الطبية» في مكان واحد» 
فقد كان هو Vl‏ يزاول الطب يكشف ويشخص ويعطي الحقن» وله 
بالطو أبيض نظيف وجلابية«دبلان» وطربوش» والحق أنه كان يسدو 

وكان آخر القادمين الى مجلسنا عبد الله المزين» والرجل كان 
يقوم أحيانا بعمل حلاق الصحة ويبدو أنه هو الآخر كان يعتبر نفسه 
يمت بصلة ما إلى الهيئة؛ فكان إذا رآنا جالسين أعطى صبيسه 
کحلاق» ثم يهل علينا قائلا للجميع : 

. السلام عليكم! 

ويلتفت id]‏ بسلام خاص قائلا : 

- نورتنا يا دكتر. 

وكان ينطقهاهدكتر» ليؤكد لي وللسامعين أنه رجل فاهم, وليبداً 
بها شخصيته كعضو ملحق بالهيثة الطبية الموقرة. . 

كنا جالسين في صمت نستمع الى الشيخ مصطفى مقرىء بلدنا 
الذي كان قد تسلم دكة الفقهاء؛ وتسلمنا بعد العشاء مباشرة يصب 
علينا جام صوته الغليظ القبيح ولا يريد أن يختم أو ينتهي . وكلما 
تهدج صوته ظننا أن الفرج قريب وأنه سوف يسكت» ولكن يخيب 
ظننا إذ ما أسرع ما كان يمط رقبته وكأنه يريد انتزاعها من جسده» 


ام قاع المديئة 





۹۹۸ 


ويكشر جدا ولا ندري لماذا يكشرء ويسد أذنه اليمنى وبخفي عينيه 
ببقية أصابعه ويحزق وتمتلىء رقبته الطويلة الرفيعة بالعروق وبالهواء. 
وتنتفخ حتى لنخاف عليها وعلينا من الانفجارء ثم ينعص الشيخ 
مصطفى » وتتطاير شظايا صوته مخترقة فضاء الليل الواسع ترج قريتنا 
رجاء ويصحو لها نائمون في بلاد أخرى. 


وكان الوحيد المباح له الحركة في المأتم هو شيخ 
الخفراء وقد شنط البندقية في كتفه وراح ينظر الى الناس كمن يقول: 
الخارج يفساجى ء الأولاد الذين تجمعوا يتفرجون على الماتم 
والكلوبات ونقوش الخيمة الغريبة الباهتة» وينهال عليهم ضربا 
بخيزرانته . 

وجاء الفرج وقال الشيخ مصطفى ونحن غير مصدقين: صدق 
الله العظيم . 

وانهال عليه الناس من كل صوب : 

تقبل الله يا أستاذ. . الله يفتح عليك. . حرما. . الله يفتح 
عليك. . حرما. . الله يعمر بيتك . 

وكانت الكلمات تخرج من الأفواه حارة لافحة» آخر ما تصلح 
له أن تكون دعوات . . 


وامتلأت الخيمة بعدها بهمهمة الجماعات المتقاربة. . وبدأنا 


۳۲ 





144 


نتكلم نحن الآخرون ونال الشيخ مصطفى من السنتنا الشيء الكثير. 
ثم بدأنا كالعادة نخوض في سير الأعيان» وانتهينا أخيرا الى ذكرياتنا 
عن القاهرة. كنا نتكلم نحن فقط وكان بلدياتنا الفلاحون ساكتين 
يسمعوننا ویضحکون» وينظرون Lidl‏ ويتأملون كلامنا وكيف نلدطقه؛ 
ويتحسسون بأعينهم جلابيبنا «الزفير» و «البفتة»» ويتفرجون 
على طربوش أبو عبيد التمرجي وعلى ساعة يدي وبريقها كلما 
عكست ضوء ANS‏ ولا يتكلمون. . وهكذا كان دأبهم دائما اذا 
جلسوا معنا نرى في وجوههم السمراء المعفرة اقتناعا كاملا يما 
نقول» by‏ عيونهم اعجابا مطلقا بناء وفي تأييدهم لنا حماسا منقطع 
النظير. . وكان يهيمن عليهم دائما وجوم لعله خوف مناء ولعله هوة 
يحسون أنها تفصل Ley‏ وبينهم» فكان الواحد منهم لا يخاطب 
الواحد مناء وانما اذا أعجبه كلام قيل يميل على جاره ويهمس له 
معلقا أو بلكزه. أما اذا بلغ الاعجاب حد الاعجاز فحيشل تتصاعد 
منهم التعليقات رغما عنهم . . كلها متشابهة» وكلها في آن متقارب 
وكأنما نصدر عن جسد حي واحد خشن كبير. 


وحيئما أوجد ويوجد أبو عبيد التمرجي» كان ينتهز أول فرصة 
تسنح له ويخبط سؤالا ما.. ولا بد أن يكون السؤال في 
الطب. كان يزاول العلاج ويهمه أن يثبت للفلاحين وللمتعلمين 
أيضا أنه عالم كبير يناقش«الدكتور» مناقشة الند للند. وكان اذا تحدث 
معي أو سألني لا يفعل ذلك بلغة بلدنا المحلية وائما بلغة البددر. 
والا فما الفرق بينه وبين الفلاحين؟. . ولا يسأل السؤال بطريقة عادية 


rw‏ قاع المديئة 





Ves 


وانما له أسلوب مؤدب في أدبه برود وتلامة» نفس أسلوبه الذي 
يعرض بهوخدماته» على الناس ويطالب بأتعابه وفوقها«شوية» لبن أو 
أكلة بامية من بامية الزبائن الحلوة . . ودائما بامية الزبائن حلوة . 

وكانت اسئلته تزعجني جداء فأيامها كنت لا أزال في اعدادي 
طب اشرح الضفادع وأدرس الديدان, ولا أعلم عن الأدوية 
والأمراض الا أني «دكتور» . وكان هو من كثرة عمله في المستشفيات 
قد حفظ كام اسم مرض وكام اسم دواء. وليلتها استسطرد أبوعبيد 
يتحدث عن مرض الحاج سعد وكيف أخذه للدكتور حنا طبيب المركز 
وفشل علاجه» ثم وصف له هو حقن ستروميسين وأقراص سلفات 
يازين oxy xt‏ «هكذا كان يقول»؛ و م» قلوي, ومنعه عن الطعام 
منعا باتاء ولكن المرحوم هفت نفسه الى الفسيخ يوم السوق والتهم 
وحده رطلا . فحم القضاء , . 


وغمغم الجمع الذي gd apes‏ وفي مجال القسمة والأعمار 


يستطيعون الكلام : 
- بتيجي على أهون سبب. . 
اجله كله. . 


ما حدش بيفوث يوم من عمره. 5 

حکمته. , 

واذا بدأ pf‏ عبيد, . فمحال ينتهي . . ولهذا أنشأ يحدثنا عما 
جرى بعد الوفاة. . فهو الذي استخرج تصريح الدفن رغم عصلجة 


۳٤ 





الطبيب. . واستخرجه بعد ميعاد العمل الرسمى . وكان 
واضحا أن لولا شطارته لبقي المرحوم بلا دفن الى اليوم التالي . 

ولست أذكر كيف استطعنا «استخراج» الحديث من أبو عبيد 
وادارته بيننا نحن«المتعلمين» › ولكن أذكر of‏ المناقشة دارت حول 
الجئة وعن هل من الممكن أن تبقى أياما بلا دفن. وبعد أن هدأت 
حدة النقاش سألني أبو عبيد والاهتمام الشديد ظاهر على وجهه : 

- الا قوللي يا دكتور؟ 

وكان يقول لي «دكتور» ليبدو ثمة فارق بينه وبين حلاق الصحة 
من نأحية» وئيشة وبين الفلاحين الذين يقولون «داکتور» من ناحية 
أخرى. . 

واستدرت اليه أستعد لسؤاله البايخ , فقال: 

- هو التخشب الرمي بيظهر بعد الوفاة بعد ايه؟ 

وصمت الموجودون جميعا» المتعلمين وغيسر المتعلمين» 
يحملقون مذهولين في كلمة«التخشب الرمى» وهي لا تزال ترن في 
الجو وتحوم حولناء حتى حلاق الصحة أذهلته الكلمة فراح ينظر الى 
أبو عبيد في دهشة وحسد وكأنما يستكثر عليه معرفة كلمة كتلك وما 
وكنت من لحظة أن سمعت الكلمة قد أصابتني حيرة بالغة فما كنت 
أعرف ما تعنيه. ولما وجدث التساؤل حاصرني ابتسمت ابتسامة 


قاع المديلة 





- فيه؟ 
فقال وكأنه يطرح قضية عامة للمناقشة : 


أصلي اختلفت النهارده مع الدكتور صبحي الحكيمباشي 
بتاعنا. . أنا أقول نص ساعة وهو يقولي يا أحمد ساعتين بس. . 


فإيه رأيك يا دكتور؟ 
ونصا تصنعت لهجة العلماء وقلت: 


> انت غلطان وهو غلطان. . هي تيجي ساعة كله 
. . ونظرت الى وجوه الجالسين فرأيتهم يسمعون اجابتي ويتبادلون 
النظرات» والكلمة لا تزال OF‏ في آذانهم ولا يفهمون. وصمتنا ثوان 
قليلة رحت اتطلع اثناءها الى أبو عبيد لأرى ان كان قد اقتنع أم لا 
يزال به شك. وكان هو خافضا بصره الى الأرض يحدق في قبضته 
بأدب جم. وكنت أعرف حركته اللعينة تلك وأعرف أنه يصطنعها 
كلما ارتبكت أنا حتى لا يحرجني » اذ لا يصح وهودالتمرجي» أن 
يحرج(الدكتور». . 

غير أني فوجئت بصالح ‏ الله يعافيه بالعافية - يزر عينيه 
ويسألي : 

۔ الا یا دكتور ايه خشب الرمه ده؟ . . 

وصالح هذا كان فاليا ولكنه لا يزرع الأرض لحسابه وانما 
nt‏ عند ا Bt pt‏ واحدا من عيلة ابو شندي» 


۳٢ 





يشتغل مقابل طعامه وكسوته وكذا كيلة في العام. وكان لونه لا هو 
أسمر ولا أصفرء لون رمادي كلون التراب . . وكان طويلا هائلا 
يخيف الناس مرآه حتى سموه أبو الهول. وعمري ما رأيته مبتسما ولا 
رأيت عينيه مفتوحتين وكأنما كان یری برموشه» وكانوا يقولون إن 
قلبه ميت. وانه لا يخاف ولا يزعل ولا یفرح» وإنه أقوى واحد في 
بلدنا لولا أنه لا يحب اظهار قوته تواضعاء ومن خشية الله. وكان 
كلامه بطيئا تحس معه أنه ينتزعه من نفسه انتزاعاء وكان دؤوبا على 
جلسة المتعلمين ولكنه لا يتكلم فيها أبدا. وكان الئاس يعرفون عنه 
هذا السكوت ولا يحاولون استفزازه» مخافة أن يثور مرة فيقتل من 
أمامه. . ومع هذا لا يذكر الذاكرون في بلدتئا ‏ على كثرة ما فيها من 
مؤرخين وذاكرين ‏ أنه ثار مرة ولا اشتكى أو توجع . 

وكادت جماعتنا تضحك للسؤال المفاجىء لولا plist‏ 
والظاهر أن ابو الهول كان قد عبر بسؤاله عما يدور في الخواطر 
جميعاء فما لبشت الوجوه أن تطلعت إليّء كلها متسائلة جادة» ما عدا 
وجه أبوعبيد الذي راح يتطلع ناحيتي ويبتسم » ويقول بابتسامته : | 

- أقول أنا؟ 

وعبست أطلب منه السكوت وقلت على البديهة : 

- أصل يا صالح جسم الانسان ده عجيب قوي . . 

وسرحت أحدثهم Lile Lyte‏ عن الجسد» وكيف يجري 
pall‏ ويدق القلب. . 


۳۷ قاع المديئة 





Veg 


ees:‏ لأرى ان كانوا قد نسوا أو اقتنعوا. . geile ons‏ زد 
ane‏ مرة أخرى» وعاد يسألني : 

- أمال dey‏ ايه اللي بيقول عليها لفندي؟ 

وعاد(لفندي) أبو عبيد يقول بابتسامته اللامعة الباردة : تحرم 
تعمل دكتور؟ ولما وجدني سكت والسكوت علامة الرضا. اندفع 
يقول: 

بعد اذنك يا دكتور. . أصل بني آدم منا يا اخواننا جسمه من 
جوه مليان جير وحديد وزرنيخ وسليماني وماركورو كرون. . وطول 
ما الواحد Le‏ حي الحاجات دي بتبقى سايحة في الجسم فلما 
بينقضي الأجل ويتوفاه الله بتروح عاقدة على بعضها زي ما بيعقد 
جالوص الطين في وش البعدا. . تقوم تيجي تحسس على جسم 
الميت من دول تلاقيه كنه لوح لطزانه تمام . 
لا يستطيع أحد تصديقه دون شهادة مني . . وعادت العيون تنظر إليّ 
وتطلب الشهادة» ولم أجد Gal‏ شيشا يدحض علم أبو عبيد فهززت 
رأسي موافقاء itr,‏ فقط تصاعدت التعليقات: 

يا خبر! 

- أترن بني آدم رمه يا ولاد وما هوش داري . 

. عجايب والله , 

ما تموت يا واد يا صالح خلينا نعرش بيك الزريبة . 


YA 





عشان تحمدوا ربئا على لقمة العيش ونفس الهوا يا عالم بذر 
كتان . . 

وأصبح yf‏ عبيد نجم الحلقة بلا منازع . . وأحذت العيون 
تلتف حوله وترعاه في تبجيل وكأنه هو الذي يستطيع اذا شاء أن يحيل 
الواحد منهم الى قطعة من خشب الرمة. . 

ولم أحتمل هذا »فسرعان ما وجدت نفسي أندفع في الحديث 
عن الوفاة والجشث حديث العارف الخبير. وأخذت أروي لهم النوادر 
والحكايات Lee‏ يحدث في مشرحة كلية الطب وكيف أننا نقضي طيلة 
النهار والمشارط في أيدينا نقطع الأجساد ونبقر البطون» مع أني لم 
أكن قد دخلت المشرحة ولا رأيتها في حياتي . . 

واستوليت على انتباهاتهم كلها. وغاب عن ذاكرتهم أبو عبيد 
برمته ) والمأتم وكل شيء. 

وفي ذلك الوقت صعد الى أريكة الفقهاء رجل ضخم يرتدي 
الجبة والتفطان. وتبينت فيه الشيخ عبد الحميد واعظ CSS pall‏ 
وكان fe It‏ والحق يقال نشيطا في اداء وظيفنه حتى لهجت 
الألسن بذكره. كان لا يترك مأتما في فرية الا ويذهب اليه ويعزي 
فيه ليس هذا فقط» بل إنه ما يكاد يجلس قليلا وتخلو دكة الفقهاء 
حتى يمضي اليها في بطء وقور» ويرتل بصوت هادىء: (بسم الله 
الرحمن الرحيم) ويعم الصمت المكان وتشرئب الأعناق تتابع درس 
الشبخ وهو يرويه بصوت حلوء ينغمه ويطيل في نبراته الحلقية» 
ويضم الصاد» وتخرج الراء لها زغرودة» وتحس اذا ما سمعت 


Salt قاع‎ ۳۹ 





الكلمات المترادفة الممدودة وهي تتهادى من حنجرته ‏ بینما وجهه 
مكتنز أحمر» وشاربه مخطط أسود» وعمامته ناصعة البياض - 
تحس أنه لا بد قد تعشى بخروف دسم قبل أن يلقي الدرس» وأن 
كلماته تخرج مطمئنة شبعانة لا تشكو LAG‏ ولا تعباء وان لا أولاد له 
ولا زوجة أو مشاكل aly‏ بالتأكيد ‏ له الجن . 


صعد الشيخ Lely‏ يلقي الدرس. . وكان مفروضا أن أسكت 
مع الساكتين وأسمعه» ولكني كنت قد طرقت بحديثي بابا لا يستطيع 
أبو عبيد أن ينافسني فيه. . فالحقن والأدوية والأسماء الغريبة له 
فيها.. أما الجثث.. فسيرتها لا تأتي الا على ألسنة الدكاترة 
وحدهم . . ولهذا مضيت أتحدث. . وانقسم المأتم. . الغالبية تسمع 
الواعظ . والأقلية تسمعني ١‏ وأنا أوزع انتباهي بين كلامي وكلام 
الواعظ. . كان الرجل قد وصل في حديثه الى العذاب الذي ينتظر 
العاصين في الاخرة.. وكان قد استولى على الألباب جميعا. . 
أقصد ألباب «النخالة».. فالأعيان كنت ألمحهم يتهامسون 
ويتشاءبون وينظرون في ساعاتهم ويختلفون على أيها أضبط. . أما 
أصحاب الأجساد الضامرة البالية فكانوا مسمرين في أماكنهم 
يسمعون» ووجوههم صفراء ذابلة كأوراق القطن الخضراء حين 
تصيبها الدودة واللطع. وأفواههم مفتوحة وعيونهم محمرة بالرمد 
والرماد تحاور الضوء وتداوره لتستطيع أن تتابع الواعظ وهو يتحدث 
حديث العالم الخبير عما Shy‏ المذنبون» وكيف يتولى أمر كل منهم 
أربعة من زبانية الجحيم الغلاط الشداد. . يخلعون عنه ملابسه. . ثم 


ge 





يلف 


ينهالون عليه ضربا«بمقرعة» من حديد لها أسنان تنهش لحمه. 
وتدشدش عظامه» حتى اذا ما استوى وشبع أخذوه الى طابق el‏ من 
النار. . وتولوا إدخاله في مواسير جدرانها من اللهب. . يظل يحرق 
وهو حي » LIS,‏ ذاب جلده كان له ope‏ ليتجدد عذابه. . فاذا عطش 
وطلب ماء سقوه من ماء النارء وماء النار من حميم وغساق. . 

الغالبية كانت تسمع الواعظ» ولا تكاد تعرف ما المقرعة, ولا 
الحميم أو الغساق» ومع هذا فمن طريقة الشيخ عبد الحميد في 
الالقاءء ومن غرابة الأشياء التى كان يرويها ورهبتهاء كان التأثر قد 
بلغ بالناس حد البكاء . 1 

والأقلية كانت تتابع حديثي» وكنت قد تعديت حدود كل 
معقول وأحذت أروي لهم تفاصيل دقيقة مزعجة عن حوادثنا ونوادرنا 
مع الجثث» وكيف Lif‏ نتناول طعامنا أحيانا في المشرحة وعلى مرأى 
من البطون المفتوحة» وأحيانا أخرى كثيرة نلعب«الكوتشينة» على 
صدور الموتى» وكيف أنني صنعت من الععظام والجماجم محابر 
ومساطر وأقلاما. . ثم حكيت لهم قصة طويلة عن الذراع الذي 
اشتريته مرة من فراش المشرحة., وأخذته معي الى حجرتي» وما 
أحدثه من هرج ومرج بين سكان البيت. . الخ. . الخ . 


وسألني أبو الهول وهولم يعد يحتمل: 
- واشتريت الذراع بكام يا داكتور؟ 
وتصنعت التذكر وقلت: 


۹ قاع المدينة 





. والله خحدته من الراجل يومها بريال. 


فقال مبهورا: 


أماه.. يا خبر أسود ومئيل. . أمال يا خواتي بني آدم على 


بعضه يسوى كام يا داكتور؟ . . 
فقلت وأنا أهز أكتافي : 


۔ والله ما اشتريتوش . . انما یسوی له جیه كده والا اتنين . 
وانطلق المستمعون يرددون في ذهول: 
شوف يا أخي . . أي والله. . صحيح . . ما أرخص من بلي 


- دي عبر لمن يعتبر. . 
- لازم دول كانوا عملوا في دنياهم عمل يغضب الله . 3 
ply‏ أبو الهول وقد بدأت ملامحه تتحرك . . وعينله تتفتح » 


آدم.. 


وملامحه تعلوها دهشة : 


= بيجيبوا الناس دول منين يا داكتور؟ . . 
والحق أني ماكنت أعرف.. فزعمت أن هناك متعهدا يورد 


للكلية ما تحتاجه من جثث«قياسا على متعهد الضفادع في 


أعدادى». . 


وكان الشيخ عبد الحميد في هله الأثناء قد قارب الانتهاء من 


۲ 





v4 


حدليئه والساس قد طال استماعهم الى وصفه الدقيق لما jay‏ 
العاصين حتى بلغت أرواحهم الحلقوم . فما كاد يستثني من العذاب 
ويقول: «الامن خشي ربه. .» حتى هاج الناس وماجوا يتنفسون 
الصعداء ‏ وقد عثروا أخيرا على طاقة أمل ‏ .ويثبتون أنهم حقا وصدقا 
مؤمنون خاشعون» ويقولون في نفس واحد مبهور: «لا اله الا الله». . 

ورأيت الشيخ عبد الحميد يتطلع اليهم بوجهه السمين الذي 
كسته حبات العرق» ويفرك كفيه مسرورا. . فحماسهم ذاك كان خير 
دليل على الأثر الخطير الذي أحدثه كلامه , 

وتطلعت UP‏ الآخمر الى جمهوري. . OLS‏ كل شيء على ما 
يرام . . وكدت أفرك كفي أنا الاخر. . لولا ابتسامة أبوعبيد الباردة 
التي لم تكن قد جفت بعد من فوق ملامحه. . 

وأطلقت pol‏ سهم في جعبتي» ومضيت أحدثهم عن الملل 
الذي أصابني من طول الاجازة وعن شوقي إلى تدريب يدي ومزاولة 
التشريح » ولكي أقطع دابر الشك قلت انني حتى مستعد أن أدفع في 
الجثة خمسة جنيهات . . انما. . أنا فين والجثث فين؟ . . 

وخرجت من المأتم يومها مرفوع الرأس. . حتى إن أبو عبيد 
قال لي وهو يودعني : 

مع السلامة يا بيه. . 

ولم أراجع نفسي » ولا فكرت بعد هذا فيما قلئه. ولا في 
التخشب الرمي أو مقارع الحديد ذات الأسنان. . كانت في نظري 


sy‏ قاع المديئة 





1۰ 


أحاديث ماتم وجلسات لا أكثر ولا أقل. . تكون اذا قامت» وتنفض 
معها. 

ولكني استيقظت ذات ليلة على نباح كثير يهدر أمام بيتنا حتى 
خلت أن كلاب جيراننا تطارد عزرائيل. . وسمعت بابنا يدق.. ولم 
يفزعني ذلك. . فكثيرا ما كان يدق في أية ساعة من ساعات الليل 
ويكون السبب مغص مفاجىء أو بول محتبس . 

كان الدق يزعج أبي فقط» ويجعله يلعن اليوم الذي أدخلني 
فيه الطب. . فقد كان يخاف أن أخرج لرؤية مريض مرة فيتربص لي 
واحد في الظلام ويقتلني . أما لماذا يفكر أحد في فتلي فذلك سؤال 
لم يخطر لأبي أبدا. . 

فتحت الباب ففوجثت بإنسان محني يحمل فوق ظهره(زكيبة) 
مملوءة لحافتها ويقول: 

مسيك بالخير يا داكتور. . 

الصوت مالوف» ولكن رغم الليل كان يجود بآخر أنفاسه 
وشعشعة الفجر قد أوشكت» لم أستطع التعرف على صاحبه. . 

مين 9 

- اني صالح . . 

. . الهول؟‎ yf. 

- أيوه أبو الهول يا داكتور. . يقالي ساعة اخبط لما الكلاب 


٤ 





A 


كلت رجليه . . وسع شوية. . 

وتراجعت الى الوراء قليلا. فاستدار وأنزل الزكيبة على الأرض 
ثم قال: 

الأمانة أهه, , 


أمانة ايه؟!. . 


كنت أسأله وأنا أنظر الى cages‏ وأحاول ادراك ما لم يستطع 
قوله. . ولم أر على ضوء «اللمبه السهاري» الا OF‏ أبو الهول - 
يبتسم ) وكانت أول مرة أراه يبتسم. . فأدركت أن الأمر حطر مما 
توفعت. . 
ونطق أبو الهول وقال انه كان عائدا الى الكفر بعد سهرئه في 
البلد فرأى Be‏ غريق طافية في المصرف. . فقال: بس» وأخرجها 
من الماء ووضعها على الجسر. . ثم عاد جريا في جري إلى بيت أبو 
شندي » وشحث منه زكيبة على ذمة الطحين» ورجع إلى المصرف 
جريا في جري» وعبى الجثة» وحملهاء ولحرم من الذرة الصيفي 
حتى لا يراه أحد. . وتسلل الى بيتنا بها. . 

ووقفت أتابع كلامه» وأنظر الى طوله وعرضه وعيونه الوارمة 
وأشم الرائحة الفظيعة التي أدركت أنها تنبعث من الزكيبة» وأنا 
مذهول مدهوش أكاد لا أعي مما يقول حرفا. . 

ووجدت نفسي أنفجر فيه. . 

وانتظر الى أن انتهيت وقال: 


$6 قاع المدينة 





¥1۲ 


جرى ايه يا داكتور. . انت طلبك حدانا غالی قوي .. bal‏ 
بداك اليوم . . وان ols‏ ¢ الخمسه جنيه أني مش عايز خمسات . . 
اللى تحط ايدك فيه أني قابله. . 

ولم أعد pool‏ » واندفعت آمره والغيظ يخنقني أن يعيد الجئة 
كما كانت تماما. . 

وصبر علي حتى جئت بكل ما عندي » ثم بربش عينيه وقال: 

وزعلان قوي كده ليه ياداكتور.. بلاش تضرب في 
العالي . . هات يا سيدي جنيه والعوض على الله . . 

وانفجرت فيه مرة أخرى. . 

- انت اتهبلت. . انت اتجنئت. . انت جرى لعقلك. . 

فرفع يده في فروغ بال وقال : 

- الاه يا اخواتي . . بلاش الجنيه راخحر. . هات يا سيدي ريال 
خلينا ننفض . . عدتها دراع بس يا داكتور. . 

وأخخيرا جدا. . بعدما ارتفع صوتي ٠‏ ويدأ الغضب واضحا تماما 
في ملامحي استطاع أبو الهول أن يمهم gl‏ لا أساوم» وأن عليه أن 
يعيد الجثة الى المصرف في الحال. . 

وهنا hem‏ ملامحه. وعادت الى جدها الذي لا ينفك. 
وأغمض عينيه وقال: 

كده. . بقى تعملها فيّ يا داكتور. . هم الأفندية كدابين يا 


£4 





v\y 


احواتي . . تحلف ع المصحف انك ما قلت الواحد بخمسة جنيه. . 
تحلف. . قلت والا مقلتش. . 

وثار bay‏ جدل طويل. . أنا أصر على أني لا أذكر شيئاء وهو 
يعيد على مسامعي ما قلته كلمة كلمة ويعطي الأمارات والشواهد. . 
ولم أوفق في اقناعه بإرجاعها اذ كنت أتعثر وأنا أقنعه في الخجل 
الشديد الذي كان يملأ نفسي» ولما لم أجد فائدة هددته بإبلاغ الأمر 
للعمدة. . وحينئذ اربدث ملامحه وبدا كأنه سيثور ثورة لا يعلم الا 
الله مداها وقال : 

. كلام ايه ده يا ولاد. . بقى تعملها فيّ كده والاخحر تبلغ . . 
طب ورحمة ابويا محمد أبو صيام ماني مرجعها واللي معاك اعمله . 
وبلغ مطرح ما تبلغ. . انت مش قلت الواحد بخمسة جنيه. . قلت 
والا ما قلتش. . بقى تعملها فيّ كده وتبلغ. طب بلغ . ورحمة أبويا 
محمد لاسيبهالك وماشي . . قلت والا ما قلت. 


ويبدو أن صوتنا كان قد ارتفع حتى GUT‏ أبي . . فقد وجدته 


يبرز من باب حجرته ويقول: 
ايه جرى أيه؟ . . 


وأسرعت اليه أرجوه الا يزعج نفسه. . وأحاول اقناعه ان 
المسألة مغص لا أكثر ولا أقل ولكني كنت متأخرا. . اذ كان قد لمح 
صالح واقفا بوجه لا يبشر بخير فقال: 

والواد ده ple‏ ايه. . دا الواد ده حرامي «والظاهر أن الفلاحين 


$y‏ قاع المديئة 





:اا 


كلهم حرامية عند أصحاب الأرض». . دا بيسرق الكحل من العين 
وابوه من قبله. . ايه اللي جابك دلوقت يا وله. . عايز ايه. . 

كان أبي يقول هذا وهو يتجه الى الباب» والى صالح» ولم 
استطع أن أتدخل فيما حدث بعد ذلك. . فقد تعثر أبي في الزكيبة› 
وكاد يسقط وتساءل غاضبا عم جاء بهاء وعم جاء بصالح 6 وقال وهو 
يتحسسها ويحاول أن يخمن محتوياتها: 

ايه ده يا واد يابو الهول. . انت سارق بطيخ يا ابن ال. . 
وجايبه هنا ليه يا وله. . والدكتور ماله. . دا مش بطبخ . . أف. al.‏ 
ده يا خويا. . أعوذ بالله . . أعوذ بالله . . 

olf أبي صرخة عالية مفاجئة» وكانت تلك أول مرة‎ Eres 
Lif يصرخ والفزع يملا عينيه والرعب قد تملكه. . واندفعنا اليه‎ 
وصالح نسنده حتى لا يتهاوى. وسرت به وحدي الى الفراش‎ 
والصدمة قد أفقدته القدرة على السؤال أو الاستفسار أو حتى النطق.‎ 
ولكن لم يدم ذلك سوى لحظات. . استرجع نفسه تماما بعدهاء‎ 
وجلس ينصت لي وأنا أحكي له ما كان من أول ما طقطق الحديث‎ 
في المأتم . . ينصت وهو يخبط كفا على كف ويقول:‎ 

- مجرم . . حرامي ابن حرام سل مل. . 

ولما عدت الى أبو الهول وجدته جالسا مسندا ظهره الى 
الحائط ورأسه مائل في تأثر عميق. . وحين رأني وقف وقال: 


- سلامته لفندي . . يا خبر أسود ومنيل. . ودي كانت شورة ايه 


£A 





Vio 


السودة دي , . سلامته . 

وهززت رأسي وأنا أعد الدش البارد الذي جهرته له ولكنه 
كفاني مؤونة الكلام فقد وجدته ينحني على الزكيبة ويمتحن متانة 
رباطها ويقول: 

والنبي يا داكتور gl‏ عمري ما حلفت برحمة أبويا محمد 
باطل انما عشان خاطر والدك. . يا خبر أسود يا ولاد. . دا الواحد 
خزيان من روحه. . يا شيخ داني انبليث م الكسفة. . اللهم احزيك 
يا شيطان. ما كنت مروح في WE‏ يا وله مالك ومال خحشب الرمة 
والزفت ده. . انما تقول ايه. . يا خبر اسود ومئيل. . داني كنت بقول 
لروحي زمان الداكتور حياخدك بالحضن يا وله. . والختمة الشريفة 
عمري ما حلفت بحياة ابويا محمد باطل . 

وكان قد أوقف الزكيبة فالتفت إليّ قائلا: 

والنبي يا داكتور ولا صغرة تسندها سندة صغيرة. . بس أوعى 
هدومك . . هه . . يا قوة الله . . 

ورفعها بقوة جسارة فوق کاهله» وتمتمثك Uf,‏ لا أكاد أستطيع 
الكلام : 

معلهش يا صالح . . تتعوض . . معلهش . 

فقال وهو يستدير وتستدير الزكيبة وراءه ويتجه الى الباب . 

والا عليه. . أهي ان طلعت والا نزلت زكيبة.. هي يعني 
والا المقمعمة اللي بيقول عليها سيدنا الواعظ. . أهي ان طلعت والا 


$4 قاع المدينة 





نزلت زكيبة . . حتكون أكتر من اللي بنشيله . . يا شيخ قول يا رب . 
وكان قد خرج من الباب» وکاد يختفي في الظلام حين فوجئت 


- بس افتكر كويس يا داكتور. : بذمتك يا شيخ وديانتك والأمانة 





VAY 


cre 


فاجأنا الريس حين طلب منا أن ننتظر. قالها بلهجته البحراوية 
OLS,‏ كلامه من لحظة أن عرفناه قليلا. وكان من نوع لا يرحب 
بالجدل ومع أن كل شيء كان على gil‏ استعدادء الا اننا سكتنا كلنا 
ونحن متأكدون أن لا بد هناك ضرورة لهذا الانتظارء غير أن حلمي 
لم يسكت. . عوج وجهه وأسبل جفئيه وقال للريس: احثنا 
مستعجلين . ولزومه أيه الانتظار؟ 


ويبدو أن كلامه تبدد ولم يصل الى آذان الرجل» فقد كان 
مشغولا بشي ء ما يعدل من وضعه في «القلع» . وأحرج حلمي حين لم 
يتلق ردا على سؤاله فعاد يقول: 

مستئيين ايه يا ريس؟ 

ونطق الرجل كلمة ولم نتبينهاء فقد كان يمسك مسلة بشفتيه 
Lary‏ يداه مشغولتان. والتفتنا جميعا نحوه فرفع المسلة وقال: 


-واحدة ست . 


آأه قاع المديئة 





۷1۸ 


قال حلمي هذا وتمدد» وأحدث تمدده اتكماشات في الأرجل 


وثنيات هنا وهناك» وأصوات احتجاجات كان مبعثها أننا نعرف أنه لا 
يريد النوم بقدر ما يريد أن يرينا سخطه على الوقت الضائع . 


وركز الريس عليه انتباهه لحظة. ثم ابتسم وقال: 


فقال حلمي وهو يزفر: 
- زفت. 


وعاد الريس يسأله : 

- ودستورك منين؟ 

واعتدل حسن وقال: 

- ملین ايه يعني ؟ اشمعنی يا ريس؟ 

فقال الريس وهو يجذب حبلا: 

adhe 

: أحدنا‎ JU, 

وأجاب آخر: 

ع تعطلنا. . ويمكن تودينا في داهية . 

ولعب ثالث بيده في الماء ونثر قطرات على الباقين وقال: 


oY 





0716 


ولا بد أن دهشة كبيرة انتابتنا فقد تململناء ونطق أكثر من واحد 
مرددين : 

ايه؟! ست؟! 

واحتج حلمي مخفيا غبطته قائلا : 

ست ایه؟ وده وقته؟ انت مش فاهم والا ايه يا ريس؟ 

وأجاب الريس والمسلة بين أسنانه هذه المرة» تقلب الذال 
جيماء وتعطب الكلمات : 

لاجم ناكدها معنا. 

وانهالت الأسئلة والاحتجاجات . وانتظر حتى فرغنا وقال: 

أنا حالف بالطلاق لازم آخدها. 

وارتفعت أصوات احتجاجنا أكثر فأكثر. 

دي ساقت عليّ الدنياء وباتت مع مراتي عشان تضمن تيجي 
لغاية ما حلفت لها يمين الطلاق. 

وأتبع كلامه بابتسامة يرضينا بها. كانت له سنة من بلاتين 
براق» وكان وجهه نحاسيا أسمر» ورموشه صفراء طويلة» واللاسة 


التي تعمم بهامن حريرء وفانلته زرقاء من الصوف تنتهي بياقة 
مسدودة تحيط برقيته وأكمام طويلة مثلية» وله سروال. 





VY 


- مش ممكن ناخخدها. 

واتفع صوت يسأل: 

- ودي عايزه تروح ليه؟ 

ولم يرد الريس› وکنا كلنا نتوقع هذا. كان لا يجيب الا على 
ما بحلو له الاجابة cade‏ وأحياناً يكتفي بالتحديق في سائله وهز 
رأسه , 

كان ثمة هدوء على الشاطىء . , هدوء متكائف ثقيل . والهدوء 

ين يتكائف ويستتب يصبح شيئا مروعا. وكانت الدنيا ليلا والبلدة 

ساكنة هامدة بجوارناء بيوتها أشد سوادا من الظلام» بيوت قديمة 
متراصة حيطانها لا تحتمل البردء وطوابقها متاكلة متساندة كجماعة 
من خفر الليل العواجيزء وتجاهنا شارع واسع جدا يسمح ضيق البلدة 
call‏ وتلمع فيه برك ole‏ وتتجمع على حوافه أكوام من قشر الأرز 
الذي eas‏ ماسورة طويلة died‏ عبر الشارع sy‏ في مضرب الأرزء 
أعلى بناء في البلدة» والبناء الوحيد الصاحي ¢ اذ كان يعمل رغم 
اطفاء الأنوار والأوامرء وتتصاعد دقات وابوره لب دب 6 لب دب» لب 
دب» موحشة كثيبة في البلدة المظلمةء كأنها القلب لا يزال يدق في 
جثة مانث وشبعت موتا. 

وكان قاربئا واقفا على حافة البحيرة وظهر البلد اليه. وكنا اذا 
التفتنا الى البحيرة ضاعت أبصارنا بين البحيرة الراكدة المظلمة في 


6 





۷۲1 


السماءء والسماء التي استقرت بنجومها في قاع البحيرة. وكان قلعم 
المركب مطويا نرى بدايته القريبة مناء ولا نرى نهايته المذابة في 
الظلام , وكنا أربعة, والقارب صغير» وحلمي مضطجع» والريس 
جالس القرفصاء مستندا الى الصاري» والريح نائمة» ودق الوابور 
يصل الينا بانتظام يضايقنا انتظامه» وأنفاسنا تتقارب وتتباعد» 
والأحداث كثيرة» وغريبة ومتتابعة» وكلها تحدث في يوم واحد. 
ونتنفس بعمق فتمتلىء أنوفنا برائحة الزفارة. كل ما في البلدة يضج 
بها. . الأرض والبيوت ورغبات الناس والقوارب. . فالبلدة أهلها 
صيادون» والسمك صناعتهم» وفي كل مكان تجد آثاره» والقارب 
يهتز اهتزازات خفيفة» يجذبه موج صغير الى الداحل. ثم يدفعه 
الموج الكبير ليصفع به الشاطىء» والريس كوعه فوق ركبته» ويد من 
يديه ممدودة الى آخرهاء واليد الأخرى فوق الدفة» ورموشه الطويلة 
مسبلة» وفمه نصف مفتوح» ويكاد شخيره يتصاعد. 

واهتز القارب» وتحرك واحد» وخرجت في الظلام علبة 
سجائر» وتناولناها كلناء وأخذ الريس سيجارة. . وضعها بين.اصبعي 
يده الممدودة ورفض أن يشعلها. 

ومضى الدخان يتصاعد من أنوفنا وأفواهنا في صمت والبقعة 
التي نحن فيها أصبحت صفحة سوداءء فيها لطع بيضاء تحدد هيكل 
القارب» وولعة أربع سجائر تتوهج» وفوانيس النجوم الصغيرة 
تتأرجح » وناب الريس البلاتبني يبرق. 

وقال حلمي فجأة: 


وه قاع المديئة 





vry 


دا مش كلام » ما نرجع أحسن. 

قال هذا وهو ينتفض بشدة ويقرم . ومال القارب حتى كاد 
ينقلب» وارتطمت جبهته ارتطاما عنيفا بالصاري حتى إنه صرخ. وما 
كاد القارب يعتدل حتى كانت يله تتحسس جبهته » وحتى کان يقول: 

أنا اجرحت يا جماعه . والله اجرحت» Lol,‏ ده فيه دم . ادوني 
منديل. 

وحدثت ضصجة» وتنائثرت الشتائم من فم حلمي» وکشرت 
التعليقات. ثم der‏ الكلام وانقطع › ودلفنا الى سكون لا يعكره الا 
صرير الصراصير المتصل الدائم . 

ورفع الريس رأسه مرة وحدق الى بعيدء وتمايل القارب حين 
اندفعنا LS‏ لنحدق. 

كانت ثلاث كتل سوداء تتحرك مسرعة في اتجاهنا. . كتلة 
قصيرة صغيرة في المقدمةء والكتلتان اللتان وراءها تحاولان اللحاق 
بها وتخوضان برك الماء دون جدوى. 

ولم يكن القارب قد تحرك» أو حتى كان في يتنا أن يتحرك› 
ومع ذلك كانت من في المقدمة لا تكف عن الصياح : 

- أوع تمشي . . أوع تمشي يا خويا. أنا أهه . . آنا جيث. . 

وفي غمضة عين كانت قد وصلت وقذفت بنفسها الى القارب» 
ولولا أننا قمنا جميعا وتلقفناها بأيدينا لكانت قد هوت الى المأءء 
ومددنا اليها أيادي كثيرة تساعدهاء وأمسكت بأيدينا في cigs‏ وتحفز» 


5ه 





رخف 


وعصبية» وكانت أصابعها حادة صلبة ذات تجاعيدء والقبضة قبضة 
f‏ 
‘f‏ 


ولهفة ولا تستكين » وتود أن تقول أي شيء وتسأل عن كل شيء. . 
وحين وصلت الكتلتان قالت بسرعة وحسم : 

روحوا انتم بقى . . 

قالتها كمن يود رفع الهلب الذي يربطه بالشاطىء لينطلق. 
وتكلمت المرأتان. . في وقت واحد. . وكلام كثير. واحدة طويلة 
وعجوزة. وكلامها أيضا طويل عجوز. . والثانية فتاة. لا بد أنها 
جميلة فصوتها كان فيه رنة من اعتادت الثقة في نفسها وجمالها. . 
كانتا لا بد أخت وبنت أخت» وكان رد الخالة واحدا حاسما لا يتغير: 

روحوا انتم بقى . 

ولم ندر لإصغائنا للحوار سببا. وعقولنا بدت لنا كالصفحة 
البيضاء التي لم يخط فيها حرف. . وما نسمعه كأنه أول كلام عربي 
لسمعه . 

وأفاق واحد وغمز لجاره : 

مصيبة وجت لنا على الآخر. 

وقال له جاره : 

¢ تخاف دلوفت وتبهدل الدنيا. 


ov‏ قاع المدينة 





يف 


وقالت الخالة مرة : 

- روحوا انتم بقى . 

وخرجت الجملة دون أن يسبقها أو يعقبها رد من الشاطىء. كنا 
قل ابتعدنا. 

وبدت البحيرة لا نهاية لانساعها وأصبحنا بالقشارب والريس 
والصاري نقطة تافهة في الوجود غير المحدود. وتلك هي البحيرة 
فقط. فما بالك ونحن من لحظة أن غادرنا القاهرة وطريق طويل 
يسلمنا الى طريق أطول» والأرض الخضراء على الجانبين. . أرض 
واسعة لا حد لاتساعها أوسع من أي شيء رأيناه» أوسع من السماءء 
فالسماء تضيق بسطح الأرض» فتنحني السمناء وتصنع خط الأفق» 
والأرض لا ينهيها خط ولا أفق . فبعد كل أفق تجد آفاقا أوسع . 

والقرى كثيرة لا حصر لهاء بين كل قرية وقرية قرية» وفي كل 
قرية.مئات البيوت» وكل بيت يعج بعشرات الناس» وكل هؤلاء 
مصريون ‏ كلهم مصريون ‏ لا يمكن أن يموتوا كلهم أبدا. ونترك 
أقليما وندخل اقليما والأرض لا تنتهي والناس لا ينتهون. ll‏ 
متشابهون» وجوه لها لون أرضنا السمراء» وذقون وشوارب كشوش 
الأذرة» ونفس السحنات» وكأنهم رجل واحد مصنوع من ملايين 
الرجال. ويقولون ان سيدنا نوح كان طوله ألف ذراع. ترئى كم طول 
هذا العملاق الذي لم نعثر له على بداية., وظلت السيارات 
والقطارات تقطع بنا الأميال والأميال ولا نعثر على نهاية. حتى حين 


oA 





VYo 


وصلنا المطرية» وانتهت الأرض وبدأت البحيرة» لم ينته العملاق بل 
تحول الى يد ضخمة, يد ذات عشرات GY‏ من الأصابع» يطلقها 
في ماء البحيرة فتملك البحيرة وتعتصر من مياهها خير ما فيهاء وكما 
يحدث لليد اذا امتدت الى الماء وطال امتدادهاء فالناس تصفر 
شعورهم» وتبهت بشراتهم» ويصبح لعيونهم زرقة الماء. ويتغير 
شكل الجسد ولا ينتهي العملاق. 

كنا قد ابتعدنا. 

وكل شيء أصبح مستقرا ما عدا الريس. . كان دائب الحركة 
لا يهدأ. المذارة في يده يغرسها في قاع البحيرة ثم يدفعها بصدره» 
وأرجله تمرق من وراء ظهورها وتدور حول القارب؛ وأصابع قدميه 
تتشبث بالحافة في حنكة ودراية وكأنها قد تحولت الى مخالب صقر. 
وحركته تبهرهاء وكأنه يقوم بمعجزة» يميل ليدفع القارب أكثر حتى 
لنعتبره ساقطا في الماء واذا به يرتد» والمذارة قد انتزعها وكأن ألف 
حبل خفي تصل بينه وبين الصاري» وتحميه من السقوط . 

ولم تكن الراكبة الجديدة انسانة» كانت كتلة قلق حية Lather‏ 
نحس أن روحا جديدة حلت Lay‏ وفيناءعيناها تنظران الينا ولا 
تتفحصاناء وأيديها على ركبهاء وأيديها على الحافة؛ وأيديها تضرع 
لإله غير منظور ورأسها يدور ولا يستقر» وينثني فجأة الى الشاطىء» 
ثم يرتد ويعود ويدور. وما كاد الريس يفرد القلع حتى التفتت اليه 
وقالت: 


مش على طول يا خخويا. . 


04 قاع المديئة 





Ai 


وقال الرجل بلكنته البحراوية والمدراة لا تزال تحت ابطه : 
- ایواه. . ربنا يسهل. . 

وردت الخالة : 

. انشالله انشالله الهي يخليك . . 

والتفنت الى الجالس بجوارها وسألته : 

LOLS وانتو‎ 

فأجاب حلمي ويده تتسلل دون وعي وتنحسس مكان الجرح 
واحنا كمان. . 

وعادت تسأل الريس: 

- ونوصل gal‏ . . ؟ 

' فقال حلمي : 

حد عارف . . 

وأعادت السؤال وابتلهت» فقال الريس: 

-يا أمي ربك يعدلها. . 

واستمرت: 

= يعني بعد ساعة؟ . , إلهي يخليك لشبابك. . بعد ساعة؟ 


te 





YTV 


ولما لم يجب الريس» التفتت الى حلمي وسألته : 

بعد ساعة يا بني؟ الهي يخليك. . بعد ساعة Vy‏ أكتر؟ 

وهنا زعق الريس وقال: 

دا بتاع ربنا يا سني . واللي منه لا بد عنه. هو ما فيش صبر؟ 

والصبر هي الكلمة التي كان يبحث عنها كل منا ليسمي 
الرائحة التى أشاعتها الخالة من لحظة أن جاءت. كانت ترتدي 
كمعظم الخالات ثوبا أسود وطرحة سوداء» ولا يظهر من جسدها غير 
وجهها فقط. وثيابها كانت تبدو وكأنها لم تخلعها منذ أيام كسا لو 
كانت أردية Olde‏ وأشاع قدومها تلك الرائحة؛ رائحة العواجيز التي 
لا يعرف أحد إن كان سببها هو رائحة الصناديق التي تحفظ فيها 
الثياب. أو هي رائحة نسيج الملابس نفسه. المهم أنها تذكرك 
بجدتك» وبالماضي» ومع أنها ليست عطرة الا أنك لا بد تحس 
بالألفة تجاههاء ولا تتأفف. 

ولم تكف الخالة عن الكلام منذ جاءت. . ولم نكن نتكلم . . 
والريس هو الاخر ساكت. كانت قد مضت ساعات ونحن نترقب» 
كل ما يهمنا هو اللحظة التالية وما يحدث فيها. والكلام لا يدور في 
جو الترقب» ولا يدور ساعة الضيق . . وكل شيء قد حدث على حين 
بغتة. كنا في بيوتنا وأعمالنا وقال كل منا للآخحر: ياللاء واذا بنا في 
الطريق وكان كأن لا ينقصنا سوى الاحتكاك لنشتعل. وأصبح أهم 
شيء لدينا أن نرى ونسمع ونجهز انفسنا للمشهد القادم والكلمة 


1 قاع المدينة 





VYA 


التالية. . ووصلنا المطرية في الضحى » وانتظرنا الى أن يحل المساء 
لنعبر البحيرة الى Lia‏ وقضينا اليوم بطوله نعيش في بلدة الانسان 
والسمك. . والحياة تمضي من حولنا كما اعتادت أن تمضي طوال 
آلاف من الأعوام . . الرجال ذوو الشعر الأصفر والبشرة الفاتحة 
والأفواه المفتوحة على الدوام كأفواه البلطي يتزوجون البنات» والبنات 
شقروات» أجسادهن لها تناسق«المز» ورشاقة الطوبارء وطعمهن 
أشهى من السمك الطازج اذا شوي في الفرن وأضيف اليه الفلفل 
والملح والثوم وعصير الليمون. ولهذا فكل يوم زواج» والأطفال كل 
يوم يولدون» الأسماك هي الأخرى تتوالد» ثم وتتكفل البحيرة بصغار 
الأطفال وصغار السمك. صغار الأطفال طول النهار في الماء يألفون 
الماء المالح ويألف الماء المالح أجسادهمء ولا أحد ينهرهم » ولا 
يخاف عليهم أب. فالبحيرة للصيادين غول مستأنس . 

ويكبر الطفل فيكبر حب استطلاعه» ويشرك الشاطىء ويتعلم 
العوم » وصغار السمك أيضا تتعلم العوم. ويصبح طول الطفل متر 
وطول السمكة قراريط.. ويذوق الطفل طعم السمك» ويذوق 
السمك طعم الطعم فلا ينسى الطفل حلاوة السمك» ولا ينسى 
السمك حلاوة الطعم . ويمسك الطفل بسنارة ويخرج سمكة وتهزه 
الفرحة فقد هزم العالم المجهول الكائن وراء السطح البراق. ويهزمه 
مرة ذلك العالم المجهول ويعود خاوي الوفاض . ويفهم الطفل أن 
السنارة نصفها في يده يخضع لإرادته» ونصفها الاخر يعتمد على 
رغبات مجهولة في العالم المجهول. 


۹۲ 





4 


ويسمع أباه يقول الحظ» ويردد الكلمة لا يعرفهاء ثم يرددها 
وهو يعرفها ويؤمن بهاء يؤمن بقانون اخر يحكم العالم المجهول. 
قانون لا يخضع لقانون. . ولا يستسلم الانسان حتى لو كان خصمه 
قانون لا يخضع Od‏ ويبدأ الصراع الرهيب بين الصياد الصغير 
والبحر المجهول, ولا بد من أشياء تؤنس وحشة الإنسان في ذلك 
الصراع . لا بد من علامات تشاؤم وتفاؤل. لا بد من موال. لا بد من 
حدوتة» لا بد من أمل طوبل لا ينقطع» لا بد من الصبر. . الصبر. 

رائحة الصبر كنا نستنشقها ونتمثلها والقارب قد اندفع وابتعد 
عن الشاطىء وأصبحنا في قلب البحيرة» وشعاعات خفيفة متباعدة 
تنتشر في الأفق وتبشر بطلوع القمرء وهدهدة.. أصوات هدهدة هي 
كل ما يسمع والقارب يرفعه الموج الصغير ثم يرقده بحنان على 
سطح الماءء والموجات تهتزء والنجوم تهنزء. والريس عند المؤخرة 
يهتز» يد على الدفة ويد ممسكة بحبل القلع توجهه ليعترض الريح . 
والريح شفاف خفيف, والدنيا برد» والبرد يكاد يتحول الى ابر. . ابر 
طويلة ثاقبة تخرق أجسادنا حتى تصل الى النخاعء والخالة جالسة» 
لا منكمشة على نفسها ولا منطوية وكأنها نعسانة أو ميتة. 

وقال لها حلمي : 

- دانة يا حالة؟ 

فأجابت: 


-آه. . باقی كتير. . ييجى ساعة يا خويا؟. . 


35 قاع المديلة 





خرف 


ونطق الريس : 
- أنوي المشيئة يا شيخة. . قولي انشاء الله . 


فقالت الخالة على الفور: 

انشاء الله يا خويا انشاء الله باذن الله. بعد ساعة؟ 
مخيم» والكلام ينقله سطح الماع المستوي الى مسافات بعييدة» 
والبحر له آذان. 

- انتم OS‏ رايحين؟ 

ene 

وسألتنا كلنا: 

: - ورايحين ليه؟ انتم من هناك؟ 

ااا 

-أبدا. 

وقال الريس وهو يبتسم : 

ما قلتلك دول فداوية يا ست. . 


5: 





احرف 


وتململناء فلم نكن من الفدائيين أو المحاربينء وهممنا أن ننطق 
ولكن SLL‏ معنت فينا وسالتنا: 

- انتو صحيح فدائية يا ابني؟ 

فقلنا: 

- أمال ح نكون ايه يا خحالة . 

وتركت الحديث ووضعت يدها برفق على كتف حلمي وقالت: 

ما تحطش ايدك ع الجرح يا ضنايا لحسن وحش. . 

وأنزل حلمي يده بعد ترددء واخحتطف سيجارة من واحد منا 
وسأها: 

- وانتي رايحه ليه یا ست؟ 

ولم تجب ولمحنا Leys‏ تبطل على الفور من عينيها دون بكاء» 
واستغريناء وأعاد حلمي السؤال فقالت: 

رايحة أشوف ابي . 

ولم تنطق «ابني) حروفا كانت من دموعها أكثر من الحروف وهي 
تنطقها . 

Galle ابتك‎ 

وأجابت: 

- ابني يا خويا : . هناك. . 


3 قاع المديئة 





yvry 


- بيعمل ايه؟ 

- مجروح. . مجروح يا ضنايا وما شفتوش بقالي شهر. 

واندفعت تبكي . وشل بكاؤها السنتناء ولكن حلمي الح : 

- مجروح ازاي؟ 

ومضت تتكلم ey‏ وتتكلم : 

- جتله رصاصتين في رجليه . . المي ينتقم منهم البعدا. 

- ليه؟ 

- كان بيحارب في اموجه ساعة ما نزلوا . 

- كان بيحارب!؟ 

قلناها كلنا مبهورين» وكأننا نردد أمنية غالية» وكأننا نطلق 
دعوة. dy‏ تكن أمنيتنا وحدناء كل من قابلناه كان يرددهاء وقليلون هم 
من أتيحت هم الفرصة؛ فالمعركة كانت حادة وباترة نشبت RS‏ 
وانتهت فجأة» dy‏ تستمر سوى أسبوع وكأنها طعنة خنجر» حتى أصبح 
في نظرنا البطل هو من كان هناك والمقدس هو من اشترك فيهاء أصبح 
كل من اشترك فيها يحف به في نفوسنا نوع من التقديس وكأنه 
أسطورة؛ وكأنه كائن غير موجودء فاذا بالخالة Lal‏ قد حارب» 
وجرح» وقلنا لها: 

- وزعلانة ليه؟. . ابنك بطل . 


. عايزه أشوفه , 8 


55 





vrr 


- دي اصابته بسيطة. ومالك نازله بكا عليه يا ستي؟ 

بقالي زمان ما شفتوش . . مشتاقاله وجيت مرة المطرية قبل 
كده. . وركبت القارب. . ووصلنا بور سعيد. . والانجليز حاشونا 
ثلاثة أيام وكان الرصاص زي الناموس فوق روسنا وبعدين رجوعنا. . 
ودي GL‏ مرة.. ح نوصل أمتى يا خويا؟. Al.‏ بخليك. . عايزه 
أشوفه . . مش قربنا؟ 

وتناهى السؤال الى وعينا غريبا مدوبا. وانطلقت عيوننا 
نستكشف البحيرة. وفقدنا الابصار في المسطح اللانبائي من الماءء 
وغابات الحشائش co tall‏ والسماء ذات الضوء الشاحب والقمر ' 
المكسور الذي بدأ يزحف صوب الأفق» ولا شىء سوى هذا.. لا 
شيء سوى الماء الكثير الآسن» الماء الأسيرء الباقي بعد الصراع» 
صراع النيل والبحر الكبير» النيل الهائل الذي أنشب أظافره في البحر 
وأسر الكثير من مائه» وحاصره» وصنع البحيرة» لا شيء سوى 
سكون. . سكون غامض مثير» مليء بأسرار وألغاز» سكون الأسرى 
ومعسكرات الاعتقال» سكون مرعب مخيف. سكون البحيرة التي 
عبدها القدماء . 

ولم نكن بعد قد عرفنا الكثير عن ابن الخالة. . كنا نود أن نعرف 
كل شيء عنه من لون شعره لطريقته في المشي. 

قالت: , 

أبدا يا بني . . لما الضرب خصل قال لازم تسافري. قلت ما 
اسافرش. قال لازم. قلت له يا بني انا ماليش الا انت وربنا. هو 


3 قاع المديئة 





نارفا 


he‏ من دنياي. . أسيبك ازاي. قال لازم وركبني المركب. ورحت 
مصر. يقطعني أنا اللي ما اسئنيت وياه. . يقطعني اللي سبته . 


وحارب؟ ! 
وحارب وجتله رصاصتين في رجله . 


وعرفتوا ازاي؟ 

هو في المستشفى وبعت لنا جواب في الصليب الأحمر يا 
خخويا. . وقال الخدمة زي الزفت ومفيش أكل . يا بني يا حبيبي! مين 
يجيب له يشرب اذا عطش؟ مين يسقيه؟ مين يسأل عنه؟ 

واعتدلنا جميعا. 

كان الأمر يتأرجح في نفوسنا بين الشك واليقينء كنا نعتقد أنها 
لا بد أم قد لسعها الشوق الى ابنها المحجوز هناك وصممت على 
رؤيته. وقصص البطولة مودة. كل قاطن هناك لا بد اشترك» وكل 
قاطن بطل» وكل واحد قتل من الأعداء مئات. وتبادر الينا أن الخالة 
هي الأخرى تود تضخيم الأمر واخحتلاق المستحيل لتصل الى هناك, . 
ولكنا اعتدلنا. . فغير الأم لا يستطيع أن يمثل ابدا دور ply cel‏ غير 
المجروح لا تستطيع أن تمثل أبدا دور أم ابنها المجروح. وكانت في 
جلستها التي لم تغيرهاء والتي يخيل للانسان اذا راها أا واقفة» وواقفة 
على طراف أصابعها وليست جالسة» وعيونها وهي تنظر الى بعيد ولا 
تطرف ولا تمل السرؤيا والنظر وكأنها تتشوف إلى حبيب» 
وكلماتهاء والطريقة التي تنطق بها كلماتهاء ودموعها التي تغرق 


۸ 





vre 


الكلمات وتغص الحلق» كانت بلا ذرة شك مجروحة ply‏ مجروح. 
اعتدلنا ونحن نحس بقشعريرة انبهار. . وكأننا ونحن ننظر اليها نعبد 
الخالق أو نصلي للشرف. 

وقال حلمي : 

خالة . . 

= نعم يا خويا. 

il -‏ زعلانه انه حارب؟ 

UT -‏ يا بني زعلانه انه جروح ودلوقت لوحده. 

وقهقه حلمي كمن يود أن يغير طعم الحديث» وسأها في سخرية 


غير لاذعة : 
طيب. . افرضي با حالة انك كنت وياه ساعتها. . كنتي ح 
تخليه يحارب؟ 


وانحدرت دموع كثيرة من عينيهاء وقالت في لهجة روتينية : 

۔ أيوه كنت أخليه . 

وزام حلمي pe‏ مصدق» فتابعت اجابتها بإخلاص هذه المرة : 

كنت اخليه اخليه. . انما لازم كنت أحارب وياه. رجلي على 
رجله . 

وقال حلمي مستخفا: 


14 قاع المديئة 





ve 


- تشيلى البنذقية؟! 

أشيلها, . 

وتدخحل واحد وقال: 

۔ طب شيل انت ايدك من ع الجرح يا حدق. 

وتنبه حلمي الى أن يده كانت قد عادت إلى مكانها فوق Ctl‏ 
دون وعي منه» فأنزهاء وتوقف برهة» ثم تابع | ستخفافه ليداري 
حجله : 

وتضربي ناريا حالة؟ 

- اضرب ما اضربشي ليه؟ أهم بيقولوا ان الستات كانت 
بتضرب , 

وتابع حلمي استجوابه : 

- طيب افرضي أله تعور وانتي بتحاربي معاه» تعملي اييه؟ 
وبكت ولم تجب. وأسكتنا حلمي . ولكنه فعل هذا للحظة ثم عاد 
يسألها: 

يا a‏ دا الحكاية بسيطة. . وهو في المستشفى » وزمانه طاب. 
ومالك ملهوفة عليه قوي كده ليه .هو Bil‏ لوحدك.ما كل واحد اتعور له 
ol‏ زيك كده. ما كنت نستنى للا يخرجوا الانجليز وتروحي في أمان بدال 
ما تعرضي نفسك للموت gil ONS‏ لازم ترجعي ونستني . 

فأجابته بلهجة هادئة ولكنها حاسمة : 


- ما اقدرشي استنى . 





v¥v 


; - 9 

00 اشوفه. زمانه لوحده. عايزه اشوفه بعد اللي حصل. دا 
كان في الحرب يا بني . الهي ما يحرق قلب أمك عليك . 

<< وضحكنا لذكر al‏ ومع هذا لم يملك كل منا tig‏ وبين نفسه الا 

يتذكر آمه» ثم ينفيها على عجل من ذاكرته . 

وحلت لحظة صمت. . 

الريح بدأت تنتعش» ونور السماء قد خفف كثيرا من ظلام 
البحيرة» والقلع منفوخ» وفم الريس مفتوح» وعيونه لا تغفوء والجو 
تملوء بالصرير المتصل الذي لا ينضب ولا ينقظع . . 

وسألها gale‏ بصوت شاعري ممدود يقارب فجتها : 

- هو كبيريا حاله؟ 

فقالت دون أن تنظر إليه. وعيناها هائمتان معلقتان فوق نجمة 
بعيدة في قاع البحيرة: ش 

- اهو اسم النبي حارسه بيجي قدك كده. 

- ومتجوز؟ 

ple 

وارتفع صوت حلمي في هزار مفاجىء: 

وزعلانه قوي كده ليه؟ تلقاه كان طول النہار نازل فيكي 


vA‏ قاع المديلة 





VFA 


أبدا والنبي يا خخويا. . دا لسانه مفيش أنضف منه. 

- وكان بيشتغل ايه يا خاله؟ 

عندنا دكانتنا يا خويا. . أمال هو قعد ليه؟. . قال لي ما 
أسيبش الدكانه للانجليز ينهبوها أبدا. 

- وكان بیحب pas‏ يا خاله؟ 

- مصر مين يا خويا؟ 

عير دنا 

۔ وحد يا ضنايا یکره ل . المي يخليك. . 

وصنعت الدموع خطين رفيعين لامعين على وجنتيهاء واندفع 
حلمي يقول في حماس مفاجىء: 

قا ستي ابلك راجل واتعور في معركة رجالة, اتعور وهو بيدافع 
عن بلدنا وشرفنا. بكره يكتبوا اسمه في الجرانين وينشروا صوره. 

فأجابت وهي تهز رأسها: 

- بس عايزه اشوفه» عايزه أشوف ايه اللي جراله. . المي يخليك 
ey‏ لس $15 

. يجب الريس‎ dy 

وهز حلمي رأسه في يأس» ثم تنبه فجأة وقال بالانجليزية وكأنه 
عثر على كنز كبير: 


vY 





غرف 


- أتعرفون (BL‏ هي مصرة على رؤية ابنها؟ 

وقال له واحد بالعري : 

Cag - 

فقال: 

انها تدرك بغريزتها أنه لا بد قد تغير بعد AS all‏ تريد أن 
طفلاء كيف أمكنه أن بحمل السلاح ومحارب. وتريد فو هذا أن 
تطمئن الى أنه لا يزال ابنها بعد أن حارب كالرجال وحمل السلاح. 

وضرب Joly‏ يد حلمي التي كانت قد تسللت مرة أخصرى الى 
جبهته وقال بالانجليزية أيضا؛ 

يا مغفل أهم شيء هو القوة الرهيية التي تجذب الأم الى ابنها. 
القوة التي لا يقف أمامها حائل . 

ولم يظفر التعليقان بتعليق» كل ما'حدث أن الخالة ظلت تنظر 
الها وهما يتكلمان؛ ثم التفتت الينا وسالتنا: 

۔ أما انتو Cathy‏ ليه يا خمويا؟ 

مش قلنا لك فداثية. مش مصدقة والا ايه؟ 


vr‏ قاع المديئة 





Vis 


Apa: 

فسكتنا برهة. . وعاد يقول: 

- سامعين؟ 

وأصخنا أسماعنا. ومن بعد سحيق تلقفنا صوت هدير غريب 
على السكون المستتب. , 

وقال الريس : 

ددا لنش. 

فقال حلمي على الفور: 

Ye‏ . دي طياره. 

بقولك لنش . 

. ان ما كانت طياره.‎ pal. 

وخيل الينا أننا ظللنا ساعة نتتظر النتيجةء وكان الريس يتكلم : 

الانجليز عملوا استعدادات جامده» طياره ام مروحه رايحه 


جايه على البحيرة» تشوف القوارب وتعرف اذا كان فيه صيادين واللا 
لأ. وبعدين قبل الشط بشويه تقف Vy‏ تضرب Wh‏ وبعدين قارب 
بيجي يفتش. انما دا صوت لنش ما فيش كلام . 

وظل الصوت هدر من بعيد ويقترب حتى رأينا في الضوء 
الشاحب نقطة فاتحة oS pet‏ وكانت تتحرك في نفس اتجاهنا. 


ve 





ve\ 


وقال الريس بنبرة فيها انتصار قليل : 

- مش قلتلكم؟ دا لنش. وجاي من ناخية المدزلة كمان. 
عارفنشي رايح فين؟. . 

وابتسم حتى توهج نابه وأردف: 

على هناك برضك . 

وسأله حلمي بسخرية: 

- ايش عرفك؟ 

فأجاب : 

- ايش عرفني؟! أنا عارف قوي.. وما تزعلش. . تلاقي فيه 
ناس كمثلكو برضه. 

وتغيرت لهجة حلمي واهتز طرباً وقال: . 

- كده. . طب تيجي ننادي عليهم يا جماعة, ' 


والبالت الأصوات تعترضن . وقال الريس: 
- خليهم يا محترم في حالهم واحنا في We‏ حلي كل حي في 


وكان yal‏ أسرع مناء فسبقنا وأوغل في التقدم حتى تبسدد 
صوته. وقال الريس وهو يضرب ركبته المثنية بيده:. 
- يا خويا ايه الحكاية؟ دا المراكب بطلت صيد. أنا والخيد . م' 


isl قاع‎ Ve 





vey 


الناس ليلة مبارح وليلة أول وكل UY‏ عمال أحول في ناس زيكو 
كده. صفوف ورا صفوف عماله تروح على هناك. هو هناك ايه؟ 
مولد؟ . 

وقاطعته الخالة قائلة لحلمي : 


يا حبيبي شيل ايدك من على الجرح. . عمال. تحسس عليه ليه. 
شيل يا خويا. 

وجمدت يد حلمي وكأفا ضبط متلبسا. . ثم أنزل يده وهو 
يداري ابتسامة خجل ويتمتم : 

- لا. . دانا أصلي بس حاسس أني سخن. . 

وما لبث أن aul‏ الى جاره قائلا: 

- والنبي تحط ايدك تشوفني سخن والا لأ. . يا أخي شوف. 

ول يترك الجار الا بعد أن أطاعه ووضع يده فوق جبهته . 

وكنا قد دخلنا منطقة خالية من جزر الحشائش» والريح oly‏ 
تقوى حتى أن الريس ربط حبل القلع في مؤخرة القارب» وأمسك 
بالدفة فقط. ولكنه ظل مقطب الملامح » عابس القسمات. صامتا لا 
ينطق وكأن أمرا كبير يجيره» أو حزنا مفاجئا داهمه» وكان جالسا ظهره 
ligt‏ وظل على هذا الوضع لا يغيره» وكنا قد تعبنا من التفكير 
والكلام وحتى من مجرد التحديق في السماء والماء» فسكتناء وماتت 
| الحركة على ظهر المركب تماما حتى لم تعد ندري أهر واقف أو 
يتحرك؟ وهل نحن نائمون آم مستيقظون؟ ' 


۷٦ 





vir 


وانثنى الريس ناحيتنا فجأة حتى تسدلت اللاسة الني كان يتعمم 
بها من عنف 64S Bl‏ وقال: 


- قولولي يا سيادنا. . 
وقبل أن نسأل ماذا يريد أو نتحرك؛ قال بنبرات حاسمة وكأنما 
يتخذ قرارا خطيرا: 


- انتو مش فداويه؟ . , 

ولا ندري لاذا دقت قلوبنا بعنف» LAS)‏ كنا نسرق وباغتنا 
الريس . ْ 

Lill,‏ وقنا طريلا صامتين» صمتاً حائراً مضطرباء صمت 
العاجزين . وكان حلمي أول من تكلم وقال: 

أمال احنا ايه؟ بنلعب؟! 

وحدق الريس فينا مرة أخرى وقال: 

_عليّ الطلاق بالتلاته انتم ما انتم فداوية. 

وقال حلمي ساخرا مرتبكا: 

أما حكاية! . . أمال رايحين نعمل ايه يا بلدينا؟ 

فأشار الريس بكفه وهو يقول: 

ما هو ده اللي حيرني. رايحين تعملوا ايه؟. رايجين Sad‏ هو UT‏ 
عيل؟. دانا افهمها وهي طايره. والناس بتبان. الواحد Lak‏ شاف 


۷۷ قاع المديئة 





vee 


فداوية وظباط وجن أحمر. انما اللي محيرني انتو رايجين ليه؟ . . 

واستمر حلمي ساخرا مرتبكا: 

طيب . . رايجين Sad‏ 

فأجابه الرجل ؛ 

- أنت بتسألني انا. . اسألوا نفوسكم!. . 

وم نكن حتى تلك اللحظة قد سألنا أنفسنا أبدا أو ناقشناها. وم 
يكن أحد قد WL‏ ' كل من غلم أننا ذاهبون كان يثمنى لنا حظا 
سعيدا ولا يستغرب. بل ان كل من قابلناه أو رأیناه كان يتمنى أن يأني 
هنا. وكنا نأخذ الأمنية على أنها شيء طبيعي لا ULE‏ فيهء كمن يقول: 
نفسي أكل» أو نفسي أشرب . 

طوال صمتنا كانت الخالة ساكتة: ولكنها لما رأت الصمت طال 
قالت: 

-يه. . أمال يا خويا رايجين ليه؟ ,. 

وتكلمنا كلنا في وقت واحد: 


. . صدقتي الريس؟ إحناءفدائيين صحيح‎ gil 
: . أهو رايحين كده. , نتفرج‎ 
. -أصل يا ستي فيه مقاومة شعبيه هناك. . و.‎ 0 
. لنا قرايب يا خالة.بس من'بعيد رايجين نطمئن عليهم‎ - . 


VA 





Vito 


ولم يدخل ما قاله كل منا في عقله» ولا في عقول الاخصرين؛ ولا 
حتى في عقل الخاله. 

ومضت BE‏ مع حلمي وتسأل وندقق عن الأسباب التي تدعونا 
للذهاب وحلمي يجاور ويداور» والريس يبتسم ابتسامة من فقس 
الفولة.. ونحن سباكتون ... 

أحيانا يفيق الانسان فيجد نفسه متجها الى مكان معين» 
هكذاء بلا وعي أو تفكير. وقد جعلنا سؤال الريس نفيق. وحين أفقنا 
كان كل' شيء أمامنا له سبب. . الخالة ذاهبة لترى ابنهاء والقارب 
يتحرك oY‏ الريح تدفعه» وحلمي جرحت جبهته لأنه pel‏ 
بالصاري» اما نحن فلماذا نحن ذاهبون؟ 

رغما be‏ رحنا نسأل أنفسناء لأول مرة. . 

ولم نجد جوابا معقولا أو مقبولا. كل ما وجدناه كان احساسا 
كبيرا لا يترك لنا Ve‏ للتفكير أو السؤال. احساس ان شيا هائلا مؤلا 
قد حدث هناك Lily‏ يجب أن نكون بالقرب مما حدث . 

وانتهى نقاش UU‏ مع حلمي حين ارتفع صوتبا وكله غضب: 

ب بقی تموتو| ارواحكم كدب في نصب. لا انتم فدائية ولا حرس 
ولا حاجة ورايجين تموتوا ارواحكو. انتسو مالكوش أمهات؟ النبي يا 
ريس اعمل معروف رجعهم. . رجعهم اعمل معروف. . تكسب 
ثواب ما تخليهم يبوبوا على البر. المي ما تحرق قلب أم على ولدها يا 


ers 


v4‏ قاع المديئة 





V4 


وقال الريس : 

ما تتعبيش نفسك ياامى.. اللي عقله في راسه يعرف 
خلاصه. لازم في نيتهم حاجه. خليهم يا ستي كل حي في سكته . 

وكان يقول الجزء الأخير وهو يقف ويتمغط ويتثاءب . ولكنه 
كف عن تثاؤبه وقال بإره اق كثير: 

per es 

واتجهنا Us‏ الى حيبث أشار. . وهناك. . عند BV Alp‏ وفي 
ضوء الفجر المشبسع بالبرودة» كانت توجد غمامة كثيفة داكنة فيها 
أضواء قليلة صفراء معطوبة تكاد تذبل. . 

وقال الريس: 

أهه. . خلاص. . وصلنا. 

وتركت الخالة ما كانت ت#بمس به لحلمي وقالت بفرحة منفجرة: 

- والنبي؟ والنبي يا خويا؟ Al‏ بخليك لشبابك» Al‏ يسعدك. 

وفي JULI‏ انتفضت على وجناتنا عروق. hy‏ الحال مضت تدق» 
شيئا كدق الحرب ورحنا ننظر وقد تركزت أرواحنا في أبصارنا 
وامنلأت صدورنا بدفء مفاجىء» ورغم احتجاجات الريس وصرخاته 
وتمايلات القارب وقفئا جميعاء وتكاتفئا لنتساند ونتأمل الغمامة الرمادية 
البعيدة ذات الأضواء. كانت رهيبة كثيبة كناموسية غامقة مسدلة على 
مجروح. مستحيل أن تكون ناموسية مسدلة على مجروح. لا بد 


Ae 





Viv 


هناك أناس. . مصريون. لا يمكن أن يكونوا قد ماتوا كلهم أبدا. . 
ابدا. . 

انفعالات تفور وتلسكب» والرمادية تختفي لتأخذ مكانها سمرة. 
أرض سمراء أوسع من السماء. والغمام ينقشع في أذهاننا ويبدو وجه 
الشمس . . أجمل شمس. وعلى ضوئها تبدو ملايين السحنات التي 
رأيداها طوال الطريق وكأنها وجه عصلاق كبير مصنوع من dhe‏ 
الوجوه» وعلى رأسه مليون طاقية» ومليون عمامة ولاسة وكوفية› 
والعدو أيضا هناك وراء الغمام» عدو بشع كثير» ونحن القادمين 
قبضه» لاذا لا gh‏ كل الساس؟ لاذا لا يتحرك العملاق كله وينقض؟ 
متى يتحرك العملاق؟ 

وأقوى من أي انفعال وأعظم» كان شغفنا الخارق أن تنتهي 
المسافة ونصل الى هناك ونزيح لفافات الغمام لنرى ما تخفيه. . 

وفطنا بعد وقت الى أن الريس يتكلم ويقول: 

. لغاية هنا وما أقدرشي أتنقل ولا خطوة. . الشط مليان مدافع 
ودواهي . انتم بقى تتوكلوا على الله من النساحية دي البحيسرة مش 
غريقة. . دي لحد الركبة بس . تخوضوا من هنا على طول. . ح تطلعوا 
جنب التربة. الصراحه كويسة وبلمتي وديني لو كنت أقدر كنت وديتكو 
انما العين بصيره واليد زي ما انتوعارفين. . اتوكلوا على الله . 

ووقفنا برهة. . تلك البرهة التى تسبق العمل الخطير. الشاطىء 
أمامنا هادىء legda‏ مريبا كهدوء البركان قبل cae Vail‏ والغمام كثيف 


AN‏ قاع المديئة 





VA 


يحجب كل شيء. . والخط الممتد أمامنا لا بد كله فوهات بنادق 
ومدافع » والسماء كأنها تدوي بأزير العشرات من قاذفات القنابل. 
بل سمعنا بأذاننا طلقات رصاص. . بعيدة وها أنين. 


وقفنا برهة وترددنا . تلك هي اللحظة الحاسمة. . اللحظة الي 
ادخرها كل منا ليختبر سه وشجاعته. هناك حيث كنا نعيش لم يكن 
أحد يستطيع أن ييز بين الجبان وبين الشجاع» فكلاهما متاح له ان 
كتلك يعرف الانسان cad‏ واللحظة حادة وفاصلة» وقلوبنا ثدق» 
وعيوننا ترقفب الشاطىءء وأجسادنا متقاربة» ونظرات مختلسة يصوما 
الواحد الى نفسه والواحد الى جاره» والبرد قد اشتد فجأة» dy‏ نعد 
ندري أهو صادر من البحيرة أم من أغماقناء والسماء تنبت وتبهت» 
وطيور النورس تنقض على سطح الماء ثم تعود وترئفع وفي منقارها 
سمكة: ونكاكي وتتقاتلء والصوت الذي تحدثه هو الوحيد الذي 
يسمع . 

- اما وليه غريبه! طب تقول كتر خيرك. . 

ثم ارتفع صوته أكثر: 

- مش من هنا يا ست. . خحدي بمينك شويه لحسن الحتة اللي 
قدامك غريقة. 


AY 





ve4 


وأدركنا أن الخالة غادرتنا ومضت دون أن تفتح فمها بكلمة» 
وكادت تصبح على مرمى البصر. . تخوض coll‏ وتتمايل» » وتتوقف 
برهات » Lady‏ لا تتلفت› ولا تكف. 

وارتفعت أصواتنا: 

استنى يا خاله . . استنى شويه. . 

وفوجئنا مها تقف وتستدير الينا وتقول: 

-لاأ.. روحوا روحوا انتم بقى. مع السلامة.. والنبي ينوبك 
ثواب ما تسيبهم يا ريس. . روحوا انتم بقى . 

واستدارت على عجل» وأسرعت كالملهوفة الخائفة أن يفوتها 
قطار» وأخذ سواد ثيابها يختلط بالضباب والشحوب» ويقترب من 
رمادية الشاطىء . 

ومرة أخرى دوت في isl‏ طلقات الرصاص البعيدة التي تصدر 
عن مكان غامض . 

ورغم كل ما كان يدور في رءوسنا من حراطر واحتمالات» 
فنحن لم ندر لماذا أسقطناها كلها فجأة» وركزنا انتباهنا وكأننا أطفال 
بطريقة تلقائية غريزية لا تمت إلى عقل أو منطق . 

وخبط الريس بكفه على خشب الصاري وقال: 

هيه يا سيادنا؟ 


AY‏ قاع المدينة 





Yor 


وقال حلمي : أحسن طريقة نستنى لا النهار يطلع . . 

وسمعنا طرطشة الماءء أيقنا ان واحدا لا بد قد هبط . 

وقال حلمي : 

هم شيء ان احنا ما نندفعش. قليل من العقل . 

وطرطش الماء مرة أخرى وهبط واحد ثاني. وقال حلمي 


بعصبية : 


e. 


- هو Uf‏ بكلم مجانين؟ ما تفهموا UT‏ بقول ايه. . 
وهبط الثالث. . 

وضرب حلمي اهواء بيده وقال: 

- هي شطاره يعني؟. . طب 

ثم هبط. . 


وواحد وراء الآخر رحنا نخوض في الماء وقد انتظمنا صف 


متباعد الوحدات» وكأننا أصابع عملاق كبير تتحرك في اتجاه 
الشاطىء؛ وكل ما يهمنا أن ننتزع أرجلنا من الماء والطين» والبحيرة 
تشخشخ حولنا» والنورس ينقض ويستغيث» والماء rae i‏ 7 + 
9X10 dard 4a tart dX Garg ° E0 -=,¥‏ £ 
ومن البحيرة» dy‏ يعد هناك سوى نجمة الفجر» وقوى قاهرة وراء 
الستار تجذبنا الى اجرح الكبير وتعشينا. 


Ag 





Ve\ 


...قاع المديئة 


-ا- 

يكاد يكون من المستحيل ان يفقد الانسان ساعة يده. فهو اذا 
خلعها لا بد يضعهافي مكان يث فيه» واذا ارتداها فلها جلدة 
أو«أستيك» يطبق على معصمه ولا يستطيع أمهر نشال أن يفكه. ولهذا 
فأغرب ما قد يحدث لانسان ان يقلب يله ليعرف الوقت فلا يجد 
ساعته في المكان الذي تعود أن يجدها فيه. هو حينئذ يقول لنفسه: لا 
بد اني نسيتها في مكان ماء ولا بد أن يتذكر أين» فالأمكئة التي يضطر 
الانسان لخلع ساعة يده فيها أمكنة محدودة جدا ومن السهل تذكرها. 
وهذا بالضبط ما حدث للقاضي . ففي الجلسة دفعه الملل من المرافعات 
الطويلة ومناكفات المحامين إلى النظر في ساعته» وفوجىء حين لم 
يجدها. وبين كان محامي المدعي عليه يسوق Labs‏ فرعيا كان عقل 
الأستاذ عبد الله القاضي يعمل بسرعة فائقة ليتذكر أين يمكن أن يكون 
قد نسي الساعة. وخطر له احتمال أكيد. . أن يكون قد تركها في 
عجلة الصباح فوق التسريحة في حجرة النوم» ولكنه لم بطمثن الى 
الخاطر وقرر أن يسأل fod‏ الحاجب. وسؤال فرغلي هو أول ما يتبادر 


Kes‏ قاع المديئة 





voy 


الى ذهنه حين ينقصه شيء أو يحتاج الى شيء أو يشكو من شيء. اذا لم 
يجد القلم ففرغلي هو المسثول» واذا تاه دوسيه فهاتوا فرغلي» واذا كان 
لديه صداع فأول من يعلم هو فرغلي. ورفع الجلسة أمر سهل. . كان 
محامي المدعي عليه لا يزال يفصل في الدفع الفرعي . وحدث أن توقف 
ليبتلع ريقه وني الحال قام القاضي واقفا وانتهز الفرصة وقال: رفعت 
الجلسة. وانتفض كل من بالمحكمة واقفا [iy‏ مضى المحامون يتهامسون 
ويتساءلون فيا بينهم Le‏ يمكن ان يكون السبب» وهل لبلاغة محامي 
المدعي عليه علاقة برفع الجلسة يا ترى» أم أن المحكمة أرادت أن 
تستشير قانون عقد العمل؟ 

وحين أصبح الأستاذ عبد الله في حجرته كانت يده تدق الحرس. 
وجاء فرغل قبل أن يدق الجرس. . ورمقه القاضي فوجده كالعادة 
منتصبا أمامه في أدب وقد ewe‏ من أعوامه الخمسين عامودا حيا لا 
انحراف فيه ولا اعوجاج» فكرشه قد شفطه تأدبا» وطربوشه قد مال 
الى اليمين في اتزان وقور حتى أصبح الزر فوق الأذن اليمني تماما 
وأطرافه تداعب أعلا الأذن. والوجه جامد كله احترام» والرأس معوج 
قليلا الى أمام لتستطيع الأذن أن تلتقط Gof‏ الهمسات» واليدان 
مضمومتا القبضات متحفزتان لأية اشارة. وليس هذا كل شيء› فأفندم 
تعقب الوقفة» وتخرج كل أفندم مثل الأخريات فيها خناقة تدل على 
التواضع » وخحفوت يدل على الاستكانة» وقصر يدل على استعداد تام 
للقيام بأية مهمة . 


A‘ 





Ver 


ورمقه القاضي وتعجب. وسأله عن الساعة. 

وانتفضت فتل زر الطربوش واصطكت بجداره الأحمر في عنف. 
وفرغلي ينفي نفيا أنه رأى الساعة أو له بها أي علم. وكان الأستاذ عبد 
الله يتوقع اجابته تلك اذ إن فرغلي لا يمكن أن يكون قد رأى الساعة 
أو له بها علم . كل ما في الأمر أنه كان لا بد أن يسأله حتى ولو ليقول 
لا. 

وأيقن حينئذ أنه لا بد قد نسيها فوق التسريحة في حجرة النوم . 
وحين عاد الى البيت كان أول ما فعله أن ألقى على التسرحة نظرة 
خاطفة . وانقبض حين لم يجد الساعة فوقهاء وأيقن تماما أن لا بد قد 
ضاعت أو سرقت. من أين جاءه ذلك اليقين؟ لم يكن يدري. لعله 
تشاؤم كامن في النفس لا يبرز الا في أوقات مثل تلك! لعله وهم! ومع 
هذا انطلق يبحث عنها في الأدراج والكومودينو والدولاب وتحت 
المكتب. ولعل مبعث حماسه للبحث كان فقط لتكذيب ذلك اليقين 
المفاجىء الذي انتابه وأكد له أن الساعة قد ضاعت ما في ذلك أدنى 
ريب. 

وقلب الأستاذ عبد الله البيت رأسا على عقب دون أن يعثر 
للساعة على أثر. وجلس. 

كان اثناء عملية البحث قد خلع بنطلونه وسترته وبقي بالقميص 


والحذاء والجورب مسي ليستطيع الانحناء والنظر تحت الفراش gal Sly‏ 
وأكياس المخدات» وكل تلك الأمكنة التي of‏ يضيع من الانسان 


AY‏ قاع المديئة 





Vogt 


شيء حتى يتبادر إلى ذهنه على الدوام انها لا بد تحت كنبة أو كرسي 
أو فوق دولاب . وفي الغالب لا يد في تلك الأماكن سوى أكوام 
الغبار والعناكب. ومع هذا كلما ضاع منه شيء بادر اليهاء وكأنها 
مخازن أمل يبقيها الانسان ليلجاً اليها حين يخاف أن يستحوز عليه 
اليأس . 

جلس الاستاذ عبد الله على الكرسي» ووضع ساقا عارية بيضاء 
فوق ساق» وراح يفكر ويستغرب . 

وانسان مثل الاستاذ عبد الله تعترضه مشاكل من كل نوع ولون» 
ولكن أن تضيع ساعة يدهء مشكلة غريبة رما لا تحدث ‏ اذا حدثت ‏ 
الا مرة واحدة طوال حياته . 

وكان للمشكلة وجهان. فمن ناحية كان ضياع الساعة حدثا 
ضخ| يطرق حياته التي أصبحت ملة ورتيبة. ثم أن تختفي الساعة من 
البيت» بل من حجرة LA‏ جدران أربعة صراء شىء يجعل من المشكلة 
لغزا كتمارين المندسة المستعصية يحلو له أن يحله ويجهد فيه عقله . 

' أما الوجه الاخر للمشكلة فهو الوجه العادي اء اذ كان منقبضا 

لضياع الساعة لا لأا أثرية أو ذات فيمة أو هدية حبيب أو شيئا من 
هذا القبيل. أبداء كانت ساعة عادية جدا لا ذهب فيها ولا 
بلاتين» (أنكر) 6 حجرا كان قد اشتراها قبل الحرب وفضت معه سني 
الحرب وبقيت ملازمة له بعدهاء بقيت كالشريك المخالف كل يوم لها 
حادث» زمبلك ومسح وزجاج وتروس» حتى صرف عليها ثمنها وزهق 
منها وأصبح منظرها يشير. لم تكن ثمينة اذن» ولكنه ما كاد يوقن Wal‏ 


AA 





انها ضاعت حتى انقبض. ان الانسان لا يعرف قيمة الشيء الا اذا 
فقده. طالما هو معه فهو معتاد عليه بل قد يكون ضيقا به ولكنه ما 
IK‏ يضيع حتى بحس الانسان وكأن جدارا في نفسه قد انہار» وتبدأ 
حينئذ قيمة الشيء الحقيقية تأخذ مكانها في نظره . 

كان منقبضا. لو كان هو الذي ألقاها بيده من النافذة لما أحس 
بلمحة أسف» ولكن ضياعها هكذا علوة» ورغما عنه» شيء يستثير 
الضيق والتحدي . 

كيف تضيع الساعة من فوق التسريحة بكل بساطة؟ 

القيمة المادية هنا لم تكن ذات وزن. فالأستاذ عبد الله على كل 
حال» لا يمكن يؤثر في مجرى he‏ ضياع ساعة. هو رجل مبسوط. 
بل كان طول عمره مبسوطا. ولد مبسوطاء وتعلم مېسوطا» go‏ وهو 
طالب في كلية الحقوق كانت له عربة«توبولينو» صغيرة؛ وكان والده 
المرحوم على قيد الحياة» وكان ينفق عن سعة وكان وكان. 

انه قاض» dy‏ يتزوج بعد ومع هذا فشقته فاحرة UY‏ وحياته 
مليئة بالأرقام 7445 7 ۰۱۰۰۳۱ CUT‏ 1460م وهي أرقام 
عربته وثلاجته وبوليصة التأمين على cathe‏ وشقته ورقم حسابه في 
البنك. 

ولا يتسرع أحد ويخمن أن الأستاذ عبد الله فاحش الغنى . هورجل 
متوسط الحال» بل يكاد يكون متوسطا في كل شيء. فهو ليس طويلاء 
ولا يمكن أن تقول إنه قصيرء وكذلك لا هو بالرفيع أو التخين؛ ولا 
بالأبيض أو الأسمر. بالاختصار اذا أخذنا مائة رجل من جميع أنحاء 


Aq‏ قاع المديئة 





۷0٦ 


العام وأخذنا متوسطهم في الطول والوزن والبشرة لوجدنا أمامنا الأستاذ 
عبد الله . . gm‏ الشاي» تقول هدام شندي وهي توزع السكر: كام 
حتة يا عبد الله بك؟ وفي العادة تستدرك نفسها وتقول: آه. . أنا 
عارفة. . انث بتحبه مضبوط. . حتة ونص. . مش كله؟ ويبتسم هو 
حينئذويقول وهو يستعد«للترمبت» في البريدج: انتي aisle‏ يا مدام.. 
Ll‏ رجل معتدل. ويضحك الموجودون وكأن الأمر نكتة؛ فنكت 
القاضي هي الأخرى (Slo‏ مضبوطة .ومعتدلة الحلاوة . 

وليس معنى ذكر البريدج ومدام شندي انه مغرم ببيتها أو مدمن 
على الذهاب اليه. ان زياراته لعائلة شندي ليست بالكثيرة التي تضايق 
ولا بالقليلة التي تجلب العتب. انه ايضا في هذا «جنتلمان» كا هوني 
أي مجال آخر. . جنتلمان له ابتسامة دائمة يتحدث بها الى الخرباءء ولا 
يبدأ في ازالة ما dey‏ وبينهم من كلفة الا اذا بدأوه هم. وحين يتحدث 
يتحدث في بطء قليل» وحديثه دائم| متوسط العمق فهو لا يحيط بأي 
موضوع احاطة كاملة. ومع ذلك لا يترك موضوعا دون تعليق اذ لا بد 
أن يقول شيئا» ولو كلمة» ولو نوعا من جبر الخاطر. 

وبمثل ما نكون تعاملنا الحياة. والحياة تعامل الأستاذ عبد الله في 
اعتدال هي الأخرى» فلم ترفعه مرة فجأةولم تهو به؛ فمن الكلية الى 
Malt‏ المحكمة كما قدر لنفسه» وكا قدر له أبوه من قبله» كالقطار 
الذي تركبه في القاهرة وأنت متأكد تماما أنه بعد قليل سيكون في بنها 
ثم في الاسكندرية. 

أجل ! ماذا يفعل ضياع الساعة في حياته؟ 


۹۰ 





Vov 


كأن ILL‏ من التعقيد بحيث يستدعى حلها سيجارة. والأستاذ 
عبد الله لا يدخن ولكن لديه علبة سجائر يحتفظ بها في درج المكتب 
ليعزم منها على الزوار. وفي أحيان قليلة يدحن» مرة كل شهر مثلا أو 
كل شهرين. قام ليتناول سيجارة» وعاد إلى جلسته وإلى ساقه الموضوعة 
فوق ساق. واكتشف بحركته تلك أنه عاري أو یکاد» وأسرع يرئدي 
البيجامة قبل أن يراه أحد» مع أنه لم يكن في الشقة أحدء فهو يقطن 
بمفرده اذ هو أعزب. كان قد حدد لنفسه سن الخامسة والشلائين 
ليتزوج» وكان في الثانية والثلاثين أي باقي على انقضاء الحكم الذي 
أصدره على نفسه ثلاث سنوات. أما لماذا حدد الخامسة والثلاثين 
بالذات ليتزوج فالأمر لا سر فيه ولا يحزنون» اذ هو قدر أنه سيعيش 
سبعين عاماء ربما OY‏ والده توفي وهو في السبعين, وأمه في الثامنة 
والستين» وجده في الخامسة والسبعين» ريما هذاء وربما قرر أنه 
سيعيش حتى السبعين عاما لسبب لا يدريه أحد. ولهذا قرر أن يتزوج 
في منتصف عمره تماما. وهو ليس أبله كما قد يظن البعض» اذ ان 
كثيراً من الناس يقررون أشياء حطيرة في حياتهم اعتمادا على أشياء 
غامضة لا أساس لها في عرف أو عقل مثل تلك . 

دخل الأستاذ عبد الله في البيجامة» وعاد يجلس على الكرسي 
المزاز الموضوع بجوار الراديو الضخم . جلس وهو قد استبعد نهائيا أن 
يكون جعفري هو الذي أخذ الساعة» فهر قد يشك في نفسه ولكنه لا 
يستطيع الشك في جعفري أبدا. . هو نخادم العائلة أبا عن oer‏ بل 
يقولون ان أحد أسلافه مات وهو عائد من الفرن بصينية« مام 


۹۱ قاع المديلة 





VoA 


بالفريك» التي كانت طعام جده المختار. وضمن ما ورثه الأستاذ عبد 
الله كان جعفري. وهو انسان طيب جداء ساذج جدا له ولاء 
الكلب واخلاصه. هو من أولئك الناس الذين لم يكتفوا بالقناعة 
بمصيرهم بل عبدوا ذلك المصير وبجلوه. كلمةوسيدي» عندهم لها 
قداسة ووقع » وحاجة السيد كحاجة الله أرفع من أن تمتد اليها يد. 
كان معه في بيت المنيرة وحين انتقل الى سكنه الحالي في شارع الجبلاية 
انتقل معه. وكان يقيم في الشقة» وكان هذا سبب ضيق الأستاذ عبد 
الله منه , 

لم تكن هناك أسباب واضحة هذا الضيق. . فجعفري أمين 
نظيف دقيق لا يكاد يتلفظ طوال اليوم بكلمة» والأستاذ عبد الله يحب 
الصمت» واذا كان هناك كلام فليكن باعتدال» وليكن أيضا d‏ 
المليان. تضايق منه وكان ذلك من عامين» OY‏ جعفري كان حجر 
عثرة» اذ هو يخجل aie‏ وهو pale‏ العائلة الذي شهد أباه وشهد أمه 
oly Gilly‏ وهو طفل وحضر كل ما أحرزته العائلة من أمجاد. فلم يكن 
من اللائق. ولا ما يرضي مزاج الأستاذ عبد الله الحساس أن يدخل 
عليه مرة Whe‏ ومعه فتاة. وكان الوقت قد حان» وسنوات العمر تمضي 
ech Ils‏ والثلاثين قد ولت» وحياة العزوبة تتسرب من بين يديه دون 
ان يفيد منبا شيئا. والأستاذ عبد الله كان مستقيماء لا لأن غير 
الاستقامة > vel‏ أو OY‏ هذه «الأشياء» لا تصح › أو أو الخ» ولكن 
لأنه ذات مرة سوداء اشترك مع طالب زميله في الكلية» والتقطا فتاة من 
الشارع في عربة زميله الكبيرة وأخذاها الى طريق الاسكندرية. وروع 


۹۲ 





Vo4 


عبد الله GU‏ يوم بأعراض خطيرة» وصحيح أنه عولج وشفي تماما 
ولكنه أقسم بينه وبين نفسه أنه لن يقرب امرأة أبدا الا اذا تزوج . 
كانت اية امرأة في نظره عبارة عن ميكسروب يرتدي جوارب نيلون 
ويضع على شفتيه روج ويلدغ كل من يقترب منه. وكان ممكنا أن 
يدفعه هذا للزواج» ولكنه كان قد قرر منتصف العمر ليفعل هذا. 
وظلت الخطة سارية بنجاح تام الى ما بعد الثلاثين وقد بدأت الخامسة 
تطل برأسها. وهنا ثار الأستاذ عبد الله على نفسه وحياته وصمم أن 
يودع - كما يقولون  tle‏ العزوبية. من أجل هذا حث جعفري على 
الزواج» بل ساعده» ولا تزوج أخبره أنه لا يريده طوال اليوم» عليه , 
فقط gh of‏ في الصباح ويغادر الشقة بعد أن يعد له الغداء. وكل هذا 
ليخلو له المسكن ويصبح حرا يستطيع ان يودع عزوبيته کا يشاء . 
وبرغم أن الشقة خلث وذاق حلاوة الوحدة التي كان ينشدهاء 
وانزاح جعفري بوجوده الدائم الا أا بقيت خالية الا منه» فقد كان 
يظن أنه حالما يذهب عنه الرجل ستمتلىء الشقة بالساء» كيف؟ لم 
يتعب نفسه ويفكر. ولكنه اضطر الى التفكير» فهو ند أمضى فترة 
طويلة من شبابه دون احتكاك بالنساء حتى تغلبت رغبته العارمة آخر 
الأمر» ونسي حكاية الميكروب» وقبل الأمر شكلا وأصبح على استعداد 
للمجازفة » ولكن أين المرأة؟ عزلته طوال تلك السنين كانت قد حالت 
بينه وبين الطرق التي تقبل منها النساءء ثم إنه كان قد أصبح قاضيا 
في تلك المدة. صحيح أنه شاب لا يزال صغير السن نوعاء ولكنه قاض 
عليه«أو هكذا خيل اليه» أن يحافظ على كرامة المنصب» ولا يدع أحدا 


ay‏ قاع المديئة 





vie 


يأخذ عليه مأخذا أو يضبطه في موقف حرج . ثم انه لا يستطيع أن 
يفضي برغبته لأحد. وكل أصدقائه ومعارفه رجال كبار محترمون. 
مستشار في مجلس الدولة» وكيل نيابة درجة أولى» ple‏ على الأقل من 
ole‏ النقض col yp Wy‏ أساتذة في الجامعة؛ المهراوي بك صاحب 
محلات الموبيليا الذائعة الصيت» صلاح شوشة ابن اعتماد هانم. . 
أناس لا يمكن أصلا التحدث معهم في أمر كهذا. حتى زملاؤه من 
دفعته» والذين كانت عربته الصغيرة سببا من الأسباب التي منعته أن 
يعرف منهم سوى عدد قليل محدود» gm‏ هؤلاء الزملاء تفرفوا وتزوجوا 
. وأصبح هم أولادء واذا قابل أحدهم تبدو المقابلة أول الأمر عاصفة 
wld‏ تبليل وعناق وسلامات» وبعد خمس دقائق يكتشفان أن كل ما 
بينب| من كلام قد انتهى ويصبح االحديث مجرد ترديد .أجوف: . , ٠.‏ 
والله زمان. . وحشتنا. . فين أيامك؟ أو dole‏ مكررة لذكريات AZ LG‏ 
قديمة عن مدرس كانت له طباع شاذة , 

هذا عن الرجال. . 

أما النساء فكان مقطوع الصلة بهن تماما. كانت هناك 
قريباته.. بعضهن كان لا يطيقهن شكلا Vy‏ موضوعاء وبعضهن 
جميلات كان يخاف منهن» فهن أما متىزوجات أو طامحات في 
الزواج» والعين كانت عليه وهو العريس«السقع» الذي يسيل له 
اللعاب. غير أنه كان قد صمم تصميماً لا نقض فيه ولا ابرام الا 
يتزوج من قريباته أبدا ولو قطعوا رأسه. أما لماذا؟ فهو نفسه لا يدري 
سببا لهذا التصميم. كانت أية محاولة للتقرب منهن ممكن أن تؤخذل 


44 





اكلا 


اذن على محمل الاستحسان وقد تنتهي بورطة ودبلة» وقد تنتهي 
بزواج. أما غير قريباته فكانت هناك مدام شندي» أرملة في الخمسين 
مولعة بالبريدج الى حد الجنون» ولها أصدقاء من كبار رجال الدولةء 
ولها صالون ومجلس وتجيد الحديث وادارته» وتجيد الابتسامات 
الفاهمة والاصغاء الى المتاعب. سمراء غامقة السمار تكاد تكون 
صعيدية من قلب الصعيد وتقول عن نفسها انها تركية» وكثيرا ما 
نزورها نساء متزوجات» ولكن كل منهن شخصية قائمة بذاتها. 
وصحيح أنه يتحدث معهن كثيرا ويناقش شتى الموضوعات ويعلق 
أحيانا على حذاء أنيق» أو تسريحة جديدة» ويقص عليهن طرائف 
مما يحدث له مع المتهمين والمفئشين والمحامين؛ ولكن حديث مثل 
هذا شيء» وحديث خاص ينتهي بلمسة أو بقبلة شيء مختلف تماما. 
فهو ليس وسيماء وهو يعرف أن هذا غير مهم في الرجال» ولكنه 
يعرف أيضا أن وجهه كالصفحة البيضاء لا معالم بارزة فيه» ملامحه 
dole‏ جدا ليست جميلة أو قبيحة» ولا تثير اعجابا ولا تبعث على 
الاشمئزاز ولا يحس لها الناظر بأي انفعال, ليته كان قبيحا! كثيرا ما 
يتمنى لو كان مشوها حتى . . ثم إنه عالم تماما بخفة دمه ولباقته» فهو 
يرى الناس يتحدثون» يأتون في كلامهم بأشياء تبرق وتضيء الكلام » 
وتضيء وجه السامع بابتسامة أو ضحكة أو لمعة أسى . وهو ينصت 
الى أناس وهم يحكون فيجد لحكاياتهم وقعا لذيذا وكأن كلامهم 
محلى بالتوابل وفاتحات الشهية. وكان أحيانا ينصت الى نفسه وهو 
يتحدث ويحاول أن يجد شيئاء شيئا واحدا فقطء كلمة ذكية أو اشارة 


9 قاع المدينة 





VY 


مليحة» أو حتى طريقة طريفة لرواية ما يقول» فلا يجد. كلامه مجرد 
كلام . يسمعه الناس اكراماً cd‏ واكراماً للفظة القاضي اللاصقة به. 
لا يعني هذا أنه كان عيبا إذ إنه لم تخنه الكلمة أبدا. ليتها خانته مرة 
اذن لحدث لكلامه شيء غير عادي . 

لهذا فحديث خاص الى واحدة من السيدات في صالون مدام 
شندي شيء لم يخطر له على ٻال» خاصة وهو لم يتعود أمثال ذلك 
الحديث» ولم يجرب مرة واحدة ايقاع امرأة. وكان طبيعياً اذن أن 
يبدو في الصالون مؤدبا خجولا يملؤه الرعب من النساء المنثبات من 
cil ge‏ 


وما أن ذهب جعفر وبدأ يثور على نفسه ويكبت الثورة أحيانا 
ويطلقهاء حتى بدأ يتقدم ثم يتأخر ويعود الى الاقدام. وشتمته واحدة 
مرة» وقبلت واحدة أخصرى دعوة إلى السينماء. ورحبت بسهرة في 
الاوبرج» ولكن ما كاد يلمس يدها حتى انسحبت وتركته يكاد يغمى 
عليه . وأخخيرا دفعته إلى تجربة مدام شندي نفسها. . ولم يجد لديها 
حماسا كثيراء وكذلك لم يجد معارضة تذكر! وكانت استجابتها له 
فبها روتين وتعود» وعاملته كأنه طفل كبير شفي . وظل بعدها ثلاشة 
أيام يكظم خجله واشمئزازه» ولم ينس أبداً أنها في الخمسينات» 
وأنه فعل هذا وهو قاض . 


أبداوبمضي الوقت قد يصادفه النجاح . وهكذا استطاع أن يستصحب 


an 





var 


نانا الى الشقة بعد مضي ستة أشهر على خروجه معها . 

والخروج مع فتاة مثلها كان بالنسبة اليه أمرا صعبا يؤديه 
كالضريبة الباهظة المفروضة عليه» فهو لا بد أن shady‏ مكانا بعيدا 
عن القاهرة» ولا بد أن يذهب اليه قبلها ليتأكد أن واحدا من معارفه 
أو أصدقائه أو المحامين لا يعرفه» ثم يستصحبها اليه» ويظل في قلق 
عظيم وهو جالس معهاء ولا ينزاح الهم عن صدره الا حين تهبط من 
عربته بعدما تقرصه في يده قائلة: باي باي . 

وأخيرا جاءت معه وكان نصرا أن نجيء, ومع هذا لم يستطع 
معها الكثير» فهي فتاة وهو حجول» ولولا أنها لا تعد جميلة لما 
كانت قد رضيت بالمجيء. . ودعك من الهدايا والتحف. وهكذا 
ظلت العلاقة بينهما في أخذ ورد حتى ذهب الخجل وقل العناد. 
وبدأت تنمو عواطف مبهمة تجاهها حتى فكر مرة أن يخطبها فهي 
بنت ناس» ولطيفة» وتحب القانون» ولكن مسألة قبولها المجيء ane‏ 
كانت تقض مضجعه وتجعله يرفض مبدأ الخطوبة رفضا باتا. غير أنه 
ما لبث أن صرف النظر عن التفكير في الخطربة والزواج» فقد 
استطاعت علاقته بنانا أن تعلمه أشياء كثيرة» ويكفي أن تعرف فتاة 
واحدة لتدرك منها الكثير من أسرار الفتيات أجمعين› وتصبح جسورا 
بعض الشيء» وتستطيع اذا أن الأوان أن تثني على ذوق صاحبة لهاء 
ثم تنتقل من صديقة الى صديقة» وتتعلم أكثرء وتنمو لديك الخبرةء 
وتستطيع أن تجيد نوع الكلام الذي تحبه الفتيات» وتعرف دقائق 
الفروق بين لون فستان ولون فستان وكشكشة وكشكشة. وأين 


ay‏ قاع المدينة 





054 


يكمن السكس أبيل في نظرات جريجوري بيسك. وتستخدم خبرتك 
تلك في الأحاديث» ثم لا يعدم الأمسر بعض القفشات والنكات 
والكلمات ذات المعانى» وابتسامات مطعمة بدعوات» ونظرات انحر 
ما يقصد بها أنها نظرات» واذا بك قد وصلت. واذا بالأستاذ عبد الله 
يصبح لديه ثلاث أو أربع فتيات. . واحدة لدعوات السينماء وواحدة 
كانت تعلمه الرقص أو على الأصح تجدد معلوماته عن الرقص ٠‏ 
ol‏ كانت قد علمته وهو لا يزال «صبيا»» وواحدة تأتي rely‏ 
تذهب» حتى إنه ذهب إلى كباريه مرة وتعرف هناك بشلة» فوجىء أن 
بينها أكثر من واحد من الأسرة القضائية» وتعرف براقصة أو على 
الأصح هي التي عرفته بنفسهاء وجلست معه وفتح لها زجاجة 
«السينالكو» ذات الثمن الغالي ¢ وفتح المحفظة وأصرت هي وهما 
عائدان منتشيان أن تفتح بنفسها باب الشقة. 


مستحيل أن يكون جعفري هو الذي أخذ الساعة . 


4A 





V6 


لا بد انها شهرت . 

كان احساس الأستاذ عبد الله بالفرحة لأنه وجد موضوعا عجيبا 
يملا حیاته يكاد يطغى على أي احساس آخحر» أحس أيضا أنه لا 
يستطيع السكوت على هذا الموضوع الكبير وحصره في نطاق تفكيره 
الخاص . أحس أنه لا بد من فناقشة ما يدور في رأسه من خواطر 
وافتراضات مع أحد» لا بد من شرف» وقام الى التليفون وطلب نقابة 
الممثلين . 

وكان من يراه وهو يدير القرص والحماس يطل من عينيهء 
يحسبه يود مفاجأة صديق بخبر مثير أو أنباء سارة. كان الخط 
مشغولاء ومع هذا ظل يدير القرص وحماسه لا يفتر. انه لن يجد في 
العالم كله من يصلح لمناقشة هذا الموضوع معه سوى شرف» ولا بد 
أن شرف في نقابة الممثلين ولا بد أن يعثر عليه. . هذا اللعين شرف 
صديقه مذ كانوا Oph‏ في بيث العائلة في المنيرة. شرف أيضا كان 
يقطن هناك ولكنه كان من عاثلاتها الفقيرة» ولهذا ولأمر ما كان 
الأستاذ عبد الله لا يحس أمامه بأي تعقيد ولا يخجل أن يقص عليه 
أدق خلجات نفسه دون أن يحس بكرامته تهان أو بتأنيب ضمير. كان 


a4‏ لالت 





VV‘ 


يقول له ما لا يستطبع قوله لأصدقائه الأغنياء وأقاربه» ولهذا فقد كان 
بحبه Lash‏ أكثر من كل أصدقائه الأغنياء وأقاربه. هذا برغم أنه لا 
يحتل alts‏ أحد مناصب الدولة المهمة أو غير المهمة» فقد ترك 
المدارس وعمل في عشرات الأعمال» ثم احترف التمثيل الذي كان 
يهواه دائما وأصبح ممثلا في الاذاعة وأدواره كلها قصيرة» وأطول دور 
كان ثلاث كلمات؛ ورغم ذلك فهو يعتد بنفسه کفنان اعتدادا كبيراء 
وله آراء في الفن والمسرح والحياة» ومكانه الدائم في نقابة 
الممثلين. ' 

ورغم ما كان بين الأستاذ عبد الله وبين شرف من حب فقد 
كانت العلاقة بينهما لها طابع غريب نوعا. الأستاذ عبد الله لديه 
مشاغل كثيرة» ولكن أحيانا تتبخر كل مشغولياته ولا يجد ما يعمله 
وتصبح الدنيا خاوية مملوءة بفراغ متثائب لا نهاية له. حينئل يأتي دور 
شرف. . يدق التليفون في نقابة الممثلين وهو التليفون الوحيد الذي 
يدق ويطلب شرف الدين: تعال يا شفشف. هكذا كان يناديه الأستاذ 
عبد الله. ودون أن يسأل شرف من» يأخذ طريقه الى شارع الجبلاية 
أحيانا راكبا تراماء وأغلب الأحيان سائرا على قدميه. هناك كان يجد 
شقة أنيقة عالية مطلة على النيل» وماء مثلجا وطعاما وعلبا محفوظة › 
وأحبانا زجاجات بيرة» وكرسيا مريحا يسترخي عليه ليؤدي دوره. 

ودوره كان دور المستمع. كان ينصت لصديقه عبد الله وهو 
يتحدث . واذا تحدث شرف مع عبد الله فلا بد أن يكون الحديث كله 
عن عبد الله , وأشخاص قليلون جداهم الذين يستطيع الانسان أن 





viv 


يحدثهم طويلا عن نفسه دون أن يفكروا في قطع حديثه ليتكلموا هم 
عن أنفسهم. وكان شرف من هؤلاء. كان عبد الله يشرق ويغرب 
ويسرد أدق الخواطر والأشياء التي لا تدور الا بينه وبين نفسه» وشرف 
ينصت ولا يمسلء وكان ULE‏ في انصاته. فهو لا ينصت وهو ضيق 
بالحديث» أو متعجلا لنهايته» ولا وهو فقط متابعا الكلام يهز رأسه 
وينفخ دخان سيجارته. أبدا حين ينصت بحماس» وتبرق عيئاه حين 
يتأزم الموقف» ويبتسم حين يحتاج الحديث الى ابتسام» ويقهقه حين 
يستدعي الموقف فهقهة» وتحس وأنت تنحدث إليه أنك تحادث 
انساناً يهمه أمرك» ويحفل بكلامك مهما كان احتفالا كبيرا. 

وأحيانا ty‏ الانسان على مستمع كهذا تماماء ولكنه يكون 
عالما أنه ينصت ويتحمس وينفعل مجاملة له لا أكثر ولا أقل» غير أن 
شرف لم يكن من هؤلاء» كان حماسه حقيقياء ومشاركته في الحديث 
مشاركة ايجابية » فهو يستمهل ويستوقف ويناقش ويسأل عن تفاصيل 
أخرى. 

ولا بد أن لحظات حديث الانسان عن نفسه تمتعه ويسعد بهاء 
خاصة اذا كان لهذا الحديث مستمع كهذا. لا بد. . OY‏ عبد الله كان 
يحس براحة عظمى بعد هذه الأحاديث. ففي حياته العادية كانت تمر 
عليه أوقات كثيرة لا يرى نفسه فيها سوى انساناً تافهاً لا قيمة له ولا 
وجود. خاصة حين يجد نفسه في مجتمع غاص» والجميع يتكلمون 
بانطلاق وانتعاش وهو وحده الذي يخرج كلامه Leal,‏ معقماً كالماء 
المقطر لا طعم له ولا رائحة. كان في جلساته مع شرف ينطلق 
ويحس بكلامه يخرج موزونا له ثقل» وفيه حكمة غريبة page‏ 


ey‏ فاخ المدينة 





YA 


وبلاغة.. حتى فكر عبد الله ذات مرة أن يشتري جهاز تسجيل 
ليسجل به أحاديثئه تلك ويعود ليستمع إليها بعد ذهاب شرف. 
ويسمعها لأصدقائه ومعارفه» ويربهم أنه ليس به عيب وإنما العيب 
فيهم وفي مجالسهم. في حديثه مع شرف كان ينطلق وينطق بأشياء 
معجزة» وإلا لماذا كان يقوم شرف ويقعد لدى سماعها ويطلب منه 
اعادتها كما يطلب المستمعون من المقرىء اعادة التلاوة وقد بلغ بهم 
الاستحسان مداه. 

كان يبلور في أحاديئه تلك كل فلسفته في الحياة وآرائه في 
الناس. والانسان اذا وجد في حضرة الجماعة وكان عليه أن يدلي 
برأي في موضوع فإنه في العادة يقول ما تواضع الناس على قوله. 
يفعل هذا احتراما للجماعة أو خوفا منهاء أو استسهالاء فقد يجره 
رأي مخالف الى نقاش قد يخرج منه مهزوما مهيض الجناح . قليلون 
فقط هم الذين يملكون أراء شخصية»ء وأقل منهم أولفك الذين 
يستطيعون الجهر بارائهم تلك دون وجل في حضرة الناس» ونادرون 
هم أولفشك الجريئون الذين يستطيعون الذود عن ارائهم إذا 
هوجمت» وأقل القليلين هو من تتفق له الجرأة والمنطق فيستطيسع 
لبس فقط أن يعبر عن رأيه ويدافع عنه اذا هوجم» ولكنه يستطيع فوق 
هذا اقناع الناس به. نادرون جدا أولئك الناسء ولكن هذا لا ينفي 
الحقيقة: والحقيقة أن كلا منا حكيم في حدود» ولكن ليس كل منا 
فادرا على التبشير بحكمته . 

وكان عبد الله كأي انسان له حكمة استخلصها من تجاربه وما 


۰۲ 





74 


مارسهء وكان يغلق عليها aa ea‏ تق شرف ولا 
يبشر بها إلا له وحده. 

والغريب أنه لم يكن يؤمن بحكمته تلك. كان شرف هو الوحيد 
الذي يقتنع بكل آرائه» أما عبد الله فكان لا يقتنع بها ولا ينفذها 
ويفضل أن يتبع آراء الأخرين» ob‏ نعتنق آراءنا عملية في حاجة الى 
جرأة هي الأخرى. 

ودخل شرف. . 

كان طويلا نحيلا له شعر مهوش وملامح طويلة ممطوطة. 
تبحس إذا ما رأيته أنه لا بد «فنان» من الفئانين» له ابتسامة خجولة 
يحتار دائماً أين يداريها. وإذا ابتسم برز له ضب صغير لا يكاد 
يلحظه أحد. 

are‏ توجه الى المطبخ فور دخوله وعاد ومعه كوب من الماء 
المثلج ظل. يرتشفه على قطرات» ثم خلع جاكتته وعلقها على المسند 
وتمدد. ولم ينس وهو يمدد نفسه أن يضع GL‏ فوق ساق ويتناول 
سيجارة من العلبة التي قدمها له عبد الله . 

ظل القاضي يراقبه حتى انتهى من عملية جلوسه ونظراته 
ترتجف باللهفة» وكأنما يختزن في جوفه بركانا.. وكان واضحا أن 
شرف قد أدرك هذا وتعمد المغالاةء ولكنه نطق أخيرا وقال وهو 
يحدق في ملامح عبد الله ويحاول ان يستشف الأمر.. وهل هو 
احساس بالوحدة هذه المرة» أم حب جديد» أم رأي طازج عن نشأة 
الجريمة بين الأحداث . 


‘ey‏ قاع المديئة 





44 


ما وراك يا همام؟ 

فقال الأستاذ عبد الله : 

حصلت أبدع حاجة النهارده. 

حدت الدرجة الرابعه. 

-لأ. . شهرت سرقت الساعة. . 

شهرت مين . . الرقاصة. . 

لم تكن هي الراقصة» ولا صديقة أخرى لناناء ولا تمت بصلة 
الى هذا الصنف من النساء كله. . أنها هدية فرغلي الحاجب . 

وبدأت المسألة في ثورة من ثورات الأستاذ عبد الله على 
نفسه» أو بمعنى أدق على صديقاته. لم يكن يستريح أبدا 
لعلاقاته بهن. كان هناك شيء ما يحد من سلوكه أمامهن, كان لا 
يستطيع أن يطلق نفسه على سجيتها أمام نانا أوغيرها. لا بد أن 
يكون مؤدبا ولا بد من الرقة والكلمة الحلوة ولا بد من ابتسامة لا 
تذبل يضعها في عروة فمه طوال الوقت الذي يقضيه مع الواحدة 
منهن. كان من فرط احساسه بقلة مواهبه أمامهن يحاول قدر طاقته أن 
يكون خفيفا كالنسمة Oly‏ يرضيهن ما أمكنه. ولم تحاول واحدة منهن 
ارضاءه أبدا وان حاولت» كان يحس أنها تفعل ذلك لسبب» وأن 
وراء الارضاء ما وراءه. 

Sy‏ مرة في شيء جديد على حياته. لم لا 

واصطنع الديمقراطية. ووقف فرغلي الحاجب أمامه في حجرته 
قبل الجلسة» وظل هو يشكو من أزمة الخدم وكيف أن الرجال 
لصوص والنساء العواجيز متعبات ولا يستطعن العمل . وكان فرغلي لا 


4 





vv \ 


يكف عن احناء رأسه علامة الموافقة على كل كلمة ينطقها القاضي» 
بل أحيانا يحني جسده كله ليدل على الموافقة التامة. وفي يوم rl‏ 
بدا على القاضي الضيق الشديد وادعي أمام فرغلي أنه طرد الخادم 
الجديد. وأبدى فرغلي أسفه البالغ وراح يصب اللعنات على الخدم 
أجمعين › وعلى ذلك الخادم المطرود بالذات وكأنه كان يعرفه ويعلم 

وفي المرة الثالثة قالها القاضي صراحة» وسأل فرغلي أن يعرف 
امرأة أمينة مخلصة تقبل العمل عندة. . واشترط أول الأمر أن تكون 
كبيرة في السن. . وهز فرغلي جذعه مؤمنا على الشرط. ولكن سعادة 
البيه تصنع تفكيرا عميقا ثم قال له وكأنه يعدل عن رأيه: الأحسن ألا 
تكون عجوزة جدا ويستحسن أن تكون نصفا. وهز فرغلي جذعه 
موافقا. ثم عدل عن رأيه مرة ثانية وقال: والا أحسن تكون شابة 
تستطيع أن تقوم بشئون البيت خير قيام» ثم أن سلم الخدم مرتفع 
والشقة في الدور السابع . ولم يكتف فرغلي بهز جذعه موافقا ولكنه 
ابتسم هذه المرة أبتسامة المدرك الفاهم المقدر. 


وكان اليوم التالي يوم جمعة وهو الميعاد الذي اتفق مع فرغلي 
على المجيء فيه . وكانت الساعة الثالثة Gay‏ الجرس. ولم يكن 
جعفري موجودا بطبيعة الحال»ء كان قد أدى عمله ومضى » فقام 
الأستاذ عبد الله بنفسه وفتح الباب. ووجد ابتسامة فرغلي Shad‏ 
فتحته. . كان فرغلي اذا ابتسم يفتح فمه ويغمض عينيه علامة 
الانبساط. وكان يرتدي بدلة ملكية غير بدلة الحجاب» بدلة لا بد قد 


قاع المديئة 





vVY 


أنعم عليه بها قاض سابق» فقد كانت قديمة وواسعة متهدلة لم تعرف 
المكوى أبدا طريقا اليها. وكان للبدلة قميص كان يبدو كالجلباب 
الذي له ياقة لا أول لها ولا آخر. ومع هذا يصر فرغلي على احاطتها 
برباط عنق من كثرة استعماله أصبح كفتلة الدوبارة» وأصبحت عقدته 
رفيعة متينة كعقدة الحبل . 


ابتسم فرغلي وقال: 

الطلب موجود يا سعادة البيه. 

ورنت موجود رنينا حلوا في أذن الأستاذ عبد الله وقال بلهفة : 
- فين. . 

- تعالي يا شهرت . 


وجاءت شهرت. . ودخلت. لم ينظر اليها الأستاذ عبد الله أول 
الأمر. فقط لمحها. وأحس بخجل حين رآها ترتدي ملاءة لف» 
وخاف أن يكون أحد من سكان العمارة قد لمحها وهي داخلة شقته. 
وحيّن أغلق الباب استراح. ووقفت في ركن من الصالة قريباً من 
الباب» ودخل هو وفرغلي حجرة المكتب. وجلس وأمر فرغلي 
أن يجلس» ولكن الرجل أصر على الوقوف وتشبث» وأصر 
القاضي على أن يجلس. ومع هذا حين رضخ للأمر وجلس 
أحس القاضي بنوع من خيبة الأمل» وكأنه شك أن يكون 
قبول فرغلي الجلوس في حضرته ولو بناء على أمره. 
يعني أنه بدأ يتساهل .في احتراماته. وازداد اضطرابه وأصبح يكسوه 
مزيج من الخجل والتردد والحيرة. لم يكن قد رأى وجهها بعد 


Vey 





yvr 


فقام - وانتفض فرغلي لقيامه - وغادر الحجرة الى الحجرة الأخرى» 
ورمقها بنظرة» وكان في نيته أن تكون خاطفة حتى لا تدرك انه يتفرج 
عليها. ولكن نظرته تلكأت طويلا عند وجهها وكادت الا ترتد لولا ان 
انتزعها انتزاعا. لم تكن بالصورة التي تخيلها. كانت تبدو كأمرأة 
بلدي مثل غيرها من آلاف النساء. المرأة تحس انها زوجة وأم ولا 
تبدو عليها أبدا سمة الخادمات. الشيء المحير ان وجهها كان يبدو 
مختلفا غريبا» يلزمه AST‏ من نظرة ليستطيع أن يحدد ملامحه. وليعرف 
ان كانت جميلة أم عادية الجمال. ولكنه وافق. . وحين عاد الى 
فرغلي سأله عن الأجر. ورفض فرغلي رفضا باتا ان يتحدث في هذه 
الماديات. ان أعجبته فليعطها ما شاء وان لم تعجبه فغيرها موجود. 
ومع أنه لم يحس بالارتياح لما قاله فرغلي الا أنه أعطاه سيجارة. 
وكانت الخطوة التالية هي التخلص منه» ولهذا ناوله حمسين قرشا 
اجر المواصلات . واحتج فرغلي بملامحه يقبل يله. 
وأخيرا ذهب. . 


كانت لا تزال واقفة في الصالة Oy‏ هو قد عاد الى حجرة 
وجاءت والملاءة لا تزال ملتفة حولهاء ووقفت تواجهه 


وتسند ظهرها الى الباب المفتوح. وعبرها بنظرة أخرى. . كانت 
ملامحها قوية ناطقة» وكان وجهها مشربا بحمرة» وتحت ستار 


قاع المديئة 





VVé 


ملامحها القوية أنوثة لا تستطيع أن تحدد موضعها. وقال لھا وهو 
يتعمد الخطأ: 


اسمك عفث . . 
فأجابث : 


خدامتك شهرت . . 

ولاحظ أن صوتها له رنين أنثوي مبحوح يدغدغ الأذن. ثم إنها 
نطقت خدامتك بلهجة أقرب إلى التأدب منها إلى الذلة والاستسلام . 

- متجوزة؟ 

وسكتت قليلا ثم قالت: 

أيوه. . 

و 

فقالت: 


- بنتين وولد. 8 


وعاد يرمق وجهها بعيون جريشة لا ترمش ولا تخجل. كان 
يبحث عن شيء ماء ذلك الشيء الذي علمته خبرته ان يبحث عنه 
كلما التقى بامرأة. الشيء الذي يعني ان لا مانع لديها مشلا. ولكنه 
' لم يجد. فقط فطن الى انها لا تزال ممسكة بالملاءة وقبضتها شديدة 
فيها. وسألها وكانت الساعة الثالثة : 


۱۰۸ 





هاا 


- اتغديتي ؟ 
وأنزلت وجهها الى الأرضص وقالت: 
ب الحمد لله , , 


وفهم انها لم تفعل» بل خيل اليه انها لم تتناول افطارها أيضا. 
وأمرها أن تذهب إلى المطبخ فهناك بقية من طعام» وغمغمت 
تصر على ان الحمد لله ولكنه ألح وأغلظ» رحين وجدها لا تعرف 
مكان المطبخ pli‏ وأراها الطعام. وعاد الى الحجرة وجلس يفكر. لم 
يكن يتوقعها هكذا! فيها قوة تلك المرأة. . انها غلبانة وترتدي الملاءة 
اللف. ولكن ما يضفي على شخصيتها مهابة قل ان تتوفر لامرأة 
مثلهاء لعله ما يصبغ ملامحها من براءة. هل يستطيع؟ إنه خائف. ان 
البراءة تحتاج الى جهود صعبة للتغلب عليها. وأحس من حركتها انها 
انتهت من تناول طعامهاء فاتجه الى المطبخ ووقف على بابه» وكان 


يود أن يبدأ حديثا: 
- انتي اشتغلت عند حد قبل كده؟ 


لأ. . دي أول مرة. 

ولم يصدقها. . انها تريد أن تبدو في نظره من ربات البيوت 
اللائي دفعتهن الحاجة الى العمسل. . تمثيلية قديمة. . وانتهى عند 
هذا الحديث وكان لا يريد له ان ينتهي . ووجد موضوعا وأمرها ان 
تخلع الملاءة وكانت لا تزال تلفها حول نفسها. وخلعتها واحتارت 
أبن تضعها وكل ما في المطبخ أنيق ونظيف لا تجرؤ على وضع 


۱۹ قاع المدبنة 





كبا 


الملاءة فوقه. ووضعتها على السجادة في ركن الصالة. وكانت ترتدي 
تحت الملاءة فستانا من الحرير الباهت جدا. 

وقال لها وعلى فمه ابتسامة ماكرة : 

- تعرفي تعملي قهوة؟ 

فأجابته وهو تنظر في وجهه باستقامة : 

Fal سكر‎ - 

النظرة صريحة» والطريقة التي تنظر بها اليها فيها أنوثة قويةء 
فأجاب في بطء: | 

-م, 3 مظبوط . 

وضحك دون سبب يدعو للضحك. وأضاف دون ان يكون في 
نیته ان يضيف: 

واعملي لك فنجان. 

وأجابت وهي مشغولة في اعداد الكنكة : 

۔ کر خيرك . 

وتملكه أرتباك غير قليل. أحس كما لوكانت.هذه المرأة 
شهرت تعرف كل شي ءعن نواياه» والدافع الذي حد به الى-أن يكلم 
فرغلني , وتعرف لماذا ضحك من ثوان» ولماذا هو واقف أمامها OV‏ 
يحاول أن يتمحك فيهاء ولا.بد أنها بينها وبين نفسها تسخر منه» 
وتضحك على القاضي الفاضي . 


١٠١ 





VVY 


وتملكه عناد. ولو! فليكن هذا! فلتكن تعرف كل شيء! لم 
يعد أمامه أي خيار. 

كانت شهرت في ذلك الوقت واقفة أمام الموقد وممسكة 
الكنكة بيدها ورأسها منحن» وعيناها مستغرقتان(أو على الأقل هكذا 
كانتا تبدوان) فيما أمامها. فغادر مكانه عند الباب واقترب خطوات ثم 
قال : 

- وائتي ساكنة فين؟ 

قال هذا دون أن يحفل بالجواب» وقاله وهو يضع يده على 
كتفهاء بل قاله ليستطيع أن يضع يده على كتفها. ولم يعلم بماذا 
أجابت لأنه في تلك اللحظة كان يحاول أن يقيس بأصابعه مدى 
استجابتها. وأحس بكتفها تحت أصابع يله يتململ ولا استسلام فيه. 
واقترب منها بلا وعي متحديا تلك المقاومة» وأصبح واقفا خلفها 
مباشرة وأحس بجسدها كله ينتفض أمامه ويتململ. واقترب منها أكثر 
وجذب كتفها ليمنع حركتهاء وانتفض جسلها انتفاضة كبيرة استدارت 


اثناءها وسالته : 
- الفناجين فين؟ 
ونبتت نقط عرق فوق جبهته . 
وحاول ان ploy‏ ريقه الجاف. 


وأمرها بلهجة حادة ان تنظف الشقة بعد ان تنتهي من القهوة, 
وعاد الى الكرسي الهزاز. وأحضرت له الفدجان في أدب ووجهها 


ا قاع المديئة 





VVA 


جاد. وفي أقل من ثوان كانت الشقة كلها يغمرها الماء ولا شيء على 
أرضهاء وكانت هي منحنية تنظف وتمسح في نشاط زائد. وكان وهو 
في مجلسه يلمح جسدها المنحني كلما أصبح في متناول بصره. 
وكانت سيقانها من الخلف بيضاء محمرة» ومن خلال ثوبها المتاكل 
كان يلمح بعض جسدها. وكان منظر تلك الدوائر من اللحم الحي 
وهي تطل من النوافذ المرعثرة في ثوبها تفور له دماؤه . 

وقام من مجلسه واقترب منها مدعيا أنه يشرف على عملية 
التنظيف. . وأخذ يأمرها: الحته دي لسه. . كمان هنا. . وطي شوية 
عشان تطوليها. ووجهها الى الأرض وجسدها كله طوع نظراته. 

وانتهت من عملها. 

whe ان كان هناك شيء آخر؟ وأجاب بالنفي . وحينئذ‎ ally 
: عن الوقت الذي يجب عليها أن تحضر فيه؟ وقال لها‎ 

- كل يوم الساعه الثانية والنصف بعد الظهر. 

وكان هذا مناسبا جداء ففرغلي يذهب في الثانية. 

وراودته نفسه أن يحاول معها محاولة أخيرة في ذلك اليوم» 
ولكنه حاف من فشل ol‏ فأجل المحاولة. ولفت هي الملاءة حول 
نفسها ومضت بخطوات قوية فيها مهابة وجلال. 

وظل الأستاذ عبد الله يلعن ضعفه بعدما ذهبت. امرأة مثلها لا 
يقدر عليها؟! امرأة اتية بإرادتهاء والشقة خالية»وهو مهما كان شاب 
ذو مركزء ولا يستطيع؟! 


11۲۳ 





vv4 


وكانت gi‏ بعد هذا في الثانية والنصف تماماً. rh‏ كل يوم 
يفكر. وفي كل يوم يفجل. الى أن كان يوم وكانت تعيد تنظيم 
الفراش بناء على أمره(اذ كان جعفري يقوم بهذا في الصباح) وأطبق 
عليها فجأة وأخذها بين ذراعيه» وحاولت أن تتملص وتقول أنا في 
عرضك وأنا في طولك ووالنبي. ولم يأبه هو بهذا ولا لمقاومتها. وفي 
الحقيقة أتعبته كثيرا حتى أجبرها على السكوت . 

وما كاد يجبرها حتى انتابته موجة فرح غامرة. وود ان يعرف أن 
كانت ساكتة لأنها لا تملك شيئا أمام قوته القاهرة ولا تستطيع دفعه. 
اجبارها ولكنها لم تقاوم ولم تدفعه» اذ ما الفائدة بعد كل الذي 


حدث؟ | 

وتركها. 

وعاد اليها بعد قليل. كان يود أن يحدق في ملامحها القوية 
ويرى ما حدث لتلك الملامح, ويرى ما جرى للحمرة التي تلون 
وجهها. وفوجیء بعينيها محتقنتان وخدودها تلمح . وتضايق وسألها: 


ل قاع المديلة 





VA* 


. مالك؟ 

وكان يتوقع ان تغمغم كعادتها بشيء مثل: ولا حاجة. ولكنها 

مالك؟! فيه ايه! 

وحدقت في الفراغ وسكتت. 

وهر كتفها هزة يختلط فيها قليل من الاشفاق بكثير من الضيق : 

١ مالك؟‎ 

فقالت: 

- أصلي عمري ماعملتها. 

وانهمرت الدموع من عينيها . 

ولم يصدقها أبدا. تمثيلية قديمة أيضا تجيد أداءها تلك المرأة 
ذات الشخصية. تريد أن تضحك عليه وتوهمه أن.تلك أول مسرة. 
حسبته عبيطا أو ساذجاء أو لا بد تريد زيادة . 

غير أنها لم تطلب زيادة في أجرهاء ولم تسمح لعينيها بعد ذلك 
أن لتقي بعينيه» كانت تحدثه وقليلا ما كانت تحدثه» وهي إما 
خافضة بصرها الى الأرض أو متشاغلة بشيء. 

وكانت قد أعجبته. ولعل ما أعجبه في التجربة أنه أخذ كل 
شيء بذراعه هو. لم تكن نقوده ولا أدبه ولا مركزه هي التي 
انتصرت» كانت قبضته وقوته هي التي جلبت له النصر. وكان النصر 


١15 





YA\ 


حبيبا لأنه قد أنهى به ذلك الصراع الخفي الذي دار في أعماقه بين 
صلابتها وضعفهء اذ إنه كان. يحس على الدوام أنها cogil‏ منهء وأنها 
لو لم تكن خادمة وكانت سيدة صالون مدام شندي لما استطاع اليها 
سبيلا. كان النصر حلوا يغري بتکراره . 

وفي المرة AU‏ كانت هناك مقاومة أيضاء ولكنها مقاومة 
اليائسة من المقاومة. 

وتبدأ الأحداث عاصفة ثم لا تلبث أن تؤوب الى هدوء 
واعتياد. وكان وجود شهرت في البيت ole‏ . كان مجرد أن تظهر 
على الباب بملاءتها ويبدأ شبشبها يدق الباركيه شيشا يستيقظ له إذا 
كان متناوماء ويعتدل اذا كان جالساء ويبدأ يفكر. . ترى هل يفعلها أو 
يؤجلها للغد؟ تراها كيف تبدو وماذا تقول عنه؟ وهل يعجبها؟ وهل 
يبدا الآن أم الأنسب بعد تناولها الطعام؟ كان لا يستريح . وكان 
صوت الأطباق وهي تغسلء أو هفهفة المقشة وهي تعمل» أو اذا 
سألها سؤالا وهو جالس في حجرة بعيدة وجاء صوتها ذو الرنين 
الأنشوي المثير يجيبه. . ممدودا طويلا يلف أرجاء الشقة ويداعب 
أذنيه» كانت أصوات مثل تلك لا تنقطع, وكان وجيب قلبه لا ينقطع 
أبدا. كانت المسألة في نظره مغامرة دائمة فيها قلق الترقب ولذة 
المفاجأة. ولكن الأيام والأصوات ‏ مهما كانت - فالانسان سرعان ما 
ينساها ويسلاهاء وسرعان ما يعتادها ويصبح ما كان يجعله يقشعر لا 
يكاد يثير انتباهه بالمرة. 


وكان كل همه Jf‏ الأمر أن يشل مقاومتها تماما حين يكون 


قاع المدينة 





VAY 


معها. ثم انتهى عهد المقاومة وأصبح الأمر لا يكلفه AST‏ من أن 
يمسك Lady‏ مسكة ذات معلى › أو يحدثها عن أي شيء ويبتسم 
بركن فمه ابتسامة محملةء أو يسألها عن» أو يسألها عن «صحتها» 
ويضحك. وكانت تحاول حيئئذ أن تبتعد عنه» فإن كانت في الصالة 
وأطبق عليها تملصت منه بخفة وتوجهت الى حجرة النوم . ولم يكن 
يدري لم تفعل هذا وهي تعلم انه ان Mel‏ أو عاجلا سینالها؟ كل ما 
يحدث أنه كان يستثار أكثرء وبعد أن كان بادئا الأمر على سبيل 
المداعبة اذا به يتشبث ويقلبه الى حد يسارع في تنفيذه. 


وكانت ما تكاد تلمح رغبته وتبدأ تراوغ» حتى ترتسم على 
وجهها ابتسامة شاحبة فيهاخحجل ضعيف» قليل من الفتور» وكثير من 
التسليم بالأمر الواقع والقضاء والقدر. غير أنه كان ما يكاد ينتهي منها 
حتى تنقلب هذه الابتسامة الى شيء آحر؛ وكأنما تسخر care‏ وكأنما 
تقول له: ولو! 
ما كاد يصبح الأمر عادة حتى بدأ هو الآخر تفعل العادة فعلها 
فيه وينطلق على سجيته أكثر. كان يشرك نفسه معها الى آخر ما 
تستطيعه نفسه. لم يعد يدقق كثيرا ولا يصطنع ابتسامات. وأصبحت 
هي بالنسبة البه شيئا كالمرتبة الحية التي يتمرغ عليها ويتشاءب»؛ 
ويتمطى ويعري ساقه ويستريح . وحين بدأت العادة تفقد التجربة ما 
كان لها من إثارة» بدأ يبحث عن إثارات أخرى. . بدأ يهمس في 
أذنها بكلام وقح لتردده له» ويتعمد أن يكشف عن نفسها كل غطاء 
حتى يطلع على كل مكنوناتهاء حتى تلك الأشياء القليلة التي تستحي 





VAY 


وبعد أن سار في الطريق كثيراء اقتئع آخر الأمر أنها لم تكذب 
cae‏ وأنه كان أول رجل في ينالها بعد زوجها. ومن قد لا يقنعه 
الكلام فالتجربة والمشساهدات اليومية والتصرفات التي تحدث دون 
وعي » وتلك الأشياء الصغيرة التي لا يستطيع الانسان أن يضع لها 
اسما أو حتى يملك وصفهاء هذه الأشياء تكشف على الشدوام 
الحقيقة» وتقنع . وذات يوم سألها وهو يضمها اليه ويواجهها ليستطيع 

- انتي بتحبيئي يا شهرت؟ 

لم يكن يدري الدافع الذي حدا به الى هذا سؤال كهذا. 
ولكن السؤال على اية حال كانت له نفسه جذور قوية» ولم يأت 
صدفة أبدا مع أنه tory‏ بلسانه وهو ينطقه . كانت حاجة في نفسه 
قد ألحث عليه. 

هذه المرأة لها زوج وأولاد. وهي حلوة» وتعرف أنها حلوة . 
وقد جاءت تدفعها الحاجة الى العمل» ثم نالها. وهو ينالها كلما 
أراد. أهي تقبل ذلك فقط لمجرد أنه سيدها ورب نعمتها كما يقال؟ 
أم لأنها تريده وتتمناه؟ وهل اذا كانت تریده» من أجل منلصبه وعيشته 
الفاخرة أم من أجل ذاته والرجل الذي فيه؟ 

كانت هذه اللقطة تؤرقه. كان يتمنى ولو مرة واحدة في 
حياته ‏ أن يكون رجل امرأة -أية امرأة ‏ ولو كانت شهرت. وظل 


VAY‏ قاع المديئة 





VAS 


يتلمس الشواهد. ولكن الشواهد لم تفده. إنها لا زالت تفرح كلما 
ترك لها باقيا من نقود. انها أحيانا تسأله of‏ يقرضها ريالا أو نصف 
ريال. هل الحاجة هي حقيقة ما تدفعها أم هي ترغب فقط في تغفيله 
وابتزاز نقوده؟ وهل مواظبتها على ارضائه هو من أجله ومن أجل 
رجولته؟ ol‏ هو تماما كمواظبتها على تنظيف الشقة ومسحها؟ 

' الشواهد لم تفده. أوقعته في حيرةء لا لأنها متعادلة الجوانب 
ولكن لأنه أيضا لم يكن يفكر في شهرت بكل ما حولها وبكل ما 
يربطه بها الا فقط في تلك الدقائق التي يريدها فيها. كانت حياته 
تمضي كما اعتادت ان تمضي . . العمل» والقضاياء والحيثيات 
cathe‏ والبريدج› ومدام شندي» ولقاءات مع فتيات أخريات» 
ونزهات بالعربة وغيرها وغيرها مما يصنع حياته. كانت الأسئلة تشغل 
باله في تلك اللحظة التي يخفق قلبه ويدق حين يخطر في باله ذات 
لحظة of‏ ينالها. ولهذا لم تشغل الأسئلة تفكيره كثيرا . 

ولماذا اللف والدوران؟ قل انه سألها لمجرد العبث أو لمجرد 
حب الاستطلاعء أو لأنه كان يتمنى فعلا أن تكون قد أحبته. 

وسكتت شهرت أسبلت جفونهاء وجفونها المسبلة ليست شيئا 
جديدا عليه. فبرغم ما في عينيها من جمال كانت لا تكاد تحدثه الا 


وجفونها مسبلة. 
وضحك وضغط عليها وضحك وقال: 


- هيه . . بتحبيني؟ ! 


۸ 





VAs 


فابتسمت وتساءلت: 
تنبع من الصدق لأنها تنفذ مباشرة الى النفس بطريقة لا يستطيع 
الانسان حتى أن يرجع اذنيه ليتشكك في صدفها. 

وجعاته اجابتها يحتار. من أين أتت تلك المرأة بهذه الاجابة؟ 
انها تذكره بمحاورات سقراط وأفلاطون. هؤلاء الناس البسطاء كيف 
يفكرون بمثل هذا الصدق والحق؟ لو كانت متعلمة لكان قد قال 
لنفسه أنها لا بد قد قرأت تلك الاجابة في كتاب» ولكنها غير متعلمة 
بل هي لا تعرف القراءة والكتابة. وأعجبه الحديث فمضى يحاورها: 

۔ ازاي؟ طبعا. . . لازم يقول له أنا باحبك. 


فأسبلت جفونها وقالت: 
ده لما يقول كده ببقى عايز يضحك عليه . 
. يضحك عليه ازاي؟ 


- الحب في القلب واذا طلع على اللسان يبقى مش حب. 

وأعجبه الحديث جدا. ترى ماذا تعرف تلك المرأة عن الحب؟ 

وما الحب في نظرها؟ انه يقرأ عن الحب» ولكن الذين يكتبون 
عله أناس مثقفون وحكماء. وهو يخوض المناقشات حول معنى 
الحب ومصدره والدافع اليه ولكنه يخوضها مع أمثاله من المتعلمين › 


144 قاع للنينة 





YA" 


ويا لها من فرصة تلك التي أتاحت له أن يناقش امرأة خام مثلها في 
الحب. وسألها: 


- قولي لي يا شهرت. . الحب ده ايه؟ 

فانشنت وأشاحت بوجهها وقالت: 

- يوه. . آنا عارفه بقى . . . 

Lf,‏ يرجوها أن تجيب ويلح في الرجاء فقالت: 

- أنا عارفه . . . أهم طول النهار يقولوا الحب الحب. 

فقال بعصبية : 

لا. . . أنا ple‏ رأيك انتي . . . يعني في نظرك الحب ده ايه؟ 
- الحب ده حاجة من الله . 

- يعني أيه من الله؟ 

= يعني لما ربنا لما يريد الواحد يحب. 

- يحب يعني أيه. . يبقى ple‏ ايه. . يحس بايه؟ 

- والنبي يا بيه أصلك رايق. 

وسكتت. وكان يبدو ان سكوتها لا لأنها لا تجد اجابة ما ولكن 


لأنها لا تستطيع أن تقولها. 


۲۹ 





YAY 


والانسان قد يبدأ الشيء لمجرد التسلية» واذا به يتحمس لبه 
وينقلب الأمر الى جد خطير. وهكذا أثارت له تلك المناقشة مشكلة . 
انه لا يعرف زوجهاء ولا حتى يذكر اسمه ولا يعرف ان كان صالح أو 
محمود. سألها are‏ مرة وأحيانا تردده أمامه. ولكنه لم يعلق بذهنه. . 
بل انه لا يعرف ماذا يشتغل هذا الزوج. ولكنه زوجها على أية حال 
وحلف منها أطفالا ثلاثة » فلا بد أن بينهما شيئا. ترى ما هو؟ 


ولم يسأل الأستاذ عبد الله نفسه هذا السؤال الا لأنه كان قد 
وضع نفسه بين شهرت وزوجها. ترى هل تحبه أكثر من زوجهاء أم 
كان قد أقام لها وزناء ولكن في الظروف التي كان يدور فيها الحديث 
بينه وبين شهرت بدت المشكلة مهمة جدا في نظره. ولهذا قال لها 
وقد احتواهما الفراش : 

شهرت . . 

فقالت : 

- نعم ! 

- انتي بتحبيني أكتر والا جوزك؟ 


خجل من نفسه حين نطق السؤال» وكاد يغير الموضرع › ولكنه 
ما ان نطق به حتى بدأ قلبه يدق وكأنه jay‏ نتيجة امتحان. أجل! 
هل تحبه أكثر من زوجها؟ 


ا قاع المديئة 





VAA 


وكان ما غاظ الأستاذ عبد الله أنها سكتت. . لم تفتح فمها. 
فقط اسبلث عينيها وابتسمت» وخحجلت وسكتت. ماذا كان يعني 
سكوتها؟ بالتأكيد لو كانت تحبه أكثر لأخبرته ولو من قبيل التظاهرء 
ولكنها لم تجب. وملأه غيظ صبياني . . هذه الحقيرة ماذا في زوجها 
الذي لا يستطيع الانفاق عليها ويجعلها تفضله عليه؟ أيحسم الأمر 
ويطردهاء فعلا يطردها. ولكن الخطوة كبيرة ولا يستطيع تنفيذها OW‏ 
وهو قد تعود عليهاء ثم إنها عرفت مزاجه وما يرضيه وما يسخطه وهو 
يستريح لوجودهاء ثم هذا الشيء الذي لا يمكنه تحديده والذي يشده 
اليها. . والمسألة مسألة زمن. لقد أمضت مع زوجها سنين ولم تقض 
معه سوى أيام معدودات. لا بد أن يعلمها كيف تحبه» هذه المرأة 
ذات الملاءة اللف الغلبانة ألا يستطيع أن يعلمها كيف تحبه؟ 

وأمضه التفكير في هذا. كيف يجبرها؟ كيف يستولي عليها؟ 
Tuas‏ 

وازداد غيظه حتى كاد ينفجر. 

ولكنه لم ينفجرء بعد ساعة واحدة كان جالسا الى المكتب 
غارقا في خضم أربعين قضية عليه أن ينظرها في الغد. وقد نسي كل 
شيء تقريبا عن شهرت وزوجها والمشكلة الي أثارها بنفسه؛ حتى إنه 
حين أمر شهرت أن تعد له فنجانا من الشاي أمرها بنفس اللهجة التي 
يستدعي بها فرغلي شاهدا من الشهود. 





كانت التجربة فى أول الأمر يلفها التزمت والجد. 
يستدعيها بخطة وإصرار ويرهب وجودهاء ويرهقه ذلك الوجود وتشغل 
باله كل حركة من حركاتها. غير أن الموضوع كله لم يلبث أن أصبح 
عادة» ثم أصبح عادة مملة. 

لم يعد في وجه شهرت ما يخيف أو يجبر على الرهبة. أصبح 
وجهها وجه امرأة isle‏ تحت أمره في كل وقت وكل لحظة وأصبح 
جسدها في يده كالورقة المهملة التي يستطيع متى شاء أن يكورها 
ويلقيها في سلة المهملات . 

وحين وصل الأمر إلى هذا الحد امتلأت نفسه بنشوة الفوز. 
لقد انتصر! ولم يعد يفكر في شهرت كثيرا أو قليلا. أصبح وجودها 
في الشقة شيئا عاديا مثل «الفاز» الموضوع في ركن «الأنشريه»» كل 
الفرق بينها وبينه أن زهور الفاز تتغير كل يوم أما شهرت فملامحها 
كالزهور الصناعية التي لا تذبل ولا تنضر ولا يتغير تفتحها. . 

غير أنه في أحيان قليلة جدا كان يساءل نفسه: ترى هل 
انتصاره هذا حقيقي؟ ترى هل استحوز على شهرت تماما؟ ترى هل 


۱۲۳ فاع مدر 





v4: 


أنساها زوجها وأحبته؟ 

في معظم الأحيان كان لا يحفل بالاجابة على تلك الأسئلة . 
الأمر لم يعد يهمه» فحتى لو كان قد أخذها كلية أم لا تزال coped‏ 
فسيان. ولكنه في نوبة من نوبات تلك الأسئلة تحمس وشغله الأمر 
حينا فقرر أن يجري تجربة . 

قرر أن ينقص ماهية شهرت. فإن كانت قد تعلقت به فستقبل 
الأمر حتماء فإذا لم تكن فستتركه. ولم يخالجه أدنى 
خحوف أن تنركه» بل كان في الواقع يتمنى أن تتركه. . وقد بدأ 
كلما سأله فرغلي متملقا عن الحال يعقد وجهه ويحدثه عن أخطائها 
الكثيرة» ويحوم حول عيوبهاء وملاءتهاء وعدم قدرتها على القيام 
بعبء الأعمال في البيت. . كان يريد Bat‏ جديدا . 

وفي أول الشهر نفذ الفكرة وأنقص جنيها. واحمر وجه شهرت 
وهو ينهي اليها بالخبر. . احمر جدا حتى خيل اليه أنه لأول مرة 
يشاهد احمرارا حقيقيا في وجه. احمر وجهها وتلقت منه الماهية 
ووضعتها في حافظتها الصغيرة الكالحة ولم تنطق بحرف. 

وفي ثاني يوم لم تحضر. وقلق الأستاذ عبد الله وأنبه ضميره 
قليلاء ولكنه لم يشأ أن يؤلم نفسه AST‏ فنفض عن نفسه مهمة التفكير 
والتأنيب وقرر أن يطلب من فرغلي أن يبحث له عن«طلب» آخرء 
ولكنه نسي أيضا أن يكلم فرغلي» اذ كان تلك الأيام قد شغله 
موضوع مهم . . فقد رأى نانا ذات مساء خارجة من سينما رادير 
بصحبة شاب» وظل يتتبعها ويسأل ويستقصي حتى عرف كنه ما 


١ 





۷۹4۱ 


بينهما من علاقة . وحينئذ تجدد کل ما دار بينه وبين نانا بشكل حادء 
وأصبحت استعادتها هي كل ما يشغله. 

وبعد ثلاثة أيام أو أربعة كان عائدا الى بيته داحلا بالعربة الى 
الجراج الذي يحتل بدروم العمارة التي يقطن فيهاء واذا به يجد 
شهرت جالسة على الأرض بجوار باب الجراج . 

لمحها وتضايق» وقرر أن يتجاهلها ولهذا صعد من الباب 
الصغير الذي يصل الجراج بمدخل العمارة مباشرة» ولكنه وكما توقع 
تماما سمع الجرس يدق بعد دخوله الشقة بقليل. 

وفتح وكانت شهرت. وابتسم ابتسامة صفراء وسمح لها 
بالدخول. 

لم تتكلم هي» وكان لا يدري ماذا يقول. وراح يراقبها 
باستخفاف وهي تمضي الى المطبخ وتخلع ملاءتها وتعمل . 

كان جالسا في حجرة المكتب فنادى عليها وجاءتث. وصحيح 
أنه كان خجولا ولكنه أصبح لا يخجل من شهرت» بل انها الشخص 
الوحيد في العالم الذي أصبح لا يخجل منه أبدا قال لها : 


- جيتي ؟ 
ْ - واحنا نقذر د نستغني . 


فازدادت جرأته وقال: 


قاع المدينة 





vay 


- مال كنتى مشيتي ليه؟ عشان الفلوس نقصت يعني؟ 

وتملكته وهو ينطق السؤال بعض المرارة» فقد تذكر أن انقاص 
الماهية كان امتحاناً لتمسكها به وأنة فشل في الامتحان. وأجابت: 

- أصل البنت كانت عيانه وخدتها المستشفى . 

ورأى في اجابتها كذبا لا يوصف. 

غير أن نسمة اشفاق هبت» لعل مبعثها كانت ملامح شهرت. 
كانت شاحبة بعض الشيء ووجهها يلمع وفيه استسلام وملامحها كلها 
ذابلة ومدلاة الى أسفلء وكأن كرامتها قد استحالت الى سائل ذليل 
يقطر من أنفها وفمها وذقنها. . فقال لها : 


- هي التلاته جنیه مش كفايه والا ايه؟ 


فقالت: 

- نعمه. . . بس ملعم أصله ساب الشغل . 
- منعم مين؟ 

= جوزي . 


آأه. . وساب الشغل Gad‏ 

- بيقول توفير والا مش عارفه ايه . 
- هو بيشتغل ايه؟ 

- دباغ . 


١15 





vay 


دباغ Sal‏ . فين؟ 
- في المدبغة في المدبح . 
ونام الأستاذ عبد الله ولم يجب وأحس في التو بكره هائل لا 


يدري لمن يوجهه. وكلما نظر اليها ورأى الشيء اللامع يتساقط من 
ملامحها ورآها مستكيئة » ووراءها زوج عاطل وأولادء كان يزداد ما 


يحس به من كره وغثيان. ويبلغ الغثيان مداه حين علم أن زوجها 
يعمل في مدبخة» وتختلط في ذهنه أشياء. جلد قذر ورائحة بهائم 


وغراء وعناق شهرت وفراشه» فينفجر 

طب روحي . 

ومضث عنه. 

ولعن الأستاذ عبد الله نفسه مرارا بعد هذا الحديث فقد جر 
عليه مشاكل. كانت المرأة أول الأمر مغلقة لا تفتح فمها بكلمة 


العمل؛ والبنت عندها حمى وإسهال. البنث ماتت» صاحبة البيت 


تطاردهم ودوشة كبيرة جرها على نفسه بلا أدنى سبب. 

وأصبحث شهرت عالة . 

وأصبح التخلص منها ضرورة. 

ولکنه حجول» وليس هذا كله شيء فهو انسان على اية حال» 
وهل يقبل على انسانيته وهم يجتازون هذا الكرب؟ من أين يأكلون؟ 


۱۲۷ ا 





4£ 


کان عليه أن يحتمل والاحتمال له حدود» لذلك كانت ما تكاد تفتح 
فمها بالشكوى حتى يقفله . 

ثم إنه رجل وشهرت لا تزال المرأة التي أعجبته يوما ولا تزال 
أمامه مشاكل الجسد رغم أنه يأنف من عمل زوجها السابق في 
‘Godel‏ 

وفوجىء الأستاذ عبد الله ذات يوم بضحكة. . ضحكة رنت في 
أذنيه رنينا غريبا مختلطا أذهله وحيره . 


كانت شهرت رغم كل ما مر بينها وبينه امرأة ذات وقار. كان 
براها دائما في ملاءتها. . جسدها ملفوف وقامتها طويلة ولا انبعاج 
في أعضائها أو ترهل» وكان وجهها جادا في أغلب الأحيان ولكنه 
ذلك النوع السمح من الجدء وفي أحيان قليلة كانت تبتسم. . 
ابتسامة كل ما تفعله أنها تزيد السماحة في وجهها وتدفع ببريق معين 
الى نظراتها. 

وكان رغم كل ما بینه وبينها يكن لها نوعا من الاحترام كانت 
هي بالتأكيد مبعثه. فلا يذكر أنها لوثت لسانها مرة بخطأء ولا قللت 
من احترامها له» ولا طلبت aie‏ مطلبا باهظاء وكانت مطالبها كلها 
متواضعة بسيطة ولا تلجأ الى سؤاله الا في أحوال نادرة. 

غير of‏ تلك الضحكة أزعجته. كانت فيها ميوعة واستهتار وهو 
لم يعهد فيها ميوعة أو استهتارا. ونادى عليها: 


- يا شهرت. 


1۸ 





V4o 


- نعم . 

- وخيل اليه أن«نعم» تخرج أكثر طراوة من فمها. 

وجاءت . لم يدر ماذا تقول يقول لها أو لماذا ناداها. ووجد 
نفسه يسألها ان كانت تخلصت من الصرصار الذي في المطبخ› 
وكان قد رأه وأمرها أن تقتله. وابتسمت له وقالت وهي تتدلل : 


ده لقيته لايف على صرصراية . 

وأطلقت ضحكة رفيعة» واشمأز منها وحدق فيهاء وخيل اليه 
انه يلمح في وجهها أشياء لم تكن موجودة» أو أن وجهها ينقصه شيء 
كان موجودا. كانت أيام أن جاءت امرأة مصرية بلدي تنظر في وجهها 
فلا تجد فيه غير زوجة لها أولادء واذا به يراها الان.. أجزاء قد 
غارت من ملامحها وأجزاء برزت» وعيناها داخلتان في وجهها 
وحولهما دوائر وعلامات غير city‏ علامات تدل على تحول أصابها. 
حتى ابتسامتها لم تعد بسيطة ساذجة كعادة ابتسامتهاء أصبحت تحمل 
جزءا صناعيا ملحقا بها ومفتعلا. 


وراعه ما وجده من تغيير. 


وظل الأمر يشغل باله. هل هو مسئول عما حدث؟ وهل هو 
فعلا الذي أحدث فيها هذا التغيير؟ وهل هو الذي انهال على 
ملامحها المخلصة المتزوجة فأحالها الى ملامح امرأة تباع وتشترى؟ 


وفي الواقع أحس بنفسه مسئولا ولکنه تجاهل احساسه بتأنيب 


لحل فاع اماي 





vay 


الضمير. ان الانسان لا يؤنب نفسه الا اذا حاف من عقساب يتبع 
فعلته وهو لم يكن خائفا من أي عقاب . 

السبب الحقيقي الذي شغل باله كان شيئا بدأ ينهش صدره. . 
خوف غامض محير. ترى هل وحده هو وحده المسئول عن ذلك 
التغيير أم ان شهرت قد أنشأت علاقات أحرى مع أناس آخرين. 
أحس بالغيرة. . غسسرة من نوع مطروق. ليست غيرة الحبيب على 
الحبيب ولكنها غيرة السيد على خادمته. أو غيرة السييد على نفسه. 
كان خائفا جدا أن تكون شهرت قد ساوته بصبي مكوجي أو بائع 
خحبزء ولهذا كان قلقاء ولهذا تزايد قلقه . 

وفيما توالى من أيام كان لا ينظر الى شهرت الاوالشك يملأ 
عيونه . واذا أرسلها الى قضاء حاجة يستجوبها بدقة بعد أن تحضر. 
ويحاول أن يستغل فراسته كوكيل نيابة سابق وکل معلوماته عن علم 
النفس sla!‏ لإدراك ما اذا كانت تخدعه أم تقول له الحقيقة . 

وكان يسمعها تتضاحك أحيانا وهي تصعد السلم فيسألها حين 
تدخل» مع من ولماذا كانت تضحك؟ ثم ينتهز أول خطأ ويعاقبها 
بشدة. 


وكان يعجب ويستغرب فقد تحولت شهرت. . كانت أول ما 
جاءت لا نكاد تستطيع أن ترفع عينيها في وجهه فاذا بها الآن كلما 
نهرها حدقت فيه وغضبت ولولا بقية من حياء لقالت: city‏ مالك؟ 
ثم بدأ يلاحظ أن قسوة ما قد صارت لهاء وأن شخصيتها تخمد فيها 


۳۰ 





7*4 


روح الزوجة الأم وتتصلب وتأخذ شكلا فيه حدة وعصبية وجمود. 
كانت تناقشه وهي التي لم تكن تجرؤ على نقاشه» وترد على حججه 
بحجج . وكان gab‏ ضعفه» وأحياناً ينتهز نفسه ويسألها: ما 
الذي يمنعه من طردها؟ ولكنه منذ of‏ بدأت تقوى بدأ ينكمش» 
وأحيانا لا يستطيع الاستمرار في مناقشتها . 

هل كان خائفا منها؟ 

هل كان يخاف إن هو أغضبها ان تفضحه مثلا وتسود سمعته؟ 

of‏ كان فقط يخجل من مجابتها وهو العليم بلسانه المتواضع؟ 
لعله كان يخجل. ثم انها كان لها منطق» ومنطقها كان دائما نويا 
دامغا. كان هو يعتمد في مناقشته لها على أوهمام وافتراضات 
وتخمينات مبعثها ما يدور في رأسه عن سلوكهاء وكانت هي تعتمد 
على حقائق تكاد تدفعها في وجهه دفعا. 

والغريب انها كانت كلما اشتطت في موقفها منه ازداد هو آدباء 
بل أحيانا كان يتملقها. لا لم يكن ذلك النوع من الملق الذي يزفه 
كعادة المرؤوسين للمفتشين وكبار رجال الوزارة الذين كانت تربطه 
ببعضهم العلاقات. لاء نوع آخر أكثر تخفيا. مثلا بدأ يسألها عن 
زوجها بشكل place‏ وعن أولادها. وكان الزوج يحيره. . كانت 
شهرت لا تكف عن الشكوى منه وتلعن اليوم الذي دخلت فيه بيته» 
وسب كسله وخیبته . ولكنها كانت تتلفظ بالشتائم من فوق لسانها فقط 
وكأنها تنهر ابنها البكر ولا تعني ما تقول. كان أياما يعمل وأياما كثيرة 
لا يعمل» وهي على الدوام تعمل . وأولادها باستمرار موضوعا مفضلا 


۳۱ فلع اندي 





V4A 


لأحاديثهاء وهي المسئولة عن كل شيء أمام صاحب البيت. وحتى 
أمام صاحب العمل الذي يشتغل عنده زوجها. ويعمل زوجها بمسمط 
يوماء وفي يوم يوزع جبنة على الزبائن» وأحيانا قهوجي » وأحيانا 
تجهز له هي عجينة الطعمية ويقف على رأس حارتهم يقليها ويبيعها. 
وكان يأخذ له في كل عمل يومين ويولي . وكان الأستاذ عبد الله يتولاه 
الذهول كلما فكر في تلك العائلة التي تحيا معلقة بين الأرض 
والسماء» ويتساءل. . ترى كيف تحيا لو لم تكن شهرت تعمل عنده؟ 
ولكنه يفكر في كل ذلك كما يرثي الانسان لزلزال يحدث في الملايو 
ويطيح بالقرى. رثاء. . مجرد رثاء يقضي عليه الملل الذي بدأ 
يتسرب اليه من شهرت ومشاكلها وعائلتها . 

وجاءته في منتصف شهر تطلب منه جنيهاء ولم يكن صدفة أن 
تطلب منه في ذلك اليوم التالي ليوم نالها فيه. وحز طلبها في نفسه 
وسألها: 1 

1 

فقالت وهي تضحك وتتمادى وتتدلع : 

- سلف . 

ورمقها فوجدها تنظر اليه بعينين لا تردد فيهما ولا خحجل. 
فخجل وأعطاها الجنيه. وصمم أن يكون هذا شهرها الأخير. وقال 
لها بابتسامة فاشلة : 

~ وتجيبيه امتى ؟ 


فأجابته : 


١ 





744 


نقسطه . 

وأعقبت اجابتها بضحكة ارئعشت لها أذله . 

وفوجىء بها بعد أيام وقد حضرت لأول مرة دون ملاءة . 

كانت ترتدي‌«جیب» من قماش كاروهات رخیص» ولكنه 
جديد» وترتدي فوقه حرفة قديمة ممكن تسميتها مع كثير من 
التجاوز «بلوزة»» ولم يكن يغطي شعرها شيء. كان رأسها 
عارياء ols,‏ ثمة أحمر خفيف  ald‏ صنع بقلم كتابة pool‏ على 
شفتيها. وكان منظرها يبعث على الاشمئزاز. 

كان الملاءة تضفي عليها جدا وتجعل لها منظر الأم. أما هذا 
الزي» صحيح لم يكن فاضحا ولكنه ليس clay‏ أم بأية حال من 
الأحوال. ثم إن رأسها حين كشفته غير من وجهها وشعرهاء وأظهر ما 
كان خافيا في وجهها وشعرها وأصبح لملامحها تعبير عمومي . 
كانت ملامحها فيما مضى لها طابع حاص ونكهة تميزها عن أية امرأة 
أحرى» ولكنها بدت مجرد امرأة ذات شعر خشن لم ينسكب عليه 
طلاء أو نعمه زيثت» وقد أصبح مفضوحا لا يحجبه منديل ولا تحفظ 
عليه كرامته ملاءة . 

وقال لها باستغراب حقيقي : 

عملتي في نفسك كده ليه؟ 

فأجابته بصوت كأنما كشف عنه الغطاء هو الأخر فأصبح 
مبحوحا ذا نبرة غريبة : 


lee ۳۳ 





أصلي بانكسف من الملاية لما باجي العماره. 

وأضافت وهي تخطر أمامه: 

- مش كده أحسن؟ 

قالت هذا وهي تنظر إليه عبر كتفها وتلتفت خلفها بعينين فيهما 
نفس الجرأة والاستهتار. 

ومط شفتيه علامة اليأس وقال لها: 

- جوزك يا ترى قال Sal‏ 

وطرقع شيء في فمها وقالت: 

يا أخي دا اهدى. . هو dom‏ بيشوفه. 

- ليه سافر والا أيه؟ 

فقالت وقد تغيرت ملامحها: 

- بقاله بسلامته تلات أشهر قاعد في القهوة . 

- ليه , 

د ots‏ نهل 

وضحكت ضحكة ذات شهقة» وقالت وهي تغير الموضوع 
وتخطر أمام مرأة الأنتريه : 

مش بذمتك أحسن من بتوع السيما يا بيه؟ 


وأقسم في سره أن يكون هذا شهرها الأخير. . 


١ 





A‘\ 


وعوجت وسطها وقذفت بيدها في حركة تمثيلية متراخية على 
وجهها في المرأة وقالت: 1 

- مش أنفع يا بيه اشتغل في السيما؟ 

ومضت تصنع«البوزات» وتعقص رقبتها. ولما لم يرد قالت 
وكأنما ترد على نفسها: 

- الناس بيقولوا اني أنفع في السيما. 


0 قاع المديئة 





وثاني يوم حضرت بالملاءة. وسألها عن السبب وهو يضحك 
بسخرية . فقالت وهي واجمة أن البلوزة التي كانت ترتديها لا تصلح 
وأنها في حاجة الى بلوزة جديدة» وقد اشترت القماش ولكن يلزمها 
جنيه أخر للترزي . 

وصمم أن لا يعطيها أي مليم . صمم والأمر يشغله. . ترى 
أجمل بالملاءة. ولم يفترض حسن النية وهو يجيب واستمسر يتساءل: 
ترى ماذا تفل بعد انتهائها من عملها عنده؟ وكيف يأكلون؟ لا بد 
أنها تخرج في الشارع» وذوي الملاءات Y‏ بد أن سعرهن قليل ولهذا 
تريد الجيب والبلوزة ليرتفع ثمنها. 

ومع يقينه في صدق ما يخمئه الا انه راح يستنكر أن يكون ما 
يفترضه هو الحقيقة. ولم يشأ أن يتعب نفسه. . كانت شهرت بالنسبة 
اليه قد انتهت. بضعة أيام فقط ويطردها بلا رجعةء فلتفعل ما يحلو 
لها. 


وألحت في اليوم التالي وهي تطلب منه أن يقرضها الجنيه 


۳٦ 





مدعية أن البلوزة قد تم تفصيلها. ورفض بجفاف. كانت قد 
استلفدت كل ما لها من نقود. وأي سلف لن يسترده. وهو قد صمم 
على ازاحتها ولن ينتظر إلى آخر الشهر. . غدا يقول لها مع السلامة. 

ولكنه كان يحدث نفسه بهذا كل يوم. وکل یوم ينسى . يخرج 
من الشقة في الصباح وفي نيته أن يفعل» ثم يهبط الى الجراج ويدور 
حول العربة ويتأكد من نظافتهاء ولا بد أن يجد فيها شيئا يستحق أن 
يلوم صبي الجراج من أجله. ثم تتهادى به العربة الى المحكمة؛ وما 
أن يصل حتى تدب الحياة في بنائها. تحيات من اليمين ومن اليسارء 
وقيام وقعود. وهرولة وهرجلة. وفرغلي ما يكاد يلمح العربة حتى 
يقبل لاهثا ويفتح بابها وينحني ويلفع الشنطة ويتبعه من بعيد» والناس 
من حولهما راكعة الرءوس ولا مجال للكلام. ويدخل حجسرة 
الانتظار. . بعض القضايا لم يكن لديه مجال في وقت لمراجعتها وقد 
أشبعها تأجيلا ولا بد من مراجعتها قبل بدء الجلسة. ويدحل الكاتب 
عجوزا وله منظار وبطؤه أكثر كأبة من منظاره» ويأخذ أكثر من خمس 
دقائق ليقول صباح الخير ويتلكاأء وتأتي القهوة ويفرد دوسيهات 
القضايا. ويحس بالوقت يمضي بسرعة والساعة ثقترب اقتراباً تعنولنا 
من العاشرة» والجمهور في القاعة يتململ وقد بدأ يسمع بأذنه 
أصوات الاستنكار والهمس الخافت حين تعتريه موجات ارتفاع فيغادر 
مكتبه. وفرغلي واقف على الباب وتدوي كلمته: محكمة! تكاد من 
فرط علوها وصلابتها أن تصنع قوس نصر ينفذ من تحته القاضي إلى 
كرسيه . 


۳۷ قاع المدينة 





وتبداً القضايا. . سريعة متلاحقة يهتم بتتبعها أول cll‏ ثم 
يؤجل تتبعها ويسرح أو يحدق في وجه أعجبه أو لم يعجبه لشاهد من 
الشهود. أو يستشقل دم محام» أو تطرق باله أحيانا فكرة أن يستقبل 
من الحكومة ويعمل محاميا. 

وينتهي اليوم» وتمضي به العربة ويتركها على باب الجراج 
ويصعد. وما أن يفتح الشقة ويجد ملاءة شهرت راقدة في الأنتريه 
كالراية السوداء حتى يذكر أنه نسي أن يفاتح فرغلي في أمر طردها. 
ويصمم أن لا ينسى في اليسوم التالي. . وينسى في الوم 
التالي . : 


۱۳۸ 





انتهى الأستاذ عبد الله من سرده وهو يخبط كفا على كف. 
كانت المسألة في غاية الوضوح. . شهرت أخذت الساعة لتبيعها 
وتدفع .ثمن البلوزة بعدما رفض اقراضها وبعدما أحست أنه ينوي 
طردها. وكانت المسألة من كثرة وضوحها تدعو الى الغيظ. لماذا 
الساعة بالذات؟ ولماذا اليوم بالذات . 

وكان شرف لا يزال ممددا قبالته یستمع » ويبدو أن طول ما رواه 
عبد الله قد عمل عمله فجعل عقل شرف يسترخي . كان جالسا يكاد 
يكون لا حول له ولا فوة. 

وبلغ الغيظ بالأستاذ عبد الله منتهاه وقد أحس بنفسه يجابه 
الموقف وحيدا. جاء بشرف ليعينه فاذا به فاتر الحماس والأمر لا يكاد 
يهمه. خادمة مثلها تأخذ ساعته عيني عينك وهي تعلم أنه حالا 
سيعرف . انها ليست سذاجة منها أن تفعل ذلك إنها وقاحة وتحد. 
وانفجر يحدث شرف ويتحول كلامه الى صياح. كان منفعلا وكأن 
كرامته هي التي سرقت» وامرأة فاجرة هي التي سرقتها 
لتحترف بها. إنه لن يسترجع الساعة فقط ولكن شهرت لن تنفد من 


۱۳۹ ال 





يده. . سوف يريها أنه ليس بالضعف والطيبة التي تتصورها وأنه ليس 
من الطير الذي يؤكل لحمه. 

وأخذ OMe I‏ يكدان تفكيرهما ويتشاوران فيما يمكن عمله . 

شرف جالس ممدد الساقين. 

وعبد الله يروح ويجيء ولا يستقر في الحجرة. 

كان يومها يوم الأحد وهو اليوم الذي تعودت شهرت أن تأخذ 
فيه اجازة» وهي لم تتعود. هو في الحقيقة الذي عودها. لم يفعل 
ذلك أول ما جاءت بل هو تقليد وضعه مؤخراً بعدما ضاق بشهرت 
ولم يعد نوالها يكفي شغفه» وأصبح لا بد من العودة إلى الطربقة 
القديمة وإخلاء الشقة لزوار اخرين. 

وفكر أول ما فكر أن يبلغ البوليس» ولكنه راجع نفسه» وراجع 
كل ما نظره في حياته من قضايا وكل ماسمع عليه فلم يجد أن 
البوليس قد أفلح مرة في اعادة مسروقات صغيرة كتلك. ما أن يبدأ 
البوليس يتدخل حتى تغوص المسروقات في سابع أرض» وليس هذا 
كل شيء» فإبلاغ البوليس يحتم عليه أن يقر وهو القاضي الأعزب ‏ 
أنه يستخدم عنده امرأة. ثم قد تتوقح شهرت وتفلت منها ألفاظ› 
ولهذا كان من المستحيل عليه أن يبلغ البوليس. 

وكان فرغلي أول من خطر له هو مفتاح القضية. لا بدمن 
استدعائه وشرح ما حدث له وتحميله المسئولية باعتبار أنه ولي أمرها 
وهو الذي أحضرها. ثم عليها بعد هذا أن يكلفه باستدراجها 
والحصول على الساعة منها. ولكن شرف لفت نظره الى شيء. . 


ال 





Avv 


شهرت ليست بالسذاجة التي قد يتصورها ولن تقع هكذا من أول 
هجوم. ثم من يدري؟ لعل حب الاستطلاع يدفع فرغلي الى توجيه 
أسئلة ما تؤدي الى أسئلة أخرى. لا بد أن يكونهو المتحدث اليها 
بنفسه حتى يستطيع أن يرد في الوقت المناسب ويزن الأمور. 


ولكن. . . كيف يقابلها؟ 

هي الآن في بيتها ‏ والساعة الثالشة ‏ وهو لا يعرف بيتها. 
فرغلى هو الذي يعرفه» وفرغلي الآن في بيته» واذا صبر الى الغد 
فلن يضمن بأي حال أن تبقى الساعة تنتظره. إنه مؤمن ايمانا راسخا 
أن لو أمكنه بطريقة ما أن يفاجىء شهرت في بيتها OW‏ فسوف تروع 
وتعترف وتناوله الساعة. ولم يفلح شرف في زلزلة هذا الايمان 
واضطر في آخر الأمر الى Lule‏ أفكاره والى أن يبحث معه مشكلة 
العثور على فرغلي . 

وظل عبد الله يعمل فكره. وتذكر شيشا. . تذكر انه نسي 
المفاتيح مع فرغلي مرة ثم استطاع العشور عليه وعلى بيته واستعاد 
المفاتيح بطريقة ما. ما هي تلك الطريقة؟ 

وكان الرجل في قمة توتره» كان عقله يعمل بسرعة وقوة لم 
يعمل بها منذ سنین» وذهنه حاضر لامع متدفق» وثمة دافع جبار 
بتفجر في نفسه ويغذيه بالنشاط ولا يكف عن تغليته. كان كقائد 
جيش يعد للهجوم في الفجر ويعمل حسابا لأدق الاحتمالات. 
وتذكرا أمرا.. صبي الجراج. تذكر أنه كانت له علاقة باستعادة 


4١‏ قاع المديئة 





المفاتيح . وفي الحال استدعى البواب وأمره أن يستدعي صبي 
الجراج. واستمر يروح ويجيء حتى دق جرس الباب ودخل الولد 
وفي أعقابه البواب الضخم الأسمر. 

كان الصبي شابا قمحي اللون مهلهل الملابس يبدو الريف 
على سيماه» بل يبدو أنه هارب من أهله في الريف. وظل الأستاذ 
عبد الله يسأله على الأقل حمس دقائق قبل أن يستخلص منه شيئا. 
كان يبدو على الشاب أنه gy pe‏ باستدعائه أمام القاضي» مذهول 
بالشقة والناس المتطلعين اليه. 

وأخيرا هدأ الشاب بعد أن حاول ابتلاع ريقه الجاف وكاد يبتلع 
حنجرته. وسأله عن فرغلي» وأنكر الولد انكارا UG‏ أنه يعرفه أو له به 
صلة. وحاول القاضي OF‏ يسترضيه بسيجارة ولم يشأ أن يزيده 
اضطراباً ويأمره بإشعالها canbe‏ وعاد يسأله وهو يطمئنه وبربت على 
كتفه. وبعد جهود اشترك فيها شرف والبواب» تطوع الشاب أن 
يحاول تذكر بيت فرغلي والبحث عنه. وكي تتوفر السرعة الواجبة أمر 
القاضي البواب أن يستصحبه ويأخذا تاكسيا ولا يعودان إلا بفرغلى . 
وأعطاه جنيها يدفع منه مصاريف الانتقال. ۰ 

وافترض الأستاذ عبد الله أن فرغلي قد جاء ومضى يكمل 
الخطة. 

إن الموقف صعب . فرضنا أنه عثر على شهرت وواجهها. هل 
يضمن نفسه؟ انه هنا وهي في بيته وهي خادمته  OLS‏ في أحيان 


۱4۲ 





۸۰۹ 


كثيرة لا يستطيع أن يبقي عينيه في عينيها طويلاء فما بالك في ظروف 
كهذه؟ ولم يستقر الخاطر في ذهنه لحظة. كان الغضب يجتاحه 
ويؤكد له أنه قادر على مواجهة مائة شهرت وأنه ما أن يراها حتى 
يصبح في امكانه أن لا ينتزع منها الساعة فقط ولكن ينتزع روحها 
أيضا. 

ولكي يطمئن كان لا بد له من الاستعانة بأمر آخر. اذا عن لها 
أن تكابر وتنكرء واذا استطاعت أن تتماسك أمامه فلا بد من 
تهديدها. وهو لا يملك وسيلة لتهديدها سوى تخويفها بالبوليس 
والسجن. ولكي تخاف من البوليس يجب على الأقل أن تراه بعينها. 
وهو يعرف معاون بوليس قسم ثان الجيزة» وممكن أن يستصحبه الى 
بيتها فقط لمجرد تهديدها وإخافتها. ثم Of‏ معاون البوليس هذا شاب 
مرح لطيف يستطيع أن يشرح له الأمور اذا تفوهت شهرت بأقوال 
تشين . ولكن ماذا لو رفض المعاون أو اعتذر» وبيت شهرت بالتأكيد 
ليس من اختصاصه . . الا يكون قد كشف نفسه دون داع؟ 


' ولايدري كيف ساورته الفكرة» ولكنه صافح شرف في التو 
وهو يهنىء نفسه على ذكائه واكتشافه حلا عبقريا. لكاذا لا يقوم 
شرف بدور الضابط. والاثنان يتعاونان على اعادة النظام الى شعر 
شرف المهوش حتى تصلح رأسه لضابط . 
ودق الجرس . 
وخرج الأستاذ عبد الله ووجد فرغلي واقفا يلهث وقد رفض 


0 \ ty 





م6٠‎ 


البواب ان يجعله يصعد في الأسانسير وجاء به من يده عن طريق سلم 
الخدم . وفرغلي ببدلته الواسعة القديمة المعتادة» وطربوشه الغامق 
المائل والعرق ينز من وجهه. وفي كلمات مقتضبة قليلة أنهى اليه 
القاضي بما حدث . 

وما كاد فرغلي يتحقق حتى تراجع الى الوراء كالملعور. وقال 
gh dia Vas‏ 

- ازاي؟ ازاي؟ ازاي بنت ال. . 

وظل يردد الجملة لا يغيرها وثلاثتهم. يهبطون السلم. 

وركبوا العربة. 

القاضي أمام عجلة القيادة في المقدمة» وشرف بجواره» 
وفرغلي جالس على أطراف الكرسي الخلفي يكاد يقف لو كان سقف 
العربة يسمح. وكان هو أيضا الذي يتكلم طوال الوقت أو بالأحرى 
يسب ویستنکر ويعد القاضي أنه سيخرب بيتها وبيتم أولادهاء 
ويطردها من الحتة. 

وكان فرغلي يتكلم عن«الحتة» كما لو كان القاضي يعرفها. 
وسأله الأستاذ عبد الله عنها فقال فرغلي بلهجة الواثق : 

- جنب حارة الروم على طول . 

وعاد القاضي يسأل وفرغلي يجيب بأسماء لم يسمع عنها 
القاضي ولا حتى شرف . وأدرك الاثنان أخيرا أن«الحتة» التي يقصدها 
فرغلي هي الحارة السد التي تقع في مكان ما وراء الجامع الأزهر. 


ل 





AN\ 


بدأ الأستاذ عبد الله الرحلة وهو فى قمة انشراحه. ضمن 
Spor!‏ :الى كتهرك رف الاجا cymes‏ ارعن المناعة: 
وضمن الخطة. بدأ الرحلة تماما كالتلميذ المجتهد الذاهب الى 
امتحانه وهو متأكد من النجاح وعلى وجهه اشراقة النصر. ولم يكن 
منشرحا فقط بل كان أيضا نشوان» ففوق أنه سيستعيد ما أخحذ منه 
غدراء فقد كان في الطريق الى اختبار ذكائه ومقدرته على التفكير. 
والمغامرة في حد ذاتها لذيذة. . مغامرة جديدة رائعة أن يضبط 
شهرت بنفسه ويضبطها متلبسة, ويراقب انفعالاتها بدقة» ويرى 
ارتباكها ورجفتها وانكارها. أو قد يحدث حادث مفاجىء لم يعد له 
حسابا ولکنه لا بد سيكون ممتعا وسيكون التغلب عليه أكشر امتاعا. 
المغامرة رائعة حافلة في كل خطوة منها متعة» وفي رواية تفاصيلها 
بعد ذلك لأصدقائه سعادة. 

الأحاسيس الدافئة كانت تملؤه والخواطر السوداء كان يطردها. 
فقد لا تكون شهرث هي السارقة رغم دقة ذكائه, أو تكون قد 
تصرفت في الساعة» أو يفشل في مواجهتها ومفاجاتها. 


هع١‏ قاع المديلة 





A\Y 


وتتامر عليه عشرات الاحتمالات ولكل احتمال منها وجاهته. 
ويحس برأسه يكاد ينفجر. منذ أن عاد من المحكمة وهو لا يكف عن 
التفكيرء والانسان له عقل واحد» وعقله قد تحمل فوق طاقته وما عاد 
في استطاعته المضي . 

وقرر أن يوقف التفكير في شهرت والساعة ‏ وما قد يكون ‏ في 
الحال ولم يستطع. في كل مرة يظهر طرف سؤال أو احتمال ثم لا 
يلبث ان يتكامل. . ويصبح مطالبا ببحثه والاجابة عليه. ولهذا قرر أن 
ينصرف عن الموضوع كلية» ولم يجد أروع من أن يجعل عقله 
يسترخئ ولا يفعل شيئا سوى استقبال ما يتتابع أمامه من مشاهد 
وتأملها وحصر نفسه فيها . 

ومن تلك اللحظة بدأ بحس بنفسه ينزلق ويشوه ولا يستطيع أن 
يحدد واقعة بذاتهاء أو يتذكر دقائق حدث معين» أو يعشر على سبب 
واضح لما اعتراه. . وكأنما قد حدث كل ما حدث وهو نائم يحلم أن 
شيئا مما رآه لم يحدث. إنه لا يزال يذكر علامات باهتة للبدايةء 
وكان في شارع الجبلاية والشارع طويل نظيف تحفه أشجار مقلمة 
فروعها ومرسومة» والمساحات واسعة والعمارات شامخة وعالية وكل 
عمارة لها نمط وشخصية والمارة نادرون. . والهدوء مخيم والسكون 
تام لا يسمع فيه الا حفيف العربات السارية» وكلها من ماركات 
فاخرة وموديلات حديثة» والهواء مفتح النوافل يسري ناعما رقيقا في 
حرية» وموج النيل يمشي على أطراف أصابعه حتى لا يعكر قدسية 
السكون المستتب. 

والعربة تمضي وكانها تمضي فوق بساط من حريرء وصدره 


14٦ 





A\Y 


ممتلىء بأحاسيس جياشة وحواسه تستعد للمشاهد المثيرة المقبلة» 
وشرف بجواره يدخن في صمت ولذة ويبتسم كلما تذكر 60299 
وفرغلي جالس في المؤخرة متشبث بالمسند الأمامي يكاد يشم رائحته 
ورائحة بدلته» ورذاذ كلامه يتطاير ويغرق أذنه اليمنى . . 

وعند أول الكوبرى تلتقي العربة بأسراب العربات القادمة من 
الزمالك والجزيرة والدقي والجيزةء أسراب جديدة رائعة الألوان 
كأسراب الطيور تعبر الكوبري وهي تكاد تطير. . وفي دوامة ميدان 
قصر النيل تتسرب الموديلات القديمة وعربات الأجرة ويوزع الميدان 
محتوياته ويملأ بها شوارع المدينة حيث الحركة دائبة والاتساع أقل» 
والبنايات متلاصقة منقاربةء والأصوات قد بدأت تشغل الأسماع» 
والألوان تتعدد. والماشون على أرجلهم قد بدأوا في الظهور. وفي 
العتبة تختلط العربة بالأوتوبيسات وعربات الترام والمارة والكاروء 
وتبدأ الجلابيب» وتعنف الحركة» ولا يبقى ثمة نظام . . 

وحين يدلفون الى شارع الأزهر يصل الصراع الى قمته. 
ويختلط في بطن الشارع الحابل بالنابل» والراكب بالماشي . وعويل 
العجلات وصراخ الكلاكسات. وزمامير الكمسارية وزئير الموتوراث» 
وسرسعة أجراس الأحصنة وصفافير عساكر المرورء وزعيق الباعة 
والمارة» والحرارة تصل أوجها والازدحام منتهاهء ويصبح لا مكان 
لفرد وكل شيء بالجملةء الركوب بالجملة والشراء بالجملة 
والحوادث Lat‏ بالجملةء والآلات هي التي تتصارع والبقاء للأكبر 
وبين الحين والحين تسمع: حاسب.. كالصرخة الأخيرة لقتيل 
يغرق. 


0 المد‎ » 
ا‎ a ١4 





A\t 


وتصبح قيادة العربة colds‏ وروحه تبلغ الحلقوم. والمارة لا 
يكفون عن سبه. وفرغلي لا يكف عن رد السباب بأحسن منهء 
وتصميمه على تأديب شهرت يزداد. لم يعد كافيا أن يخيفها ويستعيد 
الساعة. . لا بد من الانتقام لكرامته. . آه لو يخنقها. . أجل يلف 
أصابعه حول عنقها ويظل يضغط ويضغط على النفير» ولا يسمع له 
صوتا ويشدد من ضغطه والضجة تمتص الأصوات وتمنع الصرخحات» 
والازدحام «file‏ والتقدم بطيء يفجر المرارة» وجامع الأزهر يبدو 
عاليا مغبرا أحجاره كبيرة ‏ الحجر يبني Lig‏ » وجداره متين تملأه 
الخرابيش والحفر ولا يهتز بما حوله» ويشهد الصراع القاتل من مثات 
السنين ولا يحرك ساكنا ولا يستطيع ساكن أن يحركه. . وتنحرف 
العربة إلى اليمين. . 

ويتركونها بناء على نصيحة فرغلي وتحت مسئولیته» ويكملون 
الرحلة سيرا على الأقدام . وبعد خطوات قليلة يحس بفراغ في رأسه 
وكأنه أصبح وحيدا في مكان عريق مهجور. والضجة ماتت والهدوء 
قد أصبح شيئا ملموسا وکل ما حوله قد بدأ هوي أمام ناظريه. إنه 
مصري مائة في الماثة» أبوه من المنيرة وأمه من العباسية وله أقارب 
فقراء في الصعيد» وسافر ورأى وانتقل وحقق ولمس بنفسه أقصى 
درجات الحاجة. وهو متأكد انه لا يزال في القاهرة لم يغادرهاء Oly‏ 
المكان الذي يمشي فيه حي من أحبائهاء ولكن المرئيات تتتابع كلما 
تقدم ويحس بالذهول وبأنه يدلي بحبل في بثر لا قرار له. . 

الشوارع أول الأمر مستقيمة ذات طول وعرض وأسمساء 


۸ 





A19 


مشهورة. . وأسفلت واضح وتلتوار. . والبيوت على الجانبين مزدحمة 
ومكدسة. . ولكنها بيوت لها أرقام ؤبلكونات ونوافذ بشيش وزجاج 
وبوابات ذات زحارف» والحركة مائجة هائجة. . والدكاكين لها 
أصحاب ومكن وعمال ويفط مكتوبة بخط أنيق» والمارة ؤجوههم 
حليقة فاتحة فيها cols‏ وملابسهم كاملة زاهية ذات ألوان وتفصيل» 
واللغة راقية مكونة من جمل وكلماتء والجو تملؤه رائحة الوقود 
المحترق والمانيفاتورة والعطور. . 

ويتقدمون. . وتضيق الشوارع وتقل شهرتهاء وتفقد البيوت 
أرقامها وتنقص أدوارهاء وتصغر أبوابها وتصبح نوافذها بلا 
شيش» وتتحول الدكاكين الى حوانيت صاحبها هو عاملها ويداه هي 
المكنة» وتشحب وجوه المارة وتزداد سمرة» وتبهت ألوان الملابس 
ويتقدم بها العهد» وتنحلل اللغة وتصبح كلمة ونداءات وشتائم» 
وتهب رائحة العطارة والجلود والغراء والخشب المنشور. 

ويتقدمون.. وتضيق الشوارع وتضيق وتفضي الى حارات 
تصك أسماؤها الآذان» وتأخذ مكان الأسفلت كتل صلبة من 
الأحجارء وينتهي التلتوار. وتتقادم البيوت ويفصلها عن الحاضر 
أحقاب وأحقاب» وتصبح النوافذ فتحات ليس فيها غير الحديد. 
وتخفت الحركة» وتندر الحوانيت وتتقطع ويصبح بين البقال والبقال 
مشوار. . وتتضخم الملامح وتغمق الوجوه وتنبت اللحى وتغزر 
الشوارب وتتناقص الملابس ويصبح البنطلون بلا قميص والجلباب 
بلا سروال» وتتفتت اللغة الى أنصاف كلمات وأرباع وتعبيرات لا 


١.4‏ قاع المدينة 





۸۱٦ 


يفهمها سوى أصحابهاء وتختفي روائح الدكاكين وتمتلىء الأنوف 
بروائح التقلية والملوخية متصاعدة من البيوت. . 

ويتقدمون. . وتتعرج الحواري ونتداخل وتؤدي الى أزقة لها 
أسماء تضحك غرابتهاء وتصبح الأرض من التراب وعلى التراب 
أوساخ وماء وطبن. وتموت الحركة وتختفي الحوانيث وتنتقل البضاعة 
الى عربات يد أو صناديق معلقة في الحيطان. . وتفقد البيوت ما 
فوقها من طلاء وما في نوافذها من جديد. ويقل المارة من الكبار 
ويظهر SEY‏ ويتكائرون وكذلك يفعل CALA‏ وتتضخم الملامح 
وتنورم وكأنما قرصتها دبابير» وتتهرأ الملابس وتتمزق وتفقد الكثير من 
أجزائها. ويظهر أناس بلا لباس» وتصبح اللغة سرسعة وأصوات ٠‏ 
وحروفا تتصاعد من حناجر شديدة البروزء Shady‏ رائحة الطين والقدم 
الأنوف. ! 

ويوغلون في التقدم . . وتتلوى الأزقة والمسالك وتؤدي الى 
مكان ليس له كيان؛ كل ما فيه يختلط بكل ما فيه» الأرض المرتفعة 
المكونة من أجيال متعاقبة من القاذورات والأتربة» بالأبنية المنهارة 
التي ناءت بما فوقها من أكوام وأعمار» ولون الأرض ذات الطين بلون 
الجدران ذات التراب» والملابس بالخرق المبعثرة في الطريق» 
ورائحة الناس برائحة الأرض برائحة البيوت» والهمهمات المتقطعة 
بهبهبة الكلاب بالأبواب الكبيرة وهي تزيق وتفتح » والحركة البطيشة 
الميتة بالهوام الزاحفة» والمساكن المنخفضة المتربة بالقبور التي ترقد 
على مرمى البصر» وفرغلي المخلول لا يتغير احترامه ويسبقه بنصف 





A\V 


خطرة لا يريد أن يسبقه كثيراً ولا أن يتأخرء ولا يريد أن يوليه ظهره» 
ولا يستطيع أن pont‏ ووجهه الى الخلف» ويجامله بعقد ملامحه اذ 
المهمة التي جاءوا من أجلها خطيرة تستدعي عقد الملامح» والناس 
تحييه وهو يرد تحيتهم في اقتضاب . الناس تحييه وتسأله عن الأحوال 
ويحف به احترام هو الحاجب الذي لا حول له ولا قوةء ولا أحد 


يعرفه في شارع الجبلاية هو القاضي الذي له الحول والقوة. 


ويمضون وحولهم Le‏ وبيت تتساند حتى لا تنهارء والناس 
هي الأخرى تتساند حتى لا تنهار. والعجوز يتحامل على شاب» 
والأعمى يسحبه صبي» والعليل يسنده جدارء والنبي وصي على 
سابع ole‏ وخيط خفي يجمع الكل ويربطهم معا وكأنهم حبات 
مسبحة وكأنهم روح واحدة تحيا في أجساد كثيرة متفرقة» والزمن لا 
قيمة له فالطفل الرضيع على كتف أمه هو الطفل الذي يحبو 
ويختلط بأكوام الزبالة» هو الطفل الماشي الذي يتمنطق بالأحجبة 
خوفا من العين »هو الطفل الميت أو الذي عاش »هو الصبي في ورشة 
أو محل» الغادي الرائح يقلد الممثلين والأراجوز ويتهجى ألفاظ 
السباب» هو الشاب في عفريتة أو جلباب يجذب أنفاس السجائر 
المصنوعة من السبارس» هو الرجل العامل أو الرجل العاطل» هو 
الغائب عن الوعي بجوار حائط» هو الدائخ من الأفيون والبطالة 
والسيكونال» هو الشيخ الذي يقضي النهار يصلي ويدع و للأولاد 
ويترحم على ما فات ويجمل لنفسه الآخرة. 


1۵1 قاع المديئة 





A\A 


والبنت العروس المخطوية» هي الأم ذات الأطفال» وصاحية 
المنديل بأوبة هي المتشحة بالسواد» وضاربة الطفل هي المضروبة 
من الزوج› والطابخة هي الملهوفة التي تبحث عما تسد به الأفواه. 

ويأتيه صوت فرغلي وهو يشير الى البيت الوحيد المتماسك 
ويقول: 

- بيتي . 

ويعزم بقسوة ويشدد ويلعن شهرت التي جعلت رقبته 
كالسمسمة. 

ويسأل عن الحارة السد ومتى يصلون؟ ويجيب فرغلي أنهم 
فيهاء في الحارة السد. وأن بيت شهرت فريب بعد خطوات. 
ويمضون وتحف بهم نظرات مستغربة تتوجس» وراء كل نظرة كلمة 
غريب. ووراء الغريب تساؤل» ووراء التساؤل خطر. . 

والنساء الجالسات على العتبات ينسجن من السامة أحاديث 
ومن الأحاديث مقدمات حزن»› يرونهم فيتعجبن وتميل الرءوس على 
الرءوس وينتقل الهمس من عتبة الى عتبةء وكأن بين العتبات 
الكلمة. . وأخريات يتفاءلن ويقلن: صحة. ثم يرين فرغلي ويتحققن 
منه فتنخفض الهمسات أكثر. 

وأطفال وأطفال» وأطفال يتجمعون أمامهم وخلفهم 
وعلى الجانبين» عيونهم ذابلة فيها رمد وعماص» ووجوههم صغيرة 


١١ه‎ 





۸14 


تحمل كل ما فوق الطريق» وتتوافد معهم جيوش الذباب. ويصرخ 
طفل وهو يقذف فرغلي بطوبة ويقول: 
- محكمة | 


ويلعنه فرغلي وینهسره بلين. ويلتفت الباقون الى reese)‏ 
وتصبح «محكمة» على كل لسان» ويطير فرغلي وراءهم فيهربون 
ويهج الذباب» ثم يعودون الى التجمع ويعود الذباب الى الطنين. 


ashy,‏ فرغلي من بيت شهرت ويسأل احدى الجالسات فتشير 
الى بيت قريب» وينتقل الاسم على كل لسان وكل لسان يضيف 
كلمة وتخميئاً. . ويترك الجالسات جلوسهن ويضمهن موكب الأطفال» 
ولا يصبح فارق كبير بين سواد النساء وسحنة الأرض وزعيق الأطفال 
وهمهمة الكبار» والشمس تصب أشعتها وتجعل كل ما فوق الأرض 
يغلي ويفور وتتصاعد منه الروائح » والنهار يظهر كل شيء ولا يخفي 
شيئاء يظهر عن عمد واصرار وكأنه ينتقم ويشمت. 

وينتظر فرغلي وشرف على الباب وحولهما الركب» ويصعد هو 
وحده البيت مظلم وبابه كفوهة العجوز الأترم وعود الكبريت لا ينفح 
ويهوي الى أرض المدخل. اذ الأرض منخفضة ولزجة وكلها طين» 
والمدخمل واسع كقبوة الفرن المهجور. وشهرت في الدور الثاني 
هكذا قالوا ‏ والدور الأول سواد في سواد» والرائحة لا تطاق. 
والجدران متاكلة وكأنما نهشتها أفواه تعابين. وعليها تموجات رشح 
وأملاح وكأن النيل فاض وأغرق البيت ثم انحسر» وامرأة جالسة على 


\oy‏ قاع المديئة 





م 


عتبة حجرة في المدخل تغسل وساقها بيضاء مكشوفة تضيء في 
الظلام تحدق فيه وتتوجس خيفة » وتنعقد يداها فلا تترك الغسيل ولا 
تغطي فخدها العاري» والسلم متاكل ومتداع وخشبه مخوخ ودرجاته 
تنقص درجات» والقدم تزيق» وخطر السقوط محدق. وعود كبريت 
عاشر ينطفىء. . تطفئه ريح تهب من مكان خفي لا یری» ريح باردة 
رطبة والجو في الخارج le‏ ريح باردة تنفذ الى النخاع فترج 
النخاع . والدور الثاني لا هو دور ولا هو ثان» عروق عارية كضلوع 
هيكل عظمي تصنع السقف بينها مهاوي وحفرء وحيطان شاخحت 
ومالت وانحنت» وباب قريب من السلم. . باب مكون من الواح 
قديمة غير ممسوحة ولم تجر عليها فارة» والخشب قد تغير لونه 
وأصبح رماديا أزرق» وعلى الباب عجين جاف» وبراز طيور 
وحیوانات» وكف دم بنية» ووجه رسمه طفل بالطباشير كوجه جنيه . 


ويمد يدا لا تريد أن تمتدء ويدق بابا لا يحتمل الدق» ويطل 
وجه يقولها بها«عايزك في كلمة». ويصفر وجهها وكأنما سلط عليه 
كشاف في أول الأمر» ما أن يراه حتى يشحب ويسظل يشحب ولا 
يكف عن الشحوب» والعينان صافيتان أول الأمر يعكرهما ارتباك 
مفاجىء وخوف» ثم يمتد الشحوب الى بياضهما ولا يستقر للحدقتين 
قرار. هي شهرت قد رحبت به. وخرج صوتها متداعياً منهاراً كله 
ذهول وحيرة واستغراب . وتفتح الباب ويبدو جسدها يلفه جلباب رجالي 
قديم فيه شق يقسمه بالطول» والشحوب قد وصل الى قدميها وجعل 
أظافرها تبيض. ويضطرب. هذه المرأة المرتعشة سرقت ساعته. 


1\4 





AY \ 


الساعة معها لا بد فماذا يمنعه من خنقها؟ ولماذا لم يعد لديه 
الحماس الأول؟ وعقله يتأرجح بين التقدم والتأخر. لقد جاء وانقضى 
الأمر. 

وكما دبر تماما ها هو ذا يقولها ولكن بغير اللهجة التي دبر ان 
يقولها بهارعايزك في كلمة». ويصفر وجهها وكانما سلط كشاف 
أصفرء وتخاف. وتدعوه للدخول» وتحاول أن تمحو ارتباكها 
وتبتسم ١‏ وترتعش شفتاها وتفشلان في اداء الابتسام . يدخل هوويعد 
العدة للتراجع , فممكن أن يحدث أي شيء. قد يقتلوه أو يسرقوه أو 
تصرخ شهرت وتستغيث. ومن مكان في الحجرة يندفع اليها أطفال 
ثلاثة» بنت في العاشرة طويلة ورفيعة جدا وسمراء وعيونها ضيقة 
وسوداء كالحبرء ووجهها رفيع وجامد ميت لا ينفع ولا يتحرك ولم 
يعرف الضحك. وشعرها أسود cael‏ ورائحة جاز» وضفيرة مجدولة 
وأخصرى سائبة» ومشط خشبي مغنروز في قمة الرأس» وطفلان 
al!‏ . بنت وولد أو بنتان أو ولدان تشبشا بأمهما وأمسكا بشوبهاء 
ومن الظلام المشبع برائحة الجاز تنصب عليه أربعة أزواج من العيون 
المستغربة تنطلع وتتساءل ويرتعش. ويبتلع ريقه ويردد كالأسطوانة 
المعبأة : 

عايزك فى كلمة. 

وتفيق شهرت وكأنما أعطيت حقنة . 

وتطرد الأولاد وتغلق الباب» ومع هذا يتشبت الأولاد بالباب 
المغلق وتبدو عيونهم لامعة من خلال الشقوق كعيون الصراصير ترقب 
ما يجري في الحجرة. ويلهث ويدور بسرأسه»ء الحجرة ضيقة 





AYY 


كالصندوق الذي ضاع Carlie‏ والضوء يختنق وهو يتسرب اليها من 
نافذة علوية» وسرير قديم كالح ذو عمدان رفيعة كالبوص» وحديده 
كله صدأ» ومرتبته أغمق من الصدأء وفي ناحية شيء كالدولاب 
قديم» وجوال فيه ثقوب مملوء لحافته ومركون بجوار الحائط وعلبة 
أرنبة» ومرتبة في الركن 2M‏ وكراكيب وصفائح وأخشاب tle‏ 
وعلى الحائط صورة الامام علي يشق بسيفه رأس کافر» والكافر رأسه 
مشقوق ومع هذا لا يزال ممتطيا حصانه واضعا قدميه في الركاب» 
وعلى المرتبة يتحرك شيء» وإذا بالشيء رجل. . رجل طويل أسمر 
نائم ورأسه كالزلعة الراقد بجوارهاء وعلى وجهه رغم نعاسه تكشيرة» 
وجبهته معقودة» ممدد بطوله على المرتبة وحزامه مفكوك» وملابسه 
الداخلية قديمة سوداء وظاهرة من فتحة بنطلونه» وللمرة الثالثة يقول: 


عايزك فى كلمة. . 
ويعود الكشاف الأصفر ينصب على وجهها وتقول: 
-خیر. . 


وتخرج الكلمة مرتعشة معتقدة تماما أن لا خير هناك. ويقول 
کالمنوم : 
الساعة فين؟ . . 


ويتخشب جسدها وتدب على صدرها بيدهاء وتنکر برموشهاء 
وتفسم بازدياد شحوبها. ويعيد السؤال» وتغلظ في القسم» وتصر 


Yay 





AYY 


على الانكار» وشيء رفيع ثاقب يخرج عقله ويؤكد له أنها السارقة. 
ويمضي كالمحكوم عليه في الخطة يكيل لها الكلمات ويركز الاتهام . 
وتختنق وهي ترد» وتتحشرج الكلمات على فمها وهي تنكر. thy‏ 
دور وكيل النيابة وتأخذ دور المتهمة. ويصبح صاحب حاجة وتحاول 
أن تكون صاحبة كرامة» ويصرخ كالسيد المسروق وتتمسكن 
كالخادمة السارقة. ويطغى على الحوار صرخحات تأتي من الباب. . 
البنت الكبيرة تبعد اخوتها وهي تسمع ما يوجه الى أمهاء والطفلان لا 
يريدان ترك مكانهماء وكأنما يدركان بغريزتهما أن أمهما شهرت في 
خطر ولا يستطيعان تركها تواجه وحدها الخطر. 

وتزداد عصبيته ويهدد بالبوليس وبأن ضابط المباحث 
على الباب» ويبدو عليها عدم التصديق» فيفتح الباب ويعوي الباب 
وهو يفتح » ويأخذها الى النافذة وتطل ويطل» ويقول: 

يا حضرة الضابط , 

ويقول شرف: 

- أيوه يا سعادة البيه؟ 

ويغمز بطرف لسانه ويكاد يضحك. ثم يذهب الهزل عن وجهه 
فجأة.. وتتجمد ملامحه ويخاف عليه أن تنكشف النمرة» فيرتد 
عن النافذة. وتتراجع شهرت الى الحجرة ويتبعها ويقول: 

يا الساعه ياسنة سجن . 


وترتجف (gil plas‏ ويعود فيقول: 


odd! قاع‎ 
a Voy 





AYi 


- وانتي عندك أولاد يتبهدلوا. 
ويلاحظ توقفها عن المسير وهو ينطق الأولاد. فيردد ما قاله 
ويشدد على الأولاد. 


وتحاول أن ترغم نفسها على البكاء وتعتصر عينيهاء فلا تبكي 
ولا تهبط دمعة واحدة» ويتقلب الرجل النائم ويغمغم ails,‏ يحلم . 
وتصيح شهرت: 

- جوزي . . 

ويزداد عصبية وتتوتر أعصابه ويهمس بالتهديد» وشيء في 
داخله يهمس . . الأم تدافع عن وجود العائلة» والزوج يائس نائم.. 
ويزداد حدة» ويكسي وجهه بقناع مبخیف» ويطلق تهديده الأخير. 
وتتعلق عيناها بعينيه» وعيناه ليس فيهما ذرة dem y‏ ¢ وليس في نفسسه 
ذرة قسوة» ولا يدري لماذا يهدد ولماذا هو مصر ولماذا لا يرحم 
ولماذا لا يزداد قسوة» وتقول له : 

- فتش . 
مملوء «بقوالح) الأذرة» وتحت السرير عروسة خشب وخرق قديمة 
كالجلابيب» والعطن يملا خياشيمه» وعدة أحذية متهالكة لا تصلح 
للارتداء فوقها غبار كثير» وماسورة حديدية» والدولاب طوله مسر 
وطلاؤه بي وفوقه طبقة سوداء سميكة . . وداخله حبة بطاطس مسلوقة 
عليها صرصار» وبصلتان وورقة ملح لم تفتح » وعند الجزء الأسفل 


\OA 





6م 


منه لمعت عيناه فقد وجد أشياء تخصه › علب مليس ذات زخارف» 
وصندوق خشبي مطعم» وأقلام حمراء ورصاص وغطاء قلم حبر» 
ونصف ولاعة قديمة» وتجيئه غمغمة شهرت تفسر وقد أدركت سر 
لمعة عينيه وتقول: 

- للأولاد. . يلعبوا بيه . 


ويجد جورباً من جواربه ممزقا وقديما وفيه رقع ومغسول. 
ويحس بخجل يهبط بقلبه الى قدميه ويرتفع بدمه الى رأسه. ويثور 
في نفسه برکان» ويخرج فحيحا ملتهبا من ملامحه وفمه ولسانه» 
ويسألها لآخر مرة عن الساعة . 


ويتململ الزوج» ويدفع الذباب بيد ائمة» وتعلو ضجة الأولاد 
عند الباب» وتفتح شهرت فمها وتطبقه. وتخرج من حلقها أصواتاء 
وشعرها منكوش» ورعبها ينكش شعرها أكثرء وجسدها يهنز في 
الثوب الرجالي الواسع» ويدها مشلولة على يدها الأخرى. وعيناها 
تبرقان في سرحان تاثه» وهو أحيانا يفيق لنفسه» ويدرك انه يمشل» 
أنها'لا تمثل» وأنها تستحق . وأنها لا تستحق» وأن ملامحها القوية 
التي أذلته تجف أمامه من العذاب» وأنه لا يحس بنشوة النصر» وقوى 
عديدة تتجاذبه » ويزداد تحديقه خطورة. وأخيرا تفر دمعة واحدة من 
عينيهاء وتفر من فمها كلمة» وتتبع الدمعة دموع» والكلمة تتبعها 
کلمات» ويتبين انها تقول : 

- أنا لقيتها والنبي وكنت ناوية أرجعها. 


وه ١‏ قاع المديئة 





الساذجة! يا للسهولة؟! كيف تعترف بمثل هذه السرعة؟! لقد 
أعد نفسه لمعركة طويلة. 

وتتحرك وتمد يدها الى الدولاب المفتوح» وتستخرج من رفه 
الأعلى كوبا زجاجيا مكسوراء وتمد اصبعين يرتجفان داحل الكوب» 
ويخرج الأصبعان ببطء وبينهما الساعة. . ساعته! وتمدها اليه دون ان 
ترفع بصرهاء ويهبط عليه ماء صاعق بارد» ويهدأ كل شيء في 
صدره» ويحس بصدره يضيق» وبالحجرة نتئة بشعة» وتبرق الساعة 
في اليد الممدودة. ويجذبه البريق ويتناولها ويتفحصهاء ويفرح بها 
فرحا صبيانيا كما يفعل الأطفال» ويزجر نفسه ويفرح» ويقلب الساعة 
بين يديه ويضعها على أذنه ويجدها دائرة» وحشرجات رقاصها لم 
تزل كما هي» ويجدها مضبوطة وتشير الى الرابعة وخمس وعشرين 
دقيقة» ويجد نفسه على السلم . 

وينتبه ويتوقف» ويركبه احساس خفي أنه أخطأء وينادي 
شهرت» وتبدو عند بابها قائلة نعم» وأولادها قد [yale‏ يتشبثون بهاء 
والبنت الكبيرة عيونها سوداء رهيبة واقفة ترقب أمها بوجه جامد ومن 
بعيد ويداها ممسكتان بالضفيرة السائبة. وهي ‏ شهرت - ثابتة في 
مكانها لا يتحرك لها رمش أو ذراع. ويترددء ويسألها لماذا أحذت 
الساعة؟ وتجيبه وتقول: 


- ويسألها فتقول : 





AYV 


- البلوزة . . كنت عايزة ادفع Go‏ خياطتها . 

فيسألها فتقول : 

- الملايا تكسف . 

وعيناها لا أثر فيهما لأي انفعال» محدقتان في الفراغ» تهبط 
منهما الدموع بلا ALS)‏ كالسماء حين تمطر بغير سحاب. وتجيئه 
الاجابات ملفوفة في ضباب » ورأسه يهتز رافضا أن يصدق» ويسألها 
وكأنه يشارك في حل مشكلتها: لم لم ترهن السرير أو تبيعه بدل 
السرقة؟ وتسيل دموع كثيرة من عينيها وهي تقول ان السرير ليس 
سريرهم . 

أمال سرير مين؟ 

سرير أم هانم . 

د شريكتنا في الحجرة. 

ويكاد يوقف الكلمات ليفكر فيها قبل أن تلمس آذانه» ولكنه 
يبتلعها ويتركها تغيب في لا وعيه . 


ويرتفم صوت خشن من الداخل يسأل عن الضجة والحكاية 
ويتثاءب . 


وتستدير لتجيب» ويستدير هو ليهبط على عجل . 
وحين يصل الى الحارة يتنفس بقوة» وينطلق غير عابىء 


۱٩۱‏ قاع المديئة 





AXA 


بالواقفين أمام البيت» ويسرع والهمسات تنمو وتبلغ أسماعه وتنتشرء 
ثم تبرد وتذبل وتأخذ مكانها همسات جديدة. 

ويستخله فرغاي وهوييتسم في قبح بشع : 

هيه؟ ! 

ولا ينطق بحرف» ويمضي وأناس من حوله تمضي » واسئلة 
تترى» والعيون المنصبة من الجانبين تتكائر. . عيون واسعة عميقة 
مستفهمة تزيح رموشها في تثاقل مريض وتتساءل عما فعل الأفندية 
القادمون بواحدة منهم؟ وتلتقي النظرات عبر الطريق تكاد تصنع أمامه 
أسوارا شائكة توقفه وتقيده» والحاح فرغلي لا ينقطع»› والرذاذ 
المتطاير من فمه لا يكف» ويحس بالناس تكاد تطبق عليه حبا في 
الاستطلاع. فيخرج الساعة من جيبه ويلفها حول معصمه ويقفل 
الابزيم. وتتصاعد الهمهمات من خلفه. ويزعق فرغلي ويسري 
الخبر. وتتلاصق النسوة وتنخفض الهمسات» وفي أعقابها ترتفع 
دعوات تطلب للولايا الستر. ويزمجر الرجال ويتضاحك الصبية 
وينتشر الحادث من نافذة الى نافذة وعبر السطوح» ويحس بشهرت 
تتمزق وتتهلهل وتتقاذف الأفواه أشلاءهاء وهي شاحبة صامتة حائفة 
مستسلمة لا تملك من أمر نفسها شيئا. 


ويدرك العربة وكأنها طوق النجاة» ويتبين أن شرف غير 


موجود. ويسأل عنه فرغلي فيقول انه نفض يده من الأمر كله فجأة 
وقال إنه لم يعد يستطيع ومشى . ولا يحس بأية غرابة وكأنه كان يتوقع 


۱1۲ 





AY4 


من شرف هذا. ويهرب من اعتذارات فرغلى التى يعقبها بو عښده 
وتهديداته وكانه سارق الساعةء وكأنه المسكول sp‏ الكون وعمدة 
الحتة . ويدلف الى العربة ويضغط على محركها كأنما يضغط على 
ضمير يؤلمه» وتندفع الى الأمام . 

وتعود الشوارع تنتظم وتتسع ويصبح لها طول واستقامة. وتعود 
الملابس تتكامل وألوانها تجد وتزدهر. والذقون تزال» والشوارب 
تنمق» والملامح تصغر وتدق» وتختلط العربات بالسابلة. . عربات 
كارو أول الأمر» ثم أجرة مستهلكةء ثم أجرة وملاكي وأوتوبيس. 
وبتسع صدره وكأنما انزاح عنه كابوس ويزداد اتساعاء ؤيخف الهواء 
ويخف. وتقل أحماله وتكبر رفعته. والدنيا تتفتح وتتفتح . 

ويجد نفسه في ميدان قصر النيل. 

والنسمات بدأت تهب. والوجوه تفيق من حر اليوم» والكوبري 
يمتلىء بالمتنزهين» والماء كثير كثيرء والعمارات بعيدة بيضاء كأبراج 
الحمام» والمدينة جميلة جميلة» أجمل من أية مرة رأها فيهاء 
والمنظر ضخم وحاشد. وأنفاسه تتلاحق في نهم» ورأسه يدور. 

وما يكاد يصل الى الدور السابع من عمارته بشارع الجبلاية 
حتى يسرع الى الشرفة ويتهاوى على مقعد» ويسند رأسه ويحاول أن 
يستعرض من جديد كل ما مر به. 


‘ae‏ ا 





AY 


Ai 


بعد ساعات قليلة كانت حجرة المكتب لا تزال كما هى» ولا 
تزال لها نفس شرفتها الشاهقة المطلة على النيل . 1 

وكانت الشرفة تشهد ‏ كعادتها كل ald‏ ما يطرأ على القاهرة 
من تغيبر ساحر مذهل . 

النور القوي الذي كان يضيء المديئة طيلة النهار أخحذت حدته 
تهمد» ولونه يشحب ويتغير» وكأن يدأ خفية قد امتدت إلى شعلة 
الشمس الموقدة ومستها. واصفر الضوء فاصفرت المدينة. . 
وانطلقت من خلالها آلاف من شعاعات الشمس الغاربة وزجاج 
يعكسها ويزغلل بها الناظر. 

ee راغي‎ 

وتلبدت السماء وحدها بالحمرة. أما المدينة فقد كستها رمادية 
مغربية زرفاء. 

ثم اسودت الأرض . 

وأظلمث السماء. 


5 





وكاد الليل يبتلع المدينة لولا ملايين من أضواء صغيرة بذرت 
فوق سطح الأرض» وما لشت أن نبتت وتغذت على الظلام 
وترعرعت» وأصبحت pt‏ براقة تلمع وتبرق . 

ثم نضجت الأضواء وتفتحت لها أزهارء وانتشرت في جو 
المدينة أنوار حمراء وخضراء وزرقاء وصفراء ذات أشكال وأسماء 
وأنواع . 

واستحال الظلام إلى كرنفال. 

كانت الشرفة وحدها هي التي تشهد التغيير رغم أن الأستاذ 
عبد الله كان لا يزال جالسا فيهاء مستلقيا على الكرسي المريح › 
رأسه ثابت لا «Hp rey‏ وعيناه ساهمتان مثبتتان كعيني ميث. وعقله 
هاتم تائه غير مكترث بالنهار الذي ولى أو الليل الذي أقبل. يحدق 
في الفراغ المطبق المظلمء ويجوب - دون أن يحرك رأسه ‏ سماء 
المدينة ذات المحصول الوافر من الأضواءء ويهيم ويحاول أن يركز 
انتباهه وبصره في نقطة تائهة في ظلال الليل» بعيدة عن الأضواءء 
واقعة لا بد هناك . . هناك في أقصى المدينة وراء مثذنة الأزهر. يهيم 
يهيم وبين الحين والحين يبرق معدن الساعة الملفوفة حول معصمه 
فيخطف بصره» ويجذب عينيه الغارقتين في الظلام. ويحس بشيء 
ملتهب ينبئق في صدره کالنزیف» ويكز على شفتيه دون أن يدري كنه 
ما يتملكهء وينفجر في رأسه حاطر ملح : أن يخلع الساعة ويرميها 
على طول يده في النيل. 


116 فلع الديية 





A¥Y 


غير أنه لم Lig‏ الخاطر أبدا.. وطبعا لم يقض الليل في 
الشرفة. وفي الصباح كان يتوجه إلى عمله كالمعتاد فقط كان قد 
عاوده ذلك الصداع الملعون. 
FR‏ % 


ولا تزال الساعة حول معصم الأستاذ عبد الله. كلما راها تذكر 
تلك الرحلة الغريبة old‏ الكابوس وازداد اعتزازا بساعته وبنفسه؛ بل 
إنه ظل يريها لأصدقائه ومعارفه وكل من يلقاه أياماً كثيرة. وكان يفعل 
هذا كمقدمة لا بد منها لرواية ما حدث له. وكان يغفل في قصته. 
كثيراً من التفاصيلء ولكنه كان ما يكاد يصل إلى الحارة السد حتى 
يعاوده ذلك الاحساس بالنزيف» فيندفع ببتر الوصف وينتقل إلى 
الجزء التالي من القصة» ويصف الهجوم الخاطف الذي انهال به 
على شهرث فتهاوت أمامه وناولته الساعة . 

ولم يسمح لفرغلي أبداً أن يتحدث أمامه عنهاء ورغم هذا كان 
يسمح لأذنه أن تلتقط منه بعض أخبارها وما يوجهه اليها من سباب 
coll gil,‏ مبیناً كيف فسدت وأصبحت ذات سمعة وسمث نفسها 
أميرة . 

كل ما حدث أنه ذات يوم راها. . رأى شهرت في شارع 
الملكة وهو مار بعربته. فأبطأ من سيره. . كانت واقفة على محطة 
الأوتوبيس» وكان واضحاً أنها لا تنتظر الأوتوبيس» وكانت تصبغ 
شفتيها بروج حفيقي وترتدي الجيب الرمادي الذي كانت تأتي به, 

وأهم شيء أنها كانت ترتدي فوق الجيب. . بلوزة جديدة . 


١55 


Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 








AYo 





النداهة 


Converted by Tiff Combine 








ATV 


ت ۶ 
النداهة 


التدافة 


Converted by Tiff Combine 








A4 


. حين دفع «حامد» الباب وفوجىء بالمشهد الهائل المبروع 
مات . . بالضبط مات . وجد نفسه فجأة قد سكلت فيه كل خلجة أو 
حركة أو فكرة “bs pols‏ يرى أو يسمع أو يشعر» والدنيا من حوله هي 
الأخری سكنت تماماً. . وماتت» وانتهى كل شيء. 

. كانت «فتحية» زوجته راقدة على أرض الغرفةء والولد الصغير 
ملتصق برأسها العاري ينتحب مرعوباً وهو يجذب شعرها بشدة» بينما 
هي عارية الرأس» عارية الساقين والفخذين» عارية كلها أو تكاد. . 
وفوقها يرقد أفندي بجاكتة وبلا بنطلون أو سروال» وإنما مؤخرته 
العالية قد ذابت في عري «فتحية» وانتهى الأمر. 

مشهد صامت» غارق في ظلام الظهر الذي اعتاد الحجرة 
واعتادته. . لا صوت فيه ولا صراخ ولا مقاومة. الصوت pul‏ 
als, bobs‏ جاء بعد عام» كان صوت شهقة. . شهقة بشعة هائلة 
البشاعة» شديدة اللهفة» مشحونة بالذعر والدهشة والرعب. . شهقة 
كأنها صاذرة عن كل الجسد بأقوى ما يستطيعه من استنكار: 

٠ حامد!‎ 


é‏ اللداهسة 





Ate 


شهقة انتفض لها الطفل خائفاً وراح بأعلى ما يستطيعه من 
صراخ يبكي » ومع هذا فلم يعد أحد يسمع صراخه, إذ أخذ كل 
شيء يشحب ويصفر ويبيض . حتى الظلام» أبيض وعاد مثله مثل كل 
شيء في الحجرة أو البيث أو الدنيا كلها إلى مواته» وظل ميتاً وكأنما 
لعام at‏ إلى أن عادت الحركة إلى الحجرة. وكان أول من تحرك 
فيها هو الأفندي. إذ في قفزة Broly‏ كان قد رفع بنطلونه وأصبح 
خارج الحجرة وفي القفزة التالية كان البنطلون في مكانه المعتاد 
وكان هو خارج البيت!. 

وحينئذ فقط تحرك «حامد»؛ OY‏ الحياة حين عادت لم تعد 
لعقله إنما عادت فقط لأقدامه. فإنه وجد نفسه يقفز هو الآخر وقد 
أودع القفز كل حياته. . قفزة حملته حارج الحجرة» وفي القفزة 
الثانية كان قد أصبح مثل الأفندي خارج البيت» ولكنه وصل متأخراً 
قمزة . 


وهكذا حين وصل إلى الشارع كان «الأفندي» الواحد قد أصبح 
عشرة» أوعشرين» كلهم بجاكتات» وكلهم ذوو مؤحرات تغطيها 
البنطلونات» ومعظمهم يمشون بأسرع من الجري وأوسع من القفز. 
وكل منهم في اتجاه! 

في تلك اللحظة ‏ فقط ‏ كانت الحياة قد عادت لعقل «حامد» 
وأفکساره» وأحس - من أول وهلة ‏ أنه لم pla‏ في أثر الأفندي إلا 
wy‏ انطلق ولأنه كان عليه أن يقفز حلفه. فمنذ الشواني الأولى وهو 





Ag\ 


يعرف ان هدفه ليس الأفندي أبداً - ولا أي أفندي ‏ ولا في الشارع 
كله أو حتى المدينة بأسرها. هدفه في حجرته. . في زوجته» نل 
يكاد يكون في ذلك الجزء منها الذي طالما عمر بيوتاً وخرب بيوتا 
واقتتل من أجله الناس» جنة الخلق وجحيمها ومثواها. 

وهكذا استدار. . هذه المرة لم يقفز فقط استدار» ورفع قدمه 
بادئاً حطواته وكاد يبقيها في الهواء معلقة. . فعقله والحياة حديثة 
العودة إليه يأبى أن يعمل إلا كما يعمل عقل طفل صغير واجهته 
مشكلة؛ ومشكلته هذه اللحظة أنه خائف. بل مرعوب تماماً. أن 
هدفه هو أن يعود إلى بيته - الحجرة ‏ هذا صحيح» ولكن ليس في 
كيانه كله ذرة رغبة واحدة في العودة. كيف يعود ليواجه زوجة نصفها 
الأسفل عار» جسدها مبطط لايزال يحمل آثار كتلة الأفندي وبهيميته؟ 
أي إنسان في الدنياء أي زوج يمكن أن تطيعه قدمه ليخطو بها تجاه 
مشهد كهذا؟ 

ولكن. . لأن رعبه هذه المرة هو الذي يحركه للعودة» لحظة 
فيها ألف لحظة! أقواها وأقساها جميعاً لحظة غدر أحس فيها أنه أخذ 
غدراً. لم تغدر به «فتحية» فقط أو الأفندي ولكن الدنيا كلها بأرضها 
وسمائها أخذته غدراً. وحينما تغدر بنا الدنيا ونحن صغار فإننا تلجأ 
لأمهاتنا لنجد في أحضانهن ما يعيد إلينا الثقة في الوجود؛ وإذا 
غدرت بنا وكنا كباراً سارعنا إلى زوجاتنا ليؤدين لنا نفس المهمة. فإذا 
كان الغدر هذه المرة مصدره الأم ‏ ذاتها ‏ أو الزوجة» فويلك يا 
«حامد»! حيئشذ وأنت مشدود مصلوب ممزق بين رغبتك أن تفر من 


النداهسة 





ALY 


«فتحية» ومن الدنيا كلها فلا تعود تراها أبداً. . ورغبتك في أن تسرع 
بأقصى ما تقدر وترتمي في أحضانها وتشكو إليها حتى لو كانت هي 
المشكو منها. . رغبتك أن تستجير بها من الدنيا لتجد أن الأولى أن 
تستجير بالدنيا منها. . بما هو أبشع منها. 

أجل! pol‏ «حامد» أن «فتحية» امرأته» زوجته نصفه 
الأنثى. . تلك التي كان يعرفها كما يعرف ويضمن يده ورجولته 
وشهامته؛ «فتحية» قد تحولت» بل انتفض منها كائن غريب مرعب 
Luts‏ سخطت وحشاً راوغه ثم نهشه من ظهره وهو آمن مسلم 
مستسلم. . وحش من فرط رعبه منه لا يجد ملجأ آخر سواه. ولو كان 
«حامد» قد قتلها في تلك اللحظة ‏ وفكرة القتل نبتت منذ أول ثانية 
عاد إليه فيها عقله بل ربما قبل عودة عقله» ورغم أي شيء آخر ظلت 
تدور في رأسه منفصلة تماماً» تعمل عملها باستمرار ولا يريد أن 
تفارقه أو يفارقها لحظة ‏ لو كان قد قتلها في تلك اللحظة بالذات 
لكان قد فعل هذا ليس لأنها خانته أو انتقاماً لشرفه المهدرء أبداًء لا 
بدافع الغضب أو الجنون أو الحلقء إنما ومعها Laer‏ بل وفي 
أحيان قبلها بكثير ‏ بدافع الرعب المروع منهاء كأنما.ءهي قد 
استحالت في نظره إلى غول أو حية رقطاء تقتلها قبل أن تقتلك» 
تقتلها ليس دفاعاً عن شرفك وإنما دفاعاً عن نفسك Lass Vol‏ 
لأنفاس ذلك الوحش الذي غافلك ونهشك وخانك. . ومن يخونك 
يقتلك» ومن يقتلك لا مأمن لك إلا بقتله. بل أحياناً ما هو أكثر! 
أحياناً يصبح الاحساس الممض القاتل ان شيثاً في الكون قد اختل» 





AtY 


ولا نجاة إلا بوأد الخلل في مكانه ولحظته. ان شيئاً حدث لذمة الدنيا 
والعالم» وملكوت السماء والأرض» فخربت. . ثقبت فجأة. وما لم 
نسارع بسد الثقوب لفغرت الأبدية فاها وابتلعتك أنت والكون 
الخرب . 

كان مرعوباً Ihr‏ حتى لقد بدأ يرتجف وتصطك أسنانه ويحس 
أكثر ast,‏ بالعلعئة القائلة. ثمة سكين صوبت بيد تعرف تماماً خباياه 
وأسراره وأصابت فيه أعز ما في داخله. ألم الطعنة لا يزال لا يحسه 
فالسكين ما تزال سارقاه. ان ما يحسه هو الثقب العميق الغائر الذي 
خلفته الطعنة» والذي كلما حدق فيه داخ وأحس أن في أعماق هذا 
الجرح نهايته. بغموض ودوشة وازدحام كان يحس بأن (pple Bole‏ 
وقع calls‏ وبالضبط حين وقف على عتبة الباب المفتوح . 

وكانت «فتحية» قد قفزت قفزتها الأولى » وأحست وهي تفعل 
ols,‏ آلافاً من قطع الزجاج المكسور تستجمع نفسها وتتشكل 
وتقفز. . قفزة لم تفلح في رفع جسدها إنما فقط استطاعت بالكاد 
رفع يدها والامساك برأس السرير الضيق المنخفض. ولقد أرادت 
بالقفزة الثانية أن تجري مغادرة الغرفةء أو تقف» أو حتى تجلسء أو 
بالقليل تجلب ثيابها وتغطي ما تعرى من جسدهاء وهو كل ما 
استطاعت - دون ما أرادته جميعاً ‏ أن تفعله» إذ كان «حامد» قد وصل 
إلى العتبة ووقف ممسكاً بكالون الباب ينظر أول ما ينظر إلى الطفل 
الذي كان قد سكت وانطرح أرضاً وبدا أنه نام أو يغالبه النوم . 

هو واقف ممسك بالكالون» وهي ممددة مفتوحة الساقين مبعثرة 


الندامة 





AS 


الجسد تستتجد برأ س السرير ممسكة به.. وهو ينظر إلى 
الطفل وكأنما قد أصبح أهم شيء COLE‏ وهي تتجسه 
بوجهها إلى السقف ولكنها لا ترى إلا عيني «حامد». هو ليس في 
عقله. . مشهد واحد لم ير منذ أن عادت إليه القدرة على الرؤية سواه 
وكأنما انطبع في عقله وأبى أن يزول. مشهد مؤحرة الأفندي العارية 
وعري «فتحية»» وقد اندمجا في كتلة بيضاء واحدة. . وهي ليس في 
عقلها إلا نظرة «حامد» . أول وخر نظرة تراها منه ‏ لحظة اكتشاف 
حضوره. . نظرة قد استحالت في رأسها إلى كابوس لا يرحم تكاد 
تصرخ من هوله مستنجدة» ولكن قوة قادرة قاهرة تخرس صرخاتها 
وتکتمها. كابوس ترى فيه عيني «حامد» وقد استحالتا إلى سيخين 
من حديد محمي إلى درجة تطاير الشرر : تقتربان بسرعة ثابتة مستمرة 
من عينيها الاثنتين وحالاً وحتماً هما مخترقتاهما. 

كل الفارق بينهما أن «حامد» - كما هي العادة دائماً مطالب 
أن يكون صاحب البادرة الأولى . أجل لا بد رغم كل الفجيعة 
والموت والرعب والطعنة والتأمل أن يعمل شيئاً ويعمله الا وفي 
التو.. إذإن أي تأخر يفسده ويلغيه ويقضي عليه. وهي 
حلاص -وصل كل شيء إلى منتهاه ووقع المحظور الذي كانت 
تخشاه وطول عمرها تبخشاه» ولم يبق سوى العقاب. ما أجمل أن 
يسرع به «حامد»» فكل إبطاء منه يهدد بأن يمضي بها التفكير فتتامل 
ما كان وما حدث! وأبشع عقاب في الدنيا أهون ألف مرة من أن تعود 
مرة أخرى لتفكر أو تتأمل أو تستعيد ما حدث . 





Age 


كانت فكرة القتنل قد دفعت نفسها من قاع عقله إلى سطحه. 
كبيرة الآن مكتملة لا يمكن تجاهلها. لو قتلها فأقصى ما سيئاله من 
عقاب هو الحبس سلة. . أو ربما أقل أو يقولون براءة. فهل يقتلها 
الآن؟ ش 

هل يتناول عصاء د التي كان يسميها eh‏ تحت السرير 
رینھال بها عليها ختى يتطاير مخها Sak‏ 

هل يفعلها الآن. . الآن؟ أو يستجوبها؟. . أولا يقتلها أبدا؟ . 

السؤال رهيب مستمر دائر لا يتوقف في خواطره أبدا . 


والشيء الذي كان يغيظه ويكاد يكتم أنفاسه حقاً أن انفغالته 
المحيية المميتة الصاعقة الأولى قد مرت وأنه الآن في لحظة 
أخرى . .. لحظة لا يرى فيها إلا المشهد الذي تسمر عنده بصره لا 
بريد أن يبرحه بينما عقله يقلب فكرة القتل مغيظاً. فقد كان القتل 
يبدو هنا شيئاً لا يمت إلى اللحظة أو المشكلة أو الموضوع أو المشهد 
الدائر في عقله ولا علاقة له به. . .وليس .الحل الهدف ولا ما يريده 
تماماً. کیانه كله في واد آخر مشغول بما هو أهم وأخطر, والقتل يبدو 
شيئاً حارج الصورة تماماً كما لو كان يواجه خطر قطار السكة الحديد 
وهو قادم يريد أن يسحقه وعقله. مشغول بتقليب فكرة الدواء الذي 
وصفه له حكيم المستوصف» وهل الأجدى أن يأخذه قبل الأكل أو 
بعده؟ الآن لا يريد لها أن تموت» وَهوقطعاءلا يريد لها أن تضيا... 
وليست مشكلته أبدأ أن تحيا أو تموت أو حتى كل هذا الطوفان من 


\\ الندامة 





A" 


الأحداث الذي داهمه من دفع الباب وفتحه. . مشكلته الحادة 
الملحة في نفسه في هذا الجرح الغائر العميق اللي لا قاع لهء في في 
هذا النزف الهادر الذي انهمر داخله ولا يزال متزايداً متفاظهاً يقربه 
في سرعة رهيبة من النهاية . . نهايته. . إذ ها هو ذا يراها تفترب 
قتراباً حليشاً Ley‏ حنى ليجعله بحس أنه في اللحظة التالبة تماما 
سيموت وبنتهي يحامد) الذي يعرفه ينتهي تماما نهاية مفساجئة غادرة 
تتربص له وراء اللحظة التالية» بينما عقله الهايف الغبي لا يريد أن 
بتزحزح قبد أنملة عن فكرة هل يقتلها أو يؤخحر القتل إلى ما بعد 
الاعتراف؟ وهو يعلم تماماً أنه غير قادر الآن على قتل بعوضة» وبعد 
غمضة عين لن يكون قادراً على أي شيء بالمرة» إذ سيكون بمشل 
هذه السرعة المروعة التي يمضي بها قد انتهى . 

الغريب أن النهاية نفسها هي المسألة التي كانت مستولية على 
عقل «فتحية» تماماً في هذا الوقت بالذات. . ولكنها نهاية لا رعب 
فبها ولا خوف متزايد من خطر ساحق ماحق يقترب في سرعة خحرافية» 
نهاية لا تخاف منها وتقشعر وترتجف مثلما كان يحدث «لحامد». 
بالعكس! هي هنا تطلبها وتريدها وتتمناهاء والمهم أن تأتي حالاً 
حى تجهز عليها قبل أن يمتد الوقت ومضة أخرى وتجد نفسها 
مضطرة أن تفكر. . وبالذات أن تعود ترى نفس النظرة في عيني 
وحامدع . [tary‏ ما OLS‏ «حامد» يتشبث تشبث المستميت ليمسك 
ah cat ol‏ ات عند قل أن يعض ف سرا 
الموقف» فهي بكل إرادة الحياة فيها كانت تتمنى أن تنتهي هذه 





ALY 


الحياة وتموت قبل أن يحدث أي شيء آخر. 

إما الموت الداهم السريع وإما أن تحدث المعجزة ‏ أجل 
المعجزة ‏ وتمحو كل ما حدث وكأنما تمسحه «بأستيكة» وكأنه ما 
حدث» وتعود الحياة إلى مثل ما كانت عليه قبل ساعةء أو بالدقة قبل 
شهر» لا بل لا بد أن تعود كما كانت من خمسة أعوام مضت» بل 
حبذا لوعادت إلى العمر الذي بدأت فيه تعي وتهتف لها الهراتف . 
انها على استعداد OY‏ تملا بحر النيل chess‏ مستعدة أن نظل تبكي 
وتستغفر من يومنا هذا إلى يوم القيامة في مقابل ‏ ليس حتى أن يغفر 
لها الله. ولا أن يمحو تماما كل ما حدث. وإنما في مقابل أن يجعلها 
تعيش و«حامد» ليوم واحد» بل لساعة واحدة» بل للحظة واحدة. . 
واحدة يا رب وكأن Lt‏ مما حدث لم يحدث. ولكن المؤلم. . 
المؤلم ألما لا يحتمله بشر أن شيئاً مما تتمنى لن يكون» وأن السهم 
قد نفذ» وأن ما حدث كان وانتهى وقضى القضاء. فالمصيبة الكبرى 
أن هذا الذي كان ودار ليس غريباً عليهاء فلقد شاهدته بعيني رأسها. . 
كله. . يحدث» طوال الأعوام الخمسة الماضية؛ وبالذات طوال العام 
الكثيب الماضي . . والفكرة تراودها وتطاردهاء والهاتف يهتف بهاء 
ونفس هذا المشهد الذي دار بنفس نفاصيله الدقيقة» صحيح لم يكن 
نفس الأفندي » ولكنه أفندي» وبنطلون مخلوع» ورقدة» والباب يدفع 
ويدخل «حامد». . كله بالضبط رأته وكانت tastes‏ تاتا أنه 
سيحدث» ولهذا هي تعيش هذا كله كما تعيش الحادث المعاد وكأنه 
جرى قبل هذا مرة» بل ربما جرى مرات. . لم يحدث شيء واحد 


التداعهة 





A&A 


غريب عنها أو عما كان في رأسها وما رأته لسنين . . بل إن هذا 
الأفندي كان دائم التربص لها. . وأيضاً يترقبها في حقل مشغولياتها 
اليومية الكثيف. . فجأة والطفل على صدرها ترضعه. والآخر فوق 
كتفها ينهش شعرها Lib‏ للطعام» والطعام على الثارء ويداها 
مشغولتان بطهره» وعقلها مشغول بتدبير كساء الشتاء ومطالب 
رمضان. . فجأة يخرج لها الأفندي عارياً إلى منتصفه. . باركاً فجأة 
فوقها حتى لتموت ches‏ وفي اللحظة التالية تماماً يفتح الباب ويقف 
«حامد» على عتبته. . تماما مثلماا وقف» ويتم كل شيء مثلما تم 
الآن كل شيء. 

أتكون شيخة؟ أفي أعماقها التي أصبحت نجسة مدنسة ترقد 
قديسة مكشوف عنها الحجاب . . ترى المستقبل؟ 

وإذا لم يكن الأمر كذلك» فكيف تم هذا كما رأته مراراً 
وعاشته؟ 


إنه لأمر فوق قدرتها على التفكير والفهم. إنه لشيء يتوه فيه 
العقل وقد تاه فيه عقلها وضل . . حتى تاه عن تحديد ذنبها إن كانت 
did‏ . فقد كانت تؤكد لنفسها إذا هتف بها الهاتف وارتسمت 
الصورة أنها بجماع نفسها ستقاوم وستموت حتما قبل أن 
يستطيع - أنسيا كان أو أفندياً ‏ أن يلمسها. ومع أن الهاتف نفسه كان 
يؤكد لها أن مقاومتها لن تفلح » وأنها حتماً ولا بد في النهاية سترضى 
وتستسلم بحيث تقع الكارثة ويكون المقدر.. إلا أنها كانت تقاوم 


1 





۸44 


وسوسة الهاتف نفسها وتقسم » وتموت غيظاً مؤكدة لنفسها أن شيئاً 
ا يقرلة لن بكرف لع الهاتف وک لیا آنه حا سيكون: 
برضاها أو بعدم رضاها سيكون؛ بل هو كائن وحادث فعلا ودائم | 
الحدوث. إن هي إلا لحظة يغيب عقلها في أدغال مطالب حياتهم 
ومشاكلها لتفاجأ ‏ كمجيء يوم القيامة ‏ بالأفندي يخرج لها عالياً 
لترتجف منه وترتعش ارتعاش ستنا مريم . . وتقع لها الواقعة! 

انها لم تكن معتوهة أو ذات لوثة وليس في سيرها أو سلوكها ما 
يخدش. . أنها بنت طيبة من بنات ريفنا ذات عقل راجح. . نفس 
العقل الذي جعلها تفضل «حامد» على «مصطفى»» مع أن 
«مصطفى ) خفير نظامي ماهيته مضمونة. . خمسة جنيهات وتسعون 
Ls 3‏ ويزرع نصف فدان شا وله «عجلة). . بينما «حامد» ليس 
«حيلته اللضى» وأكبر من «مصطفى» في العمر بخمسة أعوام على 
الأقل. وأسمر غامق السمرة. . ولكنها تظلم عقلها أي ظلم إذا قالت 
أنه هو الذي اختار» فمن وراء عقلها كان دائماً أصبع يشير. . أصبع 
. ضبابي غامض يكاد يهمس لها ويصر ويطالبها أن تأخذ «حامد» وتترك 
«مصطفی»» «فحامد» يعمل في مصر وهي على يقين دائم أن حياتها 
في بلدهم محدودة» وأنها Lae‏ بطريقة أو بأخرى سيكتب لها أن 
تعيش في مصرء ذلك المكان الرائع الواسع «أم الدنيا» الفخم الفاخر 
الذي يجلو الصدأ عن الجلد ويحيل من يعيشون فيه إلى «سنايير» . 
ألم تعد منها «فاطمة» بنت خالتها التي كانت تعمل «خادمة» وهي 
كالخواجات بالكاد استطاعت أن تتعرف عليها وهي هابطة من القطار 


النداهسة 





بالفستان والشنطة؟ فما بالك وهي لن تكون «خدامة».وإنما زوجة 
وزوجة لبواب يسكن في عمارة أعلى من السماء من عشرة طوابق؟ 

يالله ان الهاتف الذي يهتف بها ويؤكد أن مقامها سيكون في 
القاهرة عنده حق» فهي ‏ كما يؤكد لها الكل ليست مخلوقة لتنغرز 
من طلعة الشمس إلى مغيبها في الطين. إن جسدها الأبيض الناصع 
البياض مخلوق للبندر وحلاوتها من حلارة مصر» فبمقايبس القرية 
كانت دفتحية) حلوة؛ بل من أحلى البنات» فقد كانت بيضاء وكأنها 
ابنة أحد الأغنياءء إذ الأغنياء وحدهم هم البيض . بيضاء طويلة نحيفة هذا 
صحيح . . ولكنها نحافة سببها الزيت والأذرة. غداً حين تأكل العيش 
الخاص الغلة وتغمس بالسمن «ستسمن». مقامها لا بد في مصر. . 
هكذا راح يؤكد لها هاتف» والغريب أنه لم يكن من خارجها وإنما 
من داخل نفسها ذاتها كان يوسوس ويهتف. هناك تقيم حيث الشوارع 
الواسعة الحلوة النظيفة التي تنام على أسفلتها دون أن تعلق بك ذرة 
تراب واحدة حيث النور الكثير البراق في الليل يحيل الظلام إلى نهار 
ساطع بل إلى ما هو أحلى وأروع من النهار الساطع . . هناك حيث 
الستات حلوين وكأنهن من أورباء والرجال حمر الوجوه أغنياء يركبون 
العربات ويصرفون بالجنيه الكامل في اليوم الواحد دون أن يحسوا 
والنقود تغادر جيوبهم بلذعة الحسرة. . هناك حيث الطعام الكثير 
والكباب والروائح الحلوة واللوكاندات وبحر النيل الأعظم حيث يبدأ 
النبل وينبع . 

هناك في تلك الجنة سيكون مقامهاء هكذا كان يؤكد لها 


15 





A۵1 


الهاتف الخفي باستمرارء ولهذا لم تعجب أبداً والأمور ترتب نفسها 
و«حامد» يتقدم لها وأهلها يترددون ولكنها هي التي تتحمس وتوافق . 

وبعد أسبوع واحد تسافر وتصبح أخيراً وكما حلمت ألف مرة 
ومرة في قلب مصرء وفي العمارة التي طالما حاولت تصور أدوارها 
العشرة. . صحيح أن مقامها لم يكن في دور منها وإنما في حجرة 
«حامد» التي بناها له صاحب البيت على عجل تحت «السلم». . 
بناها بتتحريض من زوجته على آمل أن يجدوا في زوجة «حامد» حين 
يتزوج «خادمة» تحل لهم مشكلة الخدم . 

ولكن. . معلهش. . الحجرة فسيحة رغم كل شيء؛ وفيها 
سرير. بمرئبة حقيقية » ودولاب صغير وتضاء بالكهرباء» واللمبة لها 
«زر» تدوس عليه هكذا فإذا «بتك» ويغمر النور الوهاج الحجرة. 

وصحيح أن «فتحية» الحلوة في قريتهم بدت غريبة في 
القاهرة» وبدت لسكان العمارة كعروس من مسرح العرائس. فقد 
كانت بيضاء طويلة؛ هذا حقيفي» وملامحها جميلة في حد ذاتهاء 
عيناها جميلتان وأنفها صغير جميل لا يمكن أن يكون أنف فلاحة 
وفمها دقيق بالضبط كخاتم سليمان» ولكن المشكلة أن ملامحها تلك 
تبدو غير مناسبة مطلقاً لقامتها ولحجمها وكأنها وجه طفلة صغيرة 
ورأسها قد ركبا لامرأة. . أو كأن الرأس قد صغر بطريقة ما ووضع 
فوق جسد Gale‏ . 


ولكن المهم . . أن «حامد» راق مزاجه وانقلب من «الكلب 


ا 
5 النداهة 





الكشر» الذي يعوي طول النهار ويصيح » إلى إنسان مرح ضاحك 
كالنحلة» صاعد هابط واقف قاعد. يحبي. ويوصل» ويلبي 
الطلبات . 

أما «فتحية» فقد قبعت في مكانها المواجه للباب من الحجرة 
ترقب المدخل العريض الواسع» والباب الضخم الزجاجي . . باب 
العمارة. ترقب مصرء أو بالضبط ذلك القطاع من الشارع المواجه 
الذي يكون «مصر» في نظرها. 

قبعت منكمشة على نفسها تتفرج وهي لا تزال أسيرة الرحلة 
من باب الحديد إلى العمارة التي واجهت فيها لأول مرة ذلك الحلم 
الذي عاشت تحلم بهء ويهتف بها الهاتف من أجله. . مصر! مصر 
التي وجدتها أروع بكثير مما تخيلت أو استطاعت بنت خالتها أن 
تصف» أروع وأكبر وأعظم ألف مرة. . مليون مرة. أيمكن أن تكون 
الذنيا بهذا الازدحام, أو الشوارع بذلك العرض» أو الميادين بهذا 
الاتساع؟ 


أيستطيع الناس أن يعيشوا وسط هذا الحشد الرهيب من 
العربات التي تمضي بسرعة البرق» بحيث تلهفك Lalo!‏ ييا إذا 
سهوت وتلفت خلفك مرة؟ والدكاكين» والمحلات؛ والصورء 
والنور. . النور ذو الألوان السبعة الذي ينطفىء ويولع بالكهرباء وعلى 
«الواحدة» كالمزيكة. . والهيصة» والدوشة» والمولد. . لقد خيل 
إليها حين أفلح «حامد» بعد جهاد أن يجرها إلى وسط ميدان باب 





Aor 


الحديد وهي مروعة مذهولة تكاد تجن. . أنه لا بد في مصر عيد أو 
مولد أو شيء pol‏ لا تعرفه يزدحم له الناس كل هذا الازدحام؛ 
وتصدر عله كل هذه الضجة الهائلة التي ترتجف لها الأذن. فقال لها 
«حامد» وهو يضحك ضحكة العارف العالم: «انها حال كل يوم». فيا 
لها من مدينة تلك التي يحيا الناس فيها كل يوم في مولد وعيد! 


ولكنها في منكمشها خلف باب الحجرة الموارب وهي ترى من 
بعيد هذه المرة وتتأمل. . بدأت ترى في مصرء تلك التي تلخصت 
في قطاع الشارع المقابل أشياء لم تتصور مطلقاً أن تجدها في 
المدينة الحلم. رأت فقراء. . فقراء تماماً وجوعى وشحاذين» حتى 
في قريتهم نفسها لا يوجد الفقر فيها على هذه الدرجة من البشاعة . 
وفيها كذب أيضاً وشتيمة وقلة أدب وحرامية ونشالون. حرامية هم 
السبب في وجود أمشال زوجها الذي يحدثها عنهم وعن حوادث 
السرقات المجاورة والبعيدة. وستات مصر اللاتي تصورتهن أول ما 
قبيحات YJ‏ الأحمر والأبيض والطلاء الذي يطلين به وجوههن فتحمر 
كالأحذية اللامعةء وتترك صاحباتها أشد قبحاً.. سيدات بدأت 
اعتقدت أول الأمر أنها لن تصلح في سوق النساء في مصر إلا خادمة 
لأقل سيدة من سيداتها. ووصل الغرور إلى درجة الاعتقاد أنها لو 
لبست مثلهن لأصبحت محط أنظار الناس جميعاء ولاعتبروها مثلما 
كانوا يرونها في البلدة ملكة من ملكات الجمال. حتى «حامد» نفسه 


V4‏ التداههفة 





AoE 


وعمله ذلك الذي لم تفهمه تماماً حين قالوه لها. . انها تصورته شيا 
كخفير نظامي للبوابة عليه حراستها في الليل» له نفس احترام وهيبة 
الخفير ذي البندقية في بلدهم . ها هي تراه شيئاً أقرب ما يكون إلى 
الخدام» ينحني لهذاء ويسرع في تلبية طلبات الست MOS ely‏ 
ويشخط فيه صاحب البيت ويؤنبه ويشتمه بألفاظ غريبة لعلها ألفاظ 
الشتيمة في مصرء ألفاظ لم تعرف لها «فتحية» مطلقاً أي معنى مثل يا 
وأحمق» أنت «مياس»! حتى موقفه يوم ألح صاحب البيت عليه أن 
يجعلها تعمل عندهم ورفض هو بإباء وشمم مقسماً أنه لو حكمت ألا 
يعمل عندهم أو عند غيرهم. لم تستطع أن تهضم ذلك الموقف وهي 
ترى الحال البائس وترتيبهم في «سلم» الناس في العمارة أو خارجها 
لا يسمح بهذه «العنجهية» التي لا يقفها إلا إنسان على الأقل في جيبه 
خمسة جنيهات. تلك فرصة لأكل العيش ولهدمة كستور تلبسها في 
الشتاء» ولأكلة حلوة نظيفة من المحتمل جدا أن ينالوها بين الحين 
والحين» ولكن «حامد» يرفض ويركب رأسه. وحين تفتح فمها 
لتساقشه يصرخ فيها وكأنه صاحب البيت وهي ساكنة الدور CALA‏ 
Oe‏ , 

والحقيقة أنها في رغبتها للعمل كان أكل العيش حجة. كانت 
في الواقع تريد أن «تتعرف» على أهل مصر أكثر» وأن تدخل bag‏ من 
بيوتهم وتحادث Lab‏ منهم . إذ هي في حبستها في الحجرة هكذا لن 
تمكنها طبيعتها الخجول المنطوية أن تفعل شيئاً من هذاء بل لا 
تملك إزاء نظرات سكان العمارة التي تمتد عابرة المدخل مقتحمة 





الباب راقمة إياها أنى تكون» مستطلعة شكلها وجلستها وزيها باسمة 
أو مغمغمة أو ساخرة. . لا تملك إلا أن تزداد انغلاقاً وانكماشاً وتزداد 
القيود حولها أحكم . . قيود من صنعهاء فليس سكان العمارة فقط 
ولكن المدينة من حولها حافلة متحركة مائجة. كل شيء فيها يجري 
ويختلط مكهرباً ويكهرب . وهي إلى درجة ما وزوجها «حامد» لم 
يكن باستطاعتها ليس فقط أن يتركا أنفسهما للمدينة وحركتها تفعل 
بهما ما تفعل بالآخرين» وإنما هذه الحركة الهائجة المائجة نفسها لا 
تفعل أكثر من أن تخيفهما وتروعهما وندفعهما للانكماش أكثر. . أو 
بالأصح تدفعها هي . «فحامد» ‏ وبالتحديد منذ أن تزوجها 
وجاءت ‏ استطاع وبطول العهد أيضاً أن يتحرر بعض الشيء ويتحرك 
ويذهب إلى السيدة زينب ويجوب شبرا مصر ويعرف أن تغير إذا كنت 
ذاهباً إلى الحسين. وليست حركة فقط إنما فهم أيضاً ودردحة. . فقد 
بدا «لفتحية» وكأنه أصبح إنساناً آخر غير «حامد» الأسمر شاب بلدتهم 
الصامت الخجول الذي يدير وجهه إلى الناحية الأخرى إذا قابل 
موكب حاملات الجرار في الصباح. الآن باستطاعته أن يهزر مع 
عمال الجراج» ويضحك» ويجمع إيجار العمارة كلها ويحسبه 
بالمليم » بل وأصبح له أصدقاء من أهل مصر نفسها ومن غير بلدياته 
وأقاربه. هي وحدها الباقية أسيرة الحجرة. . أسيرة حتى ذلك الشرخ 
المحدود الذي ترى عالم مصر منه» شاعرة أنه ليس عالماً أو مديدة 
إنما هو بحر لا بر له ولا قرار» تسير هي على حافته إن سهث مرة 
وزلت قدمها فقل عليها السلام. والمخيف أنه بحر ليس هادئا أو 


الندذامفة 


۲١ 





Ao 


ساك Iga dh gl‏ شين موا Stal eles slow pawn ya Lal] cite‏ 
منه الاف الأيدي وتطل منه آلاف الابتسامات كابتسامات الجنيات 
والنداهات» خادعة تدعوها وتسهل لها خوض الماء. . أجل! كلها 
أيد ماكرة وابتسامات خبيثة . حتى نداء ذلك الساكن الملهوف والنقود 
في يده والبقال قريب» يد تمتد من البحر تجعل شلل الخوف 
يجمدها في مكانها لا تتحرك» يد تمتد في مكانها تنکمش AST‏ وتزداد 
انكماشاً وكأنها ما رأت أو سمعت» ملتفتة إلى الناحية الأخرى أو 
مخفية رأسها هربا تتمنى أن تحدث معجزة وتنقذها من الموقف. 
بينما الساكن حين ييأس يصوب لها نظرة لا تراها إنما تحسها رصاصة 
تخترق رأسها. كثيراً ما يتبع نظرته بغمغمة لا تخطىء أذنها فهم ما 
بها من سباب . 
ولكن خجولاً فلتكن» منغلقة» منكمشة, فلتنكمش ولتنغلق» 
فللحياة قوانينها التي لا مناص منها ولا مهرب. وهكذا مع الحمل 
الأول كانت «فتحية» قد غادرت الحجرة واتسع عالمها فاحتوى 
المدحل. ومع الطفل الثاني الذي أعقب الأول بأشهر كان قد اتسع 
حتى شمل الرصيف الملاصق بل والمواجه. . والشارع إلى ناحيته 
من هناء وإلى الميدان الذي يؤدي إليه من هناك. . والآن أصبحت 
«فتحية» ترد بل وأحياناً تثير النقاش» وتلبي الطلبات وتستطيع أن 
تفسرق بين عربة المدارس القادمة تحمل ابن الدكتور» من العربة 
القادمة تحمل ابن الموظف في الإذاعة» وكل قصص السكان عرفتها 
من «حامد» ومن غيره. بل وبلغ بها الأمر أنها أصبحت هي مصدر 


۲۲ 





Aov 


«حامد» في معرفته لأخبار السكان وأحوالهم» وزائر منتصف الليل 
الذي يطرق شقة البك الموظف في الطيران» بالذات في الليالي التي 
يكون فيها «نوبتجيا» في المطار. بل ولم تكن هذه آخر ما بدأت 
«فتحية» تعرفه عن مصر السفلى وأحوالها وأخبارها بحيث أصبحت 
تدرك أن تحت مصر الوجيهة الغنية المؤدبة الوقور» هناك مصر أخرى 
مليئة بالفضائح والمخازي والأشياء التي لا يعرفها إلا البواب» أو من 
هو أدهى في هذه الأمور وأمر» زوجة البواب خاصة إذا كانت رغم 
صغر عينيها ترى كثيراً وبالذات في الليل» ورغم دقة رأسها تستطيع 
أن تعرف الفرق بين أخت الزوج الذي تصيف زوجته بأولادها في 
الاسكندرية بينما هو يا عيني غرقان في الشغل, في مصرء وبين 
إخوته الحقيقيين الذين يزورون الأسرة طول العام . 

والغريب أنها كلها أشياء لم تفسد الحلم في عقل «فتحية» 
العظيمة هي مصر العظيمة في نظرها والشر في كل مكان. هكذا 
كانت دائمة الرد على «حامد» حين يجيثها بين كل حين وحين لاعنا 
مصر وأبو مصر وأهل مصر. الذين فعل أحدهم به كذا أو كيت. 

وإذا كان الشر والوحل والقبح في القاع فالنجاة في العوم . 

وهكذا تعلمت «فتحية» أن تفعل مثلما يفعل GY!‏ وملايين 
الناس الذين تحفل بهم مصر الكبيرة ويكونون حركاتها الجبارة الهائلة 
وتعوم مثلما يعومون. كل ما كان ينغص عليها حياتها أحيانا هي تلك 
الانتفاضات التي كانت تفاجئها على هيئة كمين› يخرج لها منه من 


الندافة 


۳ 





ASA 


بين مشاغلها التي أصبحت كثيرة وكثيفة ذلك الأفندي العاري ASS‏ 
المهولة الممتدةء مهددة أن تجذبها إلى القاع مباشرة حيث الوحل 
والقبح والطين. خرج لها ذلك الهاتف اللعين الذي طالما أكد لها 
وصدق أن ستكون القاهرة Wh‏ ليؤكد لها أنها واقعة في المحظور مع 
الأفندي لا محالة ومهما فعلت» مسألة تترك «فتحية» وهي تكاد تنفجر 
بالغيظ والضيق والاستنكار والتصميم أيضاً. . تصميم قاطع مانع أن 
أبداً لن يكون حتى لو دفعت حياتها ced‏ فأبداً لن يكون. . و 


Ro ¥‏ 
وفي مدينة كبيرة كهذه مليئة بالذئاب.. ذئاب الليل وذئاب 
النهار. . ذئاب الأوتوبيسات وذئاب العربات. - وحتى الأرصفة 
وطوابير الجمعيات الاستهلاكية لها colt‏ وفي عمارة كبيرة كهذه لا 
يمكن أن يسلم الأمر من وجود ذئب . 


والحقيقة أنه كان فيها أكشر من ذثب من العبث التصدي لهم 
عا فيكفيئا ذلك الشاب الأبيض الي قاطن الشقة الوعييدة 
بالدور الأرضي » أخف سكان العمارة ta‏ وأكثرهم حيويه gee rere‏ 


Ss‏ الآخرين ورفع الكلفة معهم. وكل 
هذا طبعاً لا , يعني أنه ليس e se teeth‏ 


Ye 





Ao4 


ذمة له ولا ضمير. . فهو مجنون بالنساء جميعاًء وفي سبيل أن يظفر 
بالواحدة منهن مستعد أن يفعل المستحيل . مستعد أن يكذب أو ينافق 
أو يسرق أو يقتل أو يستعمل القنبلة الذرية لو كان يملك واحدة. 
والمرأة عنده ليلة واحدة يقضيها معها وبعد هذا يبحث عن CAH‏ 
وكأنه أخذ نساء الأرض جميعاً مقاولة وعليه أن ينتهي منهن قبل أن 
يفرغ عمره. وعمره الآن خمسة وثلاثون cle‏ وسمعته كالذهب, أو 
عبقريته أنه استطاع أن بخفي حياته الأخرى هذه عن المجتمع الذي 
bow‏ فيه» بحيث يمشي مع الشرفاء مرفوع الرأس لا يعرف ما بداخله 
وی ااه وتن ايا كيرا ما ab Opie‏ بل وهن اه 
وتعلق به وذاق من العذاب أهوالاً. بالطبع كان قد انتهى من كل من 
رقن في عينيه من سكان العمارة» وبالضبط وهو عائد ذات يوم من 
عمله» وبعد ما حياه «حامد» بطريقة البوابين التي كان قد أتقنها والتي 
كان يستطيع بها أن يوهمك أنه وقف بينما هو في الحفيقة لم يغادر 
مجلسه. و«فتحية» أمام باب الحجرة جالسة قد احتوت رضيعها 
تمنحه ثديها الأبيض الناصع الشديد البياض الضامر أيضاًء الضامر 
إلى درجة لم يكن يملك معها الإنسان العادي إذا راه إلا أن يرثي 
لصاحبته! 

ولكن أفندينا ‏ الساكن لم يرث. ألقى عليها نظرة» ثم بالتفاتة 
مقصودة أو غير مقصودة ألقى نظرة أخرى على «حامد» الذي عاد يمد 
ساقه النحيلة فوق الساق الأخرى بحيث يمكنه أن يمد ذراعه ويسند 
إليه يده ويداعب مسبحة رخيصة ناقصة الحبات» بينما وجهه الأسمر 


¥o‏ النداهة 





A۰ 


الحافل بحفر تشهد أن الجديري فد زار طفولته. وجهه ذاك قد عادت 
تحتله ابتسامة طيبة مليئة بسعادة ساذجة البراءة» وبدا كما لو كان يعود 
لينهي ۔ بحماس فاتر ‏ أبئه الأكبر عن تخطيط ely‏ المدخل بقطعة 
طباشير عثر عليها. وكان lees‏ بابنه وشقاوة الذكورة فيه سعادة تجعل 


لسانه pe‏ في نشوة من تأنيب ابنه ونهره إلى مداعبة «فتحية») 
ومطالبتها بابن ثالث عله يطلع هادا وديعاً als‏ 


استوعب الأفندي الساكن هذا كله في الزمن القليل الذي 
استغرقه ليصل إلى باب شقته ويضع مفتاحه في قفلها. وفي ومضة 
كان عقله المركب بطريقة' لا بد غريبة بالغة التعقيد» فمشهد كهذا 
كان يمكن أن يهز بعضهم رأسه لرؤيته أو يبتسم في رثاء مثلا أو حتى 
إذا كان شريرا فأقصى ما يفعله أن يسخر بينه وبين نفسه من هذه 
العائلة الطيبة المسكيئة السعيدة. . أما هو فقد كان موقفه أن اتخذ في 
الحال قراراً لا رجعة فيه» أن يلتهم «فتحية» ويضمها إلى قائمة 
الضحايا. . هو ليس إذن ذئباً عادياً. انه cad:‏ أشد ما يجذبه إلى 
الضحية هو بالضبط نفس الأسباب التي تدفع غيره من الذئاب لأن 
يبتعد. إن أسعد مغامراته. تلك التي انقض فيها على أرملة في نفس 
ليلة وفاة زوجها العجوز, أو تلك التي بدأ بها تاريخه حين ضاجع أم 
زميله الذي كان يذاكر معه. . أما تلك الخائفة المنكمشة على نفسها 
gl‏ ما خحاطبها مرة إلا واستدارت بعيداً مبتعدة أو هاربة» ذات الثدي 
الأبيض الضامر وزوجة الأسمر الطويل الفلاح «حامد» فلا علاج 
لانكماشها على نفسها وخوفها منه ومن مصر والمصاروة. . إلا بأن 


۲۳٢ 





۸٦۱ 
. يأتيها عساها تكف عن الانكماش وتأنس إلى ناس المدينة‎ 


وعبقريته» ولكل عبقريته الخاصة, أنه ما ان يتخذ قراراً كهذا 
حتى يبدأ عقله يتفتق عن أفكار جهنمية وعن طرق ووسائل لا يمكن 
أن تخطر على عقل ty‏ فهو خامل كسول ممتعض الابتسامة إلى أن 
يحدث Aly‏ عينه على الواحدة منهن ويقر قراره» في الثانية التالية 
تجده قد استحال إنساناً آخر دبت فيه طاقات الحياة» وتفجرت في 
عقله الأفكار والخطط وأقبل على الحياة بشهية مفتوحة وأصبح WLS‏ 
آخر. . لا تكاد تعرفه . 


وقبل أن يدير المفتاح كانت يده قد خبطت جبهته علامة الألم 
للنسيان؛ وكانت المحفظة قد أخرجت وخمسة جنيهات قد فردت أمام 
عيني «حامد»» وعلبة سجاير كليوباترا يا «حامد» نسيت شراءها. . 
هاتها أنت من تحت الأرض بأي ثمن ولو بشلاثين LES‏ والورقة 
بخمسة جنيهات معك. لا تعد إلا بها يا «حامد» حتى لو ذهبت إلى 
شبرا البلد. 


يا لمكره وهو يفتح «لحامد» باب الاختلاس المحدود على 
مصراعيه! الاختلاس المغري بالغياب وادعاء التعب. ويا لطيبة 
وحامد» وهو يبتلع «الطعم» في الحال ويقرر حتى قبل Cre of‏ 
مكانه» أن BU‏ قروش على الأقل ستدخل جيبه من هذه الصفقة 
وعليه أن يبرهن أنه استحقها. Lal,‏ أنث يا ست منكمشة ‏ فبعد ما 


الندأاهة 


YY 





ANY 


ast‏ من ذهاب «حامد» ها هو ذا يعود فاتحاً باب شقته الذي لا يبعد 
عن باب حجرة «السلم» إلا بضع خطوات ‏ مش تشرفينا؟ «فتحية» 
فعلاً وأنت «فتحية» . وابنك الرضيع هذا؟ «سلطان؟» عاشت 
الأسامي . والثاني «عنشر؟») the fol‏ أبطال صحيح . . والثالث؟ ما 
فيش ثالث؟ 

من هنا نبدأ. . ونسدأ gh‏ كنت من «حامد» لكان الثالث على 
الأبواب . . وعلى هذا الباب الأخير مضى الولد القاهري «المرقع» 
يدق bis‏ اكتشف أن «فتحية» بالكاد تعيه. أغباء هذا أم استغباء؟ 
على أي الحالين عليه أن يغير الأسلوب. . المال؟ إن هذا النوع لا 
يقدر قيمة المالء فلا يعرف قيمة المال إلا من يعرف كيف يصرفه» 
إلا المتعامل بالمال. . الحب؟ إن هذا الصنف أيضاً لا يتطلع إلى 
الحب» أو بالذات حبه. . هم لا يرفعون عيونهم أبداً إلى ما فوق 
الحواجب» ولا ينطلعون إلا لحب من في طبقتهم. . أو ربما إذا 
تطلعوا فإلى الأعلى منها بقليل . أما هو البيه الوسيم الذي يعامل 
الخمسة جنيهات بهذا الاستهتار فمحال. من أين «أكلك» إذن يا 
«بطتى» النحيفة المعضمة؟ بخطة بعيدة المدى لا بد. . خطة تجعل 
هذه الخائفة المنزعجة المذعورة تطمئن إليه أولاً وتكف عن الخوف 
منهء ثم يتقدم خطوة ريرفع الكلفة معهاء ثم ينتهز الفرصة أو يخلقها 
Lilet‏ ويحاصرها حصارا لا تملك معه إلا السقوط. 

وما كاد يبدأ التطبيق حتى أدرك أنه رغم كل ذكائه وفهلوته قد 
خانته فراسته هذه المرة. . فهو ما كاد يبدأ الخطرة الأولى لتطمينها 


YA 





AV 


بالحديث معها حتى أدرك أنه ليس أمام إنسانة وإنما هو أمام حيوان 
كحيوان القواقع . ما تكاد تحس باقتراب صوت أو خيال حتی تنکمش 
وتنكمش حتى لتستحيل إلى US‏ صماء من اللحم والعظم غير قادرة 
على الارسال أو الاستقبال. إنه للآن لم يرها رأى العين. إن هي إلا 
مرة رأى فيها وجهها وما كادت تدرك أنه يراها حتى كان وجهها قد 
اختفى . . واختفى وهي أمامه لم تبرح مكائها وزات منأقوى 
أسلحته وقد كان يريد لها أن تراه» كان متأكدا أنها إذا رأنه مرة 
وتطلعت إليه ملياً فإن شيئاً ما سيحدث لهاء تماماً مثلما كان يحدث 
للعشرات SW!‏ سبقنها. ولكن كيف تراه وهو كلما هم بالتحدث 
معها أحس أن Lat‏ في داخلها يمنعها أن تسمع. . وإذا سمعت 
يمنعها أن تعي , وإذا وعت يمنعها أن ترد أو تجيب. . أو حتى تتطلع 
لتعرف من الذي يتحدث؟ 

وقد كان من الممكن أن يحدث هذا «لفتحية» في أول مقامها 
بالعمارة» أما بعد أن خرجت Coley‏ الشارع وأصبحت تتعامل مع 
السكان وغير السكان فهو موقف إذن من الأفندي وحده. «فتحية» في 
الحقيقة لم تكن تفعل معه هذا اعتباطاً. فهي ليست غبية ولا فقدت 
الحذرء وحين تلا حديثهما العابر البريء الأول بحديث أحست به 
مصطنعاً مفتعلا استقيظت فيها فجأة كل مخاوفها القديمة تجاه مصر 
والبحر والأيدي الممتدة» وملأها الرعب من ذلك الأفئدي الذي كثيراً 
ما هتف به الهاتف. . صحيح أن الهاتف لم يحدد شكل الأفندي' 
ولكنه أفندي تحس أنه عن عمد يتفرب إليها. أليس هذا كافياً لكي 


Aalst ۹ 





AN 


يجعلها تحس أنها أصبحت بين أنياب الخطر. وإن هي إلا كلمة 
تفلت منها أو لين تظهره تجاهه حتى تنتهي هي وينتهي كل شيء. 
لقد أصبحت من فرط حذرها بالكاد تنام الليل. . ووجود «حامد» 
نفسه لا يطمئنهاء والباب الذي تغلقه وتتأكد أكثر من مرة أنه مغلق لا 
يفلح في كبت مخاوفها. . فمصيبتها الكبرى أن الهاتف يؤكد لها أن ما 
يوسوس لها به سيقع. . برضاها سيقع. . برغم رضاها سيقع. إنها 
تكاد تجن» فلتجن أو فلتمت أو ليحدث أي شيء ولكنها ستقاوم» 
ولن تسمح لصلة أو حتى كلمة أن تكون بينها وبين ذلك الأفندي, 
ولتدر المعركة في داخلها في صمت رهيب لا يعلم بها مخلوق. . 
ولا تستطيع أن تبوح بها لمخلوق. 

وبالوسع تصور مقدار الفجيعة التي أصابت ذثبنا الضبع وهو 
يرى جهوده ووسامته وذكاءه تذهب سدى أمام جبروت هذه الفلاحة 
البيضاءء وانطوائها على نفسها واغلاق ذاتها دونه. حتى لقد 
استحالت المسألة عنده من مغامرة كان يعتقد أنها بسيطة عابرة إلى 
خوف من الهزيمة واهتزاز كامل بالثقة بنفسه حتى أصبح عليه لا أن 
يخوض مغامرة وإنما أن يثبت لنفسه أنه لا يزال ذلك القادر الذي ما 
استعصت امرأة عليه قط ولا فشل مرة. 

الأيام تمضي بسرعة مذهلة» حتى لقد مضى على قراره شهران 
وهو لا يزال قراراً لم ينجح لخطوة صغيرة واحدة في طريق تنفيذه. 
وتفكيره في المغامرة» وفي «فتحية» دائب صباح مساء حتى أصبح 
هذا الموضوع أهم ما يشغله في حیاته» بل لم يعد في حياته سواه. 


و 





Ao 


أحیاناً OLS‏ يفيق لنفسه ويستنكر أن تكون هذه حاله وأن يكون هو 
نفسه الذي جاب مملكة النساء بسمائها وأرضها ونجومهاء وجربهن 
جا الأميرات إلى الغسالات بل والسائلات» هو نفسه الذي 
يهب كل ذلك الوقت والمجهود والتفكير لامرأة ك «فتحية»! إن هناك 
خطأ في الموضوع لا يعرف سره» ومن المحال of‏ يفشل حتى لو ads‏ 
ل seal‏ دزف وا خا dlp eas‏ سؤالاً لم يوجهه لنفسه أبداً: 

أيكون قد أحب «فتحية»؟ إذا قيس الحب بمقدار الكم من الوقت 
الذي يقضيه المرء يفكر في حبيبه فهو إذن ليس في حالة حب فقط 
an ie‏ ا 
للتفكير في إنسانة كما يفعل هو مع «فتحية» . ee tee nea‏ 

صدها له كاملا حاسماً نهائياً ولیس ابن يومه فقط أو لحظتهء وإنما من 
الواضح أنه سيظل هكذا إلى الأبد. . حين أدرك هذا ويئس تماما من 
كل محاولاته أصبح كل همه وأمله أن لا يحادثها أو تحادثه» ولا حتى 
أن يحلم أن يوقعهاء وإنما أن يراها. . مسجرد أن يراها. وحتى هذا 
الطلب البسيط الشديد التواضع أصبح عسيراً هو الآخر صعب 
المنال» ف بلق تراه حوف «فتحية» وتزايد بالتالي حذرها إلى الدرجة 
التي أصبحت Lal‏ ما تغادر فيها di sll‏ حتى إذا غادرتها مضطرة 
فلتعود إليها مسرعة لهفى وكأنما في أثرها سرب من التماسيح . 
وأصبح على ساكننا لكي يراها أن يلجأ للصدف وحدها تدبر له 
الأمر» ولكي يزيد احتمالات الصدف كان عليه أن يمضي أطول cay‏ 
في المدخل أو في باب العمارة أو قريباً من باب cated‏ وأن يفعل 


۳١ 


النداهسة 





ANN 


هذا ووحامد» موجود مسألة لا بد تدعو للشك ولهذا OLS‏ عليه أن 
يرسله في مشاوير. ولكيلا يفعل هذا بكثرة تثير ريبته وبحجج دائماً 
وجيهة ومعقولة كان عليه ألا يرسله كثيراء وبالتالي يقلل من احتمال 
وجوده قريباً من باب حجرتهم . مشكلة عويصة كانت نستنفد من وقته 
وجهده الأيام الطوال لكي يتمكن فقط من أن يراهاء وحتى لم يكن 
يراهاء كان فقط يلمحها. . يلمح شيئاً يرتدي الجلباب الأسود الذي 
al] wale‏ صاحبته تتحصن فيه بعد أن كانت قد خلعته ولبست مثل 
jal‏ مصر. . الملون والمشجر. 


# i 6 


وفي ظهر ذلك اليوم من أيام الصيف في وقت القيلولة Labs‏ 
وقد انتظر أسبوعاً بأكمله ليتمكن من ارسال «حامد» إلى مشوار في 
شبراء كان الحب والوجد والقلق قد استبد به إلى درجة لم يعد 
يحتمل فيها الأمر لثانية أخرى. كان قد انتهى تماماً وأصبح مستعداً 
لأي شيء من أجل أن يظفر ولو بكلمة واحدة منهاء مستعداً أن يبوح 
لها بحبه fy‏ يعرض عليها الزواج وأن يتزوجها في الحالء وأن يقتلها 
إذا رفضت» وأن يقتل «حامد» إذا تعرض له» كان قد بلغ مرحلة 
اليأس الكامل المطبق ولم يعد أمامه إلا أن يقتحم عليها الحجرة 


وليكن ما يكون. 
ولق jai‏ | 


۳۲ 





ANY 


ولأن الطفل الكبير كان قد فتح الباب الذي أغلقته أمه وخرج 
إلى الحارة الجانبية ليلعب» فما كاد يدفع الباب حتى انفتح» وحتى 
وجد نفسه وجهاً لوجه أمامهاء وكانت Lilly‏ تحمل الرضيع بجوار 
رأس السرير. وبرغم كل ما كانت تحفل به نفسه من هموم وقرارات 
ومشاغل» برغم الكلام الذي كان قد جهزه ليحاصرها ويمطرها به 
فان كل شيء ما لبث أن تبخر من عقله تماماً, لا لمرآهاء وإنما لما 
حدث لها لحظة رؤيته. فالأشباح نفسها إذا ظهرت لها ما كان يمكن 
أن تحدث نفس الأثر» لا حتى ولا الموت نفسه لورأته مجسداً! 
لکانما las of,‏ أعتی من الشيطان والمسوت والأشباح وکل شرور 
الدنيا. . لقد كانت مطمئنة اطمثناناً كاملا إلى كل الاجراءات التي 
اتخذتها لتصبح في مأمن منه. كانت شيشا فشيئاً قد بدأت تثق أنها 
انتصرت على الهاتف والقدر والمكتوب» واثقة أنه قد أصبح مستحيلا 
على الواقعة أن تقسع ما دامت قد أحاطت نفسها بسياج الاحتياطات 
تلك حتى أصبح مستحيلا على ذلك الأفددي مجرد رؤيتها. أما أن 
تلتفت فجأة لتجده أمامها وجها لوجه» في حجرة خالية» بينما «حامد» 
بعيداً جدأ في شبرا البلد. . أما أن تحس أن قدمها قد زلت بغتة من 
مكانها الحصين المرتفع وأنهافي طريقها إلى أن تهوي إلى سابع 
أرض. . إلى القاع» أما أن تدرك أن إرادة الهاتف انتصرت على 
إرادتهاء وأن الأفندي ها ails cya‏ القدرء كأنه المقدر, كأنه النداهة 
من دم ولحم ووجود ‏ فهي Atel all‏ التي انقضت على عقلها 
فصعقته. لا. . لم تكن إنسانة مرعوبة تلك الواقفة» Lal]‏ هي إنسانة 





ANA 


مصعوقة؛ مشلولة» منتهية» في ومضة واحدة انتقل لونها من البياض 
إلى الصفرة الرمادية الكاملة» صفرة الموت الرمادية» ومن إنسانة 
ترى وتسمع وتشعر إلى إنسانة أصابها الصمم وتوقف اللسان في 
حلقها وتضخم حتى كاد يملؤه. صاعقة بترت تماما صلتها بالحياة. . 
كأنها الصاعقة التي انقضت على «حامد»: حين رأهاء والموت الذي 
تلا كان كالموت الذي داهمه» وبتلقائية غريزة البقاء وحدها مدت يداً 
قد بدأت ترتعش ارتعاشاً ظاهراً يرعب مشاهده» تمسك برأس السرير 
تتشبث بهاء بينما الطفل من فوق صدرها ينزلق» وبالغريزة وحدها 
تحميه بيدها من السقوط المفاجىء فيصل إلى الأرض سالماً قد بدأ 
يبكي وينتحب. وما كاد هذا يحدث وتطمئن الأمومة حتى لم يعد 
للحياة نفسها أو التماسك قيمة» فبدأ الجسد يتمايل ويدوخ وينزلق 
مهددا بالسقوط» بل سقط سقطة لم تتم. إذ في الحال وبجهد 
خارق» كان ذئبنا الضبع هناك يتلقاها بيديه الاثنتين وقد فغر فاه 
بالدهشة» فاخر ما كان يتصوره أن يحدث هذا وأن تسقط الثمرة من 
تلقاء نفسها بين يديه دون مشقة أو تعب» دون كلمة» دون حتى 
حركة واحدة أقدم عليها أو جهد ولو ضئيلا بذله. لقد جاء وفي نيته 
أن يحارب معركته الأخيرة بكل قواه» واستعد ليواجه ليس فقط 
«فتحية) أو «حامد» وإنما العالم cals‏ استعد GY‏ شيء» للفضيحة أو 
القبض أو القتل» جاء وهو يائس تماماً أن يظفر منها بشيء. . فالتي 
تضن عليه. بمجرد أن يلمسها أو يراهاء هل من المعقول أن تنيله 
مهما فعل شيئاً أكثر من هذا؟ أكثر من أن تناح له فرصة أن يراهاء 


4 





454 


مجرد أن يراهاء ولو كان ثمنها فضيحته أو مصرعه » فإذا بها بين يديه 
طرية كالخرقة» مستسلمة تماماً متاح له منها كل ما يمكن أن يحلم 
به» إذا بها أقرب ما تكون إلى جئة؛ جئة لم تفعل أكثر من أنها 
أيقظت فيه ذلك الضبع القديم الذي يسبل لعابه لمرأى الجثث. 
الضبع الذي كان قد اختفى في أعماق شخص بلغ به الحب والوجد 
والشوق إلى «فتحية»» مستوى رفعه إلى مرتبة المحبين الكبار. . 
Gone‏ مدلة جرت polly Aged‏ والغيرة والشك والعذاب» العذات 
الذي نال منه وأوهن جسده حتى رق day‏ وارتقی بمشاعره حتى 
أصبح يحس ويفكر ويتصرف كشاعر! فجأة نفض الضبع الكامن 
الذي يكاد يختبىء ويموث تحت ما ترسب فوقه من مشاعر وطبقات . 
نفض عن نفسه هذا كله وانتصب تلمع عيناه ببريق الفوز ويرتجف 
جسده ترقباً لمائدة المتعة الأكيدة المرتقبة؛ لا يفصله عنها إلا لحظة 
زمن يريد بكل ما يملك من شر وجشع أن يختصره حتى ليلغيه تماما 
ويبدأ يلتهمها ويتلمظ. 

وهكذاء ومنتهزاً فرضة الغيبوبة الكاملة العابرة كان قد أرقدها 
على الأرض ودفع الطفل بغل فأبعده» وأطلق الطفل صراخه مذعورا 
عالياً لا يأبه له» بل انه ليضيف كثيراً من البهار إلى المائدة الجثة. 
وبيد حديدية مدربة طوقهاء وبيد مرتعشة بالرغبة مبهورة بالانتصار 
الساحق السريع تكاد لا تصدق نفسها أو ما يحدث» دفع بنطلونه دفعة 
واحدة تعرى على أثرها تماماً وبنفس اليد مزق ملابسها وهو يحس 
بالصوت الصادر عن التمزيق بنشوة دونها أي نشوة أخرى على وجه 


vo‏ النداههة 





AV: 


الأرض» وحتى لو كانت في طريقها إلى الموت على أثر نزيف مثلا 
أو سكتة لكانت من غيبوبة الموت الحقيقي قد استيقظت, فللغريزة 
الحارسة للغريزة سلطان على الجسد أقوى من أي سلطان آخر. 


وهكذا ما كاد يحاول أن يصل بانفعاله إلى آخر مدى حتى 
كانت» وكأنما مسها تيار مكهرب موقظ قد صحت» ومع أن الصحرة 
كانت صحوة عقل وإدراك إلا أنها بجماع ما تملك من طاقة وقدرة» 
eb‏ رمتق» بذلك الكم الضئيل من القوة التي يدخرها الجسد ليقول 
بها أحر «لا» في cathe‏ قاومت. . تململ جسدها يقاوم مقاومة لم 
تفعل أكثر من أنها استدعت إلى الوجود كل قوى الذئب الضبع 
الكامن وحشدها في ساقيه وذراعيه حتى التفت حولها كقيود من فولاذ 
لا يرحم» وبآخر ما تملك أيضاً تململت» وبكل ما يملك أطبق. وكان 
ممكناً أن تصرح تستنجد بالناس أن يقاوموا لها ولكنها رفضت وأبت 
فالمعركة معركتها وحدها ولن يفعل ادخال الناس أكثر من فضحها إذ 
السهم الآن نافذ فعلاء والمکتوب قد حدثء, وقد يمنع الناس 
استمرار حدوثه ولكنهم أيضاً سيكونون شهود .حيدوثه. وتلك هي 
الكارثة التي تواجه الموث أو السقوط الخاص الذي لا يعرفه أحد» 
ولا تواجهها . 


وحين فتحث عينيها وقد ذهب الرعب وحل الغضب -تريد 
التفرس في le ali‏ واتسعت عيناها دهشة nee prone‏ فعلى بعد 
قراريط من وجهها كانت ترى وجهه لأول مرة وتتفرس فيه» فهي lau‏ 


۳٦ 





AV \ 


لم تر وجهاً مثل وجهه حليقاً ناعماً أحمر وسيماء وعيناه خضراوان 
Lag‏ رموش طويلة؛ ورائحة حلوة» وأسنان بيضاء مرصوصة بدقة, 
وفمه حلو يتمنى أي فم أنثى أن يقبله» وابتسامة كبيرة. . ابتسامة فوز 
وفرح تحتل الوجه كله وتظهر له غمازتين عميقتين على جانبي الوجه 
وطابع حسن. . ابتسامة داعية ناعمة كأنها واحدة من آلاف 
الابتسامات التي كثيرا ما حلمت بها هي والأيدئي الممدودة تدعوها 
في لطف وإصرار إلى ترك بر الأمان والغوص إلى القاع حيث الأشباح 
والطين. . ابتسامة ما أن رأتها حتى بدأت تتململ مقاومة من جديد إذ 
أحست وكأنها ابتسامة القاع نفسه» يدعوها وبخبث ونعومة ودهاء يريد 
التغرير بها. . مقاومة لم تفعل أكشر من أنها مكنته Lalas‏ منها حتى 
من العفريت حتى طلع لهاء ومن وسوسة الهاتف حتى تحققت. 
ظلت تصمم وتصر وتحتاط حتى نفذ السهم ووقع المحظور وانتهى 
كل شيء» والخوف المستمر الدائم والهاتف والحلم والحقيقة كلها 
قد التقث OV‏ فى لحظة واحدة. . لحظة غريبة مفعمة مليئة محشودة 
بآلاف اللحظات والخلجات. لحظة أخطر ما فيها أنها تدرك أنه لم 
تعد هناك فائدة. حتى الرعب والخوف أصبح لا فائدة منهماء 
والمقاومة لم يعد لها داع بالمرة» فالسهم AB‏ 

ولم يعد أمامها إلا أن ترجوه وتستعطفه. لم يعد أمامها إلا 
وسيلة العاجز. . أن تبكي . ولقد بكت. . وأن تتذلل. . وأنا في 
عرضك» أنا صاحبة عيال. دموع وكلمات لم تكن تفعل إلا أن 


الندامة 


wv 





AVY 


تضيف إلى الأكلة كل ما يتمنى الضبع العجوز إضافته من شطة 
وسلطة وعصير ليمون وخخل » وحن rl‏ تبكي وقد ازدادت حرقة 
البكاء ولوعته لم تكن تريد به مزيدا من رجائه واستعطافه» إنما كانت 
في الحقيقة تبكي من أعمق أعماق قلبها على نفسها وعلى عجزها. . 
بكاء. . يا للعجب! لم يستمر طويلا. 

فقد بدأت نحس بأشياء غريبة عجيبة تنفذ إلى ذاتها 
وجسدها. . أشياء جديدة مذهلة كبريق مصر الخاطف. . أشياء 
أحست معها كما لو أن كل النيون الأحمر والأزرق والبنفسجي 
ومهرجان الأضواء والألوان» كل الوجره الحلوة الحليقة والملابس 
الغالية الأنيقة» كل الروائح العطرة المنعشة المخدرة» والشوارع 
الواسعة المزدحمة النظيفة؛ والمتنزهات» والأشجار. . حتى الأشجار 
مجففة الأوراق مقصوصة كتسريحات السيدات» كل الترمايات 
والعربات الفارهة» والسينمات والوجوه الخارجة من السينمات» 
والكباريهاث والراقصات» كل الأطفال الأصحاء النظيفين والأمهات 
والأجزخانات رالأرتستات» كلها تتجمع وتنسرب إليها. . إلى داخلها 
المرتعش الخائف المهزوم المبهور» وهي حتى في عجزها وادراكها 
ويقينها بالهزيمة التامة الساحقة بكل ما أوتيت من قدرة تقاوم ولا 
تكف عن المقاومة» والأشياء الغربية الكثيرة لا تكف عن التسرب 
فتعود تقاوم مستميتة أكثر. . تقاوم مدينة بأكملها تتسرب إليها ورغما 
عنها تتسلل إلى كل خاف فيها ومستتر» وكان لا بد في النهاية أن 
تكف عن المقاومة تعبا ويأساء ثم يقيناً تاماً من اليأس» ud Loy‏ من 


4 





AYY 


of‏ معجزة ما لم تحدث وتنقذها في نهاية الأمر» وان بإرادتها وبغير 
إرادتها تماماً كما كان الهاتف يؤكدء قد حدث كل شيء. أما مالم 
يذكره الهاتف ولا كانت تتصور للحظة أن من الممكن أن يحدث . أما 
أن تبدأ تتحول من استسلام مغلوب إلى استسلام مستمتع.. فهو 
رغم حدوثه الشيء الذي كان لا يمكن حتى وهو حادث أن تصدقه» 
فالمشكلة أنها ما كادت تبدأ تحس بهذا حتى كان الباب قد فتح, 
وعلى عتبته وقف «حامد» طويلا رفيعاً . مصعوقاً أسمر Gale‏ السمرة. 


# % HR 

طالت وقفة «حامد» عند الباب الذي كان بلا وعي قد أغلقه. 
و«فتحية» مستلقية لا تزال يدها متشبثة برأس السرير وجسدها مفتوح 
الساقين مغطى وليس في عقلها سوى رغبة ملحة لا تنتهي أو 
تتزرحزح. . أن يصنعها «حامد» وينتهي . انه الطريق الوحيد الذي لا 
بد يمتد إليه المقدر والمكتوب» فبعد كل ما حدث كيف يمكن للحياة 
أن تستمر؟ وكيف باستطاعة أي شيء أن يعود كما كان؟ إن الأمور لا 
يمكن أن تستقيم» ومستحيل أن يهجع أي منهما أو يرتاح راحته 
الكبرى إلا Ob‏ تموت ر«فتحية»» وبيد «حامد» لا أقل . 

لاحل للموقف كله إلا بأن يقتلها «حامد» ويستريح »› 
وتستريح » ولكن الغريب أن الهاتف كلما وصل إلى هذا الحد كان 
يعود يطل برأسه ويؤكد لها أن «حامد» لن يقتلهاء وأنها لن تموت» 
وأنها سيكون لها مصير آخر. . 


الندامة 


۳۹ 





AVE 


وتعب «حامد» من الوقوف الطويل المتفرس وجلس» وجاء 
الولد من الخارج «بزيطة» وطلب ملح للطعام , وحين أحس بالصمت 
الملغم المستمر انتابه غير قليل من الخوف فسكت» وما لبث أن نام . 

وأظلمت الدنيا وأصبح ظلام الحجرة تامأ شاملا. 

ولم يجسر أحد أن يضيء النور. 

بقى «حامد» على جلسته عند الباب يدخن من علبة السجاير 
الصغيرة التي اشتراها بما توفر له من نقود الأفندي . 

و«فتحية» بهدوء شديد تجلس» ثم ترقد» ثم تعود إلى 
الجلوس» وتنتظر من «حامد» أن يفعلها وينتهي . کل ما كانت ترجوه 
بينها وبين نفسها ألا يأخذها على سهوة» إنما بطريقة أو بأخرى 
يرحمهاء ينذرهاء فلم يعد في جسدها ذرة واحدة قادرة على تحمل 
المفاجأة. . أية مفاجأة. ويكفيها ما رأت من مفاجات . 

حاولت مرة أن تتكلم فأسكتها «بزومة) منه. . «زومة» حيوان 
جريح . 

وحين غفت عيناها لبرهة وصحت على نهنهة رجالية منخفضة 
مكتومة كادت تجن» غير مصدقة أخيلتها. هل هو «حامد» الذي 
يشهق ويبكي؟ أيبكي؟ 

أكان صنع هذا لو كانوا في بلدهم؟ أأصيب هو الآخر باللعنة 
وهزمته مصر ورخرخحت إرادنه وطبيعته حتى لم يعد قادراً على قتل 
زوجته وهو يضبطها متلبسة مأخوذة؟ أصحيح لزلتها يبكي؟ 


ge 





وام 


كادت تزحف إليه راجية أن يكف مطالبة ol‏ أن ينتهي فوراً عن 
بكاء النساء ويعود رجل القرية الذي عرفته» ويريحهاء ويقتلها. 
cools‏ لأنها حين فتحت فمها ترجوه تصاعدت صرخة كزئير أسد 
غاضب» سمرتها مكانها بلا حراك. 

وفعلا لم يقتلها «حامد»» وإنما في الفجر كانت العائلة الصغيرة 
تغادر باب العمارة الضخمة المهيب» وكان «حامد» يحمل عزالهم 
كله وقد لفه في ملاءة سرير صفراء حملها «بالزقلة» على كتفه. وباليل 
os‏ كان يسحب الطفل الكبير نصف النائم» Ley‏ «فتحية» في 
المقدمة تحمل الطفل الآخر. وبرغم أنهم حارجون إلى مصير 
مجهول لا تعرفه فقد كان ما تخافه في تلك اللحظة هو أن يبرد الولد 
فراحت تحوطه بذيل ثوبها الذي رفعته» ومضت تلفه به وتشتد في 
ضمه بيئما نداء أخرس يرتفع منها ويهيب «بحامد» أن يخرج البطانية 
من اللفة ويحيط بها الطفل الآخر. نداء uf‏ لم يغادر «las‏ إذ هما 

وسيراً على الأقدام مضت القافلة الصغيرة تحتمي من برد 
الصباح الباكر بالجدران» ويتركها ظلام عمارة لتسلمها ظلال عمارة 

قافلة صغيرة تتسلل منسحبة من المدينة الكبيرة الراقدة في 
صمت ولا مبالاة» لا تحس بهم ولا بما تحفل به صدورهم من 
أهوال» نائمة تشخر في براءة وضمير مستريح ils,‏ ما فعلت yt‏ 


.4 الندامة 





AV“ 


حتى لقد بلغ الغيظ «بحامد» إلى حد التفكير في أن يلقي «بصرة) 
العزال جانبا وينهال «بزفلته» ضربا ودشدشة وتكسيرا على فتارينها 
المضيشة» وعرباتها اللامعة المستكنة؛ وحتى أسفلت شوارعها 
المغسول. كان من جماع قلبه قد أصبح لا يطيق حتى مشيه في 
شوارعها وهو يغادرهاء لم تعد في نظره مدينة. . لقد أصبحت كابوساً 
خانقاً بشعاً! 

وفي أول قطار قطع لهم «حامد» التذاكر. 

لکنه عاد لبلدتهم وحده. . 

فقد غافلته «فتحية» في ازدحام القادمين 55 في باب 
eter‏ 

cole‏ إلى مصر.. بإرادتها هذه المرة» وليس أبداً تلبية لهتاف 


هاتف أو نداء نداهة, , ٠‏ 1 


۲ 


ied by registered version 





AVY 


مسحوق الهمس 


اللدأهسة 


Converted by Tiff Combine 








۸۷4 


حين هدأت أتأمل الروعة في المسألة» وجدت نفسي أمامها 
كالطفل الصغير الأبله الذي وقف يحدق في الجسد العاري تماماً 
لسيدة ناضجة الأنوثة. . وهو غير قادر على الربط بين ما يراه وبين 
ذاته» أو حتى بين رغباته ومشتهياته الخاصة وبين هذا الجسدء 
المستسلم العاري الذي أصبح فجأة أمامه وملك ناظريه. ويديه. 
وحواسه . 

كنت باندفاع وتهور وجدون Led‏ ولكنه فرح لا أدري ماذا 
أفعل به أو لماذا اعتراني أصلا؟ كاد اليوم يمر مروره الأزلي الخالد 
لولا أنه قبل «التمام» ربما بساعة» «ترث ترت» فوجثت ببابي يفتح . 
وعبد الفتاح الطويل الرفيع الأسمر يظهر. وقبل أن ينطق كانت عصاه 
الخيزران التي تفتتت نهايتها على ظهور «النبطشية» تدق كعصا 
«النقرزان» على باب الزنزانة» دقات كمزاج صاحبها في النهار عصبية 
متعجلة ملحة : 

يا لله! لم عزالك يالله ! بسرعة يالله! شيل نزامك «نظامك». . 
برشك وبطانيتك وتعال بسرعة! «النزام) بسرعة بسرعة! يالله بسرعة! 


اللداهة 


Lo 





AA» 


كلماته الخارجة كتكتكة مفرقعة متلاحقة لمسدس أطفالء 
ودقات العصا «النقرزانية» وازدياد تفتتها. والإلحاح المزعج واللهفة 
والسرعة» وفي ومضة كنت أحمل كل ما يخصني في الزنزانة حتى 
«جردل» البول حملته فقد كان جديداً يوفر Cle‏ مئونة الحبس مع 
«جردل» قذر» وتبعته واضطراب الفرحة يبعشر خطاي. أعرف أنه 
مجرد «عزال» لا أفراح فيه ولا زيادة أو حتى أمل في أي منهماء 
ولكنه حدث fila‏ يقع, إذ هو جديد لم يحدث بالأمس ولن يتكرر 
غداً. إلى أين؟ لم يكن مهما. . حتى لو كان مع «الاخوان». لم 
أستطع ملاحقة خطوات «الأومباشى» عبد الفتاح السريع المضحك 
الذي يبدو به وكأنه يخوض سباقاً للأرجل الخشبية» وبدأت المسافة 
بيني وبينه تتسع وأنا أجاهد ولا أستطيع» وكأنني من طول الجلوس 
نسيت المشي . بعد بضع خطوات بدأت ألهث وأتساءل جاداً هذه 
المرة عن وجهتناء إذ كنا قد غادرنا السلم الهابط إلى أسفل» والثاني 
الصاعد إلى أعلى» وتركنا منطقة «الاخوان» والمحبوسين احتياطياً 
وتحت التحقيق» ولم تعد سوى أمتار قليلة وينتهي «العنبر». أتكون 
وجهتنا نهاية «العنبر»؟ 

بالضبط» عند باب آخر زنزانة وجدت «الأومباشي عبد الفتاح» 
بتوقف» ويستدير بسرعة إنسان انفلت عياره ويمضي جسده يتململ 
ويتشنج ضيقاً بتخلفي وراءه: 

- بسرعة! بسرعة بسرعة! النزام . . نزامك بسرعة! 

- يا أومباشي أنا مش . . 


£4 





AA\ 


من فدلك! من فدلك! ما فيش كلام ! ما فيش كلام النزام! 
بسرعة خش أودتك. . بسرعة بسرعة! 

وبسرعة بسرعة دخحلت» و«ترت ترت» انغلق الباب ورائي 
بالمفتاح» ووجدت نفسي جالساً فوق «النظام» مسند الظهر إلى 
الحائط› نفس جلستي من دقيقتين . . دقيقتان هذا صحيح 6 ونفس 
الجلسة» ولكن ياله من فارق! فارق جعلني أخبط جبهتي بيدي 
خبطة ارتج لها عقلي . إن الزنزانة الجديدة التي انتقلت إليها Oy‏ 
كانت تقع في نهاية «العنبر» لكن «العنبر» لا ينتهي che‏ إذ هي في 
الحقيقة تقع في منتصفه» فالنصف الثاني كله مخصص لسجن 
النساء . 

النساء! 

من قال إن السجن هو فقط مصادرة حرية الإنسان؟ إن فقدان 
الحرية ليس سوى الاحساس السطحي الأولء فالإنسان يظل يفقد 
أشياء كثيرة جداً. . كل ما يملكه أو باستطاعته امتلاکه» كل قدراته 
ومکتسباته» كل صلاته وقراباته وأحلامه وطموحه» كل ما ينفرد به 
كشخص وکل ما يتساوى به مع المجموع . . كلها بعد معارك استماتة 
وتشبث طاحنة, لا يلبث أن يجدها Lad,‏ عنه وأمام ناظريه وبقوة 
الحبس والعزل القاهرة» تتسرب واحدة وراء الأخرى وهو لا يملك 
لها ردأ ولا منعاً» حتى الأمل في خروجه من ذلك «الليمان» والافراج 
عنه بعد أيام طويلة من المراودة والمطاردة والالحاح» إلى درجة أن 
يفسر كل فتحة باب على أن الشاويش قادم بأمر cel SY‏ وكل حذاء 


النداهة 


4۷ 





AAY 


ثقيل يدق أرض «العنبر» على أنه حذاء المأمور أو المدير جاء يحمل 
قراراً Lote‏ بالافراج. كل plat‏ شمس یدخل على أنه أخصر صباح» 
كل غروب أحمر مخنوق شنقت نافذة زنزانته شعاعاته وخنقتها على 
أنه آخر غروب» حتى تصل الأزمة أحياناً حد تهديد العقل» وفي 
مرات تطيح به» ثم يصحو الإنسان ذات يوم وهو يحس بالراحة 
الكبرى وقد انتهت الأزمة» ومات الأمل تماماً وحل اليأس الكامل. 
حين ذاك فقط Lag‏ حياة السجن الحقيقية . . حياة أخرى مختلفة عن 
حياة الناس. حياة لا أمس لها ولا غد» وإنما طولها يوم واحد 
بالتحديد ذلك اليوم الذي تحياه. . يولد المسجون مع صاحبه ويحيا 
أحداثه وكأنها أحداث the‏ بأكملها عريضة وافرة الغنى . إن مد فترة 
الذهاب إلى دورة المياه من ٠١‏ دقائق إلى ربع ساعة تعادل في 
الفرحة بها قرار يصدر بمنحه إجازة ثلائة أشهر يقضيها على حساب 
المصلحة في أجمل مصايف أوربا. إن تغيير «الحلاوة الطحينية» في 
العشاء بالعسل الأسود يتجاوز في أثره واحتفال المسجون به قراراً 
استثنائياً بمضاعفة مرتبه إلى حد ينقله من طبقة تتعشى بالعسل الأسود 
إلى الطبقة التي تتعشى «بالكافيار والرومي». إن العشور على قطعة 
ورق من جريدة قديمة حتى لوكان تاريخها يرجع إلى أعوام مضت 
وقراءة أي خبر فيها عن أي شيء ولو كان العشور على لقيط بجوار 
مستشفى «أبو الريش»» يعادل الدهشة والذهول الذي ينتاب إنسان 
الحياة العادية حين يفاجأ بالجرائد تنشر على صدرها بالبئط العريض 
نبأ اكتشاف سر الحياة. بل كانوا يحضرون لنا الطعمية في الصباح 


۸ 





AAT 


ملفوفة ‏ زيادة في تعذيبنا بمنع أي متعة عنا ولو كانت قراءة الأخبار 
القديمة في الصحف العربية ‏ في جرائد ألمانية لا أعرف من أين 
استطاع المتعهد الهمام أن يعثر على كل تلك الكميات منها . 

وكانت جرائدي اليومية هي تلك القطع المشبعة بالزيت من 
أوراق الصحيفة الألمانية التي لم أعرف لها اسماً. أما وقد انقطعت 
be‏ تماماً أخبار العالم الخارجي فقد كانت أخبار الصباح بالنسبة لي 
ليست أحداثا أو «مانشتات» أو > by‏ وثورات واکتشافات» كانت 
أخباري أن أنجح رغم بقع الزيت في قراءة كلمة ألمانية كاملة 
ونطقها. كل صباح كنت لا أترك الورقة حتى أنجح في قراءة كلمة» 
وحينئذ أضع الورقة جانباً وأتنهد باعظم وأعمق ارتياح. أقسم أنه كان 
أعظم وأعمق من ارتياح قد يحسه إنسان قرأ مع افطاره كل جرائد 
العالم وعرف أخباره واطمآن أن كل شيء فيه على ما يرام . أما المتعة 
الكبرى. . المتعة التي لم يظفر بها OL]‏ فهي تلك التي أحسها 
حين أنجح مستعيناً باللاتينية التي أعرف بعضها وبالانجليزية 
والفرنسية وبالفهلوة المصرية أن أعرف معنى كلمة نجحت في 
قراءتها. وأبداً أبداً لا يمكن للزمن أن ينال من فرحتي ذلك الصباح 
الذي نجحت فيه في معرفة معنى كلمة «فريدان» وخمنت أنها 
والحرية). 

النساء! 

تلك الحياة المسجونة الثائية التي تجد نفسك تحياها وتخضع 
لقوانينها. . حياة كحياة المشلول أو من أصيب بالعمى أو فقد بعض 


النداهفة 


£4 





A^ 


عقله ‏ أضيق قليلاً من حياة الناس -ولكنها أيضاً مزدحمة» بل حتى 
أناسها ليست لهم شخصيات جديدة لا بد تختلف بدرجة أو بأخرى 
عن سايم التي يعرفهم بها الناس في دنياهم العادية. تفاجا 
a‏ بمن كان طبعه الضجر والملل والتكشير وقد تحول إلى 
تشو» وأصبحث شهرته أنه «ابن نكتة» ومجلسه «مجلس أنس». 
ee‏ المرعب وقد تحول إلى فأر مذعور» والمتواضع الغلبان 
وقد انتصب من داخله شجاع عنيد. Ltt,‏ يضاف إلى كل منهم 
ولحسته الخاصة». . اطلاق الذقن مرة» أو الاغراق في الصلاةء أو 
موهبة قول الشعر وكتابة القصص وقد نمت فجأة وبلا ساق انذار. . 
وتتجمع فئات تلك الحياة الموازية الخاصة وتستدير كي تصنع حياة 
تكاد تكون كاملة» أقول تكاد لأن أمراً حيوياً Lily‏ يظل ينقصها. 
الساء! 


بعد ما تنتهي من إعادة تذكر كل قصص الحب والعلاقات 
بالنساء في حياتك وتجترها cls‏ بعد ها نري ا قات شثت من أحلام 
يقظتك ومن تصورك لكل ما استحال عليك بلوغه ممكناًء مم 
فشلك وقد انقلبت إلى معارك فوز وانتصار. . بعد ما تستميث دفاعاً 
عن كنوز ذكرياتك تلك ضد العدو الأوحد. Oe‏ 
النفوس» تبدأ تحس أنها رغم استماتتك تتسرب من قبضتك المطبقة 
عليها e sS‏ 
ما كان يذكرك برجولتك واختفت من عالمك الجديد كل لمحة أو 
اردة تعيد لك الذكرى» وهكذا تحيا ونفسك الجديدة تعمر بكل 





Ade 


شيء من أيات الحياة إلا منطقة منها محددة مجدبة قفراء لا أمل لها 
في ماء أو نماء. 

هكذا جلست أحدق في الحادث المروع الذي وقع والذي 
نقلني فجأة من عالم اندثرت فيه الذكورة والأنوثة من زمان وانمحت» 
إلى وضع أنا فيه أرتكن إلى حائط ليس وراءه إلا نساء في نساء. . 
كبيرات وصغيرات» وسمينات ورفیعات» وبيضاوات وسمراوات» 
وعلى كل لون وبأي شكل تشنهي وتريد. . أحدق Leg ye‏ مشتتاًء 
عاجزاً عن أن أصنع أي شيء بالمرة. 

إني في الزنزانة التي يتقائل المساجين عليها ويقدمون الرشاوي 
«لشاويشية» الأدوار كي يمنحوهم إياها. . في الزنزانة الشهيرة التي لا 
يزال السجن يتناقل جيلا بعد جيل قصة الواقعة التي جرت فيها يوم 
أن احتلها أحد «اللومانجية» الذي قضى عشر سنوات في «الليمان» 
وكان لا يزال أمامه على الافراج عنه عشر سنوات أخرى؛ وكان ماراً 
على السجن في «ترحيلة»» واكتشفوا في الصباح أنه استطاع بجبروته 
والاستعانة «بمطواته» التي مهما فتشته لا تعثر لها على أثرء أن 
«يثقب» الحائط المبني من «الدبش» والكائن بين زنزانته والزنزانة 
المجاورة في سجن النساء» بحيث أمكنه أن يصنع «ثغرة» لفل منها 
بجسده إلى جاراته المسجونات الثلاث اللاتي تقبلن الحفر والثقب 
واللومانجي دون Slew!‏ بل يقال انه «ضاجع» حارسة الليل .نفسها 
حين جذبت انتباهها أصوات عدم الاستغاثة. . منذ ذلك اليوم أقامت 
إدارة السجن حائطاً ثانياً سميكاً جعلت مونته من الأسمنت هذه المرة 


x‏ التداهسة 





AA‘ 


من المحال أن ينجح أحد في ثقبه حتى لو كان قادماً من حرمان 
مؤبد. 

أذكر الحادثة لأنها بعد مدة ‏ وعقلي أبيض منتفخ بفكرة حظي 
الهائل. . ساكن لا يملك حراكاً cae‏ بدأ يتحرك كانت حركته 
الأولى هوجاء مجنونة على هيئة فكرة أن أثقب الحائط. وحيث ان 
المونة من الأسمنت فلا بد من استعمال أصبع من الديناميت أكلف 
أحد العساكر بشرائه» وما داموا يهربون كل شيء إلى السجن حتى 
المخدرات . . فلماذا يستعصي الديئاميت؟ ويصنع لي فتحة أدخل بها 
إلى بيت اللحم المجاور» اللحم الشهي الحي الذي لم أذق طعمه 
من سنوات؟ 

ومع أني رحت Gal‏ وأبذر في تخريفي على تلك الصورة وأنا 
أحس بنفسي سعيداً منتشياً سكران بالنشوة» إلا أنه عاجلاً أو آجلا 
كان لا بد أن أبدأ أتبين الوضع على حقيقته» وأدرك بجلاء ووضوح 
وثبات أني أصبحت في مكان ليس بيني وبين ما لا يقل عن أربعمائة 

امرأة فيه إلا خطوة ‏ حتى لو كانت على هيئة حائط فهي لا تعدو كونها 

خطوة  Sab‏ بدا مخي معه يسخن وترتفع حرارته حتى يبدأ يفرز عرقاً 
داخلياً غزيراً على هيئة رذاذ من الأفكار المتلاحقة . . وكنت أعرف أنه 
مهما تنوعت أفكاري وتشتت فلا بد أن أبدأ بعد «التمام» في 
الخامسبة» أدق. . 


oY 





AAY 


إن الحياة الحقيقية للمساجين لا تبدأ إلا بعد أن يزول ارهاب 
العيون الآمرة الناهية التي لا عمل لها إلا أن تمنعك من كل ما تملك 
حق منعه» وكأن السجن في الحقيقة ليس إلا كلمة «ممنوع» كبيرة 
وشاملة. . ممنوع كل شيء إلا ما يبقى عليك الحد الأدنى اللازم كي 
لا تموت» لا لأنهم يريدون لا سمح الله لك البقاء» ولكنهم يريدون 
لك أن تحيا حياة الموت معها أرحم» إذ ممنوع عليك فيها كل ما 
يجعل من الحياة ciate‏ والمباح فقط هو كل ما يجعلها عبشأ وعذاباً: 
وقیداً ثقيلاً تتمنى لو تخلصت منه واسترحت بالموت. ولكن الغريب 
أنهم لم يستطبعواء وأعتقد أنهم أو غيرهم لن يستطيعوا مهما اتخذوا 
من احتياطات وبالغوا في قائمة الممشوعات أن يخلقوا ذلك السجن 
الكامل الذي يحلمون بهء فقد استطاع الإنسان دائماً أن يجد حرية 
داخل كل قيد على الحرية» وأن يخلق داخل كل ممنوع ما هو مباح. 
ولهذا لا تبدأ الحياة الحقيقية إلا بعد زوال حراس المنع من ضباط 
وشاويشية» والعهدة بالرقابة إلى حرس الليل العزل. وهؤلاء 
كالمساجين تماماً ما أن تزول عنهم الرقابة حتى في معظم 
الحالات ‏ ينطلقوا على سجيتهم . ما أن يدق جرس «التمام» ويطمئن 
المأمور أن العدد مضبوط ولم ينقص واحد أو يهرب واحد حتى يفرج 
كل مسجون عن نفسه» فيبدأ يتكلم مع من يشاء من جیرانه» ويسكت 
حين يشاء» ويزعق إذا عن لهء ويغني منى أراد» ويقول رأيه في 
أحداث اليوم» ويشتم ويسب. . أجل ويسب» وما أكثر كمية السباب 
التي تغادر ol BY!‏ بعد «التمام» وكأن السباب غريزة ومزاولته ركن من 


ov‏ النداهمة 





AAA 


أركان الحرية. وهكذا لا يبقى من السجن الكامل الذي أرادوه إلا 
جدراناً صماء هي الوحيدة المحبوسة داخل مساجين يشبعونها دق 
وضغطاً واختراقاً بأحاديئهم وصراخهم دون أن تجسر على منع أو 
اعتراض . 

وكانت حريتي وما هو أكثر من الافراج في رأبي» أن تأتي 
الخامسة وتقوم الضجة لاستطيع محتمياً بها أن أبدأ أدق وأعلم 
الجارات بوجودي» إذ من لحظة الوعي فقط سيبدأ أروع وأهم حدث 
في حياتي تلك , . 

وقلت وأنا أدلل الاحتمالات تدليلا لا يحدث إلا والهدف 
العظيم في جيبك تداعبه متلذذاً مستثيراً لشهيتك: ربما هن لم يعدن 
بعد. . ربما هن في الحمام أو في المنسج . ولكن أشعة الشمس 
أصبح بينها وبين السقف في زنزانتي مالا يزيد عن العشسرة 
السنتيمترات بما معناه تعديها الخامسة والنصف. وأنا أدق ولا أحد 
يجيب. ربما سمك الحائط؟ . . بقوة أكبر «بالجردل» نفسه» بقدمي 
وقوة الساق الهائلة رحت أدق. . وفي الحقيقة لم أكن أدق بقدر ما 
كنت أطرد بشدة احتمال أن تكون نتيجة هذا الاحتشاد والفرحة إلى 
درجة الوصول إلى تدليل الاحتمالات أن الزنزانة المجاورة خالية تلك 
الليلة. ومن يدري ربما غداً أيضاً ولليال كثيرة مقبلة. كنت أطرده 
بشدة لعلمي أن البله الذي قابلت به المسألة أول الأمر كان راجعاً 
إلى أنها من الضخامة بحيث لا تصدق» وأني حين صدقتها فعلا 
وبدأت أتصرف كانت فد غورت في كياني وعقلي وأحلامي إلى درجة 


of 





AA4M 


أصبحت معها خيبة الأمل إذا حدثت Le‏ بشعاً شريراً لا يتحمله 


& 


بسر . 
في السادسة توقفت عن الدق. لم تكن أول مرة أقرر فيها 
التوقف ولكنها كانت المرة التي قررت فيها التوقف بلا عودة. لم يعد 
Gul‏ أدنى أمل في استجابة أو رد بل حتى الأمل في ذلك. الأمل كان 
قد انتهى وأصبح علي أن أعتبر الموضوع كأن لم يكن, وأن أجهز 
نفسي لقضاء الليلة في زنزانتي الجديدة تلك مثلما كنت أقضي 
الليالي في الزنازن القديمة.. أفكر بلا هدف في لا شيء حتى 
تتزغلل قوى عقلي وتنهار فأنام . 

انها لكارثة محققة . 

فصحيح أنه لم يكن قد مر AST‏ من ساعتين منذ عرفت الخبر. 
لكن المشكلة ليست أنه استثارني أو هيج كامن أشجاني. . المشكلة 
أني لم أعد UT‏ . أني فجأة وجدت نفسي أمام إنسان آخر انتفض من 
داخلي مارداً عملاقاً رهيباء لا علاقة بينه وبين الإنسان الذي كنته 
طوال ذلك اليوم والأيام الكثيرة التي قبله. الإنسان الذي كنت قد 
اعتدته وعرفت حدوده وخحصاله ومزاياه. لم أدرك أنه كان على تلك 
الدرجة من الموت إلا حين انبثق ذلك الآخر. إلا حين أحسست 
وكانما ار ى بعيني الحياة تتدفق ‏ لدى ذكر النساء وعالمهن واستحضار 
المرأة في ذهني ‏ غريزة وحشية مكتسحة كأمطار الصيف فوق خط 
الاستواء. . تنهال على سطح البحيرة الآسن الراكد البليد الذي ألت 
إليه بجسدي وأفكاري وأحلامي وانفعالاتي . مجرد وقع الكلمة على 


هه النداهة 





Aq. 


الأذن «النساء» بذلك التضاد القاهر المكهرب معك. المناقض tits‏ 
لك» الذي تحن إليه وترغبه وتريده كما تريد الحياة نفسها. . مجرد 
تصورك لأجسادهن المختلفة» لانبعاجاتها المثيرة» لملاسهن ‏ حتى 
ملابس السجن الواسعة» لروائحهن الخاصة. . دائماً خاصة 
كبصمات الأصابع» لأصابع أقدامهن الصغيرة كالجرذان الوليدة 
المنكمشة على نفسهاء لأياديهن النحيفة زرقاء العروق» للعيون. . 
عيونهن واحساسك أنها عيون امرأة ورموش أنثى . . ترسل نظرات 
تدرك أنها نظرات أنثوية منتزعة من أعماق امرأة ومرسلة إليك مضمخة 
بأنوثة تلون حتى شعاعات البصر ‏ المرأة - الصدر الحنون والقلب 
الرحيم والكلمة الحلوة الرقيقة والأفخاذ التي يفقد بينها الرجل 
صوابه. بركان تفجر لا سبيل إلى إيقافه» قوى وافدة» غريبة» ملايين 
من شحنات كهربية حية أحسست بها من منبع خفي في جسدي 
تتفجر كالنهر الغاضب في فيضانه يكتسح . جن وعفاريت وأفكار 
مجنونة حافلة بذكاء لامع براق وطموح هائل وأحلام شهية تتولد 
وتتكائر وتغمر الدينا بأسرها. هكذا لا بد فتك ذلك اللومانجي 
بالحائط فقد كان باستطاعتي ساعتها أن أثقب الجدران أو أهدها أو 
أحطم المعبد. قوى لم أعد أقوى على السيطرة عليها فأصبحتث حرة 
تستطيع أن تفعل ما تشاء» تقدم على الفرار أو تقتل حارس الليل» 
أو تضاجع الحجر. العشاء التهمته في غمضة عين ودار حارس الليل 
على الزنازن يلم لي ما بقي من طعام» وبنهم جشع رحت أدخن 
حتى أتيث على نصيب الأيام القادمة الذي قسمته بعناية وادخرته. 


٦ 





۸۹۱ 


أحياناً كنت أمسك رأسي بيدي وأضغط عليه بشدة مخافة أن ينفجر 
وكل أملي أن تأتي ساعة النوم وأهدأء ولكني كنت White‏ جداًء 
فها هو برد الزنزانة يشتد» والظلام يقل علامة طلوع الفجر. وليس في 
عبني أو كياني كله لمحة نوم واحدة. 


# ke & 

في اليوم التالي لم أنتظر «التمام» sie‏ في الخامسة. . في 
ساعة القيلولة دققت دقات عنيفة مختلسة يائسة. وفي نهاية اليوم 
دققت وكثيراً ما منعت نفسي أن أدق الحائط برأسي غيظاً غير متصور 
haf‏ أن يكون حظي بهذه التعاسة؛ وأن تظل الزئزانة خالية أيضاً لليوم 
الثاني . والمضحك أن أسبوعاً بأكمله مضى وأنا كل يوم أدق» وأفعل 
هذا مع أن حريتي في الدق كانت محدودة بتلك الدقائق التي تعقب 
«التمام» مباشرة حيث بعد السكون الشامل المفعم تنطلق في أنحاء 
العنبر ثمانمائة حنجرة تصرخ كلها في وقت واحد» ويزاول أصحابها 
مئعة الكلام بعد اجبار طويل على السكوت. ومع انتهاء الضجة 
تنتهي محاولاتي وفرحتي » ومع هذا فما أكثر ما غامرت ودققت في 
ساعات الصمت وأنا أحاول بكل قواي أن أكتم الصوت» بل أحياناً 

كنت أستيقظ من النوم لأجد نفسي قبل أن أفيق تماماً أدق. . 
ولا أذكر كيف فقدت الأمل. فقد كان لا بد طال الوقت أم 
قصر أن أفقده. كان واضحاً أن «عنبر» الحريم يشكو قلة الزبائن, 
وأنهم يؤثرون هناك أن يجعلوا المنطقة القريبة من «عنبر» الرجال آخر 


باه النداهة 





AMY 


ما يستعمل. وعلى غير ما كانت البداية حادة ومتفجرة وعنيفة كانت 
النهاية بطيئة طويلة ممتدة» وكأنما عن عمد. . وكأنما Lady‏ للفقدان 
التام للأمل» والتلكؤ لعل وعسى تحدث المعجزة. 

وحتى تلك النهاية التي بدت كالحدث الفاجع dol‏ الآمرء 
انتهت هي الأخرى كنهاية» ومع الأيام ذابت كي يعود الموات إلى 
كل شيء وتصبح البحيرة الراكدة fal‏ ما تكون وآسن ما تكون. كل 
ما في الأمر أن طعماً مريراً ممتداً. . طعم الفشلء كان قد أضيف 
إليها. . Lab‏ كنت متأكدا أنه هو الآخخر لا يلبث أن يزول» ولا تلبث 
الحياة أن تعود بي إلى ذلك الإنسان الآخر الذي كنته. 


نفسي . . حين سمعت ‏ أجل سمعت ‏ بأذني هذه دقات تأتيني عبر 
الحائط السميك. . في ضجة ذات «تمام». 


وشكراً للسجن الانفرادي أن أحداً لم يرني ساعتها وأنا أقفز في 
الهواء وأدق الحائط من أعلى ومن أسفل» ثم أستجمع كل قراي 
وأثب وثبة هائلة أتعلق بها في حديد النافذة وأصرخ وأغني وأقلد 
طرزان وأتشقلب. . رأسي إلى الأرض وساقاي في الهواءء وأعوي . . 
بأعلى ضوتي أنادي جاراتي جميعهن ناعتهن بألفاظ لا تخطر على بال 
سکران» وأعود أدق وأدق فقط كي أدق وأنا فرح فرحاً حقيقياً أحس 
به. ونحن في الحياة العادية التي نتعامل فيها مع الفرح والحزن 
والاكتئاب والتفاؤل نفقد الاحساس بهذه الانفعالاات بكثرة المزاولة. . 


مه 





AMY 


«نعرفها». . بحيث لا نعود نتوقف عندها أو نكتفي بها. ]13 نجح فينا 
أحد يجد نفسه يكاد لا يحس بالنجاح ساعة وقوعه إذ هو على الفور 
يبدأ يتساءل عما بعده» عما يفرح أكثرء فالنتيجة أننا لا نفرح في 
السجن حين يحدث ما يفرح من طول افتقادنا للفرحة» نحس بها. . 
نلمسها وتضطرب بها أجسادنا وتحفل بطاقات من نشاط الفرحة 
الغامر» ونرى أبواب أمل واسعة في صدورنا تتفتح » وتنبهر بالنور 
الكثير يكتسح أمام أعيننا الظلام الكثيف الرابض داخلنا. . فعلاً 
نفرح» لا يهمنا كثيراً ما بعده بقدر ما يهمنا أنه جاء وأننا نحياه. لكأن 
كلما ضيقت علينا الحياة اتسع احساسنا بهاء وكلما قلت كميتها 
أصبح لكل دقيقة من دقائقها وقع أروع وأثمن. 

ولم أفطن إلى زوال ما بعد «التمام» إلا حينما بدأت أعي أني 
الوحيد الذي يحدث ضجة, وكما كان على «العنبر» أن يئوب إلى 
هدوئه الليلي كان gle‏ أن fal‏ بروية أكثر. ها بعد طول صبر ويأس 
وانتظار قد غمزت السنارة. . وهأنذا متأكد أن صيداً سميناً كبيراً على 
الناحية الأخرى. . صيداً قادماً من تلقاء نفسه. وهو الذي bay‏ وعليّ 
JS,‏ ما أوتيث من قدرة وحذق أن أظفر به SUIS‏ وبانتظام بدأت Gat‏ 
وأرهف أذني ‏ وهذا هو الأهم ‏ كي أتسمع الرد. كانت تأتيلي 
أصوات خافتة بعيدة كالقادمة من أعماق بشرء وكانت أذناي تلقتطها 
وتترجمها وتنقيها وتحولها من دقات إلى لغة. . ومن لغة تتكلمها اليد 
إلى لغة يحسها الشعور ويدركها العقل . إنها مثلي بمفردهاء وهاتان 
الدقتان السريعتان المتصلتان معناهما أنها قلقة هي الأخرى. خائفة 


التداهة 


04 





AA 


مثلي أن يحدث ما يقطع الاتصال. تلك الدقة الوحيدة التي لم ترفع 
اليدين عن الحائط بعد دقها. . إنها ابتسامة اطمئنان. ألمحها. فمثلما 
يطمئنني قلقها لا بد أن قلقي يطمئنها. ما أعذب هذا! ما أروع أن 
أعثر في وسط صحراء مترامية الأطراف» في آخر الدنيا هناء حيث لا 
حضارة ولا أنس ولا بشرء حيث انتهى “العالم من زمنء أعشر على 
أئشى» أدق لها فتدق لي» وأضطرب خوفاً من فقدانها فتبتسم لي في 
حنان واطمئئان. لقد عرفت الحب أكثر من مرة. . الحب المحموم 
المجنون الذي ينهش الصدر ويعتصر الروح» الحب الذي ينسيك من 
تكون وما كنته وما يجيء به الغد» الحب الذي من طينته حرجت 
قصص الغرام الكبرى» وجن قيس وانتحر فرتر وماتت جولييت. بعد 
الحديث القصير الذي تم بالأيدي أحسست وكأنني عثرت على سيدة 
عمري» أحسسث أن حبي الثالث ذلك الذي لا يقاس بجواره أول أو 
ثان» ذلك الذي طالما حلمت به وخشيته وطالما هفوت إليه وأرعبني 
مجرد التفكير فيه» عرفت أنه هكذا ودون كلمة أخرى قد fay‏ إن 
قصني مع المرأة حرب دامية طويلة بدأت من يوم مولدي ومع أول 
امرأة عرفتها. . أمي! حرب انتهت بخوفي من المرأة إلى درجة 
عبادتهاء والحقد عليها إلى درجة الرعب المقيم أن يتحول الحقد إلى 
حب فأودعه كل شوفي المريض إلى المرأة منذ أن كانت أمي إلى أن 
أصبحت غريمتي وعشيقتي » وأفقد في تلك المعركة.. في الحب. . 
نفسي تماماً. وهكذا بمقدار تعطشي للحب كانت محاولاتي للهرب» 
ولكني هذه المرة بإرادتي المدلهة أختاره حتى لو كان فيه وحتماً 





۸4 


فيه هلاكي . هذه المرة لا صراع ولا محاولات مستمرة للتراجع . 
إني أندفع بكل قواي وأدق وأكاد أموث متعة وتلذذاًء والرد يأتيني Gs‏ 
أنثوياً واهناً مبحوحاً. أرى اليد التي ترسله بيضاء صغيرة ذات شعر 
ميكروسكوبي أصفرء وأظافر بلون دم الغرال الشاحب» يد أعرفها 
وأقبلها وأقبل كل أصبع فيها. . وبلساني ألثم ما بين الأصابع. 

وأصبح واضحاً من دقاتنا المتتالية المتشنجة أننا في حاجة 
لاقتراب أكثر. لم تعد لغة الأيدي القاصرة قادرة على ترجمة ما يغلي 
داخلنا من انفعالات. كان لا بد أن نتكلم! وللمساجين طريقتهم 
الشهيرة في التخاطب عبر الجدران هي وضع «كسرولة» الطعام 
الفارغة من ناحية فتحتها على الحائط وتقريب الفم من قاعها 
للتكلم. . أو الصاق الأذن به للاستماع. ورحت من خلال 
«الكسرولة» أتحدث وأحاول الانصات. . ولم أعجب حين بدا OLS‏ 
لا صوت هناك . كنت أعرف أن الجدار سميك» وهكذا رحت بأعلى 
وأحد ما أستطيع أهمس محاذراً أن يسمع الحارس همسي» والوقت 
يمضي ومحاولاتي لا تكف» وحنقي وضيقي قد بلغا درجة أصبحت 
معها لا أحفل حتى أن يسمع الحارس. كانت تعاستي تكاد تذهب 
بعقلي وأنا أرى نفسي لا يفصلني عن الأنثى التي ايعتجابت لي 
وبدأت معها مغامرة العمر الثالشة إلا جدار عمره ما وقف Mile‏ بين 
مسجونين. . أقرب ما تكون مني . . أبعد ما تکون عني» وأنا بين 
النقيضين مشدود أتمزق غيظاً وألماً. 


ولم يكن لي من منقذ إلا أن تحدث معجزة فيتفق وضعي 


\+ النداهة 





Aan 


«للكسرولة» مع وضعها بحيث تلتقيان عند نفس النقطة من الحائط 
فيصر الكلام مباشرة من إنائها لإنائي . وكيف لي أن أعلم أنها هي 
الأخرى وصلت إلى نفس استنتاجي وبدأت تبحث عن مكاني مثلما 
بدأت أبحث عن مكانها. ويا له من مشهد ذلك الذي كان مقدراً أن 
يراه الرائي لو أتيح له أن يشاهد كلينا في نفس الوقت بحيث يتابع 
تلك اللعبة الخالدة الدائرة ربما منذ بدايات الخليقة» ذلك البحث 
الدائب عن ملتقى بين اثنين أقرب ما يكونان وأبعد ما يكونان, لا 
يفصلهما سوى بضعة سنتيمترات من حجر أو طبقة أو جنس أو لون. 
. أناديها lel‏ وأقوى ما أستطيع من همس : 

. سامعاني ؟ 

وتناديئي دون أن أسمع لها صوتاً: 

أنت فين؟ 

وكلانا أعمى محموم بالرغبة» يتحسس بالغريزة وحدها 
والسليقة طريقه إلى الآخرء وأبداً أبدأ لا يفقد الأمل. وكم بدت 
المهمة سهلة أول الأمر؛ إن هي إلا بضعة أمتار مربعة باستطاعتي أن 
أمسحها طول وعرضاً وحتماً سأنتهي بالعثور عليها. ويمضي الوقت 
بطيئاء قاتل coded‏ وتستحيل الأمتار القليلة إلى غابة مترامية الأطراف 
من المحال أن تلتقي برفيقك أو يلتقي بك بمجرد بحثك عنه وبحثه 

ولكن» حتى بقانون الصدفة المحضة كان محتماً أن نلتقي فما 
بالك وثمة قانون مقدس أعلى كان يحكمنا في ذلك الوقت» قانون 


5 





AAV 


الأنشى والذكر. ولم أكن في تصوري أطلب المستحيل وأعتقد أني 
ساستطيع التحدث إليها عبر الإناءين بحيث تسمعني وأسمعها في 
وضوح. كان يكفيني مجرد أن أسمع صوتها الأنشوي . . مجرد أن 
أستطيع تمييز نطقها المخالف وأطمئن بالدليل المادي إلى أنني لا 
أحلم ولا أتصور ولا أبني انفعالاتي على coms‏ وإنما هناك وراء هذا 
الحائط أنفى حقيقية من دم ولحم . وحين حدث اللقاء وبدأت أذني 
المنتبهة أدق انتباه تلتقط ما يأتيني عبر الحائط. كدت أصاب بخيبة 
الأمل» فقد جاء الصوت وكأنه ليس نافذاً من خلال الحائط وإنما كأن 
الحائطء أو ما هو أثقل بكثير من الحائط. She OLS‏ بأكمله قد مر 
على كلماته وحروفه فسحقها كما كان القطار يسحق ما نضعه فوق 
قضيبه من مسامير ونحن صغار فيحيلها إلى رقائق معدنية كحد 
الموسى .لم تكن كلمات أوحروف وإنما مسحوق همس لا تستطيع 
تمييز جمله» تهشمث ودكت بحيث استحالت إلى أصوات متصلة أو 
متقسطعة, كالأنين مرة وكالصفير مرة أخرى.. كسين طويلة بطول 
السطر أو BLS‏ دال متتابعة» وأيضاً لا تعرف حتى نوع الصوت الآئية 
به فهو أحياناً غليظ كأصوات الرجال وأحياناً دقيق رقيق OLS‏ مصدره 
عصفور كناريا. ولا بد أن صوتي هو الآخر كان يصلها على نفس 
الصورة. ولكن كما لم تستطع الجدران أن تحول بين قانون الذكر 
والأنثى وبين أن يأخذ مجراه فكذلك لم تقف اللغة المهشمة والهمس 
المسحوق حائلً؛ بل مثلما أحلنا الجدار الذي كان مفروضاً أن 
يفصل بيننا إلى وسيلة اتصال» فكذلك أحلنا اللغة المهشمة إلى أداة 
تفاهم , 


الندامة 


1۳ 





ASA 


وبالهمس المسحوق رحنا نتحدث» حديث المحبين الخجول 
المتعشر المفضي دائماً إلى الحديث عن النفس» والاعتراف» وكان 
كل منا قد وجد القلب الحنون الذي يهدهد على GLAS‏ ويغفر 
أخطاءه ويجد المبرر لذنوبه وعثراته . 


ومن همسها المسحوق راحت تتجسد لي » وكما يستطيعون في 
الطب الشرعي أن يعيدوا صنع الإنسان بأكمله إذا عثروا على أصبع 
من أصابعه Se‏ أو جزء من أعضائه» إذ لا بد لكل أصبع من اليد 
التي تناسبه» ولا بد لليد من الذراع والجسد والأقدام التي تناسبهاء 
وكل أنف له الأذن والعين والوجه الخاص به. وهكذا يعيدون تركيب 
الإنسان ليصبح صورة طبق الأصل للضحية. واستطعت من همسها 
المسحوق أن أراها pauls‏ وأقربهاء وأضمهاء وأعانقهاء وتصسل 
منابت شعرها إلى ail‏ إذ هي أفل مني طولا» وعيناها سوداوان 
'غامقتا السواد. وعلى جانبي وجهها المستطيل ينهدل شعرها الأسود 
«poll‏ ومن خلال جلباب السجن الأزرق ينفر ندياها متباعدتين بلا 
«سوتيان» كثدبي بكرء ولا بد بأزميل فئان صنع فخذيها فهما طويلتان 
ممتلئتان تتوجهما تلك الاستدارة الطرية الملساء الكاملة. اسمها حتماً 
فردوس وفي عروقها دم بدوي» وعلى ذقنها بالضبط فوق all‏ وشم 
لا يتعدى ثلاث نقاط رمادية باهتة» وفمها ليس صغيرا كفم البنات 
ولكنه ممتلىء مقلوب الشفة العليا لا تملك لحافتها المشرعة إلى 
أعلى . . مقاومةء لها في السجن ثلاث سنوات» كان زوجها 


5 





۸44 


يستخدمها في تهريب المخدرات وضبطت بالبضاعة في ديزل 
الاسكندرية.  ٠‏ 

وككل إنسان. . كثيرة هي المرات التي يخوض فيها تجربة 
الجسد مع اللساء» حتى لو كان الجسد لحبيبة» ولكني ما حيبت لن 
أنسى كيف استطاع الحديث بيننا أن يرتفع بدفقه درجات مقرباً ما 
cley‏ حتى oly‏ أحس بأجسادنا تتلاصق وتنداحل صانعة البداية 
لأروع متعة ظفرت بها في حياتي . وأنا من خلال ذلك التيار الصوتي 
الدائر lag‏ أحيل جسدي كله وذكورتي كلها إلى أصوات أنفثها عبر 
الوعاء الألومئيوم ويسحقها الحائط» ولكني أحس بها تغادره أكثر حدة 
والتهاباً تخترق وعاءها المعدني وجسدها وتصل إلى مكمن الحياة 
فيها. وبدوري أتلقف أنوثتها الذائبة في الصوت المطحون المبحوح 
القادم يشن عبر الحائط» أجذبه وأمتصهء وأجذبها هي نفسها وأمتصها 
حتى منديل رأسهاء وبعنف أكبر تغيبني هي في نفسها حتى أظافر 
القدم . 


ولم تنم ليلتها. 


ولم أتحرك من زنزانتي طوال اليوم التالي ممدداً فوق «البرش» 
pol‏ سعادتي» وأحس وأنا في أقبح مكان في الكون بجمال للعالم 
وطعم للدئيا لم يذفه بشر. أشعر أني أصبحت أقوى من سجني 
وسجانتي ومن سجنوني . كل لحظات الضعف واهتزاز الثقة راحت 
وتبخرت والرجل فيّ قد عاد للحياة تماماً فعاد للحياة سحرها 


7 النداهة 





ومعناها . والرجل في حالة حب. . حب لم يذقه في كل ما سبق من 
قصصه. فقد كانت تجارب للصراع المحموم وكبح التفس 
والاحساس بالخجل وتأنيب الضمير. ولا أدرك أنه كان Le‏ إلا هناك 
حين ينتهي كل شيء وتعود الحياة إلى بلادتها. الآن ومئذ اللحظة 
الأولى أعترف وأستمتع وأعيش للحب وسعادتي الكبرى أن فردوس 
تحبني . قد تكون غير متعلمة أو مثقفة أو تجيد استعمال الماكياج 
Lely‏ المواعيد من الترزي . قد لا تستطيع أن تدرك معنى أنني شاعر 
أو تفهم تماماً سبب سجني » ولكن حسبي اني رجلها وأنها أنثاي وان 
كل ما حدث لي أو حدث لها قبل لقائنا وبالذات قبل ليلتنا الماضية 
كان سراباً وخداعاً وأننا منذ الأمس فقط بدأنا لأول مرة في حياتنا 


وجاء المساء. 

هذه المرة لا جنون ولا استعجال Lis]‏ هو الاطمئنان العظيم 
يغلف كل beget‏ وبمثل ما كان للقلق والخوف والترقب من متعة»› 

قبل أن يحل «التمام» وجدت أني لا أستطيع la‏ وقررت 
ما دام الكلام مستحيلاً أن أكتفي بالإنصات لعلي أسمعها تكح أو 
تغني أو حتى تستعمل «الجردل». ودهشتي كانت أني سمعتها 
تتحدث. . عبر الحائط gal‏ أصوات استطعت تمييزها وإدراك أنها 
لأكثر من شخص. وفي الحال أحسسثت بغصة حادة وكائما حدثت 


55 





كارثة. إنها ليست بمفردها إذن» هناك مسجونات معها يتحدثن 
ويضحكن ولا بد أنهن ينمن بجوارها. وأحسست بالغصة تندك في 
أعماقي أكثر. مجرد أن يزاملها أحد حتى ولو كن sled‏ مسجونات 
متاحاً لهن منها ما ليس متاحاً لي . . نساء يستطعن أن يرينها رأي 
العين أو يعانقنها ولو أردن. . احتمال لا أستطيع yd‏ يخنقني 
ويلهب غيظي . وما يغضبني أكثر انها بدورها تحادڻهن» فلابد أنهن 
يحتللن من تفكيرها جزءاً. بأي حق تسمح لنفسها بهذا وأنا بكل جزء 
من عقلي ونفسي وجسدي لها وحدها؟ بلغ غيظي مداه. وحين حل 
«التمام» ودققت» ومضت لحظة قبل أن تردء لم أعد أستطيع الصبر 
وانهلت على الحائط لكماً وكانما لتدرك أني إنما أوجه لها هي 
اللكمات . 

ثم جلست في الركن البعيد غاضباً أنفس عن غيظي بإشعال 
نصف السيجارة من نصف السيجارة متجاها تماماً دقاتها وهي 
تستحيل من العنف إلى الإلحاح» إلى السكون لحظةء إلى الغضب 
القصير إلى العودة مرة أخرى بلين ورقة» وكأنما ترجو وتلح في 
الرجاء. . رجاء لم أستطع معه المقاومة فعدت إلى الجدار أدق أنا 
الآخر دقات الصفح والصلح › ومن خلال الوعاء أهمس همس 
العتب» وتتعائق الهمسات وتتعانق أجسادنا خلال الهمسات» وأقبلها 
في فمها الكبير ذي الشفة المقلوبة إلى أعلى» أقبلها قبلة لا نفيق 
منها إلا على دقات تنهال على الحائط في احتجاج وكأن زميلاتها 
يطالبن باحترام وجودهن . 





۲ 


Ll,‏ رغم هذا لم نستطع أن نحترم ذلك الوجود. وفي 
حضورهن ورغم كل شيء قضينا ليلة غرام أخرى. 

وعدت إلى نفسي ذات لحظة بعد الأيام القليلة التي تلت لأجد 
أنني لم أفعل شيئاً طوال تلك الأيام إلا التفكير فيها. لم يدر بعقلي 
خاطر واحد أو أحلم بشيء ol‏ خارج نطاقها ونطاق علاقتي بها. إنه 
الحب إذن بأكمل صوره. وإذا كان الحب في الخارج يستولي على 
المحب تماماً ويعزله عن الحياة وينفرد به فما بالك Lily‏ هنا منعزل 
ومعزول ولا عمل لي سواه. إن الحدث الصغير التافه الذي قد لا 
يعلق بالذهن مطلقاً في الخارج. . حتى لو كان ذهن محب» يبدو هنا 
مهما خطيرا لا بد من الوقوف عنده طويلا والعودة إليه مرارا والتفكير 
فيه وربطه بغيره» والخروج باستنتاج بل باستنتاجات قد تؤدي إلى 
افتراضات ونتائج لا بد أن تؤدي بدورها إلى عودة للتفكير والتامل . 


وهكذا عرفت Lge‏ من تلقاء نفسي وتأملاتي لهمسها 
المسحوق - في أيام قليلة ما لم يكن باستطاعتي أن أعرفه في الخارج 
بمعاشرتها واحتكاكي المباشر بها في شهور. كل شيء عنهاء 
بطفولتها بأجدادها وعرق البداوة فيهاء بالأغاني التي كانت «تدندث» 
لها جدتها بها قبل أن تنام» بتفاصيل ما دار لها ليلة دخلتهاء بالجهود 
التي بذلتها أمها كي تنزف دماء يسلم لها الشرف الرفيع ويزف على 
رؤوس الأشهاد. 

وقد يستنكر البعض أن يحدث هذا كله دون أن نتبادل كلمة 


A 





۳ 


سليمة واحدة وأن استطيع أن أدرك كل هذا من خلال همس 
.مسحوق. ولكن فليسأل المستنكر كل من أحب إن كان قد أخطأ مرة 
في تفسير مواء الحبيبة» أو إن كان قد عجز أقل العجز عن 
الإحاطة بكل ما يقوله أنينها مهما تشعب ما تقول. ما حاجة المحبين 
إلى لغة إذا كان الصوت وحده مهما كان مسحوقاً ومن SHE‏ جدار 
يكني؟ 

حتى فعل الزمن في الحب بدأت أستعذبه وأستمتع بحدث 
الغرام الهائل وقد تحول إلى عادة» وتحولنا من غريبين محبين إلى 
قريبين» بل ما هو أكثر من زوجين محبين. هذا الاحساس بأنها لي 
وباني لها طول الوقت» بالأمس واليوم وغداً أيضاً ستكون لي . هذا 
الضيق الشديد بالساعات التي تباعد بينناء هذا القلق المفزع 
للدقائق التي تفصلنا عن اللقاءء اليقين الذي أصبحت معه أستطيع 
أن أحدد دون بحث بالضبط أين ستضع وعاءها لأضع وعائي » only‏ 
ستتحدث لأصغي » ومتى تنضج رغبتها للإصغاء كي أتحدث. هذا 
الهاتف الذي يوقظا معاً لأدق Lis‏ وتدق دقة» ونقول بهما: صباح 
الخير. أو بالضبط متى تبدأ تتثاءب لأقول بعدها: يالله ننام! تصبحي 
على خیر! 

غير أني وأنا أحيا أطوار الحب كلها وأنعم بها لم يخطر يبالي 
طور آخر ما أعددت له في نفسي أبداً وما تصورت إمكان وجوده أو 
حدوثه» فهو في الغالب كالعدو الغادر يداهم فجأة» ومن أول Ho‏ 
دققتها ولم يأتني الرد في الحال قال هاتف في نفسي: انتهت علاقتنا 


النداهة 


14 





إذن ولن أسمع عنها بعد OW‏ أو تسمع عنى. حدث هذا مع أن 
تأخرها أو تأحري في الرد كان مسالة عادية تحدث في اليوم عدة 
مرات , 

في الحال أيضاً أخرست الخاطر إذ اني أعرف ذلك الهاتف 
المتشائم أبداً. الرابض خلف كل انعطافة حدث يبشر بالفاجعة 
والنهاية. ولم تكن تلك أول مرة يجار بهتافه» Lind‏ قصتنا Lar‏ وكلما 
واتته الفرصة هتف. ولكن علامات التفاؤل لا تلبث دائماً أن تظهر 
وتفحمه. هذه المرة مثلما حملت لم تأت العلامات» وبيئما علا عواء 
الهائف سعيداً يتحقق فأله.. بكل ما أملك من قدرة رحت أكافح 
وأستدعي إلى الذاكرة أسباباً وتعللات تبرر تأخر الرد» أو حتى غيابه 
كلية ليلتها لو حدث» ربما هي في التأديب. . ربما في المستشفى . . 
إن هي إلا ليلة أو على أسوأ الفروض ليلتان وتعود. 


ولكنه كان تمسكاً بأهداب وهم أوهى من نسيج العنكبوت. 
كانت حقيقة قد ذهبت تماماًء هكذا أكدت الأيام والليالي الطويلة 
التالية. حتى حين ‏ بعد أكشر من أسبوع ‏ جاءني رد على دقي» 
أشحت عله في اشمئزاز وضيق. فقد عرفت على الفور أنه ليس 
دقهاء ليس لهاء ليس صادراً عن يدها البيضاء الطويلة الأصابع ذات 
الشعر الميكروسكوبي الأصفر. 


وفي كل مرة انتهت لي فيها قصة حب كنت حين أتأكد من 
النهاية وبرغم اطباق المأساة ‏ أحس بنوع من الراحة وكأن حملا Sat‏ 





انزاح عن كاهلي. ولكن حتى ذلك الشعور لم يعشريني أو يخفف 
عٺي» بل ليت ما اعتراني أحذ شكل الحزن القاهر الواضح الحاد! 
إن هو إلا ذهول مستمر ذو نوبات. . فجأة تدوقف اللقمة في حلقي» 
LL,‏ وكأنما لأول tye‏ أدرك أن ما حدث لن يعود» وأني أبداً لن 
أسمع مرة أخرى ذلك الحفيف الواهن الداق يأتيني صادراً تماماً عن 
القلب إذ أحس به تماما في قلبي . انتهى وجودنا Lar‏ وأصبحت 
وحدي نصف شيء لا يصلح coli)‏ ألم مستمر متصل لا ينقطع ولا 
يزول. 

المؤلم أكثر أني كنت متأكداً أنه حتى ذلك الألم وتلك النوبات 
مصيرها إلى زوال. ومصيري إلى العودة إلى حياة السجن ذات اليوم 
المستمر الواحد» ولن أعود أنعم بالتذكر حتى لو جاء على هيئة غصة 
أو ألم . 

المؤلم أني مستمر. . والحياة مستمرة» والكون كله قائم 
وموجود ومستمر. . وما أبشع أن يستمر هذا كله بغيرها.. بغير 
وجودها وحديثها وروحها وظلها. 


بعد مرور تلك الفترة من أيام الحدة الأولى» OLS‏ شغلي 
الشاغل هو تلك الرغبة العارمة التي لم أكن أستطيع مقاومتها. . 
الرغبة في الحديث عنها لإنسان. . لأي إنسان» وإن لم يكن بالذات 
عنها فعلى الأقل عنهن جميعاًء عن المسجونات النساء» أو حتى عن 
النساء بشكل عام . 


النداهة 


۷١ 





وجاءث مرة فرصة حين انتهت النوبة وجاءت نوبة جديدة» 
وأصبح «الأومباشي عبد الفتاح» العصبي الرفيع ذو العصا حارساً لليل 
في الدور الذي أحتل إحدى زنازيئه . 

جاءت الفرصة لأني أعرف أن عبد رن العصبي المتعجل في 
النهار غيره عبد الفتاج حارس الليل» حيث لا توجد عيون الشاويشية 
والضباط» وحيث لا عصاء وحيث يعود إلى طبيعته الصعيدية البسيطة 
وبصبح الطريق إلى قلبه كوب شاي مصنوع على السبرتو المهرب». 
والطريق إلى لسانه سيجارة بلمونت. 

وعبر باب زنزانتي المصئوع من عمدان حديدية متينة وقفنا بعد 
العشاء ندردش ونتحدث, وبمهارة قدت الحديث إلى قصة اللومنجي 
الذي ثقب الحائط ضاحكاً قاثلا إني أنا نفسي طالما فكرت أن 
أصنع مثله . . وشخشخ صدر عبد الفتاح وهو يضحك ويقول: 

- بس المرة دي ح يطلع نقبك على شونة. أمال.. على 


شونة . 

وسالته : كيف؟ 

: Slab 

دول خلاص عزلوا. كل الحريم راح القناطر.. کله کله 
عزل. . كله. . كله. 

ودق الخاطر في رأسي . إذن هذا هوالسبب في رحيلها 
المفاجىء لا بد. 


فى 





وقلت لأتأكد : 

أظنهم نقلوهم بقى من حوالي عشرة أيام كده؟ 

فعادت إليه العصبية وهويقول: 

لالالا. . عشرة أيام إيه؟ أنت نايم حضرتك؟ دول من 
زمان. . زمان خالص. . من ثلاثة أشهر. . لالالا. . ييجى من أربعة 
أشهرا 

وكدت أتوقف عن التنفس . 

وكالتائه سألت : 

الله , , بس ده فيه ناس في «العنبر»؟ 

فقال: 

. فيه ناس أيوه, . بس دول تراحيل» مرة رجالة مرة ستات‎ tol 
تراحيل» يومين» أسبوع  أسبوعين وأنث وحظك.‎ 

وكدت أقهقه قهقهة من فقد العقل» وفي ألف ناحية جرى 
هناك فردوس بالمرة» بل من يدري؟ اليس من الجائز أن الهمس 
المسحوق كان همس رجل » ربما كان يعتقد أنه يخاطب به أنثى؟ أو 
ربما فعلها أو فعلتها للتسلية وكسر الملل في وقت طويل. . طويل 
متشايه ؟ 


ليلتهاء قبل أن أنام قلت لنفسي : أليس هذا أروع ختام لقصة 
ذلك الحب؟ إنه على الأقل صيعفيني من آلام النهاية ومرارتها . 


۳ النداعمة 





۹۰۸ 


غير أن الشيء المذهل الغريب. . الشيء الذي لم أتوقعه أبداً 
ولا يمكن أن يصدقه إنسان» حتى أنا نفسي لا أكاد أصدقهء أن 
الغصة ظلت تعتريني وظل الألم ممدودا طويلا يعكر طعم الحياة في 
نفسي ١‏ وظلت «فردوس» حية في خحاطري أكثر حياة من كل من 
عرفت من النساء . 


V4 


ied by registered version 





اللداهة 


Converted by Tiff Combine 








۹۱۱ 


لم يكن أحد قد sh‏ وجه امرأته gh‏ العين. BCS‏ حرجت 
ترتدي فستاناً لامعاً أسود. . طويلاً إلى حد يجرجر خلفها على 
الأرض» وطرحة سوداء ملتفة حول الرأس والوجه ومن نسيج ضيق لا 
بظهر last‏ ما وؤزاءة» [By‏ رجا نويا لا يشير بجوارها Las]‏ آمانها 
بمشوار يسير» Lary‏ أمتار كثيرة تجدها وراءه كظله الأسود الذي 
انفصل وتجسد ودبت فيه الحياة. ولكنها لم تكن تماماً alles‏ فقد 
كانت سميئة تخيئة مدكوكة وكأنها أربع نساء أدمجن معاً. وكان الشيخ 
«فقر» بعد فصله من الأزهر لرفعه الكرسي على أستاذه» وبعد 
صرمحته be‏ وإدمانه «للدومينو والكوتشينة» إلى آخر مليم Bay‏ عن 
cay!‏ وبقائه في البلدة يقتات من النفحات حتى ضاق به الكرام قبل 
اللشام» قد أخذ في وجهه وصمم على أن يذهب للعمل في 
الاسكندرية. وقد ظل أسبوعاً يجمع في أجرة السفر» ثم ذهب ولكن 
أخباره لم تنقطع كلية عن مواطنيه. . بين كل حين وحين يفد إلى 
البلدة عنه خبرء مرة أنه عمال كاتباً في الميناء» ومرة فتح «كشكا» 
للسجاير» ومرة ربح ورقة يانصيب بعشرين جنيها. ومضت سنوات 
وأخيراً فوجثوا به وقد cole‏ ولكنه لم يكن وحده. لقد تروج وجاءت 


VY‏ التداهسة 





۹۱۲ 


معه زوجته » وما كاد يهبط من المحطة وهي خلفه ويراها الناس حتى 
كتموا الضحكات. فرغم لثامها الشامل التام الذي أحالها إلى شبح 
أسود» فاللثام والسواد لم يستطيعا أن يخفيا تحنها بل ربما أسهما في 
فضحه أكثر. . تخناً لم يره أحد من قبل أو من بعد. فنساء القرية 
عجفاوات كعيدان القطن الجافة» وهذه «باسم الله ما شاء الله» ككيس 
القطن» أقصر منه قليلاً إنما في تخنه بل ربما أتخن. . ولا يدري 
أحد سر هذا الأمر بتاتاً. فما يكاد الإنسان يراها إلا ويتصور الشيخ 
«فقر» معها في فراش واحد» بعصبيته التي لا حد لهاء وعصاه 
الغليظة التي يسميها «الحكمدار»» وغضبه الذي ينشأ كالظواهر 
الكونية بلا سبب. وينفثىء كالظواهر أيضاً بلا سبب» ووجهه المملوء 
بحفر قديمة نصف مردومة من UT‏ هجوم جدري قديم فاشل» تنبت 
ينها شعرات ذقن قليلة متباعدة ولكنها كأشجار السئط البرية ناشزة 
مسنونة . وما يكاد الناظر يتصورهما Las‏ في فراش واحد على هذا 
النحو. . هي بتخنها وهو بحدته وعصبيته حتى يظل يضحك ربما إلى 
أن يصاب بالمغص . والشيخ «فقر» لم يكن طبعا اسمه الشيخ «فقر» 
إنما كان اسمه الشيخ رابح» وحتى لقب الشيخ كان تجاوزاً فهو لم 
يكن يرتدي عمامة» إنما كان يمنحه الناس له أو بالأصح يصر هو 
على أن ينادى به. وكأنما إمعاناً في انتصاره على مدرسه السابق 
بالأزهرء ذلك الذي أكد له أنه laf‏ لن ينجح في he‏ أو يربح أو 
يحمل لقب شيخ من هنا إلى يوم الدين . ٌ 

وإذا كانت حياة الشيخ رابح معروف أمرها للناس جميعاًء فقد 
كانت النساء هي علامة الاستفهام الكبرى في حياته. إذ كان دائماً 


VA 





۹1۳ 


يذكرهن بحقد حفي غير معروف المصدرء وإذا مرت من أمامه امرأة 
نقرها- أول ما ينقرها ‏ من نهاية سمانة ساقها عند اتصالها بالقدم. ثم 
يصدر عليها JS‏ قسوة وبلا تردد حكماً جائراً بأنها «. . . .» غير قابل 
لأي نقض أو تعديل. ولهذا كانت المفاجأة الكبرى أن يتزوج الشيخ 
«فقر»» ويتزوج من تلك الكتلة اللحمية الكيسية القطنية الاسكندرانية 
التي ما أفلح السواد أو اللثام المضروب بعناية حولها أن يخفي أنها 
امرأة. . وامرأة من نوع يصدر عليها أي إنسان حكمه دون حاجة إلى' 
نظرة يلقيها على «سمانة الرجل» عند اتصالها بالقدم . 


وكأنما كانت عودة الشيخ رابح وزوجته على هذه الصورة إيذاناً 
باندلاع حرب ححفية بينه وبين بلدياته حول رؤية وجه امرأته. إذ كان 
يبدو وكأنما أصدر لها أوامر حازمة باترة مصحوبة بتلويحة مروعة من 
عصاه «الحكمدار» Ob‏ معنى من یری أحد ‏ سواء كان رجلا أم امرأة 
في الطريق ‏ وجهها الهلاك المحتم لهاء وإذا كان قد قدر لك أن ترى 
الشيخ «فقر» وهو يهدد وقد انقبض وجهه واحتقن واسود» وتدببت 
أشجار السنط في ذقنه وتقنفذت» والتقى الخطان العميقان في جبهته 
على هيئة عقدة دون حلها رابع المستحيل» لآثرت السلامة حتماً 
وفضلت أن تطيع أوامره. ولكن أوامره مهما بلغت من قسوتها فلم 
تكن لتحول بين الناس وبين رغبتهم التي تتزايد يوما بعد يوم لرؤية 
وجه امرأته المخفي دائما وراء الطرحة» ولا محاولاتهم المستميتة 
للعثور على ثغرة في النقاب» أو حتى لضبطها مرة Lilly‏ في حوش 
منزلهم القديم الواسع أو فوق سطحه الآيل للسقوطء سافرة. ذلك 


النداهة 


v4 





141 


آمر لم يحت ادا ودا را على عدم الحدوث إلى درجة أيأست 
الناس تماماً فسلموا أمرهم وحب استطلاعهم إلى الله ونفضوا 
أيديهم . أما الذي لم ييأس أبداً ومضى مصراً وبكل ما يملكه من 
تزمت فهو الشيخ رابح » ليس فقط على اخفاء وجه امرأته. . بل بعد 
هذا على اخفائها نفسها عن أعين الجميع وكأنها «بضاعة. . والناس 
جواعة». . بل على أن يمضي في هذا الطريق إلى آخر المدى. 
فالشيخ «فقر» رغم غضبه السريع والعنجهية التي تستبد به في أحيان» 
إلا أنه كان دائماً وأبداً قبل ذهابه إلى الاسكندرية إنساناً مرحاً ذا 
ضحكة وإن كانت أقبح ضحكة ممكن أن تسمعها إلا أنها دائمة 
الحدوث ويسبب وبلا أي سبب ودائماً تغري على الضحك› ترخا 
لا تفوته النكتة» وإن فاتته انقلب على نفسه وفقره وحياته وأسرته 
الكبيرة يسخر منها- ويحتد في سخريته ‏ حتى إنه هو الذي أطلق 
على نفسه الشيخ «فقر». ولكنه حين عاد بهذه الزوجة عاد إنسانا 
آخرء ضاق خلقه إلى أبعد مدى» وحول ضحكاته إلى نظرات نارية 
جادة يخوف بها القريب والبعيد» وكأنما كان يتصور أنه لو فرط لحظة 
واحدة في حديثه لاستهان الناس به ومن ثم بامرأته وكشفوا عنها 
النقاب والغطاء. كان بمثل ما يرهبها ويفرض Lege‏ الحجاب فرض 
عزيز مقتدر يريد أن يرهب الآخرين ويفرض عليهم غض النظر حتى 
لو كان النظر إليه » وكأنما التحديق فيه مقدمة مستترة للتحديق فيها. 
أصحابه القدامى هجرهم ولم يعد يجلس إلا مع الكبار الوقورين 

ي الدم الثقيل» حتى هو نفسه أصبح «كقرد قطع» وحيدا صامتا 





۹1٥ 


معقود الجبهة لا يطيق الناس - من تلقاء أنفسهم - رؤيته. 

إلى أن كان يوم لا يزال الرواة يتذاكرونهء فقد كان يوم شتاء 
والمطر قد أحال البلدة إلى برك وطين ومستنقعات» وكان الوقت 
منتصف الليل أو بعده بقليل» وكانت «طوبة» وبردها القارس. وكان 
صراخ إلى عنان السماء تصاعد في الليل من بيت الشيخ رابح » وظن 
الناس أول الأمر أنه يضربهاء ولكنه أبداً ومنذ قدومه إلى البلدة لم 
يسمع أحد أنه ضربهاء وما حاجته إلى الضرب إذا كانت سحنته 
تكفي؟ فقط حين طال الصراخ وتزايدء أدرك الناس أنها لا بد AS‏ 
وكانت مفاجأة فأمر حملها كان كالسر لا يعرفه إلا أقرب المقربين من 
الجارات» فتخنها كان SUS‏ بان يختفي في طياته عشرة أطفال دون أن 
يبدو لهم أثر. . ولهذا كان طبيعياً جداً أن يكون معرفة الناس بالحمل 
ساعة الولادة معرفة لم تفعل إلا إطلاق الألسن المكتومة التي تتربص 
بالفرص للضحك وإشفاء الغليل. وهكذا ظل أناس كثيرون ساهرين 
.يسمعون الصراخ ويتضاحكون تارة على عملية ولادتها نفسهاء فداية 
القرية كانت مريضة» والمرأة غريبة لا أم لها ولا قريبة» والشيخ رابح 
رأسه وألف سيف إلا أن تلد في بيتها وبمساعدة ely‏ الخير» الجارة 
العجوز. مضى بنفسه يشرف على عملية الولادة مزمجراً في كل من 
تحدثها نفسها من النساء Ob‏ تقترب أو تدق الباب عارضة المساعدة. 
خالعاً calle‏ باقياً في عز «طوبة»» بالفائلة والسروال الطويل يتفصد 
العرق الغزير من وجهه وكل مكان في جسده» مشغولاً مشغولية 
عظمى وكأنه يشرف بمفرده على معركة حربية ليس لها نظير. . وتارة 


A\‏ الندامة 





۹۱٩ 


تنطلق الألسن منددة ‏ قبل مجيقه ‏ بالجنين المقبل» معترضة أن 
الحمل لم يحدث من الشيخ رابح وإنما تم على أثر وصفة اشترتها 
المرأة من قرداتي تحتوي على نطفة قرد» فليس من المعقول أن 
يخلف الشيخ رابح وقد بلغ من العمر أرذله! وما يبدو مستحيلا أكشر 
أن تخلف هي! وتارة تركن الألسن إلى قليل من الجد وتتساءل عن 
أخبار عملية الولادة» تلك التي طالت على غير العادة حتى أصبحت 
صرخات الاسكندرانية تتلاحق وتشق كالسكين الحامية سكون الليل. 
مسألة لا بد أنها كانت تدفع الشيخ رابح إلى ما يقرب من الجنون» 
فإذا كان يرى في وجه امرأته عورة فلا بد أن صوتها لديه عورة أخطر, 
وتصاعده في الليل على هذه الصورة جريمة أكثرء فلا بد أن القاصي 
والداني OW‏ يسمعه» وكيف يمكن أن يقبل الشيخ رابح أن تتسمع 
الآذان. . آذان كل من هب ودب صوت امرأته ذلك الحرم المقدس 
الخاص به وحده» الذي لا يصح أن تتسمعه آذان أحد سواه. لو كان 
الود وده لخنقها حتى يسكتهاء أو للف في القرية يسد آذان أهلها 
بالطين . 

المهم أنه. قرابة الفجرء روعت القرية حقيقة حين انفتح باب 
الشيخ رابح بقوة وخرج منه الرجل حاسر الرأس بالفائلة والسروال» 
يتصبب عرقاً ويجري كالمجنون يدق أبواب الجيران طالباً الغوث 
والعون» باكياً ‏ هذا الجبار ‏ مستحلفاً طين الأرض - إذ كان طوبها كله 
قد تحول إلى طين - طالباً من الجميع مساعدته» فالجنين قد خرج 
نصفه وانحشر نصفه الأعلى لا يريد الخروجء وأمنية حياته 


AY 





۹1۷ 


الكبرى ‏ تلك التي أخفاها عن الجميع إلى تلك اللحظة . كانت أن 
يخلف ولدأًء والجنين ولد رآه بنفسه وتأكد منه ولكنه محشورء ولا بد 
ما لم تتداركه العناية أنه مخنوق ومقتول. . وأنا في عرضكم يا ناس» 
في عرض الصغير فيكم قبل الكبير» والحافي قبل اللابسء انقذوا 
الولد وسأعيش عمري عبدكم الذليل. 

يالل!. . لم يصدق أحد عينيه أبداً ولا pagal‏ فلا يمكن أن 
يكون المتذلل الباكي هذا هو نفسه الشيخ رابح صاحب «الحكمدار» " 
والنظرات المقطرة Leu‏ مستحيل أن يكون. ولكنها دهشة لم تدم 
طويلً فسرعان ما اختفى الاستغراب وكتمت الضحكات لتحل محلها 
الشهامة المعتادة. 

وكانت المشكلة أنه لا بد من نقل الوالدة فوراً إلى المستشفى» 
وطلب الاسعاف وانتظاره مسألة لا يمكن أن يفكر فيها عاقل بالمرة. 
أي اسعاف هذا سياتي في الفجر والأرض موحلة؟ . . إنه في أثناء 
النهار وفي الطرق المرصوفة نفسها لا يأتي إلا بعد ساعات» فما بالك 
في لبلة كهذه وفي ظرف كهذا. . الدقيقة فيه كل دقيقة ‏ لها ثمنها 
الفادح؟ وبينما الشيخ رابح قد تهاوي إلى جوار الحائط غير عابىء 
بالوحل والطينء تاركاً أمر التصرف في الموقف لأولاد الحلال الذين 
تجمعوا بالعشرات والمئات داخل بيته وخارجه» كا الناس قد قرروا 
أن يتولوا بأنفسهم نقل الوالدة إلى المستشفى» وبدلاً من النقالة قروا 
أن يستعينوا بسلم يضعون عليه مرتبة ويرقدونها فوقه. 
ويحملونها ‏ جرى من جرى - إلى المستشفى الذي لا يبعد عن البلدة 


النداهسة 





۹۱1۸ 


إلا بكيلو مترين» وانتشرت موجة الشهامة وعمت القرية كلهاحتى 
استيقظت عن بكرة أبيها. فالقرية ليس فيها إلا شيخ رابح واحد. 
ورغم كل شيء فالشيخ قضى عمره كله يسلي بغضبه الناس 
ويضحكهم» ومن المحال أن يتخلوا عنه في ورطة كهذه. أكثر من 
«كلوب» أشعل وجيء به إلى البيت والساحة التي أمامه» وفتشت 
القرية كلها .بحثاً عن سلم متين ورجال أقوياءء فالحمل الذي 
سيحمل حمل غير عادي» والسرعة المطلوبة سرعة غير عادية أيضاً. 
وأخيراً تم في دفائق قليلة اعداد كل شيء» وبقي أصعب شيء. 
فالوالدة جاءها المخاض وهي نائمة في «المقعد» فوق السلمء 
والسلم المؤدي إلى السطح سلم عادي كالسلم الذي ستحمل عليه 
ولابد لكي تهبط سليمة من حملها في وضع أفقي» وانزالها على هذه 
الصورة سلمة سلمة وبحرص شديد. . والدنيا وحلء والأقدام 
والسلالم زلقة» وهي تخينة سميئة في قل حجر الطاحونة وربما 
أثقل» ومشاكل كثيرة وعويصة هندسية وميكانيكية وعضلية كان عليهم 
أن يحلوها قبل أن تهبط حرم الشيخ رابح إلى الأرض سالمة. أما 
الشيخ رابح نفسه فما كادت اجراءات الحصل تبدأ حتى انتفض من 
انهياره واقفاً وليس أمامه سوى مشكلة واحدة قاهرة ملحة أن يفرد فوق 
امرأته الملاءة السوداء التي أحضروها من بيت العمدة» بحيث تغطيها 
bls‏ وبحيث تحدث عملية الهبوط كلها والحمل إلى المستشفى 
دون أن يسدو من جيدها قلامة ظفر. وفعلا كان الرجال جميعاً 
مشغولين بحملها بالمرتبة التي ترقد عليها ووضعها فوق السلم ثم 


Ag 





11 


حمل السلم والهبوط به من فوق السلالم الناقصة أكثر من سلمة» 
وكان هو مشغرلا تماما بضبط الملاءة فوق كل بقعة من جسدها. ولقد 
نجح في هذا إلى أن وصل جسدها المحمول إلى رأس السلم حيث 
بداً الارتباك الأعظم» فالحمل ثقيل جداً والأقدام تتزحلق» 
والمسافات بين خشب السلم متباعدة. ولولا لطف الله لكانت قد 
تهاوث بمن حملوها أكثر من مرة» وصرخاتها أقوى من صفارات قطار 
أي بضاعة أو اكسبريس تنطلق بمعدل عشر مرات في الدقيقة, 
وتولول مستغيثة مربكة حامليها. وبمحاولاته المستميتة لتغطيتها كاد 
يؤدي الشيخ رابح إلى سقوطها أكثر من مرة» حتى بدا واضحاً 
استحالة أن تهبط مغطاة؛ أو على الأقل وثمة of‏ حتى لو OLS‏ 
زوجها ‏ يمسك بأطراف الملاءةء ولم يكن أمامه إلا أن يستسلم في 
النهاية ويفرد عليها الملاءةء تاركاً أمر بقائها أو انحسارها للحظ 
والقدر. وكان آهل البلدة في الحوش يتطلعون بقلق إلى محاولات 
الانزال» ويرى كل منهم في المشهد عشرات التفاصيل التي تضحك 
.وتميت من الضحك فينجح في كتم بعضها وفي أغلب الأحوال 
يفشل . 'وعلى أضواء خمسة «كلوبات» من كل الماركات قوية مسلطة 
على السلم المستعمل ULES‏ وسلم الهبوط بحيث تحيل البقعة إلى ما 
يشبه المسرح المضاء بشدة» وتحث وقع الرذاذ الخفيف الذي بدأ 
يتساقط منذراً بقرب عروق مطر سخية ‏ بدأت عملية الانزال. . أو 
بالأصح الارتباك المهول في الانزال» والأوامر الكثيرة التي يصدرها 
الجميع إلى الجميع» وصرخات BL‏ وأهات.الألم حين ينزلق 





ay: 


أصبع أو يدوس أحد على قدم أحدء والهرولة تكثر» والسلم المهدد 
الذي حفل بعشرات المتسابقين إلى حمل السلم الآخر وابقائه أفقياً. 
وعشرات الأيدي تمتد لتحفظ الوالدة فوق محفتهاء والملاءة لم تنزلق 
فقط عن جزء من جسدها ولكنها سقطت تماماً من فوقها ولاكتها 
الأرجل والأقدام في الطين. . بحيث ان الشيخ رابح ذلك الذي كان 
خوفه الأكبر أن يرى أحد وجه امرأته» قدر له أن يرى بنفسه 
الناس ‏ مثات الناس ‏ كل أهل القرية وهم يشاهدون» ليس وجهها 
المكشوف أو ذراعها أو جزءاً من ساقهاء وإنما جسدها كله بكل ما 
هو ظاهر فيه أو مستتر» وبالجنين يطل care‏ والأضواء قوية مسلطة 
تتيح للأعمى نفسه أن يرى ما شاء لأي وقت يشاءء فالمسرح بلا 
ستارة» والزوجة بلا غطاء ليس فقط كما ولدتها أمها ولكنها عارية 
عري أمها نفسها وهي تلدهاء والأعين كلها مجبرة على تصويب 
نظراتها لكي يمكن انزال المرأة وانقاذهاء والغريب أن هذا كله حين 
وقع لم يكن يحتل من تفكسر الشيخ رابح واهتمامه إلا أقل القليل. 
فجزعه الحقيقي كان خوفاً من أن يموت الجنين» وجزعه الثاني من 
أن تموت الوالدة. جزع كاد يذهب بعقله» جزع كان يدفعه OY‏ 
يصرخ بأعلى صوته في الرجال طالباً من هذا أن يمسكها من فخذها 
حتى لا تسقط» ومن الآخر أن يحتضنها من أعلى حتى لا تتهاوى. 
ومن ثالث أن يمد يده بين فخذيها ليباعد بينهما حتى لا تهشما 
الجنين بضغطهما. مرة واحدة فقط أفاق ورمق الجمع الحاشد الذي 
تنصب نظراته كلها على جسد زوجته» فأحس بالأرض تميد به.. 


At 





۹۲۱ 


ولكنه في الحال طرد الخاطر. فمن أعمق أعماق نفسه كانت تتصاعد 
خواطر أكثر قوة وحلة» وأمان كثيرة غير محددة» فهو مستعد والله أن 
يحدث ما هو أكثر» بشرط أن تكون التتيجة أن ينقذ المولود Lady‏ 
الوالدة . 


وبين عشرات الأشياء التي كانت تدفع الرجال ليسقطوا من 
أطوالهم ضحكاًء وعشرات الأشياء التي كانت تتطلب منهم العزم 
والقوة والجدية. وعشرات المربكات والمثبطات والمشجعات» 
والوحل والمستنقعات والمطر الشديد الذي بدأ يهطل. . من خضم 
هذا كله هبطت الوالدة وكانما بمعجزة إلى الأرض» وانطلق بها 
الموكب الجاري الحافل إلى المستشفى» عشسرة يتكاتفسون في 
حمل السلم يسقط منهم تعبا وانهاكاً من يسقطء ويتهاوى من 
يتهاوى. . ويلعن في سره بأعلى صوته الليلة والشيخ والوالدة 
والمولود من يلعن» إذ كانوا وكأنما يحملون جاموسة سميئة ومعلوفة 
أصابها (عرق الأنس) وليس امرأة مثل غيرها من النساء. 


ولكن الموكب وصل والسطبيب جيء به من حيث يقسطن؛ 
والعملية أجربت» وحين صدر عن الولد أول صراخ. . بنفسه زغرد 
الشيخ رابح» وطبلوا له ورقص. وارتفعت من صدر طال عليه 
الإغلاق قهقهات عمرها أعوام وأعوام . 

وحين عادت الزوجة إلى البلدة لم يكن قد تبقى للشيخ «فقر» 
ما يخفيه عن الناس وقد رأوا جميعاً ما رأوا. ودون حاجة إلى أوامر أو 


AY‏ الندافة 





۹۲۲ 


القاء تعاليم أو تهديدات أصبحت الاسكندرانية تمشي في طرقات 
البلدة وشوارعها بوجه سافر مكشوف» وأصبح الشيخ «فقر» لا يسبقها 
أو يتخلف عنها إنما إلى جوارها تماماً يمشي. كل ما في الأمر أن 
أحداً لم تواته الجرأة يوماً على التطلع في وجهها ‏ ليس تعففاً أو تادا 
Lally‏ خجلا إذ ليتها ظلت مستترة خلف اللشام والطرحة والنقاب» 
ذالناظر إليهما معاً كان يفضل دائماً أن ينظر إلى وجه الشيخ رابح ذي 
الحفر القديمة نصف المردومة» واللحية النابتة كالسنط. . فالنظر إلى 
وجه كوجهه كان والله ‏ أرحم . 


AA 





ayy 


المرتبة المقمر 


النداعهة 


Converted by Tiff Combine 








aye 


في ليلة «الدخحلة» و«المرتبة» جديدة وعالية ومنفوشةء رقد فوقها 
بجسده الفارع الضسخم واستراح إلى نعومتها وفخامتهاء وقال لزوجته 
التي كانت واقفة إذ ذاك بجوار النافلة: 

. انظري . . هل تغيرت الدنيا؟ 

ونظرت الزوجة من النافذة ثم قالت: 


-لا.. لم تتغير. 

فلأنم يوما إذن . 

ونام أسبوعاًء وحين صحا كان جسده قد غور قليلا في 
العرية: 

فرمق زوجته وقال: 

- آنظري . . هل تغيرت الدنيا؟ 

فنظرت الزوجة من النافذة ثم قالت: 

er‏ لم تتغير. 

فلأنم أسبوعا إذن . 


النداعمة 


41 





ayy 


ونام عاساًء وحين صحا كانت الحفرة التي حفرها جسده في 
المرتبة قد عمقت AST‏ فقال لزوجته : 

- انظري . . هل تغيرت الدنيا؟ , 

فنظرت الزوجة من النافذة ثم قالت: 

-لا.. لم تتغير. 

فلأنم شهرأ إذن . 

ونام خمس سئوات» وحين صحا OLS‏ جسده قد غور في 
المرتبة أكثرء وقال كالعادة لزوجته : 

انظري . . هل تغيرت الدنيا؟ 

فنظرت الزوجة من النافذة ثم قالت: 

-لا. . لم تتغير. 

فلأنم عاماً إذن. 

ونام عشرة أعوام» كانت المرتبة قد صنعت لجسده ألحدوداً 
عميقاًء وكان فد مات وسحبوا الملاءة فوقه فاستوى سطحها بلا أي 
انبعاج» وحملوه بالمرتبة التي تحولت إلى لحد وألقوه من النافلة إلى 
أرض الشارع الصلبة. 

حينذاك وبعد أن شاهدت byte‏ المرتبة اللحد حتى مستقرها 
الأخير» نظرت الزوجة من النافذة وأدارت بصرها في الفضاء وقالت: 

يا إلهي ! لقد تغيرت الدنيا. 


4۲ 





التداهفة 


العصر 


¥ 


٠ 


Converted by Tiff Combine 








ay4 


قال J‏ صديقي الذي لم أره من عشر سنوات» والذي كان 
مقدراً أن أنقذه: 

هله المرةء هل رأيت معجزة العصر؟ 

بلا دهشة سألته : أية مععجزة؟ 

لم يجب. . ولم نضيع الوقت في التخمين وكأن اتفاقاً بيننا. 
لف ذراعه حول ذراعي وجذبني وتبعته صامتاً. حاولت أن أعرف إن 
كانت المعجزة هي الوصول إلى القمرء أو ظهور المهدي المتظء 
SG Are‏ 

لا تخمن فلن تستطيع آبداً ol gst ol‏ ولو عرفتها من تلقاء 
نفسك لكانت معجزة العصر أنك عرفتها. 

وبحماس جذبني بقوة أكبر» وبعد خطوات كنا على البلاج. 
كانت الدنيا شناء والشمس صفراء تسقط شعاعاتها المريضة على 
الرمل فيبلو مجرد لون أنيمي شاحب. چو كر تتوقع أن يكون البلاج 
معه فارغاً غير أنك تفاجأ به عامراً مزدحماً وكاننا في أغسطس . الناس 
مكدسون على الرمال بالأكوام» والباعة ينادون على جيلاتي طوبة. . 


7 الندامة 





ay: 


وسحلب بئونة بدندرمة أغسطس . ولو أغلقت العين لحسبته مجرد 
tae‏ في ورقة النتيجة» فأصوات الصيف هي هي› وصخب الأطفال 
هو هو» حتى ذلك الاحساس الخاص بالصيف. . ذلك الذي تحس 
وكأن الحياة به أكثر حلاوة كان موجوداً. . إذا غضب الله على قوم 
أمطرهم cline‏ فماذا يكون موقفه تجاههم إذا جعلهم يصيفون في 
الشتاء؟ من الممتع أن تشحذ عواطفنا مشاكل الظواهر الكونية» فحين 
أسخط على الدنيا تهطل الأمطار» وحين أحظى برضاء حبيبي تشقشق* 
في الكون ملايين من عصافير الكنارياء وإذا كرهت جاري أطبق على 
المدينة ضباب حتى لا تكاد ترى ‏ وأنت واقف على بابك باب 
جارك. والجار أولى بالشفعة» إلا جاري الذي لم أره من يوم أن 
قطنت عمارتنا. . فكلانا وحيد» وكلانا في المديئة المزدحمة قد فقد 
الونس حتى أصبح الازدحام مجرد حبل معقود يهدد احتواء رقبتك 
فأنت مرعوب cae‏ وخائف حتى النخاع. نفس الاحساس الذي 
شعرت به وازدحام البلاج يحويني » كتل من اللحم البشري مقسمة 
إلى أذرع مختلطة وسيقان. ويا لمشهد الجسد البشري بعد العشرين 
حين يكتنز بالشحم وتبرز له الكروش ويبدأ التفكير في صبغ الشعر أو 
توزيعه ليغطي الصلعة! حتى الجسد يهجرك ويهرب منك. وفي هذه 
الوحدة المزدوجة لا بد أن يهزم الإنسان سريعاًء فنحن UNS‏ أرضية 
لا تنمو بصحة إلا معأء إلا كمحصول واحدء فإذا ما زرع كل نبات 
منا بمفرده abst‏ «الفلت» وخنقته الطفيليات . 


أتكون المعجزة هي الحصول على دواء يشفي الغربة ويعيد 


44 





۹۳۱ 


جمع الناس؟ باء تخميني أيضاً بالفشل» وفقدت عين الحكمة مع أن 
الحكمة ثرثرة» WY‏ حسب قوانين التباديل والتوافيق أن يننظم بعضها 
على هيئة أقوال رائعة النضج . ولكني سعيد وكأن مجرد رؤيتي 
الموشكة للمعجزة سيسلحني بطاقية اخفاء أو بخاتم سليمان قادر على 
تحقيق المطالب. الغريب أن الزحام لم يكن ازدخاماً للتجمعء كان 
تجمعات للتفرق» فكل مجموعة مكدسة بكليتها إلى شيء مشترك 
يخصها وحدهاء أو ربما تبحث لنفسها هي الأخرى مثلما نبحث عن 
معجزة عصرء فأنت تقبل على تجمع يشبه من بعيد شكل الكازيئو 
الذي أقيم على عجل » ولكنك حين تقترب لا تجد كازيئو أو حتى مكانا 
للجلوس. فالناس إما وقوف منحدون أو في حالة رقاد» والكل في 
شغل عنك بما يبدو وكأنه مأساة داخلية طاحنة. لا أحد يلتفت إليك. 
الأيدي تلوح في عصبية» والنقاش حاد كطلقات الرصاص. . 
وبعضهم بمجهود عظيم يضع يديه الاثنتين معأ على فمه محاولاً أن 
يكتم الضحك فلا يستطيعء وتكون النتيجة أن تفلت الضحكة رغماً 
عنه. حسبت الصديق يضحك. ولكله كان يتوقف ويتطلع حوله ثم 
يحاول أن يخفي نفاد صبره» والعرق رغم الهواء الساقع قد نبت على 
جبينه» والحيرة الكبرى تتملكه» ويأسه شامل» يكاد لولا الحياء أن 
يستنجد بالناس ويسألهم أين الطريق لمعجزة العصر! 

حسبته يضحك ولكنه كان. . فجأة يلكرني ويشير إلى SASS‏ 
قريب قائلاً وقد تهللت ملامحه وكاد يقفز منها الأمل : وصلنا. 

ولم تكن فرحتي هذه المرة لأننا نوشك أن نصل» فرحتي كانت 


النداههفة 


۹۷ 





ary 


لأننا نوشك of‏ نصل إلى كازينو حيث نستطيع الجلوس وشرب الماء 
المثلح والشاي بعد هذا الكدح الطويل من الشاطبي إلى سيدي بشر 
والمنتزه . 

ولكن ما أبشع ما خاب أملي حين لم ينكشف الكازينو إلا عن 
ازدحام آخر» واحد من عشرات الازدحامات التي كان يحفل بها 
البلاج! نظرت بحدة إلى الصديق وإلى عينيه اللتين كانتا قد احمرتا 
تعباًء أو من يدري؟. . ريما غيظاء وربما لهذا انطبقت شفتاه في 
حدة راسمتين فى خطوط قاطعة شكل فمه. 

أين رأيت ملامح كهذه مرسومة بحدة كتلك الحدة يا ربي؟. . 
أين؟ والهمهمة الصادرة عن هذا الازدحام نفس هذه الهمهمة وثيقة 
بنفس الملامح . وأيضاً بشيء يشبه المعجزة» أين ومتى حدث لي 
هذا يا ربي؟ لا أعرف» هذه اللحظة عشتها قبلا بالتأكيد حدث 
هذا. ولا بد أنه ذلك الشعور الذي داب على زيارتي في الفترة 
الأخيرة. . الشعور بأن الكون يكاد ينتهي» والصمت المطبق بدأ 
يحل. . صمت سيمتد إلى GW‏ وملايين السنين المقبلة» اخر 
علامات الحياة تختنق» الحركة الهائلة التي حفل بها الكون طوال 
وجود الإنسان قد انقرضت» وسيعود السكون الأبدي ولا يبقى إلا 
الشمس والقمرء والليل والنهار» والريح والرمال. الأجساد متراصة 
موزعة مختلطة لا تكاد تستطيع تمييز ساق الرجل من ساق المرأةء 
تبدو في أحيان كثيرة خالية من الشعرء والجميع كأنهم يبحثون عن 
ابرة سقطت في قلب: الرمل» ليسوا منحنين فقط ولكنهم ممددون 
تماماً وقد استندوا بأذرعتهم إلى الأرض» وانكفثوا على الرمال عيونهم 


۹۸ 





ayy 


IS‏ تخرج من محاجرها bow‏ عن شيء WY‏ أنه مخبأ بطريفة ما في 
الرمل . 

الأطراف كثيرة» كل حركة منها تثير ثاثرة الرمل فيملاً العيون 
ويسد الأنوف» وتتصاعد صرخات الاحتجاج OY‏ شخصاً وقف أو سار 
أو تحرك» وأثار بحركته زوبعة صغيرة في ساكن الرمال. المعجزة. . 
معجزة العصر. . الشيء الصغير الكائن والموجود في حياتنا منذ 
وجودها الأول» إنما لكونه صغيراً فالجميع يعبرون به دون أن يحسوا 
له بأي انفعال أو احتفالء أقدامهم تدميه أو تصطدم به دون أن تشعر 
أو تحس أنها صدمت شيئاً أو تعثرت بشيء» والشيء دائم الصراخ 
والعويل إنه كائن وموجود» دائم الرجاء أن يحظى منها بالتفاتةء أن 
يتلفى إشارة واحدة من طفل أله تفيد أنه رأه أو سمعه أو أحس به 
بلا فائدة. الناس انغماسهم في مشاكلهم أقوى وأكبر من أن يدعهم 
ولو للحظة يفيقون إلى ما حولهم ويتأملونه بنظرة خالي البال. إننا لم 
نعد أحراراً في رؤيتنا. أصبحت أنظارنا قصيرة موجهة إلى ما تعرفه أو 
إلى ما تود معرفته . . أي اننا لم نعد نرى ما ينعكس من داخلنا إلا ما 
يعكس اهتماماتنا وتفكيرنا وأحلامناء فقدنا تلك القدرة البكر على 
تلقي ما هو خارج النفس كما هو» بروعته وتلقائيته وعمقه وبساطته 
والانفعال له أو cade‏ وبناء آرائنا ومعتقداتنا من حلالهء لا نرى إلا 
لكي نثبت أو نبرهن به أننا على صواب» ولكن في العادة دائماً ما 
يحدث شيء. . حدث يعسرض مصادفة. . شيء لابد رغم إرادتنا 
يرغمنا على أن نلوي أعناقنا وننظر فنفاجا tif‏ أمام حدث خارق 


all 


44 





۳4 


للعادةء أننا أمام شيء وإن يكن صغيراً إلا أنه بالغ الدلالة» وحينثل 
تفلت من أحدنا صرخة الإدراك الأولى ومعها تجر الانتباهات إلى 
انتباهات ليصبح ذلك الشيء بعد يوم وليلة محور اهتمامنا الأول 
ونكتشف وندرك كم نحن بحاجة إليهء وكم كانت تفتقده حياتناء وكم 
هو لازم حيوي لها. ونندفع حينئذ اندفاع من فقدوا العقول نهتم به 
اهتماماً مبالغاً فيه» ويصبح أمل الإنسان منا أن يحظى منه بنظرة» أو 
نراه رأى العين. هل أصبتم بخيبة أمل؟ أنا نفسي حدث لي ما حدث 
لكم» ولدى الإدراكة الأولى كدت أهيم على وجهي يائساً خائب 
الأمل. لنحاول إذن ألا نخطىء خطأنا الشهير الأول. . الشيء حارج 
ذواتناء الشيء لا كما نريده وإنما كما هو موجود وقائم وكما كان 
يمضي الناس عنه غير مهتمين أو مدركين. إنه ليس حشرة غريبة أو 
قطعة من معدن نادر. كان في الحقيقة بشراً مثلي ومثلك له أذنان 
وعينان وأنف وفم وأسنان ولد بها جميعاً والمفروض أنه لا يزال إلى 
لحظتنا هذه يمتلكها. أنا لا أهزل أو أقول غير الحق» فآلاف المواليد 
تخرج كل عام على هيئة مواليد شاذة» بعضها ملتصق ببعض في 
cole‏ وأحياناً بطن واحد بصدرين ورأسين من أعلى» ومن أسفل 
بحوضين وأربع سيقان وأرجل. . كل الاختلاف أن الشيء في حالتنا 
هذه كان جنيناً صغير الحجم. وهذا كل ما هنالك. . لا. . لم يكن 
في حجم كرة القدم ولا حتى في حجم البرتقالةء إن شئتم الدقة كان 
في حجم نصف عقلة الأصبع» ومع هذا فهو كامل الأعضاء متناسبها 
باستطاعته أن يصرخ ويرقص ويرضع» كل ما هنالك أنه يصرخ 


1١١ 





ayo 


بصوت لا تستطيع سماعه. عليك لكي تسمعه أن تقربه كثيراً من 

أذنك» وحبذاً لو وضعته كله داحل أذنك لكي تسمع صراخه أوضح 

ما یکون» صراخ عصبي متشنج يحاول النص نص «هكذا سوف 

نسميه» أن يفرض إرادته علينا وعلى الحياة. كان صغيراً إلى درجة أن 

أمه لم تلحظ أنها ولدته» انزلق منها مع الماء الذي كان يملا الرحم 

دون أن تحس به. وحسبته الداية قطعة من المشيمة ولكنها حين 

تناولته وتأملته صرخت صرخة أرعبت سكان المنزل جميعاً ولم تسقط ٠‏ 
فاقدة النطق وإنما إلى الأبد فقدت النطق . 


* ¥ YH 

وما أتعس الأم! كانت قد حملت به بعد أربعة عشر عاماً من 

العقم . وطوال حمله كادت تجن وهي تصلي إلى الله أن يجعله ولداً 
يقر به عين أبيه. وعلى هذا لم تجرؤ على اطلاعه Cif Las‏ به 
وزعمت له أن الحمل كان USS‏ . وبعد أن كانت قد قررت أن تلقي 
بالجنين مع الماء القذر صعب عليها الضنى وأخفته تحت الوسادة» 
وبالحقئة الرفيعة كانت تستطيع العثور على فمه وتغذيته. . وضبطها 
الزوج ذات يوم وهي ترضعه» وانهارت واعترفت» وبعد أن ثاب الأب 
إلى رشده وأيقن of‏ الخطأ ‏ إن كان هناك خطأ ‏ ليس منه أو منها وأنه 
يجب أن يرضى بما قسمه الله» رضي وسكن. تلك كانت ظروف 
ولادته. . أما كيف تربى وتعلم؟ فتلك قصة أخرى. فلقد سمع الأب 
ذات يوم أن السلطان يهوى جمع التحف النادرة» وأنه يدفع مكافأة 


اللداهة 





ayn 


سخية لكل من يحضر له تحفة أصيلة ما امتلكها أحد قبله. 

ولم يكن في قلب الرجل «للنص نص» حب أي حب» فحب 
الابن مسألة يتعلمها الوالد ويكتسبها مثلما يتعلم الولد المشي أو 
النطق. وكما يعلم الأب ابنه كيف ينطق فالابن يعلم أباه كيف يحبه. 
فكيف يستطيع «النص نص» أن يعلم أباه» وأبوه يحتاج إلى عدسة 
كي یری وجهه أو يعرف بطنه من رأسه؟ الأم وحدها هي التي كانت 
caps‏ ولهذا كان على الأب أن يساهيها ويأخذه وأن ينفق جزءاً من 
المبلغ الذي أعطاه له السلطان في شراء ملابس لها ومصاغ. أما 
السلطان الذي كان يعاني من الفراغ الممتد في حياته وأمور بلاده 
يسيرها وزيره ورعيته هادئة سلسة. فقد وجد في «النص نص» غايته 
ومبتغاه والشيء الذي يستطيع أن يكرس له كل نفسه ووقته ويجد في 
هذا كل المتعة. 


كان عليه أن يعلمه كيف يتكلم وینطق» ثم بعد هذا كيف يقرأ 
ويكتب واعتبر أنه لو حقق هذا لأصبح يمتلك تحفة معجزة يستطيع أن 
يفرج عليها خلانه وأصدقاءه» وأن يمنحهم ويمنح نفسه بهذا متعة 
دونها أي dace‏ أخرى . 


كل خوفه كان أن يكبر «النص نص» بمضي الزمن ويصبح عند 
البلوغ مثلا أو إذا أصبح رجلا مجرد قزم ضئيل الحجم. ربما يكون 
أقصر الأقزام وأقلهم حجماً» ولكنه حتماً سيفقد أهم ميزاته. غير أن 
«النص نص» كفاه مثونة القلق» فلم يكن ينمو مع الأيام أو پىزداد 





4۳¥ 


حجمه أو حتى تتغير ملامحه» بل إنه حين قارب سن الرجولة لم 
يحدث له أدنى تغيبر سوى أن لحية نبتت له فجأةء لحية فيها بالضبط 
عشر شعرات ما كان أسعد السلطان وهو ينحلقها له بنفسه. أو وهو 
يجتث منها حمس شعرات ويشرك خخمساً لتدمو وتكون ذقنا بديعة 
صغيرة كذقون العلماء. 

وتعلم «النص نص» النطق فأصبح يحسن استخدام الجهاز 
الترانزستور الذي كان يضخم صوته ويجعله مسموعاًء وفي نفس 
الوقت يقوم بمهمة الأذن له بحيث يخفف من موجات الصوت 
ويهذبها كي تصل إلى أذنه الدقيقة وتصبح في متناول سمعه . 


بهذا الاتصال الذي تم مع «النص نص» أمكن للسلطان أن 
يعلمه القراءة والكتابة وأن يبدأ معه سلم المعرفة الطويل. وفيما عدا 
ساعتين كان يقضيهما «النص نص» في تناول الافطار والتريض رياضة 
cline‏ يسير في أثنائهما فوق المسطرة القدم من أولها إلى أخسرها 
ويقطعها في رقم قياسي لا يتعدى نصف ساعةء أو يزاول العوم لمدة 
ساعة وأكثر في كوب الماءء ويستطيع أن يدور حول محيطه ثلاث 
مرات وأحياناً أربع مرات . 

فيما عدا هذا كان كل وقت «النص نص» مشروكاً للدراسة 
والتحصيل. . وقد أتاح له السلطان أساتذة كباراً مما جعله ينتهي من 
المرحلة الابتدائية وهو لم يېلغ الخامسة. وفي العاشرة انتهى من 
الدراسة الثانوية واستعد لدخول الجامعة. . هنا فقط بدأت Lg Sal‏ 


النداهة 





۹۳۸ 


«النص نص» المعجزة تظهرء فقد وجد أن منهج كلية العلوم التي 
الحتارها ليدرسها أقل بكثير من أن يستغرق كل وقته» بل إن الطب 
والعلوم والزراعة Las‏ كانت أقل من وقته Lbs‏ بجوارها الآداب 
والقانون والفنون. وفي السنة الثانية مثلاً نجح في تشريح ثانية طب 
وميكانيكا ثانية ميكانيكا وكهرباء ومدني ثانية كهرباء ومدني» وكل 
القوانين المقررة على ثانية حقوق» وفي البكالوريوس قدم في جميع 
بكالوريوسات الجامعة وليسانساتها. . وبتفوق نجح فيها جميعاً حتى 
ان خخطابات التعيبن جاءته لبعين معيداً في أربع عشرة كلية في وقت 
واحد. وحين ذهب فرحا ليتسلم مهام أول مناصبه بدأت أشباح 
مأساته gels‏ إذ لم dew‏ اخدا اله اوي اغتماماء او خي 
ينجح في إثارة اهتمامه والحديث معه ينجح في اقناعه بجدية طلبه. 
كان الجميع ينظرون إليه نظرتهم لا إلى إنسان دفعه حظه السبىء إلى 
أن يكون صغير الحجم ليس إلاء وإنما باعتباره ظاهرة شاذة وكأنه 
شرة قد نجحت في النطق كالآدميين. 

ظاهرة تدفع إلى الاستنكار والاشمئزاز مثلما نستنكر جميعاً أن 
تقوم الحشرة بدور الإنسان في الوقت الذي لا نستنكر فيه مطلقا من 
أي إنسان أن يقوم بدور الحشرة. وعاد مهموماً إلى ولي أمره السلطان 
الذي أدرك كل شيء بنظرة» والذي كان قد رتب للأمر. ومن اليوم 
التالي كان «النص نص» يحضر لدراسة الدكتوراه. كان قد انتوى 
أمراً حطيرأ» أن يدرس أربع عشرة دكتوراه في نفس الوقت. وبينما 
كان زملاؤه يؤدون أعمالاً روتينية ويبدؤون في لعن الروتين والسخط 


غ١‎ 





aya 


على قوانين الاستخدام» وفي الوقت الذي OLS‏ بعض آخر منهم فد 
يئس من كل شيء ووهب نفسه كلية اللتهليس وعب ملذات الحياة 
عباً. . نذر نفسه هو للدراسة؛ وفي ثلاث سنوات كان قد أكمل 
استعداده» ولأول مرة في تاريخ الجامعة بل في تاريخ الجنس 
البشري كله تجتمع أربع عشرة لجنة لأربع عشرة مادة مختلفة» من 
الرياضة العليا إلى هندسة الانتاج إلى الجراحة الخاصة لتمتحن 
«النص نص» في نفس الوقت. ومن أجل هذا الحدث غير العادي 
غيرت الجامعة من نظام المناقشة وأجلست «النص نص» في منتصف 
الحجرة وحوله تنالرت مقاعد الممتحنين الذين لم يبد عليهم أي 
استنكار لحجم «النص نص» أو شكلهء فالمجتمع لا يهمه شكلك 
وأنت تدرس أو وأنت تمتحن» إنه فقط يبدأ يدقق ويفحص ويختار 
حين تتقدم إليه تطلب العمل ! | 

ولأربع عشرة ساعة راح الممتحنون وأعضاء اللجان يناقشونه» 
ولم يكتشفوا لدهشتهم أنه قد هضم واستوعب تماماً كل مادة من مواد 
الامتحان إنما اكتشفوا أكثر أنه بلغ من استيعابه للمواد أنه وصل إلى 
نظريات عامة جديدة تمامأ في علاقة ألوان العلوم والمعارف بعضها 
ببعض. . نظريات أوصلته إلى قوائين خسطيرة تكشف شيئاً فشيئاً عن 
جذور المعرفة البشرية والقوانين الموضوعية للمادية وأشكالها 
المختلفة» بحيث انه كان يتوصل معهم إلى القانون الأول الذي 
يحكم علاقات الكون كله. 'وتحول النقاش حينئذ من لجان تمتحن 
«النص نص». إلى تلامذة يخرج لهم «النص نص» كنوزه ويحدثهم 


التداهسة 





4 


عما وصل إليه وهم حيارى مذهولون» قد أدركوا فجأة ليس فقط أنهم 
أمام عبقري من طراز نادر» ولكنهم اكتشفوا أنهم قضوا حياتهم عبثاًء 
وأن دراسة الكون كأجزاء منفصلة والإغراق في التخصص قد سلبهم 
القدرة على النظرة الكلية» وأن خير وسيلة للدراسة والمعرفة هو ما 
فعله «النص نص»» هو أن يعود العالم مرة أخرى مثلما كان الحال 
ايام ابن سينا وابن رثسد عالساً في كل شيء ليستطيع أن يصل إلى 
المفتاح السحري للعلم» ذلك الذي يفتح كل باب مغلق. وأيضاً كان 
لا بد أن يحدث ما حدثٹ» فرغم ما كانوا غارقين فيه من ذهول» 
ورغم أفواههم الفاغرة تتلقى من «النص نص» وكأنها تتلقى درس 
الحياة الأول» ما كادوا ينتهون من نقاشه أو بالأحرى ينهي هو من 
القاء الدرس عليهم حتى عادوا يغرقون في المناقشات الحامية حول 
ما أسموه «الظاهرة النص نصية»» وهل هي معجزة فردية لا سبيل إلى 
الوصول إلبهاء أو هي أسلوب وطريقة باستطاعة أي إنسان أن 
يستعملها ويصل بها إلى نفس النتائج . ولما بح صوت «النص نص» 
وهو يحاول استخراجهم من النقاش ولفت أنظارهم مرة أخرى إليه؛ 
وهم مستغرقون في عملية انقسموا تجاهها أيضاً هل يمنحونه أربع 
عشرة دكتوراه منفصلة» أو يمنحونه درجة علمية جديدة يسمونها 
دكتوراه الدكتوراهات؟ انسل «النص نص» من وسط الجمع لا يشعر 
به أحد أو ينتبه إليه أحد أو يوليه اهتمامه» انسل pleas‏ مهموم 
القلب وقد عاد مرة أحرى إلى مواجهة واقعه الحزين وحظه السيىء» 
وعاد إلى بيته ليفاجأ بالمأتم قائماً ومنصوباً. كان ولي أمره السلطان 


امل 





42\ 


قد مات» وكان منذ الغد عليه أن يرحل. ورحل لا يمت إلى أحد 
ولا يستطيع حتى أن يمت إلى مکان» فلا صاحب بیت يرضى أن 
يؤجر له cle‏ ولا مدير فندق يرضى أن ينزله بفندقه» نفس الاندهاش 
والتقزز تمتلىء به نفس من يخاطبه ويتفسرج عليه برهة ثم لا يلبث- 
كالطفل حين يننهي من لعبته ‏ أن ينفض منه يده ولا يعود يأبه له أو 
لتوسلائه . 

نفس الأساتذة الذين كانوا يشيدون بعبقريته حين كان يلقاهم 
منفردين في مکاتبهم» كانوا لا يملكون له سوى هز الأكتاف وإلا 
بتبصيره بالعقبات التي تشل أيديهم وتمنع الواحد منهم أن يعهد إليه 
بعمل ‏ أي عمل لا كدكتور حتى أو كعالم. وإنما كإنسان تجارب 
عرض نفسه على أستاذ gle‏ الأمراض كي يبقيه في قسمه» مجرد 
عينة علمية وظاهرة ممكن دراستها للكشف عن هرمونات النمو 
وأمراضهء اعتذر له الرجل قائلاً: ان قانون الجامعة لا يبيح الاحتفاظ 
إلا بحيوانات التجارب فقط من أمثال الفيران» والخنزير الغيني» 
والأرانب. ولكن القانون لا يوجد به مادة تبيح الاحتفاظ بإنسان 
تجارب . . لو فعلها لحاسبه ديوان المحاسبة حسابا عسيرا ولعاقبته 
الجامعة. حتى الصحف والتليفزيون والإذاعة حين شاعت قصته في 
الأوساط العليا جرى مندوبو الصحف يبحثون عنه حتى وجدوه عند 
أستاذ من أساتذة الجامعة» وأخذوا له عشرات الصور الفوتوغرافية. 
وأعطى عشرات الأحاديث» وعملوا معه أكثر من لقاء. في 
التليفزيون» وأمامه وعيني عينك كانوا يحضرون بعض أساتذة الطب 


ial 





۹4۲ 


ليقولوا رأيهم فيه» وفي الاستديو كان حين يتكلم يحس بالدنيا كلها 
منصتة cag)‏ ويبدأ يتفاعل ويفتح لهم صدره ويطلب منهم أن يجدوا 
له عملا يتناسب مع مركزه العلمي ومؤهلاته» وكان ما كان يذكر 
حكاية العمل وحاجته إليه ويطلبون منه أن يقترح عليهم نوع العمل 
الذي يريده» وما يكاد يذكر كلمة مدرس أو معيد أو حتى محضر في 
معمل حتى ينفجروا ضاحكين مقهقهین» مشيرين إليه وإلى حجمه؛ 
وسادرين في الضحك عليه لابد. وكالعادة لم تستمر موجة الاهتمام 
به كثيرأء بعد أسبوع أو أقل فتر الحديث عنه ولم يعد ظهوره في 
التليفزيون حادثاً كبيراً كما كان الأمر في أولهء إلى درجة أن sol‏ 
منتجي القطاع الخاص كان أثناء موجة ازدهاره قد فكر أن ينتج عن 
حياته Lads‏ خبر أسعد «النص نص» وأفرحه فهو على الأقل سيأخحذ 
ما لا يقل عن شهرين أو ثلاثة من العمل والاستعداد» غير أن هذا 
الأمل نفسه ما لبث أن خاب حين وجد نفس المنتج أن فكرة الفيلم 
ممتازة هذا صحيح » ولكن المستحسن أن يقوم اسماعيل يس ببطولتها 
ويسمونه اسماعيل يس في الجامعة! 

وبالعدول عن فكرة الفيلم وانتهاء الحديث عنه في وسائل 
الاعلام وجد «النص نص» نفسه بين يوم وليلة يحيا في فراغ كامل 
تام . وجد كل الأبواب التي كان يتخيل أنها مفتوحة على مصاريعها 
في انتظاره تغلق دونه الواحد وراء الآخر بلا سبب معلوم. وكأن هناك 
مؤامرة خفية هدفها أن يفقد عقله أو يرتكب عملا أحمق. وكان قرر 
أن يرتكب هذا العمل وينتحرء فقد ضاقت به الدنيا حتى أصبحت 


٠١م8‎ 





A 


أضيق من «خحي» حبل المشنقة . 

ولم يتطلب منه الأمر تفكيراً ches‏ وعلى الفور شرع في اتخاذ 
طريقه إلى مبنى المجمع في ميدان التحريرء وعلى قدميه صعد 
الطوابق الكثيرة إذ هو لم يكن يستطيع أخذ الأسانسيرات أو ركوب 
الأوتربيسات مخافة أن يفعصه أحدهم 'دون أن يحس أو يشعر. حرج 
إلى سطح المبنى وأشرف على حركة المرور الهائلة في الميدان... 
وراجع حياته وما يننظره عله يجد قشة أمل يتعلق بهافي لحظاته 
الأخيرة» ولكن كان واضحاً تماماً أن قصته مع الئاس قد انتهت» وأنه 
لم يعد بإمكانه أن يعيش بالطريقة التي يريدهاء كان يستطيع أن 
يعيش على هامش الحياة مثلما يحيا الآلاف والملايين غيره» يأكل 
كيفما اتفق» وبسكن كيفما اتفق» ويوجد كيفما اتفق» ولكن كنوز 
المعرفة التي نهل منها جعلته يرفض أي حياة أخرى إلا الحياة التي 
يريدها هو. . إلا أن يفرض على الحياة حياته» فإذا فشل في هذا 
الفرض كان عليه في صمت وبطولة أن يموت . وأغلق عينيه وقفز من 
حافة السور الصغير المقام فوق السطح» وأحس بنفسه يهوي ويهوي » 
وبوعيه يبهت ويبهت كأنه الشمعة تتعرض لتيار هواء قوي. حالاً 
ستنطفىء الشمعة » ويفقد الوعي تماماً وإلى الأبدء غير أن اللحظات 
طالت حتى جر ؤ على قتع عينية: فج نفسه :يقترت من الأرض بسرغة 
فعاد يغمض عينيه» وفي اللحظات التالية بدلا من فقدان الوعي 
اصطدم بالأرض ولم يتحرك من مكانه منتظراً الموت» غير أن الموت 
لم يأت. كل ما في الأمر أحس YL‏ هائلة. Lol‏ كيف فاته وهو العالم 


النداهسة 





4 


الكبير أن سقوط من في وزنه لا يمكن أن يؤدي إلى وفاته أو حتى 
كسر عظامه؟ هذه المرة غضب. . وفي غضبته راح يبحث بسرعة عن 
وسيلة أخصرى يقضي بها على نفسه. لم يكن أمامه إلا أن ينام فوق 
قضيب السكة الحديد وينتظر القضاء تحت عجلات القطار. ولكن 
القضاء لم يحل» فالهواء الناتج عن القطار القادم تكفل بنفخه حتى 
طار من فوق القضيب واستقر كالريشة على الزلط. حتى الغرق في 
النیل جربه» فوجد نفسه وفقط بحجم ما يرتديه من ملابس يطفو على 
سطح الماءء ولم يفكر في خلع ملابسه مخافة أن تفشل الوسيلة 
فيضطر إلى أن يعيش عارياً وهو مصير لم يكن يتصوره. 

تكفل فشل هذه الوسائل جميعها برد بعض التعقل إليه؛ وكأن نية 
الموت لها حد محدود بحيث بعد محاولة أو محاولتين لا يصبح 
الإنسان قادراً على أن يظل منتوياً الموت. وهكذا GLb’ yay‏ على 
سطح ماء النيل بعد فشله الثالث قرر أن يحياء أن يكافح ليحيا كما 
يريد» وينتزع الحياة بأظافره وأسنانه ما دام الناس لا يستطيعون أن 
يقدموها إليه على طبق من الفضة. ولكي تقرر أن تحيا عليك أن تقرر 
Lal‏ ماذا تفعل بحياتك. . وهكذا في نفس اللحظة كان «النص 
نص» قد قرر أن يحل بحياته القادمة المقبلة كل ما استعصى على 
البشرية حتى ذلك اليوم حله. 


ونفس الشيء الذي كان يقف Whe‏ بينه وبين حقه في الحياة 
كالآخرين؛ نفس صغر حجمه توسل به كي يحيا كما يريد. الآن 





4i0 


باستطاعته أن يختار أفخر مكان يريد الإقامة فيه وأحسن مكان يعمل 
فيه ويجرب. . واختار هيلتون ليقيم فيه» Ll‏ رقم حجرته فهو رقم أي 
حجرة لا يشغلها قاطن وإن كان الفندق كله مشغولاً فهو رقم حجرة 
أجمل قاطلة من قاطنيه على شرط أن يصحو قبلهاء مخافة أن ترفع 
البطانية وتكتشف شريكها في الفراش ويغمى عليها من الرعب. . أما 
العمل فقد اختار معامل الكليات جميعها بعد انتهاء اليوم الدراسي 
حيث تصبح كلها تحت أمره. والآن وقد توفر له السكن 
والمعمل والأدوات لم يعد أمامه إلا أن يستغل ما يحفل به عقله من 
كنوز المعرفة ويعمل. وكان أول موضوع اختاره وأراد أن يلقي به 
درساً على كل هؤلاء الذين تجاهلوه وازوروا care‏ كان الوصول إلى 
القمر. وبعد أبحاث لم تستغرق سوى بضعة أسابيع كان قد اكتشف 
الطريقة؛ لا لم يستعمل الصواريخ ولا الوقود» استعمل طريقة أبسط 
من هذا بكثير» فقد اكتشف كنه الجاذبية وأدرك أنها شحنة نوعية. . 
بمعنى أنك إذا استطعت أن تشحن مادة بنفس شحنة الجاذبية 
الأرضية فإنها تتنافس مع الأرض وتصعد إلى أعلى . وهكذا استطاع 
أن يشحن مركبة الفضاء الصغيرة التي صنعها في معمل الميكانيكا 
بكلية الهندسة بواسطة جهاز صغير مركب داخل السفينة» وبتشغيل 
الجهاز تنافرت المركبة مع الأرض» وبتقوية الشحنة أمكن أن يسرع 
بها إلى درجة أنها قطعت المسافة بين الأرض والقمر فيما لا يزيد عن 
الساعة. وحين اقشرب من القمر أعاد شحن السفينة بنفس جاذبية 
القمر. وهكذا تعادلت قوة تنافرها مع القمر مع قوة اندفاعها الأولى › 


النداهة 





445 


وهبطت على سطح القمر بسلام. وطور بعد هذا اختراعه ليستطيع أن 
يسافر إلى الكواكب الأخرى. وهكذا كان يكفيه أن يشغل الجهاز 
بحيث يمنع عن السفينة الجاذبية الأرضية» وفي نفس الوقت يشحنها 
بجاذبية مضادة لجاذبية المريخ أو الزهرة أو أي كوكب يختاره» فإذا 
بجاذبية ذلك الكوكب تتفاعل مع جاذبية السفينة» ودون حاجة إلى 
بوصلة أو ملاحة فضائية أو مرشد كانت السفينة تنجذب تلقائياً إلى 
الكوكب بقوة عظمى » حتى لقد استطاع OF‏ يصل بالسرعة إلى مليون 
كيلومتر في الثانية وهي أضعاف سرعة الضوء. وهكذا كان يستطيع 
الوصول إلى القمر في نصف ثانية» وإلى المريخ في ٠٠١‏ ثانية. 


وهكذا وضع قدمه على الطريق للسفر إلى العوالم الأخحرى 
التي تفصلها عنا مئات السئوات الضوئية» إذ هو لم يجد حياة على 
المريخ كما كان يتوقع . وبدراساته وتلسكوباته الرادارية أمكنه أن 
يكتشف of‏ هناك قانوناً أساسياً من قوانين الكون» قانون التماثل» 
بمعنى أن كل مجموعة نجمية توجد فيها الشموس والأقمار بنظام 
واحد» بمعنى أن المجموعة الشمسية المقابلة لمجموعتنا في الكون 
الآخحر لها هي الأخرى شمس مثل شمسناء وعلى نفس البعد منها 
يوجد مريخها وزهرتها وأيضاً على بعد 7ه مليون ميل منها توجد 
كرتها الأرضية» وهكذا. . فالحياة لا توجد إلا في الكرة الأرضية 
الموجودة في المجرة المقابلة لمجرتناء وهي كرة تبعد عنا بحوالي 
ففورف OVO, Tee eee eee eee‏ ميلء ويستغرق 


۱1۲ 





۹۷ 


الإنسان في قطعها ثمانين مليون سئة ضوئية . فإذا عرفنا أن المسافة 
بين الشمس والأرض ٩۳‏ مليون ميل يقطعها الضوء في ثماني دقائق 
ونصف دقيقة» لأمكن أن نتصور المسافة الهائلة التي لابد تفصلنا عن 
زميلتنا الكرة الأرضية الأحرى» والتي من أجل الوصول إليها كان على 
«النص نص» أن يصل إلى جهاز يستطيع أن يولد فوة جاذبية تصل 
بسفينة الفضاء إلى سرعة أسرع بكثير من سرعة الضوءء وإلا 
لاستغرق ثلاثين مليون سنة ضوئية للوصول إليهاء ونفس المدة في 
العودة منها. وهكذا أمكن أن يصل بجهازه إلى سرعة توازي مليون 
مليون مرة سرعة الضوءء وبهذا أمكنه أن يذهب إلى الكرة الأرضية 
المقابلة ويعود منها في بحر VE‏ وها فقط» وهو شيء خارق للعادة 
Gp LS‏ 

غير أن بناء هذا الجهاز كان سيستغرق وقتاً إذ هو يقوم به بمفرده 
دون مساعدة من cdot‏ ولا بد أن يصنعه متيئاً قوياً مزوداً بكميات من 
الأوكسجين والوقود تكفي لهذه الرحلة الطويلة. ولهذا وفي انتظار أن 
يتم صنع مركبة فضائية واصل العمل في بحوثه الأخرى فاكتشف 
«كورس» الأربعة عشر Lay‏ للوصول إلى درجة العبقرية. ذلك أنه 
بدراسته للإنسان وللحيوان اتضح أن الذكاء والقدرة العقلية مبعثها 
هرمون حاص مسئول عن تغذية وتشغيل خلايا المخ . .ومع أن طاقة 
المخ البشري طاقة جبارة إلا أن الجزء المستخدم منها قليل جداًء 
ذلك أن هذا الهرمون يفرز بكمية قليلة في حين أننا لو زدنا من كميته 
لاستطاع العقل البشري أن يعمل أضعاف أضعاف ما يعمله الآن 





۹۸ 


ودون جهد يذكر. وهكذا بواسطة الأربع عشرة حقنة تؤخحل على مدى 
أربعة عشر يوماً أمكنه أن يصل بالعقل البشري إلى أن يصبح له قدرة 
شكسبير الشعرية والمسرحية وذكاء اينشتين وحساسية بتهوفن 
الموسيقية. إنه يضع الإنسان بواسطة هذا «الكورس» على أعتاب 
العبقرية» ولكنه لا ينستطيع أن يصنع له شيثاً آخر إذ الباقي عليه هو 
وحده أن يقوم به وينتجه. بل إن بحوثه في هذا الاتجاه أوصلته إلى 
طريقة تركيب الخلية العصبية» وبالذات طريقة تركيب الأحماض 
الأمينية التي تكون الكروموسومات داخحل نواة هذه الخلية» وهي 
الأحماض الأمينية المسئولةعن صنع الحياة» إذ هي تستطيع أن تحيل 
المواد العضوية وغير العضوية إلى مواد حية قادرة على الانقسام 
الذاتي والحركة. كل المشكلة أن العلماء الذين سبقوه لم يستطيعوا 
الوصول إلى هذا التركيب لأنهم كانوا يدرسون على ٠‏ خلايا. الجسم 
الإنساني والحيواني» في حين أن خلايا الإنسان والحيوان مهما كثر 
عددها ليست سوى أجزاء من الكائن الحي» ولذلك اتخذ هو حيواناً 
ذا خلية واحدة ولكنها كبيرة الحجم جداً بحيث تسهل دراستهاء اتخذ 
البيضة. . بيضة الدجاج باعتبارها وحدة حية قائمة بذاتهاء وبواسطة 
الميكروسكوب فوق الألكتروني الذي ابتكره ‏ وهو ميكروسكوب 
قادر على التكبير إلى مليون ضعف - أمكنه أن يرى جزيئات الحمض 
الأميني» بل أمكنه أن يرى هذه الجزيثات وهي تتكون من تلقاء نفسها 
وتتركب» ولم يكن عليه بعد هذا إلا أن يقلد العملية. وهكذا استطاع 
بواسطة محاليل, من الكربوهيدرات والمواد النيتروجينية والكبريتية» 


١1 





424 


وبإمرار نيار منشط عبارة عن سيل متدفق من الأشعة فوق البنفسجية. 
أمكن لهذه المواد أن تختار النسب التي تتحد بها مكونة البروتوبلازم 
الحي ولأنها مواد معلومة الوزن. وقد أمكنه أن يعرف نسب هذه 
المواد التي دخلت في تركيب البروتوبلازم» أمكنه أن يصل إلى هذا 
اللغز المعقد ويعرف سر تركيب المادة الحية. بل أمكنه أن يخلق 
خلايات حية في كأس زجاجية» الخلية منها في حجم البيضة» 
تتفاعل بالضوء وتنجذب أو تنكمش لدى اقتراب الخطرء وقادرة على 
تغلية نفسهاء بل وأن تنقسم في النهاية إلى خليتين. وكان يعتقد قبلا 
أنه لو وصل إلى هذا الحد لتكشف له سر الحياة ولأمكنه أن يصل 
إلى تركيب كائنات أرقى بكثير من كائنات الخلية الواحدة» ولكن 
المشكلة التي واجهته جعلته يكتشف أن هناك لابد سرأ ped‏ غير 
مجرد التركيب الكيميائي » ذلك السر الذي يبدو وكأنه كامن في ` 
الخلية الحقيقية يجعلها لا تنقسم ولا تتكاثر وتتحرك فقط ولكن 
يجعلها ‏ وهذا هو أهم شيء - تتطور لتأخل باستمرار أشكالاً أخرى. 
الخلايا التي أوجدها لها نفس تركيب العخلية الحية الكيميائي » فماذا 
إذن يجعل الخلية الحية قابلة للتطور بينما خلاياه هو خاملة لا تتطور؟ 
ذلك هو السؤال. سؤال كان يبدو عويصاً إلى الدرجة التي جعلته 
يؤجل الإجابة عنه ليبتكر للبشرية بعض الأشياء التي تحتاج إليها بشدة 
مثل السرطان وعلاجه. ولكي يعالجه كان عليه أن يعرف سببه. وقد 
اكتشف السبب من نفس تجربته السابقة» إذ هناك خميرة معيئة داخل 
الخلايا الحية مسئولة عن انقسام تلك الخلية وتكاثرها. حين يصل 


110 النداهة 





qo: 


الحجم بالخلية إلى درجة معيئة» أو يصل بها العمر إلى زمن معين 
محدد» تعطي الخميرة الإشارة وتبدأ الخلية تنقسم. هذه الخميرة 
ليست مستقلة في عملها ولكنها خخماضعة لاحتياجات الكائن الحي 
ككل» بحيث حين لا تستدعي الحاجة يستطيع الجسم أن يؤجل 
التكاثر والانقسام» أو يشرع به إذا استدعت الضرورة وذلك بواسطة 
هرمون معين» والسرطان ليس سوى تحرر خمائر الانقسام الموجودة 
داخل الخلايا من أثر هذا الهرمون. بحيث تبدأ تتكاثر أوتوماتيكياً دون 
هرمون يزجرها أو يوقفها عند حدها. وعلاجه لا يتعدى تزويد الإنسان 
بجرعات من هذا الهرمون تعيد اخضاع الخلية للمراكز العليا 
واحتياطات الجسم . 

وهكذا حل «النص نص» مشكلة السرطان. أما السل وبقية 
الأمراض فلم ينفق وقته في إيجاد علاج لها كل على حدة؛ وإنما 
توصل إلى معرفة نوع من المنشطات الحيوية» تلك التي تفرزها 
الخلية الحية إذا أشرفت على الموت قبل موتها بثوان» وكاخر سلاح 
لديها تطلق الخلية خميرة سماها العلماء المنشط الحيوي تقضي على 
كافة أعداء الجسم من ميكروبات وتنقذ المريض في آخر لحظة. 
استطاع «النص نص» أن يتوصل لمعرفة نوع منها قادر على الفتك 
بأية مبكروبات مهما بلغت قوتهاء بل وبواسطة قرص واحد منها 
يأخذه الإنسان كل أسبوع يستطيع أن يضمن الإنسان بقاءه سليماً 
معافى من كل الأمراض. . حتى الأمراض الاجتماعية. وبواسطة لتر 
من الأنتي كابيتال يوضع في كل مليون متر مكعب من ماء الشرب». 





{0} 


يستطيع هذا العقار أن يغير من أفكار الناس بحيث لا يعودون يطيقون 
الجشع الرأسمالي ¢ ويصبحون AST‏ حساسية في كل ما يتصل بالغير 
بحيث لا يرضون ظلمه أو الجور عليه» حتى روح الحرب والعدوان 
يستأصلها إذ هو يضخم مركز الغيرية في المخ . ذلك المركز الذي 
تصدر منه BIS‏ الأفعال والتصرفات “الإنسانية:» وتهدف إلى المحافظة 
على النوع من خلال المحافظة على المجموع. عكس المركز PM‏ 
الذي يضمر بأنتي كابيتال ويذوي» مركز المحافظة على النوع من 
خلال الذات. حتى السينما والتليفزيون استطاع «النص نص» أن 
يبتكر عدسة التصوير وعدسة العرض التي تجعل الفيلم يبدو حيا 
بنفس أضواء الحياة وطعمها وتجسيماتها. 

laos‏ توج «النص نص» أبحاثه في خلال بضعة شهورء بأن 
استطاع اكتشاف نظرية جديدة لتركيب الكون» إذ كان الناس 
يتصورون الكون من خلال تصورهم للجزء الذي يستطيعون رؤيته 
منه» أو حتى من خلال الجزء القادرين على تصور مقياسه»ء والتصور 
البشري يبدأ من تصور جزء على عشرة مليون جزء من الملليمتر إلى 
ألف مليون سنة ضوئية» تلك هي المسطرة التي كنا نقيس بها 
الكون» في حين أن هذه المسطرة لو وضعت على المقاييس الحقيقية 
للكون لبدت وكأنك تضع مسطرة طولها قدم واحدة على المسافة بين 
الأرض والشمس . فهناك مقاييس نسميها أصغر بكثير من الجزء على 
مليون جزء من الملليمتر» ومقاييس أكبر بكثير من الألف مليون سنة 
ضوئية. . أصغر إلى ما نسميه المالانهاية وأكبر من المالانهاية 


اللداهة 


11۷ 





o۲ 


المزعومة» في حين لا توجد المالانهاية. والذرة ليست سوى كون 
كامل يشبه مجرتناء والالكترون الموجود في الذرة ليست سوى كرة 
أرضية بأكملهاء وداخل هذا الالكترون توجد مجموعة الكترونية عبارة 
عن نواة وحولها أجسام تدور وكل جسم منها عبارة عن فلك كامل» 
وهكذا إلى أن تصل إلى دقائق تنجذب إلى بعضها البعض بسرعة 
فائقة حتى تصل إلى الحد الأدنى من القرب» وحينئذ تبدأ تتنافر 
وتتباعد. وهذا هو نبض الكون. إذ نفس هذا النبض يحدث وبنفس 
السرعة للأكوان الكبيرة التي تتجاذب إلى الحد الأدنى من المسافة, 
لتعود تتنافر وتفقد تكوينها مكونة السديم الذي يبدأ يصنع منه 
التجاذب الأصغر فالأكبر فالأكبر حتى تتكون المجرات والأفلاك 
ويحدث التجاذب من جديد. سرعة نبض الكون ثابتة ولا يوجد أكبر 
أو أصغرء فطريق التقاثه ليس سوى تجمع لذرات نراها نحن من 
داحلها في حين أنها من الخارج قد تكون جزءاً من مادةء أو حتى 
جزءاً من جزيء داخصل في تكوين كائن حي من الصعب تصور 
حجمه. القانون الواحد الذي يحكم هذا الكون كله هو قانون 
التجاذب للتنافر أو التنافر للتجاذب» على أساسه يمكن تفسير كل 
شيء» حتى تفسير نشأة الحياة وتعدد الأنواع . فالجزيئات تظل تتجمع 
وتكبر إلى أن تصل إلى الحد الأعلى ¢ فتندافر وتنقسم وتتحدد 
مكوناتها الجديدة مكونة أنواعاً أخمرى من الجزيشات حتى يؤدي 
التجميع إلى الانقسام . وإعادة التكوين إلى جزيء الحمض الأميني 
الذي يتجمع على هيئة حلية واحدة تظل تنمو إلى الحد الأعلى» ثم 


1۸ 





4۲ 


تنقسم ليحدث بين مكوناتها المنقسمة وبين مكونات خلية أخرى 
مختلفة معها all‏ نوع من التزاوج» يؤدي إلى ظهور الحيوان dye‏ 
الخلايا. وبتكرر العملية تتعدد الأنواع حتى تصل إلى القرود 
والإنسان الذي يتطور بعد هذا بسبب تطور العلاقات الاجتماعية التي 
تحكم الصلة بين أفراده. 1 

وعشرات غيرها من الاكتشافات والاختراعات. . حتى انه 
اكتشف فيما اكتشف دواء لمعالجة اللمم الخربة لأصحاب 
البيوت» بحيث أن ملعقة منه قبل توقيع العقد تستطيع أن ers‏ 
صاحب البيت يتنازل بمطلق إرادته عن جميع الشروط الواردة بالعقد. 
وكلها للأسف حقوق لصاحب البيت لدى المستاجر. 

وأن يعمل ويكتشف كان مسألة سهلة كان باستطاعته أن يصل 
إلى ما هو أخطرء وأن يكتشف أشياء أهم بكثير من تلك» ولكن 
المشكلة التي كانت تؤرقه أنه لم يكن يستطيسع أن يفعل بهذه 
الاكتشافات شيئاً. كان يحملها ويذهب بها إلى أصحاب الشركات 
وأساتذة الجامعة والمسئولين فينظرون إليه نفس نظرتهم إلى حيوان 
غريب ويضحكون. وأحياناً يقبضون عليه ويحملونه في جيوبهم 
ليفرجوا عليه زوجاتهم ويجعلوا الأولاد يلهون به بعض الوقت. وذان 
يوم ضاق به أحدهم إلى الدرجة التي أمسكه وقذف به من النافذة 
فسقط فوق رأس فلاح ما كاد يراه حتى استبشر وقال: ياما أنت كريم 
يا رب» وأخذه إلى بيته في القرية وأبقاه محبوساً ستة أشهر 
حتى يحين موعد القطن SUS‏ حسن. وحين لم يزد المحصول كما 


14 النداهفة 





465 


كان يتوقع أقسم أن يطعمه لحماره» ولم ينقذه في اللحظة الأخيرة إلا 
زوجته حين راحت تستحلفه أن يبقيه لكي يجلب لأختها العاقر 
الحمل . وبالتأكيد لم يستطع أن يجلب شيئاً ولكنه أفلح في الهرب 
ووصل إلى حيث المعمل ومركبة الفضاء التي كانت قد تمت» وبغيظ 
أدار الجهازء وبعد سبعة وثلائين Lage‏ كان في الكرة الأرضية 
المقابلة . وحين هبط فوجىء بأعظم وأروع فرحة في حياته» فقد وجد 
الناس هناك في مثل حجمه» ورحبوا به وطافوا به أنحاء الكرة" 
وممالكها باعتباره «إنسان الأرض» الذي ترقبوه طويلاء ولأنهم كانوا 
يمرون بنفس الطور الحضاري الذي تمر به كرتنا الأرضية فقد زودهم 
باكتشافاته التي طبقوها في الحال وجعلت من حياتهم جنة» فأقاموا له 
التماثيل» وكاد قسم كبير من سكان تلك الأرض يقدسونه ويعبدونه 
من دون الله سبحانه. ولكنه كان في شغل عن التكريم والتقديس 
والعبادة بالشوق الغريزي الشديد الذي كان يحسه لكرتنا الأرضية 
وقاهرته» ومصرء شوق جعله يكتشف قانوناً آخر من قوانين الكون 
وهو أن المادة الحية تحن إلى المواد الخام المخلوقة منهاء وهكذا 
بحن الإنسان إلى مسقط رأسه» ويحن الجزء من الشيء إذا انفصل 
عنه للجزء الأكبر» حتى سفينة الفضاء تحن إلى المعمل الذي صنعت 
فيه. وهكذا جاء عليه اليوم الذي لم يعد يطيق وتحايل حتى وصل 
إلى سفيئة الفضاء؛ وبكل ما يهزه من شوق شغل الجهازء وما أروعها 
من أرض كروية وما يغطيها من سحابات تلك التي طالعته في صباح 
الوم السابع والثلاثين! ما أروعه من شريط رفيع ينحني ويتهادى 


۱۰ 





وبرفق يصب في بحره الأبيض! ما أروع مصر التي هبط في صحرائها 
حيث غادر المركبة قرب أهراماتهاء وما لبث أن ضاع في زحمة 
مدينتها يقيم حيثما اتفق [Shy‏ وينام Gil Laas‏ وسعادته كلها أنه 
low‏ على الأرض. . أرضه حتى لو كان قد تخلى عن كل طموحه. 
الشيء الذي لم يحسب له «النص نص» چ قط هر Of‏ 
يستخدم أهل الأرض المقابلة معلوماته التي أعطاها لهم إلى درجة أن 
يصنعوا مراكب فضاء مثل مركبة فضائهء وأن يفاجأ أهل الأرض ذات 
يوم بسرب من هذه المركبات وقد ظهر يحوم حول مدن الكرة الأرضية 
الكبرى ويرقب الحياة التي تموج فيها. . ولا تحدث عن الحمى التي 
اجتاحت الدنيا لهذا الحادث الخطير ولا عن الصحافة والإذاعة 
والتليفزيون ‏ خاصة في أمريكا ‏ وقد خرجت تتحدث عن غزو الأرض 
وتطلب من حكوماتها إخراج ما لديها من قنابل ذرية وإيدروجينية 
لاستعمالها ضد الغزاة «تماماً نفس العقلية التي كانت تصنع أفلام 
الفضاء»» ولكن قبل أن يحدث شيء من هذا كان سرب المركبات قد 
هبط فوق جبال سويسرا وخرج منه سكان الأرض الثانية في حجم 
عقلة الأصبع» يستعملون أجهزة الترانزستور في تضخيم أصواتهم إلى 
الآخمرين وفي استقبال أصوات الآخرين» واندفعت إلى سويسرا 
جموع هائلة من الصحفيبن والمخبرين ومحبي الاستطلاع يريدون 
الوقوف على أسرار تلك الحضارة الراقية التي غزت الفضاء بمشل 
ذلك الإعجاز وغزت الأرض. . وكانت المفاجأة المذهلة حين ذكر 
رجال الفضاء هؤلاء أن سفن الفضاء تلك ليست من ابتكارهم إنما 


ا النداهة 





465 


هي من ابتكار واحد من أهل الأرض أسمه «النص نص» من بلد 
اسمها مصرء كان قد زارهم في مركبة مماثلة منذ عام مضى وزودهم 
بمعلومات هائلة عن المادة والحياة والأحياء من ضمنها هذا الجهاز 
الذي أمكنهم به أن يتغلبوا على جاذبية أرضهم وأن يسافروا بتلك 
السرعة الخارقة في الفضاء حتى يتمكنوا من الوصول إلى بنت عمتهم 
الأرض. 

وهكذا في أقل من ساعة كان الناس قد فقدوا الاهتمام AL‏ 
الكوكب الآخر كلية حتى لم ينتظر أحدهم ليودعهم وهم في الطريق 
مرة أخرى إلى كرتهم, واندفعوا في أعداد هائلة يحجزون الأمكنة في 
الطائرات إلى القاهرة حتى اضطرت شركات الطيران إلى تحويل 
حطوطها جميعاً إلى القاهرة. 

ولم ينشظر المصريون وصولهم » فهم منذ اعلان تلك الأنباء 
وجموعهم في حالة بحث دائب عن «النص نص». ولأول مرة يعترف 
أسائذة الجامعة: الذين امتحنوهء ولأول مرة يذكره أولئك الذين ذهب 
يطلب منهم العمل وهزءوا به» والجميع من سائل إلى مسئول قد 
ركبته حمى البحث» والكل يحاول أن يتتبع الخيط. وكل خيط ما 
يكاد ينمو وينمو معهالأمل حتى ينقطع فجأة وعلى غير انتظار ۔ حتى 
الضلاح الذي احتفظ به كفأل حسن وقصته معه ‏ ثبث خيط تتبعه 
الناس إلى أخت زوجته العاقر ثم انقطع تماماً. ولكن كان لا بد أن 
تنتهي مرحلة الفوضى التلقائية تلك. فالأمر جد خطير للعالم كلهء 
ولا بد من العثور على «النص نص» ومن الشرق والغرب جاء خبراء 


۲ 





{ov 


البحث والتقصي » وأعيد استجواب كل من سبق وكان له «بالنص 
نص» أي اتصال لمعرفة الأماكن التي يحبهاء أو أين كان يمضي 
وقته» حتى خحدم السلطان الذين أصبحوا مرشدين سياحيين في ره 
الذي تحول إلى متحف استجوبوهم بدقة» وكانت النتائج دائماً مخيبة 
للآمال. فقد بدا أن باستطاعته أن يوجد ويعيش في أي مكان بالقاهرة أو 
بغيرها من المدن» في أي اثني سنتيمشر مكعب يمكنه أن يبقى إلى 
الأبد مختفياً. النتيجة الإيجابية الوحيدة التي حرج بها الخبراء 
المحليون والعالميون من بحثهم واستقصائهم أنه قال ذات مرة: انه 
يحب أن يمشي على بلاج الاسكندرية. خاصة في الشتاء. وإلى هذا 
البلاج تحول البحث كله» ليس فقط بحث الأجهزة والاخصائيين 
وإنما بحث الناس العاديين. ناس . . الاف الناس المزدحمة صيفا 
وشتاء لا يطلبون أسرار قوانين الكون والحركة والجاذبية» وإنما 
يطلبون أشياء تبدو أسهل بكثير. . الأصلع يريد دواء ينبت له الشعر» 
والآحر الذي يريد القضاء على الشيب» والسيدة العاقر التي تنام 
وتحلم بالولد› والمقطوع الساق والأعمى والأعور. والأبرص Gilly‏ 
به داء استعصى على الشفاء. . جيوش لمرضى من أيام موسى 
وعيسى . ومحصول النوايا. . القاهرة التي تفيض بها أضرحة المشايخ 
aly‏ البيت» ورسائل المحبين إليهم بعدد سكان الأرض وسكان 
مصرء لكل كونه المفقود الذي يبغي العشور عليه» عالمه الطلسمي 
الذي يود لو عرف قوانينه» والجماعات ‏ جماعات وأفراداً ‏ في حالة 
بحث cath‏ في الصيف وفي الشتاءء في الربيع وفي الخريف. إلى 


۳ النداهمفة 





40۸ 


أقصى ما يستطيع أن يصعر كل منهم خده ويكبش من السرمال 
ويغربل. . عله هذه الكتلة» عله تحت هذه المحارة» عله في كومة 
حشائش البحر تلك» عله من تلقاء نفسه يظهر غداًء ومن كل صوب 
تنهال الاتهامات: السبب أساتذة الجامعة الذين لم يعيروه اهتماماًء 
السبب البيروقراطية والبيروقراطيين الجالسين فرق المكاتب يمنعسون 
العبقريات عن الظهور» بل كلنا مسئولون. . هكذا كتب صحفي كبير 
عن الجريمة» LIS‏ أهملناه واحتقرنا cals‏ وها نحن اليوم نقلب 
الأرض بحثاً عنه . . كلنا مسثولون . 


* # * 

وعن الجماعة التي اتجهنا إليها صدرت صيحة وكأنها صيحة 

رعب» تلتها اندفاعات وصرخات واستغاثات كاصوات الهدود الحمر 
حين تهجم أو فرق الصاعقة: وفجأة أيضاً وجدنا المجمرعة وقد 
استحالت إلى كتلة بشرية منكورة» كتل متضاربة متصارعة صارحة 
مولولة ممزقة ممزّقة. لا تحسبن أنهم عثروا عليهء فهكذا الحال 
دائماً. أنه واحد منهم خيل إليه أن قطعة الطين التي اصطدمت بها 
يسله هي «النص نص». وتسابق الآخصرون ينتزعونه منه. تلك كانت 
آخر كلمات صديقي » ليس في ذلك اليوم فقط وإنما في كل الأيام» 
إذ ما لشت الكتلة البشرية أن راحت تتضخم وقد فقد الكل عقلهءولم 
يكن هناك أحد ليتابع . فمنل اللحظة الأولى يتحدد الوقت وقد كتب 
عليك الصراع: Lif‏ صراع من أجل الحصول على «النص نص» 


1٤ 





1464 


المزعوم» أو صراع من أجل استخراج نفسك من كثرة البشر المتزايدة 
المتضلخمة المهددة بفعص كل من يقربها أو تقربه. وفجأة تطلعت 
فلم أجد صديقي » كانت الكرة قد ابتلعته ولم أره إلا في اليوم التالي 
بين عشرات الجثث الممدة فوق رمال الشاطيء. 

لم تكن آخر كرة بشرية تتكون أو أول كرة» فهكذا الحال دائماً 
وكل بضع ساعات أو أيام تحدث الصرخة التي يعقبها التدافع والتكور 
والفعص . 

أما «النص نص» فمنذ أن عاد إلى الكرة الأرضية ووطىء 
بقدميه القاهرة فلم يعرف له أحد مكائاًء البحث قاد حقيقة إلى مركبة 
فضائه التي استعملهاء أما أين وكيف يعيش الآن؟. . فذلك لغزلم 
يستطع أحد ولن يستطيع حله» من يدري ربما يكون هذه الكتلة 
البارزة من الرمل أو من التراب. ربما تحت هذه المحارة أو أسفل 
كومة الحشائش. ربما في جيبك أنت. . وأنت لا تدري . 


۵ النداهسة 


Converted by Tiff Combine 





ied by registered version 





أكة 


التداهة 


Converted by Tiff Combine 








ar 


القضبان الحديدية غير شاهقة العلوء كقبة عالية من الرمل 
والزلط والأخشاب والحديد. الشريط الحديدي طويل طويل موغل 
في الطول» ينتهي وراء الأفق إلى رمادية صفراء. . لا تلبث أن تدكن 
وتدكن بحيث لو أمعنت النظر فيها وأصررت على المضي في الرؤية 
لاستحالت إلى سواد. شريط حديدي طويل يدخحل المشهد منحنيا 
انحناءة قوس عظيم وكأنه القوس الذي تفتحه لتضع داخله ثلاثة ألاف 
مليون إنسان» سكان PIT‏ بحياتهم وهمومهم وکل ما دار بخلدهم 
منذ أن كانوا بضع كائنات إلى أن أصبحوا GY‏ الملايين» ويخرج 
الشريط من المشهد أيضاً منحنياً نفس الانحناءة الخفيفة المهولة CAS‏ 
الجلال. 

غير بعيد شجرة في حالة خريف داثم» أوراقها مصفرة 
الاخضرار» مخضرة الترابية » معلقة بغصنها برباط ما. . واه. شجرة 
كلما هب الريح انتزع منها أكثر من بضع أوراق حتى لتخالها في 
نهاية اليوم ستقف جرداء عارية» ولكنها أبدا هكذا لا تنقص أوراقها 
ولا تزيد» دائمة الخريف مستمرة الاخضرار المصفرالمترب». لا ثمر 


۹ النداهسة 





۹4 


لها ولا زهر. . ولا اسم. . شجرة. . ومساحة. تلك التي تكون دائرة 
الأفق تتسع إذا وقفت» وإذا صعدت الشريط الحديدي اتسعت CAST‏ 
وكلما علوت اتسعت حتى لكأن باستطاعتها أن تشمل لو أمكنك 
العلو الكافي ‏ الدنيا بأسرها. 

المشهد صامت ساكن إلا بين كل حين وحين» حين تهب 
الريح هبات متقطعة غير ملموسة لا تعرف كيف تبدأً. إنما شيئاً فشيئا 
تسمع الأوراق وهي توشوش في خفوت ثم وهي تثز ويستطيل الأزير. 
وتنطاير بضع أوراق ومن فوق الأرض يشور بعض الغبار حاملاً معه 
عيداناً مهرأة من قش أرز قديم » ثم يسكن الصوت والحركة إلا من 
اختلاجة أخيرة لورقة؛ ثم يثوب كل شيء إلى صمت. . صمت غير 
داكن ولكنه في نفس الوقت غير مضيء. صمت هو بالتأكيد كالضوء 
في المشهد إذ الشمس غير موجودة والنور غير مباشر وقليل» ولكنه 
مستمر على نفس الدرجة لا يشتد أو يخف ولا حتى نعتريه هزات 
الحركة» إنما هو كالشريط الحديدي الطويل سادر في وجوده وشموله 
واستمراره» ضوء كضوء عصر ضيق مترب. يومه التالي يوم القيامة . 

وأنا موجود داخل المشهد لا أعرف مكاني على وجه الدقة. 
ولكني أرى المشهد بزاوية cle‏ ومهما غيرت من وقفتي أو اتجاهي 
فأظل أرى المشهد من نفس الزاوية . 

إني في انتظار القطار القادم مع أن المكان ليس بمحطة» 
واحساس طاغ كبير أني لا أنتظر القطار لأركبهء إنما فقط أنتظره 
بالضبط. أنتظر اللحظة التي فجأة -تماماً لا بد أن تكون فجأة ‏ تظهر 


۱۳۰ 





٩٥ 


رأس القطار من كرة الأفق» سوداء فلتكن ولكن لا بد أن تظهر. . تنبثق 
فجأة فيدق قلبي هلعاً أو رعباً أو فرحاً. وأوجد heb‏ أشعر أني 
ارلا اغد Syeda aad‏ دات اع 
بالوعرده غير be‏ بعد Mia‏ أن ميل MeL ial! Mill‏ إلى رة 
والشرطة إلى cb‏ والخط إلى جسد القطار الطويل تنوجه سحابة 
الدخان المتعمدة المتصلة» غير مهم أن يقترب AST‏ وأكثر Oly‏ يصبح 
أمامي . . غير مهم أي شيء» المهم هو ذلك الظهور المفاجىء 
المروع للنقطة. 

أنا لا bet‏ فالإنسان لا ينتظر إلا شيئاً يتوقعه أو diy‏ من 
حدوثه أو حتى علم af‏ أخبره أحد أنه لا محالة واقع . آنا رايت قبل 
قطاراً يمر ولا البقعة محطة ولا أنا مسافر» ولا شيء على الاطلاق. . 
على الاطلاق لا علاقة بيني وبين القطار إلا علاقة أني أرى Gia‏ 
وما دام هناك قضبان فلا بد أن يكون هناك قطار» حنى لوكانت 
القضبان تلك التي أراها صدئة صدا سميكاً استحال من طبقة إلى 
قشرة. ولكن رغم كل الصدأ فمن المؤكد أن قطاراً بل لا بد قطارات 
مرت فوقها. لا بد قطارات مرت من هنا. وإلا فيم القضبان؟ أتكون 
خطأ فرعياً أقامته السكة الحديد ونسيت أمره؟. أتكون Las‏ حديدياً 
أقامه الحلفاء في أثناء الحرب وضاع من الخريطة؟ فلتكن أي شيء 
فالمشهد مستمر وأنا موجود داخله. أرى مهمات سرت أو غيرت 
موضعي بزاوية» والنور غير مباشر وداكن. والشريط طويل محنى 
بجلال» طويل. . والشجرة قائمة خحريفية كأنها نبتت من بذرة 


۳۹ النداهسة 





433 


خحريف» وبين كل حين وحين وبلا بداية أو نهاية محسوسة تهب قبضة 
الهواء فتحرك الورق في الشجرء وقش الأرز المترب في الأرض» ثم 
الاختلاجة الأخيرة لورقة شجرة أو عود قش› ثم الصمت المستمر 
الاك 


المشهد. مستمرء والأشياء فيه تتعاقب باستمرار» وحتى كم 
الحزن الموضوع بطريقة ما في صدري لا يتغير هو الآخر حجمه» ولا 
تشتد أو تخفت وطأته. حزن لا بد جاء من المشهد إذ تحس لابد أنه 
مشهد نهاية ماء نهاية العالم» نهاية الحياة على الأرض» نهاية الفرح 
أو الأملء ربما حتى.نهاية الأحزان. ولكنه بالتأكيد نهاية» نهاية حقيقية 
كنهايات العلم حيث لا نهاية؛ إنما النهاية خيط متصل من الشيء 
ذاته» من السكون ذاته» من الشريط ذاته» من الضوء ذاته» من 
الخريف المشجر ذاته. من هبات الهواء ذاتهاء من الترقب ذاته . 


المشهد دائم ومستمر» واحساسي به دائم ومستمر» وحزل 
النهاية ‏ ولو كانت نهاية الحزن دائم ومستمر. لا أذكر كيف بدأ ولا 
أين أو متى ؟ وجدت فيه لكأني وعيت أو حتى ولدت داخله» وساظل 
فيه إلى أن تنتهي حياته. كل شيء فيه هو هو لا يتغير أبدأء لا يزيد» 
لا ينقص» لا ينتهي» لا يسدأ. بل حتى تلك النبضة المتباعدة التي 
بين النبضة فيها والنبضة التالية BL‏ أو زمن كأنه ألف عام. حتى لو 
كانت تتم في ثانية فهي ثانية طولها ألف cole‏ نبضة ضعيفة واهنة 
كالاختلاجة الأولى لجنين القلب داحل قلب الجنين حين دق لأول 


۱۳۲ 





۹۹۷ 


مرة» خافتة واهنة ندق على استحياء شديد وبغربة زائدة. دق مذعور 
يكاد الذعر يسكت نبضه Gay‏ قلبه. نبضة خاطرء إذ فجأة تنبثق النقطة 
wal‏ هناك من لا نهاية الشريطء فجأة أحدّق وأجدهاء وغير مهم أبدا 
ما يحدث بعد هذا أو يكون. 

المشهد والاحساس والحزن وحتى النبضة مستمرة الحدوث» 
Uf‏ فيما عدا هذا غير حزين أو خجلان أو نائم أو مستيقظ. أنا أناء 
هكذا أيضاً. . باستمرار طويل لا ملل فيه ولا تبرم ولا تغير مطلقاً في 
الزمان أو المكان أو درجة الوعي . كل ما في الأمر أني لدي كل نبضة 
خاطر» قبلها بقليل وكأنما قبل الحدث الكوني الهائل. . وأثناءها. . 
وبعدها أحس بقلبي أنا. . قلبي الحقيقي يدق في انفعال حي» 
انفعال Cale‏ مبهور ولكنه حقيقي وملموس . بالضبط قبل وأثناء وبعد 
الخاطر يكاد جسدي كله يرتعش» وتكاد صرخة تنطلق مني هاتفة : أنا 
حي . وكأنها اكتشاف» ومع أنها هي الأخرى مستمرة ودائمة ولا تتغير 
إلا أن فرحتي بها لم تفقد أبداً. حتى لو كان المشهد قد بدا مع بداية 
الخليقة واستمر إلى نهايتها لم تفقد أبداً طعمهاء بل هي لحظتها 
فقط» تلك اللحظة المتباعدة التي كان بينها وبين التالية أو اللاحقة 
لها ألف عام لحظتها فقط» هي كل ما يربطني بالحياة. 

أجل! أحدق فجأة فألمح. هكذا بمعجزة» النقطة. 

وغير مهم بعد هذا أن تصبح النقطة شرطة والشرطة خطاً طويلاً 
لا نهاية لطوله . 

. غير مهم‎ lal 


النداهة 


۳۳ 


Converted by Tiff Combine 





ied by registered version 





158 


العملية الكبرى 


اللااهسة 


Converted by Tiff Combine 








4v\ 


ما كن أصعب أيامها ‏ وبالذات لحظتها أن يشك. بل هو لا 
يزال لا يعرف كيف كالبخار المتكائف, بدأت تتجمع السحب. 
فالمهمة على غرابتها الشديدة بدت أول الأمر مجرد مهمة أخرى من 
المهام الكثيرة التي كان يوكل إليه بها. كل ما في الأمر أنها طريفة 
وعلى وجه الدقة مثيرة لعجب طريف لا بد تمط له شفتيك أو تهز 
كتفيك. فمع انتهاء العملية الكبرى» والجميع في قليل من الوجوم 
يتهيؤون للانصراف» جاءه الأمر من الأستاذ الكبير أن يبقى بجوارها 
حتى تموت. ولأن لا طبيب بلا ممرضة فقد ترقب همسة «الأخت 
تسريزا» التي ستحدد الاسم وما كاد يسمع «انشراح» التي نطقتها 
«انسراح» حتى وجم وكاد يغضب ويدفعه لطلب آخر. ثم رن في أذنه 
المشل «خسرانة خسرانة»» وأصبح مناسبا جدا في نظره أن تكون 
«انشراح» بالذات هي شريكته في انتظار الموت . 


وحين «صفصفت» الحجرة عليهما ولم يعد هناك إلا هو وهي 
والموت الرابض على صدر السيدةء بدأت المهمة تتحول من روتين 


التندامهة 


شف 





avy 


إلى نوع من الواجب الثقيل. لو كانت شريكته في انتظار النهاية ناهد 
مثا أو سهير أو مديحة أو حتى كاميليا لانقلب الواجب إلى متعة؛ أما 
المتوحشة البراوية «انشراح»» الغاضبة أبدأء المتدمرة تكاد «تخانق 
ذباب وجهها»» فأي آمل له في بعد ظهر هادىء حتی؟ 

بعد ظهر كان قد بدأ من زمن» وقفزات عقرب الدقائق فى 
الساعة التي تتوسط الحائط من احساسك ببطتها تبدو كل مرة كما لو 
كانت تفاجئك بحدوثها. بعد ظهر أصبح خوفه أن يطول ويطول حتى ٠‏ 
ليصل الظهر بالمساءء ومن يدري Lary‏ بالليل أيضاً؟ وما دامت ميتة 
ميتة فلماذا هذا العذاب كله؟ وما دامت هذه الأنفاس المأخحوذة على 
هيئة شهقات ‏ مفاجئة Lat‏ كقفزات العقرب ‏ خارجة بسرعة كالزفرة. 
مادام هذا هو تنفس «طلوع الروح» فما الداعي لعذابها باستمراره 
واستمراره؟ ما الداعي ديا ست انشراح» بلا أي «انشراح»» العاقدة 
ملامحك وكأن المسجاة هي السيدة والدتك» المنكبة حضرتك على 
ابر التريكو بأصابعك القمحية الرفيعة الطويلة كإبر التريكو تنجسين 
بداية «البلوفر» التي لم نزد رغم GY‏ الغرز مساحتهاء وكأنما 
حضرتها ‏ لتغيظه ‏ تنسج غرزة وتفك غرزة؟ ما الداعي؟ . . 

لو التفتت إليه لحظتها أو رفعت رأسها لكان ودون نظر لأي 
اعتبار ‏ قد بدأ الشجارء ذلك أن غيظه بعد انتظار دام إلى الآن 
ساعتين وبضع دقائق كان قد clay‏ وهو على وجه التأكيد ليس غيظه. 
فأي شيء كان يمت إلى الجراحة من قريب أو بعيد مهما تقبله 
الآخرون بضيق أو تبرم» ما كان ليأخذه هو إلا كألام الحب لها نفس 


۱۳۸ 





avr 


مذاق المتعة . الغيظ إذن غيظ وافد لا يزال لا يدري مصدره. . غيظ يبدأ 
عند وجه «انشراح) الجميل حتى في تنمره» ليتزايد كلما انتقل بعده 
إلى مجال pl‏ وكلما اصطدمت عیناه أو اصطدمت حواسه gad‏ ء 
من آلاف الأشياء التي تحفل بها الحجرة. 

بدايات غيظ جعلت روحه بالتدريج تنسحب من اندماجها التام 
في دورها الجراحي المحبب» ومن اختلاطها الكامل بكل شيء 
تحفل به حجرة العمليات ‏ مهبط الوحي عنده وقدس الأقداس - لتبداً 
تتخذ موقفاً peer‏ وتعود ترق وكأنها لأول مرة ترى» lass,‏ دهشة 
كدهشة BUY‏ من حلم تعتريه. لا ليست هذه حجرة العمليات أبداً. 
أنها مكان مرعب كثيب لم يره من قبل. فأي معركة شيطانية دارت ولا 
تزال آثارها طازجة. لا يزال الدم أحمر لم يغمق لونه بعد - دم واصل 
حتى السقف الأبيض راسماً خطوطاً متقاطعة ومتقاربة ومتفرقة. . 
خطوطاً مكونة من مشات النقاط رسمها LY‏ دم تفجر تحت ضغط 
شديد. انفجارات دموية كثيرة لابد دارت هنا. . إلى أعلى وإلى 
الجوانب ترتسم على جدران الحجرة الأربعة. By‏ كميات تملا 
زجاج الشفاط وتكون بقعا كبيرة تلطخ المرايل والبلاطي البيض 
الملقاة هنا وهناك. دم يلوث كل مكان حتى الأحذية المطاطية ذات 
الرقبة» حتى الأرض الكاوتشوك؛ بل لم يسلم منه أيضا زجاج 
الأضواء الكاشفة البراق والمصفر. 

دم كثير من المحال أن تعتقد أن هذه السيدة النحيفة الراقدة 
يحفل وجهها بسلام كسلام أطفال نائمين. . مصدره. ولكنها بلا شك 


النداهصة 


۳۹ 





ave 


كانت المصدر الوحيد؛ والواضح أنها الطرف المغلوب. 

أيكون الغيظ الذي يعتريه الآن غيظاً حقيقياً؟ 

أيكون ما aly‏ الآن خحدعة أو بداية» أو بالأصح بداية شعور أنه 
ضحية خدعة شيطانية من المحتم لو صحت أن يفقد لها أثبت العقول 
وأصلبها الصواب؟ 

أخذت السيدة شهقة. . قبل أن تكتمل ركبت فوقها شهقة 
أخرى» وكانت النتيجة شهيق طويل جداً اضطربت له جفونها 
المسدلة حتى كادت تفتح » وحتى تصور أنه في الشهيق التالي حتماً 
سيعود إليها الوعي » ومن يدري؟ ربما تحدث المعجزة الكاملة وتعود 
للحياة . 

ولكن رغم دقة القلب العالية الزائدة التي دوت في صدره 
انفعالاً. فقد بدأ السؤال يلح من جديد: أيكون قد خدع الخديعة يا 
ترى؟ 


ت 


ويحدث هذا أين؟. . في نفس حجرة العمليات التي شهدت 
منذ بضعة شهور أعظم لحظات حياته» اللحظة التي وعى فيها لأول مرة 
بالحياة . : حياثه » وأدرك عن يقين لماذا يريد أن يعيش . 
بضعة أسابيع كل متع الفرحة بالتخرج والاحساس الغامر الجميل بأنه 


١4 





Vo 


انطلق من عقال تلملة طالت وعليه أن يعب من متع الحياة الصغيرة 
التي حرم منها طويلا. واجهته حينذاك مشكلة ماذا يريد أن يكون؟ 
لقد دحل الكلية بالمجموع وواصل الدراسة ونجح بالرغبة الغريزية 
في التفوق على أفرانه» وها هو ذا الآن بعد التخرج يستعرض أمام 
عينيه كل فروع الطب فلا يجد في نفسه مثقال رغبة في أي منها. بل 
انه حتى بعد أن تخرج وأصبح يزاول المهنة لا يجد في نفسه أي 
رغبة فيها Sel‏ وكاد يصبح الأمر كارثةء فإنها لمهزلة أن تبدأ بعد 
وصولك إلى هدف ما قضيت في السوصول إليه أعواماً Spb‏ أن 
تكتشف أنه ليس هدفك» وأن عليك أن تبحث عن آخر. 

ولقد ظل هذا يحدث وهم البحث يؤرقه» حتى انتقل إلى 
العمل بقسم الجراحة. حين دخل ذات صباح باكر هذه الحجرة» ومر 
بالطقوس المعتادة من ارتداء ملابس العمليات والاغتسال والتعقيم 
وإحاطة رأسه ونصف وجهه بالقناع الأبيض المشهور, هنا حيث رأى 
أستاذ الجراحة الكبير لا يصف الدواء ويترك. للعمليات الغامضة في 
الجسم أن تعمل عملها وتشفى » وإنما بأصابعه الطويلة الحادة القوية 
يقطع ويصل ويستأصل ويعيد التشكيل. هنا حيث بإرادتك cif‏ 
وحدك وبقدرتك يتم الشفاء. يدخل المريض يتلوى من شدة الألم أو 
من اليأس» وبعد ساعة يخرج وقد شفي تماما وانتهى ألمه. هنا حيث 
يختلط دور الجراح بدور الساحر القديم» والعلم يصبح حرفة ترتفع 
إلى مصاف الفن» والعملية السحرية كلها تدور في ذلك المكان 
البالغ النظافة» الشاحب الضوءء المعقم. . بصمته القدسي الكلمات 


النداهفة 


١5١ 





avn 


في تتحول إلى همسات تختلط بالفحيح الصادر من أجهزة التعقيم» 
وتنسجم مع الحركة الصوتية المتتابعة لتنفس المريض من خلال جهاز 
التخدير. بالسكون المضمخ بروائح اليوسول واليود والأثيرء السكون 
الحي النابض بدق القلب وهو يتحول إلى إشارات موسيقية ضوئية . . 
السكون الذي يتنفس تنفساً خاشعاً منتظماً. هنا اكتشف الجراحة 
كعلم وكسحر واكتشف أن ها هنا يوجد أمله ومن OV‏ سيصير هدفه 
من الحياة . 

وكان طبيعياً وقد اكتشف الهدف of‏ تأخذ السعادة عنده شكل 
الهوس. . حيث لا يعود يأكل أو يستريح أو يحلم إلا وهو يقوم بشيء 
من أجل عمله الذي أصبح حبه الأكبر. سماه زملاؤه مجلون 
الجراحة» وكانوا يغيظونه بقولهم Lei] ai]‏ يتفانى ليرضي الأستاذ 
وليتكتك لينال وظيفة «نائب الجراحة» حين تخلو» مع أنه يعلم وهم 
جميعاً يعلمون ألا أمل له في هذه الوظيفة إذ أن درجاته لا تؤهله . 
ولكنهم معذورون فالعمل عندهم مرتبط بالمصلحة؛ ومن المحال أن 
يستطيعوا هضم أن يعمل الإنسان لأجل متعة العمل نفسها. 

ولقد كان يعمل ويتفانى بلا كلمة تشجيع واحدة» وحتى وهو 
يدرك أن رئيسه النائب. ينسب معظم الأعمال أمام الأستاذ لنفسه. 
فماذا يهمه أن يعرف الأستاذ اجتهاده؟ إنه لم يكن يعمل ليرضيه بل 
ليرضي ذلك الشيء المركب فيه الذي لا يرضى أبداً! نفسه. 

بل بدلا من التشجيع كان بالضرورة يناله كم غير قليل من شتائم 
الأستاذ الدكتور أدهم أستاذ الجراحة. . وليس هذا رئيس القسم 


14۲ 





AVY 


فقط. إنه كبير أساتذة الجراحة في المستشفى كله. والجراح في 
المستشفى يحتل مكانة لا يحتلها زميله طبيب الأمراض الباطنية أو 
طبيب الأطفال مثلا. إنه له بجانب العلم مكانة دنبوية» فهو ليس 
عالماً فقط ولكنه عالم يزاول العلم أمامك. . وأمامك يحبي ويميت. 
ولأن المهنة هي التي تفرض الخلق والتصرف فعند الجراح أسهل 
الطرق البتر» وأي كلام ليس له فاعلية المشرط وحسمه هذر فارغ لا 
يقال» وما دامت إرادته هي نفسها الدواء فإحساسه بنفسه يتعاظم» 
وكلمته مهما تكن أمر واجب النفاذ, ولیس صدفة أنهم يسمول حجرة 
العمليات بمسرح العمليات» فالجراح في هذا المسرح هو الإرادة 
الكبرى والعقل المفكر. والحاضرون جميعا من بشر أو أجهزة أو 
عقاقير ليسوا سوى أدوات في يد تلك الإرادة تصنع بهم الشفاء. ولأن 
احساس الآخرين عند الجراح غير مهم, إذ المهنة تحتم عليه أن 
يلقي شعوره بإحساسهم إذ هو لو شعر أن جرحه يؤلم لارتعشت يده 
ولربما نفق مريضه» ولهذا هو أيضا لا يهتم برقع كلماته عند الآخرين 
حتى لو جاءت شتائم ولعنات. . فمسئوليته الخطيرة أن تنجح 
العملية› وملعون أية حركة أو خطأ يحول دون هذا النجاح . 

كانت شهرة الأستاذ أدهم إذن كرئيس لا يرحم تكاد تعادل شهرته 
كأستاذ جراحة ممتاز» ولأن أطباء الامتياز يحتلون أدنى مرتبة في سلم 
المستشفى الطبقي فنصيبهم من شتائمه ولكراته وافر» ومعاملته لهم 
الاحتجاج أو الذود عن كرامته فمعنى هذا نهايته» فهو لا يجر عداوته 


النداهسة 


Vey 





۹۷۸ 


أو غضب رئيس القسم فقط. ولكن الدكتور أدهم كان أيضاً كبيسر 
الأساتذة والقائم بعمل عميد الكلية ومستشار وزارة الصحة. 

ورغم كل ذلك» ومن فرط الحب والانتماء للجراحة وكأنها 
المبدأ أو العقيدة التي ظل يبحث عنهاء فقد راح ينظر للأستاذ أدهم 
باعتباره قائده لهذا المبدأ ووسيلته للوصول. وليس مثلها سعادة تلك 
التي يجد الإنسان مبدأه فيها وقد تجسد على هيئة قائد وعقل أكبر. 
وليكن الأستاذ أدهم شيطاناً مرعباً في نظر الآحرين» ولترتجف له 
الأوصال إذا حضر وحتى إذا غاب» ليكن! فقد وجد فيه الأستاذ 
الكبير والراعي والعالم» ويبدو أن الأستاذ أدهم هو الآخر قد وجد فيه 
نعم التلميذ فقد راحت شتائمه إليه تقل حتى انتهث وحتى أصبح 
يناديه باسمه الأول وفي هذا من التكريم ما لم يحلم به أحد» Jey‏ 
حياته كلها بإشارة منه لو أراد فلم يعد في الحياة شيء يجلب السعادة 
قدر أن يتلقى عبد الرءوف الأمرء أي أمرء وقدر أن يفني نفسه تماماً 
«od ars}‏ وقد أصبح رضا الأستاذ أدهم من رضا الضميرء من رضا 
الله » الله المتجسد بكل قواه وخيره وكماله . 


- ۳ 
ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما. 
ورواة الحواديت يقولون: كان فيه امرأة. . وكان فيه رجل. . 


ثم يحدث الحدث. . ويتساءلون: الحق على المرأة أو على 
الرجل؟ 


١5 





4v4 


ولكن لا الأقوال المقدسة» ولا الأساطير قد تعرضت بذكر 
للموقف الذي هو فيه» فهو الرجل صحيح, وانشراح المرأة. . ولكن 
الثهما هو الموت. 

وصحيح أنهما ينتظران bee‏ نهاية السيدة المسجاة أمامهماء 
وإلى OW‏ وكل منهما ينتظر Spell‏ بمفرده» فهي منكبة على ابر 
«التريكو» وهو منكب على خواطره وبينهما ما هو أكثر من الموث. . 
الحياة نفسها وكل ما سمعه أحدهما عن الآخر. وما سمعه عنها أشياء 
مرعبة لا تشجع laf‏ فلقد أخطأ أحد زملائه وهو يعمل معها في 
ظلام غرفة الأشعة مرة وحاول لمسهاء وانفتح فمها لتكتسح ظلام. 
الحجرة ومن بعدها ضجة قسم الأشعة كله وممرات المستشفى 
وعنابره» حتى ان المسكين لم يجرؤ على أن يرى وجهه لزملائه أى 
للعاملين بالمستشفى إلا بعد إجازة عشرة coll‏ وكان لا يزال وجهه 
محمرا بالخجل حين عاد منها . 


ولابد أنها هي الأخرى سمعت عن عبد الرءوف وعن انكبابه 
المجنون على العملء ذلك الذي كان. له تفسير واحد عند 
الممرضات والحكيمات والسسترات : أنه متكبرء وأنه وهو طبيب 
الامتياز المفعوص يتخلق بأخلاق الجراحين الكبار» وبالذات يصنح 
كما يصنع الأستاذ أدهم . ويضرب بالشلوت أحياناً. 

والحقيقة أن قولهم هذا لم يكن يخلو من الصحةء فقط لاحظ 


ع 


عبد الرءوف على نفسه أنه Lets‏ ما يعبس» وأنه لم يضبط مرة متلبسساً 


4 النداهسة 





۹۸۰ 


أركان المستشفى وما أكثرها من أركان. وإذا كان قد تعلم أن يعبس 
بوعي فما أكثر ما نضح إليه من خحصال الأستاذ أدهم بغير وعي منه» 
ودون أن يلحظ أصبح يبدأ الجمل من نهايتها كما يفعل أسثاذه» 
وتخرج كلماته الأولى همهمات صعبة التمييز» وبنفس طريقة أدهم 
يترك محدثه يتكلم ثم يفاجئه في منتصف كلامه بتحديقة فاحصة 
مخترقة من عينيه الواسعتين بحيث يرتج دائماً على المتحدث أو ينهار 
لوكان يكذب» حتى لازمة أدهم المعروفة: يا اسطى ! أصبحت لازمته. 
والغريب أنه قد بدأ يتكون له بهذه التصرفات نفسهاء ومهما 
قيل في أصلها ‏ مركز متميز بين زملائه أطباء الامتياز» وأوامره 
أصبحت تقابل باحترام لا يمت بصلة إلى هز الأكتاف الذي تقابل به 
أوامر الآخرين التي كثيراً ما تأخذ شكل الرجاء. ولكن السبب الأهم 
في الحقيقة هو تفانيه في العمل في وسط يتعبر فيه العمل ؤاجبا ثقيلا 
وا ولا هدف منه ae‏ لاف وما دامت مضمونة فما الداعي 


بضحكة أو كلمة هزل مع طبيبة أو حكيمة من التي تقال همساً في 


لوجع الرأس . 


وكان يومه الأكبر - حلمه الدائم طوال أيام الأسبوع هو يوم 
العمليات . 

OLS‏ يصحو له من الرابعة pases‏ ويحس بالسعادة الكبرى 
بكل عمل يقوم به لتجهيز المرضى للدخول إلى الغرفة المقدسة. ولا 


Ver 





4A\ 


وعلى إزالة شعورهم وعلى تجهيز أوراقهم وأشعاتهم. . ويكفيه شبح 
ابتسامة رضاء سريعة تلوح على وجه الأستاذ. كانت الانفعالة التي 
تحدث له في أعقاب هذه المكافأة التي ربما لا يلحظها أحد أروع 
عنده من كل الشهادات والوظائف والعلاوات. 

وكان اليوم يوم العمليات؛ وناهيك عن العمليات الصغيرة 
التي ستكون من نصيبه ونصيب زملائه؛ ly‏ سيقوم بها النائب 
والمدرس ومساعد الأستاذ. همه كله كان موجها لتلك الحالة النادرة 
التي جاءت إلى العيادة الخارجية منذ شهرين وأبدى الأستاذ اهتماماً 
خخاصاً بهاء فلقد زاول  SLAM‏ الجراحة حتى أصبحت العيادة 
الخاصة تدر عليه دحلا يكفيه مستمتعاً مدى الحياة. ولم يكن يأتي 
إلى المستشفى الحكومي الكبير إلا ليلتقط بين الحين والحينحالة 
تشبع مزاجه الخاص» كجراح أصبح لا يزاول الجراحة لشفاء 
الآخرين بقدر ما أصبح يزاولها لفن الجراحة نفسه» ليضيف إلى 
أمجاده فيها مجدأ clade‏ ويصل إلى أرقام قياسية لعدد مسا أجراه من 
عمليات. وحبذا لو استطاع أن يجري هنا في مصر عملية لم يسبقه 
إليها جراح آخر. ويتيه بعرض ما قام به في المؤتمرات» ويتلذذ وهو 
يقرؤها منشورة في مجلات الجراحة في أوربا وأمريكا. ولا أحد 
باستطاعته أن يستغرب هذا أو يلومه. . فقد وصل إلى مكانة أصبح 
فيها هو الجراحة» وما يقوم به ليس مجرد تطبيق وإنما هو تجارب 
يضيف بها إلى العلم وإلى تراث البشرء ولا ضرر أن يفعل هذا لمجد 
ذاتي cally‏ فما من فائدة للعلم أو للبشر إلا والدافع إليها متعة ذاتية . 





۹A۲ 


هذه السيدة بالذات ely‏ إلى العيادة بشكوى بسيطة › مجرد 
خدل في ساقيها واحساس بالتعب السريع إذا مشت طويلا. 


ويومها أزاح الأستاذ أدهم SLI!‏ وهويقوم بفحصهاء وني 
دقائق كان قد انتهى من فحصهاء وكعادته نطق بالتشخيص: ورم 
خبيث في العمود الفقري . . وعلى وجه الدقة سرطان في الغضروف 
مكانه بين الفقرة الرابعة والخامسة للبطن. كان من رأيه أن الاعتماد 
على الفحوص والمعمل فى التشخيص مسألة تحيل الجراح إلى آلة 
حاسبة » أما الجراح الحقيق فهو الذى بمجرد الفحص يشخص » 
وإذا لجأ إلى المعمل أو الأشعة فإنما ليتأكد فقط من تشخيصه 
وليكتسب الثقة بنفسه أكثر وأكثر. 

وهكذا أدخلت الحالة ليس لعلاجها أساساًء وإنما لإجراء 
الفحوص وليثبت بها الأستاذ أدهم لنفسه ولمجموعة الأطباء التي 
تعمل معه أنه كان على حق وأن رأيه أبداً لا يخيب. 

ولم تكن هذه أول حالة تدخل القسم لهذا السبب» فما أكثرها 
من حالات لا يتعجب أحد لإدخالها لمجرد البرهنة على صحة 
التشخيص! فالأستاذ أدهم لا يفعل في الحقيقة إلا أنه يزاول حق 
التميز. . ذلك الحق الذي يحلم جميع العاملين معه ‏ جميع الطلبة 
والخريجين - بالوصول إليه . 


ومكثت السيدة بالقسم شهرين وأجريت لها عشرات الاختبارات 
والتحليلات وصور الأشعة» ومع هذا ظل الورم الصغير الذي بالكاد 


\£A 





AY 


تلمسه الأصابع في قاع بطنها لغزاً لا حل له. ولم تكن قد بقيت إلا 
وسيلة واحد لحل اللغزء أن تجري لها عملية استكشاف فيفتح البطن 
ويفحص الورم ويصل الأستاذ في أمره إلى قرار. 


ae | 

في العاشرة كانت كل العمليات الصغرى قد انتهت» وفي وان 
كان المسرح الجراحي قد نظف تماماً وأعيد ترتيبه» وجيء بالسيدة 
مخدرة وحملت ووضغت فوق منضدة العمليات الرئيسية وسلطث 
على بطنها العاري أنوار الكشافات القوية» والكل في موقعه مستعد 
للبدء» بينما «سستر العمليات» الإيطالية تراجع للمرة الثالثة كالتلميذة 
قبل الامتحان كل ما تتطلبه العملية من أدوات» وكان الأستاذ يغتسل 
ويتعقم . | | 

في العاشرة وعشر دقائق كان رأس المشرط ينغرز قريباً من 
«السرة» محددا نقطة البداية » .ثم في خط مواز لمنتصف البطن تسحبه 
اليد الشهيرة التي أصبحت جزءاً من تاريخ الجراحة في مصر سحبتها 
السحرية» Jy‏ ومضة ينقض المساعدون بالملاقط يغلقون بها كل 
الأوعية الدموية الصغيرة التي تقطعت وبلا زمن يربطونها بالخيط 
الخاص»› والجرح قد أصبح نظيفاً بلا نقطة دم يكشف عن دهن ما 
تحت الجلد. 


ولايد أن لحظة رضاء قل مرت بالأستاذ وهو يستمئع بقيادته 


١‏ التدامة 





A۸4 


لهؤلاء الناس» فهو لم يعد بحاجة أن ينطق بكلمةء فقد تعلموا تماما 
أن يفهموه. . حتی والفكرة أو الأمر لا يزالان مشروعين في رأسه 
كانوا يستطيعون التقاطهما والشروع في تنفيذهما. 

حتی ارتدادة عينه من فوق القناع إلى طبيب التخدير ترمقه في 
هذه اللحظة بالذات. يفهمها الطبيب في الحال» ويمد يله إلى مفتاح 
الغاز في جهاز التخديرء وترتخي عضلات السيدة تنفيذا للأمر الذي 
تلقاه بنظرة العين. 

العاشرة والنصف : 

لا بد أن يده الآن تلمس الورم» ولا بد أنها بحركتها Vole‏ وعرضاً 
تتحسسه وتحدد حجمه وامتداده» ولقد ظل مساعدوه الأربعة - وعيد 
الرءرف لسعادته الكبرى ودوناً عن بقية زملائه يقوم بدور المساعد 
الرابع ‏ يكادون يكتمون الأنفاس استعداداً لكلمته التي سيصدر بها 
حکمه على الورم. وحین أفلتت شفتاه كلمة: غريبة! لم يجرؤ 
أحدهم حتى أن يسأل , 

وقبل أن يطلب الملقاط القاطع الذي يستخدم لأخذ العينات 
الحية» كانت يد السستر تضعه في يله المفتوحة. وحين تم dst‏ 
العينة كان على عبد الرءوف أن يطير بها إلى قسم «معمل الأمراض» 
لتفحص بالميكروسكوب ويصل الاخصائي إلى قرار بشأنها. وحينذاك 
فقط عرف الجميع أن الأستاذ لم يصل بعد إلى معرفة كنه الورم . 

وكالعادة لم doy‏ عبد الرءعوف الأخصائي في مكتبه . . كان قد 


١٠ 





۸0 


ذهب إلى الإدارة لأمر لعله المطالبة بتسوية حالته. وكان عبد الرءوف 
يستغيث رجاء في التليفون ولم يصل إلا بعد ربع ساعة» وأحذت 
عملية اعداد الشريحة واعداد الميكروسكوب والصباغة وضبط النور 
ربع ساعة أخرى. Lae‏ ستطير رقبته وبالذات حين قرأ في النهاية 
التقرير الذي كتبه الاخصائي بخط لا يقرأ وأدرك معه أنه لا يستطيع 
الجزم إن كان الورم bab‏ من العظم أو الغضروف أو أي نسيج آخرء 
وكذلك من الصعب تحديد إن كانت الخلايا خبيثة أو حميدة. . 
كارثة ! 

وظن أن خللا قد حدث في نظام الكون حين لم يقابل بكلمة 
لوم واحدة والوجوم الشديد موجود ولا شيء سواه فقط حين أمسك 
بالورقة قريباً من عيني الأستاذ وقرأ الأخير التقرير تفجر بركان الغضب 
وانهالت الشتائم بادئة بالمعيدين أجمعين. مارة بالجامعة والكلية 
وخراب الذمم والفساد والملعون الأخصائي . أما هو عبد الرءوف فقد 
نالته لكزة غليظة من كوع الأستاذ. 

وكان الغضب قد تسرب إلى الحاضرين جميعاً: وإلى الحجرة 
كلها بكل ما تحتویه يكاد جوها يرعد ويبرق والتوتر وصل إلى أقصى 
مداه. ولم يكن أحد يستطيع في وسط هذا كله أن ينطق بكلمة أو 
يشير برأي» وإنما التصرف كله والرأي والحل LY‏ أن ينطق به 
الأستاذ حتى وهو في هذه الحالة. . فهو لا يزال الإرادة العليا. وعليه 
كان المفروض أن تؤحذ عدة عينات أخرى ثم يغلن جرح البطن 
وتكون عملية الاستكشاف قد تمت بنجاح» فما دمت لا تعرف كنه 


1۵۱ النداشسة 





۹۸٦ 


الورم فمن غير المعقول أن تعبث به أو تمد يدك لاستئصاله مثلا . 

ولكنهم حتى قبل أن يصدر أوامره ‏ كانوا يعرفون أن من 
المحال أن ينكص وأن GES‏ من الغنيمة بقفل الجرح. وهكذا حين 
كظم غيظه لحظة ومن بين شفتيه المطبقتين صدرت الغمغمة المعتادة 
تقول : 

- إيه رأيكم؟ الفتحة واتفتحت› والورم مش كبير وشيله مسألة 
سهلة . 

لم ينطق أحد كالعادة ولا هو انتظر أن ينطق أحد. . واصل 
كلامه بحماس مفاجىء: 

شوف النبض كام؟ وضغط الدم؟ والتنفس؟. . ممكن بنج 
ساعة كمان؟ جهزوا نقل الدم وعقموا الآلات الريادة. : بسرعة , 

بأسرع سرعة تفرق الجمع الملتف حول المريضة الراقدة بلا 
حول» وتلاحقت سلسلة الأوامر تبعثرهم في كل اتجاه؛ بينما 
باشمئئاط خلع الأستاذ أدهم قفازه وطلب سجائره وولاعته وانتحى 
ركناً قريباً من غرفة الاغتسال» ومضى في حجرة العمليات يدخن» 
والسستر الطليانية ترقبه بغضب لا يراه . 

وفي هرج ومرج عقمت الآلات بسرعة وبطريقة بدائية ob‏ صبوا 
عليها الكحول وأشعلوا النار» وجلبت أسطوانة أوكسيجين لم يتمكن 
أحد من فتحها فدفعها الأستاذ بساقه دفعة أسقطتها وأحدث سقوطها 
kyo‏ كالقنبلة. . وجيء بأخرى. أما الدم فقد اكتشفوا أن فصيلة دمها 


1١ 





من كل مجموعة. . وأخيرا ركبت الزجاجة في الحامل» ولكن قبل أن 
تتسرب منها نقطة واحدة إلى وريد المريضة كان الأستاذ أدهم قد عيل 
صبرة » وكان قد أمسك بالملقط والمشرط بينما مساعدوه BH‏ وقد 
أخرج منهم عيد الرءوف ‏ يفتحون له الجرح ويزريحون أعضاء البطن 
ومصارينه بالمزيحات المعدئية» كاشفين الورم بقدر ما يستطيعون. 


كانت العملية الكبرى» عملية الاستئصال قد بدأت. 


وعلى مجال رؤية تقريبي بدأ الأستاذ يستأصل الجزء الأعلى 
من الورم» وبالمشرط والملقط يفصله عن العامود الفقري من الخلف 
والغشاء؛ البريتوني والكلية والطحال من أمام» وبدا أن كل شيء رغم 
كل ما حدث يسير على ما يرام » والصمت يخيم والرقاب مشرئية علها 
تلمح الورم أو تستطيع بطريقة ما أن تلقي نظرة على البقعة التي تعمل 
فيها المشرط والملقط . 


وفجأة تفجر من فتحة البطن عامود دموي cole‏ وارتطم الم 
Heal‏ بزجاج المصباح الكشاف. . عامود مفاجىء غير متوقع أبداً 
شحبت له الوجوه جميعاً فهو يعني أن شرياناً فد انقطع وفي تلك 
المنطقة التي كانت تدور فيها عملية التشريح لم يكن ثمة شريان آخر 
غير أضخم شرابين الجسم . . الأورطي . أتكون قد حدثت الكارثة» 
كارثة أبشع من قطع شريان الرقبة » أيكون الأورطي قد قطع؟ 


e‏ النداهة 





۹۸۸ 
هس‎ O nn 


حين أوغل بعد الظهر في تقدمه» وراقب قفزات عقرب الدقائق 
حتى ملها وأصبحت الساعة تقترب من الخامسة وقد مضت أكثر من 
ساعتين على العملية الكبرىء بدلا من الغيظ انتابته فجأة موجة 
استخفاف. أحس بلا مقدمات أن القداسة تذهب عن كل شيء في 
محرابه المقدس» وأن حجرة العمليات تتعرى عن ذلك الغموض 
المعقم الساحر الذي كان يصبغ كل شيء فيها. بل وزحف استخفافه 
ليشمل ذلك الشىء السخيف تماما. . المضحك جدا. . الموث. . 
الذي ربما يبدو Lit‏ رهيباً حين نسمعه كخبر ابن لحظته» وندرك 
في ومضة أن فلاناً الحي قد مات وانتهى . أما حين يصبح الموت 
حدثاً يدور أمامك» ويمثله وتنتظر أن ينتهي فلا تبدو له نهاية» حين 
يصبح لحظة تتكرر ودائمة التكرر» تذهب رهبته تماماً وتصبح Lent‏ 
كالحياة التي لا معنى لهاء وأقصى ما تشعر به حينذاك أن تحس 
بالملل. ولا بد أن ذلك الملل هو الذي دفعه للاستخفاف. ليدفعه 
الاستخفاف أن يقرر رغم أي اعتبار آخر ‏ أن يحادث «انشراح» . 

- سمعت ol‏ نكتة؟ 

توقفت أصابعها المكوكية وحدقت تجاه عبد الرءوف وجحظت 
عيناها قليلاء ثم حين رأته يعني ما يقول جحظت عيناها أكثر. 

- سمعتيها؟ 

- هي al‏ يا دكتور؟ 


١ 





4A4 


عجيب صورتهاء أول مرة يسمعه وإن كان كثيراً ما سمع عنه» 
هادىء ومؤدب . , أم هو تمثيل وتأدب؟ 

النكتة . ol‏ نكتة. 

حركت تحديقها في وجهه ورمقت السيدة المسجاة» ثم أرخت 
عيئيها وقالت بصوت منخفض : 

- حرام يا دكتور! حرام! ده وقت نكت؟ 

- أمالوقت تريكو؟ 

واغمق وجهها القمحي الشاب خجلا وكفت أصابعها عن 
الحركة في الحال» وجمعت الكرة والنسيج والإبر في يد أسقطتها 
بجانبهاء ثم بعد ثبات في مكانها برهة انسلت قائمة متحركة ببطء 
ناحية النافذة العريضة ذات الزجاج المصنفر» وفتحت ضلفة منها 
وأطلت برأسهاء ثم ما لبشت أن ارتكزت بذقنها على يدها. اعتقد أنها 
تفعل هذا خجلاً فى حين أنها ‏ كما أخبرته بعد هذا كانت تحاول 
أن تكتم عنه نوبة الضحك الشديدة التي انتابتها. 

ولكنه لحظتها» وبوقوفها ومشيتها وارتکازهاء تحول انتباهه إلى 
الشيء الوحيد الذي غاب عن عينيه طيلة الوقت: انشراح الأنش . 
الآن وجهها مختف وجسدها الخلفي بكامله أمام عينيه. وبمشل ما 
يرى الإنسان أول ما يرى وجه المرأة من أمام» تسقط عيئاه أول ما 
تسقط حين يراها من الخلف على ساقيها. . وجهها الخلفي . وجه 
نادر الجمال. . نادر أن تلتف الساق بلا ترهل أو نحافة» وتتسق مع 
الوسط والأرداف والكتفين. 


هه ١‏ الندامة 





44. 


كيف استطاعت حواري شبرا المختلفة بازدحامها أن تنبت هذا 
الجسد السمهري المتسق الفارع؟ 

أيكون تنمرها وتوحشها علامات أنوثة يسيء الرجال فهمها؟ 

وأي طراز من الرجال يا ترى تفضل؟ مهما كان طرازها 
فبالتاكيد لا يمكن أن ترى alte‏ في الشاب النحيف الطويل ذي الشعر 
الأصفر والعينين الملونتين الذي وإن كان يعجب أغلب الہنات 
والسيدات ‏ ولكنها هي بالتأكيد مختلفة» ومزاجها مختلف. 

أيحاول بلا مقدمات أن يجس النبضص؟ 

أم يحترم نفسه كما ظل يحترمها ويقنع بالسكوت؟ 


ag 
الدم المندفع المفاجىء معناه غلطة. . وغلطة لا يرتكبها طبيب‎ 
امتياز أو حتى طالب طب» فكيف ومرتكبها هو كبير أسائذة الجراحة؟‎ 
يحدث. ولأنها‎ LY غير عادي‎ Let وأن‎ Ln كان واضحاً أن هناك‎ 
ليست على ما يبدو غلطة» ولأنه حقاً كبير أساتذة الجراحة» فلم‎ 
يستغرق الانفجار سوى ومضة . إذ في ومضة كانت يده قد امتتدت‎ 
وانتزعت قطعة كبيرة من الشاش المطبق» وبدقة شديد كتم بها مصدر‎ 
عن التسرب تماماً.‎ pall الانفجار وكف‎ 


وصحيح أنه لم يقل في لحظتها السبب» ولا أحد استطاع 
التخمين» ولكن لم يكن من الممكن أن يستمر الغموض طويلاء فقد 





۹۹۱ 


اتضح أن الورم قد أحاط بالأورطي وابتلعه داخله» وأنه في محاولته 
فصل الورم جرح الأورطي . 


والتفت إليهم بعل لحظة هلدوء» وقد wale‏ شخصية الأستاذ 
الكبير تسيطر: 


الجراح الناجح هو اللي ما تهزوش أي مفاجأة تحصل حتى 
لو انجرح الأورطي . الجراحة أعصاب» واللي ما عندوش أعصاب 
يدور له على شغلة تانية يا أسطوات. المسألة حلها بسيط زي ما 
شفتم . . وقفنا النزيف» بعد كذه نخيط الجرح . 


ولرأب الجرح الذي حدث للوعاء الدموي الكبير فلابد من 
إحاطته بغرز يضمها حيط واحد تجذب طرفيه وتعقده فتتعلق الفتحة 

ولفد تولى الأستاذ المساعد مهمة كتم الجرح ريثما ينتهى 
الأستاذ من إحاطته بالغرز بإبر خاصة» وبخيط خاص. ولكنه ما كاد 
يجذب طرفي الخيط ليعلق الفتحة حتى تفتت الجدار من حول 
الجرح وتفجر الدم في نافورة غزيرة مروعة. هله المرة كانت قد 
اتضحت الحقيقة المرة. . جدار الأورطي قد تهرأ حين ابتلعه الورم 
ولم يعد يحتمل غرزة» وقد حاول ربطه كلية وإذا به ينقطع تماماً 
ويتفجر بحر من الدماء اندفع هذه المرة في كل اتجاه يغرق أنحاء الغرفة 
وبلطخ الوجوه ويملا العيون ويعمي لابسي النظارات ويحيل الأقنعة 


ey‏ النداهسة 





۹4۲ 


البيضاء إلى حمراء قانية. دم كثير وكأن عشرة رجال يدزفون Lae‏ 
تعجب كيف أن مصدره الوحيد هو هذه السيدة النحيلة الغائبة عن 
الوعي . 

وكما أصاب الدم الموجود فسوى بين ملامحهما تكفلت 
الفوضى والارتباك بإحالة الحجرة إلى مكان انتهى منه النظام تماماً. . 
مليء بالصرخات العصبية والتخبط والجري في كل اتجاه والتعثر في 
كل خطوةء تلمع الكلمات كالشهب بلا صدى. . نقل الدم؛ رباط 
ضاغط» ضاغط» يا ابن الكلب» يا بهايم» امسحوا الدم اللي في 
عيني » يا غجر امسحوا الدم. 


وامتدت كل يد تستطيع الامتداد إلى بطن المريضة وليذهب 
التعقيم إلى الجحيم. وأخيراً وبلفة قطن بالغة الضخامة وتحت ضغط 
ثماني أيد أمكن سد فيضان البحر المكتسح سداً مؤقتاًء فالنزيف كان 
لا يزال مستمراً وبمعدل أسرع من زجاجات نقل الدم الأربع المفتوحة 
صماماتها إلى أخرهاء والجميع وقد أطار عقولهم ما حدث لا يرجون 
إلا فرصة واحدة ‏ ثانية ‏ لالتقاط الأنفاس . 

وحين جاءت الفرصة وأحكم الضغط على الأورطي تماما 
بحيث كفت الدماء عن التسرب» كان الخاطر الذي هبط بثقله على 
الجميع هو أن السيدة قد حكم عليها هكذا ‏ بالموت؛ وأن العملية 
التي بدأت لعبة واستكشافاً قد انقلبت إلى مأساة؛ وأن لاحل . 

أظن ما فيش فايدة . 


١6 





aay 


قالها الأستاذ المساعد باستسلام : 
والمفاجأة كانت حين ارتفع صوت الأستاذ : 


- ما فيش فايدة إزاي؟ الكلام ده يحصل مع واحد تانې غير 
أدهم شفيق. مش أدهم شفيق اللي تموت مله عملية. . الأورطي 
انقطع حا نشيله كله ونشيل الورم كمان ونحط بداله وصلة من شريان 
الفخذ. اطلبوا كل الدم اللي في المستشفى وهاتوا اللي في الاسعاف 
السريع كمان. «تيريزا» إبر خياطة الشرايين وحرير ثلاثة زيرو وشغلوا 
الشفاط وامسحوا الدم ده كله. . ولا نقطة أشوفها. 

كانت أوامر كهذه تهبط عليهم Lats‏ وكأنها أوامر السماء! 
تفكيرهم الوحيد هو كيف ينفذونها وبأكمل وجه كأنه كان يخاطب 
خشباً مسندة هذه المرة. صحيح أنهم تفرقوا يجهزون ما أمر به 
ولكنهم كانوا كأنهم فقدوا الإيمان بما يقول. 

ولقد تم كل شيء كما أراد. وربط الأورطي بعيداً عن أجزائه 
المتهرئة» واستؤصل الباقي مع الورم» وامتد الجرح إلى الفخذ 
واقتطعت من شريانه أوسع قطعة وصل بها الأورطي» ودار كل هذا 
ولا أحد يكاد يصدق أنه يدور فكأنه يحدث في منطقة وراء العقلء أو 
انقلبت الحجرة بهم إلى فندق تحول فيه الواقع إلى كابوس» 
والأشخاص والأشياء إلى رموزء والجو ملبد مشحون. 

وكان الجميع ‏ وربما بما فيهم الأستاذ نفسه ‏ يتوقعون أن تنتهي 
السيدة قبل أن تنتهي العملية» ولكن أغرب شيء أنها رغم كل ما 





نزفت وضاع من الدماءء رغم ضغط دمها الذي كان كالبندول يتأرجح 
ويقترب عشرات المرات من منطقة العدم» والقلب الذي كان ينبض 
ثم يكاد يكف ليعود ينبض» رغم كل هذا لم تمت مع إدراكهم جميعاً 
والعلم معهم أنها LY‏ أن تموت. إلا أنها ‏ وكأنما سخرية بهم - لم 
تمت. ولعل هذا هو الذي شجع الأستاذ في الثالثة» وبعد العملية 
التي استغرقت حمس ساعات طوال أن يقول: 

- اللي عليّ عملته» وما كانش يخرج من إيد أي جراح في 
العالم أنه يعمل أكثر م اللي عملته. إنما حنعمل إيه بقى لوزارة 
الصحة؟ . 

فالمستشفى في رأيه خال من الخيوط الحريرية ذات السمك 
المضبوط» والإبر أصغر مما يجب» وغرفة العمليات ليس بها أجهزة 
تكييف هواء تساعد على هدوء الأعصاب. 

- واهو كده أو كده كان الورم حايموتهاء يبقى العلم اللي 
كسب. فمصر كسبت عملية عمرها ما اتعملت» وعملية ناجحة 
قدامكم أهه. والست لسه عايشة أهه. ولو كانت الإبر مضبوطة 
والخيط مضبوط كانث تعيش عشرين سنة كمان. . إنما حظها كله. 


+ % د 
والحقيقة أن لا الإبر ولا الخيوط ولا أجهزةالتكييف هي 
السبب» والسيدة ما زالت لم تمث ‏ هذا صحیح ۔ ولکن الدم یسرب 





440 


من مكان الوصلة وبكميات ضخمة» فليس هكذا توصل الشرايين 
بالشرايين» فالطريقة خاطئة والفكرة من أولها خاطئة. والخطأ ممتد 
وبادىء من اللحظة التي قرر فيها أن يحيل عملية الاستكشاف إلى 
عملية استئصال كبرى» بل الخطأ ‏ هكذا يدرك عبد الرءوف 
الآن يمتد إلى أبعد» إلى ذلك اليوم الذي أصبحت الجراحة عند 
أستاذه تزاول من أجل cdot pal‏ وأصبحت العمليات وأصحابها وهم 
غالباً من الفقراء الذين بلا حول» ميداناً لإثبات القدرة والأستاذية . 


aVe 


الشيء الذي لم بعمل له حسابا قط هو الذي يحتل عقله الآنتماماً. 
ليست هذه هي المرة الأولى التي یری فيها ميت يحتضر أو يسمع ذلك 
الشخير المتصل . . ولكنها الأولى التي يعايش الموت فيها ليست 
معايشة متفرج» ولكنها معايشة متأمل مترقب ليرى متى وكيف تكون 
النهاية» أو بالأصح نهاية النهاية؟ وكلما تأمل وترقب وانتظر أحس أنه 
يغوص AST‏ وأكثر في التجربة» حتى بدا لساري يعاني نزعات 
الموت. ولكن حب الاستطلاع يعود يجذبه ويعود يعيش المشهد بكل 
خلجاته ليرى كيف بالضبط يموت الناس . وإذا كان المشاهد في 
المسرح أو السينما وهو يعرف أن ما يراه خيالاً في خيال ينتفض 
انفعالا في انتظار النهاية» فما بالك والمشهد هنا حقيقي والموت فيه 


النداهة 


ا5١‎ 





444 


حقيقي؟ واسم النهاية معروف» ولكن طريقة حدوثها شيء لا يمكن 
أن يعرف أحد كيف تحدث . أنت هنا لا تضطرب بين اليأس والأمل! 
إنك تحفر بتفكيرك وترقبك في أعمال اليأس لتصل إلى منتهاهء 
وكأنك تتوقع أن تموت هذه السيدة الطيبة التي أسلمتهم نفسها بثقة 
فيهم وفي عملهم ما بعدها ثقة بطريقة لم يسبقها إليها أحد» ما دامت 
قد اجتازت هذه العملية الكبرى وعاشت بعدها وبطريقة لم يسبقها 
إليها أحد 


ولم يدرك أنه الآخر قد بدأت تنهد فيه أشياء وتموت مشل 
الجسد الواهي المسجى أمامه إلا متأخراً. هذا الشهيق المتباعد يبدأ 
ببطء ويصل إلى منتهاه ببطء ليندفع بعده الزفير فجأة مرة واحدة. هذا 
التنفس الغريب الذي يسبق الوفاة والذي طال أمده وامتد وانتظم حتى 
أصبح cals‏ وانقلب من دليل مؤكد على الموت القادم إلى us‏ 
منتظم . . ليس نبض الحياة وإنما نبض الموت ودقاته تهوي كل نبضة 
منه كالمطرقة الخرافية البشعة تهد وتسحق الجسد غير الواعي . ولكن 
الأهم أنها أصبحت تهوي عليه نفسه» وعلى مراكز الحياة فيه فتتهدم 
وتهوي وتتساقطة حتى أصبح وكأنما كلما أمعن في انتظار لحظة 
النهاية اقشعر بدنه. مسخافة أن تأتي معها بنهايته هو الآخر. 


Ls,‏ الذي أطبقت عليه المصيدة مضى بكل ما يملك من 
قدرة على الهرب يستنجد بالخيال. . وبأحداث اليوم . . و«بانشراح» 





۹4۷ 


وجسدها الفائر. ولكن الذكريات والخيالات وحتى الحقائق نفسها 
كانت تهرب منه وتفر من حضرة أخلد حقيقة عرفها 
الإنسان ‏ الموت ‏ أقوى الحقائق كلهاء الأقوى حتى من حقيقة أنك 
جي 

وكالاستغاثة الأخيرة ترك مقعده واتجه إلى حيث تجلس 
«انشراح» ووضع يده على كتفهاء ليجد أن جسدها هو الآخر يرتعش 
وكأنها هي الأخرى قد بدأت تحتضر. 

ضمها عساها أن تكف عن الارتجاف فإذا به يبدأ هو الآخر 
يرتعش» ويمد يله يتناول يدها فإذا بها باردة. . ميتة بغير شك. 
برودتها أبداً ليست من صنع الجسد وإنما هي وافدة من مكان بعيد 
سحيق» نفس المكان الذي يقبل منه الموت! تضغط على يده» 
وبكلتا يديه يعتصر clay‏ وتنتقل برودتها إليه وبرودته إليها. . فالسيدة 
كان رأسها قد بدأ يتململ» وشخيرها يضطرب» وأجفانها مرة 
. واحدة ‏ تفتحت إلى آخرها ويرزت من خلفها عينان واسعتان محدقتان 
بلا نظرات. كان واضحاً أن شيئاً مهولاً بقترب» اما النهاية التي 
انتظراها حتى أوغل الليل في تقدمه, واما المعجزة. . وكلاهما 
مرعب مخيفٍ. فالموت حولهما وني كل مکان» وهو لا يمكن أن 
يتراجع !. فإذا لم تمت هي فلا بد أن سيكون الموت من نصيبهما. 

الموت الكثيف الذي تضبب له جو الحجرة وثقل هواؤها 
وأصبح الور .كالخيوط المنعزلة المخنوقة. . 





۹4۸ 


ماذا بالضبط بدأ وفي قوة عارمة يتسدفق في جسديهما؟ . . أبداً 
ليس خخاطراًء ولا انفعالاء ولا احساساً ولده الخارج أو اندفع من 
الداخل. وحتى ليس دفقة الحياة الأخيرة حين ينتاب الإنسان ذلك 
النوع الوحيد من الرعب الذي لا يحسه المرء إلا مرة واحدة في 
عمره» الرعب من الموت. الذي يصل إلى درجة أن يميت هو إذا 
غاب الموت أو اختفى سببه . 

ليس جنوناً أيضاً أو فقدان سيطرة . 

الحقيقة ليس شيئاً أبداً قاباد. للإحضاع والمناقشة والتفسير. 

والعجيب أنه كان يحدث لهما معاً وفي نفس اللحظة؛ كالآلتين 
تعزفان نفس النغمة» أو كأنهما أصبحا جسداً واحداً وكائئاً متكاملا. 

اشند التصاقهما حتى وقفاء وتراجعا إلى حافة: المنضدة حيث 
اقترباء وتفتحت أذرع أربع لتضم الجسدين . 

وكأنما هو مسوق بها وهي مسوقة به وكلاهما مسوق بقوة أكبر» 
دفعا معأ «التروللي» المجهز لتحمل عليه السيدة بعد وفاتها ووضعاه 
حتى أصبح امتداداً لمنضدة العمليات؛ وبدا ألا قوة على سطح 
الأرض تستطيع منعهما. buy‏ خلعا ملابسهماء وبمساعدته صعدت 
فوق «التروللى» وصعد هو الآخرء والسيدة كفت عن التلفت 
والتحديق tally‏ عيناها لا تزالان متسعتين أيضاً وبلا 
نظرات ‏ على الجسدين العاريين تماماً أمامها. 


وغير مهم إن كانت ترى أو لا ترى. . المهم أنها استمرت 


ل 





444 


تحدق حتى حين عاد إليها نبض الموت وعادت تتنفس شخيراً منقطعاً 

والتهب جسده وأحس بها بين ذراعيه تلتهب وكأنهما 
محمومان» وضمها بشدة» واستماتت هي متعلقة به وكأنما wal‏ ساق 
وذراع . 

ومضى هو يرد على تحديق العينين المثبتتين عليهما بتحديق 
كأنما يدفع به الموت المنصب من عينيهاء وبتحديق هائف يقول له 
للموت: لا. . إلى اللحظة التي بدأ فيها وكأن نبض الحياة قد اتحد 
بنبض الموت» وأصبح للكائنات الموجودة بالحجرة ‏ ميتة وحية 
ومترددة بين الموت والحياة ‏ نبض واحد متسق لا نشاز فيه . 


وقبل أن يفقد وعيه بوجودها أحس أن السيدة لابد قد استردت 
وعيها للحظة» فقد بدا من نظراتها أنهاء لأول مرة تراهما رأي العين 
وتدرك Labs‏ ما يدور. . وأنها ما كادث تسترد الوعى حتى انتهى . 
ولكن اللحظة كانت كافية لتصنع ملامحها شيئاً كالابتسامة. . ابتسامة 
مندهشة قليلا كابتسامة طفل فتح عيناه لأول مرة على الحياة فيدهشه ما 
Sy‏ 


وما كاد يستعيد الوعي ويعود يحدق في السييدة حتى وجد أن 
كل شيء لا يزال كما تركهء وابتسامة الدهشة القليلة لا تزال قائمة 
وموجودة» والعينان أيضا مفتوحتان على آخرهما بأوسع اتساع . شيء 


النداهة 





واحد فقط هو الذي غاب. . نبض الموت. إذ قد انتهى الشخير 
والشهيق والزفير والتنفس . 
N %‏ * 

als,‏ أيضاً للحظة قد توحد كل ce gd‏ واشتبكت اغماءة النهاية 
باغماءة البدايةء أول البداية ونهاية النهاية. . لحظة خروج الحي من 
الميت والميت من الحي» لحظة كأنما أبت السيدة الطيبة إلا أن 
تحتشد oly‏ ما تملك تسجل بشبكتيها للمشهد صورة. . صورة تبقى 
في عينيها وتخلد إلى الأبد. 


wi 


Converted by Tiff Combine - (no stamps are applied by registered version 





النداهفة 


os 


sC 


۹ 


ستور . . 


Converted by Tiff Combine 








yey 


المربع الأول 


الظهر. . ظهرها كله أصبح مربعات كبيرة محمرة داخلها 
مربعات أصغرء فيها ألم . بالراحة. . بالعقل.'. بالحنية. . أبداً أبداً 
ليس هكذا أرادت أو تريد, لا بد أن تهتف صسارخة دافعة إياه بكل 
غلظة : 


حاسب. . اوعى . . اوعى ! 
مفاجأة لم تكن متوقعة! المفروض أن يتحول إلى وحش. . 

إلى كائن مرعب يخضعها. ولكن على نصف جانب. . وثنيية رجل 
ويد شبه مرفوعة في الهواء حيرى ماذا تفعل؟ سكن . العيون. . عيناه 
مفتوحتان في دهشة. والملامح تنطق بشعور طفل أذنب رغم أنفه 
ويريد البراءة. ماذا حدث؟ سألها Lathe‏ أن يقترب أو يلمسها. لم 
تجب. . ماذا تقول؟ كيف تجعله يفهم أشياء هي نفسها وإن كانت 
تحسها لكنها لا تعرف كيف تصوغها كلمات Batons‏ مفهومة . أهذا 
وقت التراجع والعدول النهائي؟ كيف؟ وما تصورته الأفظع والأبشع 
والمستحيل قل تم . . ٠‏ 


۱۹4 النداهمة 





Veg 


أحسست في قمة الغضب التعس بيده تقترب كقطة متلصصة 
تعرف أن ما تريده ليس من حقها. دفعت اليد جانباً بقوة وقسوة لم 
تردها cht‏ ولا تتخصها. . لكأنها قسوة امرأة أخرى داخلهاء امرأة لا 
تعرفها . 

صمت . 
واقع . 

Hest acs 

اخئفت من خلاله وفي كثافتنه حشرجات السوق والشارع 
وصراع الأطفال العابث اللاعب» وأزيز الدنيا. 

أتعاقبها السيدة زينب؟ 

افشعرت . 

أتفقد العقل؟ أتصرخ؟ أتجري شبه هاربة هكذا وتقول لكل 
الناس of LET‏ فلان البيه وفلان المدير ومع هذا تفعل ما هي الآن 
تفعله؟ 

أتقتل نفسها؟ 

وذاب عقلها في ضياع . وقبل أن تفكر في أي شيء thay ped‏ 
بحدفة Lyne‏ فقط. ودون أن تتحرك كرة العين في المحجر ربع 
it‏ 23 اهت Wada‏ ناما تام 





|١٠١6 


بلا صوت,. أو اعتصار لذاته, أو احتشاد. أو حتى تغيبسر 
لوضعه» كانت جفونه مسبلة ومن بينها ينساقط دمع بطيء تلمع آثاره 
على الوجنة» وبقيته تتوالى نقطة عزيزة بعدها نقطة. 

من جديد ‏ وكالإعصار ‏ تحرك ذلك الاحساس الطاغي الذي 
ينسيها أي شيء إلا أن تنتفض هالعة مقبلة عليه محيطة إياه بذراعين 
bali‏ بالحئان» وبقبلات منهمرة مذعورة تركزت فيها كل قدراتها 
على الفعل ودفع الشر تغمره وتغسل وجنتيه وتلعق أجفانه. ولفرط 
رغبتها تستعذب طعم الدموع . 

لقد انتهت! فليكن أجرم فليجرم! فليكن الثمن حياتها نفسها 
فلن يبكي مرة أخرى. انها المقادير. . مقاديرها وحظها رتبت كل 
شيء. الازدحام عند باب السيدة زينب» والدفعة التي جاءتها فجأة 
من الخلف وفي نفس اللحظة التي كانت ساقها لا تزال لم تصل بعد 
إلى الأرض. واعتقدت تماماً أنها ساقطة لا محالةء وأصبح رجاؤها 
كله ألا برتطم رأسها بالبلاط المربع الكبير. ولكنه الترئيب 
المحكم. . وبالضبط وهي تهوي وقد سلمت بالكارثة المحققةء 
تأتيها اليد وكأن ليس لها صاحب» يد من السماء ربما توقف لولا 
سقوطهاء وحين تفقد التوازن كنتيجة لهذا تأتيها الذراع قوية مشمرة 
تلتف حولهاء ولومضة. . لومضة سريعة تشعرهاء ربما منذ زمن بعيد 
حتى قبل أن يموت زوجهاء أنها في أمان كامل. . ذلك الأمان. 

لم تسقط ولم يكسر لها ساق أو قدم . 

ولكن السيدة ‏ آم هاشم وأم العواجز- على حق. أنا محقوقة 


1۷1 النداهة 





لك يا سيدة حقك te‏ الشنطة! ها هي اليد الأخرى تقدمها. وحين 
ذاك فقط تبدأ تدرك أن يده الأولى لا تزال تحيطها وتحتضنها. ومع 
الشكر والتراجع وارتباك الإفاقة من مصير محتوم.. ماذا قال؟ لا 
تعرف. في النهاية نظرت في cages‏ والمفاجأة. . أنها كانت طوال 
الوقت تخاطب وتعامل وتشكر ey‏ ولكن هذا. . إنه. . إنه بالكاد 


له شارب . 
بتعيط ليه؟ أنا عملت حاجة؟ آنا زعلتك؟ 
- زقتيني . 
- ودي تزعل؟ 


- أيوه بقوة وكره. انتي بتكرهيني . انتي عايزة أفندي Wy‏ بيه 
غني ومعتبر. وأنا فقير والفقير عندكم ما عندوش احساس . 

وتفجرت رغما are‏ أو ربما برضاه» دمعة. 

واحتضتته . 

إنه لا يفهم . 

مستحيل أن يفهم . 

كيف يفهم؟ 

بأي قوة تستطيع أن تطلعه على ذلك الشعور الذي لا يقاوم 
والذي جعلها تنسى أي شيء إلا أنها وجدتهء aly‏ في تلك اللحظة 
بالذات أعز عليها من الدنيا بما عليها. 

أعمل إيه علشان تصدقني؟ 


\VY 





{eo 


ما تزقنيش . 

- بس آنا يا ul‏ زي أمك. 

- أمي مانت من عشر سنين. أنا زي ما أنت شايفة ينيم . 

واخحتنق حلقه بدموع تريد التحول إلى كلمات» وكلمات تصدر 
عن احساس في نفسه. . احساس كبير كالقصر المهجور الذي دبت 
فيه الحياة فجأة. في نفس اللحظة التي أحاطها بذراعه وأحس 
بجسدهاء وإن لم يكن سميئا رجراجاً إلا أنه «هوانمي» طري» ناعم 
حتى من خلال ملابسها الكثيرة الحريرية السوداء. كان ممكناً أن 
يتقبل الشكر ويمضي ولكنه توقف. . تلكأ. . تمنى لثانية أن تحتاج 
إليه, 

والخطوة ASW‏ لم يرتبها القدر.. صحيح أن قدمها التوت»› 
ولكن كان باستطاعتها احتمال الألم الخفيف والسير بمفردها. 

لماذا إذن ‏ حين حاولت الخطو- بالغت في التألم والعرج؟ 

أتكون قد لاحظت أنه (6G‏ وأنه يا للغرابة يبدو أنه يحتاج منها 
' أن تحتاج إليه؟ 

دون كلمة عرض أو إيماءة قبول كان بجوارها. . ويده تحت 
ابطها. , بكل ما يستطيع من رقة يساعد في حمل الجسد» رقة حنون 
افتفدتها من زمن» رقة حئون كرقة الأبداء الأطفال قبل أن يصبحوا 
رجالا وينقلوا رقتهم تلك إلى حبيباتهم وزوجاتهم . 

كان مفروضاً أن يتوقف موكبها لدى أول محطة ترام أو أوتوبيس 


vite‏ النداهة 





أو عند أول تاكسي ولكن الموكب استمر. لم تطلب.. لم يسأل. . بل 
ولا حديث إلا بين الحين والحين: تعبتك؟ فتجيئها إجابته مستنكرة . 
مغرقة في الاستنكار لدى كل مرة تالية : 


أعمل إيه عشان أقنعك إني بأعزك قوي؟ 


ما ترقيش . 


إنها دائماً تعود إلى موضع الألم. ولكن الطريقة التي تنطق بها 
كلمة أمك كأنما تعنيها ولا تريده أن يصدقها. لقد حرمته أمه بموتها 
من نفسها ومن النساء. هذه «الست» تعيد إليه كل شيء مرة واحدة 
وكأنه في حلم . إنه يكتشف OV‏ فقط أنه Ole ger‏ محروم «ile‏ يكاد 
يجن وهو يحس بها ترتكز على يده ارتكازة جسد أليف محب. لو 
تكون محرومة من الخلفة وتتبناه وكل يوم ترتكز عليه بهذه الألفة! 
ولكن ذراعه بدأت وكأنما تحيا حياة أخرى بعيدة عن كل أفكاره! 
فالجسد الذي تحتويه بدا من فرط ما فيه كالزبدة يسيح. ذراعه 
الممزقة عنها «الأوفرول» في أجزاء» تشركه رغماً عنه» وتنقل له من 
خلال ملابس غالية ‏ وإن كانت أكثر مما يحتمل الجو ذلك 
الاحساس» ونعومة جسد الام تفقد كل صفاتها. الأخرى ولا يبقى فيها 
سوى تلك الرجرجة الشحمية المرتاحة. . رجرجة الستات 
المرتاحات.. رجرجة تبقي السيدة أنثى ولو وصلت إلى الستين» 
ولكنها لا يبدو أنها وصلت أبداً إلى الخمسين. . بل إن ما فيها من 


AVE 





۰۹ 


أنوثة أكثر بكثير من زوجة جارهم سائق التاكسي التي تبدو بعد عامها 
السابع من الزواج وكأنما جف فيها كل ما يمت إلى النساء بصلة. 

- تعبانة؟ 

0 

كده أحسن . 

وبكل ذراعه أحاطها حتى Cowal‏ في حضنه» وأصبحا في 
حارة» وأصبحت تعرف أنه في الثامئة عشرة» وأنه يعمل مع أبيه في 
تصليح البوتاجازات» وأنهما يقطنان قريباً» وأنه وحيد» وأن أمه ماتت 
في عملية . 

وأيضاً أصبحت تعرف سبب غضب السيدة زيلب منها. فليست 
هذه أول مرة تأتي إليها مضطرة . 

بعد المشوار الطويل. . بعد أن تصبح جدة للمرة الرابعة» Lily‏ 
لمدير عام شاب لامع» ولدكتور في جامعة يؤكدون أنه الوزير 
pola‏ والشالث تاجر سيارات مستعملة وأغناهم ewe‏ وفك 
تزوجت وتعمل أيضاً في الخارجية . 

سعادة الاكتفاء موجودة ولا حد لها. المهمة تمت بنجاح ساحق 
رغم أن المرحوم مات في ثلاثة أرباع الطريق. الجميع يتوجونها Ul‏ 
مشالية» ويأتي أولادها كل عيد» وكل مناسبة» وانتي» وانتي» 
وانتي . . ولكنها كلمات . 

الرجال والابنة الذين لم يعودوا في حاجة إليها. . يدللونها 


النداهفة 


\Vo 





ويهزلون معها ويبدءون يسخرون من الأشياء القديمة المتراكمة في 
الشقة» تلك التي نموا وهم يحملون لها الحب والتقديس. صحيح 
أن هناك روابط كثيرة تجمعها بهم وتجمعهم بهاء نفس الروابط التي 
تنزعج لها إذا علمت بمرض أحد» وينزعج لها الأبناء أو جزع الابئة 
إذا ارتفع لديها معدل الضغط أو نسبة السكر. ولكنه جرع مخالف 
تماماً لمثيله أيام كانوا أولادها وأيام كانت Sha‏ أمهم. جزع على 
اللعبة القديمة ذات الشعرات البيضاء التي نحاول أن نحفر في 
صدرها كلما ضممناه عسانا نعثر على قطرة واحدة من نبع OLS‏ 
. يرويناء وكانت تتعاظم بنا وبها السعادة إذا روانا جزع الزمالة ربما في 
المجتمع الأكبر الذي أصبحنا فيه أولاداً وبنات وأمهات وزملاءء وإن 
كانت تفرق Ley‏ بعض السئين. حتى غداء الجمعة» من الصباح الباكر 
تكدح لتصنع مع خادمتها العجوز لكل منهم ما يفضله. وبزيطة 
وابتهاج يبدءون يقبلون والابن الواحد الذي لا تزال تذكركم به كان 
نحيفاً Lots‏ وهو طفل صغير أصبح اليوم clays‏ زوجاً قديماً له أولاد 
وبئات ينادونها ly‏ «تانت» ويا «تيزة» ويا «جدتي» . أصبح الولد عائلة 
بأكملها وأصبحت له أسراره الخاصة وهمساته وغمزاته مع زوجته أو 
مع أخيه الآخرء وهي الوحيدة البعيدة عن اللعبة. ويوضع الطعام 
ويأكلون. وبينما في أعماقهم قد أدركوا من زمن أن طعام أمهم من 
الأحسن لها ولهم أن يبقى ذكريات حلوة؛ ومذاقاً يعطيه حاجز الزمن 
قيمة ومتعة. فالواقع الحاضر أنهم قد فقدوا الرغبة تماماً فيه وأنهم 
بالكاد يزدردونه» فلقد جاءت الزوجات معهن بأطعمة أخرى؛ 


۱۷٦ 





وبأصناف لم تخطر للام على بال» حتى الطعام وتعليقاتهم البالغة في 
استحسانه أصبحت Bale‏ قديمة تبتلعها على مضضء فإنها لتحس 
بالأمر كله» وبيوم الجمعة وكل ما يحدث فيه تمثيل في تمثيل يجيء 
فيه الأبئاء ليروا أبناءهم تحضنهم الجدة العجوز. ويتسلون بتدريبهم 
على نطق اسمهاء وربما يثير اليوم في نفس أحدهم ذكرى أو حادثة 
طفولة . تمثيلية سرعان ما يمل الممثلون القيام بهاء فإذا بكل واحد 
قد انزوى مع زوجته في ركن أو على فراش» أو قد اجتمع أربعة 
منهم يناقشون موضوعاً لا صلة لها به. كل ما في الأمر أنه بين الحين 
والحين؛ وربما على دقات جرس ضمير سطيء المفعول» يتعطف 
عليها أحدهم بكلمةء أو colt‏ أو بقبلة سريعة» لا تلبث أن تدرك 
أنها وهي في بيتها تأويهم وتطعمهم قد أصبحت عبئاً هم مضطرون 
للخلاص منه بعد قليل. فسرعان ما تبدأ سلسلة الاكتشافات. وينظر 
أيهم في ساعته ثم يشهق مروعاً: أنا نسيت ميعاد المحاضرة. وما 
أتعسها من دقائق أو ساعات تلك التي يقضيها الباقون وتقضيها معهم 
وهي محرجة تدرك أن كلا منهم لا بد يبحث لنفسه عن اكتشاف جديد 
أو عذر وجيه. حتى الأطفال ملوا سماع حواديتها ويطالبون 
بالتليفزيون. بل امعاناً - تذهب إلى المطبخ أحياناً لتجد الملاذ في 
الخادمات» فإذا بهن هن LAU‏ مشغولات بتبادل أنباء فضائح 
الأسياد والسيدات والجيران» وأحدث الزيجات والطلاقات بين نجوم 
الغناء والسينما. وفي النهاية. . وبعد كل الضحيح الهائل والازدحام 
تصبح مرة أخرى وحيدة تماماً في الشقة الكبيرة ذات إلسقف العالي . 


النداهة 


\vyY 





1۹۲ 


فحتى الخادمة العجوز تأخذ بعد ظهر اليوم نفسه إجازتها. 

لا لوم! فهكذا الدنيا. . وأولادها لم يعودوا بحاجة إليها إلا 
كديكور of‏ محنط في شقة «العيلة»» ولكن الأم فيها لم تنته بعد. . 
لم تمت! ما زالت تدق داخل قلبها الكبير. وحين مات المرحوم لم 
تفكر لحظة في الزواج أو في تغيير حياتها مع أولادهاء فلقد كانوا 
هناك. . صبية صغار وبنات لا يسمحون لها أن تغيب عن أعينهم 
لحظة لشدة حاجتهم إليهاء ولا تسمح هي لنفسها أن تتغيب لحظة 
لشدة ما تريدهم أن ينهلوا من صدر أمومتها ويروون بذلك النبع 
الأحضر الريان في أعماقها. سعادتها الكبرى أن تعطيهم. وكان 
طبيعياً fae‏ أن يأتي اليوم الذي لا يعودون بحاجة إليها وقد أصبحوا 
بدورهم obi‏ وأمهات يريدون هم أنفسهم البذل لأولادهم والعطاء . 
ماذا تفعل والأم فيها لا تزال قادرة موجودة يقظة» فقد تروجت 
صغيرة وخلفت صغيرة ولا تزال بعد لم تصل إلى الخمسين . 

يا ريت تزوري السيدة! 

وكأنما هبط الاقتراح كالحل العبقري لمشكلة أبناء يريدون 
فرض اليأس والشيخوخة على أمهم فرضاً: يريدون فرض اللاحول 
واللاقوة والسكون والسلبية التامة. . فرض الموت عليها فوق سطح 
الأرض انتظاراً للحظة الانتقال إلى باطنها. أبناء يريدون هذا وكأنما 
ليزيحوا عن خواطرهم الواقع الحي الناطق أنها بعد لم تصبح شيخة. 
صحيح أنها لم تعد شابة مثلما كانت حين مات أبوهم» ولكنها 
بالقطع والتأكيد لم تعد تصبح ‏ وباستماتة تأبى أن تصبح ‏ في القريب 


\VA 





11۳ 


العاجل شيخة. وليست الشيخة Lal‏ كي يفرضوا عليها الشيخوخة 
فقط» إنما لكي وهذا هو الأهم . ويفرضوا عليها الوحدة. فالوحدة 
إذا كانت حراماً على الأنثى أو الشابة فهي حلال على الشيخة» وما 
لم تصبح شيخة فعليهم أن يحلوا هم مشكلة وحدتهاء ومن هنا يعتبر 
اقتراح زيارة السيدة إذن حلا عبقريا. 

ان شالله يا سيدة . 

«fel‏ يوم الجمعة بعد الغداء الحافل» بعل of‏ تستمتم بهم 
مرصوصين حول مائدة الطعام الفخمة. . الرجال من أبنائها والبنت 
مع زوجها» وبعد أن تحمل أحفادها كل بدوره وتهدهده وبأسماء 
تدليله. عليها أن تذهب للسيدة وتقضي بقية اليوم تدعو وتتعبد. وفي 
العام القادم بإذن الله تحجين وأمانة عليك أن تقرئي لنا الفاتحة يا 
ست الحبايب» ولا تنسي أن تدعي المنى ) بالنجاح, «ولحمادة» 
بالشهادة, ولابنك ‏ آنا - باستقالة رئيس مجلس الإدارة ليفرغ منصبه. 

- ويه رأيك يا ستي؟ 

والتفت الكل إلى الأخ الصغير فقد بدا وكأنه وجد.الضالة 
المنشودة : 

- الجمعة السيدة» وإن زهقتي يبقى الاثنين الحسين» وإن 

واحنا مستعدين . 

أجل! هم دائماً مستعدون لكي يحولوا العواطف والمجاملات 


اللداهة 
۱۷4 لنبدامة 





١٠١15 


والواجبات إلى معادلة نقدية؛ ربما لأنهم أصبحوا يمتلكون النقود. . 
بينما لم يعودوا في حاجة إلى العواطف والمجاملات. 

بالتأكيد مشروع سقوطها كان من غضب السيدة عليهاء فهي 
أبداً لم تذهب بدافع من ذات. . تريد» إنما مدفوعة لا إلى زيارة أو 
قراءة فاتحة وإنما إلى مصير لا تملك دفعه . 

- ياه! احنا مشينا كثير. آنا اتأحرث. . نشوف تاكسي؟ . 

- زهقتي؟ 

وتطلعت. . هذا الوجه» تلك الملامح الطفلية التي يسكب 
فيها سن الشامنة عشرة أول كم من عصير الرجال فيصبسح 
لها للسن ‏ جمالها الخاص بحيث يضيء وجه كل فتى وكل فتاة؛ 
حتى المحرومين من الجمال» بنور جميل طازج. . نور تلك السن. 
شاربه النابت المحلوق الذي تكاد تعد جذور الشعر فيه شعرة شعرة» 
بينماالذقن تتسلل من الصدغين هابطة على استحياء. ولكنها في 
وسط الذقن تماماًء وحول وداخل طابع الحسن تنطلق فجأة. . 
كنافورة شعرية مستديرة. العينان فيهما نظرةء ليست لها صفاقة 
نظرات الرجال أو مجال أبصارهم الخاضع للإرادة والوعي 
والتحديد. . وليس فيها شقاوة الصبية إنما هي نظرة بدأت تدرك وجود 
الآخرين» وكما ترى الناس باستطاعة الئاس أن يروا ما بداخلها.. . 
داخلها المليء في تلك اللحظة إلى الحافة بنداء أقوى ما رأته عيناها 
من نداء. . ألا تذهب. . أن تبقى. نداء حقيقي صاعد ربما رغم 
al‏ صاحبهء شتان ty‏ وبين نظرة الدكتور أو المدير ابنها وهو يقول 





بينما هو يستعد GHEY‏ الباب خلفها بعد انتهاء زيارتها: 
- وحياتك. . وحياتك يا ماما تفعدي تتعشى معانا. 


- حضرتك عايزة تروحي؟ مش تستريحي شوية. . على بال 
الوجع ما بخف؟ 

عادت ترمق النداء قوياً ملحأ في عينيه؛ لا تملك عصيانه. نداء 
يحرجها. . فهو لا يتبع بكلمات تلح الإلحاح الكافي» إنما هو بترك 
على كل ما تملك من مقاومة» وتسأل: 

ولكنه وبحداقة آهل حي الحنفي قدم الحل البديل» فأبوه في 
الدكان» وعلى بعد أمتار يوجد ree‏ المكون من حجرة idly‏ وصالة 
صغيرة. أيليق بالمقام؟ 

أي مقام والساذج لا يدرك أنهاء منذ أن استقبلت النداء قوياً 
صادقاً مجتاحاً قد أصبح له على الفور المقام الأعلى» وأصبح أقصى 
.ها تتمناه أن تعمل وبكل ما تملك لإسعاده. منذ النداء قد انتفض 
داخلها مارد قادر على کل شي ء٠‏ جي نابض بالحياة» مارد تجاهلته 
وحاولت قتله» وتجاهله أبناؤها وکل من حولها وبکل ما يملكون من 
قيم وعظات وحكم ومثل » حاولوا خئقه أو سجنه ليموت جوعا 
واهمالاً وحرماناً. . مارد حين انتفض يرتد من النقيض إلى النقيض» 
ويعود بها وكانما ببساط سحري إلى أرض شابة حية مدمدمة بحركة 


VAS‏ النداهة 





11 


الحياة» وکل ما فوقها وعليها وداخلها ينبض . . أرض. . مرعبة. . 
مرعبة beled‏ 

النظرة ليست كلها احتياج» هناك وراءها مكونة مركزها وقلبها 
رغبة» رغبة ملتهبة صامتة كأنها العواء بلا عواء. ولكن فليكن وراءها 
جهنم نفسهاء إنها هي وإرادتها الكفيلتان ce gt gly‏ بأن تأخذ من 
النظرة ما تشاء وترغمه على التخلي عن أي شيء آخر. إنه طفل. . 
ليس سوى طفل حتى وإن بدا أطول منها قامة» حتى وإن أطل لها 
كاللص بصيص من ذات ذاتها يحاول أن يرى في الفتى كل ما ليس 
بطفل فيهء كل الأشياء التي يمكن أن تتلصص عليها المرأة. . أية 
امرأة. 

مخاطرة فلتكن واثقة من أن رأيها هو الرابح. وائقة أنها في 
النهاية ستعطيه أماً ولو لساعات» وستأخذ مله ربما رغم أنفه ابنأ ولو 
لدقائق» وأنها أبدا أبداً لم تعد تستطيع الهرب من ذلك القدر. 

الغريب» وذراعه لا تزال تحث ابطها تسندهاء والعيون في 
شارع الحنفي كثيرة لا عمل لها سوى التحديق Line‏ عن لمحة 
إثارة. . الغريب أن العيون لم تستنكر» حتى الجيران اعتبروها الخالة 
الغنية لا بد تبحث ‏ بالوفاء عن أقاربها من الفقراء. والناس في 
تسليمهم بكل ما تواضعوا عليه أبداً لا يبدءون هم بالشك. قریباً من 
رأس السلم المؤدي إلى شقة السطوح حيث يقطنون؛ انزلقت يده 
التي تسندها وتحتضنها: متحسسة الظهر. . يد اكتسبت - بطول 
الاحتكاك ‏ بعض الجرأة . 


1۸۲ 





11¥ 


ولم LY‏ للوقت أن يضيع فيما لم توطن نفسها عليه . أفهمته 
بلطف أنها إنما جاءت معه لا لكي تستريح وإنما لأنه حرك أمومتها 
دوكان طبيعياً جداً أن تكذب هنا وتقول إن السبب أنه يشبه ابنها الذي 
فقدته في مثل سنه بالوفاة» فإذا كان هو Lay‏ مانت أمه فهي العكس 
تماماً. الأم التي كف الأبناء أن يثيروا فيها أو يحتاجوا إلى أمومتها. 
ستكون أمه إذن لبعض الوقت» وإذا أساء الفهم فإنها من هنا وقبل أي 

ة ثانية ستعود . 

وطبعاً استدكر وأكد وقبل» واثقاً أنها تعني حقيقة ما تقول. 
مقرراً بينه وبين نفسه أن يطاوعها ويستمتع أولاً بالأم فيهاء وحبذا لو 
فاز بعد هذا بالمرأة أيضاً. 

- يعني أنا زي ابنك دلوقتي؟ 


- وأنا زي أمك . 
- فكرة والله. . طب وحا نعمل إيه بقى؟ 
- اللي بتعمله الأمهات . 


خلعث فستان الخروج الأسود وبقيت بثوبها الداخلي الرقيق» 
وبينما الماء يفطي أرض الشقة التي لم تدظف من أجيال وهي بكل 
همة ‏ ورغم الألم ‏ قد انحنث تمسح وتنظف» كان هو يخرج ويدخل 
هائصاً يغنى . . باختصار... سعيد. وأرسلته «بالسبت» والنقود وعاد 
ملهوفاً باللحمة والخضارء وبدأت رائحة «التقلية» تتصاعد» وبينما كان 
«البوتاجاز» القديم يطهو الطعام على مهل وفي حجرة قد نظفت تماماً 
ونظمت» كانت هي في الحمام منخرطة في غسل الملابس» كل ما 


النداهة 


ما 





تحويه الشقة من ملابس حتى «الأفرول» الذي يرتديه أصرت أن 
يخلعه لتغسله وعليه أن يبقى بلباس داخلي انتقته له من وسرة» 
ملابسه القديمة وهو طفل لا يزال. 

وبالغسيل يكاد ينتهي» ورائحة الطعام قد نضجت» وغناؤه قد 
علا وتخللته قهقهات لأتفه الأسباب» كانت سعيدة سعادة لم تذقها 
ربما في شهر عسلها الأول نفسه. فلم تكن قد تزوجت حبيباًء إنما 
ترركت LS‏ كان رفعل العاتن :في أيامهنا من gee‏ جنا عن Seb‏ 
قريب. ولولا العشرة الطويلة والخلفة والطباع الحلوة لكانت كرهته» 
ومن يدري ربما كانت قد أحبته» أو على الأقل جربت شعوراً ملتهباً 
غير مستقر يجعلها تبرد وتغلي وتتفجر بدلا من هذا الاحساس 
المتصل الطويل لا تعلو له قمة ولا بهبط إلى قاع» سعادة لم يذقها 
الفتى وأمه نفسها عائشة» فقد كانت رغم قبلاتها الطويلة الخانقة لا 
تناديه إلا مسبوقا بلفظ سباب. وإذا احتوته جرحت مشاعره البضة 
شوكات حنانها الخشئة. . حنان ما حاولت مرة تلييئه أو اعطاءه نعومة 
الأم الأنثى إلا وغلب عليها الطبع في النهاية وعادت إلى طبيعتها 
الخشنة. إنه الآن يكاد لا يذكرهاء يكاد ينسى كيف كان موقفه 
حيالهاء فلحظة الحاضر جاءت تغرق كل ما فات» وها هو بكل نزق 
وضحك وجري ودلال وشقاوة» يعيش كما لم بيعش haat‏ كمالم 
يحلم بعيش كهذا من قبل. وقد صح ما توقعته تماماًء فالأم فيها 
أعادت al]‏ الطفل, والطفل فيه أعاد لأمومتها لمسات وملامح ذبلت 
وجفت ومائت من سنين. لكأنها تصبح أما لأول مرة. 


105 





واندفع بسزق صبياني يرفع غطاء الحلة ويلتقط بعض قطع 
اللحم الملتهبة التي لا تزال في طريقها إلى النضج . ونهرته ووضعته 
أمام الأمر الواقع, فقد إصبح كل شيء نظيفاً ما عداه. ولا بد أن 
يستحم . . وأيضاً قبل الطعام . ويا له من شعور LU‏ انتابه وهو يحاول 
مماطلتها وتأجيل «علقة» الحمام إلى ما بعد الغداء» وهي تصر اصرار 
أمومة ناعم تحسبه قابلا للتعديل» ولكنك لا تلبث أن تدرك أن نعومته 
أشد صلابة من اصرار يملؤه النهر والسباب. 

بدلع قال : 

- يبقى تحميني . . مش أمي؟ . . أمي تحميني . 


وكان يعرف أن الاقتراح مرفوض. فما هو بالرضيع أو الصبي» 
ولكنه ربما قاله ليسبر الغور ويعرف إلى أي مدى أصبحت Lt‏ وإلى 
أي مدى استترت المرأة. وفي دفعتها له من ظهره لتدخله الحمام 
وتجذب الباب أحس أنها ليست أبداً دفعة استنكار شديد» هي 
تمضي في سياق واتساق مع لعبة الابن والأم وما وراءها غامض كل 
الغموض . 

- ادعكي لي ظهري . . من يوم ما ماتت أمي ما حدش 
دعكهولي . 

ولو أوتيت كل قدرات العالم النفسي لما استطاعت أبداً أن 
تدرك لماذا قبلت» ولماذا صرخخت قبل أن يدخل تطلب مئه الجلوس 
القرفصاء وإعطاء ظهره للباب» وماذا بالضبط كان شعورها والليفة 





المتأكلة لا تمنع يدها من تلمس جسده» والاحساس بعضلات صلبة 
بمشل ما لم تكن تتوقع» متناسقة» تجعل من كومة اللحم الحي 
المنحنية على نفسها تصدر العواء والأصوات كتلة مجهولة ذات 
خطرء كتلة شاب كبير الجسد دافثه . , 

وتسأله إن كان قد غسل خلف أذنيه بالليفة» وتكتشف بعد 
سلسلة من الأسئلة أنه لا يعرف بعد كيف يحمى نفسه: لا أحد قد 
علد أنه یش با را ما بات .رد ايء اد که من الت 
من الصدر الحنون» من الالحاح عليه بالافطار» من تنظيف كامل 
وأمين لجسده. . ألف يتم . 


وحين انتهت من مهمتهاء والماء ينصب ويتلوى الفتى 
لانصبابه» وكأنها فجعت ودهشت» روعتها النظرة الخاطفة حين ألفتها 
فكشفت لها عن معالم الرجل فيه. وفي الحال واجهت نفسها ‏ فالأمر 
لم يعد يحتمل الخداع ‏ لقد كانت لساعات طويلة توهم نفسها بابن 
حبيب عثرت عليه اليوم صدفة» ولكن هذا الشاب الممشوق الجسد 
وما به من رجولة ليس أبداً ذلك الابن» إنه غريب عنهاء جسده كله 
جاء من امرأة أحرى» وله أب لم تره في حياتهاء وحياة طويلة قبلها 
لم تر منها إلا عرض أصيع . 


ومضة! ولكنه أدرك. . وفهم › واعتراه الارتباك في نفس لحظة 
ذهولها وارتباكها. وشتان نع احساس تلقائي منساب كجداول الطبيعة 
بالنبوة والأمومة وقد انقطع ‏ بترته النظرة العابرة ‏ ليكملا الدور بعمد 


۱۸٦ 





١٠١١ 


هذه المرة» وبارتباك وبإشراك هائل للإرادةء محاولاً هو فيه أن يخفي 
علامات الرجولة فيه» ومحاولات دائمة منها ألا ترى سوى الطفل» 
محاولات كانت لا تزيدهما إلا ارتباكاً. . محاولات أنهت الحمام 
فجأة وفي خفوت متعمد» وكأنه كان السبب في مأساة . 

وعجيب حقاً أن تتسع نفسها بعد كل هذا المزيج المتناقض من 
الأحاسيس بإحساس جديد مرق كالشرارة» احساس بفرحة صغيرة. . 
فرحة أي أم حين تكتشف في ملابس ابنها الداخلية ذات يوم أنه بعد لم 
يعد طفلاء السؤال المعلق وقد بدا المساء يحل في دكان 
أبيه ‏ سؤال لم تنطقه» ومع هذا فقد جاءها الجواب بغير عناء: انه مع 
أصدقائه في حي «الباطنية» مجتمعين حول «الجوزة» ويشدون أنفاساً 
تقهقه لها «الجوزة» ويقهقهون. ويثوبون بعد القهقهة العنيفة إلى 
سعال طويل . جلسة لن تنتهي قبل أن ينتصف الليل. ودون سؤال مله 
فالسؤال كان لنفسها جاءتها الإجابة: إن شيئاً لا ينتظرها سوى جدران 
الشقة الكبيرة العاليةء الفارغة وسجادة الصلاةء ولا شيء بعد هذا 


أبداً. 
- أنا بردان. . باين الوساخة كانت مدفياني ! 
ضحكت للدكتة وظئنته يدعي . 

الوحيدة . 


واصطكت أسنانه بشدة» وعطس أكثر من مرة. 


AY‏ الندامة 





لو كانت هناك مدفأة أو أخشاب لأشعلتهاء ولكنها في بحثها 
الدائب المنخلع القلب عما يمنع عنه البرد والرجفة»ء ورعبها أن 
يمرض لم تجد هناك سوى نفسهاء وأدارت ظهره إليها واحتضتئه 
دافعة بساقيها وتقوسات بطنها وظهرها لتشمل انحناءات جسده CAS‏ 
وأصبحت يداها تضمانه بشدة , 

وشیا فشيئاً كف ارتماشه. 

Let,‏ فشيثاً بدأ يحل بجسده احساس غامر شامل بالراحة 
والسلام والأمن . وهي في نفس الوقت نشوي وحضنها قد فعل فعله» 
نشوة آم أرضعت ابنها كل ما يؤرق ثديها من لبن . 

ولیس أبداً OY‏ جسده استكان تماماً إلى دفثها. 

إنما ‏ هكذا ‏ وربما في نفس اللحظات بدا حضنها نفسه ينسيه 
المرأة فيها. . ويمر عابراً بالأم. . ويستقر عند أول الطريق إلى شعور 
آخر مخالف تماماء جديد تماما ذلك الذي يجعل القلب يدق. . لا 
من الرغبة وإنما بما هو أقوى. . بالانفعال» بالعاطفة. ٠‏ 

| وكان مفروضاً أنها بعد أن استكان إلى حضنها وشبعت أمومتها 

أن يبدأ قلبها هو الآخر يدق» لكل ما هو غريب في فتاها وليس لكل 
ما هو قريب . 

ولكنها ولفرط ما هي خحائفة كبتت الشعور. 

وهكذا بينما ‏ رغم التصاقهما الشديد ‏ بدأت تنمو وتسرعرع 
ضبابة عاطفية تغطيهما تماماً وتربطهما تماماًء يفرزها جسداهما لتثير 


\AA 





۳ 


كل ما لا باستطاعته أو يملك الجسد اثارته , 
أيكون الحب؟ 


المربع الثاني 


لیکم» فإن كان المقياس المعرّة» فإن أحداً على ظهر الأرض 
حتى أولادها أنفسهم ليسوا بأعز عليها منه. أما هو فقد استكان إلى 
ملجأ غریب لم يجربه أبداً. . أحس معه بكل ما عاناه ویعانیه» بكل 
شظف العيش مع أب حشاش عجوز» ونساء يشتهينه حتى ليلتصقن 
به عامدات فوق السلم الضيق» بكل شيء lS‏ ما كان ولن OS‏ 
als‏ يولد هذه اللحظة ولادة تحف بها كل أحلامه» كل ما حرم منه» 
كل ما سوف يحرم منه . 

fool يكن‎ 

لتكن الجنة! 

لتكن أقصى سعادته OV‏ أن يستسلم للأحلام التي بدأت 
تخلعه من الواقع وتحمله بتؤدة إلى النوم . ولتكن إغفاءتها هي الأخرى 
علامة شبع بعد مائدة انتظرتهاء جوعى تتلوى لسنوات . 

ليكن! لولا أنه مع الدفء وبعيداً عنهما تماما وعن العقل 
والأحلام والمتعة المتخيلة» بدا ثمة جسد يحس بجسدء مباشرة وبلا 
واسطة؛ تاركة العقول تسبح فيما تشاء, عاقدة هي وبلا أي قوة 
تستطيع إيقافها الصلة والاتفاق. 


۱۸۹ التداهة 





£ 


والأجساد لا تتخيل وتحلمء انها لا تعرف للتعبير عن نفسها إلا 
الالتحام والاحتواء» بینما الأحلام تلتفي وردية لقاء الخيال والعالم 
اللاملموس . 

وبدأ الجذب. 

رغم ارادتیهما معاً. 

عر يط عاك بک وكات Saga‏ فی او راك 
وكأنما لو ترك لعنانه لأحال نفسه إلى طفل يستكن في بطنها 
تضمهء بادئة بيده التي أنقذتها من wale‏ محقق تعتصرها بين 
أصابعهاء إلى وجوده الجسدي الكبير الغريب المتكور. إلى حيائه 
كلها وأبيه وحجرته وملابسه المعلقة تجف. تحتويها كلها» وتضمه 
وكأنما لتعيده إلى حيث يجب Of‏ يکون» إلى بطنها وذاتها. 

عاطفة الحب التي بدأت لا جسدية بالمرة وكأنها من صنع 
الخيال» ما ان بدأت الاجساد تتقارب حتى استحالت إلى فوة تلهب 
الجلب. وتشرك فيه الاحساس والمعنى والخيال . 

ولو كان الجزاء الموت حرقاً أو فوق خازوق. 

ولو اجتمعت الدنيا كلها لتوقف قوة الجذب الخارقة لوقفت 
pk‏ 





١٠١م‎ 


قوتها. 
الحياة حين يصبح هدفها الأوحد من البقاء والوجود والاستمرار 
أن تتحد. 


الحياة حين تخلق العاطفة قوة تجذب. BE‏ تلامس الحيان فلا 
شيء بإمكانه أن يفرق بينهما. لقد استعانت بأولياء الله ومشايخه. 
وبالسيدة» وبصبرها الذي طال عشرين cle‏ بابتسامة أبيها الحنون» 
بأمها المرحومة ذات العشر حجات. بالفاتحة وآية الكرسي وكل ما 
يطرد الشياطين . واستعان هو بشيخ طريقته» وتعاليمهاء وكل ما تراكم 
في ذاكرته من أوامر ومحرمات. . ولكن جوع الجلد إلى الجلدء 
جوع Cala‏ إلى الل وط pal‏ إلى الف والسيفيان المت 
حول السيقان كان هو الذي كل مرة ينتصرء ويقهر. 

جذب من جذب ذلك الكون الشاسع القادر على تعليق 
كوكبناء بل شمسناء وملايين غيرها. . في فراغه المخيف بلا شيء 
سوى جذب التجاذب وجذب التنافر. جذب لا يدري للآن sol‏ 
سره. . ذلك الذي يجذب المرأة إلى رجل بالذات لتستعمله كوسيلة 
تحصل بها على نسخة من صنعها هي لهذا الرجل. على ابن ما 
أروعه لو abe‏ تماما كأبيه لتستميت في حبه. وحبذا لو أبیح لها أن 
تختار هذا الابن نفسه لينتج لها ومن ذات نفسها أيضاً اباً آخر. . أكثر 
قربا لما تريد وتهفوا. 

جسدان راقدان متجاوران متلاصقان هذا صحیح » من ساعات 


النداهة 


15١ 





GALS مجرد كائنين مثلهما مثل الملايين الأخرى من‎ ULS 
ملتصقان وكأنما بفعل مغناطيس فانونه الأوحد أن يتجاذب قطباه حتى‎ 
لو كان أحدهما في الخمسين والآخر لم يبلغ العشرين؛ بل حبذا لو‎ 
كان أحدهما في الخمسين والآخر دون العشرين.‎ 

جسدان خلفتهما قوانين the‏ لا تقهر. قوانين : أكثر تعقيداً Say‏ 
من كل نزعات الانسانية للتخلص منها. قوانين غريبة سارية تحيل 
الفراغ بينهماء ان كان قد بقي فراغ. إلى جحيم من الانفعالات 
المكبوتة؛ والقاهرة المنطلقة, والمناطق المحرمة التي شيئاً فشيثاً 
نستباح» وهي مستميتة تنشبث بخط دفاعها الأخير كأم لأولاد مقربين 
ناجحين متعلمين» el ie‏ 
المشهد القائم» أو توقف التحرك إلى المشهد الفاجع التالي. 
لينقذوها على الأقل من كهارب وتيارات وأحاسيس تشل إرادتها Lad‏ 
Lats‏ وتعمق لديها احساس الأم. ليوقفوا الحفر الدائب داخله 
وداخمل قدرتها على العطاء حتى لا تبلغ هذه القدرة على العطاء 
tolls‏ أقصى مداهاء بحيث ‏ أعوذ بالل » أعوذ بالله - bts lt‏ 
أي دفعة أخرى بسيطة | إلى رغبة في الأخذ والاستقبال» وتمضي قدماً 
في خط الأمومة لتصل إلى أقصاها حيث الأنثى» ومن رغبة إلى 
الشاب إلى رغبة ملحة في الحصول على صفاته وسلامحه؛ وعليه 
كله مصغراً وفي حجم بويضتها المتربصة المنتظرة . 

بيئما تبلغ به رغبته فيها كأم إلى حد لم يعد يحتمله؛ إلى 
حد يصبح كل abel‏ ومناه أن تكون أمه وحده. بحيث تنغلق عليه درن 


14۹۲ 





سواه من البشر أو الأخموة أو الأزواج والأبناء. تبلغ به الرغبة حداً 
يجعله يحتاج إليها كأم إلى الدرجة التي لا يعود يكتفي فيها بمعالم 
الأمومة الظاهرةء إنما يبحث وإلى Al‏ رمق حتى يصل ويستولي على 
as‏ الأمومة فيهاء على الأنثى فيها. فالأم دائما أكبر من أي coil‏ ولكن 
الأنثى لا ينالها إلا رجل واحد وتكون له وحده. 

ومهما كانت الردود وفعل الردودء والاقدام مرة والخجل مرةء 
بحضور تاريخ طويل من النواهي والأوامر مرة» واختفائه حلف قوانين 
الحياة العظمى مرة أخرى» به حين يبدأ يتصرف كشاب فتنهره كأم» 
وبها حين تضمه مؤملة أن تسكته بأمومتها فتتحول الأمومة بفعل النار 
الموقدة إلى أنوثة . بالأربعة معاً الابن والأنثى والأم والشاب في صراع 
لا رحمة فيه بين بعضهم البعض» وبينهم وبين أشباح الآخرين 
الحاضرة وأشباح غابت ومقدسات لها مفعول الأزل» بهذا كله ترتفع 
الحرارة حتى يتشعب اللهب» وعلى لهيبها تحترق أشياء كانت لا 
تقبل الاحتراق» وتذوب النواهي» ويذوب كل ما كان وكل ما 
سيكون. ولا يبقى سوى المرأة المحتمية بالأم فيهاء والابن التائه 
يبحث عن أنثاه المختفية داخل المرأة الأم . 


ولو الأمر > الأجساد وتلقائيتها لانعكس التيار الصادر عنها 
يعطيه الأنوثة أمومة» إلى تيار يستقبل العطاء ويحيل البنوة ذكورة. 

ولكن الانسان ليس جسداً فقط. . انه ليمتلك في جسده عضوا 
غريباً ساحر المفعول اسمه العقل. ودون اشراكه وموافقته فلن يصدر 


۱۹۳ النداهة 





A۸ 


عن الجسد فعل أي فعل . . أو يتحرك مستقلا قيد أنملة. 

وباستماتة؛ وكأنما استجابة لدعائها الحار بالأولاد وقد 
استجمعتهم كالجيش «العرموم» حولها يتوائب منه أحفادها 
ويستنكرون مسلك الجدة بينما اباؤهم يتطلعون بعيون زوجاتهم اليهاء 
حيت استحضرت المرحوم هو الآخر وسنوات الكفاح والرفض 
المستميت للزواج من بعده» حين حشدت التاريخ الماضي كله ليمنع 
لحظة فاصلة. . حدثت المعجزة» واستعادت الأم والأرملة العذراء 
سيطرتهاء وانتابتها من هول ما هي فيه رعدة وأفلتته . 

ولكن ربما لقصر في تاريخه» ربما بحكم السن»ء لم يستطع 
هو أن يعود poled‏ أو يخفي عنها أو عن نفسه رجولته ولا رغبة 
الرجل فى الأنثى. . أي أنثى التى أصبحت تعميه. كان قد وصل 
بشعوره إلى لا و فا :ن استحالة أن تحدث أصبح 


المستحيل تماماً أن يعود. 
المربع الثالث 


المربعات التي تاكلت سطوحها فبرزت حوافها الملتصقة. 
مربعات الدبش الأبيض الكبير التي تكون أرض الحجرة والشقةء 
المربعات التي لا يفلح «الكليم» الرقيق الرخيص في تغطية حواف 
الدبش وعلاماته. المربعات والكنبة الكبيرة العالية والمنضدة المعدنية 
ذات الأرجل الثلاث» ونافذة الحجرة الحافلة بغسيله المنشور» كان 


144 





۹ 


الشهود ليسوا شهوداً على شاب في الشامنة عشرة قد جاءت معه 
بقدمها ‏ ولو ملتوية ‏ امرأة إلى حيث يقطن حتى Oly‏ كانت قد بلغت 
الخمسين» لا ولا بين طرف رافض وطرف يرغبء ربما الأدق أنها 
كانت معركة بين كل منهما ونفسه» معركة مبهمة غير واضحة, فثمة 
سحب Ent‏ من خجل ذي درجات تلفها وتشمل المكان (MS‏ 
درجات تبدأ بالخجل البسيط. خجل الأم أن يكتشف ابنها أنها أنثى؛ 
وخجل الابن أن تكتشف أمه أنه رجل. فجأة يثور فيه الشاب فيحتوي 
الرقبة ويقبلها قبلات شابة محمومة . 


وبحسم تهمس : 
-عيب أنا زي أمك. . أنا. . ولادي أكبر منك.. أناجدة 
والله. , 


فلتكوني جدة أو جنية فالمهم أنك الآن أمامي أنثى» وأنا الذكر 
حتى ولو كنت أمي نفسها وأوصلتني إلى هذه الدرجة فلا تنوقعي ial‏ 
أن تجدي في الابن. 


يصبح الكلام بلا فائدة فتستعمل اليد.. يدهاء وتدفعه برفق 
دفعة الأم Gu‏ المئاكف؛ فيعود يقبل عليها بإصرار الابن المناكف. 
تريه الشعر الأبيض في رأسها ليصدق. . ليكتشف هو وتكتشف معه 
أن ناره لا تزيد إلا اشتعالاء وأنها كلما قربت نفسها من صورة أمه أو 
حاولت أن تستثير فيه الابن؛ لا يفعل هذا كله إلا أن يؤجج الشاب 
الذي بدا وكأن ما أصبح يثيره فيها أنها col‏ أمه. بل وصلت إلى ما 


37 التداهفة 





هو مرعب أكثرء انها هي كلما شعرت وأقنعت نفسها أنه لا يعدو كونه 
Le‏ كلما أحست ومنها له انطلقت من أعماقها الأنثى. . أنثى ترعبها 
فهي أبداً ليست تلك التي عاشت ابنة مطيعة ورباها أب وأم وعلماها 
ley‏ وان sat‏ جيرا Gat. lt pant‏ اکر ا Js cp‏ 
ما تصورته في حياتها عن نفسها كأنثى . . أنثى حبيسة شيطانية تدمدم 
مهددة بانفجار لا يعلم سوى الله مداه. . . . أنثى كأنها الأذرع الطويلة 
القوية لأمومتها تختلج متحركة في كل اتجاه» وتريد ارادة لا وسيلة 
لقهرها أن تطبق على الشاب الصغير اطبافة تبتلعه فيها وتحتويه ليعود 
مرة أخرى lege‏ منها. الشاب gill‏ وأولادها حاضرون محدقون 
شاهدون ‏ تراه هو الغريب أكثر قربا وبنوة منهم جميعاً. الشاب 
المضطرب بين خحجله منها ورغبته فيهاء الخجل حتى من ذكورته, 
بل خجل أكثر من أنوثتها. الشاب الذي وكأنما يريد اعتصار الأمومة 
فيها إلى حد SY‏ أو يريدها كأنثى إلى درجة اعتصار كل ما قد 
يكون فيها من أمومة تخصه وحده دون سواه. ظمأن إلى المرأة من 
زمن. . أماً أو أنثى. لم يعد يكفيه أن يطوقها أو يرقد ساكناً في 
حضنها وإنما يقترب منها بكل ما يستطيعه من اندفاع كي ينتمي اليها 
كما يذوب فيها ويتلاشى وكأنه الكوكب يعود بعد طول دوران إلى أمه 
النجم . 

ولكنها رغم هذا كله كان هناك في داخلها شيء لم يكف عن 
الصراخ (auf‏ أو إشعارها بوجوده» شيء يقول بأعلى صوت ومذ كانا 
على عتبة السيدة. . لا..لا..لا.. شيء قد يضعف أو يخفق 


Van 





ولكنه أبداً لم يمنح ولم يكف ولم يتقف للحظة؛ بل ظل يستجمع 
نفسه بكل قواه إلى أن انتفضت مرعوبة ملتاعة دافعة اياه وبكل ما 
تملك من قوة وعنف بعيدأ عنها. دفعة كالصخرة ارتطمت برأسه 
فأفاق» وأحس أن كل ما راوده أحلامء وأنه لا يزال ذلك اليتيم 
المنبوذ. 


وحيئذاك. . وحينذاك فقط ورغماً عنه بدأت الدموع تتجمع في 
asl‏ وتطفرء بيئما عیناه ol aw‏ إلى أمام . . تلك النظرة الملتاعة 
المفجوعة المتأكدة أنها وبلا أمل. قد فقدت حقيقة الأم . 

نظرة اليتيم حين يرمق طوابير الرجال والنساء مقبلة LS‏ 
بل وأب أيضا, 

تلك النظرة الغارقة في الدموع التي لمحتها بربع عينها وأحست 
بعدها أنها انتهت تماماء وأن على أي شيء أن يحدث ولكنها laut‏ لن 
تجعله يشعر بيتمه الثاني . 

نظرة الأم لابنها في لحظة خطر يهدد أمومتها له أو بنوته . 
وتهدهد بها فوق ملامحه الكسيرة . 

- أمال بتزقيني ليه؟ 


jal ui yay 





لم يكن رداً. . كان قرارأً. وإلى جهنم مباشرة فلتذهب. 

تعال. . تعالالي . 

وجاء. . ولم تحتوه أو يحتوهاء انما فقط ذابت المسافة التي 
اتعمرت طويلا ناء وداب الم 

وبين القطبين الأعظمين تمت شرارة الالتحام الصاعقة. 

صاعقة تزلزل لها بلاط الحجرة المربع واصطكت نوافذها ولو 
استمرت أكثر لتهدم البيت كله. 


المربع الرابع 


| وحين عادت إلى شقتها الكبيرة وجدتها صغيرة» وفي المرأة 

طالعها تعبير لم تره في وجهها منذ ثلاثين عاماً. | 

وحين جاء يوم الجمعة فوجىء أولادها جميعاً بالشيخة التي 
أرادوها وقد تفجرت فيها دفقة حياة جعلتها تبدو أكثرهم حركة ونشاطا 
وطاقة على GE‏ المرح» وكأنها عادت شابة. 

- مش قلت لك آدي بركات الست ظهرت! 

والأعجب أنها كانت أول من استأذن, والحجة جاهزة؛ فالسيدة 
لا تستطيع الانتظار. ١‏ 

وأشياء كثيرة كانت تختل في الكون وفي الدنيا وفي نظام 
البشر» ولكن لم يحدث أبدا أن اختلت مواعيد زيارتها للسيدة. بعد 
'ن تشبع بطونهم من الطعام وتغذيهم بحنان غريب وكأنه الدفاعة 


۹۸ 





البترول في بكر مهجورة وترعاهم » وتغمرهم بأمومة أصبحت ربما أكثر 
من طافتهم على الأخحذ. تستأذن ونزور السيدة. 

وفي كل مرة وبرهبة ترمق الضريح مبتعدة وتتمتم : دستورك يا 
سيدة. وكأنما أيضا توقف بها الزمن وفعل الزمن عند ذلك اليوم. ولم 
يتحرك إلا في يوم كانت على الدوام تحسب حسابه وتتوقع مجيئه. 
ولكن في الحق فاجأها حين جاء. وظلت في مكانها مشدوهة لا تريد 
أن تصدق أن اليد لم تعد هناك, وأنها لن تقودها هذه المرة إلى 
حجرة المربعات في الحنفى . 

ثم حين تمضي الساعات ولا يجيء تبدأ تقدم رجلا وتؤحر 
رجلا إلى الدكان القائم غير بعيد عن الجامع والضريح . 

ولكنها قبل أن تصله تتوقف. 

كان هناك وقد أصبح صاحب الدكان بعد ما مات الأب . 

ولكنه لم يكن وحده. 

أمام الدكان كانت فتاة في الثامنة عشرة ربماء أو أقل» فقد 
كانت لا تزا محتارة كيف تلف الملاءة بإتقان حول جسدها . 

وكان يساومها على تصليح البوتاجاز. 

مساومة ذات معان تبدأ من «الفونية؛ إلى المفتاح» والفرن 
ونار الشرل . 

والشتاة تضحك . . وهو يبتسم . . 


وبحة نظرت إليه من جديد. 


البداهة 


144 





١٠١5 


نظرة» وكأنها ثاني مرة تراه فيها بعد المرة الأولى» المرة 
ا 

كان انساناً آخر تماماً. . كانت قد أصبحت له ذقن غزيرة غير 
حليقة نابتة وسوداء كثةء وكان صوته قد غلظ وضحكته قد أصبحت 
رجالية خحشنة» صوت له ارادة ونظراته لم تعد تستقبل العالم وتدهش 
له. أصبحث فقط تراه لتحدد مسارها فيه لا غير. 

لقد أصبح رجلا کبیراء هذا واضح . 

أصبح واحداً من قافلة الرجال. . والأمهات على الرجال 
عباء. 

وقبل أن تثن أو تدور بها الدنيا. 

أحست أنها لا تريد الأنين» وأن باستطاعتها أن توقف الدوار. 
فهي ليست عاتبة أو حزينة أو مندهشة أو حتى حاقدة على الفتاة أو 
عليه. أدركت ‏ من خلال احساس غير واضح وبلا ضغيئة ‏ أنها هي 
الأخرى لم يعد لديها ما تعطيه أو تمنحه» لا فائض أمومة ولا فائض 
عواطف. والبركان الأخضر الريان لم تعد به قطرة واحدة. 

وفي مرآة حقيبتها ob‏ البياض في شعرها واضحاً تماما رغم 
«daa‏ والتجاعيد كثيرة حول جفونها ورقبتها. 
وتخركت.. 

مبتعدة, . 

ومقتربة من المسجة. . 

واستأذنت في سرهاء وكأن جاءها الإذن. . ففي خشوع وتسليم 





o 


ورغبة دحلت» وإلى المقام اتجهت. . 

ووقفت طويلا لا تعرف ماذا تقول أو تفعل . 

ثم. . وكأنما بالوحي أو السليقة اقتربت من السور النحاسي 
المقام حول الضريح ¢ وأمسكت مع الممسكين والممسكات بحلقة 
من حلقات النحاس الناعم الذي أئخنته كثرة الاستعمار. أمسكت 
بالحلقة وضغطت عليها وتشيئث تماماً بها وكأنما الأرض تحتها. 


انها الوحدة الحقيقية كما لم تتصور وقوعها يوماً. 

ها هي مثل بوادر الشتاء وبلا ضجيج » قد جاءت . 

وحدة حقيقية لا مهرب منها. الوحدة الفاصلة بين الابن وبينه 
هو نفسه حين يصبح أباًء وبينها وقد نفدت أمومتها أو ما تبقى منها 
وبين عودنها من جديد لتصبح هي نفسها ابنة. . ابنة لأم لا وجود 
لها وربما لهذا سموها أم العواجز. فالإنسان لا يستطيع البقاء انسانا 
إلا Lal‏ كان أو Lf‏ فإذا انتهت رجولته وأبوته عاد ابنأ وإذا انتهت 
أمومتها cole‏ ابئة» قاعدة ليس لها شواذ. ولكنها الآن في لحظة 
واحدة فاصلة» كوحدة السيدة زيلب نفسها وقد تجمع حولها وأمسك 
بحلقات ضريحها أناس كثيرون؛ رجال ونساء» وكلهم وكلهن 
وحيدون ووحيدات مثلها. كلهم وكلهن قد أصبح أملهم أن يعودوا 
أبناء وبنات» وحبذا لأم العواجز. . الوحيدة في قبرها رغم ما حوله 


yey‏ الندافسة 





من ازدحام» يحاول كل متزاحم أن يتشبث إلى درجة البكاء والعويل 
بحلقة من حلقات الضريح» وكأنما ليلغي ما بينه وبين صاحبة: 
الضريح من مسافة» وينجح في النهاية أن يخرج من وحدته ويبحس 
بها أمه» ولو كانت أم الجميع . فهي أيضاًرغم كل شيء وحيدة. 

وحيدة في قبرها. ش 

وحولها يتشبث الوحيدون والوحيدات . 


والفاتحة لها ولهم . 


(تمت) . 


بن 





1Y 


eS 
RES E E 
Ee EEE OR | ae 
eee ee 
ee قاع المدينسة‎ 

النداهسة 


Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine - (no stamps are applied by registered version 





144 449۸ 
Av aVEA 48 - 


رقم eat‏ 
الرقى الدری ۲ 


Converted by Tiff Combine - (no stamps are applied by registered version 





۳۹۳۸14 1141/6 شارع حواد حسي- هات‎ ۱۱ gall 
AWVYAP = ۸1۷۷18 PIONS ٠اھ ص اب 04م ل‎ eating 


Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine 





Converted by Tiff Combine -